أصحابنا عن أحدهما ـ عليهماالسلام ـ في قوله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ» الآية ، قال : «خمس الله للإمام ، وخمس الرسول للإمام ، وخمس ذوي القربى لقرابة الرسول : الإمام ، واليتامى يتامى الرسول ، والمساكين منهم وأبناء السبيل منهم فلا يخرج منهم إلى غيرهم» (١).
ومرفوعة أحمد بن محمد عن بعض أصحابنا قال : «الخمس من خمسة أشياء ـ إلى أن قال ـ فأمّا الخمس فيقسّم على ستّة أسهم : سهم لله ، وسهم للرسول ـ صلىاللهعليهوآله ـ وسهم لذوي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لأبناء السبيل ، فالذي لله فرسوله (٢) أحقّ به فهو له خاصة ، والذي للرسول هو لذي القربى والحجة في زمانه ، فالنصف له خاصّة ، والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد ـ عليهمالسلام ـ ، الذين لا تحلّ لهم الصدقة ولا الزكاة ، عوّضهم الله مكان ذلك بالخمس ، فهو يعطيهم على قدر كفايتهم ، فإن فضل منهم شيء فهو له ، وإن نقص عنهم ولم يكفهم أتمّه لهم من عنده كما صار له الفضل كذلك لزمه النقصان» (٣).
ومرسلة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح ـ عليهالسلام ـ ، قال : «الخمس من خمسة أشياء : من الغنائم ، والغوص ، ومن الكنوز ، ومن المعادن ، والملاحة يؤخذ من كلّ هذه الصنوف
__________________
(١) التهذيب ٤ : ١٢٥ / ٣٦١ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب قسمة الخمس ، الحديث ٢.
(٢) في هامش النسخة والطبعة الحجرية : فلرسول الله خ ل. وجاء في التهذيب هكذا : فالذي لله ولرسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، فرسول الله أحقّ به. وفي الوسائل هكذا : فالذي لله فلرسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، فرسول الله أحقّ به.
(٣) التهذيب ٤ : ١٢٦ / ٣٦٤ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب قسمة الخمس ، الحديث ٩.
الخمس فيجعل لمن جعله الله له ، ويقسّم الأربعة الأخماس بين من قاتل عليه وولي ذلك ، ويقسّم بينهم الخمس على ستّة أسهم : سهم لله ، وسهم لرسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، وسهم لذي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لأبناء السبيل ، فسهم الله وسهم رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، لاولي الأمر من بعد رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، وراثة ، وله ثلاثة أسهم : سهمان وراثة وسهم مقسوم له من الله ، فله نصف الخمس كملا ، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته ، فسهم ليتاماهم ، وسهم لمساكينهم ، وسهم لأبناء سبيلهم يقسّم بينهم على الكتاب والسنّة ـ إلى أن قال ـ فجعل لهم خاصّة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيّرهم في موضع الذلّ والمسكنة ، ولا بأس بصدقات بعضهم على بعض ، وهؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، الذين ذكرهم الله ، فقال : «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» (١) وهم بنو عبد المطلّب أنفسهم الذكر منهم والأنثى ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ، ولا من العرب أحد ، ولا فيهم ولا منهم في هذا الخمس من مواليهم ، وقد تحلّ صدقات الناس لمواليهم وهم والناس سواء ، ومن كانت امّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش ، فإنّ الصدقات تحلّ له ، وليس له من الخمس شيء لأنّ الله تعالى يقول : «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ» (٢) إلى أن قال : وليس في مال الخمس زكاة لأنّ فقراء الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس على ثمانية أسهم فلم يبق منهم أحد ، وجعل للفقراء وقرابة الرسول ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، نصف
__________________
(١) الشعراء ٢٦ : ٢١٤.
(٢) الأحزاب ٣٣ : ٥.
الخمس ، فأغناهم عن صدقات الناس وصدقات النبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، ووليّ الأمر» (١) الحديث.
وما عن تفسير النعماني بإسناده عن علي ـ عليهالسلام ـ ، قال :الخمس يجري (٢) من أربعة وجوه من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين ، ومن المعادن ، ومن الكنوز ، ومن الغوص ، ويجري هذا الخمس على ستّة أجزاء ، فيأخذ الإمام منها سهم الله وسهم الرسول ، وسهم ذي القربى ، ثمّ يقسّم الثلاثة السهام الباقية بين يتامى آل محمد ومساكينهم وأبناء سبيلهم» (٣).
ويدلّ عليه أيضا بعض الأخبار الآتية ، كما أنّه يدلّ على أنّ لله تعالى ولرسوله ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، ولذي القربى ثلاثة أسهم ، كما هو محطّ النظر في الاستدلال وغير ذلك من الروايات.
فما حكي عن شاذّ من أصحابنا من أنّه أسقط سهم رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، ضعيف ، بل لم يعرف قائله ، وقد حكي (٤) عن بعض استظهار كونه ابن الجنيد.
واعترضه شيخنا المرتضى (٥) ـ رحمهالله ـ بأنّ المحكي عن ابن الجنيد في المختلف موافقة المشايخ الثلاثة وباقي علمائنا (٦).
__________________
(١) الكافي ١ : ٥٣٩ / ٤ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب قسمة الخمس ، الحديث ٨.
