محمّد كرد علي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-344-6
الصفحات: ٢١٥
وعلى الجملة فقد كان لدولته ـ أيده الله ـ في تشريفه الأول وملاقاته هذه حفاوة عظيمة برجل من أعظم رجال الدولة العلية حنكة وغيرة عليها.
وقد قالت جريدة لبنان الرسمية في هذا الصدد ما يأتي :
((مذ حلت البشرى بطلعة «أنور» |
|
سعت القلوب إليه في لبنان |
حتى الجبال مشت على أقدامها |
|
وترحبت بالقائد العثماني |
كان يوم الأحد والاثنين من هذا الاسبوع يومي مهرجان تألق مجدهما على جبهة الزمان في تاريخ جبل لبنان بقدوم صاحب الدولة والإقبال وكيل القائد الأعظم وناظر الحربية الجليلة «أنور باشا» البطل الباسل المقدام ، وحضرة صاحب الدولة قائد الجيش الرابع وناظر البحرية «جمال باشا» وبعض الأركان والأمراء الكرام. فقد أقيم لدولة القائد الشهير احتفال باهر في لبنان لم يتقدمه مثيل من بلدة زحلة حتى محطة فرن الشباك بموجب برنامج الاحتفال الذي أمر حضرة ملجأ المتصرفية الجليلة بتنظيمه ، وكان القائمقامون والمديرون ولجان البلديات ومشايخ القرى يحتفلون بقدومه والجنود العثمانية مشاة وفرسانا تنتسق صفوفا لأداء مراسم التحية والسلام ، والموسيقى اللبنانية تصدح صداح التهليل والترحيب ، والرايات العثمانية المظفرة تخفق في دور الحكومة والمنازل والشوارع ، وقبب النصر تزدان بالأزهار والرياحين ، والجموع من مأمورين ووجوه وأعيان تحشد للقياه.
«فعند الساعة الرابعة بعد ظهر الأحد أقبل دولته على سيارة من زحلة وإلى جانبه دولة جمال باشا تتبعهما سيارات حضرة ملجأ المتصرفية ـ المشار إليه ـ والأركان والأمراء الكرام إلى الحازمية ؛ حيث نصبت الخيام ، وكان على حبل انتظاره كبار المأمورين الملكيين والعسكريين بمظاهر التكريم والإجلال ، وعدد
عديد من أهالي جبل لبنان ، فوقف دولتهما هناك هنيهة ، ثم تابعا المسير إلى بيروت ، وفي مساء ذلك النهار أضيئت المصابيح ، وأقيمت التزيينات في دور الحكومة والقرى المجاورة.
«ونحو الساعة الواحدة بعد ظهر الاثنين أقبل دولتهما ومن يصحبهما في موكب حافل ، وفي عدادهم حضرة ملجأ ولاية بيروت الجليلة إلى قصبة عالية ؛ حيث كانت حكومة لبنان أعدت لهم مأدبة فاخرة جمعت إليها نحو مائة مدعو في نزل البحار ، ولما انتظم عقد المدعوين وقف حضرة صاحب السعادة الأمير شكيب أرسلان مبعوث حوران ، وألقى خطابا بليغا ، وقبيل ختام المأدبة انبرى حضرة عزتلو شبلي بك ملاط ولفظ خطابا ، ونحو الساعة الثالثة زوالية بعد أن عرف دولة القائد العظيم بكبار مأموري لبنان والأعيان برحا ومن كان يصحبهما قصبة عاليه مشيعين بمجالي التعظيم والإجلال».
خطاب شبلي بك ملاط
يا محيي الدستور وفاتح أدرنة وقائد الجيش العثماني إلى مواطن المجد تحييك البلاد على ألحان الترحيب والتعظيم وأصوات التهليل والتكبير ، وتحت ظلال الغار وأقواس النصر تستقبلك وتشيعك البلاد يا محيي الهمم العثمانية الكبيرة في طرابلس الغرب ، وبعواطف الإكبار والإعجاب تهنيك البلاد ، يا صهر العائلة المتوجة المالكة ومجلي تهاني عظام الملوك من حلفاء صاحب العرش العثماني الأسمى.
