معنى ذلك روايات كثيرة (١١).
وقال الشيخ : ولو قلنا بوقوعه مجردا كان الأولى أنه فسخ ، لأنه لو كان طلاقا لكان كناية لا صريحا ، والطلاق لا يقع بالكناية ، ولقوله تعالى (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) ثمَّ قال (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) ، ثمَّ قال (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) (١٢) ، وقد ذكر تعالى تطليقتين ، والخلع وتطليقة بعده ، فلو كان الخلع طلاقا لكان رابعا ، وهذا محال.
وقول المصنف (وهو تخريج) : أي قول الشيخ مخرج غير منصوص عليه ، لأن التخريج هو : تعدية الحكم من منطوق به الى مسكوت عنه ، ولم يرد النص بأن الخلع فسخ ، وانما حمله الشيخ على الفسخ لخلوه من لفظ الطلاق وكل فرقة حصلت بغير لفظ الطلاق فهي فسخ ، فكان الخلع فسخا.
ويحتمل أن يكون مراده بالتخريج هنا : تنزيل الحكم على غير مذهب القائل على تقدير قوله بالمذهب الذي يتفرّع عليه الحكم ، لأن الشيخ لم يقل بوقوعه مجردا ، فكان قوله بأنه فسخ تخريجا على مذهب القائل بوقوعه مجردا لا على مذهبه.
وعلى القول بأنه فسخ يصح من ولي الطفل مع المصلحة ، ولا يصح على القول بأنه طلاق.
__________________
(١١) الوسائل ، كتاب الخلع والمبارأة ، حديث ٣ ـ ٥ ـ ١٠.
(١٢) لاحظ الآيتين ٢٢٩ ، ٢٣٠ من سورة البقرة.
في الفدية
قال رحمهالله : ويصح بذل الفداء منها ومن وكيلها وممن يضمنه بأذنها ، وهل يصح من المتبرع؟ فيه تردد ، والأشبه المنع.
أقول : منشؤه من أنه عقد معاوضة فلا يكون المعوض لشخص والعوض على غيره ، فلا يصح من المتبرع ، ومن أنه افتداء ، لقوله تعالى (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) (١٣) ، وهو يصح من الأجنبي ، والأول مذهب الشيخ واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين ، وهو المعتمد.
قال رحمهالله : اما لو قال(١٤) طلقها على ألف من مالها وعلي ضمانها ، أو على عبدها هذا وعلي ضمانه صح ، فان لم ترض بدفع البذل صح الخلع وضمن المتبرع ، وفيه تردد.
أقول : ما حكاه المصنف مذهب الشيخ في المبسوط ، ومنشأ التردد من فتوى الشيخ ، ولأنه مما تمس الحاجة إليه فهو كقوله : ألق متاعك في البحر وعلي
__________________
(١٣) البقرة : ٢٢٩.
(١٤) هذه الكلمة ليست في «م» و «ن».
ضمانه ، ومن أنه ضمان ما لم يجب فيكون باطلا ، ومع بطلان العوض يبطل الخلع ، لاشتراط صحته بسلامة العوض ، وهو لم يسلم.
قال رحمهالله : ولو خالعت في مرض الموت صح وإن بذلت أكثر من الثلث وكان من الأصل ، وفيه قول أن الزائد عن مهر المثل من الثلث ، وهو أشبه.
أقول : الخلاف هنا مبني على أن منجزات المريض هل هي من الأصل أو من الثلث؟ وقد سبق (١٥) البحث في ذلك ، والمعتمد أنها من الثلث.
قال رحمهالله : ولو خلعها على عين فبانت مستحقة ، قيل : يبطل الخلع ولو قيل : يصح ويكون له القيمة أو المثل إن كان مثليا كان حسنا.
أقول : قال الشيخ في المبسوط ، يبطل الخلع ، لأن العوض شرط في صحة الخلع ، وإذا بطل الشرط بطل المشروط ، ويحتمل عدم البطلان لأصالة الصحة ، ويضمن المثل أو القيمة ، والمعتمد الأول وهو اختيار فخر الدين.
قال رحمهالله : ويصح البذل من الأمة ، فان أذن مولاها انصرف الإطلاق إلى الاقتداء بمهر المثل ، ولو بذلت زيادة عنه ، قيل : يصح وتكون لازمة لذمتها تتبع بها بعد العتق واليسار ، وتتبع بأصل البذل مع عدم الإذن.
