الشيخ أبي محمّد عفيف الدين عبد الله بن عبد الملك المرجاني
المحقق: محمّد عبد الوهاب فضل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٠
وعن عبد الله بن محمد بن عقيل (١) قال : خرجت في ليلة ممطرة إلى المسجد ، حتى إذا كنت عند دار المغيرة بن شعبة لقيتني رائحة ، لا والله ما وجدت مثلها قط ، فجئت المسجد ، فبدأت بقبر النبي صلىاللهعليهوسلم ، فإذا جداره قد انهدم ، فدخلت فسلمت على النبي صلىاللهعليهوسلم ، ومكثت فيه مليا ، ورأيت القبور ، فإذا قبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقبر أبي بكر عند رجليه ، وقبر عمر عند رجلي أبي بكر رضياللهعنهما ، وهذه صفتها (٢) :
وعلى هذه الصفة المذكورة روي عن عبد الله بن الزبير أيضا (٣).
وقد اختلفت الرواية في قبره صلىاللهعليهوسلم ، هل هو مسنم ، أو مسطوح ، فروى الوصفان جميعا (٤). والمسنم المرتفع.
وروى أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، عن سنين بن زياد قال : رأيت قبر النبي صلىاللهعليهوسلم ، وصاحبيه ، فرأيت قبورهم مسنمة.
__________________
(١) عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب العلوي ، أبو هاشم ، كان محدثا ثقة ، مات بالشام في سنة ٩٩ ه.
انظر : ابن حجر : التقريب ص ٣٢١.
(٢) الأثر ذكره ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٢ عن عبد الله بن محمد بن عقيل وأورد صفة ورسم القبور ، النهرواني : تاريخ المدينة (ق ٢١٧) وعزاه لابن النجار.
(٣) رواية عبد الله بن الزبير ذكرها ابن الضياء في تاريخ مكة ص ٢٤٢ ، النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢١٨).
(٤) راجع هذه الروايات عند ابن سعد في طبقاته ٢ / ٣٠٦ وهي رواية مالك بن إسماعيل ورواية حماد ، البيهقي في الدلائل ٧ / ٢٦٣ ، النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢١٨).
وعن سفيان التمار (١) أنه رأى قبر النبي صلىاللهعليهوسلم ، مسنما (٢).
وعن جعفر / بن محمد الصادق ، عن أبيه أن النبي صلىاللهعليهوسلم ، رش على قبره ، وجعل عليه حصباء حمراء من حصباء العرصة ، ورفع قدر شبر من الأرض (٣).
وسئل الشيخ عز الدين ابن عبد السلام : أيما أولي تسطيح القبر أو التسنيم؟ فقال : السنة تسطيح القبر.
قال الحافظ محب الدين (٤) : «وسقط جدار حجرة النبي صلىاللهعليهوسلم الذي يلي موضع الجنائز ، في زمان عمر بن عبد العزيز ، فظهرت القبور ، فأمر عمر بن عبد العزيز بقباطي فخيطت ، ثم ستر الموضع ، وأمر ابن ورد أن يكشف عن الأساس ، فبينما هو يكشفه إذ رفع يده وتنحى ، فقام عمر بن عبد العزيز فزعا ، فرأى قدمين وراء الأساس وعليهما الشعر ، فقال له عبد الله بن عبيد الله ابن عبد الله بن عمر رضياللهعنه ـ وكان حاضرا : أيها الأمير لا يرو عنك فهما قدما جدي عمر بن الخطاب رضياللهعنه ، ضاق البيت عنه ، فحفر له في الأساس ، فقال له : يا ابن ورد : أن غط ما رأيت ، ففعل».
__________________
(١) سفيان بن دينار التمار ، أبو سعيد الكوفي ، كان محدثا ثقة روى عنه أبو بكر بن عياش ، من السادسة.
انظر : ابن حجر : التقريب ص ٢٤٤ ، التهذيب ٤ / ١٠٩.
(٢) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجنائز باب ما جاء في قبر النبي صلىاللهعليهوسلم برقم (١٣٩٠) ٢ / ١٣٠ عن سفيان التمار ، ابن سعد في طبقاته ٢ / ٣٠٦ عن سفيان ، البيهقي في الدلائل ٧ / ٢٦٤ عن سفيان ، وذكره ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٣٨٦ عن سفيان.
(٣) حديث جعفر بن محمد ذكره ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٣٨٦.
(٤) قول ابن النجار ورد في كتابه الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٣ وعزاه إليه : النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢١٨).
وعن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : «لما سقط الحائط زمن الوليد بن عبد الملك أخذوا في بنيانه ، فبدت لهم قدم ، ففزعوا ، وظنوا أنها قدم النبي صلىاللهعليهوسلم ، [فما وجدوا أحدا يعلم ذلك ،](١) حتى قال لهم عروة : لا والله ما هي قدم النبي صلىاللهعليهوسلم ، ما هي إلا قدم عمر ، وأمر عمر بن عبد العزيز أبا حفصة ، مولى عائشة رضياللهعنهما ، وناسا معه ، فبنوا الجدار وجعلوا فيه كوة ، فلما فرغوا منه ورفعوه ، دخل مزاحم ، مولى عمر فضم ما سقط على القبر من التراب والطين ونزع القباطي» (٢).
