الشيخ حسين النوري الطبرسي [ المحدّث النوري ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٧
[١٣٦٨٢] ٧ ـ وعن عبدالله بن محمّد الجعفي قال : سمعت ابا جعفر ( عليه السلام ) يقول : « كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والاستغفار ( حصنين )(١) حصينين لكم من العذاب ، فمضى اكبر الحصنين وبقي الاستغفار ، فاكثروا منه فانّه ممحاة للذّنوب ، وان شئتم فأقرؤوا : ( وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّـهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )(٢) » .
[١٣٦٨٣] ٨ ـ نهج البلاغة : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « من اعطي اربعاً لم يحرم أربعاً : من اعطي الدّعاء لم يحرم الاجابة ، ومن اعطي التّوبة لم يحرم القبول ، ومن اعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة ، ومن اعطي الشكر لم يحرم الزّيادة ، وتصديق ذلك في كتاب الله سبحانه ، قال الله عزّ وجلّ في الدّعاء : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ )(١) وقال في الاستغفار : ( وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا )(٢) وقال في الشكر : ( لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ )(٣) وقال في التّوبة : ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّـهِ )(٤) » الآية .
[١٣٦٨٤] ٩ ـ وفيه : وسئل عن الخير ، فقال ( عليه السلام ) : « ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ، ولكن الخير ان يكثر علمك ، ويعظم حلمك ، وان تباهي النّاس بعبادة ربّك ، فان احسنت حمدت الله ، وان اسأت استغفرت الله » .
____________________________
٧ ـ تفسير العياشي ج ٢ ص ٥٤ ح ٤٤ .
(١) لم ترد في المصدر .
(٢) الأنفال ٨ : ٣٣ .
٨ ـ نهج البلاغة ج ٣ ص ١٨٤ ح ١٣٥ .
(١) غافر ٤٠ : ٦٠ .
(٢) النساء ٤ : ١١٠ .
(٣) إبراهيم ١٤ : ٧ .
(٤) النساء ٤ : ١٧ .
٩ ـ المصدر السابق ج ٣ ص ١٧١ ح ٩٤ .
[١٣٦٨٥] ١٠ ـ الشّيخ أبو الفتوح في تفسيره : عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، أنّه قال : « ما اصرّ من استغفر ، ولو عاد في اليوم بسبعين مرّة » .
وعنه ( صلى الله عليه وآله ) ، أنّه قال : « طوبى لمن وجد في صحيفته ، تحت كلّ ذنب : استغفر الله » .
وعنه ( صلى الله عليه وآله ) ، أنّه قال : « إنّ الله تعالى يغفر للمذنبين ، إلّا من لا يريد ان يغفر له ، قالوا : يا رسول الله ، من الّذي يريد ان لا يغفر له !؟ قال : من لا يستغفر » .
[١٣٦٨٦] ١١ ـ الآمدي في الغرر : عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، أنّه قال : « الاستغفار دواء الذّنوب » .
وقال ( عليه السلام )(١) : « الاستغفار اعظم اجراً (٢) واسرع مثوبة » .
وقال ( عليه السلام )(٣) : « المؤمن بين نعمة وخطيئة ، لا يصلحهما إلّا الشكر والاستغفار » .
وقال ( عليه السلام )(٤) : « استغفر ترزق » .
وقال ( عليه السلام )(٥) : « حسن الاستغفار يمحص الذّنوب » .
وقال ( عليه السلام )(٦) : « سلاح المذنب(٧) الاستغفار » .
____________________________
١٠ ـ تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٦٥٤ .
١١ ـ غرر الحكم ودرر الكلم ج ١ ص ٣١ ح ٩٥٥ .
(١) نفس المصدر ج ١ ص ٥٦ ح ١٥٣٣ .
(٢) في المصدر : « جزاءً » .
(٣) نفس المصدر ج ١ ص ٧١ ح ١٨٠١ .
(٤) نفس المصدر ج ١ ص ١٠٨ ح ٩ .
(٥) نفس المصدر ج ١ ص ٣٨٠ ح ٥٩ .
(٦) نفس المصدر ج ١ ص ٤٣٣ ح ١٣ .
(٧) في المصدر : « المؤمن » .
وقال ( عليه السلام )(٨) : « عوّد نفسك الاستهتار(٩) بالذّكر(١٠) والاستغفار ، فانّه يمحو عنك الحوبة ، ويعظم لك المثوبة » .
وقال ( عليه السلام )(١١) : « عجبت لمن يقنط ومعه المنجاة (١٢) ، وهو الاستغفار » .
وقال ( عليه السلام )(١٣) : « لو أنّ النّاس حين عصوا تابوا واستغفروا ، لم يعذّبوا ولم يهلكوا » .
وقال ( عليه السلام )(١٤) : « من استغفر الله اصاب المغفرة » .
[١٣٦٨٧] ١٢ ـ القطب الرّاوندي في لبّ اللّباب : عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، أنّه قال : « ألا انبّئكم بدائكم من دوائكم ، داؤكم الذّنوب ودواؤكم الاستغفار » .
[١٣٦٨٨] ١٣ ـ وجاء رجل يبكي بصوت ويقول : يا رسول الله ادركني ، قال : « مالك ؟ » قال : ذنوبي ، قال : « قل لا إله إلّا الله ، وطوّلها حتّى يمتلىء جوفك ، ثم قال : قل : اللّهمّ اغفر لي ، ثلاثاً ، ثم قال : وجبت وربّ الكعبة » .
[١٣٦٨٩] ١٤ ـ وعن النّبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « ما من بلدة تاب فيها رجل ، إلّا رحم الله أهل تلك البلدة ورفع العذاب عنهم ، وعن أهل المقابر اربعين يوماً ، ويغفر لأهل القبور ذنب اربعين عاماً ، لفضل هذا العبد عند الله » .
