لها (١).
واستبعد بعض المحقّقين من المتأخّرين هذا التعليل.
ولا يذهب عليك ما في قول العلّامة رحمهالله : « إنّ المتيقّن في لفظ الدلاء هو الثلاث » ، من المنافاة لما حكيناه عنه آنفا في الاحتجاج بمثله على عدم إجزاء ما دون الخمس.
ولم يذكر في المختلف هذه الحجّة عند تقريره لدليل هذا الحكم بل قال : « إنّ حجّته رواية عمّار الساباطي عن أبي عبد الله عليهالسلام : في ما يقع في بئر الماء فيموت فيه فأكبره الإنسان ينزح منها سبعون دلوا ، وأقلّها العصفور ينزح منها دلو واحد » (٢) ، فالحيّة يجب فيها أكثر من العصفور وإلّا لم يختصّ القلّة بالعصفور. وإنّما وجب نزح ثلاث لمساواتها الفأرة في قدر الجسم.
ورواية إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام : أنّ عليّا عليهالسلام كان يقول :
« الدجاجة ومثلها يموت في البئر ينزح منها دلوان وثلاثة » (٣). ولا ريب أنّ الحيّة لا تزيد عن قدر الدجاجة في الجسم (٤).
ولا يخفى ما في التوجيهين الواقعين في هذه الحجّة من التكلّف والتعسّف ، مضافا إلى ضعف الروايتين.
وقد حكى حاصل هذا الكلام الشهيد في الذكرى ثمّ قال : وهو مأخذ
__________________
(١) منتهى المطلب ١ : ٩٥ و ٩٦.
(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٤ ، الحديث ٦٧٨.
(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٧ ، الحديث ٦٨٣.
(٤) مختلف الشيعة ١ : ٢١٤.
ضعيف (١). والأمر كذلك.
وأمّا الاحتجاج الأوّل فليس ببعيد عن الصواب ، إلّا أنّ في نهوضه بإثبات الحكم على القول بالانفعال أو وجوب النزح نظرا من حيث عدم بلوغ سند الخبر حدّ الصحّة عندنا ، كما بيّناه في البحث عمّا ينزح لموت البعير ؛ إذ قد مرّ ذكره هناك فيشكل حينئذ إثبات الوجوب به.
ثمّ ـ على تقدير ثبوت النفس للحيّة ، والقول بالانفعال ـ يشكل الاكتفاء به في الحكم بالطهارة.
وأمّا على القول بالاستحباب فهو كاف فيه. ويؤيّده ما في صحيح معاوية ابن عمّار السابق في حكم الفأرة من نزح الثلاث للوزغة أيضا (٢) فإنّه يدلّ على نزحها للحيّة بطريق أولى ؛ حيث إنّ الوزغة ليست ذات نفس قطعا ، وقد استحبّ لها النزح ، فالحيّة أولى.
إذا تقرّر هذا فاعلم : أنّ المحقّق حكى في المعتبر عن الشيخ علي بن بابويه أنّه قال في رسالته : إذا وقع فيها حيّة أو عقرب أو خنافس أو بنات وردان فاستق للحيّة دلوا وليس عليك فيما سواها شيء (٣).
وحكى هذه العبارة بعينها عنه العلّامة رحمهالله في المنتهى إلّا أنّه لم يسندها إلى رسالته (٤).
وقال في المختلف : قال علي بن بابويه رحمهالله في رسالته : إذا وقعت فيها حيّة
__________________
(١) ذكرى الشيعة : ١١.
(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٨ و ٢٤٥ ، الحديثان ٦٨٨ و ٧٠٦.
(٣) المعتبر ١ : ٧٤.
(٤) منتهى المطلب ١ : ٩٥.
أو عقرب أو خنافس أو بنات وردان فاستق منها للحيّة سبع دلاء وليس عليك فيما سواها شيء. ثمّ ذكر أنّ حجّته في ذلك كونها في قدر الفأرة أو أكبر.
وقد بيّنا أنّ في الفأرة سبع دلاء فلا تزيد الحيّة عنها للبراءة ولا ينقص عنها للأولويّة (١).
ولم يذكرا له على الحكاية الاخرى حجّة. ولا ريب في فساد الحجّة المذكورة.
ثمّ إنّ هذا الاختلاف الذي وقع في النقل عجيب. وأعجب منه أنّ النسخة التي عندنا للرسالة خالية من كلا النقلين ، والذي فيها : « وإن وقعت فيها حيّة ـ إلى أن قال ـ فاستق منها للحيّة دلاء » أو هذه النسخة قديمة وعليها آثار التصحيح والمعارضة. وعلى ما فيها ربّما لا يبقى في المسألة خلاف ؛ لأنّ لفظ الدلاء لا يبعد حمله عند الإطلاق على الثلاث ؛ لما مرّ تقريره.