وقال الحافظ محب الدين (٣) : «وبنى عمر بن عبد العزيز على حجرة النبي صلىاللهعليهوسلم ، حائطا ، ولم يوصله إلى السقف ، بل دونه بمقدار أربعة أذرع ، وأدار عليه شباكا من خشب».
قال الشيخ جمال الدين (٤) : «وبعد إحتراق المسجد أعيد الشباك كما كان أولا ـ وهو يظهر اليوم لمن تأمله من تحت الكسوة ـ وأدخل عمر بن عبد العزيز بعض بيت فاطمة رضوان الله عليها من جهة الشمال في الحائط الذي بناه محرفا وعلى الحجرة الشريفة يلتقي على ركن واحد ـ كما سنبينه ـ فصار لها ركن خامس ، لئلا تكون الحجرة الشريفة مربعة كالكعبة ، فيتصور الجهال العامة أن الصلاة إليها كالصلاة إلى الكعبة ، وبقي بقية من البيت من جهة
__________________
(١) إضافة للضرورة من الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٣.
(٢) حديث هشام بن عروة أخرجه البخاري مختصرا في كتاب الجنائز باب ما جاء في قبر النبي صلىاللهعليهوسلم برقم (١٣٩٠) ٢ / ١٣٠ ، ابن سعد في طبقاته ٣ / ٣٦٨ ، وذكره ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٣ ، النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢١٩).
(٣) قول ابن النجار ورد في كتابه الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٣ ونقله عنه : المطري في التعريف ص ٣٧ ، النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢١٩).
(٤) قول المطري ورد في كتابه التعريف ص ٣٨ ونقله عنه : النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢١٩).
الشمال ، وفيه اليوم صندوق مربع من خشب ، وفيه أسطوان وخلفه محراب».
قال الحافظ محب الدين (١) : «ولما ولي المتوكل الخلافة ، أمر إسحاق بن سلمة ـ وكان على عمارة الحرمين من قبله ـ بأن يأزر الحجرة المقدسة بالرخام من حولها ، ففعل ، ولم يزل إلى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة من خلافة المقتفي (٢) ، فجدد تأزيرها جمال الدين الأصبهاني ـ وزير بني زنكي ـ وجعل الرخام حولها قامة وبسطة ، وهو الذي عمل الشباك الدائر بالحجرة المقدسة اللاصق بالسقف ، وهو الذي احترق ، وكان من خشب الصندول والأبنوس مكتوبا [على](٣) أقطاع الخشب الأروانك (٤) ـ سورة الإخلاص ـ صنعة بديعة ، ولم تزل الحجرة على ذلك حتى عمل لها الحسين ابن أبي الهيجا ـ صهر الملك الصالح ستارة وعليها الطرز والجامات (٥) المرقومة بالأبريسم ، وأدار عليها زنارا من الأبريسم مكتوبا فيه ـ سورة يس ـ فعلقها نحو العامين ، ثم جاءت من الخليفة ستارة ، فنفذت تلك المتقدمة إلى مشهد علي بالكوفة ، وعلقت هذه عوضا ، فلما ولي الإمام الناصر لدين الله (٦) ، أنفذ ستارة أخرى ، فعلقت فوق تلك المذكورة ، فلما حجت الجهمة أم الخليفة ، وعادت للعراق ، عملت
__________________
(١) قول ابن النجار ورد في كتابه الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٣ ونقله عنه : النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٢٠).
(٢) المقتفى لأمر الله محمد بن المستطهر تولى الخلافة من سنة ٥٣٠ ـ ٥٥٥ ه.
انظر : ابن الجوزي : المنتظم ١٧ / ٣١٣ ، ١٨ / ١٤٤ ، السيوطي : تاريخ الخلفاء ص ٤٣٧ ـ ٤٤٢.
(٣) سقط من الأصل والاضافة من (ط).
(٤) وهو المعروف الآن بخشب «الأرو».
(٥) الجام إناء من فضة جمع أجؤم وأجوام وجامات.
انظر : ابن منظور : اللسان مادة «جوم».
(٦) الناصر لدين الله أحمد تولى الخلافة من سنة ٥٧٥ ـ ٦٢٢ ه.
انظر : الذهبي : العبر ٣ / ٦٧ ، السيوطي : تاريخ الخلفاء ص ٤٤٨.
ستارة ، فعلقت على الستارتين».
