والجواب : أن هذه النقمة جزئية ، لأنها على بعض الكافرين والفراعنة. والنبي صلىاللهعليهوآله بهذا المعنى كان نقمة أيضاً ، ومع ذلك وصفه الله تعالى بأنه رحمة للعالمين فقال : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
وكذلك وصف الإمام الصادق الإمام المهدي عليهالسلام كما في حديث اللوح الذي جاء به جبرئيل عليهالسلام الى الزهراء عليهاالسلام وفيه أسماء الأئمة من أولادها : « وأكمل ذلك بابنه محمد ، رحمة للعالمين ، عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى ، وصبر أيوب ». « الكافي : ١ / ٥٢٨ ».
فكونه نقمة على بعض الفجار ، لا يمنع كونه رحمة لعامة الناس.
قال الإمام الرضا عليهالسلام يصف نداء البشارة بالإمام المهدي عليهالسلام : « كأني آيس ما كانوا قد نودوا نداءً يُسمع من بُعدٍ كما يُسمع من قُربٍ ، يكون رحمةً للعالمين ، وعذاباً على الكافرين ». « كمال الدين : ٢ / ٣٧٦ ».
معنى : وعداً غيرَ مكذوب
ورد هذا التعبير في القرآن في إنذار صالح لقومه ، قال تعالى : فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ. « هود : ٦٥ ».
لكنه وعدٌ بالعذاب ، وهذا وعدٌ بالرحمة والرخاء.
ولم أجد هذا التعبير في كل القرآن والسنة في غير هذين الموردين!
ومعناه وعداً قطعياً حتمياً لا يُخلف.
والتقابل بينهما هو التقابل بين العذاب والرحمة الإلهية ، وقد قال تعالى : عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَئٍ.
* *
الفصل الثالث :
حب المؤمن لإمامه المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وهيامه به
وهل الإيمان إلا الحب والبغض؟
حب المؤمن لنبيه صلىاللهعليهوآله وإمامه عليهالسلام حبٌّ خاصٌّ ، قد يصل الى حد الهيام بشخصية الإمام الفريدة ، التي تتجسد فيها إرادة الله تعالى ، وتتجلى فيها أسماؤه وأنواره.
قال الفضيل بن يسار : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الحب والبغض ، أمن الإيمان هو؟ فقال : وهل الإيمان إلا الحب والبغض؟ ثم تلا هذه الآية : حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الآيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ». « الكافي : ٢ / ١٢٤ ».
وفي مستدرك الحاكم « ٢ / ٢٩١ » : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : الشرك أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء. وأدناه أن تحب على شئ من الجوْر وتبغض على شئ من العدل. وهل الدين إلا الحب والبغض. قال الله عز وجل : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ».
يتفاوت الناس في طاقة الحب والبغض!
يحتاج الإيمان الى طاقةٍ من حب الخير وبغض الشر ، تجعل الإنسان يتفاعل مع الكون والطبيعة والمجتمع ، ومع العقائد والمشاعر ، فينبض قلبه وتجيش مشاعره ، حباً للحق والخير ، وبغضاً للباطل والشر.
ويتفاوت الناس في طاقة الحب التي أعطاهم الله ، وفي تربية الشخص وتنميته لها. والبغض مثله دائماً أو غالباً.
فقويُّ العاطفة والحب ، المملوء حيويةً ، مرشحٌ لأن يكون مؤمناً متديناً. أما ضعيف العاطفة ، الذي قلما تجيش مشاعره أو ينبض قلبه ، فهو يشبه الميت ، وليس مرشحاً للإيمان أو لدرجة عالية فيه.
وقد وصف الله تعالى هذين النوعين من الناس فقال : وَمَا يَسْتَوِى الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ. « فاطر : ٢٢ ».
وقال تعالى : أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا. « الأنعام : ١٢٢ ».
وكل إنسان لا بد أن يكون محباً لنفسه ولأنواعٍ من الخير أو الشر ، فإن وجدت شخصاً لا يحب الله ورسوله وأولياءه مثلاً ، فابحث عمن يحب بدلهم ، أو في مقابلهم!
ويحتاج الحب والبغض الى العقل والشرع
ولا تكفي طاقة الحب والبغض وحدها ليكون الإنسان مقبول الإيمان بل لا بد له من عقل يوجه حبه وبغضه ، ويحفظهما في نطاق الإعتدال والشرع ، وهذا معنى الحب في الله والبغض في الله عز وجل ، أي الخاضع لأحكام الشريعة ، وأوامر الله تعالى ونواهيه.
