التوجه الى الله بأهل البيت عليهمالسلام والتوجه اليهم
معنى قول الإمام عليهالسلام : فإذا أردتم التوجه بنا إلى الله تعالى ، والينا ، فقولوا ..
أنكم إذا أردتم التوسل بنا الى الله تعالى ، فأثنوا عليه ، ثم اذكروا مقامنا عنده ، وتوسلوا بنا اليه عز وجل.
قال الإمام الباقر عليهالسلام : « إذا أردت أمراً تسأله ربك ، فتوضأ وأحسن الوضوء ثم صل ركعتين ، وعظم الله وصل على النبي صلىاللهعليهوآله وقل بعد التسليم : اللهم إني أسألك بأنك مَلِكٌ وأنك على كل شئ قدير مقتدر ، وبأنك ما تشاء من أمرٍ يكون.
اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يامحمد يا رسول الله إني أتوجه بك إلى الله ربك وربي لينجح لي طلبتي. اللهم بنبيك أنجح لي طلبتي بمحمد. ثم سل حاجتك ». « الكافي : ٣ / ٤٧٨ ».
وفي التهذيب « ٦ / ١٠١ » : « اللهم إني لو وجدت شفعاء أقرب إليك من محمد وأهل بيته الأخيار الأئمة الأبرار ، لجعلتهم شفعائي ، فبحقهم الذي أوجبت لهم عليك أسألك أن تدخلني في جملة العارفين بهم ».
أما التوجه الى الأئمة عليهمالسلام في الدعاء ، فهو أعلى من التوجه بهم ، لأن التوجه بهم يعني أنهم وسيلة الى الله ولا يركز على شخصياتهم ، بينما التوجه اليهم يعني أنهم مركز نور الله تعالى وتجلي أسمائه ، كما قال عز وجل : مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاة .. فيكون التوجه اليهم في طريق التوجه الى الله تعالى ومدخلاً اليه ، لا أنه بدل التوجه اليه ، كما يزعم النواصب!
ويؤيد ذلك الأحاديث الصحيحة في أن النبي صلىاللهعليهوآله والأئمة عليهمالسلام هم وجه الله الذي منه يؤتى ، فيكون التوجه اليهم توجهاً الى الله تعالى.
ففي الكافي « ١ / ١٤٣ » أن الإمام الصادق عليهالسلام : « سُئل عن قول الله تبارك وتعالى : كُلُّ شَئٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَه ، فقال : ما يقولون فيه؟ قلت : يقولون : يهلك كل شئ إلا وجه الله! فقال : سبحان الله لقد قالوا قولاً عظيماً! إنما عني بذلك وجه الله الذي يؤتى منه ».
وفي زيارة أمير المؤمنين عليهالسلام : « أشهد لك يا ولي الله وولي رسوله بالبلاغ والأداء ، وأشهد أنك جنب الله ، وأنك باب الله ، وأنك وجه الله الذي منه يؤتى ، وأنك سبيل الله ، وأنك عبد الله وأخو رسوله ». « كامل الزيارات / ١٠٠ ».
هذا ، وقد اعتمدنا في الشرح نص الإحتجاج ، لأنه مختصرٌ وكافٍ لغرضنا.
الفصل الثاني :
من مقامات الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) عند الله تعالى
« ١ » سلامٌ على آل ياسين
قال تعالى : وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ. أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ. اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ. فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ. وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ. سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ. إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ. « الصافات١٢٣ ـ ١٣٢ ».
الموجود في القرآن : سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ. بكسر الهمزة ، وهو قراءة الأكثر. وقرأ أهل المدينة وأهل البيت عليهمالسلام وغيرهم : آل ياسين. فيكون المعنى على الكسر : سلام على إلياس ، وعُبِّرَ عنه بإلياسين. وعلى الفتح : سلامٌ على آل محمد صلىاللهعليهوآله ، لأن ياسين هو محمد صلىاللهعليهوآله.
قال العيني في عمدة القاري « ١٥ / ٢٢٣ » : « قرأ ابن عامر ونافع ويعقوب : آل ياسين ، بالمد. والباقون إلياسين بالقطع والقطر. فمن قرأ آل ياسين بالمد فإنه أراد آل محمد صلىاللهعليهوآله. وقيل أراد إلياس ، وهو أليق بسياق الآية.