وأمام جأشك الرابط وإقدامك الرائع وسيفك القاطع أيها الحامي حمى فروق ، والكاسح العدو الغادر إلى ما وراء الدردنيل إلى أعماق بحر إيجه المظلمة تنحني البلاد إجلالا واحتراما.
هناك أمام عاصمة الملك العثماني ومقر الخلافة العظمى ومهبط أسرار الشرف المتسلسل غازيا عن غاز ، وفاتحا عن فاتح ، ومظهر مآثر آل عثمان العظام ؛ حيث كان المعترك الهائل وكانت حركة أفكار الشرق والغرب ظهر للعالم أجمع بالبرهان على شفار السيوف ، وبين كرات المدافع «إن عثمان مجد لا يرام».
هناك في تلك المضايق المهددة المخيفة حيث لا شك بالموت واقف ، أثبت أبطال عثمان المجاهدون أن الدم الجاري في عروقهم هو هو الدم المتحدر في عروق أجدادهم الغزاة الفاتحين.
هناك قامت لهم الشواهد الكثيرة على الشجاعة النادرة يكفي منها ما ذكر تموه دولتكم بخطابكم في مجلس النواب العثماني ، وهو أن فرقة مؤلفة من
ألف وأربعة عشر مجاهدا من أبطالنا هاجمها في أحد المواقف أربعة عشر ألفا من عسكر العدو ، فثبتت تلك الفرقة أمام ذلك العدد العديد ، واستمرت على ثباتها مدافعة مصابرة ثلاثة أيام حتى أتتها النجدة.
هناك خاطب الجندي العثماني عدوه ، وقد رآه مقبلا بخيله ورجله ودوارعه يريد اقتحام عاصمة سلاطينه ، والاستيلاء على مسقط رأسه ورأس أجداده وما أشرف وأعدل ما قال :
نحن أيها المفترون علينا لم نفتكر مرة أن نكدّر التاميز على أهل التاميز ، ولا السين على أهل السين ، ولا الدانوب على أهل الدانوب ، نحن أيها المبادئون بالعدوان لم نذنب ولم نسيء مرة إلى بلادكم ، فما بالكم أنتم لا تكفون شركم ومطامعكم عنا؟
كفى ما رأينا منكم ، وما عملتم من الدسائس والمكايد بعد إعلاننا الدستور ، وما دسستم من السموم في ساحة البلقان وطرابلس الغرب.
نكم تدّعون نصرة الشعوب الطامحة إلى الحرية ، إنكم تدّعون الغيرة على قيام المدنية ، ثم لا نرى في أعمالكم ـ والعياذ بالله ـ في القرن العشرين إلا مستحلب الهمجية متحدرة إليكم من ظهور القرون الغابرة المظلمة.
فدعونا وشأننا ، وانصرفوا واكتفوا بما فعلتم بأحرار تركيا على سلام يصلحون في بلادهم ما أفسد المستبدون.
وصبر فتى الدردنيل ينتظر ما سيكون ، وإذا الجواب في أفواه المدافع ، وذلك العدو المغتر يقول : هكذا تريد حليفتنا روسيا.
خسئتم بني التايمز ، فسيكون حظكم من الدردنيل حظ حليفتكم من غاليسيا والكربات والقفقاس.
وانصبت عليهم كرات المدافع من الحصون العثمانية العصماء ، كأفواه القرب ، ووقف حفيد جبابرة الوطن العثماني موقف الدفاع الشريف جنبا إلى جنب أخيه ؛ كالبناء المرصوص ؛ وضاح الجبين ، كبير القلب.
وأثبت في حوض المكاره رجله |
|
وقال لها من تحت إخمصك الحشر |
ونظر إلى رايته ، نظر إلى هذه الراية التي تمثل كل ما في الدولة من شرف ومجد ، وقال : نحن لك أيتها الراية ، فإما أن نعيش بظلك كراما ، وإما أن نموت كراما.