____________________________
(٨) غرر الحكم ج ٢ ص ٤٩٢ ح ٢ .
(٩) استهتر بالشيء : ولع به ( مجمع البحرين ج ٣ ص ٥١٤ ) .
(١٠) في المصدر : « بالفكر » .
(١١) نفس المصدر ج ٢ ص ٤٩٤ ح ١١ .
(١٢) في المصدر : « النجاة » .
(١٣) نفس المصدر ج ٢ ص ٦٠٤ ح ١٦ .
(١٤) نفس المصدر ج ٢ ص ٦٥٢ ح ٧١٨ .
١٢ ـ ١٤ ـ لب اللباب : مخطوط .
وقال ( صلى الله عليه وآله ) : « لا تؤخّر التّوبةُ فانّ الموت يأتي بغتة » . وقال ( صلى الله عليه وآله ) : « نعم الوسيلة الاستغفار » .
[١٣٦٩٠] ١٥ ـ وأوحى الله إلى داود ( عليه السلام ) : « لو أنّ عبداً من عبادي عمل حشو الدّنيا ذنوباً ، ثم ندم حلبة شاة واستغفرني مرّة واحدة ، فعلمت من قلبه أن لا يعود إليها ، القيها عنه اسرع من هبوط القطر من السّماء إلى الأرض » .
[١٣٦٩١] ١٦ ـ وعن النّبي ( صلى الله عليه وآله ) ، أنّه قال : « استغفروا بعد الذّنب اسرع من طرفة عين ، فان لم تفعلوا فبالانفاق ، فان لم تفعلوا فبكظم الغيظ ، فان لم تفعلوا فبالعفو عن النّاس ، فان لم تفعلوا فبالاحسان اليهم ، فان لم تفعلوا فبترك الاصرار ، فان لم تفعلوا فبالرّجاء ، لا تقنطوا من رحمة الله » .
[١٣٦٩٢] ١٧ ـ الشّيخ الطّبرسي في مجمع البيان : عن علي ( عليه السلام ) ، أنّه قال : « ما من عبد يذنب إلّا اجّله الله سبع ساعات ، فان تاب لم يكتب عليه ذنب » .
[١٣٦٩٣] ١٨ ـ وعنه ( عليه السلام ) : « طوبى للعبد يستغفر الله من ذنب لم يطّلع عليه غيره ، فانّما مثل الاستغفار عقيب الذّنب ، مثل الماء يصبّ على النّار فيطفئها » .
[١٣٦٩٤] ١٩ ـ ابو الفتح الكراجكي في كنز الفوائد : عن الصّادق ( عليه السلام ) ، قال : « تأخير التّوبة اغترار ، وطول التّسويف حيرة ، والاعتلال على الله هلكة ، والاصرار على الذّنب امن لمكر الله ، ولا يأمن من مكر الله إلّا القوم الخاسرون » .
____________________________
١٥ ، ١٦ ـ لب اللباب : مخطوط .
١٧ ـ مجمع البيان : لم نجده في مظانه .
١٨ ـ مجمع البيان : لم نجده في مظانه .
١٩ ـ كنز الفوائد ص ١٩٥ .
٨٦ ـ ( باب وجوب التوبة من جميع الذّنوب على ترك العود أبداً )
[١٣٦٩٥] ١ ـ صحيفة الرّضا ( عليه السلام ) : عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : مثل المؤمن عند الله عزّ وجلّ كمثل ملك مقرّب ، وإنّ المؤمن عند الله اعظم من ذلك (١) ، وليس شيء احبّ إلى الله من مؤمن تائب أو مؤمنة تائبة » .
[١٣٦٩٦] ٢ ـ العيّاشي في تفسيره : عن ابي عمرو الزّبيري ، عن ابي عبدالله ( عليه السلام ) ، قال : « رحم الله عبداً تاب إلى الله قبل الموت ، فانّ التّوبة مطهرة من دنس الخطيئة ، ومنقذة من شفا الهلكة ، فرض الله بها على نفسه لعباده الصّالحين ، فقال : ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )(١) ( وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا )(٢) » .
[١٣٦٩٧] ٣ ـ وعن ابي بصير ، قال : سمعت ابا عبدالله ( عليه السلام ) ، يقول في قوله : ( إِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا )(١) : « هم التّوابون المتعبّدون » .
[١٣٦٩٨] ٤ ـ وعن ابي عمرو الزّبيري ، عنه ( عليه السلام ) ، قال : « إنّ التّوبة
____________________________
الباب ٨٦
١ ـ صحيفة الرضا ( عليه السلام ) ص ٣٨ ح ٢٧ .
(١) في المصدر : « ملك » .
٢ ـ تفسير العياشي ج ١ ص ٣٦١ ح ٢٧ .
(١) الأنعام ٦ : ٥٤ .
(٢) النساء ٤ : ١١٠ .
٣ ـ تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٨٦ ح ٢٨٦ .
(١) الإِسراء ١٧ : ٢٥ .
٤ ـ تفسير العياشي ج ١ ص ١٥٣ ح ٥١٢ .
مطهّرة من دنس الخطيئة ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ـ إلى قوله ـ لَا تُظْلَمُونَ )(١) فهذا ما دعا الله اليه عباده من التّوبة ، ووعد عليها من ثوابه ، فمن خالف ما امره الله به من التّوبة ، سخط الله عليه ، وكانت النّار أولى به واحقّ » .
