الوصائل إلى الرسائل - ج ٢

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل إلى الرسائل - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-01-5
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

وهي إنّما تدلّ على وجوب قبول خبر العادل دون خبر الفاسق ، والظاهر منها ـ بقرينة التفصيل بين العادل والفاسق حين الاخبار ، وبقرينة تعليل اختصاص التبيّن بخبر الفاسق بقيام احتمال الوقوع في الندم احتمالا مساويا ، لأنّ الفاسق لا رادع له عن الكذب ـ

______________________________________________________

(وهي انّما تدلّ على وجوب قبول خبر العادل ، دون خبر الفاسق) لمفهوم الشرط ، أو لمفهوم الوصف ـ على ما سيأتي ـ أو للتعليل ، أو غير ذلك ، من الوجوه ، الّتي ذكروها في جهة دلالة الآية على وجوب قبول خبر العادل.

(والظاهر منها بقرينة التفصيل بين العادل والفاسق حين الاخبار) أي : بقرينة أنّه سبحانه : فرّق في مقام الاخبار ، بين العادل ، فلا يجب التبيّن عن خبره ، (وبقرينة تعليل اختصاص التبيّن بخبر الفاسق : بقيام احتمال الوقوع في النّدم).

وبقيام متعلّق بالتعليل ، يعني ، انّ الله سبحانه وتعالى ، خصّ وجوب التبين بخبر الفاسق ، بتعليل : احتمال الوقوع في الندم ان لم يتبيّن (احتمالا مساويا) في الطرفين ، أي : اذا نفّذ الانسان خبر الفاسق بلا تبيّن ، احتمل أن يقع في الندم ، كما قال سبحانه وتعالى : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)(١).

والمراد بالاحتمال المساوي : ان لا يقطع بهذا الجانب او ذاك الجانب ، او يظنّ بهذا الجانب أو بذلك الجانب ، فانّ في بعض الأحيان يحتمل الانسان احتمالا راجحا في أن يندم ، واحيانا يحتمل احتمالا مرجوحا ، وقد يحتمل احتمالا متساويا أي يكون شاكّا ، وانّما كان احتمالا متساويا بالمعنى الّذي ذكرناه (لأنّ الفاسق ، لا رادع له عن الكذب) ففي خبره احتمال الوقوع في الندم احتمالا من غير أن يقطع بوجود الندم ، أو بعدم وجود الندم ، وبين القطعين هذين احتمالان ،

__________________

(١) ـ سورة الحجرات : الآية ٦.

٣٤١

هو عدم الاعتناء باحتمال تعمّد كذبه ، لا وجوب البناء على اصابته وعدم خطائه في حدسه ،

______________________________________________________

وهما قد يكونان متساويين قدرا كالشاكّ ، وقد يرجّح هذا على ذاك ، او ذاك على هذا.

وعليه : فانّ الظاهر من الآية(هو عدم الاعتناء باحتمال تعمّد كذبه) أي : كذب العادل ، فانّ في العادل ، أيضا يحتمل الكذب ، وذلك أمّا من جهة خطأه ، أو نسيانه ، او سهوه ، أو لانّه انقلب عن العدالة إلى الفسق ، ولا نعلم به وانّما نستصحب عدالته (لا وجوب البناء على اصابته) أي : العادل (وعدم خطائه في حدسه).

أقول : استدلّ القائلون بحجيّة الاجماع المنقول بآية النبأ : بانّه كما اذا قال زرارة : قال الصادق عليه‌السلام : انّ الفقّاع حرام ، شملته الآية ، ولزم الأخذ بقول زرارة ، بدون التبيّن ، كذلك ، اذا قال شيخ الطائفة : قام الاجماع على حرمة الفقّاع ، لزم الأخذ بقوله ، وذلك لأنّه اذا قال : قام الاجماع ، أخبر بأنّ حرمة الفقّاع هو قول المعصوم عليه‌السلام ، للتلازم بين الاجماع وبين قول المعصوم من باب الدخول ، أو الكشف ، أو اللّطف ، أو من باب قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحديث الّذي ينسب اليه : «لا تجتمع أمّتي على ضلالة» (١) ، كما سيأتي البحث عن ذلك في باب الاجماع مفصلا ، فالاجماع المنقول من أفراد الخبر ، الّذي تشمله الآية.

لكن الشيخ المصنّف رحمه‌الله ، أشكل على هذا الاستدلال بما حاصله : انّ المنصرف من الآية : الاخبار الحسّيّة لا الحدسيّة ، وذلك بسبب قرينتين في نفس الآية المباركة :

__________________

(١) ـ بحار الانوار : ج ٥ ص ٦٨ ب ٢ ح ١ وفي كتاب الصراط المستقيم : ج ١ ص ٢٦٨ وج ٣ ص ١٢٦ والدر المنثور للسيوطي : ج ٢ ص ٢٢٢ (على ضلال) وفي الالفين : ص ٢١٨ (على الضلالة).

٣٤٢

لأنّ الفسق والعدالة حين الاخبار لا تصلح مناطا لتصويب المخبر وتخطئته بالنسبة إلى حدسه.

______________________________________________________

الاولى : قرينة الفرق بين العادل والفاسق ، والفارق انّما يكون في الاخبارات الحسّية دون الحدسية ، اذ العادل والفاسق من جهة الحدس متساويان ، وانّما الاختلاف بينهما من جهة الحسّ ، حيث يحتمل تعمّد كذب الفاسق ، ولا يحتمل تعمّد الكذب في العادل.