(٢) في الوسائل : «يخرج» بدل «يجري».
(٣) الوسائل : الباب ١ من أبواب قسمة الخمس ، الحديث ١٢.
(٤) كما في كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٤٤.
(٥) كما في كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٤٤.
(٦) كتاب الخمس : ٥٤٤ ، وراجع : مختلف الشيعة : ٣ : ١٩٧ ، المسألة ١٥٥.
وربما يظهر من عبارة المدارك أنّ هذا القائل أسقط سهم الله تعالى ، ففي المدارك قال : وحكى المصنّف والعلّامة عن بعض الأصحاب قولا بأنّه يقسّم خمسة أقسام : سهم لرسوله ، وسهم ذي القربى لهم ، والثلاثة الباقية لليتامى والمساكين وأبناء السبيل. وإلى هذا القول ذهب أكثر العامة ، واختلفوا في سهم النبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ بعد وفاته ، فقال قوم : إنّه يصرف في المصالح كبناء القناطر وعمارة المساجد ونحو ذلك.
وقال آخرون : إنّه يسقط بموته ـ عليهالسلام. وقال بعضهم : إنّه يكون لوليّ الأمر بعده (١). انتهى.
وكيف كان فلا ريب في ضعف القول المزبور ، بل فساده وإن كان قد توهّمه صحيحة ربعي بن عبد الله بن جارود عن أبي عبد الله ـ عليهالسلام ـ قال : «كان رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له ، ثمّ يقسّم ما بقي منه خمسة أخماس ، ويأخذ خمسه ، ثمّ يقسّم الأربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ، ثمّ يقسّم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس الله عزوجل لنفسه ، ثمّ يقسّم الأربعة أخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل يعطي كل واحد منهم حقّا ، وكذلك الإمام يأخذ كما يأخذ الرسول ـ صلىاللهعليهوآله» (٢).
ولكنك خبير بأنّه لا ظهور في هذه الصحيحة في أنّه ليس لرسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ سهم ، فضلا عن صلاحيّة المعارضة للنصوص المستفيضة المعتضدة بظاهر الكتاب ، بل هي بنفسها مشعرة أو ظاهرة في
__________________
(١) مدارك الأحكام ٥ : ٣٩٣.
(٢) التهذيب ٤ : ١٢٨ / ٣٦٥ ، الإستبصار ٢ : ٥٦ / ١٨٦ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب قسمة الخمس ، الحديث ٣.
أنّ الأسهم إنّما هي على ما فرضه الله تعالى في كتابه ، ولكنّه ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، كان يكتفي في مقام القسمة بسهم الله ، فيأخذه لنفسه ، ويقسّم الباقي.
وإن شئت قلت في الجواب عن هذه الصحيحة تبعا للعلّامة وغير واحد ممّن تبعه على ما حكي (١) عنهم : بأنّه حكاية فعل ، فلعلّه ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، أخذ دون حقّه توفيرا للباقي على باقي المستحقّين.
وما عن جماعة منهم صاحب المدارك (٢) من استبعاده بمنافاة ذلك لقوله ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، في ذيل الرواية : «وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ الرسول ـ صلىاللهعليهوآله ـ» استبعاد لغير البعيد.
مع أنّ المنساق إلى الذهن من قوله ـ عليهالسلام ـ : «وكذلك الإمام» الى آخره ، بواسطة المناسبات المغروسة في الذهن : أنّ الإمام أيضا كان كرسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، كان يستوفي سائر السهام ما عدا سهمه لا سهم الرسول ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، وكيف كان فهذا ممّا لا شبهة فيه.
ثمّ إنّه صرّح غير واحد ، بل عن مجمع البيان وكنز العرفان وغيرهما (٣) دعوى الإجماع على أنّه في حياة النبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ (ثلاثة) من تلك الأقسام الستة (للنبي ـ عليه وآله السلام ـ ، وهي سهم الله تعالى ، وسهم رسوله ، وسهم ذي القربى.
__________________
(١) الحاكي هو الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس : ٥٤٤ ، وراجع : مختلف الشيعة ٣ : ١٩٨.
(٢) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس : ٥٤٤ ، وراجع : مدارك الأحكام ٥ : ٣٩٧.
(٣) كما في كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٤٤ ، وراجع : مجمع البيان ٤ : ٨٣٥ ، وكنز العرفان ١ : ٢٥٠.
أمّا اختصاص سهم الله برسوله ـ صلىاللهعليهوآله ـ : فيدلّ عليه جملة من الأخبار التي تقدّم بعضها ممّا وقع فيه التصريح بأنّ ما كان لله فلرسوله ، وأنّ رسوله به أحقّ (١) وظاهرها الاختصاص والملكيّة ، خصوصا مع ما في بعضها من التصريح بانتقاله بعد النبي إلى الإمام وراثة (٢).
فما يوهمه خبر زكريّا ، الآتي من أنّ الرسول يتولّى أمره ، ويضعه في سبيل الله (٣) لا بدّ من تأويله ، أو ردّ علمه إلى أهله. مع أنّا سنشير إلى أنّ هذه الرواية يلوح منها أثر التقيّة.
وأمّا اختصاص سهم ذوي القربى بالرسول ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، في حياته فلا يهمّنا تحقيقه ، فضلا عن معرفة وجهه.