[١٣٦٩٩] ٥ ـ القطب الرّاوندي في لبّ الّلباب : عن النّبي ( صلى الله عليه وآله ) ، أنّه قال : « إذا تاب العبد تاب الله عليه ، وانسى الحفظة ما علموا منه ، وقيل للأرض وجوارحه : اكتموا عليه مساوئه ولا تظهروا عليه ابداً » .
وقال ( صلى الله عليه وآله ) : « ما من بلدة فيها رجل تائب ، إلّا رحم الله أهل تلك البلدة ، ورفع العذاب عنهم ، وعن اهل المقابر أربعين يوماً ، ويغفر لأهل القبور ذنب اربعين عاماً ، لفضل هذا العبد عند الله » .
وقال ( صلى الله عليه وآله ) : « الله افرح بتوبة العبد من الظّمآن الوارد ، والمضل(١) الواجد(٢) ، والعقيم الوالد » .
وقال ( عليه السلام ) : « انّما التّوبة من الذّنب أن لا تعود إليه ابداً » .
وعنه ( صلى الله عليه وآله ) قال : « التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له » .
[١٣٧٠٠] ٦ ـ الحسين بن سعيد في كتاب الزّهد : عن فضالة ، عن القاسم بن يزيد ، عن محمّد بن مسلم قال : قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : « انّ من احبّ عباد الله إلى الله المفتن(١) المحسن التّواب » .
____________________________
(١) البقرة ٢ : ٢٧٨ ـ ٢٧٩ .
٥ ـ لب اللباب : مخطوط .
(١) ضلَّ الشيء : ضاع ، والمضل : الذي ضاع منه شيء من حيوان وغيره ( مجمع البحرين ج ٥ ص ٤١٠ ) .
(٢) وجد ضالَّته : إِذا رآها ولقيها . ( مجمع البحرين ج ٣ ص ١٥٥ ) .
٦ ـ الزهد ص ٧٠ ح ١٨٦ .
(١) ليس في المصدر .
ورواه جعفر بن احمد القمّي في كتاب الغايات : عنه ( عليه السلام ) ، مثله(٢) .
[١٣٧٠١] ٧ ـ ثقة الاسلام في الكافي : عن محمّد بن علي بن معمّر ، عن محمّد بن علي بن عكاية التّميمي ، عن الحسين بن النّضر الفهري ، عن ابي عمرو الأوزاعي ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر بن يزيد ، عن ابي جعفر ( عليه السلام ) ، أنّه قال : « قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في خطبة له : ولا شفيع انجح من التّوبة » .
[١٣٧٠٢] ٨ ـ جامع الأخبار : قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « المؤمن إذا تاب وندم ، فتح الله عليه من(١) الدنيا والآخرة الف باب من الرّحمة ، ويصبح ويمسي على رضى الله ، وكتب الله له بكلّ ركعة يصلّيها من التّطوع عبادة سنة ، واعطاه الله بكلّ آية يقرأها نوراً على الصّراط ، وكتب الله له بكلّ يوم وليلة ثواب نبيّ ، وله بكلّ حرف من استغفاره وتسبيحه ثواب حجّة وعمرة ، وبكلّ آية في القرآن مدينة ، ونوّر الله قبره ، وبيّض وجهه ، وله بكلّ شعرة على بدنه نور ، وكانّما تصدّق بوزنه ذهباً ، وكأنّما اعتق بعدد كلّ نجم رقبة ، ولا تصيبه شدّة القيامة ، ويؤنس في قبره ، ووجد قبره روضة من رياض الجنّة ، وزار قبره كلّ يوم الف ملك يؤنسه في قبره ، وعليه سبعون حلّة ، وعلى رأسه تاج من الرّحمة ، ويكون تحت ظلّ العرش مع النّبيّين والشّهداء ، ويأكل ويشرب حتّى يفرغ الله من حساب الخلائق ، ثم يوجّهه إلى الجنّة » .
[١٣٧٠٣] ٩ ـ نهج البلاغة : في وصيّته للحسن ( عليهما السّلام ) : « وان قارفت
____________________________
(٢) الغايات ص ٧٩ وفيه : المقتني الثواب .
٧ ـ الكافي ج ٨ ص ١٩ .
٨ ـ جامع الأخبار ص ١٠١ .
(١) في المصدر : في .
٩ ـ نهج البلاغة : لم
نجده ، وأخرجه في البحار ج ٧٧ ص ٢٠٨ عن كتاب الوصايا لابن
سيّئة فعجّل محوها بالتّوبة » .
[١٣٧٠٤] ١٠ ـ كتاب عاصم بن حميد الحنّاط : عن ابي بصير قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) ، عن قول الله عزّ وجلّ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّـهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا )(١) قال : « يتوب العبد من الذّنب ثم لا يعود إليه » قال : فشقّ ذلك عليّ ، فلمّا رأى مشقّته عليّ ، قال : « إنّ الله يحبّ من عباده المفتّن التّواب » .
[١٣٧٠٥] ١١ ـ الجعفريات : بإسناده عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي بن ابي طالب ( عليهم السّلام ) ، قال : « بينما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذات يوم على جبل من جبال تهامة والمسلمون حوله ، إذ اقبل شيخ وبيده عصا ، فنظر إليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : مشية الجنّ ونغمتهم وعجبهم ، ( فاتى وسلّم )(١) فردّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : [ له ](٢) من أنت ؟ فقال : أنا هام بن الهيم بن لاقيس بن ابليس ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : سبحان الله سبحان الله ، ما بينك وبين ابليس إلّا أبوان ، قال : لا ، قال ( صلى الله عليه وآله ) : كم اتى عليك ؟ قال : اكلت الدّنيا كلّها(٣) إلّا القليل ، قال على ذلك(٤) قال : كنت ( بين اقوام ، و )(٥) افهم الكلام ، وآمر بافساد الطّعام وقطيعة الارحام ، فقال رسول الله ( صلى الله
____________________________
طاووس .