أقول : المشهور بين الأصحاب جواز بذل الأمة مع الاذن وعدمه ، فمع عدم الاذن يتعلق البذل في ذمتها تتبع به بعد العتق واليسار ، وكذا لو زاد بذلها عن القدر المأذون فيه ، أو زاد عن مهر المثل مع الإطلاق ، فالزائد في ذمتها تتبع به بعد العتق واليسار لا أعلم في ذلك خلافا.
وإنما الخلاف في محل البذل المأذون فيه ، قال الشيخ في المبسوط : إن كانت مأذونا لها في التجارة أعطت مما في يدها ، وإن لم تكن تاجرة أعطت من كسبها ، فإن لم يكن لها كسب تعلق بذمتها تتبع به بعد عتقها ويسارها ، واستحسن العلامة
__________________
(١٥) ج ٢ ، ص ٤٥١.
في القواعد تعلقه بذمة السيد مع الاذن مطلقا ، سواء كانت تاجرة أو لا وسواء كانت مكتسبة أو لا ، وهو بناء على أن مهر العبد على سيده مع الاذن بالنكاح ، وهو المعتمد.
قال رحمهالله : ولو قالت : لأدخلن عليك من تكرهه لم يجب [عليه] خلعها ، بل يستحب ، وفيه رواية بالوجوب.
أقول : بمضمون الرواية (١٦) قال الشيخ في النهاية ، لأنه قال : إنما يجب الخلع إذا قالت المرأة لزوجها : إني لا أطيع لك أمرا ، ولا أقيم لك حدا ، ولا أغتسل لك من جنابة ، ولأوطئنّ فراشك من تكرهه إن لم تطلقني ، فإذا سمع منها هذا القول أو علم من حالها عصيانه في شيء من ذلك إن لم يطلق وجب عليه خلعها ، وتبعه ابن البراج وأبو الصلاح وابن زهرة ، لأن النهي عن المنكر واجب ، ولا يتم الا بالخلع.
وأنكر الوجوب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، لأصالة براءة الذمة من الوجوب ، وهو المعتمد.
__________________
(١٦) صرح في الجواهر (٣٣ : ٤٥) ـ ونقله عن غيره أيضا ـ أنه لم يعثر على رواية بالوجوب.
في الأحكام
قال رحمهالله : إذا أتت بفاحشة جاز عضلها لتفدي نفسها ، وقيل : هو منسوخ ، ولم يثبت.
أقول : إذا فعلت المرأة الفاحشة ، وهي الزنا ، جاز للرجل عضلها ـ وهو منعها ـ من حقوقها حتى تفدي نفسها ، لقوله تعالى (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) (١٧) ، قال الشيخ في المبسوط دلت هذه الآية على أنها متى زنت جاز عضلها وإحواجها (١٨) بالعضل الى أن تفدى نفسها ، قال : وقيل : إنها منسوخة كما نسخت أية الحبس (١٩) بالفاحشة عن الحبس الى الحدود ، ثمَّ قال : والأول أقوى ، لأنه الظاهر ولا دليل على أنها منسوخة ، واختاره المصنف والعلامة وابنه ، لقيام الدليل على الجواز ، وعدم ثبوت النسخ.
__________________
(١٧) النساء : ١٩.
(١٨) في النسخ : (وإخراجها).
(١٩) النساء : ١٥.
ويحتمل العدم ، لقوله تعالى (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (٢٠) ، والمشروط عدم عند عدم شرطه ، والأول هو المعتمد.
قال رحمهالله : إذا قالت : طلقني ثلاثة بألف فطلقها قال الشيخ : لا يصح ، لأنه طلاق بشرط ، والوجه أنه طلاق في مقابله بذل ، فلا يعد شرطا.
أقول : قد ذكر المصنف وجهي القولين ، واختار المصنف والعلامة وابنه صحة الطلاق وهو المعتمد ، لأنه طلاق لغرض ـ وهو البذل ـ فلا مانع منه.
قال رحمهالله : فان قصدت الثلاث ولاء لم يصح البذل وان طلقها ثلاثا مرسلا ، لأنه لم يفعل ما سألته ، وقيل : يكون له الثلث لوقوع الواحدة.
أقول : معنى الولاء أن يقول : أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق ، ومعنى المرسلة هنا : أن يقول أنت طالق ثلاثا.
ووجه البطلان في الأول امتناع الغاية المجعول عليها ، لأن الطلاق الثاني والثالث (لو) (٢١) أوقعه على مطلقة فهو لغو لا حكم له ، وإذا امتنع الفعل المجعول عليه بطلت الجعالة.