(و) كيف كان ، فالمشهور بين أصحابنا أنّ المراد بذي القربى في هذا الباب (هو الإمام ـ عليهالسلام ـ) بل عن الانتصار ومجمع البيان دعوى الإجماع عليه (٤) ، وعن كنز العرفان أنّه قول أصحابنا (٥).
ويدلّ عليه ـ مضافا إلى عدم خلاف يعتدّ به فيه ـ جملة من الأخبار التي تقدّم بعضها كموثّقة ابن بكير (٦) ومرفوعة أحمد بن محمّد (٧) ، ومرسلة حمّاد (٨) وغير ذلك من الروايات التي يمكن استفادته منها ممّا لا يخفى
__________________
(١) التهذيب ٤ : ١٢٦ / ٣٦٤ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب قسمة الخمس ، الحديث ٩.
(٢) الكافي ١ : ٥٣٩ ـ ٥٤٠ / ٤ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب قسمة الخمس ، الحديث ٨.
(٣) التهذيب ٤ : ١٢٥ / ٣٦٠ ، والفقيه ٢ : ٢٢ / ٧٩ ، والخصال : ٣٢٤ / ١٢ ، والوسائل : الباب ١ من أبواب قسمة الخمس ، الحديث ١.
(٤) كما في كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٤٤ ، وراجع : الانتصار : ٨٦ ، ومجمع البيان ٤ : ٨٣٥ ، وكنز العرفان ١ : ٢٥٠.
(٥) كما في كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٤٤ ، وراجع : الانتصار : ٨٦ ، ومجمع البيان ٤ : ٨٣٥ ، وكنز العرفان ١ : ٢٥٠.
(٦) تقدّم في صفحة ٢٠٠ ـ ٢٠١.
(٧) تقدّم في صفحة ٢٠١.
(٨) تقدّم في صفحة ٢٠١.
على المتتبع.
وربّما يؤيّده أيضا : وقوع التعبير في الكتاب العزيز عنه بلفظ المفرد ، ومقابلته مع اليتامى والمساكين وابن السبيل ، مع أنّ المراد منهم أيضا أقرباء النبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، فلا يناسبها إرادة مطلق أقربائه من ذي القربى الذي جعل له سهم مخصوص.
هذا ، مع أنّ العمدة في الباب هي الأخبار المفسّرة له ، المعتضدة بما عرفت.
فما حكي (١) عن ابن الجنيد من أنّه لم يجعل هذا السهم لخصوص الإمام ، بل لمطلق أقارب النبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ من بني هاشم ، كما حكي (٢) هذا القول عن الشافعي بزيادة المطلّب مع هاشم ؛ ضعيف وإن كان قد يوهمه بعض الأخبار كخبر زكريّا بن مالك الجعفي عن أبي عبد الله ـ عليهالسلام ـ ، أنّه سئل عن قول الله عزوجل «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ» (٣) فقال : «أمّا خمس الله عزوجل فللرسول يضعه في سبيل الله ، وأمّا خمس الرسول فلأقاربه ، وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه وحدها ، واليتامى يتامى أهل بيته ، فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم ، وأمّا المساكين وابن السبيل فقد عرفت أنّا لا نأكل الصدقة ، ولا تحلّ لنا ، فهي للمساكين وأبناء السبيل» (٤).
وخبر محمد بن مسلم ، المروي عن تفسير العيّاشي عن أحدهما
__________________
(١) كما في جواهر الكلام ١٦ : ٨٧ ، وحكاه العلامة الحلّي في مختلف الشيعة : ٣ : ١٩٨ ـ ١٩٩ ، المسألة ١٥٦.
(٢) كما في جواهر الكلام ١٦ : ٨٧.
(٣) الأنفال ٨ : ٤١.
(٤) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في صفحة ٢٠٦ والهامش (٢).
ـ عليهماالسلام ـ قال : سألته عن قول الله عزوجل «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى» قال : «هم قرابة رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ فسألته منهم اليتامى والمساكين وابن السبيل؟ قال : «نعم» (١) وغير ذلك من الروايات التي فسّر فيها «ذي القربى» بقرابة النبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، على الإطلاق ، مع وقوع التعبير في بعضها (٢) بصيغة الجمع ، الظاهرة في المتعدّد ، ولكن المتعيّن صرف ما كان من هذا النحو من الأخبار إلى ما لا ينافي الأخبار المتقدّمة ، المعتضدة بما عرفت ، المصرّحة بأنّ نصف الخمس كملا للإمام والحجّة (٣).
مع أنّ الذي يغلب على الظن أنّ الأخبار الموهمة للخلاف مشوبة بالتقية ؛ فإنّ المقام من أوضح ما يناسبه ذلك ، فإنّ من الواضح أنّه لم يكن للحجج الذين صدرت منهم هذه الأخبار التظاهر بدعوى الاختصاص ، فلم يكن لهم بدّ في الموارد التي لم يحصل لهم الأمن من إذاعة سرّهم إلّا بإلقاء كلمات متشابهة.
أما ترى أنّ أمارات التقية والتورية من خبر زكريّا بن مالك لائحة ، فكأنّه أريد بقوله : «فقد عرفت أنّا لا نأكل الصدقة» (٤) إلى آخره ، تنبيه أولي الألباب بإلقاء هذه العبارة المشبّهة لمن لا يعقل.