مسألة [٣١] :
وأوجب الصدوق والشيخان وجمع من الأصحاب نزح الثلاث لموت الوزغة (٢).
وقال أبو الصلاح للوزغة دلو واحدة (٣). ونفى ابن إدريس رحمهالله ذلك كلّه فلم يوجب لها شيئا (٤).
__________________
(١) مختلف الشيعة ١ : ٢١٢ و ٢١٤.
(٢) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٠ ، ذيل الحديث ٢٨ ، والمقنعة : ٦٧ ، والنهاية ونكتها ١ : ٢٠٨.
(٣) الكافي في الفقه : ١٣٠.
(٤) السرائر ١ : ٨٣.
واستوجه المحقّق في المعتبر استحباب النزح لها (١) ، واختاره العلّامة رحمهالله في كثير من كتبه تفريعا على القول بالانفعال (٢).
احتجّ الشيخ بما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الفأرة والوزغة تقع في البئر؟ قال : « ينزح منها ثلاث دلاء » (٣). وروى مثله ابن سنان في الصحيح عنه عليهالسلام.
قال في المعتبر : وربّما صار أبو الصلاح إلى رواية يعقوب بن عيثم عن أبي عبد الله عليهالسلام : « في بئر في مائها ريح يخرج منها قطع جلود؟ قال : ليس بشيء ؛ إنّ الوزغ ربّما طرح جلده ، إنّما يكفيك من ذلك دلو واحدة » (٤).
ثمّ قال المحقّق : وليس في هذا دلالة صريحة (٥). والأمر كما قال ، بل لا دلالة عند التحقيق.
واحتجّ ابن إدريس بأنّه لا نفس له سائلة فلا ينجس الماء بموته فيه (٦). وحيث إنّه لا يعمل بالأخبار فلا حجّيّة فيها عنده.
قال في المختلف ـ بعد حكايته عنه الاحتجاج بما ذكرناه ـ : وجعل ما أفتى به الجماعة من النزح اعتمادا على رواية شاذّة مخالفة لأصول المذهب (٧).
__________________
(١) المعتبر ١ : ٧٥.
(٢) منتهى المطلب ١ : ٩٧.
(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٨ ، الحديث ٦٨٨.
(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٤١٩ ، الحديث ١٣٢٥.
(٥) المعتبر ١ : ٧٤.
(٦) السرائر ١ : ٨٣.
(٧) مختلف الشيعة ١ : ٢١٢.
واحتجّ المحقّق رحمهالله بأنّ ما لا نفس له سائلة ليس بنجس ولا ينجس شيء بموته فيه. نعم روي أنّ له سمّا فيكره لذلك (١).
بمثل هذا علّل العلّامة عليه الرحمة الحكم في بعض كتبه. ويلوح منه في المختلف التوقّف حيث حكى الأقوال في المسألة والحجج من غير تعرّض لها بترجيح أو ردّ إلّا احتجاج ابن إدريس فإنّه ـ بعد نقله عنه التمسّك في عدم الوجوب بأنّه لا نفس له ـ قال : وهو جيّد ، ويجوز أن يكون الأمر بالنزح من حيث الطبّ (٢) لحصول الضرر في الماء بالسمّ لا من حيث النجاسة ، ولا شكّ أنّ السلامة من الضرر أمر مطلوب للشارع فلا استبعاد في إيجاب النزح لهذا الغرض (٣). وعندي في هذا الكلام نظر.
والتحقيق : أنّ كلام الصدوق والشيخين مبنيّ على ما سيأتي نقله عنهم في باب النجاسات ـ من حكمهم بنجاسة الوزغ ميّتا ـ فهو على ذلك التقدير حسن ، لكنّ القول بنجاسته ضعيف ، كما سيجيء. وحينئذ يشكل الحكم بوجوب النزح له. ولا يزول بالتكلّفات التي ذكرها العلّامة إلّا أن يجعل الوجوب للتعبّد. ومعه لا يحتاج إليها.
وأمّا على ما اخترناه فالأمر هيّن ؛ لأنّ التنظيف (٤) مطلوب ، ولا شكّ في تأثير الميّتة في بعض أجزاء الماء ولو قليلا فيستخبث في الجملة ، لا سيّما فيما هو معدّ للشرب ونحوه ، فيحسن تنظيفه بإخراج ماء يزول معه الاستخباث ، وهذا
__________________
(١) المعتبر ١ : ٧٥.
(٢) في « ب » : من حيث الطيب.
(٣) مختلف الشيعة ١ : ٢١٢.
(٤) في « ب » : لأنّ التطيّب مطلوب.
القدر من الاعتبار كاف مع الحديثين الصحيحين (١) في إثبات الاستحباب.
