تاريخ مدينة صنعاء

أحمد بن عبد الله بن محمّد الرازي

تاريخ مدينة صنعاء

المؤلف:

أحمد بن عبد الله بن محمّد الرازي


المحقق: الدكتور حسين بن عبد الله العمري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر ـ دمشق
الطبعة: ٣
الصفحات: ٧٢٤

(اللهم احفظ القرية ومن فيها) (١)» قال : يا بني أنا والله أسمع هاتفا يهتف بهذا من هذه القرية منذ نيف وسبعين سنة.

قال أبو محمد [العريبة وارح امه](٢) وروى يوسف الإسكافي الصنعاني ، قال : كنا فتيانا شبابا نصلي في المسجد وكان معنا فتى شاب يصلي (٣) في المسجد الجامع بصنعاء ، ففقدناه ليلة فقلنا : غاب ، ثم فقدناه الثانية فقلنا : مريض ، ثم فقدناه الثالثة فقلنا : نغدو نطالعه. فلما كان في السحر إذ هو عند سارية يصلي فاجتمعنا إليه فقلنا : فلان ، أين كنت؟ كنا نظن أنك مريض ، فقال : كنت أصلي معكم فسئمت العبادة فخرجت إلى هذا الجبل ـ يعني نقما ـ وصليت فيه ، فلما كان في بعض الليل إذ سمعت (٤) مناديا ينادي ثلاث مرات : «ألا إن صنعاء محفوظة» فلما كان الليلة الثانية بذلك الحين قال (٥) : «انتبه أما تسمع ألا إن صنعاء محفوظة» ثلاث مرات ، فلم أكن لأخرج من قرية محفوظة.

قال إبراهيم بن يزيد النعامي : سمعت رجلا قال لرباح بن زيد حين حرك صبح في المغرب (٦) : إنا نبقي على هذه القرية ، يعني صنعاء. فقال ابن رباح : كذا سمعت ابن جريج أو معمر أو إبراهيم وقد أسنده فنسيته. [قال (٧)] : إن لصنعاء لحمى من نحو مغربها كحمى (٨) الحرم.

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط في حد.

(٢) ما بين المعقوفين ليس في الأصل با ، وترك ناسخها مكانه بياضا ، وما أثبتناه كلام غير واضح في بقية النسخ فرسمنا صورته؟؟

(٣) بقية النسخ زيادة : «معنا».

(٤) ليست في بقية النسخ.

(٥) صف : «قال ذلك المنادي ألا إن صنعاء ...».

(٦) عبارة لم نستطع قراءة مفرداتها فرسمناها كما وردت في الأصول.

(٧) من بقية النسخ.

(٨) ليست في س. وفيها : «كالحرم».

١٠١

وقال وهب : لا يدخل الدجّال مكة ولا المدينة ولا اليمن ؛ أما مكة والمدينة فعلى كل نقب منها ملائكة يحرسونها ويذبون عنها ، وأما اليمن فذنب من الأرض يبعد عليه فلا يدخله.

قال وهب بن منبه : مثلت الدنيا على مثال الطير ؛ فالبصرة ومصر الجناحان ، والشام الرأس ، والجزيرة الجؤجؤ ، واليمن الذّنب.

قال إسماعيل بن إبراهيم بن مسلم : سمعت معمرا يقول : قرئ (١) عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه (٢) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(٣) ، فقال علي عليه‌السلام : «والذي نفسي بيده إنهم الذين بأزال المحفوظة في كتاب الله تعالى صنعاء اليمن».

عبد الوهاب بن همّام قال : سمعت أبي يحدث عن بعض أهل العلم أحسبه / وهبا ـ عبد الوهاب يشك (٤) ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يقول الله تعالى (٥) : «أزال كل عليك وأنا أتحنن عليك» وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خمس قرى محفوظات ؛ مكة والمدينة وبيت المقدس وصنعاء ونجران» (٦).

__________________

(١) ليست في مب.

(٢) حد ، صف زيادة : «هذه الآية».

(٣) المائدة ٥ / ١١.

(٤) العبارة «عبد الوهاب يشك» ليست في صف ، س ، وهي في هامش : مب. ويبدو أن هذه العبارة ألحقت في هامش الأصل الذي نقل عنه ناسخا : حد ، با ؛ وأقحماها في المتن. ووجودها في هامش مب يؤكد ذلك.

(٥) «يقول الله تعالى» ليست في حد ، وفي النسخ الأخرى : «تبارك وتعالى».

(٦) لم نتمكن من إخراج هذا الحديث بنصه ، وفي تنزيه الشريعة لابن عراق ٢ / ٥٨ من حديث ابن عمر : «أربع محفوظات وست ملعونات ؛ فأما المحفوظات فمكة والمدينة وبيت المقدس ونجران ، وأما الملعونات فبرذعة وصعدة وأثافت وضهر ويكلى ودلان».

١٠٢

ذكر ما ذكر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذكر صنعاء

من ذلك ما روى (١) عوف المزني أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خط الخندق عام الأحزاب من أجم الشيخين طرف بني حارثة حتى بلغ المذاد (٢) ثم قطعه أربعين ذراعا بين كل عشرة فاحتق المهاجرون (٣) والأنصار في سلمان وكان رجلا قويا ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سلمان منا أهل البيت» قال عمرو بن عوف : فكنت أنا وسلمان وحذيفة بن اليمان والنعمان بن مقرن المزني وستة من الأنصار في أربعين ذراعا فحفرنا تحت ذوباب (٤) حتى بلغنا الندى إذ خرج علينا من بطن الخندق صخرة بيضاء مروة فكسرت حديدنا وشقت علينا (فقلنا : يا سلمان ارق إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره بخبر هذه الصخرة ، فإما أن نعدل عنها فإن المعدل قريب ، وإما أن يأمرنا فيها بأمره (٥) فإنا نحب أن لا نجاوز خطه ، فرقى سلمان حتى أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ضارب عليه قبة ، فقال : يا رسول الله! بأبينا وأمنا أنت ؛ خرجت صخرة بيضاء (٦) من بطن الخندق مروة فكسرت حديدنا وشقت علينا) (٧) حتى ما نحيك فيها قليلا ولا كثيرا فمرنا فيها بأمرك (٨) فإنا

__________________

(١) مب : «روي عن عوف».

