أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]
المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٨٨
[٤٠]
مجلس يوم الجمعة
الثالث عشر من شهر رمضان سنة سبع وخمسين وأربع مائة
فيه أحاديث الغضائري.
بسم الله الرحمن الرحيم
١٤٩٨ / ١ ـ حدثنا الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي رحمهالله ، قال : أخبرنا الحسين بن عبيد الله ، عن أبي محمد هارون بن موسى ، قال : حدثني أبو علي محمد بن همام ، قال : حدثنا محمد بن علي بن الحسين الهمداني ، قال : حدثنا محمد بن خالد البرقي ، قال : حدثنا محمد بن سنان ، عن المفضل ابن عمر ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : إن الله ( تعالى ) لم يجعل للمؤمن أجلا في الموت ، يبقيه ما أحب البقاء ، فإذا علم منه أنه سيأتي بما فيه بوار دينه قبضه إليه مكرما.
قال أبو علي : فذكرت هذا الحديث لأحمد بن علي بن حمزة مولى الطالبيين ـ وكان راوية للحديث ـ فحدثني عن الحسين بن أسد الطفاوي ، عن محمد بن القاسم ، عن فضيل بن يسار ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : قال : من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالآجال ، ومن يعيش بالاحسان أكثر ممن يعيش بالاعمال.
١٤٩٩ / ٢ ـ وبهذا الاسناد ، عن أبي علي محمد بن همام ، قال : حدثني محمد ابن علي بن الحسين الهمداني ، قال : حدثني محمد بن خالد البرقي ، قال : حدثنا
محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهالسلام : أن أمير المؤمنين عليهالسلام كان ذات يوم جالسا بالرحبة ، والناس حوله مجتمعون ، فقام إليه رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنك بالمكان الذي أنزلك الله ( عزوجل ) به ، وأبوك يعذب بالنار؟
فقال له : مه ، فض الله فاك ، والذي بعث محمدا صلىاللهعليهوآله بالحق نبيا ، لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الأرض لشفعه الله فيهم ، أبي يعذب بالنار وابنه قسيم النار؟!
ثم قال : والذي بعث محمدا صلىاللهعليهوآله ، إن نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلق إلا خمسة أنوار. نور محمد صلىاللهعليهوآله ، ونوري ، ونور فاطمة ، ونور الحسن ، والحسين ومن ولده من الأئمة ، لان نوره من نورنا الذي خلقه الله ( تعالى ) من قبل أن يخلق آدم بألفي عام.
١٥٠٠ / ٣ ـ وعن موسى بن بكر ، عن العبد الصالح عليهالسلام ، قال : بكى أبو ذر من خشية الله ( تعالى ) حتى اشتكى بصره ، فقيل له : لو دعوت الله يشفي بصرك. فقال : إني عن ذلك مشغول ، وما هو بأكبر همي. قالوا : وما يشغلك عنه؟ قال : العظيمتان الجنة والنار.
١٥٠١ / ٤ ـ وعنه ، عن العبد الصالح عليهالسلام ، قال : سئل أبو ذر : ما مالك؟ قال : عملي. قيل له : إنما نسألك عن الذهب والفضة؟ فقال : ما أصبح فلا أمسى ، وما أمسى فلا أصبح ، لنا كندوج (١) نرفع فيه خير متاعنا ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : كندوج المؤمن قبره.
١٥٠٢ / ٥ ـ وعنه ، عن العبد الصالح عليهالسلام ، قال : قال أبو ذر رحمهالله : جزى الله الدنيا عني مذمة بعد رغيفي الشعير ، أتغدى بأحدهما ، وأتعشى بالآخر ، وبعد شملتي الصوف ، أتزر بإحداهما ، وأرتدي بالأخرى.
١٥٠٣ / ٦ ـ وعنه ، قال : خطب أمير المؤمنين عليهالسلام بالبصرة ، فقال : يا جند
__________________
(١) الكندوج : شبه مخزن توضع فيه الحنطة ونحوها ، ويطلق على الخزانة الصغيرة.
المرأة ، يا أصحاب البهيمة ، رغا فأجبتم ، وعقر فانهزمتم ، الله أمركم بجهادي أم على الله تفترون!
ثم قال : يا بصرة ، أي يوم لك لو تعلمين ، وأي قوم لك لو تعلمين؟ إن لك من الماء يوما عظيما بلاؤه. وذكر كلاما كثيرا.
١٥٠٤ / ٧ ـ كثير ، عن زيد بن علي ، عن أبيه عليهالسلام : أن الحسين بن علي عليهماالسلام أتى عمر بن الخطاب وهو على المنبر يوم الجمعة ، فقال له : انزل عن منبر أبي ، فبكى عمر ، ثم قال : صدقت يا بني ، منبر أبيك لا منبر أبي. فقال علي عليهالسلام : ما هو والله عن رأيي. قال : صدقت والله ما اتهمتك يا أبا الحسن. ثم نزل عن المنبر ، فأخذه فأجلسه إلى جانبه على المنبر ، فخطب الناس وهو جالس معه على المنبر ، ثم قال : أيها الناس ، سمعت نبيكم صلىاللهعليهوآله يقول : احفظوني في عترتي وذريتي ، فمن حفظني فيهم حفظه الله ، ألا لعنة الله على من آذاني فيهم! ثلاثا.
١٥٠٥ / ٨ ـ زيد بن علي ، عن أبيه عليهالسلام ، قال : قال علي عليهالسلام : لا يكن حبك كلفا ، ولا بغضك تلفا ، أحبب حبيبك هونا ما ، وابغض بغيضك هونا ما.
١٥٠٦ / ٩ ـ زيد بن علي ، عن أبيه عليهالسلام ، قال : سئل علي بن أبي طالب عليهالسلام. من أفصح الناس؟ قال : المجيب المسكت عند بديهة السؤال.