مسألة [٣٢] :
وأوجب الشيخ نزح الثلاث لموت العقرب (٢). وتبعه جماعة منهم أبو الصلاح وابن زهرة (٣). ونفى الصدوقان في الرسالة والمقنع وجوب شيء (٤). وقد تقدّم نقل ما تضمّن (٥) ذلك من عبارة الرسالة في حكم الحيّة.
وقال الفاضلان بالاستحباب كما في الوزغة (٦).
حجّة الشيخ على ما في المختلف رواية هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « سألته عن الفأرة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيّا ، هل يشرب من ذلك الماء أو يتوضّأ؟ قال : يسكب ثلاث مرّات وقليله وكثيره بمنزلة واحدة. ثمّ تشرب (٧) منه وتتوضّأ. غير الوزغ فإنّه لا ينتفع بما وقع فيه » (٨).
وقال في المختلف : « وفي الاستدلال بهذا الحديث نظر ، وتخريجه أنّ العقرب
__________________
(١) في « ب » : كاف مع الحديث الصحيح.
(٢) النهاية ونكتها ١ : ٢٠٨.
(٣) الكافي في الفقه : ١٣٠ ، وغنية النزوع : ٤٩٠ ، من مجموعة « الجوامع الفقهيّة » ، الطبعة الحجريّة.
(٤) المقنع : ٣٤.
(٥) في « ب » : نقل ما يتضمّن ذلك.
(٦) مختلف الشيعة ١ : ٢١٣ ، والمعتبر ١ : ٧٥.
(٧) في « ب » : ثمّ يشرب منه.
(٨) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٨.
ينزح لها مع خروجها حيّا ثلاث دلاء ، فمع الموت أولى ، ولأنّ المقتضي للنزح في الوزغة ـ وهو السمّ ـ موجود في العقرب » (١).
وحجّة النافين لوجوب النزح أنّه حيوان لا نفس له سائلة فلا يجب بموته شيء كالذباب والخنافس.
وما رواه عمّار الساباطي عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث طويل قال : « سئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة (٢) وما أشبه ذلك يموت في البئر والزيت والسمن وشبهه. قال : كلّ ما ليس له دم فلا بأس به » (٣).
وما رواه ابن مسكان عن أبي بصير قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عمّا يقع في الآبار؟ فقال : أمّا الفأرة وأشباهها فينزح منها سبع دلاء. إلى أن قال : وكلّ شيء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقرب والخنافس وأشباه ذلك فلا بأس به » (٤).
واحتجّ الفاضلان على الاستحباب بنحو ما احتجّا به في حكم الوزغة (٥).
وقال في المختلف : إنّ الاعتماد في نفي الوجوب على حديث ابن مسكان المحكيّ في حجّة النافين. وجعله من الصحيح (٦).
__________________
(١) مختلف الشيعة ١ : ٢١٣.
(٢) في « ب » : والنمل وما أشبه.
(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٠ ، الحديث ٦٦٥.
(٤) الكافي ٣ : ٦ ، الحديث ٦.
(٥) مختلف الشيعة ١ : ٢١٣ ، والمعتبر ١ : ٧٥.
(٦) مختلف الشيعة ١ : ٢١٣.
وذكر ما يقرب من ذلك في المنتهى ووصف الحديث فيه أيضا بالصحّة (١). وليس بصحيح.
أمّا أوّلا : فلأنّ في طريقه ابن سنان ، والمراد به محمّد وهو مضعّف.
وأمّا ثانيا : فلأنّه أسند الحديث عن ابن مسكان عن الصادق عليهالسلام تبعا للتهذيب والإستبصار (٢). وفي الكافي رواه عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام (٣) ، كما حكيناه وهو الصحيح ، فإنّ النجاشي ذكر في كتابه أنّ عبد الله بن مسكان روى عن أبي الحسن موسى عليهالسلام ثمّ قال : وقيل إنّه روى عن أبي عبد الله عليهالسلام وليس يثبت (٤).
وفي كتاب الكشّي بطريق الرواية أنّه لم يسمع من أبي عبد الله عليهالسلام إلّا حديث « من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ » ، وحكى فيه عن أبي النصر محمّد ابن مسعود العيّاشي أنّه قال : كان ابن مسكان لا يدخل على أبي عبد الله عليهالسلام شفقة إلّا يوفيه حقّ إجلاله (٥) ، وكان يسمع من أصحابه ويأبى أن يدخل عليه إجلالا له وإعظاما (٦). وعلى هذا فالحديث في الكتابين منقطع الإسناد (٧). وفي الكافي وإن كان متّصلا إلّا أنّ أبا بصير مشترك بين الثقة وغيره.
__________________
(١) منتهى المطلب ١ : ٩٧.
(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٠ ، الحديث ٦٦٦. والإستبصار ١ : ٢٦ ، الحديث ٣.