الثانية : قرينة التعليل باصابة القوم بجهالة ، أي بعلم غير عقلائي ، وهذه القرينة انّما تفرّق بين اخبار العادل والفاسق ، حسّا لا حدسا ، حيث ليس في اخبار العادل احتمال الاصابة بجهالة ، بخلاف اخبار الفاسق ، فان فيه ذلك ، الاحتمال ، أمّا في حدس العادل والفاسق فهما متساويان.

والحاصل : انّ القرينتين تفيدان أنّ المراد بالنبإ : الخبر الحسّي ، لا الحدسي ، فلا تشمل الآية الاجماع المنقول ، الّذي هو اخبار عن حدس ، لانّ شيخ الطائفة لم يسمع الخبر عن المعصوم ، أو عن الواسطة حسا ، وانّما حدس من الاجماع : انّ المعصوم قال هذا القول الّذي ادّعى عليه الشيخ الاجماع.

(لانّ الفسق والعدالة حين الاخبار) انّما يصلح كلّ واحد منهما مناطا لتعمّد الكذب وعدمه ، اذ الفاسق يحتمل تعمّد كذبه دون العادل ، و (لا تصلح) العدالة والفسق (مناطا ، لتصويب المخبر وتخطئته بالنسبة إلى حدسه).

فالآية تدلّ على انّ العادل لا يتعمد الكذب ، دون الفاسق ، فانّه يحتمل فيه تعمّد الكذب ، ولذا يحتاج خبره إلى التبين ، دون خبر العادل.

وعليه : فالآية ساكتة من سائر الجهات : ومن تلك الجهات : احتمال الخطأ ، والنسيان ، والغفلة ، وما اشبه ، واليه اشار المصنّف بقوله :

٣٤٣

وكذا احتمال الوقوع في النّدم من جهة الخطأ في الحدس أمر مشترك بين العادل والفاسق ، فلا يصلح لتعليل الفرق به.

فعلمنا من ذلك أنّ المقصود من الآية إرادة نفي احتمال تعمد الكذب عن العادل حين الاخبار دون الفاسق ، لأنّ هذا هو الذي يصلح لا ناطته بالفسق والعدالة حين الاخبار ، ومنه تبيّن عدم دلالة الآية على قبول الشهادة الحدسيّة

______________________________________________________

(وكذا احتمال الوقوع في النّدم ، من جهة الخطأ في الحدس ، أمر مشترك بين العادل والفاسق ، فلا يصلح لتعليل الفرق به) أي : باحتمال الوقوع في الندم ، من جهة الخطأ في الحدس في الفاسق ، دون العادل ، لأنّ الوقوع في الخطأ الحدسي مشترك بينهما.

(فعلمنا من ذلك : انّ المقصود من الآية ارادة : نفي احتمال تعمّد الكذب عن العادل حين الاخبار ، دون الفاسق) ، وانّما قال : حين الاخبار ، لانّ العدالة والفسق ، انّما يكونان مناطين للأخذ وعدم الأخذ ، فيما اذا كان حين الاخبار عادلا أو فاسقا ، لا ما اذا كان حين المشاهدة عادلا ، أو فاسقا ، ثمّ تبدّل إلى حالة اخرى ، اذ العدل والفسق حين المشاهدة ونحوها ، ليسا مناطا في التبين وعدم التبيّن.

(لانّ هذا) أي نفي احتمال تعمّد الكذب (هو الّذي يصلح لا ناطته بالفسق والعدالة حين الاخبار).

(ومنه) أي : ممّا ذكرنا : من انّ الآية لا تدل على حجيّة الخبر الحدسي ، وان كان صادرا من العادل ، لأنّ الآية في الاخبارات المتعارفة ، وهي : ما كانت عن حسّ ، فلا تشمل ما كانت عن حدس ، ومن ذلك (تبيّن عدم دلالة الآية على قبول الشّهادة الحدسية) أيضا ، فانّ شهادة الشهود على شيء ، قد تكون عن حسّ ، كما

٣٤٤

اذا قلنا بدلالة الآية على اعتبار شهادة العدل.

فان قلت : إنّ مجرّد دلالة الآية على ما ذكر لا يوجب قبولية الخبر ، لبقاء احتمال خطأ العادل فيما أخبر وإن لم يتعمّد الكذب ،

______________________________________________________

اذا شهد اثنان زيدا وهو يسرق ، وقد تكون عن حدس ، كما اذا لم يريا سرقته ، وانّما حدسا بذلك من جهة بعض القرائن ، فاذا قلنا : بدلالة الآية على قبول الشهادة أيضا ، لزم أن نخصّص الشهادة بالحسّ ، بان تكون باحدى الحواس الخمس.

وعليه : فلا تشمل الآية الشهادة الحدسية ـ تخصيصا(اذا قلنا بدلالة الآية على اعتبار شهادة العدل) ـ أيضا.

أمّا اذا قلنا : بأنّ الآية في صدد الخبر فقط ، لا الأعمّ من الخبر والشهادة ، ـ بالنسبة الى الموضوعات ـ فلا دلالة للآية على قبول الشهادة الحسية ـ تخصّصا ـ.

وعلى أيّ حال : فالآية في مقام الحسّ ، لا في مقام الحدس ، سواء عمّمناها إلى الشهادة في الموضوعات ، أم خصصناها بالاخبار في الاحكام فقط ، لكن الظاهر شمول الآية للشهادة أيضا ، لأنّه لا خصوصيّة للخبر ، في الآية ، إلّا من جهة المورد ، ومن المعلوم انّ المورد لا يخصّص.