قال الإمام الباقر عليهالسلام : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : وُدُّ المؤمن للمؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان. ألا ومن أحب في الله ، وأبغض في الله ، وأعطى في الله ، ومنع في الله ، فهو من أصفياء الله ». « الكافي « ٢ / ١٢٤ ».
وروى ابن عبد البر في التمهيد « ١٧ / ٤٣٠ » : « عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا عبد الله بن مسعود. قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : تدري أي عرى الإيمان أوثق؟ قال قلت : الله ورسوله أعلم. قال : الولاية في الله ، والحب والبغض فيه ».
حب النبي صلىاللهعليهوآله وأهل بيته عليهمالسلام أرقى أنواع الحب
روى في الكافي « ٨ / ٧٨ » عن الإمام الصادق عليهالسلام هذه الرواية العجيبة ، قال : « كان رجلٌ يبيع الزيت وكان يحب رسول الله صلىاللهعليهوآله حباً شديداً ، كان إذا أراد أن يذهب في حاجته لم يمض حتى ينظر إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله!
وقد عَرف ذلك منه ، فإذا جاء تطاول له حتى ينظر إليه ، حتى إذا كان ذات يوم دخل عليه فتطاول له رسول الله صلىاللهعليهوآله حتى نظر إليه ، ثم مضى في حاجته فلم يكن بأسرع من أن رجع!
فلما رآه رسول الله صلىاللهعليهوآله قد فعل ذلك أشار إليه بيده إجلس فجلس بين يديه فقال : مالك فعلت اليوم شيئاً لم تكن تفعله قبل ذلك؟
فقال : يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبياً لَغَشِيَ قلبي شئٌ من ذكرك حتى ما استطعت أن أمضي في حاجتي ، حتى رجعت إليك ، فدعا له وقال له خيراً.
ثم مكث رسول الله صلىاللهعليهوآله أياماً لا يراه ، فلما فقده سأل عنه فقيل : يا رسول الله ما رأيناه منذ أيام ، فانتعل رسول الله صلىاللهعليهوآله وانتعل معه أصحابه وانطلق حتى أتوا سوق الزيت ، فإذا دكان الرجل ليس فيه أحد ، فسأل عنه جيرته فقيل : يا رسول الله مات ، ولقد كان عندنا أميناً
صدوقاً ، إلا أنه قد كان فيه خصلة! قال : وما هي؟ قالوا : كان يرهق ، يعنون يتبع النساء. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : رحمه الله ، والله لقد كان يحبني حباً لو كان نَخَّاساً لغفر الله له ».
أقول : النخاس بائع الجواري ، وهو عادة يقع في الحرام ويرتكب الزنا معهن. ومعنى قول النبي صلىاللهعليهوآله : إن حب الشاب بياع الزيت له وهيامه به ، حتى لا يستطيع أن يذهب الى عمله حتى يراه كل يوم ، هذا الحب ، يغلب ذنوبه حتى لو كانت كذنوب نخاس زناء.
ونلاحظ في الحديث شهادة رفقاء بياع الزيت بصدقه وأمانته ، فذلك من تأثير حبه للنبي صلىاللهعليهوآله ، وإن بقيت عنده معاص في سلوكه.
كما نلاحظ أن مؤشرب حبه رضي الله عنه دله على أن يرى رسول الله صلىاللهعليهوآله لآخر مرة ، فرجع اليه ليراه رؤية مودع ، ثم توفي بعد ذلك!
وقال بريد بن معاوية العجلي رحمهالله « تفسير العياشي : ١ / ١٦٧ » :
« كنت عند أبي جعفر « الإمام الباقر عليهالسلام » إذ دخل عليه قادمٌ من خراسان ماشياً ، فأخرج رجليه وقد تغلفتا « ورمتا من المشي » وقال : أما والله ما جاء بي من حيث جئت إلا حبكم أهل البيت! فقال أبو جعفر عليهالسلام : والله لو أحبنا حجر حشره الله معنا ، وهل الدين إلا الحب ، إن الله يقول : قُلْ
إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ. وقال : يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ. وهل الدين الا الحب.
وقال ربعي بن عبد الله : قيل لأبي عبد الله « الإمام الصادق عليهالسلام » : جعلت فداك إنا نسمى بأسمائكم وأسماء آبائكم فينفعنا ذلك؟
فقال : إي والله ، وهل الدين إلا الحب؟ قال الله : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ».