على أنّ المراد بالمساكين وأبناء السبيل مساكينهم وأبناء سبيلهم الذين لا يحلّ لهم الصدقة التي هي قسيم الخمس الذي أكرم الله به بني هاشم
__________________
(١) تفسير العياشي ٢ : ٦١ / ٥٠ ، والوسائل : الباب ١ من أبواب قسمة الخمس ، الحديث ١٣.
(٢) راجع : الوسائل : الباب ١ من أبواب قسمة الخمس ، الحديث ١ و ٣.
(٣) تقدّمت في صفحتي ٢٠١ و ٢٠٢.
(٤) تقدّم الخبر في صفحة ٢٠٦.
وجعل منه لنفسه سهما إعظاما لبني هاشم ، وجبرا لقلوبهم ، فسوق التعبير وإن كان يوهم الخلاف ، ولكنه ـ عليهالسلام ـ علّله بعلّة تهدي العارفين إلى الصواب.
وكذلك قوله ـ عليهالسلام ـ في صدر الحديث : «أمّا خمس الله عزوجل فللرسول يضعه في سبيل الله» لا يبعد أن يكون تورية أريد به صرفه في مئونته التي هي من أوضح سبل الله تعالى.
ويظهر بالتدبّر في ما أسلفناه في مبحث المواقيت عند التكلّم في الغروب أنّه في مثل هذه الموارد لا تصلح الأخبار المناسبة لمذهب العامة ـ وإن كانت صحيحة صريحة مستفيضة ، بل متواترة ـ لمعارضة ما ينافيها ، فضلا عن مثل هذه الأخبار القابلة للتأويل ، فلا ينبغي الاستشكال في ما ذكر اغترارا بما يوهمه إطلاق الآية والأخبار المنافية له في الظاهر.
(و) كذا لا ينبغي الارتياب في أنّ ما كان للنبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ من سهمه وسهم الله تعالى (بعده للإمام القائم مقامه) كما هو صريح جملة من الأخبار المتقدّمة (١) ، فنصف الخمس كملا في هذه الأعصار لإمام العصر ـ عجّل الله فرجه ـ سهمان له بالوراثة ، وسهم مقسوم له من الله تعالى ، كما وقع التعبير بذلك في بعض تلك الأخبار (٢).
فما عن الشافعي من انتقال سهم رسول الله بعد موته إلى المصالح كبناء القناطر وعمارة المساجد وأهل العلم والقضاة وأشباه ذلك (٣). وعن أبي حنيفة من السقوط أصلا (٤) ؛ إنّما يتّجه على قواعدهم لا على أصولنا.
__________________
(١) تقدّمت في صفحات ٢٠١ و ٢٠٢ و ٢٠٣.
(٢) وهي مرسلة حمّاد بن عيسى ، المتقدّمة في صفحة ٢٠١.
(٣) كما في جواهر الكلام ١٦ : ٨٧ ، وحكاه العلّامة الحلّي في منتهى المطلب ١ : ٥٥١.
(٤) كما في جواهر الكلام ١٦ : ٨٧ ، وحكاه العلّامة الحلّي في منتهى المطلب ١ : ٥٥١.
وأمّا ما حكي عن ثانيهما خاصة من سقوط سهم ذي القربى بموت النبي ـ صلىاللهعليهوآله (١) ـ فهو بحسب الظاهر ممّا لا يتّجه ولو على قواعدهم ، فليتأمّل.
ثمّ إنّ الأسهم الثلاثة التي دلّت الأدلّة على أنّه بالفعل سهم إمام العصر ـ عليهالسلام ـ ، من حيث إمامته إنّما هي الأسهم الثلاثة الثابتة في الخمس من حيث هو ، فلا تتمشّى في الخمس الذي قبضه النبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، أو الأئمة الماضية ـ عليهمالسلام ـ ، فإنّه بقبضهم صار ملكا لهم في عرض سائر أملاكهم ، وخرج عن موضوع السهام الثابتة في الخمس ، واندرج في موضوع آية المواريث.
(و) من هنا يعلم أنّ (ما كان) قد (قبضه النبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ أو الإمام) الماضي ـ عليهالسلام ـ ، حاله من الأسهم الثلاثة كغيره ممّا تركه بعد وفاته (ينتقل الى وارثه) على حسب ما تقتضيه آية المواريث ، لا آية الخمس ، والله ورسوله وأهل بيته أعلم.
(وثلاثة) من الأسهم الستة وهي نصف الخمس (للأيتام والمساكين وأبناء السبيل) من أقارب النبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، ممّن حرّم عليهم الصدقة ، بلا خلاف فيه على الظاهر بيننا ، كما يدلّ عليه النصوص الكثيرة التي تقدّم جملة منها.
نعم حكي (٢) عن ابن الجنيد أنه جعلها مع استغناء ذوي القربى لمطلق الأيتام والمساكين وأبناء السبيل.
وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّه إن استند في ذلك إلى إطلاق الكتاب
__________________
(١) كما في جواهر الكلام ١٦ : ٨٧ ، وحكاه العلامة الحلّي في منتهى المطلب ١ : ٥٥١.
(٢) كما في جواهر الكلام ١٦ : ٨٨ ، وحكاه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة : ٣ : ٢٠١ ، المسألة ١٥٨.