واما وجه البطلان في الثاني وهو الطلاق المرسل ، فلأنه لم يوقع ما سألته ، لأنه سألته ثلاثا فلا يستحق مع المخالفة شيئا ، والمعتمد بطلان البذل ووقوع الطلاق رجعيا.
قال رحمهالله : ولو كانت معه على طلقة ، فقالت طلقني ثلاثا بألف ، فطلق واحدة كان له ثلث الألف ، وقيل : له الألف إن كانت عالمة ، والثلث إن كانت جاهلة ، وفيه الاشكال.
__________________
(٢٠) النساء : ٤.
(٢١) هذه الكلمة ليست في «ر ١».
أقول : منشأ الاشكال من حيث أن البذل وقع في (٢٢) مقابلة المجموع من حيث هو مجموع ، فلا يقع البعض مقابل البعض ، ووجه وجوب الالف مع العلم تنزيل كلام المسلم على الصحة ، وهي تعلم عدم وقوع الثلاث عليها فيكون مقصودها تكميل الثلاث ليقع التحريم ، وأما مع الجهل فيكون مقصودها العدد و (هو) (٢٣) لا يقع منه غير واحدة ، فيكون لها (مع) (٢٤) مقابلها من البذل.
والمعتمد إن قصدت تكميل الثلاث ليحصل التحريم استحق الألف وإلا لم يستحق شيئا.
قال رحمهالله : لو اتفقا على ذكر القدر دون الجنس واختلفا في الإرادة ، قيل : يبطل ، وقيل : على الرجل البينة ، وهو أشبه.
أقول : القائل بالبطلان هو الشيخ في المبسوط ، لأن عند التناكر يصير البذل مجهولا ، فيبطل ويرجع الى مهر المثل ، واختار المصنف أن على الزوج البينة ، لأنه مدع ومع فقد البينة يكون القول قولها ، لأنها أبصر بنفسها (٢٥) وقصدها ، واختاره العلامة وابنه.
__________________
(٢٢) هذه الكلمة ليست في النسخ.
(٢٣) هذه الكلمة ليست في «ن» و «ر ١».
(٢٤) هذه الكلمة ليست في «م» و «ر ١».
(٢٥) في «م» و «ر ١» : (بنيتها).
كتاب الظهار
في الصيغة
قال رحمهالله : ولو شبهها بظهر احدى المحرمات نسبا أو رضاعا كالأم أو الأخت ، فيه روايتان أشهرهما الوقوع.
أقول : اختلف الأصحاب في المشبه بها ، قال الشيخان وابن الجنيد هي كل محرمة بنسب أو رضاع ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، لقوله عليهالسلام : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (١) ، ولما رواه زرارة في الصحيح (٢) عن الباقر عليهالسلام.
وقال (ابن إدريس : إنها الأم خاصة ، واختاره فخر الدين لرواية سيف التمار عن الصادق عليهالسلام) (٣) ، «قال : قلت له : إن الرجل يقول لامرأته : أنت علي كظهر أختي أو عمتي أو خالتي ، فقال : إنما ذكر الله الأمهات ، وإن هذا الحرام» (٤) واقتصر ابن البراج على المحرمات بالنسب دون الرضاع للفرق بين
__________________
(١) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ١ من أبواب ما يحرم بالرضاع.
(٢) الوسائل ، كتاب الظهار ، باب ٤ ، حديث ١.
(٣) ما بين القوسين ليس في «م».
(٤) الوسائل ، كتاب الظهار ، باب ٤ ، حديث ٣.
التحريم بالنسب والتحريم بالرضاع ، لأن التحريم بالنسب ملازم للوجود ، والتحريم بالرضاع مسبوق بالإباحة ، وإنما حصل التحريم بعد الرضاع ، فالفرق ظاهر ، والمعتمد الأول.
قال رحمهالله : ولو شبهها بيد أمه أو شعرها أو بطنها ، قيل : لا تقع ، اقتصارا على منطوق الآية ، وبالوقوع رواية فيها ضعف.
أقول : الرواية إشارة الى ما رواه سدير عن الصادق عليهالسلام ، «قال : قلت له الرجل يقول لامرأته : أنت علي كشعر أمي أو بطنها أو كرجلها؟ قال : ما عنى؟ إن أراد به الظهار فهو الظهار» (٥) ، وفي طريقها سهل بن زياد وهو ضعيف ، وبمضمونها أفتى الشيخ في المبسوط ، وابن البراج في المهذب ، وابن حمزة.