(٣) الكافي ٣ : ٦ ، الحديث ٦.
(٤) رجال النجاشي : ٢١٤ ، الرقم ٥٥٩.
(٥) في « ب » : يوفيه حقّ أخذه له.
(٦) اختيار معرفة الرجال : ٣٨٣.
(٧) في « ب » : مقطوع الإسناد.
وكيف كان فليس في تصحيح هذا الخبر كثير فائدة ؛ إذ ما تضمّنه من نفي التأثير عمّا عدّد فيه هو مقتضى الأصل ، فلا بدّ لمدّعي خلافه من دليل. وما ذكره من الحجّة للشيخ لا يخلو من ضعف وقصور.
مسألة [٣٣] :
وينزح لموت العصفور دلو واحدة ، على المشهور بين الأصحاب ، لا يعرف فيه خلاف إلّا من ظاهر كلام الصدوقين حيث قال الشيخ أبو جعفر في من لا يحضره الفقيه : « وأكبر ما يقع في البئر الإنسان فيموت فيها فينزح منها سبعون دلوا ، وأصغر ما يقع فيها الصعوة فنزح منها دلو واحدة ، وفيما بين الإنسان والصعوة على قدر ما يقع فيها (١). وكذا قال أبوه في الرسالة (٢).
والصعوة عصفور صغير ذكره في القاموس (٣).
حجّة المشهور رواية عمّار الساباطي ـ المتقدّمة في البحث عمّا ينزح لموت الإنسان ـ فإنّه قال في آخرها : وأقلّه العصفور ينزح منها دلو واحد (٤). وقد بيّنا ضعف الرواية. فالاحتجاج بها ضعيف.
وما قاله الصدوقان لم نقف له على دليل.
ولا يبعد العمل هنا برواية الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إذا سقط
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه ١ : ١٧.
(٢) المعتبر ١ : ٧٣.
(٣) تاج العروس في شرح القاموس ١٠ : ٢٠٩.
(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٢٣٤ ، الحديث ٦٧٨.
في البئر شيء صغير فمات فيها فانزح منها دلاء » (١).
وقد سبق احتجاج المحقّق بها في حكم الحيّة ، إلّا أنّه حكاها بلفظ حيوان صغير. وهي في الكافي والتهذيب والاستبصار كما ذكرنا (٢).
وأثر الاختلاف يظهر هنا ؛ لعدم دخول العصفور في لفظ الحيوان بالنظر إلى العرف.
وأمّا على ما ذكرناه فتناول اللفظ له ظاهر ، فيقال بنزح ثلاث ؛ لأنّه أقلّ محتملات لفظ الدلاء على ما مرّ.
ويحتمل القول بمساواته لمطلق الطير لدخوله في عموم لفظه.
إذا تقرّر هذا فاعلم : أنّ بعض الأصحاب فسّر العصفور بما دون الحمامة ، وهو الظاهر من تفسيرهم الطير بالحمامة ونحوها فما فوقها ، مضافا إلى عدم القول بالواسطة بين نزح الدلو والسبع في مطلق الطير إلّا أنّ الاقتصار على لفظ العصفور في عباراتهم قليل ، وأكثرهم عبّروا هنا بالعصفور وشبهه.
وربّما أبدل « الشبه » في بعض العبارات بما ماثله من الطير في مقدار الجسم أو بما في قدره.
وظاهر هذا التعبير ينافي التفسير المذكور ، ويقتضي اختصاص لفظ العصفور بنوع من صغار الطيور.
وذكر جماعة أنّه الأهليّ الذي يسكن الدور. ويشكل عليهم الحكم حينئذ ؛
__________________
(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٠ ، الحديث ٦٩٤. والاستبصار ١ : ٣٤ ، الحديث ٩٢.
والكافي ٣ : ٦ ، الحديث ٧.
(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٠ ، الحديث ٦٩٤. والاستبصار ١ : ٣٤ ، الحديث ٩٢.
والكافي ٣ : ٦ ، الحديث ٧.
لأنّ دليلهم خال من التعرّض للشبه ، وحيث إنّ اللفظ مخصوص عندهم بنوع معيّن ، فمن أين يثبتون الحكم للشبه؟ وهل هو إلّا قياس؟! على أنّا لو قدّرنا صحّة التعدية إلى الشبه نظرا إلى الاشتراك في المعنى لكان اللازم إلحاق مطلق الطير في حال صغره به ، كما ذهب إليه الشيخ نظام الدين الصهرشتي شارح النهاية على ما حكوه عنه (١) ، مع أنّ ظاهرهم خلافه ؛ إذ لا يعرف بينهم (٢) القول بذلك إلّا له. وقد ناقشه فيه المحقّق في المعتبر (٣) ، مع أنّه ذكر « الشبه » في الشرائع والمختصر (٤) فقال ـ بعد حكايته عنه ـ :
ونحن نطالبه بدليل التخطّي إلى المشابهة ، ولو وجده في كتب الشيخ أو كتب المفيد لم يكن حجّة ما لم يوجد الدليل (٥).