ومن قرأ إلياسين فقد قيل إنها لغة في إلياس ، مثل إسماعيل وإسماعين وميكائيل وميكائين. وقال الزمخشري : قرئ على إلياسين وإدريسين وإدراسين ، على أنها لغات في إلياس وإدريس ».
قال الطبري في تفسيره « ٢٣ / ١١٥ » : « وقرأ ذلك عامة قراء المدينة : سلام على آل ياسين ، بقطع آل من ياسين ، فكان بعضهم يتأول ذلك بمعنى : سلام على آل محمد ».
وقال ابن حجر في فتح الباري « ٦ / ٢٦٥ » : « وإلياس بهمزة قطع ، وهو إسم عبراني. وأما قوله تعالى سلامٌ على إلياسين ، فقرأه الأكثر بصورة الإسم المذكور وزيادة ياء ونون في آخره ، وقرأ أهل المدينة آل ياسين بفصل آل من ياسين ، وكان بعضهم يتأول أن المراد سلامٌ على آل محمد وهو بعيد ، ويؤيد الأول أن الله تعالى إنما أخبر في كل موضع ذكر فيه نبياً من الأنبياء في هذه السورة بأن السلام عليه ، فكذلك السلام في
هذا الموضع على الياس المُبدأ بذكره ، وإنما زيدت فيه الياء والنون كما قالوا في إدريس إدراسين. والله أعلم ».
وقال في فتح القدير « ٤ / ٤٠٩ » : « قال الكلبي : المراد بآل ياسين آل محمد.قال الواحدي : وهذا بعيد لأن ما بعده من الكلام وما قبله لا يدل عليه ».
وروى الطبراني في المعجم الكبير « ١١ / ٥٦ » عن ابن عباس قال عن إل ياسين : « نحن آل محمد ». وضعفه الهيثمي في مجمع الزوائد « ٩ / ١٧٤ » بموسى بن عمير ، واتهمه بالكذب. لكن رواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل « ٢ / ١٦٥ » بطرق أخرى صحيحة عن ابن عباس وعن الصادق عليهالسلام ليس فيها موسى بن عمير. ورواه عن علي عليهالسلام قال : رسول الله ياسين ، ونحن آله.
وروته مصادرنا ، ففي أمالي الصدوق / ٥٥٨ ، عن علي عليهالسلام وابن عباس. وفي أمالي الصدوق / ٦٢٢ : قال الإمام الرضا عليهالسلام للعلماء عند المأمون : « أخبروني عن قول الله عز وجل : يس. وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. فمن عنى بقوله : يس؟
قالت العلماء : يس محمد صلىاللهعليهوآله لم يشك فيه أحد.
قال أبو الحسن عليهالسلام فإن الله أعطى محمداً وآل محمد صلىاللهعليهوآله من ذلك فضلاً لايبلغ أحد كنه وصفه إلا من عقله ، وذلك أن الله لم يُسلم على أحد إلا
على الأنبياء ، فقال تبارك وتعالى : سَلامٌ على نوحٍ في العالمين ، وقال : سَلامٌ على إبراهيم. وقال : سَلامٌ على موسى وهارون. ولم يقل : سلام على آل نوح ، ولم يقل : سلام على آل موسى ، ولا على آل إبراهيم ، وقال : سلام على آل ياسين ، يعني آل محمد صلىاللهعليهوآله ».
وروى نحوه في معاني الأخبار / ١٢٢ ، وروى عن أبي عبد الرحمن السلمي أن عمر بن الخطاب كان يقرأ : سلامٌ على آل ياسين. قال أبو عبد الرحمن السلمي : آلُ ياسين آلُ محمد ».
التعارض بين الظهور والنص
ذكر الله نوحاً عليهالسلام في سياق الآيات وختم بقوله : وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ. سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ. إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ. « الصافات : ٧٨ ـ ٨١ ».
ثم ذكر إبراهيم عليهالسلام وختم بقوله : سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ. كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ. « الصافات : ١٠٨ ـ ١١١ ».
ثم ذكر موسى وهارون عليهماالسلام وختم بقوله : سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ. إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ. « الصافات : ١١٩ ـ ١٢٢ ».