قال ابن النجار (١) : «ففي يومنا هذا عليها ثلاث ستائر». ثم قال رحمهالله (٢) : «واليوم في سقف المسجد الذي بين الحجرة والقبلة نيف وأربعون قنديلا كبارا وصغارا من الفضة المنقوشة والساذجة ، وفيها اثنان بلور ، وواحد ذهب ، وفيها قمطر فضة مغموس في الذهب نفذتها الملوك وأرباب الأموال».
قلت : وهي باقية إلى الآن (٣).
قال المطري (٤) : «ولم يكن على الحجرة الشريفة قبة ، بل كان ما حول حجرة النبي صلىاللهعليهوسلم ، حظيرا في السطح مبنيا بالآجر مقدار نصف قامة يميز الحجرة عن السطح إلى سنة ثمان وسبعين وستمائة في دولة السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون ، عمل هذه القبة وهي أخشاب أقيمت ، وسمر عليها ألواح خشب ، ثم ألواح رصاص ، وعمل مكان الحظير شباكا من خشب ، وتحته بين السقفين أيضا شباكا من خشب كحلية ، وفي سقف الحجرة الشريفة بين السقفين ألواح خشب سمر بعضها إلى بعض ، وسمر عليها ثوب مشمع ، وهناك طابق مقفل إذا فتح كان النزول منه إلى ما بين حائط بيت النبي صلىاللهعليهوسلم ، وبين الحاجز الذي بناه عمر بن عبد العزيز».
__________________
(١) قول ابن النجار ورد في كتابه الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٤ ، ونقله عنه : النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٢١).
(٢) أي ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٤ ، ونقله عنه : النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٢١).
(٣) قول المرجاني «المؤلف» نقله عنه : ابن الضياء في تاريخ مكة ص ٢٤٤ ، النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٢٢).
(٤) قول المطري ورد في كتابه التعريف ص ٤٠ ، ونقله عنه : النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٢٢).
قال (١) : «ولما حج السلطان الملك الظاهر في سنة سبع وستين وستمائة ، اقتضى رأيه على أن يدير على الحجرة الشريفة درابزينا فقاس ما حولها بيده وعمل الدرابزين الموجود اليوم ، وأرسله في سنة ثمان وستين ، وأداره عليها ، وفيه ثلاثة أبواب : قبلي وشرقي وغربي ، ونصبه ما بين الأساطين التي تلي الحجرة الشريفة ، إلا من ناحية الشمال ، فإنه زاد فيه إلى متهجد النبي صلىاللهعليهوسلم ، وظن أن في ذلك زيادة حرمة الحجرة المقدسة ، فحجز طائفة من الروضة مما يلي بيت النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلو كان عكس ما حجزه وجعله من الناحية الشرقية [وألصق الداربزين بالحجرة مما يلي الروضة ، لكان أخف ، إذ الناحية الشرقية](٢) ليست من الروضة ، ولا من المسجد القديم ، بل مما زيد في أيام الوليد».
ثم قال (٣) : «ولم يبلغني أن أحدا من أهل العلم والصلاح ممن حضر ذلك ولا ممن رآه بعد تحجيره أنكر ذلك ، ولا ألقى إليه بالا ، وهذا من أهم ما ينظر فيه ، وكان الدرابزين الذي عمله الملك الظاهر نحو القامتين ، فلما كان في تاريخ سنة أربع وتسعين وستمائة زاد عليه الملك العادل زين الدين كتبغا ، شباكا دائرا عليه ، ورفعه حتى أوصله السقف».
قال رحمهالله (٤) : «ومما أحدث في صحن المسجد الشريف قبة كبيرة / عمّرها الإمام الناصر لدين الله في سنة ست وسبعين وخمسمائة لحفظ حواصل الحرم وذخائره ، مثل المصحف العثماني ، ولما احترق المسجد سلم
__________________
(١) أي المطري في التعريف ص ٤٢ ، ونقله عنه : النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٢٣).
(٢) سقط من الأصل والاضافة من (ط).
(٣) أي المطري في التعريف ص ٤٢ ، ونقله عنه : النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٢٤).
(٤) أي المطري في التعريف ص ٤٢ ، ونقله عنه : النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٢٤ ـ ٢٢٥).
ما فيها ببركة المصحف الكريم ، ولكونها في وسط المسجد ، ومما أحدث أيضا في الصحن من جهة القبلة : رواقان ، أمر بإنشائهما السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في سنة تسع وعشرين وسبعمائة ، فاتسع ظل السقف القبلي بهما وعم نفعهما ، وهما المقوس أعلاها ، وأزيلت المقصورة التي كانت تظل الحجرة الشريفة للإستغناء عنها بهما ، وكان المتسبب في إزالتها إمام المدينة الشريفة ، شرف الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن أحمد الأميوطي (١) ، وذلك أنها كان يجتمع فيها أهل البدع ، وكانت لهم كالمتهجد ، فاجتهد في إزالتها وهدمها ليلا ، وأدخلها في الحجرة الشريفة ، فتربعت الحجرة الشريفة ، وذلك في أواخر سنة ثمان وعشرين وسبعمائة ، وتوفى رحمهالله يوم الرابع والعشرين من صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة».