فرع :
استثنى الشيخ قطب الراوندي من هذا الحكم الخفّاش معلّلا بأنّه نجس. حكى ذلك عنه المحقّق وغيره من الأصحاب (٦).
قال المحقّق : ونحن نطالبه من أين علم نجاسته؟ فإن التفت إلى كونه مسخا طالبناه بتحقيق كونه مسخا ، ثمّ بالدلالة على نجاسة المسخ (٧). والأمر كما قال.
__________________
(١) المعتبر ١ : ٧٤.
(٢) في « ب » : لا يعرف منهم القول بذلك.
(٣) المعتبر ١ : ٧٤.
(٤) المختصر النافع : ٣ ، وشرائع الإسلام ١ : ١٤ ، الطبعة المحققة الاولى.
(٥) المعتبر ١ : ٧٤.
(٦) المعتبر ١ : ٧٤.
(٧) المعتبر ١ : ٧٤.
مسألة [٣٤] :
وينزح لبول الرضيع أيضا دلو واحدة. قاله الصدوقان (١) والشيخان (٢) وكثير من الأصحاب.
وقال أبو الصلاح وابن زهرة : ينزح له ثلاث دلاء (٣).
احتجّ الشيخ لما صار إليه برواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « سألته عن بول الصبيّ الفطيم يقع في البئر؟ فقال : دلو واحد » (٤).
وهذه الرواية مع ضعف سندها لا دلالة لها على المدّعى ؛ إذ موردها الفطيم ، والكلام في الرضيع.
ولو رام متمحّل ـ أن يقول : إذا دلّت هذه الرواية على الاكتفاء بالدلو للفطيم مع كون نجاسة بوله أغلظ فقد دلّت على الاكتفاء به للرضيع بطريق أولى ، ولا دليل على الاكتفاء بما دون الدلو ، مع أنّه غير معهود ، بل منفيّ بما تقدّم في رواية عمّار الساباطي حيث قال فيها : « وأقلّه العصفور ينزح منها دلو » ـ لقابله بالردّ : أنّهم لا يكتفون بالدلو لغير الرضيع ، فالمنطوق عندهم مطرح فكيف يجعل وسيلة للعمل بالمفهوم؟
وأمّا القول بالثلاث فلا نعرف مأخذه.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ أكثرهم فسّروا الرضيع بمن لم يأكل الطعام. وقيّده
__________________
(١) مختلف الشيعة ١ : والمقنع : ٤.
(٢) المقنعة : ٦٧. والنهاية ونكتها ١ : ٢٠٨.
(٣) الكافي في الفقه : ١٣٠. وغنية النزوع : ٤٩٠ ، من الجوامع الفقهيّة ، الطبعة الحجريّة.
(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٣ ، الحديث ٧٠٠.
بعض المتأخّرين بكونه غالبا على اللبن أو مساويا له ، فلا يضرّ القليل.
وقال ابن إدريس رحمهالله : حدّ الرضيع من كان له من العمر دون الحولين سواء أكل في الحولين أو لا ، وسواء فطم فيهما أو لم يفطم (١).
وأنت خبير بأنّ البحث في ذلك فرع وجود لفظ الرضيع في مستند الحكم وهو منتف. قال المحقّق في المعتبر ـ بعد نقل كلامهم في ذلك ـ : ولست أعرف التفسير من أين نشأ؟ والرواية تتناول الفطيم ، فنحن نطالبهم بلفظ « الرضيع » أين نقل؟ وكيف قدّر لبوله الدلو الواحدة (٢)؟
فرع :
قيّد الشهيد رحمهالله في البيان الرضيع بابن المسلم (٣). وهو التفات إلى ما مرّ تحقيقه من اعتبار الحيثيّة في جميع موجبات النزح ، فإذا انضاف إلى الحيثيّة التي هي مورد النصّ حيثيّة اخرى لم يكن النصّ دالا على الاكتفاء بالمقدّر لهما ، والأمر هاهنا كذلك فإنّ النصّ ـ على تقدير ثبوته ـ إنّما يدلّ على أنّ بول الرضيع من حيث هو بوله يكتفى له بالدلو ، فإذا انضمّ إليه ملاقاة بدن الكافر تعدّدت الحيثيّة ، والدليل لا يتناولهما.
وقد اتّفق للشهيد وغيره اعتبار هذا المعنى في مواضع دون اخرى وليس بجيّد ؛ لأنّ المقتضي في الجميع واحد ، فإمّا أن [ يعتبر ] في الكلّ أو يلغى. وقد صرّح في البيان بالتسوية بين المسلم والكافر في موت الإنسان (٤). وأطلق
__________________
(١) السرائر ١ : ٧٨.