وقال المرتضى وابن إدريس بعدم الوقوع ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد لأصالة الإباحة ما لم يعلم السبب المحرم ، وهو غير معلوم هنا.
قال رحمهالله : ولو جعله يمينا لم يقع ولا يقع الا منجزا ، فلو علقه بانقضاء الشهر أو دخول الجمعة لم يقع على القول الأظهر ، وقيل : يقع ، وهو نادر. وهل يقع في إضرار؟ قيل : لا ، وفيه إشكال ، منشؤه التمسك بالعموم ، وفي وقوعه موقوفا على الشرط تردد ، أظهره الجواز. ولو قيده بمدة كأن يظاهر منها شهرا أو سنة ، قال الشيخ : لا يقع ، وفيه إشكال مستند الى عموم الآية ، وربما قيل : إن قصرت المدة عن زمان التربص لم يقع ، وهو تخصيص للعموم بالحكم المخصوص ، وفيه ضعف.
أقول : هنا مسائل :
الأولى : لا يقع الظهار بجعله يمينا ، مثل أن يقول : أنت علي كظهر أمي إن
__________________
(٥) الوسائل ، كتاب الظهار ، باب ٩ ، حديث ٢.
فعلت كذا ، فصورة اليمين صورة الشرط ، ويحصل الفرق بينهما من وجهين :
الأول : أن اليمين لا يكون متعلقة (٦) بفعل غير المتكلم ، والشرط قد يتعلق بفعل المتكلم وبغير فعله ، كقوله : إن برئ مريضي أو قدم مسافري ، والبرء والقدوم ليس من فعل الحالف.
الثاني : إن اليمين يكون المقصود منها كف النفس وزجرها عن إيجاد الشرط ، وإلزام نفسه بمحذور الظهار إن أوجد الشرط ، فهو يترك الشرط حذرا من الظهار ، كما يترك الحالف الحنث حذرا من الكفارة ، وأما الشرط فالمقصود منه مجرد التعليق ، فغرضه وجود المشروط (٧) عند وجود الشرط (٨) ، فهو نقيض (٩) اليمين.
الثانية : هل يقع معلقا على صفة ، كقوله إذا انقضى الشهر : أنت على كظهر أمي ، أو إذا دخل يوم الجمعة : أنت علي كظهر أمي؟ المشهور بين الأصحاب عدم وقوعه معلقا على الصفة.
وأعلم أن القول بوقوعه هنا فرع على القول بوقوع المشروط ، فكان ينبغي للمصنف تقديم الأصل على الفرع في الترتيب كما فعله في المختصر ، وهنا قدم الفرع على الأصل ، وهو غير مستحسن ، فكل قائل بعدم وقوعه مشروطا (منعه هنا) (١٠) ، والقائلون بوقوعه مشروطا اختلفوا هنا ، قال الشيخ في المبسوط : بالوقوع لاشتراكهما بالتعليق ، وقال الأكثر : لا يقع ، لعدم النص على وقوعه معلقا
__________________
(٦) كذا
(٧) في «ن» : (الشرط).
(٨) في «ن» : (المشروط).
(٩) في «م» : (مقتضى).
(١٠) في النسخ بدل ما بين القوسين : (قائل بعدم وقوعه معلقا بالصفة).
على الصفة ، وقد ورد النص (١١) بوقوعه مشروطا ، والفرق بينهما : أن الشرط يمكن وقوعه والمعلق على الزمان يستحيل وقوعه في الحال ويتحتم وقوعه فيما بعد.
الثالثة : هل يقع الظهار إذا قصد به إضرار المرأة؟ قال الشيخ في النهاية : لا يقع ، واختاره العلامة ، لقوله عليهالسلام : «لا ضرر ولا إضرار» (١٢) ، ويحتمل وقوعه مطلقا ، لعموم الآية (١٣) ، وهو ظاهر المفيد وابن الجنيد وابن إدريس ، لأنهم أطلقوا القول بوقوع الظهار ولم يقيدوا بعدم الإضرار ، والمعتمد مذهب العلامة.