ثم ذكر إلياس عليهالسلام بقوله : وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ. أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ. اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَلِينَ. فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. إِلا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ. وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ. سَلامٌ عَلَى إِلْيَاسِينَ. إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ. « الصافات : ١٢٣ ـ ١٣٢ ».
ثم ذكر الله تعالى لوطاً ويونس عليهماالسلام ولم يختم آياتهما بالسلام عليهما.
ثم تحدث عن النبي صلىاللهعليهوآله وتكذيب المكذبين له ، وختم السورة بقوله : وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ. وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. « الصافات : ١٧٨ ـ ١٨٢ ».
فظاهر السياق أن التسليم في الآية على إلياس نفسه خاصة ، بقرينة قوله بعدها : إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ. بينما الرواية المستفيضة تنص على أن التسليم فيها على آل ياسين ، الذين هم آل محمد صلىاللهعليهوآله!
وقد يقال : لو كان السلام فيها على آل ياسين ، فلماذا لم يذكرها في سورة ياسين ، وذكرها بعد إلياس؟
أقول : نعم ، هذا ظاهر السياق ، لكن إذا تعارض الظهور مع النص عن المعصوم عليهالسلام وجب تقديم النص على الظهور ، لأن المعصوم عليهالسلام
هو المفسرالشرعي للقرآن ، وكلامه مقدم على ما يظهر لنا منه بَدْواً ، لأنه أعرف بمعانيه ، ولذا رجحنا تفسيرها بآل ياسين آل محمد صلىاللهعليهوآله.
هل يصح الجمع بين المعنيين؟
هل يمكن أن يكون إلياسين مستعملاً بمعنيين ، فيكون معناه : سلامٌ على إلياس ، وعلى آل ياسين معاً. وهل لإلياس عليهالسلام علاقة بآل محمد عليهمالسلام لأن إسمه إيليا ، وهو إسم علي عليهالسلام في كتب الأنبياء عليهمالسلام؟
هذا احتمال ، لكن استعمال اللفظ في معنيين وأكثر ورد في القرآن كقوله تعالى : فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ، فهو بمعنى العدوان والركض معاً. وقوله تعالى : إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ، فهو بثلاث معانٍ : كوثر الذرية ، وحوض الكوثر في المحشر ، ونهر الكوثر في الجنة.
كان نبي الله إلياس بعد نبي الله سليمان عليهماالسلام
ذكر المسعودي في مروج الذهب « ١ / ٧٥ » أن نبي الله إلياس كان بين سليمان والمسيح عليهمالسلام. وذكر الطبري « ١ / ٣٢٥ » أنه بعث الى بني إسرائيل ، وكانوا يعبدون الإله بعل. ويبدو أن صاحب معبد بعلبك المعروفة.
وفي قاموس الكتاب المقدس / ١٤٤ ، أن إلياس هو إيليا : « إسم عبري ومعناه إلهي يهوه ، والصيغة اليونانية لهذا الإسم هي إلياس وتستعمل أحياناً في العربية. وهو نبي عظيم عاش في المملكة الشمالية. وبما أنه يدعى التشبي فيرجح أنه ولد في تشبة ولكنه عاش في جلعاد « ١ مل ١٧ : ١ » وكان عادة يلبس ثوباً من الشعر « مسوحاً » ومنطقة من الجد « ٢ مل١ : ٨ » وكان يقضي الكثير من وقته في البرية « ١مل١٧ : ٥ وص ١٩ » وبما أن إيزابل ساقت زوجهما وشعب بني إسرائيل إلى عبادة البعل ، فقد تنبأ إيليا بأن الله سيمنع المطر عن بني إسرائيل. واعتزل النبي إلى نهر كريت ، وكانت الغربان تعوله وتأتي إليه بالطعام ، وبعد أن جف النهر ذهب إلى صرفة « الصرفند في لبنان » وبقي في بيت امرأة أرملة ، ووفقاً لوعد إيليا لها لم يفرغ من بيتها الدقيق والزيت طوال مدة الجفاف ».