(٢) في الأصول : «العداد» والتصحيح عن الطبري ٢٠ / ٥٦٧ ـ ٥٧٠ ، ومعجم البلدان لياقوت ٥ / ٨٨

(٣) الأصول كلها : «فاحموا المهاجرين» والتصحيح عن الطبري ، واحتق القوم : اختصموا وقال كل واحد منهم الحق في يدي (اللسان).

(٤) الأصول : «دورنا» والتصحيح عن الطبري ٢ / ٥٦٧ ـ ٥٧٠

(٥) ليست في حد.

(٦) ليست في مب.

(٧) ما بين القوسين ساقط في س.

(٨) مب زيادة : «يا رسول الله».

١٠٣

لا نحب أن نجاوز خطك (١). قال فهبط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع سلمان في الخندق ورقينا نحن التسعة على شفير الخندق ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المعول فضرب الصخرة ضربة صدعها وبرق منها برقة أضاءت ما بين لابتيها [يعني لابتي المدينة](٢) حتى كأنه مصباح في جوف بيت مظلم ، فكبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تكبيرة فتح (٣) وكبر المسلمون ، ثم ضربها الثانية فصدعها (٤) فبرق منها برقة أضاءت ما بين لابتيها حتى كأنه مصباح في بيت مظلم ، فكبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تكبيرة فتح وكبر المسلمون ، ثم ضرب (٥) الثالثة فكسرها وبرق منها برقة أضاءت ما بين لابتيها حتى كأنه مصباح / في بيت مظلم ، فكبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تكبيرة فتح وكبر المسلمون ، ثم أخذ بيد سلمان فرقى. فقال سلمان : يا رسول الله بأبي أنت وأمي لقد رأيت شيئا ما رأيته قط ، فالتفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى القوم فقال : [هل](٦) رأيتم ما يقول سلمان؟ قالوا : نعم بأبينا وأمنا أنت يا رسول الله ؛ رأيناك تضرب فيخرج برق كالموج ، فرأيناك تكبر فنكبر (٧) ولا نرى (٨) شيئا غير ذلك ، قال : صدقتم ؛ ضربت ضربتي (٩) الأولى فبرقت البرقة التي رأيتم أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم (١٠) كأنها أنياب الكلاب ، فأخبرني حبيبي جبريل أن أمتي ظاهرة عليها. ثم ضربت الثانية فبرقت كما رأيتم أضاءت لي (١١) منها قصور الحيرة

__________________

(١) حد : فإنا نحب أن لا نخالفك ولا نجاوز خطك».

(٢) من : حد ، صف ، مب ، والطبري ٢ / ٥٦٧ ـ ٥٧٠

(٣) «تكبيرة فتح» ليست في س.

(٤) ليست في حد.

(٥) حد ، صف : «ضربها».

(٦) من : حد ، صف ، والطبري ٢ / ٥٦٧ ـ ٥٧٠

(٧) حد ، مب : «فكبرنا».

(٨) ليست في حد.

(٩) ليست في مب.

(١٠) مب : «أضاءت لي قصور حمر من أرض الروم». س : «قصور حمر» بالتنكير.

١٠٤

ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب ، فأخبرني حبيبي جبريل أن أمتي ظاهرة عليها. ثم ضربت الثالثة فبرق منها الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب ، فأخبرني حبيبي جبريل أن أمتي ظاهرة عليها. فأبشروا ببلوغكم (١) النصر ـ قالها ثلاثا ـ (٢) فاستبشر المسلمون وقالوا : الحمد لله ، موعود (٣) صادق بار ، وعدنا النصر بعد الحصر ، فطلعت الأحزاب فقال المؤمنون : (هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً)(٤) وقال المنافقون : ألا تعجبون يحدثكم ويمنيكم ويعدكم الباطل ؛ يخبركم بأنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وقصور صنعاء وأنها تفتح لكم ، وأنتم تحفرون الخندق من الفرق ولا تستطيعون أن تبرزوا. فأنزل الله تعالى : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً)(٥) وقال الله عزوجل : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً. وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها)(٦) فاختلف أهل التفسير في المعنى بها ، فقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضوان الله عليه يوم (٧) دخل المدائن : هذه التي وعدناها الله تعالى.

السواد بن البنا ، أبو حفص ، أبو عامر ، سفيان عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال : انتهيت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو في قبة / حمراء

__________________

(١) حد ، صف ، س : «ببلوغهم» وهو تصحيف واضح.

(٢) حد : «ثلاث مرات».

(٣) صف : «وعود». مب : «موعد».

(٤) الأحزاب : ٣٣ / ٢٢. وبدايتها : (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا ...).

(٥) الأحزاب : ٣٣ / ١٢. وانظر خبر خط الخندق بمثل هذا النص في الطبري ٢ / ٥٦٧ ـ ٥٧٠. وانظر مصور الخندق في مجموعة الوثائق السياسية لمحمد حميد الله ص ٢٥

(٦) الفتح : ٤٨ / ٢٠ ـ ٢١. وتمامها : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً).

(٧) مب : أسقطت كلمة «يوم» وأبدل فيها كلمة «دخل» ب «دخول».