١٠ ـ كتاب عاصم بن حميد ص ٣٧ .
(١) التحريم ٦٦ : ٨ .
١١ ـ الجعفريات ص ١٧٥ .
(١) في المصدر : « أتى فسلم » .
(٢) أثبتناه من المصدر .
(٣) في المصدر : « عمرها » .
(٤) كذا كان الأصل ولا يخلو من سقم .
(٥) في نسخه والمصدر : « ابن اعوام » .
عليه وآله ) : ( هي لعمرو )(٦) الله عمل ( الشّاب المتلوّن )(٧) أو الشّيخ المتوسم ، ثم قال : زدني من التّعداد ، إني تائب(٨) ممّن اشرك(٩) في دم العبد الصّالح الشّهيد السّعيد هابيل بن آدم ، وكنت مع نوح ( عليه السلام ) في مسجده ، فيمن(١٠) آمن به ، وعاتبته على دعوته عليهم ، فلم ازل اعاتبه حتّى بكى وابكاني ، وقال : إنّي من النّادمين واعوذ بالله أن اكون من الجاهلين ، فقلت : يا نوح إنّي ممّن اشرك في دم العبد الصّالح الشّهيد السّعيد هابيل بن آدم ، هل تدري(١١) عند ربّك من التّوبة ؟ قال : نعم يا هام ، همّ بخير وافعله قبل الحسرة والنّدامة ، إنّي وجدت فيما انزل الله تبارك وتعالى عليّ ، أنّه(١٢) ليس من عبد عمل ذنباً كائناً ما كان وبالغاً ما بلغ ، ثم تاب إلّا تاب الله تعالى عليه » الخبر .
[١٣٧٠٦] ١٢ ـ عوالي اللآلي : عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « التوبة تجبّ ما قبلها » .
[١٣٧٠٧] ١٣ ـ الآمدي في الغرر : عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، أنّه قال : « التّوبة تستنزل الرّحمة » .
وقال ( عليه السلام ) : « التوبة تطهر القلوب وتغسل الذنوب »(١) .
وقال ( عليه السلام ) : « الذنوب الدّاء ، والدّواء الاستغفار ، والشّفاء أن لا تعود »(٢) .
____________________________
(٦) في المصدر : « بئس العمرو » .
(٧) في المصدر : « الشيخ المثلوم » .
(٨) في المصدر : « مليت » .
(٩) في المصدر : « شرك » .
(١٠) في نسخة : « ممن » .
(١١) في نسخة : « ترىٰ » . |
(١٢) ليست في المصدر . |
١٢ ـ عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٣٧ ح ١٥٠ .
١٣ ـ الغرر ج ١ ص ٣٦ ح ١١١١ .
(١) نفس المصدر ص ٣٤ « الطبعة الحجرية » .
(٢) نفس المصدر ج ١ ص ٧٩ ح ١٩١٣ .
وقال ( عليه السلام ) : « ثمرة التّوبة استدراك فوارط النّفس »(٣) .
وقال ( عليه السلام ) : « حسن التّوبة يمحو الحوبة »(٤) .
وقال ( عليه السلام ) : « مسوّف نفسه بالتّوبة ، من هجوم الأجل على اعظم الخطر »(٥) .
وقال ( عليه السلام ) : « يسير التّوبة والاستغفار ، يمحّص المعاصي والاصرار »(٦) .
٨٧ ـ ( باب وجوب اخلاص التّوبة ، وشروطها )
[١٣٧٠٨] ١ ـ السيّد علي بن طاووس في فلاح السّائل : روي عن مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، أنّه كان يوماً جالساً في حشد من النّاس من المهاجرين والأنصار ، فقال رجل منهم : استغفر الله ، فالتفت ( عليه السلام ) إليه كالمغضب ، وقال له : « يا ويلك ، اتدري ما الاستغفار ؟ الاستغفار اسم واقع على ستّة ( أقسام )(١) : الأوّل : النّدم على ما مضى ، الثّاني : العزم على ترك العود إليه ، الثّالث : أن تعمد إلى كلّ فريضة ضيعتها فتؤدّيها ، الرّابع : ان تخرج إلى النّاس ممّا بينك وبينهم ، حتّى تلقى الله املس وليس عليك تبعة ، الخامس : أن تعمد إلى اللّحم الّذي نبت على السّحت فتذهبه(٢) بالأحزان ، حتى ينبت لحم غيره ، السّادس : ان تذيق الجسم مرارة الطاعة كما اذقته حلاوة المعصية ، فحينئذ تقول : استغفر الله » .
[١٣٧٠٩] ٢ ـ جامع الأخبار : قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « التّائب إذا لم
____________________________
(٣) غرر الحكم ج ١ ص ٣٦٢ ح ٦٩ .
(٤) نفس المصدر ج ١ ص ٣٧٩ ح ٥٨ .
(٥) نفس المصدر ج ٢ ص ٧٦٨ ح ١٦١ .
(٦) نفس المصدر ص ٤٠٧ ، « الطبعة الحجرية » .
الباب ٨٧
١ ـ فلاح السائل ص ١٩٨ .
(١) في المصدر : « معان » . |
(٢) في المصدر : « فتذيبه » . |
٢ ـ جامع الأخبار ص ١٠٢ و١٠٣ .
يستبن عليه اثر التّوبة فليس بتائب ، يرضي الخصماء ، ويعيد الصّلوات ، ويتواضع بين الخلق ، ويقي نفسه عن الشّهوات ، ويهزل رقبته بصيام النّهار ، ويصفّر لونه بقيام اللّيل ، ويخمّص بطنه بقلّة الأكل ، ويقوّس ظهره من مخافة النّار ، ويذيب عظامه شوقاً الى الجنّة ، ويرقّ قلبه من هول ملك الموت ، ويجفّف جلده على بدنه بتفكّر الآخرة ، فهذا اثر التّوبة ، وإذا رأيتم العبد على هذه الصّفة فهو تائب ناصح لنفسه » .