ثمّ انّ المصنّف قدس‌سره ، ذكر اشكالا على دلالة آية النبأ في قبول خبر العادل وهو اجنبي عن مبحث الاجماع ، ذكره من باب التوضيح والتبيين في الآية المباركة قائلا : (فان قلت : انّ مجرّد دلالة الآية على ما ذكر) من : نفي احتمال تعمّد الكذب في خبر العادل (لا يوجب قبوليّة الخبر) من العادل مطلقا(لبقاء احتمال خطأ العادل فيما أخبر ، وان لم يتعمّد الكذب) لاشتباه أو سهو أو نسيان ، أو نحو ذلك ، فانّ كلّ خبر يحتمل فيه الكذب والصدق. والآية تدلّ على نفي الكذب

٣٤٥

فيجب التبيّن في خبر العادل أيضا ، لاحتمال خطأه وسهوه ، وهو خلاف الآية المفصّلة بين العادل والفاسق.

غاية الأمر وجوبه في خبر الفاسق من وجهين وفي العادل من جهة واحدة.

قلت : إذا ثبت بالآية عدم جواز الاعتناء باحتمال تعمّد كذبه ينتفي احتمال خطائه وغفلته واشتباهه بأصالة عدم الخطأ في الحسّ ،

______________________________________________________

العمدي من خبر العادل ، بينما هذا الاحتمال موجود في خبر الفاسق ، ونفي احتمال الكذب العمدي في خبر العادل ، لا يبيح الأخذ بخبر العادل ، لاحتمال خطأه فيه ، وعليه : (فيجب التبيّن في خبر العادل أيضا لاحتمال خطأه وسهوه) سواء قلنا : بأنّ الآية تشمل الحسّيّات ، أو الأعمّ من الحسّيّات والحدسيّات ، وسواء قلنا : بأنّ الآية تشمل الخبر ، أو الأعمّ من الخبر والشهادة.

(وهو) أي وجوب التبين في خبر العادل ، لنفي احتمال الخطأ ، والنسيان ، والسهو ، والغفلة ، ونحوها(خلاف الآية المفصّلة) ، بصيغة اسم الفاعل (بين العادل والفاسق) لانّ ظاهر الآية عدم وجوب التبين في خبر العادل أصلا.

(غاية الأمر وجوبه) أي : التبين (في خبر الفاسق من وجهين) : وجه احتمال تعمّد الكذب ، ووجه احتمال الخطأ والنسيان ، ونحوهما(وفي) خبر(العادل من جهة واحدة) أي من جهة احتمال الخطأ ، والنسيان ، ونحوهما فقط ، لانّ تعمّد الكذب مأمون في العادل.

(قلت : اذا ثبت بالآية ، عدم جواز الاعتناء باحتمال تعمّد كذبه) أي : العادل (ينتفي احتمال خطائه ، وغفلته ، واشتباهه ، بأصالة عدم الخطأ في الحسّ) فاحتمال تعمّد الكذب في العادل : منفي بعدالته ، واحتمال خطأه : منفي بالأصل.

٣٤٦

وهذا أصل عليه إطباق العقلاء والعلماء في جميع الموارد.

نعم ، لو كان المخبر ممّن يكثر عليه الخطأ والاشتباه لم يعبأ بخبره ، لعدم جريان أصالة عدم الخطأ والاشتباه ، ولذا يعتبرون في الشاهد والراوي

______________________________________________________

أمّا بالنسبة إلى الفاسق ، فليس كذلك ، فانّه وان كان احتمال خطأه : منفي بالاصل ، لكن احتمال تعمّد كذبه : ليس منفيّا.

إذن : فالتفصيل بين الفاسق والعادل انّما هو بتعمّد الكذب وعدمه ، لا باحتمال الخطأ وعدمه ، أي : انّ خبر الفاسق لا يؤخذ به ، من جهة احتمال تعمّد كذبه ، وخبر العادل يؤخذ به ، لانتفاء تعمّد كذبه ، بينما اصالة عدم الخطأ جار في الاثنين ، فلا يكون من جهة احتمال الخطأ وعدمه ، تفصيل بين الفاسق والعادل.

(وهذا اصل عليه اطباق العقلاء والعلماء) والعلماء أخص من العقلاء ، وهم : المتشرعة(في جميع الموارد) سواء في باب الخبر ، أو باب الشهادة ، أو باب قول أهل الخبرة ، أو باب الفتوى ، أو باب القضاء ، أو غيرها ، فان العقلاء مطبقون على نفي احتمال الخطأ ، عن قول ، أو عمل كل انسان عاقل ، اذا لم يطرأ عليه طارئ ، من كثرة السهو ، والنسيان ، ونحوهما.

(نعم ، لو كان المخبر ، ممن يكثر عليه الخطأ والاشتباه ، لم يعبأ بخبره) الحسّي أيضا ، كما لم يعبأ بخبره الحدسي ؛ وذلك (لعدم جريان اصالة : عدم الخطأ ، والاشتباه) والغفلة ، ونحوها ، فيمن يكون كثير الخطأ والاشتباه ، مما يعبر عنه بعدم الضبط ، ولذا اشترطوا في باب الرّجال : ان يكون ضابطا ، وهذا الشرط ، شرط عقلائي أقره الشارع أيضا ، اذ لم يذكر نفيه ، (ولذا) الذي ذكرناه : من اشتراط عدم الخطأ ، والاشتباه ، في المخبر(يعتبرون في الشاهد ، والراوي)

٣٤٧

الضبط ، وإن كان ربما يتوهّم الجاهل ثبوت ذلك من الاجماع.

الّا أنّ المنصف يشهد بأنّ اعتبار هذا في جميع موارده ليس لدليل خارجيّ مخصّص لعموم آية النبأ ونحوها ممّا دلّ على وجوب قبول قول العادل ، بل لما ذكرنا من أنّ المراد بوجوب قبول قول العادل رفع التهمة عنه من جهة احتمال تعمّده الكذب ، لا تصويبه وعدم تخطئته او غفلته.