١٠٥

في نحو من أربعين رجلا ، فقال : «إنكم مفتوح عليكم ومنصورون فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وليصل الرحم ، ومن كذب علي معتمدا فليتبوأ مقعده من النار» (١).

وقال بعض من سمع الواقدي ـ وقد أسنده ـ يقول في قوله تعالى : (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها)(٢) هي مدينة صنعاء. ففتح الله على أمة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما وعدهم به من فتح الشام وفارس واليمن ؛ وهو التمكين في الأرض حيث يقول تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً)(٣) حتى فتحوا الشام وفارس واليمن وصنعاء وعدن وملكوا (٤) القصور الحمر والبيض وفتحوا مصر وما بعد ذلك ، حتى بلغ دين الله ورسوله ما شاء أن يبلغ ، وكان أكثر ذلك على يدي عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه. فبعث سعد بن أبي وقاص ومعه جماعة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين قتل الله كسرى بفتح المدائن ثم ملكوا قصر المدائن الأبيض كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم فتح الله على يدي عمر رضي‌الله‌عنه الشام ، وذلك أنه (٥) أنفذ خالد بن الوليد وغيره من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ففتحوا الشام وملكوا قصورها الحمر (٦) كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفتح اليمن (٧) حتى ملكوا صنعاء

__________________

(١) مسند أحمد : ١ / ٤٠١.

(٢) حد ، صف زيادة : «قال». سورة الفتح : ٤٨ / ٢١. وانظر تفسير الطبري لسورة الفتح ٢٦ / ٩١

(٣) النور : ٢٤ / ٥٥. وتمامها : (... يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ).

(٤) مب : «وملكوا الأحمر والأبيض».

(٥) ليست في مب.

(٦) حد ، زيادة : «والبيض». وكان فتح الشام سنة ١٣ ه‍. انظر فتوح البلدان ١١٥

(٧) لعل المؤلف يريد من فتح اليمن ما فتح الله به على المسلمين بدخول أهله في الإسلام. فقد أرسل

١٠٦

وفتحت مشارق الأرض ومغاربها ، ومصّر عمر الأمصار السبعة ؛ مصر والشام والجزيرة والكوفة والبصرة والبحرين ، وكان الحسن البصري لا يجعل واسطا مصرا ولا غيرها سوى هذه الأمصار التي (١) مصّر عمر. وقال الحسن : إن عمر مصّر سبعة أمصار : المدينة ، ومصر ، والشام ، والجزيرة ، والكوفة ، والبصرة ، والبحرين ؛ فهذه السبعة هي الأمصار. ومدّن عمر المدائن ، وجنّد الأجناد ، ودوّن الدواوين ، وعرّف العرفاء ، ووضع الخراج ، ووضع الجزية ، ونفى المشركين من جزيرة العرب (٢).

قال أبو جعفر : وجزيرة العرب (٣) مكة ـ ووضع العطاء ، وأعطى أزواج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأهل بيته وذريته / وأعلاهم في العطاء ، وشرّفهم على كل معطى ، وكان يبدأ بالحسن والحسين عليهما‌السلام فيجزل لهما في الحباء ، ويزيدهما في العطاء لعلو حالهما ، وعظم قدرهما ، ورفع درجاتهما (٤) التي يجب لمثلهما ، ويعطي المهاجرين والأنصار ويجزل لهم (٥) في العطاء. وكان عمر رضي‌الله‌عنه إذا أعطى أحدا (٦) من المهاجرين قال : خذ بارك الله لك فيه ؛ هذا ما وعدك الله في الدنيا ودخر (٧) لك في الآخرة أفضل ، وتلا هذه الآية :

__________________

اليمنيون بعثا يبلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبولهم دعوته إلى الدين الحنيف وطلبهم منه أن يبعث إليهم من يفقههم في الدين فأرسل معاذ بن جبل وغيره وسيأتي بسط ذلك في هذا الكتاب. وكما هو معروف في مصادر التاريخ الأخرى. انظر : الطبري ٣ / ١٢٠ ـ ١٢٢ ، الذهبي : تاريخ الإسلام ١ / ٣٤١ ، ابن كثير : البداية والنهاية ٥ / ١٠٠ ، والكامل في التاريخ ٢ / ٢٩٠ ، السيرة النبوية لابن هشام ٤ / ٢٣٥ ـ ٢٣٧ ، ابن سمرة الجعدي : طبقات فقهاء اليمن ٨ ـ ٢٤ ، البلاذري : الفتوح ٧٩.

(١) مب : «التي هي مصر».

(٢) انظر طبقات ابن سعد ٣ / ٢٨٢ ـ ٢٨٣

(٣) ليست في حد.

(٤) حد : «درجتهما».

(٥) حد ، صف ، س : «لهما».

(٦) حد : «رجلا».

(٧) حد ، صف ، مب : «وما ذخر».

١٠٧

(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)(١).

حدثني الحسين بن محمد ، قال عبد الأعلى بن محمد ، قال عبد الرزاق عن محمد ، عن معمر عن الزهري عن إبراهيم بن عبد الرحمن [بن عوف](٢) قال : «لمّا أتي عمر رضي‌الله‌عنه بكنوز كسرى قال له عبد الله بن الأرقم (٣) الزهري : ألا تجعلها في بيت المال حتى تقسمها؟ فقال : لا يظلّها سقف حتى أمضيها ؛ فأمر بها فوضعت في صوح المسجد وباتوا يحرسونها ، فلمّا أصبح (٤) أمر بها فكشف عنها فرأى فيها من الحمراء والبيضاء ما يكاد يتلألأ منه البصر ؛ فبكى عمر رضي‌الله‌عنه ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : ما يبكيك يا أمير المؤمنين (٥)؟ فو الله إن هذا ليوم شكر ويوم سرور ويوم فرح ، فقال عمر : إن هذا لم يعطه قوم قط إلّا ألقي بينهم العداوة والبغضاء. قال (٦) : أنكيل لهم بالصاع أم نحثو (٧) ، فقال عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه : بل احث لهم. فدعا الحسن بن علي أول الناس ، فحثا له ، ثم دعا حسينا ، ثم أعطى الناس. ودون الدواوين ، وفرض للمهاجرين لكل رجل (٨) منهم خمسة آلاف درهم في كل سنة وللأنصار لكل رجل

__________________

(١) سورة النحل : ١٦ / ٤١

(٢) التكملة من : حد ، صف ، مب.