١٥٠٧ / ١٠ ـ زيد بن علي ، عن أبيه عليهالسلام ، قال : الورع نظام العبادة ، فإذا انقطع الورع ذهبت الديانة ، كما أنه إذا انقطع السلك اتبعه النظام (١).
١٥٠٨ / ١١ ـ وروى منيف ، عن جعفر بن محمد مولاه ، عن أبيه ، عن جده عليهمالسلام ، قال : قال علي عليهالسلام :
صبرت على مر الأمور كراهة |
|
وأبقيت في ذاك الصواب من الامر |
إذا كنت لا تدري ولم تك سائلا |
|
عن العلم من يدري جهلت ولا تدري |
__________________
(١) النظام. الخيط الذي ينظم في اللؤلؤ وغيره.
[٤١]
مجلس يوم الجمعة
السادس والعشرين من شوال سنة سبع وخمسين وأربع مائة
فيه أحاديث ابن الصلت الأهوازي.
بسم الله الرحمن الرحيم
١٥٠٩ / ١ ـ حدثنا الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي رضياللهعنه قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن الصلت الأهوازي ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن الحافظ ، قال : حدثني محمد بن عيسى بن هارون بن سلام الضرير أبو بكر ، قال : حدثنا محمد بن زكريا المكي ، قال : حدثني كثير ابن طارق ، قال : سمعت زيد بن علي مصلوب الظالمين يقول : حدثني أبي علي بن الحسين بن علي عليهمالسلام قال : خطب علي بن أبي طالب عليهالسلام بهذه الخطبة في يوم الجمعة ، فقال :
الحمد لله المتوحد بالقدم والأزلية ، الذي ليس له غاية في دوامه ، ولا له أولية ، أنشأ صنوف البرية ، لا من أصول كانت بدية ، وارتفع عن مشاركة الأنداد ، وتعالى عن اتخاذ صاحبة وأولاد ، هو الباقي بغير مدة ، والمنشئ لا بأعوان ، لا بآلة فطر ، ولا بجوارح صرف ما خلق ، لا يحتاج إلى محاولة التفكير ، ولا مزاولة مثال ولا تقدير ، أحدثهم على صنوف من التخطيط والتصوير ، لا بروية ولا ضمير ، سبق علمه في كل
الأمور ، ونفذت مشيئته في كل ما يريد في الأزمنة والدهور ، وانفرد بصنعة الأشياء فأتقنها بلطائف التدبير ، سبحانه من لطيف خبير ، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير.
١٥١٠ / ٢ ـ حدثنا الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي رحمهالله ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن الصلت الأهوازي ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن الحافظ ، قال : حدثني محمد بن عيسى بن هارون بن سلام الضرير أبو بكر ، قال : حدثنا محمد بن زكريا المكي ، قال : حدثني كثير بن طارق ، من ولد قنبر مولى علي بن أبي طالب عليهالسلام ، قال : حدثني زيد بن علي عليهالسلام في جارسوج (١) كندة بالكوفة : أن أباه حدثه عن أبيه عليهماالسلام ، عن ابن عباس ، قال : أعطى رسول الله صلىاللهعليهوآله عليا عليهالسلام خاتما فقال : يا علي ، خذ هذا الخاتم للنقاش ، لينقش عليه محمد بن عبد الله ، فأخذه أمير المؤمنين عليهالسلام فأعطاه النقاش ، وقال له : أنقش عليه محمد بن عبد الله ، فنقش النقاش ، وأخطأت يده ، فنقش عليه : محمد رسول الله ، فجاء أمير المؤمنين عليهالسلام فقال : ما فعل الخاتم؟ فقال : هو ذا ، فأخذه ونظر إلى نقشه ، فقال : ما أمرتك بهذا ، قال : صدقت ، ولكن يدي أخطأت ، فجاء به إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : يا رسول الله ، ما نقش النقاش ما أمرت به ، ذكر أن يده أخطأت ، فأخذه النبي عليهالسلام ونظر إليه ، فقال : يا علي ، أنا محمد بن عبد الله ، وأنا محمد رسول الله ، وتختم به ، فلما أصبح النبي صلىاللهعليهوآله نظر إلى خاتمه ، فإذا تحته منقوش : علي ولي الله ، فتعجب من ذلك النبي عليهالسلام فجاء جبرئيل ، فقال : يا جبرئيل ، كان كذا وكذا. فقال : يا محمد ، كتبت ما أردت ، وكتبنا ما أردنا.
__________________
(١) تقدم في الحديث : ٦٧ ، وعلى حاشية النسخة : الجارسوج ، معناه المربع.
[٤٢]
مجلس يوم الجمعة
الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة سبع وخمسين وأربع مائة
فيه أحاديث ابن شاذان القمي ، وابن الصلت الأهوازي.
بسم الله الرحمن الرحيم
١٥١١ / ١ ـ حدثنا الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي رضياللهعنه ، قال : أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن الحسن بن شاذان ، قال : حدثني أحمد بن محمد بن أيوب ، قال : حدثنا عمر بن الحسن القاضي ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثني أبو حبيبة ، قال : حدثني سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عائشة.
قال محمد بن أحمد بن شاذان : وحدثني سهل بن أحمد ، قال : حدثنا أحمد ابن عمر الربيعي ، قال : حدثنا زكريا بن يحيى ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن العباس بن عبد المطلب.