ويؤيّد ما ذكرنا

______________________________________________________

والمفتي ، والقاضي : (الضبط) وهو : استقامة الحالة ، بعدم طريان الخطأ والاشتباه والنسيان عليه.

وهذا الشرط ، وهو : الضبط إنّما هو أصل عقلائي علمائي (وان كان ربّما يتوهّم الجاهل) بوجه اشتراط الضبط(ثبوت ذلك) الشرط وهو : الضبط(من الاجماع) اي ان الذي لا يعرف وجه هذا الشرط ، ، يتصوّر انّ الاجماع هو دليله ، بينما قد عرفت : ان اشتراط الضبط ، مستفاد من الأصل العقلائي والعلمائي.

(الّا انّ المنصف يشهد : بأنّ اعتبار هذا) الشرط ، وهو : شرط الضبط(في جميع موارده) من الشهادة والتقليد والرواية ، وقول أهل الخبرة ، وغيرها(ليس) من جهة دليل خاص ، وهو الاجماع ، اي ، ليس (لدليل خارجي ، مخصص لعموم آية النبأ ، ونحوها ، ممّا دلّ على : وجوب قبول قول العادل) أو قول الشاهد ، أو قول القاضي ، أو قول المفتي ، أو غيرهم ، بل هذا الشرط ، انّما هو لأجل الاصل العقلائي ، الموجب لانصراف أدلّة حجيّة تلك الامور الى الضابط ، دون غيره ، (بل لما ذكرنا : من انّ المراد بوجوب قبول قول العادل ، رفع التهمة عنه ، من جهة احتمال تعمّده الكذب ، لا تصويبه وعدم تخطئته ، أو غفلته) أو نحو ذلك (ويؤيد ما ذكرنا :) من انّ الآية انّما تدل على حجيّة الخبر الحسّي ،

٣٤٨

أنّه لم يستدلّ أحد من العلماء على حجّيّة فتوى الفقيه على العاميّ بآية النبأ مع استدلالهم عليها بآيتي النفر والسؤال.

والظاهر أنّ ما ذكرنا ـ من عدم دلالة الآية وأمثالها من أدلّة قبول قول العادل

______________________________________________________

دون الخبر الحدسي (انّه لم يستدلّ أحد من العلماء ، على حجّية فتوى الفقيه على العامي بآية النبأ) لان فتوى الفقيه حدس ، وليس بحسّ ، والآية انّما تدل على الحسّ لا على الحدس.

هذا ، (مع استدلالهم عليها) أي : على حجيّة فتوى الفقيه على العامي (بآيتي :

النفر ، والسؤال) حيث قال سبحانه : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ، فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ ، لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ، وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ ، لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(١) ، وقال سبحانه : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٢) ، فان العلماء استدلوا بهاتين الآيتين على حجّيّة فتوى الفقيه على العامي ، ولم يستدلوا بآية النبأ على الحجّيّة ؛ وذلك لانّ فتوى الفقيه حدس ، وآية النبأ لا تشمل الحدس ، وانّما تشمل الحسّ فقط ، وقد عرفت : انّ الاجماع المنقول بخبر الواحد من باب الحدس ، لا من باب الحسّ ، فالآية لا تشمل الاجماع المنقول ، الذي هو محل الكلام.

(والظاهر انّ ما ذكرنا : من عدم دلالة الآية وامثالها) من أدلّة حجّيّة خبر الواحد ، سواء الآيات او الروايات ، كقوله عليه‌السلام : «لا عذر لأحد من موالينا ، في التشكيك فيما يرويه عنّا ثقاتنا» (٣) ، وقوله عليه‌السلام : «فما أديا اليك عنّي ، فعنّي يؤدّيان» (٤) ، وغيرهما(من ادلة قبول قول العادل) هو : عدم دلالة الآية وامثالها

__________________

(١) ـ سورة التوبة : الآية ١٢٢.

(٢) ـ سورة الأنبياء : الآية ٧.

(٣) ـ وسائل الشيعة : ج ١ ص ٣٨ ب ٢ ح ٦١ وج ٢٧ ص ١٥٠ ب ١١ ح ٣٣٤٥٥ ، رجال الكشي : ص ٥٣٦ ، بحار الانوار : ج ٥٠ ص ٣٨٨ ب ٤ ح ١٥.

(٤) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٣٢٩ ح ١.

٣٤٩

على وجوب تصويبه في الاعتقاد ـ هو الوجه فيما ذهب إليه المعظم ، بل أطبقوا عليه ، كما في الرياض ، من عدم اعتبار الشهادة في المحسوسات اذا لم يستند إلى الحسّ

______________________________________________________

(على وجوب تصويبه في الاعتقاد) أي في اخباره الحدسية ، وانّما الآية ونحوها ، تدل على تصويبه ونسبته الى الصواب في الحسيات.

وعليه : فعدم الدلالة هناك (هو الوجه فيما ذهب اليه المعظم ، بل اطبقوا عليه ـ كما في الرّياض ـ) الذي ادعى هذا الاطباق (من عدم اعتبار الشهادة في المحسوسات ، اذا لم يستند الى الحسّ) اذ اللازم ان تكون الشهادة في المحسوسات ، عن حسّ ، سواء كان محسوسا بالبصر او السمع ، أو الذوق ، أو الشم ، أو اللمس ، مثلا : اذا رأي زيدا وهو يعطي دينارا لعمرو وشهد عليه ، قبلت شهادته ، أمّا اذا علم ذلك من القرائن ، وشهد ، فلا تقبل شهادته.

وقد اشار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده الكريمة الى الشمس وقال لمن يريد الشهادة : على مثل هذه فاشهد (١).