(٣) الأصل با ، س ، مب : «بن أرقم» والتصحيح من : حد ، صف ، وتقريب التهذيب ١ / ٤٠١. ولم ترد «الزهري» في حد وحدها.

(٤) با ، س ، مب : «حتى أصبح ثم أمر» وما أثبتناه من : حد ، صف ، ومن المصنف ١١ / ٩٩ ـ ١٠٠.

(٥) «يا أمير المؤمنين» سقطت في مب.

(٦) حد ، صف : «ثم قال» ، مب : «فقال».

(٧) مب : «نحثو لهم».

(٨) حد : «لكل منهم».

١٠٨

منهم أربعة (١) آلاف [درهم](٢) ، وفرض لأزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لكل [امرأة منهن](٣) اثني عشر ألف درهم ، إلّا صفية وجويرية ففرض لكل واحدة منهما ستة آلاف درهم» (٤).

وروي أن عمر رضي‌الله‌عنه أتي بسبي كسرى ، وأتي (٥) في السبي ببنت لكسرى تسمى بالفارسية شهربانويه بنت يزدجرد بن كسرى (٦) وبالعربية حبذا أخذها بالقيمة لنفسه ، فرأى الحسين بن علي عليهما‌السلام ينظر إليها ، فأرسل إليه بها (٧) ووهبها له ، فولدت له علي بن الحسين الفاضل زين العابدين ، والسجّاد ذو الثّفنات / ويسمى ريحانة الأرض (٨) وزين العابدين ، وكان يقول عليه‌السلام : أنا ابن الخيرتين ؛ خيرة الله من قريش وخيرته من فارس (٩).

حدثني عبد المجيد بن مراد بن عبد الكريم قال : حدثني أبو محمد الحسن بن أحمد بن النقاش بصبر من مخلاف [خولان](١٠) قال علي بن الحسن ، قال ابن جوتي ، قال عبد الملك ، قال ابن أبي يحيى ، قال أبو جعفر (١١) عن أبيه أن عمر

__________________

(١) با ، س ، مب : «ستة» والتصحيح من : حد ، صف ، والمصنف.

(٢) من : مب ، س ، والمصنف.

(٣) من : حد ، صف ، والمصنف.

(٤) مصنف عبد الرزاق ١١ / ٩٩ ـ ١٠٠.

(٥) حد ، صف : «بسبي كسرى كان في السبي بنت».

(٦) حد ، صف ، مب : «شهر بانوه بنت يزدجرد وهو كسرى».

(٧) ليست في مب.

(٨) «ريحانة الأرض» ليست في س.

(٩) انظر نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار باختلاف يسير ١٣٩. وأن لقب السجاد هو لمحمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (أبو جعفر الباقر) وذو الثفنات هو لقب لوالده زين العابدين : انظر تقريب التهذيب ٢ / ١٩٢ و ٥٥٦ و ٥٥٩.

(١٠) التكملة من بقية النسخ.

(١١) حد : «قال ابن يحيى عن جعفر». صف ، مب : «قال ابن أبي يحيى عن جعفر».

١٠٩

رضي‌الله‌عنه قدمت عليه حلل (١) فكساها الناس فخرجوا فيها ، وهو بين القبر والمنبر والناس يأتون فيسلمون عليه ، ويدعون له ؛ فخرج الحسن والحسين عليهما‌السلام (من بيت أمهما (٢) يتخطيان رقاب (٣) الناس ليس عليهما من تلك الحلل شيء ، فقال عمر : والله ما هناني ما كسوتكم من أجل غلامين يتخطيان الناس ليس عليهما منها شيء كبرت عليهما وصغرا (٤).

ثم كتب إلى عامله باليمن : «إنك بعثت إليّ فقد أحسنت وأجملت فابعث بحلتين للحسن والحسين (٥) وعجّل» فبعث بذلك فكساهما ، وجعل عطاءهما مثل عطاء أبيهما خمسة آلاف (٦).

أخبرني أبو العباس أحمد بن الحسن (٧) الرازي لقيته بمكة ، قال أخبرني أبو بكر الآجري بمكة ، قال أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي ، قال محمد بن رزق الله) (٨) الكلواذي (٩) ، قال أبو بدر شجاع بن الوليد ، خلف بن حوشب ، قال : رئي على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه برد كان يكثر لبسه ، قال ، فقيل : يا أمير المؤمنين إنك تكثر لبس هذا البرد ، فقال : نعم ؛ إنّ هذا كسانيه خليلي وصفيّي عمر بن الخطاب.

__________________

(١) مب : «حلل ملك كسرى فكساها».

(٢) «من بيت أمهما» ليست في حد.

(٣) ليست في : حد ، صف.

(٤) «كبرت عليهما وصغرا» ليست في حد.

(٥) في الأصل با ، حد ، صف عبارة : «عليهما‌السلام» حذفناها لسلامة التركيب.

(٦) «خمسة آلاف» مكررة في : حد ، صف.

(٧) «أحمد بن الحسن» ساقطة في حد.