وأغمض عمّا ورد في تفسيره ، فلا وجه لتقييده باستغناء ذوي القربى ، وإن استند إلى الأخبار المفسّرة له ، فمقتضاها قصر الخمس على بني هاشم وعدم التعدّي عنهم ، خصوصا بعد الالتفات إلى ما وقع في بعضها من التصريح بأنّ الزائد عمّا يحتاجون إليه للإمام ـ عليهالسلام ـ ، وعلى الإمام تكميل ما نقص ، كقوله ـ عليهالسلام ـ في مرسلة حمّاد ، المقدّمة (١) : «وله ـ يعني للإمام ـ نصف الخمس كملا ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته ، فسهم ليتاماهم ، وسهم لمساكينهم ، وسهم لأبناء سبيلهم ، يقسّم بينهم على الكتاب والسنّة ما يستغنون به في سنتهم ، فإن فضل عنهم شيء فهو للوالي ، وإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به ، وإنّما صار عليه أن يموّنهم ، لأنّ له ما فضل عنهم الحديث.
(وقيل : يقسّم) الخمس (خمسة أقسام) كما نبّهنا عليه آنفا ، وأشرنا إلى أنّه لم يعرف قائله منّا ، كما اعترف به غير واحد ، نعم هو محكي عن الشافعي وأبي حنيفة (٢).
(و) كيف كان فقد ظهر ممّا سبق أنّ القول (الأول) مع كونه (أشهر) بل المشهور بيننا لو لم يكن مجمعا عليه ، هو الأصح.
(ويعتبر في الطوائف الثلاث انتسابهم إلى عبد المطلّب بالأبوّة ، فلو انتسبوا بالأمّ خاصة لم يعطوا شيئا من الخمس على الأظهر) الأشهر ، بل المشهور ، بل لم يتحقّق الخلاف فيه إلّا من السيّد حيث ذهب إلى استحقاق المنتسبين بالأمّ (٣) أيضا ، وربما نسب (٤) هذا القول
__________________
(١) تقدّمت في صفحة ٢٠١.
(٢) كما في جواهر الكلام ١٦ : ٨٩.
(٣) حكاه ونسبه إليهما المحدّث البحراني في الحدائق الناضرة ١٢ : ٣٩٠.
(٤) حكاه ونسبه إليهما المحدّث البحراني في الحدائق الناضرة ١٢ : ٣٩٠.
إلى ابن حمزة أيضا.
وعن الحدائق (١) صريحا اختياره ، ونسبته إلى كثير من الأصحاب مصرّحا بأسمائهم ، فكأنّه بني الخلاف في هذه المسألة على الخلاف في صحّة إطلاق اسم الولد على ولد البنت حقيقة ، فنسب القول بالاستحقاق إلى كلّ من استظهر من كلماته في باب الوقف أو المواريث أو الوصية ونحوها التزامه بالصدق الحقيقي كالأشخاص الذين عدّد أسماءهم ، وليس الأمر كذلك ؛ فإنّ بعض من اختار صدق الاسم حقيقة صرّح بعدم استحقاقهم من الخمس شيئا ، فلا ملازمة بين القولين.
والأقوى : عدم استحقاقهم للخمس سواء قلنا بكون إطلاق الابن أو الولد على ابن البنت على سبيل الحقيقة أو التجوّز ، ولا يهمّنا البحث عن أنّ الإطلاق حقيقي أو مجازي ، بل نقول : ظاهر النصوص والفتاوى ، بل صريحهما : المبائنة بين مستحقّي الخمس والصدقة الواجبة ، وأنّ الله تعالى حرّم الزكاة والصدقة على بني هاشم ، وجعل لهم الخمس فأغناهم به عن صدقات الناس ، فالعبرة باستحقاقه للخمس اندراجه عرفا في عنوان بني هاشم وبني عبد المطلّب ، كما وقع التعبير بهذين في غير واحد من النصوص.
والمتبادر من إطلاق بني هاشم أو بني عبد المطلب ما لم يكن المقصود به أبناءه بلا واسطة ، كما في المقام ليس إلّا إرادة أشخاص المنتسبين إليه كبني تميم وبني سعد وبني كنانة ، وغير ذلك من أسماء القبائل المنتسبين إلى آبائهم.
ولا يدور ذلك في العرف مدار صدق اسم الولد وعدمه ، بل يدور
__________________
(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ٩٠ ، وراجع : الحدائق الناضرة ١٢ : ٣٩٠.
مدار إضافته إلى هاشم بحيث يطلق عليه اسم الهاشمي في العرف ، كما وقع التعبير عنه بهذا الاسم في بعض الأخبار :مثل ما رواه الشيخ بإسناده عن زرارة عن أبي عبد الله ـ عليهالسلام ـ في حديث ، قال : «لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة ، إنّ الله عزوجل جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم» ثم قال :«إنّ الرجل إذا لم يجد شيئا حلّت له الميتة والصدقة ، ولا تحلّ لأحد منهم إلّا أن لا يجد شيئا ، ويكون ممّن يحلّ له الميتة» (١).