قال ابن شاذان : وحدثني إبراهيم بن علي ، باسناده عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهماالسلام ، عن آبائه عليهمالسلام ، قال : كان العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام ، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم أمير المؤمنين عليهالسلام ، وكانت حاملة بأمير
المؤمنين عليهالسلام لتسعة أشهر ، وكان يوم التمام ، قال : فوقفت بإزاء البيت الحرام ، وقد أخذها الطلق ، فرمت بطرفها نحو السماء ، وقالت : أي رب ، إني مؤمنة بك ، وبما جاء به من عندك الرسول ، وبكل نبي من أنبيائك ، وبكل كتاب أنزلته ، وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل ، وإنه بنى بيتك العتيق ، فأسألك بحق هذا البيت ومن بناء ، وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلمني ويؤنسني بحديثه ، وأنا موقنة أنه إحدى آياتك ودلائلك لما يسرت علي ولادتي.
قال العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب. لما تكلمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء ، رأينا البيت قد انفتح من ظهره ، ودخلت فاطمة فيه ، وغابت عن أبصارنا ، ثم عادت الفتحة والتزقت بأذن الله ( تعالى ) ، فرمنا أن نفتح الباب ليصل إليها بعض نسائنا ، فلم ينفتح الباب ، فعلمنا أن ذلك أمر من أمر الله ( تعالى ) ، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام. قال : وأهل مكة يتحدثون بذلك في أفواه السكك ، وتتحدث المخدرات في خدورهن.
قال : فلما كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه ، فخرجت فاطمة وعلي عليهالسلام على يديها ، ثم قالت : معاشر الناس ، إن الله ( عزوجل ) اختارني من خلقه ، وفضلني على المختارات ممن مضى قبلي ، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنها عبدت الله سرا في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطرارا ، ومريم بنت عمران حيث اختارها الله ، ويسر عليها ولادة عيسى ، فهزت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتى تساقط عليها رطبا جنيا ، وإن الله ( تعالى ) اختارني وفضلني عليهما ، وعلى كل من مضى قبلي من نساء العالمين ، لأني ولدت في بيته العتيق ، وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنة وأوراقها ، فلما أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال : يا فاطمة ، سميه عليا ، فأنا العلي الاعلى ، وإني خلقته من قدرتي ، وعز جلالي ، وقسط عدلي ، واشتققت اسمه من اسمي ، وأدبته بأدبي ، وفوضت إليه أمري ، ووقفته على غامض علمي ، وولد في بيتي ، وهو أول من يؤذن فوق بيتي ، ويكسر الأصنام ويرميها على وجهها ، ويعظمني ويمجدني ويهللني ، وهو الامام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمد رسولي ، ووصيه ،
فطوبى لمن أحبه ونصره ، والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقه.
قال : فلما رآه أبو طالب سره وقال علي عليهالسلام : السلام عليك يا أبه ، ورحمة الله وبركاته.
قال : ثم دخل رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلما دخل اهتز له أمير المؤمنين عليهالسلام وضحك في وجهه ، وقال : السلام عليك ، يا رسول الله ، ورحمة الله وبركاته.
قال : ثم تنحنح بإذن الله ( تعالى ) ، وقال : ( بسم الله الرحمن الرحيم * قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون ) إلى آخر الآيات. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : قد أفلحوا بك ، وقرأ تمام الآيات إلى قوله : ( أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) (١) فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أنت والله أميرهم ، تميرهم من علومك فيمتارون ، وأنت والله دليلهم وبك يهتدون.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لفاطمة : اذهبي إلى عمه حمزة فبشريه به. فقالت : فإذا خرجت أنا ، فمن يرويه؟ قال : أنا أرويه. فقالت فاطمة : أنت ترويه؟ قال : نعم ، فوضع رسول الله صلىاللهعليهوآله لسانه في فيه ، فانفجرت منه اثنتا عثرة عينا ، قال : فسمي ذلك اليوم يوم التروية ، فلما أن رجعت فاطمة بنت أسد رأت نورا قد ارتفع من علي عليهالسلام إلى عنان السماء.
قال : ثم شدته وقمطته بقماط فبتر القماط ، قال : فأخذت فاطمة قماطا جيدا فشدته به فبتر القماط ، ثم جعلته في قماطين فبترهما ، فجعلته ثلاثة فبترها ، فجعلته أربعة أقمطة من رق مصر لصلابته فبترها ، فجعلته خمسة أقمطة ديباج لصلابته فبترها كلها ، فجعلته ستة من ديباج وواحدا من الادم فتمطى فيها فقطعها كلها بإذن الله ، ثم قال بعد ذلك : يا أمه لا تشدي يدي ، فإني احتاج إلى أن أبصبص (٢) لربي بإصبعي. قال : فقال أبو طالب عند ذلك : إنه سيكون له شأن ونبأ.
قال : فلما كان من غد دخل رسول الله صلىاللهعليهوآله على فاطمة ، فلما بصر
__________________
(١) سورة المؤمنون ٢٣ : ١ ـ ١١.
(٢) بصبص في دعائه : رفع سبابته إلى السماء وحركها.
علي عليهالسلام برسول الله صلىاللهعليهوآله سلم عليه ، وضحك في وجهه ، وأشار إليه أن خذني إليك واسقني مما سقيتني بالأمس. قال : فأخذه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقالت فاطمة : عرفه ورب الكعبة. قال : فلكلام فاطمة ، سمي ذلك اليوم يوم عرفة ـ يعني أن أمير المؤمنين عليهالسلام عرف رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ فلما كان اليوم الثالث ، وكان العاشر من ذي الحجة ، أذن أبو طالب في الناس أذانا جامعا ، وقال : هلموا إلى وليمة ابني علي. قال : ونحر ثلاث مائة من الإبل وألف رأس من البقر والغنم ، واتخذ وليمة عظيمة ، وقال : معاشر الناس ، ألا من أراد من طعام علي ولدي فهلموا وطوفوا بالبيت سبعا ، وادخلوا وسلموا على ولدي علي فإن الله شرفه ، ولفعل أبي طالب شرف يوم النحر.