(٨) ما بين القوسين مسقط في مب.

(٩) الأصل با ، ومب ، وس : «الكوادي». والتصحيح من : حد ، صف. والكلواذي : نسبة إلى كلواذى : طسوج ؛ قرب بغداد (ياقوت).

١١٠

ففتح الله على يد عمر رضي‌الله‌عنه ما رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنزله عليه من وحيه حيث يقول تعالى : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) إلى قوله : (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها) قال مجاهد : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) قال : خيبر. (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها)(١) قال : ما هو فاتح على هذه الأمة (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ)(٢) قال : الأعاجم.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «زويت لي الأرض فأريت مغاربها ومشارقها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها» (٣) ومعنى زويت أي جمعت ، يقال منه / : زوى القوم بعضهم إلى بعض إذا تدانوا ، وانزوت الجلدة من النار إذا انقبضت واجتمعت.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رأيت ما هو مفتوح على أمتي من بعدي كفرا كفرا» يعني : قرية قرية «وإن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وأنّ أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها ، وزادني الكنزين الأحمر والأبيض وبعث إليّ ملكا لم أعرفه فقال : إن الله يخيرك إما أن تكون نبيا عبدا أو نبيا ملكا ، فأشار إلي جبريل أن تواضع ، فقلت : بل نبيا عبدا ، فأنزل الله تعالى : (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) .. إلى قوله : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى)(٤).

__________________

(١) سورة الفتح : ٤٨ / ٢١. انظر قول مجاهد في تفسير سورة الفتح في تفسير الطبري ٢٦ / ٩١.

(٢) سورة الجمعة : ٦٢ / ٣ ، وتمامها : (... وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(٣) مسند أحمد ٤ / ١٢٣ ، ٥ / ٢٧٨ ، ٢٨٤. وجاء هذا الحديث في سنن الترمذي ٤ / ٤٧٢ في بداية حديث طويل مع اختلاف يسير باللفظ. وكذلك في سنن ابن ماجه ٢ / ١٣٠٤. وفي صحيح مسلم ٢ / ٥٥٢.

(٤) السيوطي : الفتح الكبير ١ / ٣٣٦ وليس فيه : «رأيت ما هو مفتوح على أمتي من بعدي كفرا كفرا». وانظر الحاشية السابقة.

١١١

محمد بن بكر بن داود العطار ، إسماعيل بن موسى ، حسين بن عيسى عن معمّر (١) عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة تبوك يسير ليلا إذ تقدم الناس ، ثم وقف لهم حتى لحقوه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أعطيت الليلة الكنزين» قيل : يا رسول الله وما الكنزان؟ قال : «فارس والروم ، وأيدت بملوك حمير يقاتلون في سبيل الله ويجاهدون في الله (٢)».

محمد بن بكر (٣) ، محمد بن عطية. قال أحمد بن يحيى بن سهل ، وقال هوذة بن خليفة ، عوف عن ميمون قال البراء بن عازب الأنصاري قال : أمرنا (٤) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحفر الخندق فعرضت لنا صخرة عظيمة شديدة لا تأخذ فيها المعاول ، فاشتكينا (٥) إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلمّا رآها ألقى ثوبه وأخذ المعول فقال : «بسم الله» ، ثم ضرب ضربة كسر ثلثها ، وقال : «الله أكبر أعطيت مفاتيح الروم (٦) والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة» ، ثم ضرب الثانية فقلع الثلث الآخر (٧) وقال : «الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض». ثم ضرب الثالثة وقال : «بسم الله» فقلع بقية الحجر ، وقال : «الله أكبر ، أعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأنظر أبواب صنعاء من مكاني هذه الساعة» وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نصرت بالرعب ، وأعطيت جوامع الكلم ، وأعطيت الخزائن ، وخيرت إما أبقى حتى أبصر ما يفتح الله

__________________

(١) با ، س ، مب : «عمر» والتصحيح من : حد ، صف ، والمصنف.

(٢) المصنف لعبد الرزاق ١١ / ٤٨ ويرويه من وجه آخر ، مسند أحمد ٥ / ٢٧٢ ؛ وفيهما اختلاف يسير في اللفظ.

(٣) مب ، س : «محمد بن بكر بن محمد بن عطية».

(٤) حد ، صف : «كان حيث أمرنا رسول الله».

(٥) حد ، صف : «فاشتكينا ذلك».

(٦) حد ، صف : «الشام».

(٧) حد ، صف : «ثلثا آخر».

١١٢

علي وإما التعجيل ، فاخترت التعجيل (١) فأنزل الله تعالى (وَالضُّحى ...) إلى آخرها (٢) وأنزل عليه تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) إلى آخرها (٣).

وخرج يوما (٤) على قوم من أصحابه وهم يتذاكرون (فقال : «ما كنتم تذاكرون» فقالوا : كنا نتذاكر) (٥) الدنيا / وهمومها ونخشى الفقر ، فقال : «لكني للغنى عليكم أخوف» ، فقالوا : وهل يأتي الخير بالشر؟ ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أو خير [هو]» (٦) فأنزل الله تعالى على نبيه (٧) : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها)(٨).

قال أبو عمرو بن العلاء البصري عن أبيه ، قال : قال [أمير المؤمنين](٩) علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه يوم دخل المدائن ؛ مدائن فارس : هذه التي وعدناها الله (١٠) ؛ السواد. فوعدهم الله بالفتوح بعد فتح خيبر وأراها نبيه وغيّبها عنهم حتى جاء ميقات ذلك ففتح الله ذلك على يد عمر رضي‌الله‌عنه من فتح

__________________

(١) مصنف عبد الرزاق : ١١ / ٩٩. وانظر خبر خط الخندق برواياته المختلفة في الطبقات لابن سعد ٤ / ٨٤ ، تفسير الطبري ٢١ / ١٣٤ ، ابن الأثير : الكامل ٢ / ١٧٩ ، ابن هشام : السيرة ٣ / ٢٣٠ ، تفسير الخازن ٥ / ٢٣٥.

