علي موسى الكعبي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-425-6
الصفحات: ١٥٢
إلىٰ سواء السبيل ، كما أكدت بعض الأحاديث والأخبار علىٰ تواتر الوصية واتصالها منذ عهد آدم عليهالسلام إلىٰ نبينا الخاتم صلىاللهعليهوآله وذكروا بعض التفاصيل المتعلّقة بأسماء الأوصياء والأحداث التي واكبت حياتهم.
أولاً : وصايا الأنبياء في كتب الحديث
نقل المحدّثون روايات مستفيضة عن عدد الأوصياء واستقصاء أخبارهم ومحتوىٰ وصاياهم ، نشير إلىٰ مضمون بعضها مختصراً محيلين إلى المصادر.
١ ـ عن الإمام الصادق عليهالسلام عن رسول الله صلىاللهعليهوآله في حديث طويل يذكر فيه الأوصياء منذ هبة الله وصي آدم عليهالسلام إلى الإمام القائم عليهالسلام (١).
٢ ـ وفي حديث عن سلمان رضياللهعنه عن رسول الله صلىاللهعليهوآله يذكر فيه الأوصياء منذ آدم عليهالسلام إلى الإمام القائم عليهالسلام (٢).
٣ ـ وعن أم هاني بنت أبي طالب عن رسول الله صلىاللهعليهوآله : « ... إنّ الله جعل لكلّ نبي وصياً ؛ شيث وصي آدم ، وشمعون وصي عيسىٰ ، وعلي وصيي ، وهوخير الأوصياء في الدنيا والآخرة ... » (٣).
٤ ـ وفي حديث عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام ذكر فيه اتصال الوصية منذ هبة الله
__________________
(١) الفقيه / الشيخ الصدوق ٤ : ١٢٩ / ١ ـ دار الكتب الإسلامية ـ طهران ـ ١٣٩٠ ه ، الإمامة والتبصرة : ٢١ ـ ٢٤ ، الأمالي / الصدوق : ٤٨٦ / ٦٦١ ـ مؤسسة البعثة ـ قم ، إكمال الدين / الصدوق ٢١١ / ١ ـ مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم ـ ١٤٠٥ ه ، أمالي الطوسي : ٤٤٢ / ٩٩١ ـ مؤسسة البعثة ـ قم.
(٢) كفاية الأثر / الخزاز : ١٤٧ ـ نشر بيدار ـ قم ـ ١٤٠١ ه.
(٣) المسترشد / محمّد بن جرير الإمامي : ٢٨٣ / ٩٤ ـ مؤسسه الثقافة الإسلامية لكوشانبور ـ ١٤١٥ ه.
وصيّ آدم عليهالسلام إلى سام بن نوح عليهالسلام (١).
٥ ـ وفي حديث آخر عنه عليهالسلام جاء فيه : « فلمّا انقضت نبوة آدم عليهالسلام واستكمل أيامه ، أوصى الله تعالى إليه ، أن يا آدم قد قضيت نبوتك ، واستكملت أيامك ، فاجعل العلم الذي عندك والايمان والاسم الأعظم وميراث العلم وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك ، عند هبة الله ابنك ، فإني لم أقطع العلم والايمان والاسم الأعظم وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك إلىٰ يوم القيامة ، ولن أدع الأرض إلاّ وفيها عالم يُعرَف به ديني ، وتُعرَف به طاعتي ، ويكون نجاةً لمن يولد بينك وبين نوح ... » (٢).
٦ ـ وفي حديث آخر عنه عليهالسلام ذكر فيه وصية موسىٰ عليهالسلام إلىٰ فتاه يوشع بن نون (٣).
وهناك أحاديث اُخرىٰ وردت في مصادر الحديث تتضمّن ذكر الأوصياء ، فقد أفرد ابن بابويه القمي ( ت / ٣٢٩ ه ) في كتابه ( الإمامة والتبصرة ) باباً تحت عنوان ( الوصية من لدن آدم ) ذكر فيه الأوصياء من لدن آدم عليهالسلام إلى أمير المؤمنين عليهالسلام (٤).
وذكر الطبري صاحب ( المسترشد ) المعاصر للطبري صاحب التاريخ جملة
__________________
(١) تفسير العياشي ٢ : ٢٨ / ١٢٣٧ مؤسسة البعثة ـ قم ، قصص الأنبياء / الراوندي : ٦٢ / ٤٣ ـ مشهد ١٤٠٩ ه.
(٢) تفسيرالعياشي ٢ : ٣٢ / ١٢٣٨ ، روضة الكافي / الكليني ٨ : ١١٣ / ٩٢ ، إكمال الدين : ٢١٣ / ٢.
(٣) تفسير العياشي ٣ : ٩٨ / ٢٦٦٦ / إكمال الدين : ٢١٧ / ٢.
(٤) الإمامة والتبصرة : ٢١ ـ ٢٤.
احتجاجات في موضوع الوصية ضمّها عدة أحاديث ، وجاء فيه ذكر الأوصياء من آدم عليهالسلام إلىٰ شمعون وصي عيسىٰ عليهالسلام(١).
وعقد الشيخ الصدوق باباً في ( الفقيه ) تحت عنوان ( الوصية من لدن آدم عليهالسلام ) ذكر فيه عدة أحاديث في هذا المجال ، وجعل في ( إكمال الدين ) باباً تحت عنوان ( اتصال الوصية من لدن آدم عليهالسلام وأن الأرض لا تخلو من حجة لله عزّوجلّ علىٰ خلقه إلىٰ يوم القيامة ).
وذكر العلاّمة المجلسي عدة أحاديث وأخبار في هذا الخصوص في الباب الثاني من كتاب الإمامة من ( بحار الأنوار ) وعنوانه ( باب في اتصال الوصية وذكر الأوصياء من لدن آدم عليهالسلام إلى آخر الدهر ) (٢).