وهذه صفة مثال الحاجز الذي بناه عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه ، وحجرة النبي صلىاللهعليهوسلم في وسطه ، وجميع ذلك أثبته مصورا على مثال ما صوره الحافظ محب الدين بن النجار في تاريخ المدينة (٢) ، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (٣). /
__________________
(١) محمد بن محمد بن أحمد شرف الدين أبو الفتح الأميوطي ، إمام المسجد النبوي (ت ٧٤٥ ه).
انظر : المطري : التعريف ص ٤٢ ، النهرواني : تاريخ المدينة (ق ٢٢٥).
(٢) ورد هذا المصور عند ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٥.
(٣) ترك الناسخ بياضا في الأصل بقدر تسعة أسطر لعدم اتساع المتبقي من الصحيفة للرسم المنقول عن ابن النجار.
/ المثال (١) :
__________________
(١) مصورة المثال الحاجز الذي بناه عمر بن عبد العزيز والحجرة الشريفة في وسطه كما نقله المؤلف عن ابن النجار في كتابه الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٥.
__________________
(١) مصورة صفة الحاجز الذي بناه عمر بن عبد العزيز والحجرة الشريفة في وسطه كما جاء عند ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٥ وأثبتها هنا للموازنة بينها وبين ما نقله المؤلف عن ابن النجار.
/ ومما قلت في معناها :
إلى حجرة الهادي فميز ترابها |
|
كما نور ضوء البدر في الليل إذ يبد |
وإلا كما شمس الظهيرة في الضحى |
|
كما المشتري في نور لألائه وقد |
قال الحافظ محب الدين (١) : «واعلم أن في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة سمعوا صوت هدّة في الحجرة المقدسة ، وكان الأمير يومئذ : قاسم بن مهنا الحسيني ، فأخبروه بالحال ، فقال : ينبغي أن ينزل شخص لينظر ما هذه الهدّة ، فلم يجدوا أمثل حالا من الشيخ عمر النسائي ، شيخ شيوخ الصوفية بالموصل ، وكان مجاورا بالمدينة ، فاعتذر لمرض كان به يحتاج إلى الوضوء في غالب الأوقاف ، فألزموه ، فامتنع من الأكل والشرب مدة ، وسأل النبي صلىاللهعليهوسلم ، إمساك المرض عنه (٢) بقدر ما يبصر ويخرج ، ونزل بحبال من بين السقفين ، ومعه شمعة ، ودخل إلى الحجرة ، فرأى شيئا من طين السقف قد وقع على القبور المقدسة ، فأزاله وكنس التراب بلحيته (٣) ، وأمسك الله عنه الداء بقدر ما خرج وعاد إليه ، توفى الشيخ عمر بمكة بعد نزوله بتسع سنين ، في سنة ست وخمسين وخمسمائة».
__________________
(١) قول ابن النجار ورد في كتابه الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٥ ـ ٣٩٦ ، ونقله عنه : المطري في التعريف ص ٤١ ، النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٢٥).
(٢) الدعاء بهذه الصفة شرك ، والنبي صلىاللهعليهوسلم بعد وفاته لا يطلب منه شيء ، والذي يدعى ويملك الشفاء هو الحي القيوم.
(٣) كنس التراب باللحية ليس فضيلة ، ولكن الجهلة الغلاة يفعلون ما لا يؤمرون.
وكذلك أيضا (١) : «في سنة أربع وخمسين وخمسمائة في أيام ـ قاسم المذكور ـ وجد من الحجرة رائحة منكرة ، فذكروه للأمير ، فأمرهم بالنزول ، فأنزل الطواشي : ونزل معه : الصفي الموصلي ، متولي عمارة المسجد ، وهارون الشاوي الصوفي ، بعد أن بذل جملة من المال للأمير في ذلك ، فلما نزلوا وجدوا هرا قد هبط من الشباك الذي في أعلى الحاجز ومات وجاف فأخرجوه ، وكان في الحاجز بين الحجرة والمسجد ، وطيبوا مكانه ، وكان نزولهم يوم السبت الحادي عشر من ربيع الآخر» (٢).
__________________
(١) ما أشار إليه المؤلف من قول ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٦ ، ونقله عنه : المطري في التعريف ص ٤١ ، النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٢٦).
(٢) وأضاف ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٦ «ومن ذلك التاريخ إلى يومنا هذا لم ينزل أحد إلى هناك».