(٢) حد ، صف : «آخر السورة» وأول السورة الأولى : (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) وانظر تمامها في سورة الضحى : ٩٣. وانظر تمام السورة الثانية في سورة النصر : ١١٠.

(٣) ليست في : حد ، مب ، س.

(٤) ما بين القوسين ليس في مب. و «فقال ما كنتم تذاكرون» وحدها ليست في حد.

(٥) التكملة من : حد ، صف. والمصنف ١١ / ٩٨.

(٦) «على نبيه» ليست في مب.

(٧) الفتح : ٤٨ / ٢١ ـ ٢٢. والآيتين بتمامهما : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً. وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً).

(٨) التكملة من : مب ، حد ، صف.

(٩) في مب زيادة : «ورسوله».

١١٣

المدائن والشام ، وافتتح عثمان من بعد عمر. فكان ما وعد الله بذلك كما وعد ؛ لا خلف لوعده ولا مبدل لكلماته. وغنموا الغنائم الكبار وخلفوا الضياع والأموال ، حتى جعلوا لهم أحباسا في سبيل الله عظاما. ولقد روي أن عمر رضي‌الله‌عنه مات عن مئتي ألف ألف درهم. وأن عثمان رضى الله عنه قتل وعنده خزانة (١) يومئذ ثلاثة آلاف ألف وخمس مئة ألف ومئة ألف وخمسون ألف دينار (٢). (فانتهب ذلك ، وترك ألف بعير بالرّبذة وترك صدقات بئر أريس وخيبر ووادي القرى ؛ قيمة ذلك مئتا ألف دينار) (٣).

وقال علي (٤) لمحمد بن كعب القرظي : لقد رأيتني وإني لأربط الحجر (٥) على بطني من الجوع على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإن صدقتي اليوم تبلغ أربعين ألفا. وتصدق علي (٦) بينبع وهي قطيعة كانت قد أقطعه إياها عمر. ثم اشترى علي إلى (٧) قطيعة عمر له أشياء فحفر فيه عينا فبينما هم يعملون فيها إذ تفجر عليهم مثل عنق الجزور من الماء فأتي علي فبشّر بذلك فقال : بشّروا (٨) الوارث. ثم تصدق بها على الفقراء والمساكين وفي سبيل الله وابن السبيل للبعيد والقريب في السلم والحرب ، ليوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه ليصرف الله بها وجهي عن النار ويصرف النار عن وجهي.

__________________

(١) مب : «وعنده في خزانة». وفي الطبقات ٣ / ٧٦ ـ ٧٧ : «عند خازنه يوم قتل».

(٢) كذا الأصل. وفي حد ، صف : «ثلاثة آلاف ألف وخمس مئة ألف ومئة ألف ومئة ألف وخمس مئة دينار».

(٣) ما بين القوسين ساقط في مب. وانظر خبر تركة عثمان بن عفان في طبقات ابن سعد ٣ / ٧٦ ـ ٧٧.

(٤) مب : «علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة».

(٥) حد : «الحجر من الجوع».

(٤) مب : «علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة».

(٦) في مب وحدها : «ثم اشترى أمير المؤمنين قطيعة عثمان فحفر».

(٧) حد ، صف ، مب : «بشر الوارث».

١١٤

حدثني القاضي الحسين بن محمد ، قال أخبرني محمد عن أبيه ، قال إسحاق بن إبراهيم ، قال حدثني (١) ابن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن جعفر عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه أقطع علي بن أبي طالب عليه‌السلام ينبع ثم اشترى علي إلى قطيعة عمر له أشياء / وذكر الحديث الذي قبله.

حدثنا عمر بن شبّة (٢) بن عبيدة ، محمد بن يحيى قال : وأخبرني عبد العزيز بن عثمان عن واقد بن عبد الله الجهني عن عمه عن جده كسد (٣) بن مالك قال : نزل طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد (٤) بالتجبار وهو موضع بين حورة (٥) السفلى وبين منخوس على طريق التجار إلى الشام حين بعثهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٦) يترقبان له عن عير أبي سفيان ، فنزلا على كسد فأجارهما. فلما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينبع أقطعها كسدا. فقال : يا رسول الله إني كبير ولكن أقطعها ابن أخي ، فأقطعها له فابتاعها منه عبد الرحمن (بن سعد بن زرارة الأنصاري بثلاثين ألف درهم. فخرج إليها عبد الرحمن) (٧) فرمد بها وأصابه سوافيها وريحها فأقبل راجعا فلقي علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ببرك (٨) وهي ثنية دون ينبع ، فقال : من أين جئت؟ قال : من ينبع ، وقد شنئتها

__________________

(١) حد ، صف : «حدثنا».

(٢) مب : «أن عبيدة بن محمد».

(٣) مب : «لبيد» وما أثبتناه من بقية النسخ ومن الإصابة ٣ / ٢٩٤ ، وفي طبقات ابن سعد ٢ / ١١ : «كشد».

(٤) الأصل با ، س ، مب : «علي» وما أثبتناه من : حد ، صف ، وطبقات ابن سعد. وفي الإصابة «معبد بن زيد».

(٥) كذا في الأصول ، وفي طبقات ابن سعد : «الحوراء» ولم يصفها بالسفلى.

(٦) مب زيادة : «إلى الشام».

(٧) ما بين القوسين ساقط في صف. و «عبد الرحمن» الثانية ساقطة في : مب ، س.