ثانياً : وصايا الأنبياء في كتب التاريخ والسيرة والتفسير
فيما يلي نذكر بعض المؤرخين والمفسرين ممن تناول أخبار الأوصياء مرتّبين حسب التسلسل التاريخي :
١ ـ ابن سعد ( ت / ٢٣٠ ه ) ذكر اتصال الوصية من آدم إلىٰ نوح عليهالسلام في رواية عن ابن عباس ، جاء فيها أولاً ذكر شيث ابن آدم ( وهو هبة الله ) قال : وهو بالعربية شث ، وبالسريانية ( شاث ) ، وبالعبرانية ( شيث ) وإليه أوصى آدم صلوات الله عليه (٣) ... وولد شيثُ بن آدم أنوشَ ونفراً كثيراً ، وإليه أوصى شيث ، فولد أنوشُ قينانَ ونفراً كثيراً وإليه الوصية ، فولد قينانُ مهاليلَ ونفراً
__________________
(١) المسترشد : ٥٧٧ ـ ٥٩٠ ـ الباب العاشر.
(٢) الفقيه ٤ : ١٢٩ باب ٧٢ ، إكمال الدين : ٢١١ ـ ٢٤١ باب ٢٢ ، بحار الأنوار ٢٣ : ٥٧ باب ٢ ـ دار الكتب الإسلامية ـ طهران.
(٣) الطبقات الكبرىٰ ١ : ٣٧ ـ دار صادر ـ بيروت.
معه وإليه الوصية ، فولد مهلاليلُ يرذَ ـ وهو اليارذ ـ ونفراً معه وإليه الوصية ... فولد اليارذُ خنوخَ وهو إدريس النبي عليهالسلام ونفراً معه ، وهو أول نبي بُعث في الأرض بعد آدم عليهالسلام ... فولد خنوخُ متوشلخَ ونفراً معه وإليه الوصية ، فولد متوشلخُ لمُكَ ونفراً معه وإليه الوصية ، فولد لمكُ نوحاً صلّى الله عليه وسلّم (١).
٢ ـ اليعقوبي ، ( ت / ٢٩٢ ه ) ، ذكر أسماء الأوصياء منذ عهد آدم عليهالسلام إلى الحواريين أوصياء عيسىٰ عليهالسلام ، وترجم لهم بالتفصيل وشرح الأحداث التي وقعت في أيامهم (٢).
٣ ـ الطبري ، العامي ( ت / ٣١٠ ه ) ، ذكر تعاقب الأوصياء منذ آدم إلىٰ نوح عليهماالسلام (٣).
وروىٰ بالاسناد عن محمّد بن إسحاق ، قال : لما حضرت آدم عليهالسلام الوفاة دعا ابنه شيثاً فعهد إليه عهده ، وعلّمه ساعات الليل والنهار ، وأعلمه عبادة الخلق في كل ساعة منهنّ ... وكتب وصيته ، فكان شيث وصيّ أبيه آدم عليهالسلام ، وصارت الرياسة من بعد وفاة آدم لشيث ، فأنزل الله عليه فيما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآله خمسين صحيفة (٤).
وجاء فيه أيضاً رواية عن ابن إسحاق ذكر فيها وصية عيسىٰ عليهالسلام إلى
__________________
(١) الطبقات الكبري ١ : ٣٩ ـ ٤٠.
(٢) تاريخ اليعقوبي ١ : ٧ ـ ٨٠ ـ دار صادر ـ بيروت ـ وجاء فيه مهلائيل ويرد وأخنوخ ومتوشلح بدلاً عما تقدّم في الطبقات.
(٣) تاريخ الطبري ١ : ١٦٤ ـ بيروت ـ تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم.
(٤) تاريخ الطبري ١ : ١٥٢.
الحواريين ، وبثّه إياهم في الأرض دعاةً إلى الله تعالىٰ (١).
٤ ـ المسعودي ( ت / ٣٤٦ ه ) ، ذكر أسماء الأوصياء من شيث ( هبة الله ) وصي آدم عليهالسلام إلىٰ سام وصي نوح عليهالسلام (٢).
وأفراد كتاباً في هذا الموضوع بعنوان ( إثبات الوصية ) أثبت فيه إتصال الوصية منذ آدم عليهالسلام إلى النبي المصطفى الخاتم صلىاللهعليهوآله ثمّ إلى الأوصياء من بعده وصولاً إلى الإمام المنتظر القائم ( صلوات الله عليه ) واستخلص ذلك من عدة روايات وأخبار من الحديث والتاريخ(٣).
٥ ـ الثعلبي ( ت / ٤٢٧ ه ) أورد عن سالم بن أبي الجعد ، قال : لما مضى من عمر آدم عليهالسلام مائة وثلاثون سنة ، وذلك بعدما قتل قابيل هابيل بخمس سنين ولد له شيث ، وتفسيره هبة الله ، يعني أنه خَلَف الله من هابيل ، وعلّمه الله ساعات الليل والنهار وعبادة الخلق في كل ساعة منها ، وأنزل الله عليه خمسين صحيفة ، وكان وصيّ آدم وولي عهده (٤).
وقال : ذكر أهل التاريخ وأصحاب الأخبار أن آدم عليهالسلام مرض قبل موته أحد عشر يوماً ، وأوصى إلى ابنه شيث ، وكتب وصيته ودفعها إلىٰ شيث ، وأمره أن يخفي ذلك عن ولد قابيل(٥).
وذكر وصية عيسىٰ عليهالسلام إلى الحواريين ، وقال : كانوا أصفياء عيسىٰ بن
__________________
(١) تاريخ الطبري ١ : ٦٠٢ ـ ٦٠٣.
(٢) أخبار الزمان / المسعودي : ص ٧٥ ـ ١٠٢ ـ بيروت.