والمراد بالإضرار المانع من الظهار : هو أن يكون مقصود المظاهر إضرار المظاهر منها فقط ، فهذا القصد يمنع من وقوع الظهار عند القائل به وإن لم تتضرر المرأة بالظهار ، وإن أوقعه لغرض غير الإضرار ، فإنه يقع وإن تضررت به ، فالمعتبر قصد المظاهر ولا أثر لتضررها مع عدم قصد الإضرار ، ولا (أثر) (١٤) لعدم تضررها مع قصد الإضرار ، لأن دليلهم على حكم الظهار قوله تعالى (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ) (١٥) ، الآيات ، وذلك أن خولة بنت مالك بن ثعلبة ظاهر منها زوجها أوس بن الصامت ، فأتت رسول الله صلىاللهعليهوآله فأخبرته بذلك ، فأخبرها بتحريمها عليه ، فرفعت يديها الى السماء وقالت : أشكو إلى الله فراق زوجي ، فنزلت الآيات (١٦) ، ولا خلاف بينهم في وقوع هذا الظهار ، والآية دلت على شكوى الزوجة الى الله ، والشكوى دلالة على تضررها بفراق زوجها ، فلو كان لتضرر الزوجة مع عدم
__________________
(١١) الوسائل ، كتاب الظهار ، الباب ١٦.
(١٢) الوسائل ، كتاب احياء الموات ، باب ٧ ، حديث ٢ ، مع اختلاف ولم نعثر عليه بلفظه.
(١٣) المجادلة : ٣.
(١٤) هذه الكلمة ليست في نسخة من الأصل.
(١٥) المجادلة : ١ و ٢ و ٣ و ٤.
(١٦) الوسائل ، كتاب الظهار ، باب ١ ، حديث ١ و ٢ و ٤.
قصد الزوج الإضرار أثر لوقع الخلاف في هذا الظهار ، وهو غير واقع ، فثبت أن الاعتبار بقصد الزوج ، ولا اعتبار بحال المرأة.
الرابعة : في وقوعه موقوفا على شرط ، وهو اختيار الشيخ ومحمد بن بابويه وابن حمزة ، واختاره المصنف والعلامة وفخر الدين وأبو العباس ، لعموم الآية (١٧) ، ولما رواه حريز في الصحيح عن الصادق عليهالسلام ، «قال : الظهار ظهاران ، أحدهما : أن يقول : أنت علي كظهر أمي ، ثمَّ يسكت. فذلك الذي يكفر قبل أن يواقع ، وإذا قال : أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا فقد وجبت عليه الكفارة حين يحنث» (١٨).
وقال السيد المرتضى وابن البراج وسلار وأبو الصلاح وابن إدريس : لا يقع مشروطا ، لرواية القاسم بن محمد ، «قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليهالسلام : إني ظاهرت من امرأتي؟ فقال : كيف قلت؟ قال : قلت : أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا ، فقال : لا شيء عليك ولا تعد» (١٩).
الخامسة : هل يقع مؤقتا ، مثل أن يقول : أنت علي كظهر أمي يوما ، أو شهر ، أو سنة؟ قال الشيخ في المبسوط والخلاف : لا يقع ، وتبعه ابن البراج وابن إدريس ، لما رواه سعيد الأعرج في الصحيح ، عن الكاظم عليهالسلام ، «في رجل ظاهر من امرأته يوما؟ قال : ليس عليه شيء» (٢٠) ، وقال ابن الجنيد : يلزمه الظهار ، للعموم (٢١) ، فحينئذ لو أنقضت مدة الظهار حلت من غير تكفير ، واختاره العلامة في القواعد ، واختار فخر الدين مذهب الشيخ ، وعلى القول بوقوعه موقتا
__________________
(١٧) المجادلة : ٣.
(١٨) الوسائل ، كتاب الظهار ، باب ١٦ ، حديث ٧.
(١٩) الوسائل ، كتاب الظهار ، باب ١٦ ، حديث ٤.
(٢٠) المصدر المتقدم ، حديث ١٠ ، لاحظ الجواهر ، ج ٣٣ ، ص ١٠٩ ـ ١١١.
(٢١) المجادلة : ٢.
لا فرق بين أن يقصر المدة عن زمان التربص أو لا ، للعموم (٢٢) ، وزمان التربص هنا ثلاثة أشهر.
قال رحمهالله : وكذا لو قال : أنت حرام كظهر أمي.