(٨) ليست في حد.

١١٥

فهل لك أن تبتاعها (١)؟ فقال علي : قد أخذتها بالثمن ، قال : هي لك. فخرج إليها علي وكان أول شيء عمله فيها البغيبغة (٢) فأنفذها له.

حدثني سليمان بن محمد ، قال علي بن إسحاق ، قال محمد بن يوسف ، محمد بن أحمد. وحدثني الحسين بن محمد ؛ محمد بن أحمد ، قال أبو بكر بن أبي شيبة ، أبو أسامة عن زائدة عن الأعمش عن شقيق (٣) عن أبي مسعود ؛ عقبة بن عمرو قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأمر بالصدقة فينطلق (أحدنا فيتحامل فيجيء) (٤) بالمد ، وإن لبعضهم اليوم مئة ألف. قال شقيق (٥) : فرأيت أنه يعني نفسه.

حدثني الحسين بن محمد قال : أخبرني محمد بن أحمد ، إسحاق بن إبراهيم بن جوتي ، عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن حارثة قال : لقد غدوت إلى خباب أعوده وهو مريض ، فقال : لقد رأيتني في أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مالي درهم ، وإن في جانب البيت لأربعين ألفا ، ولو لا أني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [يقول](٦) : «لا يتمنى أحدكم الموت» (٧) لتمنيته ؛ لقد طال بي وجعي هذا.

ابن البنا ، محمد بن عبد الله بن يزيد بن المسعود (٨) عن عبد الملك بن عمير

__________________

(١) مب زيادة : «مني».

(٢) وردت مهملة وغير بينة في الأصول فصححناها عن المغانم المطابة في معالم طابة ص ٥٩ ، والخبر بتمامه في معجم ما استعجم ٦٥٧ ، والإصابة ٣ / ٢٩٤ ، وطبقات ابن سعد ٢ / ١١ ، وياقوت : «ينبع».

(٣) حد ، صف : «سفيان».

(٤) ما بين القوسين ساقط في حد.

(٣) حد ، صف : «سفيان».

(٥) التكملة من : مب ، س ، صف.

(٦) تمام الحديث : «إما محسنا فلعله يزداد وإما مسيئا فلعله يستعتب» عن أبي هريرة ، انظر السيوطي : الفتح الكبير ٣ / ٣٥٣ ، وانظر طبقات ابن سعد ٣ / ١٦٦.

(٧) حد : «المسعودي».

١١٦

عن جابر بن سمرة عن نافع بن عنبة (١) بن أبي وقاص / أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «تقاتلون جزيرة العرب فيفتحهم الله تعالى ، وتقاتلون فارس فيفتحهم الله ، وتقاتلون الروم فيفتحهم الله ، وتقاتلون الدجال فيفتحه الله. قال جابر : فلا يخرج الدجال حتى تفتح الروم (٢)».

يقال كانت غلة طلحة بن عبيد الله بالسراة عشرة آلاف دينار ، وكانت غلته بالعراق ألف درهم (٣) ودانقين في كل يوم. فقال بعضهم : إنه ترك مئة بهار في كل بهار (٤) ثلاثة قناطير ذهب أو فضة ، فوسع بالبناء وبنى بالساج والآجر. وقال محمد بن طلحة : كانت قيمة ما خلف طلحة بن عبيد الله ثلاثين ألف ألف ومئتي ألف دينار. وقيل : وله في يد جارية ألف ألف درهم ، [وقومت دوره وأمواله وعقاراته بثلاثين ألف درهم](٥).

وبنى الزبير دورا كثيرة ، وخطط بمصر والإسكندرية والبصرة والكوفة دورا كثيرة. وداره التي كانت بمصر أحكم بناءها وبنى بالإسكندرية دارا فأحكمها ، وبنى بالبصرة دارا ودارا بالكوفة ، وكان له ألف مملوك وألف فرس مات وتركها. ويقال : إنه قسم (٦) مال الزبير على اثنين وخمسين ألف ألف. وقد روي أن الزبير مات وعليه ثمانون ألف ألف مثقال (٧) فقضيت من تركته. وكان الثّمن خمسين ألف دينار.

__________________

(١) حد ، صف : «نافع بن عتبة».

(٢) مسند أحمد ١ / ١٧٨ ، وفي ٤ / ٣٣٨ منه جاء لفظه «تغزون» بدل «تقاتلون». ومثله في مختصر صحيح مسلم ، الحديث رقم ٢٠٢٨.

(٣) حد : «ألف واق دراهم».

(٤) البهار ، بضم الباء : العدل فيه أربع مئة رطل (المحيط).

(٥) التكملة من بقية النسخ. وانظر طبقات ابن سعد ٣ / ٢٢١ ـ ٢٢٢.

(٦) أي قدر مال الزبير.

(٧) حد ، صف : «ثمانون ألف دينار» ، مب ، س : «ثمانون ألف مثقال».

١١٧

قال هشام بن عروة : قسم مال الزبير على اثنين وخمسين ألف ألف ، واشترى عبد الرحمن بن عوف من عثمان فرسين (١) بأربعين ألفا ، وبنى داره بالحجارة والآجر والساج وجعل على أبوابه المصاريع (٢).

وقال عثمان الشريد : ترك عبد الرحمن بن عوف ألف بعير وعشرة آلاف شاة ومئة فرس ترعى ، وأصاب تماضر بنت الأصبغ زوجته من ربع الثّمن مئة ألف درهم (٣). وقد قيل : إن عثمان ورث امرأة عبد الرحمن بن عوف (٤) (بعد عدتها وصولحت امرأة عبد الرحمن بن عوف) (٥) بعد انقضاء العدة على ثلاثة وثمانين ألفا (من ثلث الثّمن. وقال أبو العباس الزهري أربعة) (٦) وثمانون ألفا ، وأوصى في السبيل بخمسين ألف دينار (٧).