أقول : يدل قول الإمام الباقر عليهالسلام : لو أحبنا حجر حشره الله معنا ، على أن الجمادات لها أرواح بحسبها ، كما نذهب اليه ، ولذلك قال الله تعالى : وَإِنْ مِنْ شَئٍْ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاتَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ. كما يدل على أن الحشر يوم القيامة شامل لكل ذوات الأوراح والنبات والجماد.
وفسره بعضهم بوجه ضعيف : لو أحبنا شخص قلبه حجر ، لصلح بحبنا وحشره الله معنا ، فيكون معناه تأثير حبهم عليهمالسلام في حسن عاقبة الإنسان.
أما معنى نفع تسمية أولادنا بأسماء أهل البيت عليهمالسلام فهو أن ذلك يقربنا من الله تعالى فينفعنا ، كما ينفع أولادنا بتأثير وضعي وشرعي.
الفرق بين الحب والعشق
استعمل العرب مادة عَشِقَ في الحب المفرط ، واشتهر في حب الرجل للمرأة والعكس ، فعندما تقول فلان عاشق فمعناه مغرم بحب امرأة ، ولا يفهم منه غير ذلك إلا بقرينة. « العين : ١ / ١٢٤ ».
وقال ابن فارس « ٤ / ٣٢١ » : « يدل على تجاوز حد المحبة ». ويحتمل أن يكون أصلها فارسياً ، فـ « إيشك » الفهلوية تعني غرام الرجل والمرأة.
ولم يستعمل القرآن كلمة العشق ، واستعمل بدلها مادة الحب في أكثر من سبعين مورداً ، ولعل السبب أنها أوسع منها وأكثر احتراماً.
وقد فرق ابن الرومي بين العشق فجعله للغانيات ، وجعل الحب لعلي وأهل البيت عليهمالسلام ، قال « مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٢٣٠ » :
يا هندُ لم أعشق ومثلي لا يَرَى |
|
عِشْقَ النساءِ ، ديانةً وتحَرُّجَا |
لكنَّ حبي للوصي مخيمٌ |
|
في الصدر يسرحُ في الفؤاد تولجا |
فهو السراج المستنير ومن به |
|
سببُ النجاة من العذاب لمن نجا |
لكن النبي صلىاللهعليهوآله استعمل العشق للعبادة ، فقال « الكافي : ٢ / ٨٣ » : « أفضل الناس من عشق العبادة ، فعانقها وأحبها بقلبه ، وباشرها بجسده وتفرغ لها ، فهو لايبالي على ما أصبح من الدنيا على عسر أم على يسر ».
ونلاحظ أنه صلىاللهعليهوآله استعمل أوصاف العاشقين من المعانقة والمباشرة ، لينقل معنى العشق الجنسي الى العشق المعنوي للعبادة لتكون محبوبة العابد ، يهيم بتلاواتها ، ويأنس بركوعها وسجودها ، ويتلذذ بعطش صومه وجوعه!
كما رود عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه جعل العشق أشد درجةً من الشوق ، فقال : « إن الجنة لأشوق إلى سلمان من سلمان إلى الجنة ، وإن الجنة لأعشق لسلمان من سلمان إلى الجنة ». « روضة الواعظين / ٢٨٢ ».
ليس كل عشق مذموماً
العشق المذموم : ما يصرف الإنسان عن واجب ، أو يوقعه في حرام. أما ما عداه فهو عشق حلال ، وقد يكون مستحباً ومندوباً اليه ، كما رأيت في وصف النبي صلىاللهعليهوآله لعاشق العبادة.
وقد ذمَّ أمير المؤمنين عليهالسلام عشق الدنيا ، وقصده الذي يسيطر على الإنسان فيرى الأمور بمنظار نفعي ، وليس بمنظار عقلاني رباني.
قال عليهالسلام « نهج البلاغة : ١ / ٢١١ » : « سبحانك خالقاً ومعبوداً ، بحسن بلائك عند خلقك. خلقت داراً وجعلت فيها مأدبة : مشرباً ومطعماً ، وأزواجاً وخدماً ، وقصوراً وأنهاراً ، وزروعاً وثماراً.