والحاصل : انّ في الحسيّات ، سواء في الشهادة ، أو في الخبر ، انّما يكون قول العادل ، حجّة اذا استفاده من الحسّ ، لا ما اذا استفاده من الحدس.

نعم ، قول الحادس في الحدسيات حجة وان استفادة من الحدس لا من الحسّ ، كالمقوّمين ، الذين يقوّمون الدور ونحوها ، بالحدس لا بالحسّ ، فان قولهم حجّة ، لانهم أهل خبرة ، وقول أهل الخبرة حجّة.

وكيف كان : فالدليل على عدم قبول الشهادة عن حدس ، في الامور الحسّية ، هو : ان دليل حجّيّة الشهادة ، منصرف عن الشهادة عن حدس ، اذا كان المشهود

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ٣٤٢ ب ٢٠ ح ٣٣٨٨٣ وفيه (على مثلها فاشهد أو دع).

٣٥٠

وإن علّله في الرياض بما لا يخلو عن نظر ، من أنّ الشهادة من الشهود وهو الحضور ، فالحسّ مأخوذ في مفهومها.

______________________________________________________

عليه من الحسّيّات.

هذا ، (وان علّله) أي : عدم قبول قول العادل في الحدسيات ، (في الرّياض ، بما لا يخلو عن نظر) فان ما ذكره ، هو عبارة ، عما اشار اليه المصنّف بقوله : (من انّ الشهادة من الشهود ، وهو : الحضور ، فالحسّ مأخوذ في مفهومها) أي مفهوم الشهادة.

وانّما كان في كلام الرياض نظر ، لانّ الشهادة تطلق على المحسوس وغير المحسوس ، ولذا يصح ان يقول الانسان ، انّي اشهد بوجود الله سبحانه ، وبنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبامامة الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام ، وأشهد بالقيامة ، والصراط ، والجنة ، والنار ، وما الى ذلك ، مع ان كل هذا ليس من الحضور.

فليس جهة لزوم الحسّ في الشهادة ، هو من جهة لفظ الشهادة ـ على ما ذكره الرياض ـ بل انّما هو لأجل ما ذكرناه : من انصراف ادلة الشهادة في الموضوعات الى الشهادة عن حس ، إذا كان المشهود عليه من الحسيّات ، لكن لا يخفى : ان لزوم الحسّ في الشهادة ، انّما يكون اذا لم تكن هناك قرائن تفيد قطع الحاكم بصحة حدس الشاهد ، مما يوجب لحوقه بالحسّ ، كما اذا خرج زيد من الدار ، وترك عمرا سالما فيها ، فرأى بكرا يدخل الدار ويخرج ، وهو مضطرب وبيده سكين ملطخ بالدم ، فدخل زيد الدار فرأى عمروا مقتولا ، فانه اذا شهد عند الحاكم شاهدان بمثل ذلك يقطع الحاكم بان بكرا قاتل عمرو ، الى غيره من الأمثلة.

كما انّ من الواضح : ان الحسّ انّما يقبل منه اذا لم يكن ذلك من موارد خطأ الحسّ ، والتي هي كثيرة جدا ، أنهاها بعضهم الى ثمانمائة مورد ، مثل : السراب

٣٥١

والحاصل : أنّه لا ينبغي الاشكال في أنّ الاخبار عن حدس واجتهاد ونظر ليس حجّة إلّا على من وجب عليه تقليد المخبر في الأحكام الشرعيّة وأنّ الآية ليست عامة لكلّ خبر بدعوى خرج ما خرج.

فان قلت : فعلى هذا

______________________________________________________

الذي يحسبه ضمآن ماء ، والخطين المتوازيين الذين يراهما الانسان من بعيد متصلان ، الى غير ذلك من الامثلة.

(والحاصل : انه لا ينبغي الاشكال في انّ الاخبار عن حدس واجتهاد ونظر ، ليس حجّة) لا في باب الخبر الواحد ، ولا في باب القضاء ، ولا في باب الافتاء ، ولا في باب الشهادة(الّا على من وجب عليه تقليد المخبر في الأحكام الشرعيّة) ، وذلك لأدلة وجوب التقليد على العوام ، كقوله عليه‌السلام : «من كان من الفقهاء ، صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا لهواه ، مطيعا لأمر مولاه ، فللعوام أن يقلّدوه» (١) ، ولذا لا يجب على المقلد ، اتباع غير مجتهده ، لأنّ فتاواه ليست حجّة عليه.

هذا ، (وانّ الآية ليست عامة لكل خبر) وان كان عن حسّ أو حدس ، وذلك (بدعوى) : انه قد(خرج ما خرج) عن عموم الآية من الحدسيّات لأجل الدليل ، فانه لو لا الدليل لكان كل من الحدسيّات داخلا في الآية ـ أيضا ـ.

وبذلك ظهر : ان الاجماع المنقول ، الذي هو اخبار حدسي ، عن قول الامام عليه‌السلام ، ليس داخلا في الآية المباركة ، ولا في الأخبار الدالة على وجوب العمل بخبر العادل.

(فان قلت : فعلى هذا) الذي ذكرتم : من انّ الخبر ، مختص بالخبر الحسّي ،

__________________

(١) ـ وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٣١ ب ١٠ ح ٣٣٤٠١ ، الاحتجاج للطبرسي : ص ٤٥٨ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٨٨ ب ١٤ ح ١٢.

٣٥٢

إذا أخبر الفاسق بخبر يعلم بعدم تعمّده للكذب فيه تقبل شهادته فيه ، لأنّ احتمال تعمّده للكذب منتف بالفرض ، واحتمال غفلته وخطائه منفيّ بالأصل المجمع عليه ، مع أنّ شهادته مردودة إجماعا.