وبنى سعد بن أبي وقاص قصره (٨) بالعقيق بالحجارة والآجر والجصّ. قالت عائشة بنت سعد بن أبي وقاص : أرسل سعد إلى مروان بن الحكم بزكاة ماله خمسين ألف (٩) ، وترك يوم مات مئتي ألف وخمسين ألف درهم (١٠).

__________________

(١) حد ، صف ، مب : «فرسا».

(٢) انظر طبقات ابن سعد ٣ / ١٠٨ ـ ١١٠.

(٣) في بقية النسخ : «دينار».

(٤) سقطت من : حد ، صف ، س.

(٥) ما بين القوسين سقط في مب.

(٥) ما بين القوسين سقط في مب.

(٦) انظر طبقات ابن سعد ٣ / ١٣٦ ـ ١٣٧.

(٧) سقطت في حد. وانظر ابن سعد ٣ / ١٣ و ٢٤٤.

(٨) حد : «ألف درهم» ، صف : «ألف دينار». ولم يذكر في بقية النسخ تمييز العدد.

(٩) انظر طبقات ابن سعد ٣ / ١٤٨ ـ ١٤٩.

١١٨

وترك عقبة (١) بن عامر / الجهني عشرة آلاف دينار وثلاثة آلاف درهم ووقوفا عظاما (٢) بمصر ، وبنى داره بمصر بالحجارة والجصّ (٣).

وترك عبد الله بن ربيعة أربعين ألف دينار وعمارات بخمسين ألف دينار.

وترك حكيم بن حزام ثلاثة آلاف دينار وخمسين ألف درهم (٤) ، وعقارات تصدق بها بمكة والمدينة وبنى دارا بالمدينة بالحجارة المنقوشة حملت إليه من بطن نخل وجعل أبوابها ساجا (٥).

وباع حويطب بن عبد العزى داره من معاوية بأربعين ألف دينار فقيل : يا أبا محمد! أربعين ألف دينار؟ كأنهم استكثروها. فقال : وما أربعون ألف دينار لرجل عليه خمس من العيال. ومات وترك عشرين ألف دينار وكان تاجرا (٦).

وبنى عثمان بن حنيف دارا بمصر أنفق عليها مالا عظيما.

وكان لعمرو بن العاص الوهط (٧) بمصر يدخله عشرة آلاف عود كل عود بدرهم ، وكان قيمته عشرة آلاف ألف (٨) درهم. (وبنى دارا بمصر أنفق عليها مالا

__________________

(١) اتفقت الأصول على تسميته «علقمة» ولعله تصيحف صحيحه «عقبة بن عامر» تثبتنا من ذلك من : طبقات خليفة بن خياط ١ / ٢٦٦ ، وطبقات ابن سعد ٢ / ٣٧٦ ـ ٣ / ٢٥٩ ، والإصابة ٢ / ٤٨٢.

(٢) سقطت في مب.

(٣) انظر ما جاء في تقدير ثروة عقبة ؛ المعارف لابن قتيبة ٢٧٩. طبقات ابن سعد ٤ / ٣٤٤.

(٤) الأصل با : «دينار» والتصحيح من بقية النسخ.

(٥) انظر المعارف لابن قتيبة ٣١١.

(٦) المعارف لابن قتيبة ٣١٢.

(٧) في المحيط للفيروزآبادي : «الوهط : وجمعه وهاط ووهط : بستان ، وقال : كان لعمرو بن العاص بالطائف على ثلاثة أميال من وج كان يعرش على ألف ألف خشبة ؛ شراء كل خشبة درهم».

(٨) حد ، صف ، مب : «عشرة آلاف درهم».

١١٩

عظيما) (١) ومات وترك ثلاث مئة ألف دينار وخمسة وعشرين [ألف](٢) دينار وألفي ألف وخمس مئة ألف درهم ، وأرضا بمصر عليها مئة ألف دينار ، والوهط بالطائف قيل : إن قيمته عشرة آلاف ألف [درهم](٣).

وترك ابنه عبد الله بن عمرو سبعة آلاف دينار وخمسين ألف درهم. قال الواقدي : ترك فضالة بن عبيد الأنصاري أربع مئة ألف دينار وكان يزرع.

قال الزهري : ترك حاطب بن أبي بلتعة أربعة آلاف دينار (٤) ودراهم كثيرة ، وكان تاجرا يبيع الطعام وغيره.

قال زرّ بن حبيش : ترك عبد الله بن مسعود تسعين (٥) ألف درهم.

وترك خبّاب بن الأرتّ خمسين ألفا وعقارا وأرضا ، أقطعه عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه بالعراق.

وقال سعيد بن المسيّب : ترك زيد بن ثابت من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفراص وما مبلغه مئة ألف وخمسون ألف دينار وسبع مئة ألف درهم.

قال الواقدي : ترك مسلمة بن مخلد مئة ألف درهم ، ومالا وورقا ودورا وضياعا بمصر ووقوفا بمصر وقفها على قومه.

وبنى المقداد بن عمرو قصره بالجرف باللّبن ، وقد جصّص ظاهره وباطنه / فهو مثل البيضة ، وجعل له شرفات.

__________________

(١) ما بين القوسين سقط في مب.

(٢) التكملة من : حد ، صف ، مب.

(٣) التكملة من : حد ، صف. وانظر سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٧ ـ ٥٢.

(٤) ليست في مب.

(٥) الأصل با ، س ، مب «سبعين» وسقطت في صف ، وما أثبتناه من حد ، وطبقات ابن سعد ٣ / ١٦٠.

١٢٠