ثم أرسلت داعياً يدعو إليها ، فلا الداعي أجابوا ، ولا فيما رغبت رغبوا ، ولا إلى ما شوقت إليه اشتاقوا. أقبلوا على جيفة افتضحوا بأكلها ، واصطلحوا على حبها ، ومن عشق شيئاً أعشى بصره ، وأمرض قلبه ، فهو ينظر بعين غير صحيحة ويسمع بأذن غير سميعة ، قد خرقت الشهوات عقله ، وأماتت الدنيا قلبه ، وولهت عليها نفسه ، فهو عبد لها ، ولمن في يده شئ منها »!
وقد ذمَّ الإمام الصادق عليهالسلام العشاق الهائمين لأنهم ينشغلون بعشقهم عن ذكر الله تعالى ، ففي علل الشرائع « ١ / ١٤٠ » قال المفضل بن عمر : « سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام عن العشق فقال : قلوب خلت من ذكر الله ، فأذاقها الله حب غيره ».
وقال في عمدة القاري « ١٤ / ١٢٧ » : « وروى البزار بسند صحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه : من عشق وعَفَّ وكتم ومات ، مات شهيداً ». لكنه مدح لمن لم يرتكب حراماً ، ولم يرفعه الى النبي صلىاللهعليهوآله.
هذا ، وقد شاع عند الصوفية والعامة استعمال العشق للنبي وآله صلىاللهعليهوآله تعبيراً عن شدة الحب الى حد الهيام ، وقد استنكره بعضهم ، لكن لا أرى فيه بأساً ما دام المقصود منه مفهوماً. وتقدم أن النبي صلىاللهعليهوآله استعمله للعبادة.
جاذبية شخصية الإمام المهدي عليهالسلام
تشعر وأنت تقرأ بشارة النبي صلىاللهعليهوآله بولده المهدي الموعود عليهالسلام بأنه يريد أن يحببك به! فقد وصفه وصفاً معنوياً بأنه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً. كما وصف شكله وأنه أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، براق الجبين ، أفرق الثنايا ، أزجُّ ، أبلج ، أعين ، في خده الأيمن خال أسود ، حسن الوجه ، وجهه كالقمر الدري ، شمائله شمائلي ، أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً ، يُبعث وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين. « معجم أحاديث الإمام المهدي عليهالسلام : ٢ / ٥١٦ »
وتقرأ في زيارة آل ياسين ـ وقد رجحنا أن تكون من نص الحسين بن روح رحمهالله ـ سبع تسليمات على الإمام عليهالسلام في حالاته المختلفة :
١١. السلام عليك حين تقعد ، السلام عليك حين تقوم.
١٢. السلام عليك حين تقرأ وتُبيِّن.
١٣. السلام عليك حين تُصلي وتقنت.
١٤. السلام عليك حين تركع وتسجد.
١٥. السلام عليك حين تُكبِّر وتُهلل.
١٦. السلام عليك حين تحمد وتستغفر.
١٧. السلام عليك حين تمسي وتصبح.
١٨. السلام عليك في الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى.
١٩. السلام عليك أيها الإمام المأمون.
٢٠. السلام عليك أيها المقدم المأمول.
٢١. السلام عليك بجوامع السلام.
وهذه الفقرات ابتكار في عشق الإمام عليهالسلام في حالاته المختلفة ، كالمصور الذي يركز اللقْطة على حالة خاصة ، أو لحظة خاصة.
أو كمن يعجب بمحبوبه في حالة معينة ، فيقول له : نفسي فداك عندما تبتسم ، أو ما أجملك وأنت تتكلم ، أو ما أجمل قامتك ، وكم أكون سعيداً بالنظر اليك وأنت واقف.
واستعمل كلمة « حين » أي الوقت الذي ، وإنما قصد الفعل في ذلك الحين. والمعنى : السلام عليك وأنت تقوم بذلك في ذلك الحين.
ومعنى الفقرة الأولى :
سلام الله عليك يامولاي حين تقعد ، أي وأنت قاعد في غيبتك ، تقوم بمهامك مع الخضر وأصحابك الأبدال ، جنود الله في الغيب.
وسلام الله عليك عندما تقوم وتظهر ، وتسند ظهرك الى ركن الكعبة ، وتوجه بيانك الأول الى العالم بلغاته ، وتخاطب شعوب الأرض بأن تنصرك لتنهي الظلم وتقيم دولة العدل الإلهي.