______________________________________________________

وانّ الآية بصدد نفي تعمّد الكذب عن العادل ، أمّا سائر الاحتمالات المنافية كاحتمال الخطأ ، والسهو ، والنسيان ، والغفلة ، وما أشبه ، فهي منفيّة بسبب الاصل العقلائي ، وعليه : ف(اذا أخبر الفاسق بخبر) وقال : انّ الإمام الصادق عليه‌السلام ، حكم بكذا ايجابا أو تحريما ، والسامع (يعلم بعدم تعمده للكذب فيه) لزم أن (تقبل شهادته فيه) أي : في ذلك الخبر ، الذي علم عدم تعمده الكذب فيه.

وذلك (لانّ احتمال تعمده للكذب منتف بالفرض ، واحتمال غفلته ، وخطائه منفي بالأصل المجمع عليه) عند العقلاء والعلماء ، كما ذكرنا : من انّ اصالة عدم الغفلة والخطأ وما أشبه ، مجمع عليها عند العقلاء ، ولو لم يكونوا من المتشرعة ، والعلماء الذين هم من المتشرعة.

(مع ان شهادته) أي : الفاسق (مردودة اجماعا) فتبين ان مناط قبول خبر الواحد ، ليس هو احتمالا للكذب وعدمه ، حتى يقال : بان احتمال الكذب منفي في العادل ، فيؤخذ بخبره ، وغير منفي في الفاسق ، فلا يؤخذ بخبره ، بل المناط هو : العدالة والفسق.

واذا كان المناط : العدالة في قبول الخبر ، والفسق : في عدم قبول الخبر ، نقول : الاجماع المنقول أيضا كذلك ، لأنّ المفروض ان شيخ الطائفة الذي نقل الاجماع في حرمة الفقّاع ـ مثلا ـ عادل ، فمناط وجوب قبول الخبر الحسّي ، موجود في هنا الحدسي وهو الاجماع ، حيث قد عرفت انّ المناط : العدالة فيلزم قبوله.

٣٥٣

قلت : ليس المراد ممّا ذكرنا عدم قابليّة العدالة والفسق لاناطة الحكم بهما وجودا وعدما تعبدا ، كما في الشهادة والفتوى ونحوهما ،

______________________________________________________

(قلت) : انا نقول : انّ خبر العادل يقبل في الجملة ، لانتفاء احتمال تعمد الكذب فيه ، ولا نقول : انّ كل خبر لا يحتمل فيه تعمّد الكذب يقبل حتى وان كان له منقصة اخرى ، كما اذا كان المخبر فاسقا.

وعليه : فلا يتمكن المستشكل ، أن يستشكل علينا ، بانه لو كان المناط في قبول خبر العادل عدم احتمال تعمد الكذب ، لزم قبول كل خبر لا يحتمل فيه تعمّد الكذب ، بينما لا يقبل الفقهاء خبر الفاسق ، وان علموا بانه لا يتعمد الكذب وصاروا بحيث كلما كان خبر الفاسق لم يقبلوه ، احتمل فيه تعمد الكذب ام لا ، أمّا خبر العادل ، اذا لم يمكن نفي احتمال الخطأ فيه ، كما اذا كان العادل كثير الخطأ ، أي غير ضابط فللازم قبول خبره لنفي احتمال تعمد الكذب ، هذا خلاصة الاشكال.

ولكن لا يحقّ له الاشكال ، لانه (ليس المراد ممّا ذكرنا) في معنى الآية المباركة : من التفصيل بين العادل الفاسق ، بمناط احتمال تعمد الكذب في الفاسق وعدم احتمال مثله في العادل هو : (عدم قابليّة العدالة والفسق ، لاناطة الحكم) وحجّيّة الخبر(بهما) أي بالعدالة والفسق (وجودا وعدما ، تعبّدا) بان يكون وجود العدالة سببا لقبول خبر العادل ، ووجود الفسق سببا لعدم قبول خبر الفاسق (كما) هو الأمر كذلك (في الشهادة ، والفتوى ، ونحوهما) كالقضاء ، فان كلا من الشاهد ، والمفتي ، والقاضي ، لو كان عادلا ، يقبل قوله : شهادة ، وفتوى ، وقضاء ، واذا كان فاسقا لم يقبل قوله ، فالقبول والرد من هؤلاء الثلاثة ، أيضا منوط بالعدالة والفسق ، وان علم بعدم تعمّد كذب الفاسق منهم.

٣٥٤

بل المراد أنّ الآية المذكورة لا تدلّ الّا على مانعيّة الفسق من حيث قيام احتمال تعمد الكذب معه ، فيكون مفهومها عدم المانع في العادل من هذه الجهة ، فلا يدلّ على وجوب قبول خبر العادل إذا لم يمكن نفي خطائه بأصالة عدم الخطأ المختصّة بالأخبار الحسّيّة ، فالآية لا تدلّ أيضا على اشتراط العدالة ، ومانعيّة الفسق في صورة العلم بعدم تعمّده للكذب ،

______________________________________________________

والحاصل : انه لم يكن المراد : عدم مناطية العدالة والفسق في الخبر(بل المراد : انّ الآية المذكورة) ساكتة عن سائر الجهات ، ف(لا تدلّ الّا على مانعيّة الفسق ، من حيث قيام احتمال تعمّد الكذب معه) أي : مع الفسق.

(فيكون مفهومها) أي : الآية المباركة : (عدم المانع في العادل ، من هذه الجهة) ، أي : جهة احتمال تعمّد الكذب.