وقال لنفسه والحرب تغلي |
|
من الأعداء ويحك لا تراعي |
فإنك لو سألت بقاء يوم |
|
على الأجل الذي لك لم تطاعي |
فصبرا في مجال الموت صبرا |
|
فما أمل الخلود بمستطاع |
وتدافعت آساد تركيا إلى |
|
دفع المطامع هائجات تزأر |
والله لم تبدأ قتالا إنما |
|
هي تدفع الطمع الذميم وتثأر |
فليعلم القوم الذين تجبروا |
|
أنّا القضاء على الذين تجبروا |
صغرت أمام الدردنيل نفوسهم |
|
ورأوا هنالك غير ما قد فكروا |
حمت بنار قلاعه أفهامهم |
|
فتضعضعوا رأيا ولم يتدبروا |
وتشاوروا أن يدبروا لكنهم |
|
خافوا انسحاب الروس إن هم أدبروا |
وإذا بجيش الروس في غاليسيا |
|
متضعضع متراجع متقهقر |
كانت له فرسوفيا فتساقطت |
|
والروس قد ولّى وحار القيصر |
لم يحمه الكربات في يافوخه |
|
أو برزميسل أو محلّ أوعر |
واندقّ في القفقاس جمعهم كما |
|
يسطو على سرب البغاث الأنسر |
والسيف سيف محمد ما ناله |
|
كسرى ولم يبلغ إليه قيصر |
بجناق قلعة أحجموا وتخاذلوا |
|
وتفرقوا وتشتتوا وتبعثروا |
بكليبولي أمسوا ولكن أصبحوا |
|
والبحر منهم والصعيد مطهر |
من مبلغ الأعداء أن أسودنا |
|
حملت على مصر تعجّ وتهدر |
والنيل قد مدّت إليه قساطل |
|
وجرى أمام الفاتحين الكوثر |
وتحولت «صحراء موسى» منهلا |
|
عذبا به يسقى فيروى العسكر |
و «ببئر سبع» جرى الحديد كأنما |
|
بخطوطه للنصر تكتب أسطر |
هيا إلى مصر فإن ترابها |
|
ذهب ووادي النيل أمرع أخضر |
وكلا الشام ومصر عضو واحد |
|
إخوان ضمهما الهلال الأنور |
أنى نخاف وربنا متكفل |
|
بالنصر والسيف الطويل الأبتر |
فهنا جمال كالمهند قاطعا |
|
وهناك كالسيف المهند أنور |
سيفان في الأنضول سيف مشهر |
|
وهنا ببر الشام سيف مشهر |
وختم خطابه بالدعاء الحميم لجلالة السلطان والجيش والوطن.
قصيدة
أمين بك ناصر الدين من شعراء لبنان
تليت بحضور بطل الأمة والدستور أنور باشا
وكيل القائد الأعظم وناظر الحربية الجليلة في الحفلة التي
أقيمت لدولته في عاليه
|
يوم يتيه به الزمان ويفخر |
|
متألق بالبشر أبلج أزهر |
|
|
مشت الكتائب فيه يتبع بعضها |
|
بعضا ثخب بها العتاق الضمر |
|
|
كالبرق تخفى في العجاج وتظهر |
|||
ومواكب في إثرهنّ مواكب |
|
من فوقها خفق اللواء الأحمر |
||
هتفت فرددت البلاد هتافها |
|
لما بدا سيف الخلافة «أنور» |
||
بطل له في الخافقين كليهما |
|
تاريخ مجد بالسيوف مسطر |
||
ذو همة ما حال خطب دونها |
|
ولها الكبائر تستكين فتصغر |
||
وعزيمة أعيا الزمان مضاؤها |
|
فصروفه أبدا لهنّ تعثر |
||
وبصيرة بشفوفها برح الخفا |
|
وأذيع سر المشكلات المضمر |
||
ومهابة لا الأسد زائرة إذا |
|
لاحت ولا مقل الأشاوس تنظر |
||
زينت ببشر ينجلي في طلعة |
|
غرّاء يحسدها الصباح المسفر |
||
وندى يظل المعتفين سحابه |
|
فإذا همى خجل السحاب الممطر |
||
لله «أنور» حين تستل الظبى |
|
ويموج تحت دجى العجاج العسكر |
||
لله «أنور» حين تشتبك القنا |
|
والموت يخترم النفوس ويزأر |
||