(٣) راجع : إثبات الوصية / المسعودي : ص ١٣ ـ ٧٧ ـ المطبعة الحيدرية ـ النجف.
(٤) عرائس المجالس / الثعلبي : ص ٤٠ ـ المكتبة الثقافية ـ بيروت.
(٥) عرائس المجالس : ص ٤١.
مريم عليهالسلام وأولياءه وأرضياءه وأنصاره ووزراءه ، وكانوا اثني عشر رجلاً(١).
٦ ـ ابن عبد البرّ المالكي ( ت / ٤٦٣ ه ) ، ذكر وصية آدم عليهالسلام إلى ابنه شيث ( هبة الله ) (٢).
٧ ـ المقدسي ( ت / ٥٠٧ ه ) ، ذكر وصي آدم عليهالسلام وقال : كان شيث وصي آدم وولي عهده وخليفته من بعده (٣).
وقال عن يوشع بن نون : كان خليفة موسىٰ وولي عهده ، ولما مات يوشع ابن نون استخلف كالب بن يوفنا (٤).
٨ ـ البغويّ ( ت / ٥١٦ ه ) ، ذكر في تفسيره الآية (٣١) من سورة المائدة وصية آدم عليهالسلام إلى ابنه شيث ، قال : فلمّا مضىٰ من عمر آدم عليهالسلام مائة وثلاثون سنة ـ وذلك بعد قتل هابيل بخمس سنين ـ ولدت له حواء شيثاً ، واسمه عبد الله ، يعني أنه من خَلف هابيل ، وعلّمه الله سبحانه وتعالى ساعات الليل والنهار ، وعلّمه عبادة الخلق في كلّ ساعة منها ، وأنزل عليه خمسين صحيفة ، فصار وصيّ آدم ووليّ عهده (٥).
٩ ـ الشهرستاني ( ت / ٥٤٨ ه ) ، ذكر قول اليهود في وصية موسىٰ عليهالسلام وقال : قالوا : كان موسىٰ عليهالسلام قد أفضىٰ بأسرار التوراة والألواح إلىٰ يوشع بن نون وصيه وفتاه والقائم بالأمر من بعده ، ليفضي بها إلى أولاد هارون ؛ لأن الأمر
__________________
(١) عرائس المجالس : ص ٣٥١.
(٢) التمهيد / ابن عبد البرّ ١٠ : ٣٢ ـ وزارة الأوقاف ـ المغرب.
(٣) البدء والتاريخ / المقدسي ٣ : ١١ ـ مكتبة الثقافة الدينية.
(٤) البدء والتاريخ ٣ : ٩٦ ـ ٩٧.
(٥) معالم التنزيل / البغوي ٢ : ٢٤٣ ـ دار الفكر ـ بيروت ـ ١٤٠٥ ه.
كان مشتركاً بينه وبين أخيه هارون عليهالسلام ، إذ قال تعالىٰ حكاية عن موسىٰ عليهالسلام في دعائه حين أُوحي إليه أولاً : ( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) (١) وكان هو الوصي ، فلما مات هارون في حال حياة موسىٰ انتقلت الوصية إلىٰ يوشع بن نون وديعةً ليوصلها إلىٰ شبير وشبر ابني هارون قراراً ، وذلك أن الوصية والإمامة بعضها مستقرّ وبعضها مستودع (٢).
١٠ ـ ابن الجوزي ( ت / ٥٩٧ ه ) ، ذكر أسماء الأوصياء منذ عهد آدم عليهالسلام إلىٰ متوشلخ وصيّ إدريس عليهالسلام (٣) وأخرج رواية محمّد بن أسحاق التي قدمناها عن الطبري ، وفيها وصية آدم عليهالسلام إلى ولده شيث ( هبة الله ) (٤).
ونقل عن علماء السير أن موسىٰ عليهالسلام توفي بعد هارون بثلاث سنين ، وأوصى إلىٰ يوشع عليهالسلام (٥).
وعن الزهري أنه قال : لما حضرت يوشع الوفاة استخلف كالب بن يوفنّا ، وعن القرظي ، قال : فوليهم كالب زماناً يقيم فيهم من طاعة الله ما كان يقيم يوشع حتىٰ قبضه الله عزّوجلّ علىٰ منهاج يوشع (٦).
ونقل في تفسير الآية (١٤) من سورة يس قوله تعالى : ( فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ ) عن مقاتل أنه قال : واسم هذا الثالث شمعون ، وكان من الحواريين ، وهو وصي
__________________
(١) سورة طه : ٢٠ / ٣٢.
(٢) الملل والنحل / الشهرستاني ١ : ١٩٢ ـ مكتبة الانجلو المصرية ـ القاهرة.
(٣) المنتظم / ابن الجوزي ١ : ٢٣٠ و ٢٣٥ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ ١٤١٢ ه.
(٤) المنتظم ١ : ٢٢٦ ـ ٢٢٧.
(٥) المنتظم ١ : ٣٧٦.
(٦) المصدر السابق نفسه ١ : ٣٧٩.
عيسي عليهالسلام (١).
١١ ـ الرازي ( ت / ٦٠٦ ه ) ، أشار في تفسير الآيتين ( ٢٥ و ٢٦ ) من سورة المائدة إلىٰ كون يوشع بن نون وصي موسىٰ عليهالسلام وقال : قال قوم : إنّ هارون مات في التيه ، ثم مات موسىٰ بعده بسنة ، وبقي يوشع بن نون ، وكان ابن اخت موسىٰ ووصيه بعد موته ، وهوالذي فتح الأرض المقدسة (٢).