وذكرته روايات أهل البيت عليهمالسلام ، ومنها أن الإمام الصادق كان يقرأ دعاء الياس بالسريانية. قال المفضل بن عمرو « الكافي : ١ / ٢٧٧ » : « أتينا باب أبي عبد الله عليهالسلام ونحن نريد الإذن عليه فسمعناه يتكلم بكلام ليس بالعربية فتوهمنا أنه بالسريانية ثم بكى فبكينا لبكائه ، ثم خرج إلينا
الغلام فأذن لنا فدخلنا عليه فقلت : أصلحك الله أتيناك نريد الإذن عليك فسمعناك تتكلم بكلام ليس بالعربية ، فتوهمنا أنه بالسريانية ، ثم بكيت فبكينا لبكائك ، فقال : نعم ذكرت إلياس النبي عليهالسلام وكان من عُبَّاد أنبياء بني إسرائيل ، فقلت كما كان يقول في سجوده ، ثم اندفع فيه بالسريانية ، فلا والله ما رأينا قساً ولا جاثليقاً أفصح لهجةً منه به ، ثم فسره لنا بالعربية فقال : كان يقول في سجوده : أتراك معذبي وقد أظمأت لك هواجري ، أتراك معذبي وقد عفرت لك في التراب وجهي أتراك معذبي وقد اجتنبت لك المعاصي ، أتراك معذبي وقد أسهرت لك ليلي! قال : فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإني غير معذبك.
قال فقال : إن قلتَ لا أعذبك ثم عذبتني ، ماذا؟ ألست عبدك وأنت ربي؟ قال : فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإني غير معذبك ، إني إذا وعدت وعداً وفيت به ».
« ٢ » السلام عليك يا داعيَ الله وربانيَّ آياته
معنى الدعوة الى الله تعالى : أن تطلبَ من الشخص أن يدخل في دين الله ، أو تطلب منه أن يطيع أوامر الله تعالى ونواهيه.
فهي دعوة الى الدخول في الإسلام ، أو الدخول في الطاعة.
وتدل على أن الداعي الى ذلك ، له الحق في أن يطلب ويأمر وينهى!
والسؤال : مَن الذي يعطي حق دعوة الناس الى الله تعالى؟
يقول بعضهم : هذا حق طبيعي لكل إنسان لقوله تعالى : وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ. « فُصِّلَتْ : ٣٣ ».
لكن ذلك لايصح ، لأن الممدوح في الآية من له حق الدعوة ، وليس فيها إعطاء هذا الحق الى أحد ، بل يدل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا. وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا. على أن الدعوة الى الله من مناصب الرسالة ، وأنها يجب أن تكون بإذن الله ولا تجوز بدون إذنه! فهي كالشفاعة يجب أن تكون بإذنه : مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلابِإِذْنِهِ.
بطلان الأساس الذي قامت عليه الحركات الإسلامية!
يتصور بعضهم أن الدعوة الى الإسلام لا تحتاج إلى إذن شرعي لأنها حق لكل مسلم وواجب عليه بقوله تعالى : أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ، فهو خطاب للمسلمين جميعاً كقوله : وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ، فأي مسلم تصدى لإقامة الدين كان له حق قيادة الأمة ، ووجب عليها بيعته وطاعته.
وعلى هذا الأساس قامت خلافة أبي بكر وعمر ومَن بعدهما الى العثمانيين ، وبعدها الحركات التي تدعو الى الخلافة الإسلامية ، باستثناء خلافة علي وأهل البيت عليهمالسلام التي قامت على النص.
ولهذا ، عندما تصدى الشيخ حسن البنا للدعوة وأسس حركة ، كان له حق القيادة ، ووجب على الأمة بيعته وطاعته!
وكذا عندما أسس الشيخ تقي الدين النبهاني حزب التحرير في الأردن لإقامة الخلافة ، كانت قيادته شرعية ، ووجب على الأمة بيعته!
وكذلك قال الوهابيون وأن شيخهم ابن عبد الوهاب تصدى لإقامة الدين ومواجهة الخلافة العثمانية ، فكان له حق القيادة ووجبت بيعته!
وكذلك عندما أسس عبد الصاحب دْخَيِّل أبو عصام رحمهالله : الدعوة الإسلامية ، متأثراً بالإخوان المسلمين ، كان يرى أن تصديه لعمل الدعوة يعطيه الشرعية لقيادة الأمة ، كما كان يرى حسن البنا.