(٢) المعتبر ١ : ٧٢.
(٣) البيان : ١٠٠.
(٤) البيان : ١٠٠.
الحكم في البول والعذرة وقيّد هاهنا كما حكيناه وهو عجيب.
وفي الذكرى احتمل في العذرة الفرق بين فضلة المسلم والكافر ، وعلّله بزيادة النجاسة بمجاورته (١) ، ولم يتعرّض لهذا الاحتمال في غيرها.
تتمّة تشتمل على مسائل :
[ المسألة ] الاولى :
صرّح جماعة من الأصحاب بعدم انحصار طريق تطهير البئر في النزح حيث يحكم بنجاسته ، بل هو طريق اختصّ به وشارك غيره من المياه في الطهارة بوصول الجاري إليه ووقوع ماء الغيث عليه وإلقاء الكرّ ، على ما مرّ تفصيله.
وظاهر كلام المحقّق أنّ الأمر منحصر في النزح حيث قال في المعتبر : « إذا اجري إليها ـ يعني البئر ـ الماء المتّصل بالجاري (٢) لم يطهر ؛ لأنّ الحكم متعلّق بالنزح ولم يحصل » (٣). والحكم بالانحصار يفهم من التعليل الذي ذكره ، وإلّا فالكلام الأوّل محتمل لأن يكون ناظرا إلى اشتراط الامتزاج في طهارة مثله ـ على ما سبق نقله عنه في حكم الغديرين ـ ولكنّ التعليل ينادي بنفيه ويؤذن بنفي كلّ طريق سوى النزح.
وقد ذكر العلّامة في أكثر كتبه هذا الطريق الذي ذكره في المعتبر وحكم بالطهارة به ، ففي المنتهى : « لو سيق إليها نهر من الماء الجاري وصارت متّصلة
__________________
(١) ذكرى الشيعة : ١١.
(٢) في « ب » : الماء الجاري.
(٣) المعتبر ١ : ٧٩.
به فالأولى ـ على التخريج ـ الحكم بالطهارة لأنّ المتّصل بالجاري كأحد أجزائه فخرج عنه حكم البئر (١). وفي القواعد : لو اتّصلت بالنهر الجاري طهرت (٢).
واختلفت فتوى الشهيد رحمهالله في هذه المسألة ، فقال في البيان : « ينجس ماء البئر بالتغيّر ويطهر بمطهّر غيره وبالنزح ». ثمّ قال : « والأصحّ نجاسته بالملاقاة أيضا ويطهر بما مرّ وبنزح كذا ». وذكر المقادير (٣).
وقال في الدروس : « لو اتّصلت بالجاري طهرت وكذا بالكثير مع الامتزاج ، أمّا لو تسنّما عليها من عل فالأولى عدم التطهير لعدم الاتّحاد في المسمّى » (٤).
وفي الذكرى : « وامتزاجها بالجاري مطهّر لأنّه أقوى من جريان النزح باعتبار دخول ماءها في اسمه » (٥).
ومنعه في المعتبر ؛ لأنّ الحكم متعلّق بالنزح ولم يحصل ، وكذا لو اتّصل بالكثير. أمّا لو وردا من فوق عليها فالأقوى أنّه لا يكفي لعدم الاتّحاد في المسمّى (٦).
ولا يخفى أنّ اشتراطه لعدم علوّ المطهّر في العبارتين الأخيرتين يخالف ما ذكره في الاولى من طهارته بمطهّر غيره.
والتحقيق عندي مساواته لغيره من المياه في الطهارة بما يمكن تحقّقه فيه
__________________
(١) منتهى المطلب ١ : ١٠٩.
(٢) قواعد الأحكام ١ : ١٨٩.
(٣) البيان : ٩٩.
(٤) الدروس الشرعيّة ١ : ١٢٠.
(٥) ذكرى الشيعة : ١٠ ، الطبعة الحجريّة.
(٦) المعتبر ١ : ٧٩.
من الطرق التي ذكرناها سابقا.
ووجهه على ما اخترناه ـ من اشتراط الامتزاج بالمعنى الذي حقّقناه ـ واضح ؛ فإنّ ماء البئر ـ والحال هذه ـ يصير مستهلكا مع المطهّر فلو كان عين نجاسة لم يبق له حكم ، فكيف وهو منجّس؟ ولا ريب أنّه أخفّ.