ومن الواضح أنّ النسبة من طرف الأم غير محفوظة ولا ملحوظة في العرف ، فمن كانت أمّه من بني تميم وأبوه من بني سعد يعدّ عرفا من بني سعد لا من بني تميم ، ولا أقلّ من انصراف إطلاق اسم بني تميم أو تميمي عنه ، فلا يتناول مثل الفرض إطلاقات الأدلّة الدالّة على حرمة الصدقة على بني هاشم ، وحلّية الخمس لهم.
نعم لو فرض شخص مثل عيسى ـ عليهالسلام ـ لم يكن له النسبة إلى أحد إلّا من قبل أمّه ، لا يبعد أن يعدّ عرفا من قبيلتها.
والحاصل : أنّ المدار في هذا الباب على اندراجه في منصرف إطلاق اسم الهاشمي أو بني هاشم ، ولا يكفي في ذلك مجرّد تولّده منه وكونه من ذرّيته.
كما يشهد لذلك ، مضافا إلى مساعدة العرف عليه : قوله ـ عليهالسلام ـ في مرسلة حمّاد ، المتقدّمة (٢) : «ومن كانت امّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإنّ الصدقات تحلّ له ، وليس له من
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٥٩ / ١٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٦ / ١١١ ، الوسائل : الباب ٣٣ من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث ١.
(٢) تقدّمت في صفحة ٢٠١.
الخمس شيء ، لأنّ الله تعالى يقول «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ» (١).
وضعف سنده بالإرسال مجبور بالشهرة المعتضدة بعدم خلاف يعتدّ به في المسألة ، مع أنّ المرسل من أصحاب الإجماع.
ويؤيّده أيضا ، بل يشهد له : أنّه لو كان الانتساب إلى بني هاشم من قبل الأم موجبا لحرمة الصدقة وإباحة الخمس ، لاشتهر ذلك من الصدر الأوّل ، واستقرّت السيرة على ضبط النسبة وحفظها ، مع أنّه ليس كذلك ، فعدم اشتهار مثل هذا الحكم مع عموم الابتلاء به ، فضلا عن اشتهار خلافه ، وكذا عدم جريان عادة المتشرّعة على حفظ هذه النسبة وضبطها ، كجريان عادتهم على حفظها من طرف الأب ، من أقوى الشواهد على أنّه ليس لها هذا الأثر في الشريعة ، وكيف كان فلا ينبغي الاستشكال في الحكم.
وربما يورد أيضا على السيّد ومن تبعه : بأنّه لو كان انتسابه بالأم موجبا لاندراجه في موضوع الهاشمي ، الموجب لاستحقاقه للخمس ، لكان انتسابه بأبيه أيضا موجبا لاندراجه في موضوع التميمي أو الأموي أو غير ذلك ممّن تحلّ له الصدقة ، وهما متنافيان ؛ لتطابق النصوص والفتاوى على أنّ الله عزوجل أحلّ الخمس لمن حرّم عليه الصدقة ، فلا يتصادقان في مورد.
ويدفعه : أنّ مناط حلّية الخمس وحرمة الصدقة إنّما هو صدق اسم الهاشمي عليه ، لا اختصاصه بهذا الاسم ، وليس استحقاقه للزكاة والصدقة منوطا باندراجه تحت عنوان خاصّ حتى تتحقّق المعارضة ، فاستحقاقه للزكاة والصدقة موقوف على عدم اندراجه في موضوع الهاشمي
__________________
(١) الأحزاب ٣٣ : ٥.
الذي جعل له الخمس ، فلو سلّمنا اندراجه في منصرف الهاشمي الذي دلّت الأدلّة على استحقاقه للخمس ، فلا يتوجّه الإشكال عليه من هذه الجهة ، كما لا يخفى.
ثمّ إنّ المدار ـ على ما يظهر بالتدبّر في النصوص والفتاوى ـ على انتسابه إلى هاشم ، لكن بني هاشم بحسب الظاهر ـ على ما صرّح به بعض ، ويظهر من آخرين ـ محصورون في بني عبد المطلّب ، ولذا خصّهم المصنّف بالذكر ، كما ستأتي الإشارة إليه وإلى توجيه بعض الأخبار الموهمة لاختصاص الخمس بأهل بيت رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، من ولد عليّ وفاطمة ـ عليهماالسلام.
(ولا يجب استيعاب أشخاص كلّ طائفة) من الطوائف الثلاث بلا شبهه ، بل بلا خلاف فيه في الجملة على الظاهر ، كما يظهر من كلماتهم.
ففي المدارك قال في شرح العبارة ما لفظه : هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ؛ لأنّ المراد من اليتامى والمساكين في الآية الشريفة :الجنس كابن السبيل ، كما في آية الزكاة ، لا العموم ، إمّا لتعذّر الاستيعاب ، أو لأنّ الخطاب للجميع ، بمعنى أنّ الجميع يجب عليهم الدفع إلى جميع المساكين ، بأن يعطي كلّ بعض بعضا.
ويدلّ عليه أيضا ما رواه الشيخ ـ في الصحيح ـ عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن ـ عليهالسلام ـ : وسئل عن قوله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ» قال : «فما كان لله فللرسول وما كان للرسول فهو للإمام» قيل : أرأيت إن كان صنف أكثر من صنف كيف يصنع؟ فقال : «ذلك إلى الإمام ، أرأيت رسول الله ـ صلّى الله عليه
وآله ـ كيف صنع ، إنّما كان يعطي على ما يرى ، وكذلك الإمام» (١).