١٢ ـ ابن الأثير الجزري ( ت / ٦٣٠ ه ) ، ذكر تفاصيل وصية آدم عليهالسلام إلىٰ ولده شيث ، وذكر الأوصياء من عهد آدم إلى إدريس عليهالسلام ، وتوسّع في تفاصيل الأحداث التي كانت في عهدهم ، ثمّ ذكر الأوصياء من بعد إدريس إلىٰ نوح عليهماالسلام وبين وصية نوح إلىٰ ولده سام (٣) ووصية عيسىٰ إلى الحواريين وانه بثهم في الأرض رسلاً من الله وأمرهم أن يبلغوا عنه ما أمره الله به ، فتفرقوا حيث أمرهم (٤).
١٣ ـ ابن كثير ( ت / ٧٧٤ ه ) ، ذكر وفاة آدم عليهالسلام ووصيته إلى ابنه شيث وقال : ومعنىٰ شيث هبة الله ، وسمّاه بذلك لأنهما رزقاه بعد أن قتل هابيل.
وعن محمّد بن إسحاق قال : لما حضرت آدم الوفاة عهد إلى ابنه شيث ، وعلّمه ساعات الليل والنهار ، وعلّمه عبادات تلك الساعات ، وأعلمه بوقوع الطوفان بعد ذلك.
__________________
(١) زاد المسير في علم التفسير / ابن الجوزي ٦ : ٢٧٦ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت.
(٢) تفسير الرازي ١١ : ٢٠٦ ـ دار الفكر ـ بيروت.
(٣) الكامل في التاريخ / ابن الأثير ١ : ٤٣ ـ ٥٨ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت.
(٤) الكامل في التاريخ ١ : ٢٤٥.
قال : ولما توفي آدم عليهالسلام وكان ذلك يوم الجمعة ، جاءته الملائكة بحنوط وكفن من عند الله عزّوجلّ ومن الجنة ، وعزّوا ابنه ووصيه شيثاً عليهالسلام (١).
ثمّ قال : فلما مات آدم عليهالسلام قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث عليهالسلام ... فلما حانت وفاته أوصى إلى ابنه أنوش فقام بالأمر بعده ، ثمّ بعده ولده قينن (٢) ، ثمّ من بعده ابنه مهلاييل... فلمّا مات قام بالأمر بعده ولده يرد ، فلما حضرته الوفاة أوصى إلىٰ ولده خنوخ وهو إدريس على المشهور (٣).
١٤ ـ السيوطي ( ت / ٩١١ ه ) قال : ذكر أئمة التاريخ أن آدم عليه الصلاة والسلام أوصى لابنه شيث ، وكان فيه وفي بنيه النبوة والدين ، واُنزل عليه تسع وعشرون صحيفة ، وأنه جاء إلى أرض مصر ، وكانت تُدعىٰ بايلون فنزلها هو وأولاد أخيه ، فسكن شيث فوق الجبل ، وسكن أولاد قابيل أسفل الوادي ، واستخلف شيث ابنه أنوش ، واستخلف أنوش ابنه قونان ، واستخلف قونان ابنه مهلائيل ، واستخلف مهلائيل ابنه يرد ، ودفع الوصية إليه ، وعلّمه جميع العلوم ، وأخبره بما يحدث في العالم ... إلى أن قال : وولد ليرد أخنوخ ، وهو إدريس عليه الصلاة والسلام ... ودفع إليه أبوه وصية جده والعلوم التي عنده ... (٤).
__________________
(١) قصص الأنبياء / ابن كثير : ص ٦٠ ـ دار القلم ـ بيروت ـ ١٤٠٧ ه ، البداية والنهاية / ابن كثير ١ : ٩٨ مكتبة المعارف ـ بيروت.
(٢) تقدّم عن أغلب المصادر : قينان.
(٣) قصص الأنبياء : ٦٢ ، البداية والنهاية ١ : ٩٩.
(٤) روح المعاني / الآلوسي ٦ : ٢٠١ ـ دار إحياء التراث العربي ١٤٠٥ ه عن ( حسن المحاضرة ).
٢ ـ تشريع الوصية في الإسلام
١ ـ القرآن الكريم
جاء ذكر الوصية في العديد من آيات القرآن الكريم ، منها قوله تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ ) (١).
وقوله : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِم ) (٢).
وقوله : ( فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا ) (٣).
وقوله : ( شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ) (٤) وغيرها.
والمشهور بين العلماء أنّ الآية الاُولىٰ تدلّ علىٰ وجوب الوصية ، وأنّ لسان الآية لسان الوجوب ، ثم قالوا : انها منسوخة بآية المواريث ، وهي قوله تعالى :
( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) (٥) فانّ الأخيرة نزلت بعد الأولىٰ ، وبالسُّنّة فقد ورد في الحديث : « لا وصية لوارث » (٦).
وذكر بعضهم أنها لو كانت منسوخة فالمنسوخ إنّما هوالفرض دون الندب
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٨٠.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٤٠.
(٣) سورة النساء : ٤ / ١١.
(٤) سورة المائدة : ٥ / ١٠٦.
(٥) سورة النساء : ٤ / ١١.
(٦) راجع : تفسير القرطبي ٢ : ٢٥٤ ـ ٢٦٢ ـ دار الكتاب العربي ـ ١٤٢٢ ه ، تفسير الرازي ٥ : ٦٤ ـ دار الفكر ـ بيروت ـ ١٤١٥ ه ، تفسير ابن كثير ١ : ٢٢٣ ـ دار إحياء التراث العربي ـ ١٤٢٠ ه.
وأصل المحبوبية (١). وذكر بعض آخر أن الوجوب المذكور في الآية الشريفة كان في بدء الأمر وأوائل تغيير الشريعة لمواريث الجاهلية ، فالحكمة اقتضت أن يكون التغيير تدريجياً بنحو الوصية أولاً ثم بأحكام المواريث.