هذا وزير الحرب أقبل زائرا |
|
قطرا بزورته غدا يستكبر |
||
سكانه عاشوا وملء قلوبهم |
|
حبّ على عرش الخلافة يقصر |
||
يا ناشر الدستور بعد أن انطوى |
|
إن العظائم بالأعاظم تجدر |
||
جددت الإسلام عهدا ماضيا |
|
وأعدت مجد الجيوش فهو مظفر |
||
وصقلت بالعزمات بيض سيوفه |
|
فثيابه بدم العداة تحبر |
||
خاض المعارك مقدما لا ينثني |
|
متموجا كاليم ساعة يزخر |
||
وكسا رحاب الدردنيل من العدى |
|
جثثا تنوش لحومهن الأنسر |
||
ومضت بقيتهم تفر من الردى |
|
خوفا ويوهنها القضاء فتعثر |
||
وسيوف عثمان لوامع فوقها |
|
والحتف في شفراتهن مصور |
||
رضي الخليفة عن صنيعك مثلما |
|
رضي المهيمن والنبي الأطهر |
فاسلم لهذا الجيش تعلي شأنه |
|
ليصون عرش الملك مما يحذر |
وجمال منه لديك خير معاضد |
|
في بأسه ذكرى لمن يتذكر |
هو قائد أعطى القيادة حقها |
|
فغدت بهمته تعز وتفخر |
نجد إذا اقتحم الجيوش بسيفه |
|
فالهام تنثر والدما تتحدر |
ولديك من أنداده نفر لهم |
|
شيم غدت في كل ناد تذكر |
أعليت هذا القطر حين حللته |
|
وكسوته البرد الذي لا يدثر |
وعلمت أنا معشر بنفوسه |
|
تفدي الخلافة والصوارم تشهر |
متطوعا متهالكا يغشى الوغى |
|
وشكيب منه زعيمه المتخير |
فارفع تحيتنا إلى العرش الذي |
|
تتغير الدنيا ولا يتغير |
عرش يضيء على الورى من أفقه |
|
قمر العلى مولى الزمان الأكبر |
لا زالت الأقدار ترهب بأسه |
|
ويعز دولته الآله وينصر |
قصيدة حليم أفندي إبراهيم دموس
من أدباء زحلة
هذا زمانك «فأبشري» |
|
بالزائرين وكبري |
يا زحلة الغناء صو |
|
غي القافيات وكرري |
اليوم عيدك يا عروس |
|
فأنت ملقى الأبحر |
ميسي دلالا والبسي |
|
حلل الفخار وجرري |
|
||
قابلت أفخم موكب |
|
وعرفت أعظم معشر |
وأتاك أكبر قائد |
|
طيّ القلوب مصور |
تحتاطه أسد الوغى |
|
من كل مقدام جري |
|
يزدان صدر الأدهر |
|
آنست نور جماله |
|
«وجمال» حاميك السري |
تيهي فماذا ترتجين |
|
بعد طلعة (أنور)؟ |
كم رنّ هذا الاسم في |
|
واديك قبلا فاذكري! |
اسم يهب مع النسيم |
|
كعرف مسك أذفر |
اسم تعشقه الكبير |
|
وهزّ قلب الأصغر |
اسم يطل على السهى |
|
ويسير فوق المشتري |
هل تذكرين طلوعه ال |
|
زاهي بكل غضنفر |
لما أهاب بيلدز |
|
واستلّ حدّ الأبتر |
وأنالنا «حرية» |
|
لمعت كبدر نير |
فمشى على هام الصعاب |
|
وظلّ خير مظفر |
بطل البلاد تحية |
|
ليس النبوغ بمنكر |
أكرم بعهدك إنه |
|
عهد الجهاد الأكبر |
أحييت ميت أمة |
|
ذاقت خطوب الأعصر |
فهززتها بحمية |
|
تركية لم تفتر |
أيقظتها ورفعتها |
|
فتلألأت في أشهر |
فحللت أرفع رتبة |
|
وملكت أكرم عنصر |
وتركت أعداء «الهلا |
|
ل» بلهفة المتحسر |
يا يومهم في الدردني |
|
ل لأنت يوم المحشر |
راموا الحصون وما الحصو |
|
ن سوى محط الأنسر |
راموا القلاع ودونها |
|
سيل النجيع الأحمر |
قصيدة يوسف أفندي نعمان بريدي
|
|
شعائر العثمانية قصيدة سليمان أفندي مصوبع من رجال القانون والأدب نزيل زحلة