وقال الشهيد في الدروس بعد أن تنظّر في اعتبار تعميم الأصناف :أمّا الأشخاص فيعمّ الحاضر ، ولا يجوز النقل إلى بلد آخر إلّا مع عدم المستحق.
وهذا كلام يقتضي بظاهره وجوب التعميم في الأشخاص الحاضرين ، وهو بعيد (٢). انتهى ما في المدارك.
أقول : بل يظهر من الخبر المزبور عدم إرادة الملكية والاختصاص من اللام في الآية الشريفة ، بحيث يلزمه تخصيص كلّ سهم بصنفه ، فضلا عن ملكيته لكلّ شخص شخص من كلّ صنف ؛ كي يلزمه استيعاب الأشخاص ، كما سيأتي توضيحه في مسألة استيعاب الأصناف إن شاء الله.
وكيف كان ، فعمدة المستند في المقام ـ بعد الغضّ عن السيرة والإجماع وكون الخمس المجعول لفقراء بني هاشم بمنزلة الزكاة المجعولة لغيرهم ، كما سيأتي توضيحه في المسألة الآتية ـ هو : أنّ عدم إمكان إحاطة كلّ شخص بجميع أشخاص الفقراء والمساكين وأبناء السبيل إمّا لعدم حصرهم أو انتفاء الطريق غالبا لمعرفة جميع أشخاصهم ، قرينة قطعيّة على عدم إرادة استيعاب الأشخاص ، كما أنّ الأمر كذلك في كلّ مورد خصّص مالا بطائفة معنونة بعنوان يتعذّر أو يتعسّر عادة الإحاطة بجميع مصاديقها ، كما لو أوصى بثلثه ، أو وقف شيئا على فقراء ذرّيته أو مرضاهم ، فضلا عن فقراء البلد أو مطلق الفقراء ، فإنّه لا يتبادر منه
__________________
(١) الكافي ١ : ٥٤٤ / ٧ ، الوسائل : الباب ٢ من أبواب قسمة الخمس ، الحديث ١.
(٢) مدارك الأحكام ٥ : ٤٠٣ وراجع : الدروس ١ : ٢٦٢.
إلّا إرادة صرفه فيهم ، لا جعله لكلّ واحد واحد منهم على سبيل التشريك ، بحيث لو صرفه المتولّي في المعروفين منهم ، ثم انكشف وجود فقير غيرهم ، وجب عليهم ردّ نصيبه ، كما هو واضح.
ولا يقاس ذلك بما لو وقفه على مطلق ذرّيته ؛ فإنّه وإن كانت دائرة العموم أوسع ، ولكنه يمكن الإحاطة بهم ومعرفتهم غالبا ، بخلاف فقرائهم ، كما لا يخفى.
ولكن قد يقال في مثل الفرض : إنّ عدم إمكان الإحاطة بالجميع قرينة صارفة للعموم إلى ما يمكن ، فالمتبادر من الوقف على فقراء العشيرة مثلا إنّما هو إرادة صرفه في جميع من يعرفه منهم أو يتمكّن من معرفته ، لا صرفه مطلقا فيهم ولو بصرفه إلى واحد ممّن يعرفه مع حرمان الباقين ، كما هو المدّعي ؛ فإنّه خلاف ما يتبادر من اللفظ ، ويتعلّق به الغرض غالبا في مثل هذه الموارد.
وعليه يبتني ما يظهر من ذيل العبارة المتقدّمة التي نقلها في المدارك عن الشهيد.
ولكن يتوجّه عليه : أنّه إن سلّم فهو في ما إذا كان المال في حدّ ذاته قابلا لأن يقسّط على الجميع ، وإلّا فهو أيضا قرينة على عدم إرادة الاستيعاب بهذا المعنى أيضا ، كما لو دفع درهما إلى عبده ، وأمره بأن يصرفه في فقراء البلد ؛ فإنّه لا يتبادر منه إلّا إرادة صرفه فيهم على الإطلاق.
ودعوى : أنّ هذه القرينة أيضا لا تصرف العموم إلّا إلى ما يمكن أن يوزّع عليه الدرهم ؛ مكابرة للوجدان ، مع أنّ إرادة الجنس من لفظ «الفقراء» أقرب من إرادة العموم بهذا المعنى منه بلا شبهة ، وما نحن فيه من هذا القبيل ؛ إذ ليس المقصود بآية الغنيمة وغيرها من النصوص
الواردة في هذا الباب إلّا إيجاب الخمس على كلّ مكلّف في كلّ فرد فرد من أفراد الغنيمة ، ومن الواضح أنّه لم يكن في صدر الإسلام ، فضلا عن هذه الأعصار التي انتشرت فيها فقراء بني هاشم في جميع البلدان ، خمس أفراد الفوائد المكتسبة لآحاد المكلّفين غالبا قابلا للبسط على الجميع ، كما لا يخفى.
فما عن الحدائق من الميل أو القول بوجوب الاستيعاب (١) ، كما قد يوهمه بعض العبائر المحكية عن غيره (٢) أيضا مع شذوذه أو مخالفته للإجماع ؛ ضعيف.