وقال ( صلى الله عليه وآله ) : « أتدرون من التّائب ؟ فقالوا : اللّهمّ لا ، قال : إذا تاب العبد ولم يرض الخصماء فليس بتائب ، ومن تاب ولم يغيّر مجلسه وطعامه فليس بتائب ، ومن تاب ولم يغيّر رفقاءه فليس بتائب ، ومن تاب ولم يزد في العبادة فليس بتائب ، ومن تاب ولم يغيّر لباسه فليس بتائب ، ومن تاب ولم يغيّر فراشه ووسادته فليس بتائب ، ومن تاب ولم يفتح قلبه ولم يوسّع كفّه فليس بتائب ، ومن تاب ولم يقصّر امله ولم يحفظ لسانه فليس بتائب ، ومن تاب ولم يقدم فضل قوته من بين يديه فليس بتائب ، وإذا استقام على هذه الخصال فذاك التّائب » .
[١٣٧١٠] ٣ ـ وعن جابر بن عبدالله الأنصاري قال : جاءت امرأة إلى النّبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقالت : يا نبيّ الله ، امرأة قتلت ولدها ، هل لها من توبة ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله ) لها : « والّذي نفس محمّد بيده ، لو أنّها قتلت سبعين نبيّاً ، ثم تابت وندمت ، ويعرف الله من قلبها انّها لا ترجع إلى المعصية ابداً ، لقبل الله توبتها وعفا عنها ، فان باب التّوبة مفتوح ما بين المشرق والمغرب ، وانّ التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له » .
[١٣٧١١] ٤ ـ مصباح الشّريعة : قال الصّادق ( عليه السلام ) : « التّوبة حبل الله ومدد عنايته ، ولا بدّ للعبد من مداومة التّوبة على كلّ حال ، وكلّ فرقة من العباد لهم توبة فتوبة الانبياء من اضطراب السّر ، وتوبة الأولياء من
____________________________
٣ جامع الأخبار ص ١٠٣ .
٤ مصباح الشريعة ص ٤٣٣ .
تلوين(١) الخطرات ، وتوبة الأصفياء من التّنفّس ، وتوبة الخاصّ من الاشتغال بغير ذكر الله ، وتوبة العام من الذّنوب ، ولكلّ واحد منهم معرفة وعلم في أصل توبته ومنتهى أمره ، وذلك يطول شرحه هاهنا ، فامّا توبة العام : فان يغسل باطنه من الذّنوب بماء الحسرة(٢) ، والاعتراف بجنايته دائماً ، واعتقاد النّدم على ما مضى ، والخوف على ما بقي من عمره ، ولا يستصغر ذنوبه ، فيحمله ذلك على الكسل ، ويديم البكاء والأسف على ما فاته من طاعة الله ، ويحبس نفسه من الشّهوات ، ويستغيث إلى الله تعالى ليحفظه على وفاء توبته ، ويعصمه على العود إلى ما سلف ، ويروض نفسه في ميدان الجهد والعبادة ، ويقضي عن الفوائت من الفرائض ، ويردّ المظالم ، ويعتزل قرناء السّوء ويسهر ليله ، ويظمأ نهاره ويتفكّر دائماً في عاقبته ، ويستعين بالله ، سائلاً منه الاستقامة(٣) في سرائه وضرّائه ، ويثبت عند المحن والبلاء ، كيلا يسقط عن درجة التّوابين ، فان ذلك طهارة من ذنوبه ، وزيادة في عمله ، ورفعة في درجاته » .
[١٣٧١٢] ٥ ـ الصّدوق في الأمالي : عنّ محمد بن ابراهيم بن اسحاق رحمة الله عليه ، عن أحمد بن محمد الهمداني ، عن أحمد بن صالح بن سعيد التّميمي ، عن موسى بن داود ، عن الوليد بن هاشم ، عن هاشم بن حسّان ، عن الحسن بن أبي الحسن البصري ، عن عبد الرّحمان بن غنم الدّوسي قال : دخل معاذ بن جبل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) باكياً ، فسلّم فردّ عليه السّلام ثم قال : « ما يبكيك يا معاذ ؟ » فقال : يا رسول الله ، إنّ بالباب شابّاً طريّ الجسد نقيّ اللون حسن الصّورة ، يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها ، يريد الدّخول عليك ، فقال النّبي ( صلى الله عليه
____________________________
(١) في المصدر : تكوين .
(٢) وفيه : الحياة .
(٣) وفيه : الاستعانة .
٥ ـ أمالي الصدوق ص ٤٥ .
وآله ) : « ادخل عليّ الشّاب يا معاذ » فأدخله عليه ، فسلّم على النّبي ( صلى الله عليه وآله ) فردّ ( عليه السلام ) ، ثم قال : « ما يبكيك يا شاب ؟ » قال : وكيف لا أبكي وقد ركبت ذنوباً ، إن أخذني الله عزّ وجلّ ببعضها ادخلني نار جهنّم ، ولا أراني إلّا سيأخذني بها ولا يغفر لي أبداً ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « هل اشركت بالله شيئاً ؟ » قال : أعوذ بالله أن أُشرك بربّي شيئاً ، قال : « أقتلت النّفس التي حرّم الله ؟ » قال : لا ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « يغفر الله لك ذنوبك ، وإن كانت مثل الجبال الرّواسي » قال الشّاب : فإنّها أعظم من الجبال الرّواسي ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الأرضين السّبع ، وبحارها ورمالها وأشجارها ، وما فيها من الخلق » ( فقال : إنّها أعظم من الأرضين السّبع ، وبحارها ورمالها وأشجارها ، وما فيها من الخلق )(١) فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل السّماوات ونجومها ، ومثل العرش والكرسي » قال : فإنّها أعظم من ذلك .