وكان أبو عصام رحمهالله يرى أن قائد الحركة أو المرشح للخلافة ، عليه أن يستعين بفقهاء ، فيختار من فتاويهم ما يراه مصلحة للدعوة أو الأمة.
وقد طبق ذلك عندما كلف السيد الصدر بكتابة : الأسس الإسلامية ، فكتب فيها أن الدعوة تتبنى رأياً يقبل توبة المرتد عن ملة أو فطرة.
وهكذا يرى قادة الحركات الإسلامية أنهم يستمدون شرعيتهم من نفس حركتهم وتصديهم ، ويجب على الأمة بيعتهم وطاعتهم!
لكن الإشكال الذي لا جواب له عندهم : كيف تتعقلون أن يوجب الله تعالى إقامة الدين ، ويترك ذلك مهملاً بدون آلية!
وهل يعقل أن ينزل الله ديناً ثم يقول لأتباعه : كل من تصدى منكم لإقامته فهو قائد شرعي ، وهو خليفة لي ويمثلني!
وهل هذا إلا فتحٌ لباب الصراع على السلطة ، ودعوةٌ لتعدد القيادات وصراعها ، حتى في البلد الواحد ، والحي الواحد ، والبيت الواحد!
وهل هذا إلا هرطقة ونسبة العبث والظلم الى الله ، تعالى عن ذلك!
لاحق لأحد أن يدعو الى الله تعالى إلا بإذنه
حصر مذهب أهل البيت عليهمالسلام المأذون لهم بالدعوة إلى الإسلام بالمعصومين أي النبي والأئمة عليهمالسلام فقط. « تهذيب الأحكام : ٦ / ١٣١ ».
فالمعصوم وحده هو المخوَّل بدعوة الناس والشعوب إلى الإسلام ، لأنه مُنزَّهٌ عن ظلمهم ، وضامنٌ للعدل فيهم.
فقد سأل أبو عمرو الزبيري الإمام الصادق عليهالسلام : « أخبرني عن الدعاء إلى الله والجهاد في سبيله ، أهو لقوم لا يحل إلا لهم ولا يقوم به إلا من كان منهم ، أم هو مباح لكل من وحد الله عز وجل وآمن برسوله ، ومن كان كذا فله أن يدعو إلى الله عز وجل وإلى طاعته ، وأن يجاهد في سبيله؟ فقال عليهالسلام : ذلك لقوم لا يحل إلا لهم ، ولا يقوم بذلك إلا من كان منهم. قلت : من أولئك؟ قال : من قام بشرائط الله عز وجل في القتال والجهاد على المجاهدين فهو المأذون له في الدعاء إلى الله عز وجل ، ومن لم يكن قائماً بشرائط الله عز وجل في الجهاد على المجاهدين ، فليس بمأذون له في الجهاد ولا الدعاء إلى الله حتى يُحَكِّم في نفسه ما أُخذ الله عليه من شرائط الجهاد.
قلت : فبيِّن لي يرحمك الله. قال : إن الله تبارك وتعالى أخبر في كتابه عن الدعاء إليه ، ووصف الدعاة إليه فجعل ذلك لهم درجات يعرف بعضها بعضاً ، ويستدل بعضها على بعض ، فأخبر أنه تبارك وتعالى أول من دعا إلى نفسه ، ودعا إلى طاعته واتباع أمره ، فبدأ بنفسه فقال : وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. ثم ثنى برسوله صلىاللهعليهوآله فقال : أُدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. يعني بالقرآن. ولم يكن داعياً إلى الله عز وجل من خالف أمر الله ويدعو إليه بغير ما أمر في كتابه والذي أمر أن لا يدعى إلا به. وقال : في نبيه صلىاللهعليهوآله : وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. يقول : تدعو. ثم ثَلَّثَ بالدعاء إليه بكتابه أيضاً ، فقال تبارك وتعالى : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ. أي يدعو ويبشر المؤمنين.
ثم ذكر من أذن له في الدعاء إليه بعده وبعد رسوله صلىاللهعليهوآله في كتابه فقال : وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
ثم أخبر عن هذه الأمة وممن هي ، وأنها من ذرية إبراهيم ومن ذرية إسماعيل من سكان الحرم ، ممن لم يعبدوا غير الله قط ، الذين وجبت
لهم الدعوة دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام من أهل المسجد ، الذين أخبر عنهم في كتابه أنه أَذْهَبَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وطَهَّرَهُمْ تَطْهِيرَا ..