قال السيد السبزواري رحمهالله : والحق أن الوصية غير منسوخة بشيء ، لا بآية المواريث ولا بالسنة الشريفة ، وآية الوصية تدلّ علىٰ محبوبيتها ، والكتابة يُراد بها هنا مطلق الثبوت الأعمّ من الوجوب والندب ، فقد تكون الوصية واجبة كما في الوصية بالحقوق الواجبة ، وقد تكون مندوبة كما في الوصية بالتبرعات ، وفي الأخيرة يشترط أن لا تكون أكثر من ثلث المال ، وفي الاُولىٰ لا يشترط فيها ذلك ، بل لابدّ وأن تخرج من جميع المال ، ولا ربط لآية الإرث بآية الوصية ، وهما موضوعان مختلفان ، فأين يتحقّق النسخ ؟ مع أن الإرث متأخّر عن الدين والوصية.
وأمّا الاستدلال بالسنّة علىٰ نسخ آية الوصية ، ففيه أولاً : عدم ثبوته كما ذكر جمع من علماء الفريقين ، وثانياً : أن حديث « لا وصية لوارث » يمكن حمله على أنه لا وصية لوارث إذا كان أكثر من الثلث ... (٢).
أما فيما يتعلّق بخصوص الوصية بالخلافة فانّ الآيات المتقدمة وغيرها التي تحثّ على الوصية وتأمر بها وتحذّر من إهمالها في اُمور الدنيا وحطامها الزائل ، تدلّ علي أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يمكن أن يترك اُمته بلا وصي يبيّن لهم أحكام الدين ويقتفي أثر سيد المرسلين ، وهو السبّاق إلى التعبّد بأوامر الوحي ونواهيه وجميع ما فيه ، فكيف يترك الوصية وقد اُوحي بها إليه وجعلها الله حقّاً على المتقين ؟
__________________
(١) الميزان في تفسير القرآن / العلاّمة الطباطبائي ١ : ٤٣٩ ـ مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.
(٢) مواهب الرحمٰن / السبزواري ٢ : ٣٨٠ ـ ٣٨١ ـ مؤسسة المنار ـ قم.
ثمّ أنه نزل في القرآن الكريم ما يجري مجري الوصية بالخلافة الإسلامية في آية البلاغ ؛ قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) (١) ، فكان تبليغ هذا الأمر بحجم تبليغ الرسالة ، فأيّ أمر خطير هذا الذي أشارت إليه الآية ؟
روى الواحدي من طريق الأعمش باسناده إلى أبي سعيد الخدري رضياللهعنه قال : نزلت هذه الآية : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) يوم غدير خمّ في علي بن أبي طالب رضياللهعنه (٢).
واستقصى الحاكم الحسكاني طرق حدث أبي سعيد الخدري بأسانيد متصلة ، ثمّ قال : وطرق هذا الحديث مستقصاة في كتاب ( دعاء الهداة إلى أداء حق الموالاة ) من تصنيفي في عشرة أجزاء (٣).
وعن ابن مسعود ، قال : كنّا نقرأ على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله : ( يا أيُّها الرَّسولُ بلِّغ ما أُنزِل إليك من ربِّك أن عليّاً مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلَّغتَ رسالته ) (٤).
إذن فإن تنصيب علي عليهالسلام للخلافة في جانب وتبليغ الرسالة في جانب آخر متوازنان ، فإذا لم ينصب علياً عليهالسلام فلم يبلغ الرسالة ، باعتبار أنه ترك الكيان
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٦٧.
(٢) أسباب النزول / الواحدي : ١١٥ ـ عالم الكتب ـ بيروت ، فتح القدير / الشوكاني ٢ : ٦٠ ـ دار إحياء التراث العربي ، المنار / محمد رشيد رضا ٦ : ٤٦٣ ـ دار المعرفة ـ بيروت.
(٣) شواهد التنزيل / الحسكاني : ١٨١ ـ ١٩٣ ـ مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ـ ١٣٩٣ ه.
(٤) الدرّ المنثور / السيوطي ٣ : ١١٧ ـ دار الفكر ـ ١٤٠٣ ه ، فتح القدير ٢ : ٦٠.
الإسلامي في مهبّ الريح ، ولم يخلّف أحداً ليرعاه أو يقويه من بعده.
٢ ـ السنّة المطهرة
وردت أحاديث نبوية مستفيضة تدلّ على أن الوصية فريضة محكمة وسنّة ثابتة ، وتؤكد أن على كلّ مسلم أن يوصي قبل معاينة الموت ، نذكر منها :
١ ـ قوله صلىاللهعليهوآله : « الوصية حقّ علىٰ كلّ مسلم » (١).
٢ ـ قوله صلىاللهعليهوآله : « المحروم من حُرِم الوصية » (٢).
٣ ـ وقوله صلىاللهعليهوآله : « ما حقّ امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه ، يبيت ليلتين إلاّ ووصيته مكتوبة عنده » (٣).
وحاشا رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يأمر بالشيء ويؤكّده ثمّ يتركه ولا يأتمر به ، بل هو السبّاق إلى الطاعات ومرشد الأُمة ودليلها إلىٰ كلّ برّ وخير.
قال الشوكاني : وكيف يظنّ برسول الله صلىاللهعليهوآله أن يترك الحالة الفضلىٰ ـ أعني تقديم التنجيز قبل هجوم الموت ، وبلوغها الحلقوم ـ وقد أرشد إلى ذلك وكرّر وحذّر ، وهو أجدر الناس بالأخذ بما ندب إليه (٤).
أما من حيث وصيته بخصوص الخلافة فانه صلىاللهعليهوآله عيّن وصيه منذ تباشير
__________________
(١) المقنعة / المفيد : ٦٦٦ ـ كتاب الوصية ـ باب الوصية ووجوبها ـ جماعة المدرسين ـ قم ، وسائل الشيعة / الحرّ العاملي ١٣ : ٣٥٢ / ٢٤٥٤٤ ـ مؤسسة آل البيت عليهمالسلام ـ قم.