قال : فنظر النبي ( صلى الله عليه وآله ) كهيئة الغضبان ، ثم قال : « ويحك يا شاب ، ذنوبك أعظم أم ربّك !؟ » فخّر الشّاب لوجهه وهو يقول : سبحان(٢) ربّي ، ما شيء أعظم من ربّي ، ربّي أعظم يا نبي الله من كل عظيم ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم ! ؟ » قال الشاب : لا والله يا رسول الله ، ثم سكت الشاب ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « ويحك يا شاب ، اتخبرني بذنب واحد من ذنوبك ؟ » .
قال : بلى أُخبرك ، إني كنت أنبش القبور(٣) سبع سنين ، أُخرج الأموات وأنزع الأكفان ، فماتت جارية من بعض بنات الأنصار ، فلمّا حملت
____________________________
(١) ما بين القوسين ليس في المصدر .
(٢) في المصدر زيادة : الله .
(٣) كان في الطبعة الحجرية : القبر ، وما أثبتناه من المصدر .
إلى قبرها ودفنت ، وانصرف عنها أهلها ، وجنّ عليهم اللّيل ، أتيت قبرها فنبشتها ، ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من أكفانها ، وتركتها مجرّدة(٤) على شفير قبرها ومضيت منصرفاً ، فأتاني الشّيطان فأقبل يزيّنها لي ، ويقول أما ترى بطنها وبياضها ! أما ترى وركيها ! فلم يزل يقول لي هذا حتّى رجعت إليها ، ولم أملك نفسي حتّى جامعتها ، وتركتها مكانها ، فإذا أنا بصوت من ورائي يقول : يا شاب ويل لك من ديّان يوم الدّين ، يوم يقفني وإيّاك ، كما تركتني عريانة في عساكر الموتى ، ونزعتني من حفرتي ، وسلبتني أكفاني ، وتركتني أقوم جنبة إلى حسابي ، فويل لشبابك(٥) من النار ، فما اظنّ أني اشمّ ريح الجنّة أبداً ، فما ترى لي رسول الله ؟ .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « تنح عني يا فاسق ، إني اخاف أن احترق بنارك ، فما أقربك من النّار ! » ثم لم يزل ( صلى الله عليه وآله ) ، يقول ويشير إليه ، حتى أمعن من بين يديه .
فذهب فأتى المدينة فتزود منها ، ثم أتى بعض جبالها فتعبّد فيها ، ولبس مسحاً(٦) وغلّ يديه جميعاً إلى عنقه ، ونادى : يا ربّ هذا عبدك بهلول بين يديك مغلول ، يا ربّ أنت الذي تعرفني ، وزل منّي ما تعلم سيدي ، يا ربّ إنّي أصبحت من النّادمين ، وأتيت نبيّك تائباً فطردني وزادني خوفاً ، فأسألك باسمك وجلالك وعظمة سلطانك ، أن لا تخيّب رجائي يا سيدي ولا تبطل دعائي ، ولا تقنطني من رحمتك ، فلم يزل يقول ذلك أربعين يوماً وليلة ، تبكي له السّباع والوحوش ، فلمّا تمّت له أربعون يوماً وليلة ، رفع يديه إلى السّماء .
وقال : اللّهم ما فعلت في حاجتي ؟ إن كنت استجبت دعائي وغفرت
____________________________
(٤) في المصدر : متجردة .
(٥) كان في الحجرية : لك لشبابك ، وما اثبتناه من المصدر .
(٦) مسحاً : المِسْح : كساء خشن من شعر يلبسه الرهبان والزهاد . لسان العرب ج ٢ ص ٥٩٦ .
خطيئتي ، فاوح إلى نبيّك ، وإن لم تستجب لي دعائي ولم تغفر لي خطيئتي ، واردت عقوبتي ، فعجّل بنار تحرقني ، أو عقوبة في الدّنيا تهلكني ، وخلّصني من فضيحة يوم القيامة ، فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيّه ( صلى الله عليه وآله ) : ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً )(٧) يعني الزّنى ( أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ) (٨) يعني بارتكاب ذنب أعظم من الزّنا ونبش القبور وأخذ الأكفان ( ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ )(٩) يقول : خافوا الله فعجّلوا التّوبة ، ( وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ )(١٠) .
يقول عزّ وجلّ : أتاك عبدي يا محمّد تائباً فطردته ، فأين يذهب ، وإلى من يقصد ، ومن يسأل أن يغفر له ذنباً غيري ؟ ثم قال عزّ وجلّ : ( وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ )(١١) يقول : لم يقيموا على الزّنى ونبش القبور وأخذ الأكفان ( أُولَـٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ )(١٢) .
فلما نزلت هذه الآية على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، خرج وهو يتلوها وهو(١٣) يتبسّم ، فقال لأصحابه : « من يدلّني على ذلك الشّاب التّائب ؟ » فقال معاذ : يا رسول الله ، بلغنا أنّه في موضع كذا وكذا ، فمضى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأصحابه ، حتّى انتهوا إلى ذلك الجبل فصعدوا إليه يطلبون الشّاب .