الباب التاسع
في حكم زيارة النبي صلىاللهعليهوسلم وفضلها وكيفيتها ،
وحكم الصلاة والسلام عليه صلىاللهعليهوسلم ، وفرض ذلك وفضيلته وكيفيته ،
والتوسل به إلى الله عزوجل ، وإثبات حياته صلىاللهعليهوسلم وحرمته ،
وذكر ما شوهد في حرمه وحجرته من العجائب
أو رأي بها من الغرائب
وفيه عشرة فصول :
الفصل الأول
في حكم زيارة النبي صلىاللهعليهوسلم
قال القاضي أبو الفضل عياض بن موسى رحمهالله (١) : «وزيارة قبره صلىاللهعليهوسلم ، سنة من [سنن](٢) المسلمين مجمع عليها (٣) وفضيلة مرغب فيها».
وقال الرافعي (٤) : تستحب الزيارة بعد الحج ، وقال في الروضة : واستحبه الغزالي في الإحياء (٥) ، وقال : إذا نذر أنه يزور قبر النبي صلىاللهعليهوسلم فعندي
__________________
(١) قول عياض ورد في كتابه الشفا ٢ / ٦٨ ، وعند النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٢٨ ، ٢٣٥).
(٢) سقط من الأصل والاضافة من (ط).
(٣) لكن من غير شد الرحال والسفر لقصد زيارة القبر لورود النهي الصريح عن ذلك بقوله صلىاللهعليهوسلم : «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي والمسجد الأقصى».
(٤) عبد الكريم بن محمد ، أبو القاسم الرافعي القزويني ، فقيه من كبار الشافعية ، مات في سنة ٦٢٣ ه.
انظر : الذهبي : العبر ٣ / ١٩٠ ، ابن تغري : النجوم الزاهرة ٦ / ٢٦٦ ، ابن العماد : شذرات الذهب ٥ / ١٠٨ وقوله بالاستحباب لا دليل عليه.
(٥) انظر : الغزالي : إحياء علوم الدين ٤ / ٤١٨.
أنه لا يلزمه الوفاء وجها واحدا ، ولو نذر أن يزور قبر غيره ففيه وجهان ، وقد علم أنه لا يلزم بالنذر إلا العبادات ، ولو نذر إتيان مسجد المدينة ، وقلنا : أنه يلزمه اتيانه على الأصح يلزمه أن يضم إليه قربة على أرجح الوجهين.
قال / البغوي : يلزمه إذا حضر أن يصلي ركعتين ، أو يعتكف ساعة ، أو يزور قبر النبي صلىاللهعليهوسلم حتى يكون قربة.
وقد صرح الشيخ موفق الدين من الحنابلة باستحباب زيارة قبر النبي صلىاللهعليهوسلم ، وصرح باستحبابها أبو الفرج بن الجوزي (١) ، وأبو الخطاب.
وقال صاحب «المختار» من الحنفية (٢) : بأن الزيارة من أفضل المندوبات والمستحبات ، ثم قال : بل تقرب من درجة الوجوب لما ورد فيه من الفضل العظيم.
قال الحليمي : ومن تعظيمه صلىاللهعليهوسلم ، زيارته صلىاللهعليهوسلم ، ومن تعظيمه تعظيم حرمه ، وهو المدينة وإكرام أهله ، ومنه قطع الكلام إذ جرى ذكره ، أو روي بعض ما جاء عنه عليه أفضل الصلاة والسلام ، وصرف السمع والقلب إليه ثم الإذعان له والنزول عليه والتوقي من معارضته ، وضرب الأمثال [له](٣)
__________________
(١) وممن صرح باستحبابها وكونها سنة من الشافعية في أواخر باب أعمال الحج : الغزالي والبغوي وعز الدين بن عبد السلام والنووي ، ومن الحنابلة : الشيخ موفق الدين وابن الجوزي.
انظر : ابن الضياء : تاريخ مكة ص ٢٤٧ ، النهرواني : تاريخ المدينة (ق ٢٢٨).
(٢) صاحب المختار هو : مجد الدين عبد الله بن محمود الموصلي ، فقيه حنفي ، ولي قضاء الكوفة ، ومات بها سنة ٦٨٣ ه. وله كتاب : «المختار في فروع الحنفية» مخطوط في شستربتي رقم (٤٣٦٠) وفي جامعة الرياض برقم (١٤٤٦).
انظر : حاجي خليفة : كشف الظنون ٢ / ١٦٢٢ ، الزركلي : الأعلام ٤ / ١٣٥.
(٣) سقط من الأصل والاضافة من (ط).
ومنه ألا ترفع الأصوات عند قبره صلىاللهعليهوسلم (١).
قال الشيخ جمال الدين محمود بن محمد بن إبراهيم : «من جملة ظاهر هذا الكلام وجوب الزيارة» هذا هو المفهوم منه ، ويؤيد ذلك أنه قال بعده : «ومن تعظيمه صلىاللهعليهوسلم ، الصلاة والتسليم عليه كلما جرى ذكره ، وهو للوجوب ، بل هذا أولى فإنه أول ما ابتديء به».
الفصل الثاني
في فضل زيارته صلىاللهعليهوسلم
عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من زار قبري وجبت له شفاعتي» (٢) صححه عبد الحق.