أقول : هذا عطف على المسألة السابقة التي ذكر المصنف وجه الخلاف فيها ، ومذهب الشيخ في الأولى وقوع الظهار ، ومذهبه في هذه عدم وقوعه ، والمصنف عطف هذه على مذهبه في السابقة وهو عدم الوقوع ، لأن هذه (الصيغة غير) (٢٣) الصيغة المنصوصة (٢٤) ، والأصل بقاء الحل ، وهو ظاهر العلامة في القواعد ، واختار في المختلف وقوع الظهار ، واختاره فخر الدين أيضا ، لرواية زرارة الصحيحة ، عن الباقر عليهالسلام ، «قال : سألته عن الظهار؟ فقال : يقول الرجل لامرأته وهي طاهر من غير جماع : أنت علي (حرام) كظهر أمي أو أختي ، وهو يريد الظهار» (٢٥).
__________________
(٢٢) المصدر المتقدّم.
(٢٣) ما بين القوسين ليس في النسخ.
(٢٤) الوسائل ، كتاب الظهار ، باب ١.
(٢٥) الوسائل ، كتاب الظهار ، باب ٢ ، حديث ٢. وما بين القوسين ليس في الأصل وإن كان في النسخ والمصدر أيضا.
في المظاهرة
قال رحمهالله : وفي اشتراط الدخول تردد ، والمروي اشتراطه.
أقول : منشؤه من عموم الآية (٢٦) ، ومن صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام ، «في المرأة التي لم يدخل بها؟ قال : لا يقع فيها إيلاء ولا ظهار» (٢٧) ، ومثلها رواية الفضل بن يسار (٢٨) ، عن الصادق عليهالسلام ، واشتراط الدخول مذهب الشيخ وابن بابويه وابن الجنيد ، واختاره العلامة في المختلف ، وأبو العباس في المقتصر ، وهو المعتمد ، وعدم الاشتراط مذهب المفيد وسلار وأختاره فخر الدين.
قال رحمهالله : وهل يقع بالمستمتع بها؟ فيه خلاف ، والأظهر الوقوع.
أقول : وقوعه بها مذهب السيد المرتضى وابن زهرة وأبي الصلاح ، واختاره المصنف ، والعلامة في القواعد والمختلف ، وأبو العباس ، وهو المعتمد ،
__________________
(٢٦) المجادلة : ٢.
(٢٧) الوسائل ، كتاب الظهار ، باب ٨ ، حديث ٢.
(٢٨) الوسائل ، كتاب الظهار ، باب ٨ ، حديث ١.
لقوله تعالى (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) (٢٩) ، وهي من النساء.
وقال ابن بابويه وابن الجنيد : لا تقع بها ، واختاره ابن إدريس ، لما رواه ابن فضال ، عمن أخبره «قال : لا يكون الظهار الا على موضع الطلاق» (٣٠) ، والمستمتع بها لا يقع بها طلاق ، فلا يقع بها ظهار.
وأجيب بإرسال الرواية مع ضعف سندها.
قال رحمهالله : وفي الموطؤة بالملك تردد ، والمروي أنه يقع كما يقع بالحرة.
أقول : منشؤه من أنها من النساء لتحريم أمها وبنتها وأختها ، فتدخل في عموم الآية (٣١) ، ولصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام ، «قال : سألته عن الظهار على الحرة والأمة؟ قال : نعم» (٣٢) ، ومثلها رواية إسحاق بن عمار (٣٣) عن الكاظم عليهالسلام ، ومن أصالة بقاء الحل ، ورواية حمزة بن حمران ، «قال سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل جعل جاريته عليه كظهر أمه؟ قال : يأتيها ، وليس عليه شيء» (٣٤) ، وفي طريقها ابن فضال وهو ضعيف ، ومساواتها مذهب الشيخ في النهاية (والخلاف) (٣٥) ، وبه قال ابن أبي عقيل ، وابن حمزة ، والعلامة في المختلف (والتحرير) (٣٦) ورجحه أبو العباس في مقتصره ، وقال المفيد وسلار وأبو الصلاح وابن إدريس بعدم وقوعه بها ، والأول هو المعتمد.
__________________
(٢٩) المجادلة : ٢.
(٣٠) الوسائل ، كتاب الظهار باب ١٦ ، حديث ١٣.
(٣١) المجادلة : ٣.
(٣٢) الوسائل ، كتاب الظهار ، باب ١١ ، حديث ٢.
(٣٣) المصدر المتقدم ، حديث ١.
(٣٤) المصدر المتقدم ، حديث ٦.
(٣٥) ليست في «ن» وفي الأصل : (المختلف).
(٣٦) ليست في «ن».