١٥١٢ / ٢ ـ وعنه ، قال. أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الصلت الأهوازي ، قال : أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة ، قال : حدثنا جعفر بن عبد الله العلوي ، قال : حدثنا عمي القاسم بن جعفر بن عبد الله بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب أبو محمد ، قال : حدثني عبد الله بن محمد بن عبد الله بن علي بن الحسين ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن جده : أن القوم حين اجتمعوا للشورى فقالوا فيها ، وناجى عبد الرحمن رجل منهم على حدة ، ثم قال لعلي عليهالسلام : عليك عهد الله وميثاقه ، لئن وليت لتعملن بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر. فقال علي عليهالسلام : علي عهد الله وميثاقه ، لئن وليت أمركم لاعملن بكتاب الله وسنة رسوله. فقال عبد الرحمن لعثمان كقوله لعلي عليهالسلام ، فأجابه أن نعم ، فرد عليهما القول ثلاثا كل ذلك يقول علي عليهالسلام كقوله ، ويجيبه عثمان : أن نعم ، فبايع عثمان عبد الرحمن عند ذلك.
١٥١٣ / ٣ ـ وباسناده ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد : أن الناس كلموا عثمان في أمر عبيد الله بن عمر وقتله الهرمزان ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، قد أكثرتم في أمر عبيد الله بن عمرو الهرمزان ، وإنما قتله عبيد الله تهمة بدم أبيه ، وإن أولى الناس بدم الهرمزان الله ثم
الخليفة ، ألا وإني قد وهبت دمه لعبيد الله ، فقام المقداد بن الأسود ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما كان لله كان الله أملك به منك ، وليس لك أن تهب ما الله أملك به منك. فقال : ننظر وتنظرون ، فبلغ قول عثمان عليا عليهالسلام فقال : والله لئن ملكت لأقتلن عبيد الله بالهرمزان ، فبلغ ذلك عبيد الله ، فقال : والله لئن ملك لفعل.
١٥١٤ / ٤ ـ وباسناده ، عن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري ، قال : لما قدم أبو ذر على عثمان ، قال : أخبرني أي البلاد أحب إليك؟ قال : مهاجري. فقال : لست بمجاوري. قال : فألحق بحرم الله ، فأكون فيه. قال لا : قال : فالكوفة أرض بها أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله. قال : لا. قال : فلست بمختار غيرهن ، فأمره بالمسير إلى الربذة ، فقال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال لي اسمع وأطع ، وانفذ حيث قادوك ، ولو لعبد حبشي مجدع.
فخرج إلى الربذة ، وأقام مدة ، ثم أتى إلى المدينة ، فدخل على عثمان والناس عنده سماطين ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنك أخرجتني من أرضي إلى أرض ليس بها زرع ولا ضرع إلا شويهات ، وليس لي خادم إلا محررة ، ولا ظل يظلني إلا ظل شجرة ، فاعطني خادما وغنيمات أعش فيها ، فحول وجهه عنه ، فتحول عنه إلى السماط الآخر فقال مثل ذلك ، فقال له حبيب بن سلمة : لك عندي يا أبا ذر ألف درهم وخادم وخمس مائة شاة. قال أبو ذر : أعط خادمك وألفك وشويهاتك من هو أحوج إلى ذلك مني ، فإني إنما أسال حقي في كتاب الله.
فجاء علي عليهالسلام فقال له عثمان : ألا تغني عنا سفيهك هذا. قال : أي سفيه؟ قال : أبو ذر. قال علي عليهالسلام : ليس بسفيه ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : ما أظلت الخضراء ، ولا أقلت الغبراء ، أصدق لهجة من أبي ذر ، أنزله بمنزلة مؤمن آل فرعون ، إن يك كاذبا فعليه كذبه ، وان يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم. قال عثمان : التراب في فيك. قال علي عليهالسلام : بل التراب في فيك ، أنشد بالله من سمع رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول ذلك لأبي ذر ، فقام أبو هريرة وعشرة فشهدوا بذلك ، فولي علي عليهالسلام.
١٥١٥ / ٥ ـ قال ابن عباس : كنت عند أبي على العشاء بعد المغرب إذ جاء
الخادم ، فقال : هذا أمير المؤمنين بالباب ، فدخل عثمان فجلس ، فقال له العباس : تعش. قال : تعشيت ، فوضع يده ، فلما فرغنا من العشاء قام من كان عنده وجلست وتكلم عثمان ، فقال : يا خال ، أشكو إليك ابن أخيك ـ يعني عليا عليهالسلام ـ فإنه أكثر في شتمي ، ونطق في عرضي ، وأنا أعوذ بالله من ظلمكم بني عبد المطلب ، إن يكن هذا الامر لكم فقد سلمتموه إلى من هو أبعد مني ، وإن لا يكن لكم فحقي أخذت.
فتكلم العباس ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على النبي صلىاللهعليهوآله ، وذكر ما خص الله به قريشا منه ، وما خص به بني عبد المطلب خاصة ، ثم قال : أما بعد ، فما حمدتك لابن أخي ، ولا حمدت ابن أخي فيك ، وما هو وحده ، ولقد نطق غيره ، فلو أنك هبطت مما صعدت ، وصعدوا مما هبطوا لكان ذلك أقرب.
فقال : أنت وذلك يا خال. قال : فلم تكلم بذلك عنك؟ قال : نعم أعطهم عني ما شئت ، وقام عثمان فخرج ، فلم يلبث أن رجع إليه فسلم وهو قائم ، ثم قال : يا خال ، لا تعجل بشئ حتى أعود إليك ، فرفع العباس يديه واستقبل القبلة ، فقال : اللهم استبق بي ما لا خير لي في إدراكه ، فما مضت الجمعة حتى مات.