وعنه أيضا ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من حج فزار قبري بعد موتي ، كان كمن زارني في حياتي وصحبني» (٣).
__________________
(١) قول صاحب المختار ورد عند ابن الضياء في تاريخ مكة ص ٢٤٨ ، النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٢٧).
(٢) حديث ابن عمر : أخرجه الدار قطني في السنن ٢ / ٢٧٨ ، ابن عدي في الكامل ٦ / ٢٣٥٠ ، ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٧ ، وذكره عياض في الشفا ٢ / ٦٨ ، الهيثمي في مجمع الزوائد ٤ / ٥ وقال : «رواه البزار وفيه عبد الله بن إبراهيم الغفاري وهو ضعيف» ، وذكره السمهودي في وفاء الوفا ص ١٣٣٦ ، والمتقي في الكنز برقم (٤٢٥٨٣).
(٣) حديث ابن عمر : أخرجه الدار قطني في السنن ٢ / ٢٧٨ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٥ / ٢٤٦ ، والطبراني في الكبير ١٢ / ٣١٠ ، وذكره ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٧ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٤ / ٥ وقال : «رواه الطبراني في الأوسط والصغير وفيه عائشة بنت يونس ولم أجد ترجمتها» ، وذكره السمهودي في وفاء الوفا ص ١٣٤٠ ، والألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ١ / ١٢٠ وقال : موضوع.
وقال صلىاللهعليهوسلم : «من جاء ني زائرا لا تعمله حاجة إلا زيارتي كان عليّ حقا أن أكون له شفيعا يوم القيامة» (١).
وعن أنس رضياللهعنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من زارني ميتا فكأنما زارني حيّا ، ومن زار قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة ، وما من أحد من أمتي له سعة ثم لم يزرني [فليس له عذر» (٢).
وعن علي رضياللهعنه قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من لم يزرني فقد جفاني» (٣).](٤)
وعن أنس بن مالك رضياللهعنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من زارني في المدينة محتسبا كان في جواري وكنت له شفيعا يوم القيامة» (٥).
ويروى عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من زارني وزار قبر إبراهيم في عام واحد
__________________
(١) الحديث أخرجه الطبراني في الكبير ١٢ / ٢٩١ عن ابن عمر ، ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٧ عن ابن عمر ، وابن الجوزي في الموضوعات ٢ / ٢١٧ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٤ / ٥ وعزاه للطبراني في الأوسط والكبير عن ابن عمر ، السمهودي في وفاء الوفا ص ١٣٤٠ عن ابن عمر.
(٢) أخرجه الدار قطني في السنن ٢ / ٢٧٨ عن ابن عمر ، وذكره عياض في الشفا ٢ / ٦٨ عن أنس ، ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٧ عن أنس ، السمهودي في وفاء الوفا ص ١٣٤٦ عن أنس ، العجلوني في كشف الخفاء ٢ / ٣٤٧ وعزاه للطبراني وأبي شيخ وابن عساكر ، المتقي في الكنز برقم (١٢٣٧٣) وعزاه السيوطي للبيهقي بالشعب عن رجل من آل الخطاب.
(٣) أخرجه ابن النجار في الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٧ عن علي ، وذكره السمهودي في وفاء الوفا ص ١٣٤٧ عن علي ، السيوطي في الدر المنثور ١ / ٥٦٩ وعزاه للطبراني في العلل عن ابن عمر ، العجلوني في كشف الخفاء ٢ / ٣٨٤ وعزاه للدار قطني في العلل عن ابن عمر وابن حبان في الضعفاء.
(٤) سقط من الأصل والاضافة من (ط).
(٥) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٥ / ٢٤٥ عن أنس ، السهمي في تاريخ جرجان ص ٢٢٠ عن أنس ، وذكره عياض في الشفا ٢ / ٦٨ عن أنس ، والسمهودي في وفاء الوفا ص ١٣٤٢ عن أنس ، السيوطي في الدر المنثور ١ / ٥٦٩ وعزاه للطبراني عن ابن عمر ، المتقي في الكنز برقم (١٢٣٧٣) وعزاه السيوطي للبيهقي في الشعب عن رجل من آل الخطاب.
ضمنت له الجنة» (١). وقال القاضي عز الدين في منسكه : هذا الحديث لا أصل له.
وأجمع العلماء على استحباب زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه (٢).
وعن النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن الصلاة فيه كألف صلاة» (٣). وزيارته عبادة مستقلة لا تعلق لها بالحج.
الفصل الثالث
في كيفية زيارته صلىاللهعليهوسلم
ذكر الشيخ تقي الدين ابن الصلاح ، والشيخ / محي الدين : أنه ينبغي لمن أراد الزيارة أن يكثر من الصلاة والسلام على النبي صلىاللهعليهوسلم ، فإذا وقع بصره على أشجار المدينة المشرفة فليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، وارزقني في زيارة نبيك ما رزقته أولياءك ، وأهل طاعتك ، واغفر لي وارحمني يا خير مسؤل. ويغتسل قبل الدخول ويلبس أنظف ثيابه. قاله الشيخ تقي الدين (٤).