وأمّا على القول بالاكتفاء بمجرّد الاتّصال فلأنّ دليلهم على تقدير تماميّته لا يختصّ بشيء دون شيء ، إذ مرجعه إلى عموم مطهّريّة الماء ، فيدخل ماء البئر تحت ذلك العموم. والأمر بالنزح لا ينافيه لكونه مبنيّا على الغالب من عدم التمكّن من التطهّر بغيره. ولو أمكن في بعض الموارد فلا ريب أنّ النزح أسهل منه في الأغلب أيضا ، فلذلك اقتصروا عليه.
ثمّ إنّ إيجاب النزح على القول بالانفعال أو مع حصول التغيّر ليس إلّا لإفادة الطهارة ، فإذا صار الماء طاهرا بمقتضى ذلك العموم ـ والفرض عدم الدليل على التخصيص ـ لا يبقى للنزح وجه.
نعم لو قلنا بوجوب النزح تعبّدا لم يتمّ القول بسقوطه بمجرّد الاتّصال وإن قلنا بالطهارة به.
وأمّا مع الامتزاج فالظاهر السقوط ؛ لأنّ الاستهلاك يصيّره بمنزلة المعدوم ، ووجوب النزح إنّما تعلّق به في حال البقاء على حقيقته.
وبما ذكرناه ظهر ضعف تفصيل الشهيد رحمهالله لا سيّما بعد اشتراط الامتزاج ـ كما صرّح به ـ فإنّ اعتبار الاتّحاد مع ذلك ممّا لا وجه له.
وأمّا ما تمسّك به المحقّق فدفعه ظاهر بعد ما قرّرناه.
[ المسألة ] الثانية :
إذا وقع في البئر ما يوجب نزح الجميع وتعذّر نزحه لكثرة الماء فالمشهور
بين الأصحاب : أنّه يتراوح عليه أربعة رجال يوما ، كلّ اثنين دفعة. وذكر العلّامة في المنتهى أنّه لا يعرف فيه مخالفا من القائلين بالتنجيس (١).
واحتجّوا له برواية عمّار الساباطي عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث طويل قال : « وسئل عن بئر يقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير؟ قال : تنزف كلّها. ثمّ قال عليهالسلام : فإن غلب عليها الماء فلينزف يوما إلى الليل ، ثمّ يقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين فينزفون يوما إلى الليل وقد طهرت » (٢).
وهذه الحجّة في نهاية الضعف ؛ لأنّ في طريق الرواية جماعة من الفطحيّة وقد تضمّنت ما لا يقولون به : وهو إيجاب نزح الماء كلّه للكلب أو الفأرة.
وربّما تمحّل بعضهم لترويجها فأجاب عن الطعن من جهة الإسناد : بأنّ الجماعة الذين في طريقها من الفطحيّة ، مشهود لهم [ بالوثاقة ] ، فتقبل روايتهم إذا لم يكن لها معارض من الحديث السليم ، وجعل إيجاب نزح الجميع لما عدّد فيها على حصول التغيّر وهو كما ترى. مع أنّ ظاهر قوله فيها : « ثمّ يقام عليها » يخالف ما ذكروه ؛ لاقتضائه التراوح يومين ، ولم أر من تنبّه له ، وكلمة « ثمّ » موجودة في التهذيب (٣) ومحكيّة في متن الرواية في الكتب الفقهيّة إلّا المعتبر فإنّه خال منها على ما رأينا (٤).
وعلى كلّ حال فالتمسّك في هذا الحكم بمثل هذه الرواية في غاية الإشكال.
وقد اتّفق للشيخ في التهذيب الاحتجاج له بطريق آخر في نهاية الغرابة ،
__________________
(١) منتهى المطلب ١ : ٧٣.
(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٢ ، الحديث ٦٩٩.
(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٢٤٢ ، الحديث ٦٩٩.
(٤) المعتبر ١ : ٥٩.
وحكاه عنه المحقّق في المعتبر (١) والعلّامة في المنتهى (٢) وبيّنا ضعفه وهو غنيّ عن البيان ، فلا جرم كان الإضراب عن ذكره أولى. هذا.
وقد قال المحقّق في المعتبر : « إنّ رواية عمّار وإن ضعف سندها فإنّ الاعتبار يؤيّدها من وجهين :
أحدهما : عمل الأصحاب على رواية عمّار [ لوثاقته ] حتّى أنّ الشيخ ادّعى في العدّة إجماع الإماميّة على العمل بروايته ورواية أمثاله ممّن عدّدهم (٣).
الثاني : أنّه إذا وجب نزح الماء كلّه وتعذّر فالتعطيل غير جائز ، والاقتصار على نزح البعض تحكّم ، والنزح يوما يتحقّق معه زوال ما كان في البئر ، فيكون العمل به لازما » (٤).
واستقرب العلّامة في المنتهى الاعتبار الثاني (٥).