|
فتفننوا في منع كل مناسب |
|
لرقينا وأتوا بكل مؤخر |
حتى إذا ظنوا الوقيعة أعلنوا |
|
حربا أرتهم كيف قاع الأبحر |
هجموا يقودهم الغرور وعلقوا |
|
أمل الفلاح عليه دون تبصر |
وتألبوا جيشا لجاءوا الدردني |
|
ل على متون السابح المتفجر |
حسبوا فروق غنيمة هانت وما |
|
علموا بأن فروق غاية قسور |
ولطالما طمع الغزاة بها فما |
|
ظفروا بغير غنيمة المتقهقر |
شهد الفرنسيس الدعاة بانّ في |
|
سبل الغواية مصرع المتكبر |
ورأى بنو التاميز أن سيوفنا |
|
فيهم تدار بفطنة المتحذر |
قد غرهم نوم الأسود فأقدموا |
|
وتجاهلوا تاريخ تلك الأعصر |
حتى إذا هبّ الأسود أروهم |
|
عثمان يصرعهم بكل مكبّر |
فتذكروا عهد الغزاة وهرولوا |
|
يتلون للدنيا جزاء المفتري |
يا يوم سد البحر دمت مخلدا |
|
أبدا وللأعداء خير مذكر |
إن البلاد لاهلها حقّا وه |
|
ذا الحلق يحفظ بالحسام الأبتر |
فأعد بحقك يا جمال إلى الحمى |
|
مصرا لتسعد بالهلال الأنور |
هو دامع أبدا لفرقة مصره |
|
فامسح بكفك دمعة المتحسر |
وأعدّ يا عز الخلافة أنور الابط |
|
ال نابغة الزمان الأكبر |
جيشا لتخليص البلاد من الشقا |
|
واضرب به الأعداء ضربة أنور |
ليقول شاعرها الأمين لنفسه |
|
يا نفس قد نلت المرام فأبشري |
قصيدة فوزي أفندي عيسى معلوف
من أدباء زحلة
الفضل فضلك والنظام نظامي |
|
والوحي وحيك والكلام كلامي |
|
يا أمة لبني عثمان تنتسب قصيدة وديع أفندي حداد من أدباء لبنان في مدح ضيف سورية العظيم
|
لما وصل القائد المبجل إلى الحازمية على سيف لبنان كان جمهور كبير من أهل الساحل واقفين موقف الاحترام ، يتوقعون إطلال محيا بطل الأمة العثمانية ، وقد أعدوا له ولرجاله مقصفا فيه من الحلواء والأشربة المحللة من كل ما حلي في العين وحلا في الفم ، فمرت سيارة القائد منطلقة تقصد إلى بيروت في الوقت المعين ، فاستوقفها الخطيب اللسن سليم بك أيوب ثابت من كبار أعيان بيروت ، وعرض على مسامع القائد أن زهاء ألفين من الناس متطلعون للنظر |
إلى طلعته السامية ، فإن حسن لديه ألا يحرمهم من نور وجهه وعطفه الأبوي ، فترجل في الحال ـ أدام الله بهجته ـ ولاطف الجمع وتنازل ، فتناول قطعة من الحلواء ؛ جبرا للقلوب على عادته في التلطف المتناهي مع جميع الطبقات تلطفا استمال به الأفئدة ، واستهواها في كل مكان حلّت فيه ركابه. |
في بيروت (١) برزت مدينة بيروت صباح «الأحد» مكللة بأكاليل الزهور والرياحين ، موشحة بالطنافس والرياش الثمينة ، تخفق على دار الحكومة والدوائر الرسمية والمخازن والحوانيت والبيوت الرايات العثمانية المظفرة ، وانطلق تلامذة المدارس الأهلية من ذكور وإناث بموسيقاتها إلى تلك الساحات الفسيحة ، وخرجت النساء مع الأطفال من خدورهن مبتهجات مسرورات يشاركن الرجال في احتفالهم واحتفائهم بدولة الزائر الكريم. وأخذ رجال هذه الحفلة الفائقة يعقدون سلك نظامه على صورة تسر الناظرين ، وترتاح إليها نفوس العثمانيين. وفي الحقيقة