١٥١٦ / ٦ ـ وباسناده ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد ، عن أبي بكر بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر ، عن عبد الله بن عمر : أنه نزل على خالد بن أسيد بمكة ، فقال له : لو أتيت ابن عمك فوصلك ، فأتى عثمان فكتب له إلى عبد الله بن عامر : أن صله بست مائة ألف ، فنزل به من قابل فسأله ، فقال له : قد بارك الله لي في مشورتك ، فأتيته فأمر لي بست مائة ألف ، فقال له ابن عمر : ستين ألفا! قال : مائة ألف ومائة ألف ومائة ألف ، ست مرات ، فقال له ابن عمر : اسكت فما أسود (١) عثمان! وبايعه أهل مصر ، فكتب أهل مصر إلى عثمان ، وذكر الكتاب بطوله.
__________________
(١) أي ما أكثر ماله ، والسواد : المال الكثير.
[٤٣]
مجلس يوم الجمعة
الثالث والعشرين من ذي الحجة سنة سبع وخمسين وأربع مائة
فيه بقية أحاديث ابن الصلت الأهوازي.
بسم الله الرحمن الرحيم
١٥١٧ / ١ ـ حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي رضياللهعنه ، قال : بالاسناد الأول عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري ، قال : لما نزل المصريون بعثمان بن عفان في مرتهم الثانية ، دعا مروان بن الحكم فاستشاره ، فقال له : إن القوم ليس هم لاحد أطوع منهم لعلي بن أبي طالب ، وهو أطوع الناس في الناس ، فابعثه إليهم فليعطهم الرضا ، وليأخذ لك عليهم الطاعة ، ويحذرهم الفتنة ، فكتب عثمان إلى علي بن أبي طالب عليهالسلام : « سلام عليكم ، أما بعد ، فإنه قد جاز السيل الزبا ، وبلغ الحزام الطبيين (١) ، وارتفع أمر الناس بي فوق قدره ، وطمع في من كان يعجز عن نفسه ، فاقبل علي أولى ، وتمثل :
فإن كنت مأكولا فكن خير آكل |
|
وإلا فأدركني ولما أمزق |
__________________
(١) أي اشتد الامر وتفاقم.
والسلام ».
فجاءه علي عليهالسلام ، فقال : يا أبا الحسن ، ائت هؤلاء القوم ، فادعهم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآله. فقال : نعم ، إن أعطيتني عهد الله وميثاقه على أن تفي لهم بكل شئ أعطيته عنك لهم. فقال : نعم. فأخذ عليه عهدا غليظا ومشى إلى القوم ، فلما دنا منهم ، قالوا : وراءك (١). قال : لا. قالوا : وراءك. قال : لا. فجاء بعضهم ليدفع في صدره حين قال ذلك ، فقال القوم بعضهم لبعض : سبحان الله ، أتاكم ابن عم رسول الله صلىاللهعليهوآله يعرض كتاب الله! اسمعوا منه واقبلوا. قالوا : تضمن لنا كذلك.قال : نعم.
فاقبل معه أشرافهم ووجوههم حتى دخلوا على عثمان فعاتبوه ، فأجابهم إلى ما أحبوا ، فقالوا : اكتب لنا على هذا كتاب ، وليضمن علي عنك ما في الكتاب. قال : اكتبوا أنى شئتم ، فكتبوا بينهم « بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما كتب عبد الله عثمان بن عفان أمير المؤمنين لمن نقم عليه من المؤمنين والمسلمين أن لكم علي أن أعمل بكتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآله ، وأن المحروم يعطى ، وأن الخائف يؤمن ، وأن المنفي يرد ، وأن المبعوث لا يجمر (٢) ، وأن الفئ لا يكون دولة بين الأغنياء ، وعلي بن أبي طالب ضامن للمؤمنين والمسلمين على عثمان الوفاء لهم على ما في هذا الكتاب. شهد الزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعد بن مالك ، وعبد الله بن عمر ، وأبو أيوب بن زيد. وكتب في ذي القعدة سنة خمس وعشرين ».
فأخذوا الكتاب ثم انصرفوا ، فلما نزلوا أيلة إذا هم براكب فأخذوه ، فقالوا : من أنت؟ قال : أنا رسول عثمان إلى عبد الله بن سعد. قال بعضهم لبعض : لو فتشناه لئلا يكون قد كتب فينا؟ ففتشوه فلم يجدوا معه شيئا ، فقال كنانة بن بشر التجيبي : انظروا
__________________
(١) وراءك : اسم فعل بمعنى ارجع أو تأخر.
(٢) جمر الجيش : حبسهم في أرض العدو ولم يقفلهم من الثغر ، وفي الحديث : « لا تجمروا الجيش فتفتنوهم ».
إلى إدواته (١) ، فإن للناس حيلا ، فإذا قارورة مختومة بموم (٢) ، فإذا فيها كتاب إلى عبد الله بن سعد : إذا جاءك كتابي هذا ، فاقطع أيدي الثلاثة مع أرجلهم.
فلما قرؤوا الكتاب رجعوا حتى أتوا عليا عليهالسلام ، فأتاه فدخل عليه ، فقال : استعتبك القوم فأعتبتهم ، ثم كتبت كتابك هذا ، نعرفه الخط الخط والخاتم الخاتم؟! فخرج علي عليهالسلام مغضبا وأقبل الناس عليه ، فخرج سعد من المدينة فلقيه رجل ، فقال : يا أبا إسحاق ، أين تريد؟ قال : إني قد فررت بديني من مكة إلى المدينة ، وأنا اليوم أهرب بديني من المدينة إلى مكة.