وأرى أنّ جميع ما يذكر هنا تكلّف. ومن أغربه كلام المحقّق في الاعتبار المتعلّق بالسند فقد حكينا عنه في المباحث الاصوليّة ، عند بيان شرائط العمل بخبر الواحد ، أنّه نقل عن الشيخ القول بجواز العمل بخبر الفطحيّة ومن ضارعهم محتجّا بعمل الطائفة ، وردّه بأنّا لم نعلم إلى الآن أنّ الطائفة عملت بأخبار هؤلاء (٦) ، فكيف يتشبّث هنا بعين ما ردّه هناك ويعترف بنفس ما أنكره؟
__________________
(١) المعتبر ١ : ٦٠.
(٢) منتهى المطلب ١ : ٧٣.
(٣) المعتبر ١ : ٥٩.
(٤) المعتبر ١ : ٦٠.
(٥) منتهى المطلب ١ : ٧٤.
(٦) معارج الاصول : ١٤٩ ، المعتبر ١ : ٦٠.
إذا تقرّر هذا فاعلم أنّ عباراتهم في تحديد زمن التراوح مختلفة.
ففي عبارة المفيد : من أوّل النهار إلى آخره (١) ، وتبعه جماعة منهم ابن زهرة (٢). وفي عبارة الصدوقين : من غدوة إلى الليل (٣). وفي نهاية الشيخ : من الغدوة إلى العشيّة (٤).
قال المحقّق بعد حكايته هذه العبارات : « ومعاني هذه الألفاظ متقاربة فيكون النزح من أوّل طلوع الفجر إلى غروب الشمس أحوط ؛ لأنّه يأتي على الأقوال » (٥).
وقال الشهيد في الذكرى بعد أن ذكر اختلاف العبارات في ذلك : « والظاهر أنّهم أرادوا به يوم الصوم فليكن من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ؛ لأنّه المفهوم من اليوم مع تحديده بالليل » (٦).
وما ذكره المحقّق من الأحوطيّة حسن.
وأمّا كلام الشهيد ففي موضع النظر ؛ لأنّ الحمل على يوم الصوم يقتضي عدم الاجتزاء باليوم الذي يفوت من أوّله جزء وإن قلّ. وعباراتهم لا تدلّ عليه ، بل ظاهرها ما هو أوسع من ذلك. ولفظ الرواية محتمل أيضا لصدق اسم اليوم وإن فات منه بعض الأجزاء إذا كانت قليلة.
__________________
(١) المقنعة : ٦٧.
(٢) غنية النزوع : ٤٩ ، الطبعة الحجرية للجوامع الفقهية.
(٣) من لا يحضره الفقيه ١ : ١٩.
(٤) النهاية ونكتها ١ : ٢٠٧.
(٥) المعتبر ١ : ٦٠.
(٦) ذكرى الشيعة : ١٠ ، الفرع السادس من العارض الثالث من باب الطهارة.
وبالجملة فهذا التدقيق اللازم من جملة « يوم صوم » مستبعد.
وقد تبعه على ذلك المتأخّرون فأوجبوا تفريعا على القول بالوجوب إدخال جزء من الليل أوّلا وآخر من باب مقدّمة الواجب.
وجعله في الذكرى أولى ؛ ليتحقّق حفظ النّهار (١). وربّما أوجب بعضهم تقديم التأهّب بتهيئة الآلات قبل الجزء المجعول مقدّمة. وهذه الفروع كلّها غير واضحة كالأصل.
وقد بقي في المسألة امور نبّهوا عليها ، والنصّ ـ بتقدير نهوضه بإثبات الحكم ـ يدلّ على أكثرها.
منها : اعتبار الانشغال بالنزح طول اليوم ، فينزح اثنان من الأربعة وقتا بأن يكون أحدهما فوق البئر يمتح بالدلو والآخر فيها يميح (٢) ، ثمّ يستريحان فيقوم الآخران مقامهما ، وهكذا.
واستثنى الشهيد زمان الصلاة جماعة ، والاجتماع في الأكل ؛ وعلّله باقتضاء العرف له (٣).
واقتصر بعض الأصحاب على الأوّل فارقا بينهما : بأنّ الثاني يمكن حصوله حال الراحة ؛ لأنّه من تتمّتها ، بخلاف الأوّل فإنّ الفضيلة الخاصّة للجماعة لا تحصل إلّا به. وربّما نفى بعضهم الاستثناء من أصله.
والأظهر استثناء الأمرين ، وإن كان التفصيل أحوط.
ومنها : اشتراط كون الأربعة رجالا ؛ لدلالة لفظ القوم عليه. وهو اختيار
__________________
(١) ذكرى الشيعة : ١٠ ، الفرع العاشر من العارض الثالث.
(٢) في « ب » : أحدهما فوق البئر يمنح بالدلو والآخر فيها يمنح.
(٣) ذكرى الشيعة : ١٠ ، الفرع الثالث من العارض الثالث.