وقال الشيخ محي الدين : وأما استحباب الغسل فيمكن أن يقال فيه من ذهب من العلماء إلى تفضيل المدينة على مكة ، فاستحباب الغسل عنده واضح ،
__________________
(١) ذكره الألباني في السلسلة الضعيفة ١ / ١٢٠ وقال : موضوع ، الفتني في تذكرة الموضوعات ص ٧٥.
(٢) انظر : محب الدين الطبري : القرى ص ٦٠٦ ، ٦٤٠.
(٣) ذكره النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٣٠).
(٤) انظر : المراغي : تحقيق النصرة ص ١٠٣ ، ابن الضياء : تاريخ مكة ص ٢٥٤ ، ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ، النهرواني : تاريخ المدينة (ق ٢٣٩ ، ٢٤١ ـ ٢٤٢).
وذلك أنه يستحب لدخول مكة فللمدينة أولى ، ومن ذهب إلى تفضيل مكة على المدينة فيجعل الاستحباب عنده على سبيل القياس على مكة ـ وعلى هذا يستحب الغسل لزيارة بيت المقدس ـ ويشعر نفسه وتيقنه أنه مسلم على حي عالم به يرد عليه ، فقد حرم الله على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء (١).
ويدخل المدينة قائلا : (رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً)(٢) ، ويحضر قلبه رأفته صلىاللهعليهوسلم بأمته ، ولتكن زيارته زيارة المحب المعظم ، وليقدم رجله اليمنى في دخوله المسجد الشريف قائلا : اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، واليسرى في خروجه قائلا : اللهم افتح لي أبواب فضلك (٣).
واستحب العلماء أن يقصد أول دخوله الروضة المقدسة ، فيصلي في مصلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو غيره من الروضة تحية المسجد [النبوي](٤) ركعتين ، ثم شكر الله تعالى على ما أنعم ، ويسأله تمام المقصد ، ثم ينهض إلى القبر الشريف قبالة وجهه صلىاللهعليهوسلم ، وهو أن يستدبر القبلة ويستقبل المسمار الفضة الذي بالجدار على نحو أربع أذرع من السارية التي هي غربي رأس القبر الشريف في زاوية جداره (٥).
__________________
(١) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الجمعة باب ١ برقم (١٠٤٧) ١ / ٣٢٠ عن أوس بن أوس ، ابن ماجة في سننه برقم (١٠٨٥) ١ / ٣٤٥ عن شداد بن أوس ، أحمد في المسند ٤ / ٨ عن أوس بن أوس ، والحاكم في المستدرك ٤ / ٥٦٠ عن أوس ، وذكره ابن الجوزي في الوفا ٢ / ٨٠٩ عن أوس.
(٢) سورة الإسراء آية (٨٠).
(٣) انظر : ابن الضياء : تاريخ مكة ص ٢٥٦ ، النهرواني : تاريخ المدينة (ق ٢٤٢ ـ ٢٤٣).
(٤) سقط من الأصل والاضافة من (ط).
(٥) كذا ورد عند المطري في التعريف ص ٢٤ ، النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٤٣).
وقال الشيخ عز الدين ابن عبد السلام : «يكون بينه وبين الجدار نحو من ثلاثة أذرع ، ويجعل القنديل الكبير على رأسه» (١).
وحكى البيهقي ، عن الشافعي رحمهالله قال : حدثنا الثقات من أصحابنا أن قبر النبي صلىاللهعليهوسلم ، عن يمين الداخل من البيت اللاصق بالجدار الذي اللحد تحته قبلة البيت ، وأن لحده صلىاللهعليهوسلم تحت الجدار ، واستدبار القبلة هو المستحب عند الشافعية ، والحنابلة ، ومالك ، والذي صححه الحنفية أن يستقبل القبلة عند السلام على رسول الله صلىاللهعليهوسلم والدعاء (٢).
ومن الآداب : أن لا يدنو من القبر ، ولا يرفع صوته بالتسليم ، ولا يمس القبر بيده ، وإذا أردت الصلاة فلا تجعل الحجر وراء ظهرك ولا بين يديك ، ولا يقف عند القبر طويلا ، / وليقف عند السلام عليه صلىاللهعليهوسلم ناظرا إلى الأرض ، غاض الطرف في مقام الهيبة والتعظيم والإجلال فارغ القلب من علائق الدنيا ، مستحضرا في قلبه جلالة موقفه ومنزلة من هو بحضرته وعلمه صلىاللهعليهوسلم بحضوره وقيامه وسلامه (٣).