فإذا هم بالشّاب قائم بين صخرتين ، مغلولة يداه إلى عنقه ، قد اسودّ وجهه ، وتساقطت أشفار عينيه من البكاء ، وهو يقول : يا سيّدي قد أحسنت خلقي ، وأحسنت صورتي ، فليت شعري ماذا تريد بي ؟ أفي النّار تحرقني ؟ أو في جوارك تسكنني ؟ اللّهم إنّك قد أكثرت الإِحسان إليّ
____________________________
(٧ ، ٨ ، ٩ ، ١٠ ، ١١) آل عمران ٣ : ١٣٥ .
(١٢) آل عمران ٣ : ١٣٦ .
(١٣) ليس في المصدر .
فأنعمت(١٤) عليّ ، فليت شعري ماذا يكون آخر أمري ؟ إلى الجنّة تزفّني ؟ أم إلى النّار تسوقني ؟ اللهم إنّ خطيئتي أعظم من السّماوات والأرض ، ومن كرسيّك الواسع ، وعرشك العظيم ، فليت شعري تغفر خطيئتي أم تفضحني بها يوم القيامة ؟ فلم يزل يقول نحو هذا وهو يبكي ويحثو التراب على رأسه ، وقد أحاطت به السّباع وصفّت فوقه الطّير ، وهم يبكون لبكائه .
فدنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأطلق يديه من عنقه ، ونفض التراب عن رأسه ، وقال : « يا بهلول ابشر ، فإنّك عتيق الله من النّار » ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) لأصحابه : «هكذا تداركوا الذّنوب كما تداركها(١٥) بهلول » ثم تلا عليه ما أنزل الله عزّ وجلّ فيه وبشّره بالجنّة .
ورواه الشّيخ أبو الفتوح في تفسيره : عن معمّر ، عن رجل ، أنّه دخل عمر على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وذكر ما يقرب منه ، وفيه : أنّه نزل جبرئيل بعد ما دعا الشّاب أن يحرقه الله بنار الدّنيا ، ناشراً أجنحته أحدها في المشرق والآخر في المغرب ، وقال : يا محمّد إنّ الله يقرئك السّلام ويقول : أأنت خلقت الخلق أم أنا ؟ فقال : اللهم لا بل أنت خلقتني وإيّاهم ، قال : ويقول : أنت ترزقهم أم أنا ؟ قال : لا ، أنت ترزقني وإيّاهم ، قال : ويقول : أنت تقبل توبتهم أم أنا ؟ قال : لا بل أنت تقبل منهم ، قال : فلم آيست عبدي ؟ أدعه واقبل توبته ، وقل له : إنّي قبلت توبته ورحمت عليه ، ونزل بهذه الآية : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ ـ إلى قوله ـ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )(١٦) .
[١٣٧١٣] ٦ ـ القطب الرّاوندي في لبّ اللّباب قال : قال جعفر الصادق ( عليه السلام ) : « ينبغي للتّائب أن يكون في النّاس كظبية مجروحة في
____________________________
(١٤) في المصدر : وأنعمت .
(١٥) كان في الحجرية : تداركه ، وما اثبتناه من المصدر .
(١٦) تفسير أبي الفتوح الرازي ج ٤ ص ٤٩٧ ، والآية في سورة الزمر ٣٩ : ٥٣ .
٦ ـ لب اللباب : مخطوط .
الظّبا ، واعلم أنّ من أذنب فقد رهن نفسه ولا حيلة [ له ](١) حتّى يفك رهنه ، ومن تاب قبل أن يغرغر فالله يتوب عليه ، فأمّا إذا مات القلب فلا توبة له » .
قلت : لا يبعد أن يكون قوله : « واعلم » إلى آخره من كلام القطب .
[١٣٧١٤] ٧ ـ الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول : عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، أنّه قال لشمعون بن لاوي في حديث : « وأمّا علامة التائب فأربعة : النّصيحة لله في عمله ، وترك الباطل ، ولزوم الحقّ ، والحرص على الخير » .
[١٣٧١٥] ٨ ـ الآمدي في الغرر : عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، أنّه قال : « التّوبة ندم بالقلب ، واستغفار باللسّان ، وترك بالجوارح ، واضمار أن لا يعود » .
٨٨ ـ ( باب جواز تجديد التّوبة ، وصحّتها مع الإِتيان بشرائطها ، وإن تكرّر نقضها )
[١٣٧١٦] ١ ـ الحسين بن سعيد في كتاب الزّهد : عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثّمالي ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « إنّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود النّبي : أن ائت عبدي دانيال(١) فقل له : إنّك عصيتني فغفرت لك ، وعصيتني فغفرت لك ، وعصيتني فغفرت لك ، فإن عصيتني الرّابعة لم أغفر لك ، قال : فأتاه داود فقال : يا دانيال إنّي رسول الله إليك ،
____________________________
(١) أثبتناه لإِتمام السياق .
٧ ـ تحف العقول ص ١٥ .
٨ ـ غرر الحكم ج ١ ص ٩٣ ح ٢٠٩٤ .
الباب ٨٨
١ ـ الزهد ص ٧٤ ح ٢٠٠ .
(١) جاء في هامش الحجرية ما نصّه : « والظاهر أنّه غير دانيال النبي المعروف فإنّه متأخّر عن داوود ( عليه السلام ) بقرون كثيرة » ( منه قدّه ) .
وهو يقول : إنّك عصيتني فغفرت لك ، وعصيتني فغفرت لك ، وعصيتني فغفرت لك ، فإن عصيتني الرّابعة لم اغفر لك ، فقال له دانيال : قد بلّغت يا نبيّ الله ، قال : فلّما كان السّحر قام دانيال فناجى ربّه فقال : يا ربّ ، إنّ داود نبيّك اخبرني عنك ، إنّني [ قد ](٢) عصيتك فغفرت لي ، وعصيتك فغفرت لي ، وعصيتك فغفرت لي ، واخبرني عنك : إنّي إن عصيتك الرّابعة لم تغفر لي ، فوعزّتك لأعصينّك لأعصينّك إن لم تعصمني(٣) » .