وحينئذ : (فلا يدلّ) شيء من الآية المباركة(على وجوب قبول خبر العادل ، اذا لم يمكن نفي خطأه ، بأصالة عدم الخطأ) بأن كان العادل غير ضابط ، وقد وصف المصنّف قدس‌سره اصالة عدم الخطأ بقوله : (المختصة بالأخبار الحسيّة) أمّا الاخبار الحدسيّة فغير مقبولة رأسا فلا مجال لجريان او عدم جريان اصالة عدم الخطأ فيها.

(ف) كما انّ (الآية) لا تدلّ على اناطة الحكم بالعدالة والفسق وجودا وعدما ولم يكونا هما المناطين الوحيدين للقبول والرد ـ ولذا لا يقبل خبر العادل ، اذا لم يكن ضابطا ـ كذلك (لا تدل) الآية(أيضا ، على اشتراط العدالة ، ومانعية الفسق ، في صورة العلم بعدم تعمده للكذب) حتى تدل على انه اذا صار عادلا قبل قوله ، وان كان عن حدس.

والحاصل : ان بعض العدول لا يقبل قوله ، لأنّه اخبر عن حدس ، وبعض

٣٥٥

بل لا بدّ له من دليل آخر ،

______________________________________________________

العدول لا يقبل قوله ، لانه ليس بضابط ، فالفسق والعدالة ليسا مناطين وحيدين ، حتى يقال : ان كل خبر عادل يقبل ، وان كل خبر فاسق اذا لم يعلم تعمده للكذب يقبل أيضا(بل لا بدّ له) اي : لكل واحد من الاشتراط والمانعية في كلّ الموارد(من دليل آخر).

ولا يخفى : انّ عبارة المصنّف مجملة أو مبهمة. وقد فسّرها «الأوثق» بقوله : محصل ما ذكره في معنى الآية الشريفة :

كونها منساقة لبيان اشتراط العدالة ، ومانعية الفسق ، في العمل بخبر المخبر ، لأجل انتفاء احتمال تعمد الكذب في العادل بحكم الشارع ، وبقاء هذا الاحتمال في الفاسق ، وهي ساكتة عن بيان وجوب التبين عن خبرهما ، وعدمه من سائر الجهات ، مثل : احتمال الخطأ والنسيان ، ونحوهما ، فكأنه قال : يجب عليكم التبين عن خبر الفاسق من هذه الجهة ، ولا يجب التبين عن خبر العادل من هذه الجهة.

ومقتضاه : عدم اشتراط العدالة ، في مورد انتفى فيه احتمال تعمّد الكذب عن خبر الفاسق ، ولكن لا ينافيه اشتراطها تعبدا ، في بعض الموارد بدليل خارج ، كما في الشهادة والفتوى.

وكذا مقتضاه : عدم دلالتها على اعتبار خبر العادل ، من حيث احتمال الخطأ ، والنسيان ، ونحوهما ، فيشاركه خبر الفاسق من هذه الجهة ما لم يقم دليل على نفيهما فيه.

وكذا لو احتمل اشتراط شيء آخر في حجّيّة الخبر غير العدالة ، كما اذا احتمل اشتراط تعدد المخبر في اداء الشهادة ، فان مقتضى ما حقق به المقام ، عدم نهوض

٣٥٦

فتأمّل.

الأمر الثاني : انّ الاجماع في مصطلح الخاصّة

______________________________________________________

الآية لنفي هذه الاحتمالات ، فتكون الآية حينئذ مجملة من غير جهة بيان نفي احتمال تعمد الكذب في خبر العادل ، انتهى.

(فتأمل) ولعله اشارة الى انّ مقتضى التعليل في الآية الكريمة : انّ خبر الفاسق ما لم يكن فسقه لسانيا ـ كما اذا علمنا انه كالعادل لا يتعمد الكذب ـ أيضا مقبول ، ولذا اعتمد الفقهاء على اخبار الكيسانية والفطحية ، ومن اشبههم ، اذ لم يحتملوا في اخبارهم الكذب ، مع انهم من اظهر مصاديق الفساق ، لانحراف عقائدهم.

ولا يخفى : ان كلام المصنّف قدس‌سره في الذيل ، خارج عن مصبّ الكلام الذي هو :

أنّ الآية لا تشمل الاخبار الحسيّة ، وكأنه استطراد منه رحمه‌الله.

(الأمر الثاني :) في انّ ناقل الاجماع ، ينقل قول المعصوم عن حدس ، وليس بالحس ، كما ان الأمر الاوّل كان : في توضيح انّ الاجماع المنقول حدسي ، والآيات والاخبار الدالة على حجّيّة الخبر ، انّما تدل على حجّيّة الخبر الحسّي لا الحدسي.

ان قلت : ليس الاجماع حدسيا بل حسّي.

قلت : بل هو حدسيّ.

ولهذا ذكر المصنّف الكبرى في الأمر الأوّل : بانّ الادلة لا تشمل الأخبار الحدسيّة ، وذكر الصغرى في الأمر الثاني : بأنّ الاجماع خبر حدسي لا حسّي.

٣٥٧

بل العامّة ، الذين هم الأصل له وهو الأصل لهم ، هو اتفاق جميع العلماء في عصر ،

______________________________________________________

بل العامة ، الذين هم الأصل له) حيث انه من المشهور : انّ حديث : «لا تجتمع امّتي على خطأ» (١) أصله منهم ، لكن حيث ان هذا الخبر موجود في بعض رواياتنا ، فلا وجه لجعل الاجماع من اختراعات العامة ـ كما ذكره بعض الشراح والمحشّين ـ.

(وهو) أي الاجماع (الاصل لهم) ـ لأنّه : كما قالوا ـ مبنى مذهب العامة ، اذ عمدة ادلّتهم على خلافة عمر وابي بكر ، عندهم اجماع الامة على ذلك.