لم تر مدينة بيروت منذ سنين عديدة مثل هذا الاحتفال الباهر بهجة وانتظاما ، وكانت الهيئة المحتفلة ممتدة من «فرن الشباك» حتى «نزل غاسمان» الألماني الشهير ، وكان ترتيب صفوف العساكر النظامية وأفراد الجندرمة والبوليس ، وجواش البلدية ، وتلاميذ المدارس أحسن ترتيب. وكانت موسيقات المدارس تشنف آذان السامعين بأنغامها المطربة ، وكان الكريم المنان يمطر بيروت تارة غيثا رذادا ، وطورا يصحو الجو ، ولكن الغيوم كانت متلبدة في السماء ، أما الهواء فقد كان في غاية من اللطف والاعتدال ، فمضت هذه الساعات اللطيفة والناس يتجاذبون أطراف الحديث «والحديث شجون» يعددون مناقب زائر بيروت الكريم ، وفي الساعة الثالثة نهض عزمي __________________ (١) عن جريدتي : البلاغ والأقبال الغراوين مع زيادات قليلة. |
بك والي بيروت محفوفا برجال معيته الأركان والعلماء وأشراف الأمة والأعيان قاصدين «فرن الشباك» لاستقبال زائري بيروت الكريمين. ولم تحن الساعة الرابعة ونصف زوالية حتى أقبلت السيارات تقل رجلي الأمة والدولة ، القائدين العظيمين ، والوزيرين الخطيرين ، صاحبي الدولة والمجد «أنور باشا المعظم» وكيل القائد الأعظم ، وناظر الحربية الجليلة و «أحمد جمال باشا» قائد الجيش السلطاني الرابع وناظر البحرية الجليلة ، وفريقا من القواد الكرام والأركان الحربية الذين حضروا بمعية دولة القائدين المشار إليهما. فتقدم رجال الحفل وفي مقدمتهم والي الولاية العالي للسلام على صاحبي الدولة الوزيرين العظيمين والأركان الكرام ، ورحبوا بقدومهم وهنئوهم بسلامة الوصول. وبعد أن استراحوا قليلا في ثكنة الفرسان في الحرج ، ركب القائدان المشار إليهما مركبة خاصة بين الدعاء الشديد والتصفيق المتواتر من جماهير الأهلين والموسيقات تصدح بأنغام الترحيب ، وأمامهما كوكبة من الفرسان ووراءهما كوكبة من فرسان الشرطة ، ثم أخذت المركبة تسير الهوينا بين فرق العساكر وتلامذة المدارس وبين هتاف طبقات الناس المنتشرة على جانبي الطريق والمطلة من شرفات البيوت ؛ لتستضيء بضياء رجل الأمة الوحيد فكان حفظه الله يحيي الجميع عن الجانبين بالتحية الأبوية مبتسما مسرورا إلى أن شرف المحل المعد لنزوله ، فتوافد للسلام عليه الأركان والعلماء المشار إليهم. |
ولدى مرور الوزير الخطير أنور باشا بساحة الاتحاد في بيروت حياه تلاميذ مدرسة مار منصور بملء التحمس ، فقابلهم دولته بابتسامة لطيفة مثلها أستاذهم بهذه الأبيات :
وقد اغتنم ميشال أفندي خياط من أدباء بيروت مرور الموكب بقبة النصر التي أقيمت في ساحة الاتحاد ومرّ من تحتها القائدان المعظمان فقال :
سنة (١٣٣٤ ه) وبعد أن استراح الزائر قليلا ، جاء دولة القائد العظيم أحمد جمال باشا داره العامرة ؛ لزيارة أسرته الكريمة ، وبعد ساعة ركب دولة وكيل القائد الأعظم ؛ لزيارة دولة قائد الجيش السلطاني الرابع في منزله وزار أصحاب الدولة والي الولاية العالي. ومتصرف جبل لبنان. وفخري باشا وكيل قائد الجيش الرابع في |