فالفقرة تشير الى أن المهدي عليهالسلام إمام رباني سواء قام أو قعد ، وسواء غاب أو ظهر ، كما قال الإمام الحسن عليهالسلام لمن اعترض على صلحه مع معاوية : « يا أبا سعيد ، ألستُ الذي قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لي ولأخي :
الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا؟ قلتُ : بلى ، قال : فأنا إذن إمامٌ لو قمتُ وأنا إمامٌ لو قعدتُ.
يا أبا سعيد ، عِلَّةُ مصالحتي لمعاوية عِلة مصالحة رسول الله صلىاللهعليهوآله لبني ضُمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية ، أولئك كفارٌ بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفارٌ بالتأويل ». « علل الشرائع : ١ / ٢١١ ».
ومعنى السلام عليك حين تقوم :
سلام الله عليك يا سيدي وأنت واقفٌ فما أجمل قوامك وأنت أشبه الناس بجدك المصطفى صلىاللهعليهوآله ، شمائلك شمائله ، وأخلاقه ، وتركيب بدنك كبدنه ، تنام عيناك ولا ينام قلبك ، وليس لبدنك ظل. سلامٌ عليك عندما تظهر وينظر اليك الناس ، فتذكرهم بجدك محمد صلىاللهعليهوآله!
ومعنى : السلام عليك حين تقرأ وتُبيِّن :
أي حين تقرأ القرآن وتبينه للناس ، وتبين لهم سنة جدك صلىاللهعليهوآله. والمقصود عندما يظهر عليهالسلام ، لأنه في غيبته لم يبين لكل الناس.
أما عندما يظهر فسيخاطب الناس بلغاتهم ، ويستخرج لليهود أسفاراً من التوراة من جبل بالشام وجبل بفلسطين ، ويقرؤها عليهم ، فيندهشون لخبرته بها ويُسلم منهم ألوف. « معجم أحاديث الإمام المهدي : ٢٥٠١ ».
والأئمة عليهمالسلام يعرفون كل لغات العالم ، لأنهم حجة الله على العالم.
وقد ورد أن الإمام الكاظم عليهالسلام لما كان صغير السن قرأ الإنجيل أمام بريهة الراهب فقال بريهة « الكافي : ١ / ٢٢٧ » : « والمسيح لقد كان يقرأ هكذا وما قرأ هذه القراءة إلا المسيح! ثم قال بريهة : إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك! قال : فآمن وحسن إيمانه ، وآمنت المرأة وحسن إيمانها. قال : فدخل هشام وبريهة والمرأة على أبي عبد الله عليهالسلام وحكى هشام الحكاية والكلام الذي جرى بين موسى عليهالسلام وبريهة ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. فقال بريهة : جعلت فداك أنى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء؟ قال : هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرؤوها ونقولها كما قالوها ، إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شئ فيقول : لا أدري.
فلزم بريهة أبا عبد الله عليهالسلام حتى مات أبو عبد الله ، ثم لزم موسى بن جعفر حتى مات في زمانه فغسله بيده وكفنه بيده ولحده بيده ، وقال :
هذا حواري من حواريي المسيح يعرف حق الله عليه ، قال : فتمنى أكثر أصحابه أن يكونوا مثله ».
وفي عيون أخبار الرضا عليهالسلام « ٢ / ١٣٩ » في مناظرته مع حاخام ، قال : « يا يهودي خذ عليَّ هذا السفر من التوراة ، فتلى علينا من التوراة آيات ، فأقبل اليهودي يترجج لقرائته ، ويتعجب »!
فمعنى الفقرة : السلام عليك يا سيدي وأنت تقرأ القرآن وتفسره للمسلمين ، وتقرأ التوراة والإنجيل ، وتفسرهما لأهل الكتاب.
والسلام عليك وأنت تعبد ربك وتتلوكتابه ، وأنت تعبد ربك وتبين دينه ووحيه ، لكل الناس.
ومعنى قوله : السلام عليك حين تُصلي وتقنت : أني معجب بك يا سيدي وأنت في صلاتك وقنوتك لربك ، فسلامُ الله عليك وأنت خاشع لربك ، وروحي لك الفداء وأنت رافعٌ يديك تناجي ربك وتدعوه.
فالفقرة صورة من صلاة المعصوم وقنوته ، وقد وردت روايات عديدة في وصفهما ، منها في وصف صلاح أمير المؤمنين وزين العابدين عليهالسلام ، كما ورد في صفة المهدي عليهالسلام أنه خاشع لربه خشوع النسر بجناحه.