أقول : وهذه أيضا محل تأمّل ، فانهم بنوا مذهبهم على ما زعموا عليه جملة من الأدلة : منها ما يروونه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، انّه قال : «أصحابي كالنجوم ، بأيّهم اقتديتم اهتديتم» (٢) ، ومنها : قوله سبحانه : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ ...)(٣) ، وغير ذلك.

ولا يخفى ما فيها مما محلّ تفصيله الكتب العقائديّة.

وعلى كل حال : فالاجماع في مصطلح الخاصة والعامة(هو : اتفاق جميع العلماء في عصر) واحد ، وان اختلفوا في عصور متعددة ، كما اذا كان في عصر المحقق الحلّي ـ مثلا ـ قد افتى العلماء بفتوى واحدة ، تحقق الاجماع ، وان كان شيخ الطائفة ، أو من بعده. كالشهيدين ، ونحوهم ، مخالفين في تلك الفتوى.

__________________

(١) ـ الصراط المستقيم : ج ٣ ص ١٢٥ ، الغدير للاميني : ج ٧ ص ١٤٢ وص ١٤٣.

(٢) ـ بحار الانوار : ج ٢٨ ص ١٨ ب ١ ح ٢٦ ، عيون أخبار الرضا : ج ١ ص ٨٧ ، الصراط المستقيم : ج ٢ ص ٢١ وج ٣ ص ١٤٦ ، ارشاد القلوب : ص ٣٣٥ ، الطرائف : ص ٥٢٣ ، الصوارم المهرقة : ص ١٠٠.

(٣) ـ سورة التوبة : الآية ١٠٠.

٣٥٨

كما ينادي بذلك تعريفات كثير من الفريقين.

قال في التهذيب : «الاجماع هو اتّفاق أهل الحلّ والعقد من أمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

وقال صاحب المبادي ، الذي هو أحد علمائنا المعاصرين للعلّامة قدس‌سره : «الاجماع في اصطلاح فقهاء أهل البيت عليهم‌السلام ، هو اتفاق أمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، على وجه يشمل قول المعصوم» ، انتهى.

وقال في المعالم : «الاجماع في الاصطلاح اتّفاق خاص ، وهو اتّفاق من يعتبر قوله من الأمّة». انتهى.

______________________________________________________

(كما ينادي بذلك تعريفات كثير من الفريقين ، قال) الشيخ (في التهذيب : الاجماع هو : اتفاق أهل الحلّ والعقد ، من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ومن المعلوم : ان اتفاق أهل الحلّ والعقد من امته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ظاهر في الاتفاق في عصر واحد ، لا كل العصور.

(وقال صاحب) غاية البادي في شرح (المبادي ، الذي هو أحد علمائنا ، المعاصرين للعلامة قدس‌سره) ما لفظه : (الاجماع في اصطلاح فقهاء أهل البيت عليه‌السلام هو : اتفاق أمه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على وجه يشمل) ذلك الاتفاق (قول المعصوم انتهى) (١).

(وقال في المعالم : الاجماع في الاصطلاح ، اتفاق خاص ، وهو اتفاق من يعتبر قوله من الامّة انتهى) (٢).

والمراد بمن يعتبر قوله : أهل الحلّ والعقد ، كما ان المراد باهل الحلّ والعقد :

__________________

(١) ـ غاية البادي في شرح المبادي : مخطوط.

(٢) ـ معالم الدين : ص ١٧٢.

٣٥٩

وكذا غيرها من العبارات المصرّحة بذلك في تعريف الاجماع وغيره من المقامات ، كما تراهم يعتذرون كثيرا عن وجود المخالف بانقراض عصره.

ثمّ إنّه لمّا كان وجه حجّيّة الاجماع عند الاماميّة اشتماله على قول الامام عليه‌السلام ، كانت الحجّيّة دائرة مدار وجوده عليه‌السلام ، في كلّ جماعة هو أحدهم ،

______________________________________________________

الّذين لهم شخصية كبيرة بحيث يحلّون الامارات ، والولايات ، وما اشبه ، ويعقدونها ، أو الأعم من ذلك بمعنى الّذين يعقدون العقود المرتبطة بالامة ويحلّونها او المراد أهل الحلال والحرام من الفقهاء.

(وكذا غيرها من العبارات المصرحة بذلك) من انّ الاجماع هو : اتّفاق علماء عصر واحد ، فانهم قد صرحوا بهذا التفصيل للاجماع (في) مقام (تعريف الاجماع وغيره) أي : في غير هذا المقام (من المقامات) في مختلف أبواب الفقه ، والاصول والتفسير ، والتاريخ ، والعقائد ، وغيرها.

(كما تراهم) أي : الفقهاء والاصوليين ، وغيرهم (يعتذرون كثيرا ، عن وجود المخالف ، بانقراض عصره) أي : انهم لما يدعون الاجماع يستشكل عليهم : بأنّ العالم الفلاني مخالف لهذا الرأي ، فيعتذرون : بأن العالم الفلاني المخالف ، انقرض عصره.

فان ظاهر هذه العبارة : انّ المعيار عندهم في الاجماع : اتفاق اهل عصر واحد ، وان خالفه علماء سائر الاعصار المتقدمة أو المتأخرة.

(ثمّ انّه لمّا كان وجه حجّيّة الاجماع) الاصطلاحي (عند الاماميّة ، اشتماله على قول الامام عليه‌السلام ، كانت الحجّيّة دائرة مدار وجوده عليه‌السلام في كل جماعة هو أحدهم) ، فالمعيار في حجّيّة الاجماع : الاشتمال على قول المعصوم ، سواء كان اصحاب ذلك القول الذي فيه المعصوم قليلين أو كثيرين ، اذ ليس المهم الكثرة أو

٣٦٠