(٢) كنز العمال / المتقي الهندي ١٦ : ٦١٣ / ٤٦٠٥١ ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ ١٤٠٥ ه.
(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٢٤٩ / ١٦٢٧٥ ـ أوّل كتاب الوصية ـ دار الفكر ـ بيروت ـ ١٣٩٨ ه.
(٤) العقد الثمين / الشوكاني : ٣٧ ـ مركز الغدير ـ قم ـ ١٤١٩ ه.
الدعوة الإسلامية حين نزلت ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (١) فكان علي ابن أبي طالب عليهالسلام دون غيره من أفراد الأمة ، ولم يزل بعد ذلك يكرّر وصيته ويؤكّدها بعهود لفطية كثيرة سنذكرها في الفصل الثاني من هذا البحث.
وأراد صلىاللهعليهوآله وهو في المحتضر أن يكتب وصيته إلىٰ علي عليهالسلام تأكيداً لعهوده اللفظية السابقة ، وتوثيقاً لنصوصه القولية عليه ، فقال صلىاللهعليهوآله : « ائتوني بداوة وقرطاس أكتب لكم كتاباً ، لن تضلوا بعدي أبداً » فتنازعوا ولا ينبغي عند نبيّ تنازع فقالوا : ما شأنه أهجر ، أو إن رسول الله غلبه الوجع ، وعندها علم صلىاللهعليهوآله أنه لم يبقَ بعد قولهم هذا أثر لذلك الكتاب غير الفتنة والاختلاف ، فقال لهم : « قوموا عنّي » أو « دعوني فالذي أنا فيه خير » (٢) واكتفىٰ بعهوده اللفظية وبلاغاته السابقة بلفظ الوصية تارة ، والولاية اُخرىٰ ، والخلافة أو الإمامة ثالثة ، وبالنصّ الصريح على الوصية لأمير المؤمنين عليهالسلام.
قال الشاعر :
أوصى النبي فقال قائلهم |
|
قد ظلّ يهجر سيدُ البشرِ |
ورأى أبا بكر أصاب ولم |
|
يهجر وقد أوصى إلى عمرِ |
٣ ـ العقل
من الضرورات العقلية أن يحرص كلّ رسول على الرسالة التي بُعث بها ،
__________________
(١) سورة الشعراء : ٢٦ / ٢١٤ ، وسيأتي الحديث في الفصل الثاني.
(٢) راجع : صحيح البخاري ـ ٧ : ٢١٩ / ٣٠ ـ كتاب المرضىٰ ـ باب قول المريض : قوموا عنّي ـ عالم الكتب ـ بيروت ١٤٠٦ ه ، صحيح مسلم ٣ : ١٢٥٧ ، ١٢٥٩ ـ كتاب الوصية ـ باب ٥ ، مسند أحمد ١ : ٢٢٢ و ٣٢٤ ـ دار الفكر ـ بيروت.
فيقيم عليها وصياً وقيماً بوحي من الله سبحانه حتىٰ لا تضيع الرسالة بموته ، وإلا يلزم نقض الغرض من رسالته والجهود التي بذلها في دعوة الناس إليها ، ونقض الغرض من أي ذي عقل قبيح فكيف من سيّد العقلاء والحكماء ؟
إن العقل يحيل علىٰ نبينا الخاتم صلىاللهعليهوآله أن يترك أمر دينه واُمّته هملاً دون أن يبيّن قوله الفصل في تعيين الوصي الذي يعهد إليه بالخلافة ؛ ذلك لأنّ الدين لم يزل في تباشير دعوته غضاً طرياً ، فلو ألقى الحبل على الغارب لترتّب على ذلك ما لا يحمد عقباه بسبب ميول الأهواء ، واختلاف الآراء المؤدية إلى الوقوع في الفتنة والتنازع والفساد.
يقول السيد عبد الله شبّر : إن العقل السليم يحيل على الله ورسوله الكريم صلىاللهعليهوآله مع كونه المبعوث إلىٰ كافة الأنام ، وشريعته باقية إلىٰ يوم القيامة أن يهمل اُمّته ، مع نهاية رأفته وغاية شفقته بهم وعليهم ، ويترك فيهم كتاباً في غاية الاجمال ونهاية الاشكال ، له وجوه عديدة ومحامل كثيرة ، يحمله كلّ منهم علىٰ هواه ورأيه وأحاديث كثيرة عن صاحب الرسالة صلىاللهعليهوآله فيها الصحيح والمكذوب ، والضعيف والموضوع ، ثم لا يعين لهذا الأمر الخطير رئيساً يرجعون إليه في هذه المشكلات ، ويركنون إليه في سائر الأمور.
وإن العقل ليحكم باستحالة ذلك في شرع الله تعالى وحكمته ، ولقد قرّب الله سبحانه ذلك من أفهام الناس ، فأوجب الوصية علىٰ كلّ مسلم إذا حضره الموت ، لكي لا يدع أهله في اختلاف وتخاصم في إرثه ومتروكاته ، فكان لابدّ من وصية تضمن فضّ هذا النزاع إن أمكن حصوله.
فكيف تصور الحال إذن مع اُمّة كاملة ، ونبيها آخر الأنبياء ؟
وهل يستسيغ العقل أن يتركها الله تعالى ورسوله بلا إمام موصى إليه ،
وحافظ وقيّم ووليّ من بعده صلىاللهعليهوآله ؟ مع أنّ رأفة الله سبحانه بعباده ، ورأفة النبي باُمّته لا تقاسان برأفة الفرد إلى أهله وأطفاله (١).
وأيضاً : فإن العقل يحكم بضرورة الوصيّة من النبي بالأولوية القطعية ، وذلك لأنه ( إذا كانت الوصية ثابتة في حطام زائل ، فما بالها تُنفىٰ في خلافة راشدة وشريعة خالدة متكفّلة بصلاح النفوس والنواميس والأموال والأحكام والأخلاق والصالح العام والسلام والوئام ، ومن المسلم قصور الفهم البشري العادي عن غايات تلكم الشؤون ، فلا منتدح والحالة هذه أن يعين الرسول الأمين عن ربّه خليفته من بعده ليقتصّ أثره في اُمّته ) (٢).