(بل) الظاهر أنّه (لو اقتصر من كلّ طائفة على واحد) فضلا عن جماعة (جاز) إذ المتبادر من الآية ونظائرها بعد تعذّر حملها على إرادة الاستيعاب بالنسبة إلى كل فرد فرد من الخمس الذي يتنجّز به التكليف على آحاد المكلّفين إنّما هو تكليف كلّ شخص بصرف خمسه إلى جنس هذه الأصناف ، كما لا يخفى على من راجع العرف في نظائر المقام ، ومقتضاه ما عرفت.
(وهنا مسائل)
(الاولى : مستحقّ الخمس هو كلّ من ولده عبد المطّلب) الذي انحصر ذريّة هاشم ـ عليهالسلام ـ في ولده ، فالمدار على كونه هاشميّا كما عرفته في ما سبق ، ولكن الهاشميين ـ على ما صرّح به في الجواهر (٣) ،
__________________
(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ١٠٣ ، وراجع : الحدائق الناضرة ١٢ : ٣٨١ ـ ٣٨٢.
(٢) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ١٦ : ١٠٣ ، والمحكي عنه صاحب السرائر. انظر صفحة ٤٩٦ من ج ١ منها.
(٣) جواهر الكلام ١٦ : ١٠٤.
ويظهر من المتن ـ محصورون في من ولده عبد المطلّب ـ عليهالسلام ـ ، ولعبد المطلّب ـ على ما قيل ـ عشرة أولاد ، ولذا سمّي «أبو السادة العشرة» وهم : عبد الله وأبو طالب والعباس وحمزة والزبير وأبو لهب وضرار والغيداق. وربّما سمّي حجل. ومقوم والحارث ، وهو أسنّهم ، ولكن ربما قيل : إنّهم أحد عشر ؛ بجعل حجل غير الغيداق ، بل اثنا عشر بإضافة قشم ، ولكن نسله منهم قد انحصر في ما نبّه عليه المصنّف ـ رحمهالله ـ بقوله : (وهم بنو أبي طالب والعباس والحارث وأبي لهب) فهؤلاء هم قرابة النبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، الذين أكرمهم الله تعالى بأن جعل لهم الخمس عوض الصدقات ، فهم جميعهم يستحقّون الخمس (الذكر والأنثى) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، كما يشهد له المعتبرة المستفيضة إن لم تكن متواترة.
وما في كثير من الأخبار من تخصيصه بآل محمد ـ صلىاللهعليهوآله ـ أو أهل بيته أو ذريته ، أو بولد فاطمة ـ عليها وعليهمالسلام ـ ، إمّا لكونهم الأصل في هذا الحكم أو لولايتهم على الخمس ، أو غير ذلك من المحامل الغير المنافية له.
(وفي استحقاق بني المطلّب) أخي هاشم خلاف و (تردّد) ينشأ من ظهور جملة من الأخبار في اختصاصه ببني هاشم مع ما في بعضها من التصريح بأنّهم هم قرابة النبي الذين جعل لهم الخمس ، مثل قوله ـ عليهالسلام ـ في مرسلة حمّاد المتقدّم (١) نقلها في ما سبق ، عن العبد الصالح : «وهؤلاء الذين جعل لهم الخمس هم قرابة النبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه ، فقال «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»
__________________
(١) تقدّم نقلها في صفحة ٢٠١.
وهم بنو عبد المطلب أنفسهم ، الذكر منهم والأنثى ، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ولا من العرب أحد ـ إلى أن قال ـ وأمّا من كانت امّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإنّ الصدقات تحلّ له ، وليس له من الخمس شيء لأنّ الله يقول : «ادعوهم لآبائهم» الحديث ، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الظاهرة أو المشعرة بالاختصاص.
ومن دلالة بعض الأخبار على الأعمّ ، مثل ما رواه الشيخ بإسناده عن زرارة عن أبي عبد الله ـ عليهالسلام ـ في حديث ، قال : «لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة ، إنّ الله عزوجل جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم» ثم قال : «إنّ الرجل إذا لم يجد شيئا حلّت له الميتة ، والصدقة لا تحل لأحد منهم إلّا أن لا يجد شيئا فيكون ممّن تحلّ له الميتة» (١).
وربّما يعضده اندراج بني المطلب أيضا عرفا في قرابة النبي ، فيحتمل أن يكون تخصيصه ببني هاشم في الخبر الأول ونظائره من قبيل تخصيصه بذريّة رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، في الأخبار الكثيرة التي تقدّمت الإشارة إليها وإلى تأويلها ، فالجمع بين الأخبار بحمل الحصر المستفاد من الطائفة الأولى على الحصر الإضافي الغير المنافي لاستحقاق بني المطلب أيضا من أهون التصرّفات.
ولكن مع ذلك (أظهره : المنع) إذ الخبر المزبور وإن كان موثّقا ولكنه بظاهره مخالف للمشهور ؛ إذ لم ينقل القول باستحقاق بني المطلب إلّا عن ابن الجنيد وعزّيّة المفيد (٢) ، وموافق لظاهر الخبر المروي من
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٥٩ / ١٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٦ / ١١١ ، الوسائل : الباب ٣٣ من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث ١.
(٢) كما في الجواهر ١٦ : ١٠٧ ، وحكاه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة : ٣ : ٢٠٠ ، المسألة ١٥٧.