[١٣٧١٧] ٢ ـ القطب الرّاوندي في لبّ اللّباب : عن النّبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « ما أصرّ من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرّة » .
[١٣٧١٨] ٣ ـ جعفر بن أحمد القمّي في كتاب الغايات : عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، أنّه قال : « إنّ من أحبّ عباد الله إلى الله ( المفتّن المحسن التّواب )(١) » .
[١٣٧١٩] ٤ ـ كتاب عاصم بن حميد الحنّاط : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، أنّه قال في حديث : « إنّ الله يحب من عباده المفتّن التّواب » .
المفتّن الذّي امتحنه الله بالوقوع في الذَّنب ثمّ يتوب .
٨٩ ـ ( باب استحباب تذكّر الذّنب ، والاستغفار منه كلّما ذكره )
[١٣٧٢٠] ١ ـ الشّيخ الطّوسي في أماليه : بالسّند السّابق ، عن أبي ذرّ قال : قال
____________________________
(٢) اثبتناه من المصدر .
(٣) في المصدر : فوعزتك وجلالك لئن لم تعصمني لأعصينّك ثم لأعصينّك ثم لأعصينّك .
٢ ـ لبّ اللباب : مخطوط .
٣ ـ الغايات ص ٧٩ .
(١) ما بين القوسين في المصدر : « المقتني الثواب » .
٤ ـ كتاب عاصم بن حميد الحناط ص ٣٧ .
الباب ٨٩
١ ـ أمالي الطوسي ج ٢ ص ١٤٠ .
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « ياأبا ذر ، إنّ الله إذا أراد بعبد خيراً جعل الذّنوب بين عينيه ممثله ـ إلى أن قال ـ(١) ياأبا ذر ، إنّ العبد ليذنب فيدخل(٢) بذنبه ذلك الجنّة ، فقلت : وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : يكون ذلك الذّنب نصب ( عينيه تائباً )(٣) منه فارّاً(٤) حتّى يدخل الجنّة » .
[١٣٧٢١] ٢ ـ الحسين بن سعيد في كتاب الزّهد : عن بعض أصحابنا ، عن علي بن شجرة ، عن عيسى بن راشد ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، أنّه قال في حديث : « وإنّه ـ يعني المؤمن ـ ليذكر ذنبه بعد عشرين سنة فيستغفر الله فيغفر له ، وإنّ الكافر لينسى ذنبه لئلّا يستغفر الله » .
[١٣٧٢٢] ٣ ـ الشيخ الطّبرسي في مجمع البيان : عن علي ( عليه السلام ) ، أنّه قال : « إن العبد ليذنب ثم يذكر بعد خمس وعشرين سنة ، فيستغفر الله منه فيغفر له ، ثم قرأ : ( وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا )(١) » .
[١٣٧٢٣] ٤ ـ كتاب العلاء بن رزين : عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : « إنّ الرّجل ليذكر ذنبه بعد سبع وعشرين سنة ، وما يذكره إلّا ليستغفر الله منه ، فيغفر له » .
[١٣٧٢٤] ٥ ـ الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول : عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن الباقر ( عليه السلام ) ، أنّه قال في كلام له : « واسترجع سالف الذّنوب ، بشدّة النّدم ، وكثرة الاستغفار » الخبر .
____________________________
(١) أمالي الطوسي ج ٢ ص ١٤٣ .
(٢ ، ٤) في المصدر زيادة : إلى الله .
(٣) في المصدر : عينه تأديباً .
٢ ـ كتاب الزهد ص ٧٤ .
٣ ـ مجمع البيان : لم نجده في مظانه .
(١) النساء ٤ : ١١٠ .
٤ ـ كتاب العلاء بن رزين ص ١٥٠ .
٥ ـ تحف العقول ص ٢٠٧ .
[١٣٧٢٥] ٦ ـ الآمدي في الغرر : عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، أنّه قال : « إعادة الاعتذار تذكّر بالذّنب » .
٩٠ ـ ( باب استحباب انتهاز فرص الخير ، والمبادرة به عند الإِمكان )
[١٣٧٢٦] ١ ـ الشيخ الطّوسي في أماليه : بإسناده المتقدّم ، عن أبي ذرّ قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ياأباذر ، نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحّة والفراغ ، ياأبا ذر ، اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحّتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك » .
[١٣٧٢٧] ٢ ـ الجعفريات : بإسناده عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جدّه علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، في قوله تعالى : ( وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا )(١) قال : « لا تنس صحّتك وقوّتك وفراغك وشبابك ونشاطك وغناك ، أن تطلب به الآخرة » .
[١٣٧٢٨] ٣ ـ أبو يعلى الجعفري في النّزهة : عن الغلابي ، أنّه قال : سألت الهادي ( عليه السلام ) عن الحزم ، فقال : « هو أن تنهز(١) فرصتك ، وتعاجل ما أمكنك » .
[١٣٧٢٩] ٤ ـ عوالي اللآلي : عن النّبي ( صلى الله عليه وآله ) ، قال : « من فتح
____________________________
٦ ـ غرر الحكم ج ١ ص ٥٣ ح ١٤٦٧ .
الباب ٩٠
١ ـ أمالي الطوسي ج ٢ ص ١٣٩ .
٢ ـ الجعفريات ص ١٧٦ .
(١) القصص ٢٨ : ٧٧ .
٣ ـ نزهة الناظر وتنبيه الخاطر ص ٦٩ .
(١) في المصدر : تنتظر .
٤ ـ عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٨٩ ح ١٤٦ .