ومعنى قوله : السلام عليك حين تركع وتسجد :
أني أحبك يا سيدي وأنت على علو مقامك تركع بين يدي ربك ، وتعظم مقامه ، وتعلم الناس عبادته ، والإنحناء أمام عظمته.
تعلمهم أن العزة بالعبودية ، وبالإنحناء لعظمة الله تعالى ، وأن كمال الإنسان بالإعتراف بخالقه وربه ، الذي أكرمه من بين المخلوقات.
والسلام عليك وأنت تسجد لربك ، فتذوب خضوعاً للخالق العظيم وتُعلم الناس أن تكاملهم إنما هو بعمق عبادتهم لربهم ، وإخلاص سجودهم بين يديه ، وأن الإنسان إذا صار صفراً بين يدي ربه تحول الى رقم صعب ، مقدس في ملكوت الله.
ومعنى قوله : السلام عليك حين تُكبِّر وتُهلل :
السلام عليك وأنت تعبد الله تعالى ، فتكبره في صلاتك ، وبعد صلاتك في تسبيح جدتك الزهراء عليهاالسلام. وتهلله في شهادتك بوحدانيته ، في أذانك وإقامتك ، وذكرك وشكرك.
والسلام عليك عندما تظهر ، وتعلن أن الله تعالى أكبر من كل شئ ، ومن الطواغيت المتسلطين على الأرض ، ومن قوة جيوشهم.
فسلام الله عليك وأنت تطبق شعار : الله أكبر ، فتحطم أعداءه ، وتهزم جيوشهم ، وتتبر ما علوا تتبيرا.
وتعلن أن الله أكبر ، فتكشف خططهم ، وتخبرهم بنواياهم ، وتهزم مخابراتهم ، بما علمك الله من علم ، وهداك اليه من أسلوب عمل.
وسلام الله عليك وأنت تهلل الله تعالى ، فتوحده في ذاته وصفاته ، وتكشف الذين تطاولوا عليه فصغروا عظمته ، وشبهوه بخلقه ، وجعلوه جسماً محدوداً ، وهو خالق الأجسام ومجسمها.
وسلام الله عليك وأنت توحده في ربوبيته فتعلن انتهاء الأرباب والأنداد لله ، والمطاعين دونه ، في طول الأرض وعرضها. وتعلن أنه لا سلطان بعد اليوم الى يوم القيامة ، ولا حكم إلا لله تعالى ومن ينصبه حاكماً على عباده في أرضه ، يحكم بينهم بالعدل والهدى والرأفة.
ومعنى قوله : السلام عليك حين تحمد وتستغفر :
أني أحبك يا سيدي وأنت تحمد ربك ، فتعترف له وتعلن أن جميع النعم في الكون منه لاغير. وتدعو الناس الى الإعتراف بذلك.
وسلام الله عليك ياسيدي وأنت تعترف بمحدودية الإنسان وقصوره عن أداء شكر ربه ، وتعلن أن حق الخالق عظيم لا يمكن لأحد مهما علا مقامه أن يوفيه ، فستغفره لتقصيرك في طاعته وأداء شكره ، كمن أذنب ذنباً منا ، وأنت بلا ذنب. أو ارتكب مخالفة ، وأنت معصوم!
ومعنى قوله : السلام عليك حين تمسي وتصبح :
أني أحبك يا سيدي في هاتين الحالتين ، فالسلام عليك وأنت تُسَبِّحُ ربك في هذين الوقتين : فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ.
وأتصورك ياسيدي تمسي في مدينة جدك صلىاللهعليهوآله ، لأنها مسكنك ومقرك ، فتصلي فريضتك ونافلتك عند جدك ، أو في مسكنك.
أو تكون في أي مكان من أرض الله ، تنفذ فيه مهمةً ، أو يكون لك غرضٌ في زيارته. فسلام عليك وأنت تعيش الزمن ، تمسي وتصبح في طاعة الله وذكره ، وتعرف كيف تعيش وتعمر أيامك بطاعة ربك وعبادته ، تعمل لما يدوم ويبقى ، وتعرض عما يزول ويفنى.
هذا ، وينبغي أن نشير الى بقية عناصر الجذب في شخصيته عليهالسلام وهي كثيرة :
منها : أنه عاش عمراً طويلاً وبقي كهلاً ، وكذلك المسيح عليهالسلام.