ثم أخبر تبارك وتعالى أنه لم يأمر بالقتال إلا أصحاب هذه الشروط ، فقال عز وجل : أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ ..
وذلك أن جميع ما بين السماء والأرض لله عز وجل ولرسوله صلىاللهعليهوآله ولأتباعهما من المؤمنين من أهل هذه الصفة.
فما كان من الدنيا في أيدي المشركين والكفار والظلمة والفجار من أهل الخلاف لرسول الله صلىاللهعليهوآله والمولي عن طاعتهما ، مما كان في أيديهم ظلموا فيه المؤمنين من أهل هذه الصفات وغلبوهم عليه ، مما أفاء الله على رسوله صلىاللهعليهوآله فهو حقهم أفاء الله عليهم ورده إليهم ، وإنما معنى الفيئ كل ما صار إلى المشركين ثم رجع ، مما كان قد غُلب عليه أو فيه. فما رجع إلى مكانه من قول أو فعل ، فقد فاء.
وإن لم يكن مستكملاً لشرائط الإيمان فهو ظالم ، ممن يبغي ويجب جهاده حتى يتوب! وليس مثله مأذوناً له في الجهاد والدعاء إلى الله عز وجل ، لأنه ليس من المؤمنين المظلومين ، الذين أذن لهم في القرآن في القتال.
فليتق الله عز وجل عبدٌ ، ولايغترَّ بالأماني التي نهى الله عز وجل عنها ، من هذه الأحاديث الكاذبة على الله التي يُكذبها القرآن ، ويتبرأ منها ومن حملتها ورواتها ». « الكافي : ٥ / ١٣ ».
أقول : هذا الحديث صريح في أن دعوة الناس إلى دين الله مَنصبُ نيابةٍ عن الله تعالى ، يحتاج إلى نص ، وليس تبرعاً ، أو تطوعاً مفتوحاً لكل الناس.
ويدل من ناحية حقوقية ، على أن الدعوة فيها تصرفٌ في حقوق العباد وأنفسهم وأموالهم ، فهي تحتاج إلى مُجَوِّزِ قانوني من المالك عز وجل.
بل ورد التصريح بذلك في وصية أمير المؤمنين عليهالسلام الى كميل بن زياد رحمهالله ، كما في تحف العقول لابن شعبة / ٩١ ، وبشارة المصطفى للطبري / ٥١ ، بسنده الى كميل من وصيته له ، جاء فيها : « يا كميل أرأيت لو أن الله لم يُظهر نبياً وكان في الأرض مؤمن تقي ، أكان في دعائه إلى الله مخطئاً أو مصيباً؟ بل والله مخطئاً حتى ينصبه الله عز وجل ، ويؤهله »!
ونلاحظ تعبير أمير المؤمنين عليهالسلام : ينصبه ويؤهله ، فالدعوة الى الله منصبٌ لا تصح الدعوة إلا به ، وهو منصب لا يعطيه الله تعالى إلا لمن يؤهله تأهيلاً خاصاً ، ليكون مُعَبِّراً عن الله تعالى ، رحيماً بمن يدعوه ، لا يريد رئاسة عليه ولا جعله عضواً مطيعاً في حزبه وحلقته ، كما يفعل أعضاء الحركات!
ومن هنا أجمع فقهاؤنا على أن القيادة الشرعية إنما هي للإمام المعصوم عليهالسلام وبعده للفقيه الجامع للشروط ، وفي حدود ما خوله المعصوم عليهالسلام لا أكثر.
بل روى أتباع المذاهب الأخرى أن النبي صلىاللهعليهوآله حصر هذا الحق في أعلم الأمة وأفقهها ، فقال صلىاللهعليهوآله : « من ضرب الناس بسيفه ودعاهم إلى نفسه ، وفي المسلمين من هو أعلم منه ، فهو ضال متكلف »! « الكافي : ٥ / ٢٧ ».