وكان الناس إذا وقفوا للسلام على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، في الروضة الشريفة قبل أن يدخل الحجرات في المسجد يستقبلون السارية التي فيها الصندوق الخشب وثم قائم من خشب مجدد ، وهي لاصقة بحائط الحجرة الغربي الذي بناه عمر بن عبد العزيز ويستدبرون حول بيت النبي صلىاللهعليهوسلم ،
__________________
(١) قول العز بن عبد السلام ذكره ابن الضياء في تاريخ مكة ص ٢٥٧ ، النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٤٤).
(٢) قول البيهقي ذكره ابن الضياء في تاريخ مكة ص ٢٥٧ ، النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٤٤ ـ ٢٤٥).
(٣) كذا ورد عند ابن الضياء في تاريخ مكة ص ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ، النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٤٥).
(٤) كذا ورد عند المطري في التعريف ص ٢٥.
ويستدبرون الروضة واسطوانة التوبة ، ويسلمون على النبي صلىاللهعليهوسلم ، وعلى صاحبيه رضياللهعنهما ، وروي ذلك عن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ رضوان الله عليهم ـ أنه كان إذا جاء يسلم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقف عند الأسطوانة التي تلي الروضة ، ويستقبل السارية التي تلي الصندوق اليوم ، فيسلم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعلى أبي بكر وعمر رضياللهعنهما ويقول : ها هنا رأس رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلما أدخلت الحجرات في المسجد وقف الناس حيث موقفهم اليوم (١).
وقال مالك في رواية ابن وهب : إذا سلم على النبي صلىاللهعليهوسلم ، ودعا يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة ، ويدنو ويسلم ، ولا يمس القبر بيده (٢). وقال في المبسوط : لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلىاللهعليهوسلم ، يدعو ولكن يسلم ويمضي (٣).
وأتى أنس بن مالك قبر النبي صلىاللهعليهوسلم ، فوقف فرفع يديه ، حتى ظن أنه افتتح الصلاة ، فسلم على النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم انصرف (٤).
وقال مالك في كتاب محمد : «ويسلم على النبي صلىاللهعليهوسلم ، إذا دخل ، أو خرج ـ يعني المدينة ـ وفيما بين ذلك ، قال محمد : وإذا خرج جعل آخر عهده الوقوف بالقبر ، وكذلك من خرج مسافرا» (٥).
وقال مالك في «المبسوط» : «وليس يلزم من دخل المسجد وخرج منه
__________________
(١) كذا ورد عند المطري في التعريف ص ٢٥.
(٢) و (٣) قول مالك ذكره القاضي عياض في الشفا ٢ / ٧٠.
(٤) كذا ورد عند القاضي عياض في الشفا ٢ / ٧١.
(٥) قول مالك ذكره القاضي عياض في الشفا ٢ / ٧١.
[من أهل المدينة](١) الوقوف بالقبر ، وإنما ذلك للغرباء» (٢).
قال الحافظ محب الدين (٣) : «وعلامة الوقوف تجاه الوجه الكريم مسمار فضة مضرب في رخامة حمراء إذا قابله الإنسان ناظرا إلى أسفل ما يبصر من الحائط ـ يعني عند حد القائم المبسوط ـ كان القنديل على رأسه فيقابل وجه النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم ينتقل عن يمينه قدر ذراع فيسلم على أبي بكر رضياللهعنه ، ثم ينتقل قدر ذراع فيسلم على عمر رضياللهعنه ثم يعود ويجعل الحجرة على يساره ، ويدعو الله بما أحب».
وجميع التواريخ المتقدمة يذكرون العلامة بالمسمار ، ويصفونه بأنه صفر ، ولعله غير (٤).
وأما الدلالة بالقنديل : فقال الشيخ جمال الدين (٥) : «الآن هناك عدة قناديل جدد بعد احتراق المسجد ، ثم قال : وموقف الناس اليوم للسلام على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، عرصة (٦) بيت أم المؤمنين حفصة رضياللهعنها بنت عمر ابن الخطاب رضياللهعنه».
وذكر لي بعض المتبصرين : أنه إذا أتى للسلام على النبي صلىاللهعليهوسلم ، يرى في
__________________
(١) اضافة للضرورة من الشفا ٢ / ٧٢.
(٢) قول مالك ذكره القاضي عياض في الشفا ٢ / ٧٢.
(٣) قول ابن النجار ورد عنده في الدرة الثمينة ٢ / ٣٩٩ ، ونقله عنه : المطري في التعريف ص ٢٨ ، النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٤٦).
(٤) قول المؤلف نقله عنه : ابن الضياء في تاريخ مكة ص ٢٥٨ ، النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٤٦).
(٥) قول المطري ورد عنده في التعريف ص ٢٨ ، ونقله عنه : ابن الضياء في تاريخ مكة ص ٢٥٨ ، النهرواني في تاريخ المدينة (ق ٢٤٧).
(٦) العرصة : كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء.
انظر : ابن منظور : اللسان مادة «عرص».