وأيضاً : فمن المستحيل أن يكون النبي نفسه سبباً لضلال الأمّة ووقوع الفتنة بينها ، ولا شكّ ان السكوت عن الوصية يسبّب ذلك ؛ لأنّ ترك الناس باهمال الوصية في مستقبل قيادتهم هو دليل على التفريط ومثار للفتنة والتنازع ، وهذا حكم عقلي مسلّم ورد علىٰ لسان بعض الصحابة ، ولا يمكن نسبة التفريط لكل رجل محترم فكيف ينسب إذن إلى أشرف الأنبياء والمرسلين صلىاللهعليهوآله ؟!
روي أن عائشة قالت لبعد الله بن عمر حينما أخبرها بأن أباه في المحتضر : يا بني أبلغ عمر سلامي ، وقل له : لا تدع اُمة محمّد بلا راعٍ ، استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملاً ، فاني أخشىٰ عليهم الفتنة (٣).
وقال عبد الله بن عمر لأبيه : لو استخلفت ؟ قال : من ؟ قال : تجتهد فانك لست لهم بربّ ، أرأيت لو أنك بعثت إلى قيم أرضك ، ألم تكن تحبّ أن يستخلف
__________________
(١) حق اليقين / عبد الله شبّر ١ : ٣٨ ـ مطبعة العرفان ـ صيدا ـ ١٣٥٢ ه.
(٢) الغدير / الأميني ٧ : ١٧٢ ـ دار الكتب الإسلامية ـ طهران.
(٣) الإمامة والسياسة / ابن قتيبة ١ : ٢٣ ـ مكتبة مصطفى بابي الحلبي ـ مصر ـ ١٣٨٨ ه.
مكانه حتىٰ يرجع إلى الأرض ؟ قال : بلىٰ ، قال : أرأيت لو بعثت إلىٰ راعي غنمك ، ألم تكن تحبّ أن يستخلف رجلاً حتىٰ يرجع ؟ قال : بلى (١).
وليت شعري كيف صارت عائشة وعبد الله بن عمر أعلم بمآل الأمور ونتائج عدم الاستخلاف من رسول الله صلىاللهعليهوآله ؟ وهل هما أحرص على مصلحة الاُمّة وضمان مستقبلها من نبي الرحمة ؟! كلا وحاشا رسول الله صلىاللهعليهوآله من هذه الأوهام ، فإنّه صلىاللهعليهوآله قد نصّ على خليفته من بعده وبلّغ اُمّته بأنه علي بن أبي طالب عليهالسلام ، وفي ذات الوقت عهد إليه أن الأمّة ستغدر به بعده (٢) ، وقال له : « أما إنك ستلقى بعدي جهداً » فقال علي عليهالسلام : « في سلامة من ديني ؟ » قال صلىاللهعليهوآله : « في سلامة من دينك » (٣) وأخذ بيده وقد بكىٰ فقال علي عليهالسلام : « ما يبكيك يا رسول الله ؟ » قال عليهالسلام : « ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها إلاّ من بعدي » (٤).
ولقد تحقق ما أخبر به النبي الصادق الأمين صلىاللهعليهوآله ، ودُفِع الوصيّ عن حقّه ، وقد صرح عليهالسلام بذلك مراراً ، سيما في خطبته الشقشقية (٥) المعروفة ، وفي غيرها أيضاً حيث قال : « فو الله ما زلت مدفوعاً عن حقّي ، مستأثراً عليَّ ، منذ قبض الله نبيه صلىاللهعليهوآله حتىٰ يوم الناس هذا » (٦).
وقال عليهالسلام : « أما الاستبداد علينا بهذا المقام ونحن الأعلون نسباً ،
__________________
(١) طبقات ابن سعد ٣ : ٣٤٣.
(٢) مستدرك الحاكم ٣ : ١٤٠ ـ حيدر آباد ـ الهند.
(٣) مستدرك الحاكم ٣ : ١٤٠.
(٤) مستدرك الحاكم ٣ : ١٣٩ ، مسند أبي يعلى ١ : ٤٢٦ / ٣٠٥ ـ دار المأمون ـ ط ٢ ، مجمع الزوائد / الهيثمي ٩ : ١١٨ ـ ١٢١ ـ مؤسسة المعارف ـ بيروت ـ ١٤٠٦ ه.
(٥) الخطبة الثانية من نهج البلاغة.
(٦) نهج البلاغة / تحقيق صبحي الصالح : ٥٣ / خ ٦.
والأشدون برسول الله صلىاللهعليهوآله نوطاً ، فانها كانت أَثَرة ، شحّت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس آخرين ، والحكم لله والمَعْوَد إليه القيامة » (١).
ومن الاُمور المستفادة من سيرة النبي صلىاللهعليهوآله وغيرها في أثبات الوصية ، والتي لو تأمّلها المسلم فإنه سيُسلّم بمسألة الوصية دون الرجوع إلىٰ مزيد من الأدلة والبراهين ، ما يأتي :
أولاً ـ لقد اُمِر النبي صلىاللهعليهوآله أن يقتدي بالأنبياء الذين قبله ، في قوله تعالى : ( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) (٢) وقال تعالى : ( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ ) (٣) ورأينا أن الأنبياء السابقين قد عهدوا إلىٰ من يخلفهم في تبليغ الشريعة ورعاية الأمة من بعدهم ، ولم يكن خلفاؤهم إلاّ أوصياءهم ، فكيف يخالف نبينا صلىاللهعليهوآله ذلك أو يقصّر في الامتثال ، وهو أشرف الأنبياء وخاتمهم ، وقد اجتمعت فيه خصال الكمال وصفات الشرف التي تفرّقت فيهم ، ودينه أجمع الأديان ، ورسالته أشمل الرسالات وأكملها ، فكيف يتركها غضّةً طرية تتجاذبها الأهواء والنزاعات ؟!