وقال الحسن بن علي عليهماالسلام لعلي عليهالسلام حين أحاط الناس بعثمان : اخرج من المدينة واعتزل ، فإن الناس لا بد لهم منك ، وإن هم ليأتونك ولو كنت بصنعاء اليمن ، وأخاف أن يقتل هذا الرجل وأنت حاضره. فقال : يا بني ، أخرج عن دار هجرتي ، وما أظن أحدا يجترئ على هذا القول كله.
وقام كنانة بن بشر ، فقال : يا عبد الله ، أقم لنا كتاب الله ، فإنا لا نرضى بالقول دون الفعل ، قد كتبت وأشهدت لنا شهودا ، وأعطيتنا عهد الله وميثاقه. فقال : ما كتبت بينكم كتابا ، فقام إليه المغيرة بن الأخنس ، فضرب بكتابه وجهه ، وخرج إليهم عثمان ليكلمهم ، فصعد المنبر ، فرفعت عائشة قميص رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ونادت « أيها الناس ، هذا قميص رسول الله لم يبل ، وقد غيرت سنته! » فنهض الناس ، وكثر اللغط ، وحصبوا عثمان حتى نزل من المنبر فدخل بيته ، فكتب نسخة واحدة إلى معاوية وعبد الله بن عامر : « أما بعد ، فإن أهل السفه والبغي والعدوان من أهل العراق ومصر والمدينة أحاطوا بداري ، ولن يرضيهم مني دون خلعي أو قتلي ، وأنا ملاق الله قبل أن أتابعهم على شئ من ذلك ، فأعينوني ».
فلما بلغ كتابه ابن عامر قام وقال : أيها الناس ، إن أمير المؤمنين عثمان ذكر أن
__________________
(١) الإدواة : إناء صغير من جلد.
(٢) الموم : الشمع ، معرب.
شرذمة من أهل مصر والعراق نزلوا بساحته ، فدعاهم إلى الحق فلم يجيبوا ، فكتب إلي أن أبعث إليه منكم ذوي الرأي والدين والصلاح ، لعل الله أن يدفع عنه ظلم الظالمين وعدوان المعتدين. فلم يجيبوه إلى الخروج ، ثم إنه نزل.
فقدموا من كل فج حتى حضروا المدينة ، وقيل لعلي عليهالسلام : إن عثمان قد منع الماء ، فأمر بالروايا فعكمت (١) ، وجاء للناس علي عليهالسلام فصاح بهم صيحة فانفرجوا ، فدخلت الروايا ، فلما رأى علي عليهالسلام اجتماع الناس ووجوههم ، دخل على طلحة بن عبيد الله وهو متكئ على وسائد ، فقال : إن هذا الرجل مقتول فامنعوه. فقال : أما والله دون أن تعطي بنو أمية الحق من أنفسها.
١٥١٨ / ٢ ـ وباسناده ، عن عبد الله بن أبي بكر ، قال. حدثني أبو جعفر محمد ابن علي عليهماالسلام ، قال : حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري ، قال : سماني رسول الله صلىاللهعليهوآله عبد الرحمن. قال : لما بلغ عليا عليهالسلام مسير طلحة والزبير خطب الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على النبي صلىاللهعليهوآله ثم قال :
أما بعد ، فقد بلغني مسير هذين الرجلين ، واستخفافهما حبيس رسول الله صلىاللهعليهوآله ، واستفزازهما أبناء الطلقاء ، وتلبيسهما على الناس بدم عثمان ، وهما ألبا عليه ، وفعلا به الأفاعيل ، وخرجا ليضربا الناس بعضهم ببعض ، اللهم فاكف المسلمين مؤنتهما ، واجزهما الجوازي ، وحض الناس على الخروج في طلبهما ، فقام إليه أبو مسعود عقبة بن عمرو ، وقال : يا أمير المؤمنين ، إن الذي يفوتك من الصلاة في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ومجلسك فيما بين قبره ومنبره ، أعظم مما ترجو من الشام والعراق ، فإن كنت إنما تسير لحرب فقد أقام عمر وكفاه سعد زحف القادسية ، وكفاه حذيفة بن اليمان زحف نهاوند ، وكفاه أبو موسى زحف تستر ، وكفاه خالد بن الوليد زحف الشام ، فإن كنت سائرا فخلف عندنا شقة منك نرعاه فيك ونذكرك به.
ثم قال أبو مسعود :
__________________
(١) عكم الشئ : شده.
بكت الأرض والسماء على الشاخص |
|
منا يريد أهل العراق |
يا وزير النبي قد عظم الخطب |
|
وطعم الفراق مر المذاق |
وإذا القوم خاصموك فقوم |
|
ناكسو الطرف خاضعو الأعناق |
لا يقولون إذ تقول وإن |
|
قلت فقول المبرز السباق |
فعيون الحجاز تذرف بالدمع |
|
وتلك القلوب عند التراقي |
فعليك السلام ما ذرت الشمس |
|
ولاح السراب بالرقراق |
فقال قيس بن سعد : يا أمير المؤمنين ، ما على الأرض أحد أحب إلينا أن يقيم فينا منك ، لأنك نجمنا الذي نهتدي به ، ومفزعنا الذي نصير إليه ، وإن فقدناك لتظلمن أرضنا وسماؤنا ، ولكن والله لو خليت معاوية للمكر ، ليرومن مصر ، وليفسدن اليمن ، وليطمعن في العراق ، ومعه قوم يمانيون قد أشربوا قتل عثمان ، وقد اكتفوا بالظن عن العلم ، وبالشك عن اليقين ، وبالهوى عن الخير ، فسر بأهل الحجاز وأهل العراق ، ثم ارمه بأمر يضيق فيه خناقه ، ويقصر له من نفسه. فقال : أحسنت والله يا قيس ، وأجملت.