وفي مغني ابن قدامه « ٢ / ٢٠ » عن رسالة أحمد بن حنبل : « إذا أمَّ الرجل القوم وفيهم من هو خير منه ، لم يزالوا في سِفَال ».
وفي طبقات الحنابلة « ١ / ٣٥٩ » : « ومن الحق الواجب على المسلمين أن يقدموا خيارهم وأهل الدين والفضل منهم ، وأهل العلم بالله تعالى ، الذين يخافون الله عز وجل ويراقبونه. وقد جاء الحديث : إذا أمَّ بالقوم رجلٌ وخلفه من هو أفضل منه ، لم يزالوا في سفال ». ورواه السيوطي في الفتح الكبير « ٣ / ١٦ ».
وفي مجموع النووي « ١ / ٤١ » : « قال مالك : ولا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلاً لشئ ، حتى يسأل من هو أعلم منه ».
وفي مصنف عبد الرزاق « ٥ / ٤٤٥ » بسند صحيح : « من دعا إلى إمارة نفسه أو غيره من غير مشورة من المسلمين ، فلا يحل لكم إلا أن تقتلوه »!
وعلى هذا ، يجب على المسلمين الشيعة أخذ الشرعية في دعوتهم الى الإسلام من المرجع الجامع للشروط ، وإلا فلا شرعية لعملهم!
ويجب على السنة أن يأخذوا الشرعية لدعوتهم من أعلم الفقهاء في المذاهب ثم ببيعة أهل الحل والعقد من المسلمين ، وإلا فلا شرعية لعملهم!
الدعاة الأصليون الى الله تعالى
السلام عليك يا داعيَ الله : تعني أن الإمام المهدي عليهالسلام منصوبٌ من الله لدعوة الناس اليه ، وأن الذي يعطيه الله هذا المنصب ويبعثه لهذه المهمة لا بد أن يعطيه لوازم الدعوة ووسائلها من العلم والقدرات الأخرى ، ولذلك سمي المهدي ، لأن ربه يهديه الى كل ما يحتاجه الناس.
وكذلك الأئمة الإثنا عشر عليهمالسلام فهم الدعاة الرسميون الى الله تعالى. كما في الزيارة الجامعة : « السلام على الأئمة الدعاة ، والقادة الهداة ».
ودعوتهم عليهمالسلام الى الله تعالى امتدادٌ لدعوة رسول الله صلىاللهعليهوآله الذي أمره ربه أن يستخلفهم ، فهو داعي الله الأكبر صلىاللهعليهوآله : يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ الله .. وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ. « الأحقاف : ٣١ ـ ٣٢ ».
فالأئمة عليهمالسلام دعاة الى الله باستخلاف رسوله صلىاللهعليهوآله ، والمؤمنون إنما يدعون الى الله تعالى بإذن النبي والأئمة عليهمالسلام ومن ناب عنهم.
والنتيجة : أن داعيَ الله الأكبر هو رسول الله صلىاللهعليهوآله وبعده الأئمة من عترته عليهمالسلام فهم دعاة الى الله تعالى أيضاً ، وكل الدعاة عبر الأجيال لا بد أن يكونوا مأذونين من الداعي المأذون من الله تعالى وداعين بدعوته.
ونقرأ في رسالة الإمام الباقر عليهالسلام الى سعد الخير الأموي رحمهالله « الكافي : ٨ / ٥٦ » : يصف فيها الأئمة الدعاة الى الله عليهمالسلام : « إن الله عز وجل جعل في كل من الرسل بقايا من أهل العلم ، يدعون من ضل إلى الهدى ، ويصبرون معهم على الأذى ، يجيبون داعيَ الله ، ويدعون إلى الله. فأبصرهم رحمك الله فإنهم في منزلة رفيعة ، وإن أصابتهم في الدنيا وضيعة ، إنهم يحيون بكتاب الله الموتى ، ويبصرون بنور الله من العمى ، كم من قتيل لإبليس قد أحيوه ، وكم من تائه ضال قد هدوه ، يبذلون دماءهم دون هلكة العباد ، وما أحسن أثرهم على العباد ، وأقبح آثار العباد عليهم ».
وقوله عليهالسلام : يجيبون داعيَ الله : يقصد به رسول الله صلىاللهعليهوآله.
ويدعون إلى الله : بنصب الداعي لهم.