ثانياً ـ ( قد جرت عادة الرسول صلىاللهعليهوآله أنه متى سافر عن المدينة أو غاب عنها ، عيّن خليفته عليها ، فكيف يترك الاستخلاف في غيبة الوفاة ؟ مع علمه أنّه خاتم الأنبياء والرسل ، وأن التكليف لم يرتفع عن العباد بموته ، بل هو باقٍ إلىٰ يوم القيامة ) (٤).
__________________
(١) نهج البلاغة / تحقيق صبحي الصالح : ٢٣١ / خ ١٦٢.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ٩٠.
(٣) سورة الأحقاف : ٤٦ / ٩.
(٤) حق اليقين ١ : ٣٨.
وكان من جملة الذين استخلفهم رسول الله على المدينة خلال المغازي ابن اُمّ مكتوم ، وأبو لبابة رفاعة بن عبد المنذر (١) وسعد بن عبادة ، وسعد بن معاذ ، وزيد بن حارثة ، وأبو سلمة المخزومي ، وعبد الله بن رواحة ، وأبو رهم الغفاري وغيرهم (٢).
واستخلف علياً عليهالسلام في تبوك ، وكانت آخر غزواته.
روي البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص ، قال : خلف رسول الله صلىاللهعليهوآله علي بن أبي طالب في غزوة تبوك ، فقال : « يا رسول الله ، تخلّفني في النساء والصبيان ؟ » قال صلىاللهعليهوآله : « أما ترضى أنت تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي » (٣).
إذن لقد كان دأب رسول الله صلىاللهعليهوآله أنه لم يترك المدينة دون أن يستخلف عليها حتىٰ ولو كانت الغزوة عند أطرافها كالخندق أو على بُعد ميلٍ عنها كاُحد ، فكيف يمكن أن نتصور أنه يترك أمته أبد الدهر دون أن يستخلف عليها ؟!
هذا ، وللشهيد الصدر رضياللهعنه ثلاث تصورّات حول مستقبل الرسالة بعد الرسول صلىاللهعليهوآله ، وقد ناقشها نقاشاً عقلياً مستنيراً بالواقع التاريخي ، وطبيعة الأحداث التي اكتنفت البعثة في صدرها الأول ، ومعطيات الواقع الفكري لرجالها ، ويمكن تلخيص تلك التصورات بما يلي :
__________________
(١) راجع : اُسد الغابة / ابن الأثير ٢ : ٢٧٢ ، ٢٨٠ و ٦ : ٢٧٩ ـ دار إحيا التراث العربي ـ بيروت ـ ١٤١٧ ه.
(٢) التنبيه والاشراف / المسعودي : ٢٠٢ ـ ٢٣٦ ـ دار الصاوي ـ القاهرة.
(٣) صحيح البخاري ٥ : ٨٩ / ٢٠٢ ـ كتاب بدء الخلق ـ باب غزوة تبوك ، صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٠ / ٢٤٠٤ ـ كتاب فضائل الصحابة ـ باب فضل علي عليهالسلام.
١ ـ أن يقف الرسول صلىاللهعليهوآله من مستقبل الرسالة موقفاً سلبياً ، ويكتفي بممارسة دوره في قيادة الأمّة والرسالة وتوجيهها فترة حياته ، ويتركها في مستقبلها للظروف والصدف ، وهذه السلبية لا يمكن افتراضها في النبي صلىاللهعليهوآله لأنها انما تنشأ من أحد أمرين لا ينطبقان عليه.
الأول : الاعتقاد بأن هذه السلبية والاهمال لا يؤثران علىٰ مستقبل الرسالة ، وأنّ الأمة التي سوف تخلف الدعوة قادرة على التصرف بالشكل الذي يحيي الدعوة ويضمن عدم الانحراف ، وهذا الاعتقاد لا مبرر له من الواقع اطلاقاً ، بل إن طبيعة الأشياء كانت تدلّ علىٰ خلافه.
الثاني : انه بالرغم من شعوره بخطر هذه السلبية لا يحاول تحصين الدعوة ضد ذلك الخطر ، لأنه ينظر إليها نظرة مصلحية ، فلا يهمه إلاّ أن يحافظ عليها ما دام حياً ليستفيد منها ويستمتع بمكاسبها ولا يُعنىٰ بحماية مستقبلها بعد وفاته ، وهذا التفسير لا يمكن أن يصدق على النبي صلىاللهعليهوآله لإخلاصه لرسالته وتفانيه فيها وتضحيته من أجلها حتى آخر لحظة من حياته وهو يسيّر جيش اُسامة ، فهو يعيش هموم مستقبلها ، ويشعر بالخطر المحدق بها ، ويخطط لسلامتها من الأخطار المرتقبة بعد وفاته ، فأراد أن يكتب لاُمته كتاباً يكون عصمة لها عن الضلالة ، وجنّة تدرأ عنها عوامل الفرقة والاختلاف ، فحيل بينه وبين ما أراد !!
٢ ـ أن يخطط الرسول القائد صلىاللهعليهوآله للمستقبل ، ويتّخذ موقفاً إيجابياً ، فيجعل القيمومة على الدعوة وقيادة التجربة للاُمة الممثّلة على أساس نظام الشورىٰ في جيلها الأول الذي يضمّ مجموع المهاجرين والأنصار.
والملاحظ أن طبيعة الأشياء والوضع العام الثابت عن الرسول صلىاللهعليهوآله والرسالة والصحابة يدحض هذه الفرضية ، وينفي أن يكون النبي صلىاللهعليهوآله قد انتهج