وكتبت أم الفضل بنت الحارث إلى علي عليهالسلام تخبره بمسير عائشة وطلحة والزبير ، فأزمع المسير ، فبلغه تثاقل سعد وأسامة بن زيد ومحمد بن مسلمة ، فقال سعد : لا أشهر سيفا حتى يعرف المؤمن من الكافر ، وقال أسامة : لا أقاتل رجلا يقول : لا إله إلا الله ، ولو كنت في فم الأسد لدخلت فيه معك ، وقال محمد بن مسلمة : أعطاني رسول الله صلىاللهعليهوآله سيفا ، وقال : إذا اختلف المسلمون فاضرب به عرض أحد ، والزم بيتك ، وتخلف عنه عبد الله بن عمر.
فقال عمار بن ياسر : دع القوم ، أما عبد الله فضعيف ، وأما سعد فحسود ، وأما محمد بن مسلمة فذنبك إليه أنك قتلت قاتل أخيه مرحبا.
ثم قال عمار لمحمد بن مسلمة : أما تقاتل المحاربين؟ فوالله لو مال علي جانبا لملت مع علي.
وقال كعب بن مالك : يا أمير المؤمنين ، إنه بلغك عنا معشر الأنصار ، ما لو كان
غيرنا لم يقم معك ، والله ما كل ما رأينا حلالا حلال ، ولا كل ما رأينا حراما حرام ، وفي الناس من هو أعلم بعذر عثمان ممن قتله ، وأنت أعلم بحالنا منا ، فإن كان قتل ظالما قبلنا ، وإن كان قتل مظلوما فاقبل قولنا ، فإن وكلتنا فيه إلى شبهة فعجب ليقيننا وشكك ، وقد قلت لنا : عندي نقض ما اجتمعوا عليه ، وفصل ما اختلفوا فيه. وقال :
كان أولى أهل المدينة بالنص |
|
ر عليا وآل عبد مناف |
للذي في يديه من حرم الله |
|
وقرب الولاء بعد التصافي |
وكان كعب بن مالك شيعة لعثمان.
وقام الأشتر إلى علي عليهالسلام ، فكلمه بكلام بحضه على أهل الوقوف ، فكره ذلك علي عليهالسلام حتى شكاه ، وكان من رأي علي عليهالسلام ألا يذكرهم بشئ.
فقال الأشتر : يا أمير المؤمنين ، إنا وإن لم نكن من المهاجرين والأنصار ، فإنا فيهم ، وهذه بيعة عامة ، والخارج منها عاص ، والمبطئ عنها مقصر ، فإن أدبهم اليوم باللسان وغدا بالسيف ، وما من ثقل عنك كمن خف معك ، وإنما أرادك القوم لأنفسهم فأردهم لنفسك. فقال علي عليهالسلام : يا مالك دعني. وأقبل علي عليهالسلام عليهم ، فقال : أرأيتم لو أن من بايع أبا بكر أو عمر أو عثمان ثم نكث بيعته ، أكنتم تستحلون قتالهم؟ قالوا : نعم. قال : فكيف تحرجون من القتال معي وقد بايعتموني؟ قالوا : إنا لا نزعم أنك مخطئ ، وأنه لا يحل لك قتال من بايعك ثم نكث بيعتك ، ولكن نشك في قتال أهل الصلاة. فقال الأشتر : دعني يا أمير المؤمنين ، أوقع بهؤلاء الذين يتخلفون عنك. فقال له علي عليهالسلام : كف عني ، فانصرف الأشتر وهو مغضب.
ثم إن قيس بن سعد لقي مالكا الأشتر في نفر من المهاجرين والأنصار ، فقال قيس للأشتر : يا مالك ، كلما ضاق صدرك بشئ أخرجته ، وكلما استبطأت أمرا استعجلته ، إن أدب الصبر التسليم ، وأدب العجلة الأناة ، وإن شر القول ما ضاهى العيب ، وشر الرأي ما ضاهى التهمة ، وإذا ابتليت فاسأل ، وإذا أمرت فأطع ، ولا تسأل قبل البلاء ، ولا تكلف قبل أن ينزل الامر ، فإن في أنفسنا ما في نفسك ، فلا تشق على صاحبك؟ فغضب الأشتر ، ثم إن الأنصار مشوا إلى الأشتر في ذلك فرضوه عن غضبه
فرضي.
فلما هم علي عليهالسلام بالنهوض ، قام إليه أبو أيوب خالد بن زيد صاحب منزل رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : يا أمير المؤمنين ، لو أقمت بهذه البلدة ، فإنها مهاجر رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وبها قبره ومنبره ، فإن استقامت لك العرب كنت كمن كان قبلك ، وإن وكلت إلى المسير فقد أعذرت. فأجابه علي عليهالسلام بعذره في المسير.
ثم خرج لما سمع توجه طلحة والزبير إلى البصرة وتمكث حتى عظم جيشه ، وأغذ (١) السير في طلبهم ، فجعلوا لا يرتحلون من منزل إلا نزله حتى نزل بذي قار ، فقال : والله إنه ليحزنني أن أدخل على هؤلاء في قلة من معي ، فأرسل إلى الكوفة الحسن بن علي عليهماالسلام وعمار بن ياسر وقيس بن سعد ، وكتب إليهم كتابا ، فقدموا الكوفة ، فخطب الناس الحسن بن علي عليهماالسلام ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر عليا عليهالسلام وسابقته في الاسلام ، وبيعة الناس له ، وخلاف من خالفه ، ثم أمر بكتاب علي عليهالسلام فقرئ عليهم.
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد ، فإني أخبركم عن أمر عثمان حتى يكون سمعه عيانه ، إن الناس طعنوا عليه ، وكنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه ، وأقل عيبه ، وكان هذان الرجلان أهون سيرهما فيه الوجيف ، وقد كان من أمر عائشة فلتة على غضب ، فأتيح له قوم فقتلوه ، ثم إن الناس بايعوني غير مستكرهين ، وكان هذان الرجلان أول من فعل على ما بويع عليه من كان قبلي ، ثم إنهما استأذناني في العمرة ، وليسا يريدانها ، فنقضا العهد ، وآذنا بحرب ، وأخرجا عائشة من بيتها ، ليتخذانها فئة ، وقد سارا إلى البصرة اختيارا لها ، وقد سرت إليكم اختيارا لكم ، ولعمري ما إياي تجيبون ، ما تجيبون إلا الله ورسوله ، ولن أقاتلهم وفي نفسي منهم حاجة ، وقد بعثت إليكم بالحسن بن علي وعمار بن ياسر وقيس بن سعد مستنفرين فكونوا عند ظني بكم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ).
__________________
(١) أي أسرع.
فلما قرئ الكتاب على الناس قام خطباء الكوفة ، شريح بن هاني وغيره ، فقالوا : والله لقد أردنا أن نركب إلى المدينة حتى نعلم علم عثمان ، فقد أنبأنا الله به في بيوتنا ، ثم بذلوا السمع والطاعة ، وقالوا : رضينا بأمير المؤمنين ، ونطيع أمره ، ولا نتخلف عن دعوته ، والله لو لم يستنصرنا لنصرناه سمعا وطاعة.
فلما سمع الحسن بن علي عليهماالسلام ذلك قام خطيبا فقال : أيها الناس ، إنه قد كان من أمير المؤمنين علي ما تكفيكم جملته ، وقد أتيناكم مستنفرين لكم ، لأنكم جبهة الأمصار ، ورؤساء العرب ، وقد كان من نقض طلحة والزبير بيعتهما وخروجهما بعائشة ما قد بلغكم ، وهو ضعف النساء ، وضعف رأيهن ، وقد قال الله ( تعالى ) : ( الرجال قوامون على النساء ) (١) وأيم الله لو لم ينصره أحد لرجوت أن يكون له فيمن أقبل معه من المهاجرين والأنصار ، ومن يبعث الله له من نجباء الناس كفاية ، فانصروا الله ينصركم. ثم جلس.
وقام عمار بن ياسر ، فقال. يا أهل الكوفة ، إن كانت غابت عنكم أبداننا فقد انتهت إليكم أمورنا ، إن قاتلي عثمان لا يعتذرون إلى الناس ، وقد جعلوا كتاب الله بينهم وبين محاجيهم ، ( فبه ) أحيا الله من أحيا ، وقتل من قتل ، وإن طلحة والزبير أول من طعن ، وآخر من أمر ، ثم بايعا أول من بايع ، فلما أخطأهما ما أملا نكثا بيعتهما على غير حدث كان ، وهذا ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله يستنفركم ، وقد أظلكم في المهاجرين والأنصار ، فانصروه ينصركم الله.
وقام قيس بن سعد ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، إن هذا الامر لو استقبلنا به الشورى لكان علي أحق الناس به في سابقته وهجرته وعلمه ، وكان قتال من أبى ذلك حلالا ، فكيف والحجة قامت على طلحة والزبير ، وقد بايعاه وخلعاه حسدا؟!
فقام خطباؤهم فأسرع الرد بالإجابة ، فقال النجاشي في ذلك :
__________________
(١) سورة النساء ٤ : ٣٤.
رضينا بقسم الله إذ كان قسمنا |
|
علي وأبناء النبي محمد |
وقلنا له أهلا وسهلا ومرحبا |
|
نمد يدينا من هوى وتودد |
فمرنا بما ترضى نجبك إلى الرضا |
|
بصم العوالي والصفيح المهند |
وتسويد من سودت غير مدافع |
|
وإن كان من سودت غير مسود |
فإن نلت ما تهوى فذاك نريده |
|
وإن تخط ما تهوى فغير تعمد |
وقال قيس بن سعد حين أجاب أهل الكوفة :
جزى الله أهل الكوفة اليوم نصرة |
|
أجابوا ولم يأتوا بخذلان من خذل |
وقالوا علي خير حاف وناعل |
|
رضينا به من ناقض العهد من بدل |
هما أبرزا زوج النبي تعمدا |
|
يسوق بها الحادي المنيخ على جمل |
فما هكذا كانت وصاة نبيكم |
|
وما هكذا الانصاف أعظم بذا المثل |
فهل بعد هذا من مقال لقائل |
|
ألا قبح الله الأماني والعلل |
قال : فلنا فرغ الخطباء وأجاب الناس ، قام أبو موسى فخطب الناس ، وأمرهم بوضع السلاح والكف عن القتال ، ثم قال : أما بعد ، فإن الله حرم علينا دماءنا وأموالنا ، فقال : ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) (١) وقال : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ) (٢) يا أهل الكوفة.
١٥١٩ / ٣ ـ ( وباسناده ، عن عبد الله بن أبي بكر ، قال. قمت إلى ) متوضأ لي ، فسمعت جارية لجار لي تغني وتضرب ، فبقيت ساعة أسمع ، قال : ثم خرجت ، فلما أن كان الليل دخلت على أبي عبد الله عليهالسلام ، فحين استقبلني قال : الغناء اجتنبوا ، الغناء اجتنبوا ، الغناء اجتنبوا ، اجتنبوا قول الزور. قال : فما زال يقول : الغناء اجتنبوا ، الغناء اجتنبوا ، قال : فضاق بي المجلس ، وعلمت أنه يعنيني ، فلما أن خرجت قلت
__________________
(١) سورة النساء ٤ : ٢٩.
(٢) سورة النساء ٤ : ٩٣.