واسط في العصر العباسي

د. عبد القادر سلمان المعاضيدي

واسط في العصر العباسي

المؤلف:

د. عبد القادر سلمان المعاضيدي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

علماء التاريخ الطبيعي بين العرب ، وتقوم طريقة القزويني على الرصف على الخصوص ، كما صنع بوفون بعده» (١).

وفي علم «الفيزياء» قدم لنا القزويني في كتابه معلومات مهمة في خواص الشمس وأصول الرياح والرعد والبرق وغيرها (٢). ويقدم لنا مؤرخ العلوم «فيدمان» في مجموعة من المقالات تحليلا لعدد من المسائل التي عالجها القزويني في مجال هذا العلم (٣).

ونجد للقزويني آراء في «علم النفس» تكلم فيها عن القوى العقلية والقوى المدركة وعن تفاوت الناس في الذكاء وغيرها (٤). وقد قام «تيشنرtaeschner بترجمة هذه الآراء (٥).

نستنتج مما تقدم أن أهل واسط كانوا يعنون بالعلوم الدينية واللغوية أكثر من عنايتهم بالعلوم الأخرى ، وإن الدين كان هو نقطة البدء في كل نشاط عقلي ، ويرجع السبب في ذلك إلى اهتمام العلماء في العالم الإسلامي بالعلوم الدينية في هذه الفترة فصار اتجاه الثقافة اتجاها دينيا وترتب على ذلك حرصهم على دراسة علوم العربية لأنها خير أداة لفهم الدين.

٦ ـ الصلات العلمية بين واسط والعالم الإسلامي :

نظرا لمكانة واسط العلمية فقد قصدها عدد من العلماء والقراء والمحدّثين والفقهاء والأدباء من شتى أنحاء العالم الإسلامي للقاء مشايخها

__________________

(١) حضارة العرب ، ٤٨٥.

(٢) انظر : عجائب المخلوقات ، ٥٥ ـ ٥٧ ، ١٣٤ ، ١٣٥ ، ١٣٨ ، ١٣٩ ـ ١٤١ ، ١٤٣ ـ ١٤٧. كراتشكوفسكي ، تاريخ الأدب الجغرافي العربي ، ق ١ ، ٣٦٦.

(٣) كراتشكوفسكي ، تاريخ الأدب الجغرافي العربي ، ق ١ ، ٣٦٦.

(٤) عجائب المخلوقات ، ٣٤٣ ـ ٣٨٢.

(٥) كراتشكوفسكي ، تاريخ الأدب الجغرافي العربي ، ق ١ ، ٣٦٦.

٣٢١

والدراسة عليهم ، وقد درس البعض منهم في هذه المدينة ، كما رحل عدد من العلماء الواسطيين إلى بلدان العالم الإسلامي الأخرى وقرأوا القرآن الكريم وسمعوا الحديث ، وقد درّس بعضهم القرآن الكريم والحديث ، وعلوم العربية في تلك البلدان ، وسوف نذكر طائفة من العلماء الذين وفدوا إلى واسط لتلقي العلم فيها فيما يأتي : فمن الأندلس قدم إليها أبو عبد الله محمد بن فتوح بن عبد الله الحميدي الأندلسي (ت ٤٨٨ ه‍ / ١٠٩٥ م) مؤلف كتاب «جذوة المقتبس في أخبار علماء الأندلس» وكتاب «الجمع بين الصحيحين» وغيرهما (١) ، وأقام مدة سمع الحديث من أبي غالب بن بشران ، وأبي تمام علي بن محمد بن الحسن العبدي ، ونسخ كتاب «الكامل» للمبرد وقرأه على أبي غالب بن بشران ، وكان ابن بشران يرويه عن أبي الحسين بن دينار الواسطي (٢).

ورحل إليها من الأندلس أيضا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن خطاب المغربي (ت ٥٩٥ ه‍ / ١١٩٨ م) قدم بغداد سنة ٥٨٧ ه‍ / ١١٩١ م والتقى فيها برجال الحديث ثم غادرها إلى واسط وقرأ بها القرآن الكريم على أبي بكر بن الباقلاني (٣).

وأبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد المرسي السلمي «الأديب النحوي المفسر المحدث الفقيه» كما يقول ياقوت ، خرج من الأندلس سنة ٦٠٧ ه‍ / ١٢١٠ م وتنقل في البلاد ثم قدم واسط ، وسمع بها الحديث الكثير من الشيخ أبي طالب عبد الرحمن بن عبد السميع الهاشمي الواسطي ، والشيخ أبو الفتح محمد بن أحمد بن بختيار الواسطي المعروف

__________________

(١) انظر في ترجمته : ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٨ / ٢٨٢ ، الذهبي ، العبر ، ٣ / ٣٢٣. الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ٤ / ٣١٧.

(٢) سؤالات السلفي ، ١٠١ ، ١٠٢.

(٣) ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ٢٥. المنذري ، التكملة ، ٢ / ١٩٢ ، ١٩٣.

٣٢٢

بابن المندائي ، ومشيخته (١).

والشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الإشبيلي (ت ٦١٥ ه‍ / ١٢١٨ م) قدم بغداد وسمع الحديث بها ثم قصد واسط وسمع الحديث من أبي الفتح بن المندائي وحدث ببغداد وخراسان (٢) ورحل إليها من الأندلس أيضا الشيخ أبو محمد عبد العزيز بن الحسين بن عبد العزيز ابن هلالة اللخمي الأندلسي (ت ٦١٧ ه‍ / ١٢٢٠ م) سمع الحديث بمكة وبغداد ثم قدم إلى واسط والتقى بأبي الفتح محمد بن أحمد بن المندائي وسمع الحديث منه ثم غادرها إلى المشرق طلبا للحديث ، وقد حدث بالعراق والشام والحجاز (٣).

والحافظ أبو الخطاب عمر بن حسن بن علي المعروف بابن دحية من أهل ميورقة (ت ٦٣٣ ه‍ / ١٢٣٥ م) مؤلف كتاب «النبراس في تاريخ خلفاء بني العباس» سمع الحديث بالأندلس ثم رحل إلى المشرق وقدم بغداد ثم قصد واسط وسمع الحديث بها من أبي الفتح بن المندائي (٤).

ورحل إليها من «مصر» الشيخ الحافظ أبو طاهر إسماعيل بن عبد الله ابن عبد المحسن الأنصاري المصري الشافعي (ت ٦١٩ ه‍ / ١٢٢٢ م) سمع

__________________

(١) ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٨ / ٢١١. السيوطي ، بغية الوعاة ، ١ / ١٤٤ ، ١٤٥. الداودي ، طبقات المفسرين ، ٢ / ١٦٨ ، ١٧٢.

(٢) ابن نقطة ، إكمال الإكمال (مخطوطة) ورقة ٢٥٨ أ ، التكملة ، ٤ / ٣٢٢ ، ٣٢٣.

(٣) المنذري ، التكملة ، ٥ / ٢٩. الدمياطي ، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد ، (مخطوطة) ج ٥ ، ورقة ٤٨ ب.

(٤) ابن النجار التاريخ المجدد (مخطوطة) ورقة ٩٧ ب ، ٩٨ أ (نسخة مكتبة الدراسات العليا). ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، ٣ / ٤٤٨ ، ٤٤٩ ، وقد وردت كلمة المندائي فيه مصحفة إلى الميداني. ابن دحية ، النبراس ، ١٦٦. الدمياطي ، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد (مخطوطة) ج ٦ ، ورقة ١١ أ. ويذكر ابن قاضي شهبة أن ابن دحية سمع مسند أحمد بن حنبل على ابن المندائي بواسط ، طبقات النحاة (مخطوطة) ق ٢ ، ورقة ٥٩٤.

٣٢٣

الحديث بالإسكندرية ثم رحل إلى بلاد كثيرة ، وقدم بغداد والتقى برجال الحديث فيها ثم قصد واسط وسمع الحديث من أبي الفتح محمد بن أحمد المندائي وآخرين. حدث بمصر ودمشق (١).

والشيخ أبو القاسم عبد الرحمن بن فاضل بن علي الاسكندراني المقرىء المعروف بابن السيوري (ت ٦٣٠ ه‍ / ١٢٣٢ م) سمع الحديث بمصر ثم قدم إلى بغداد وقرأ بها القرآن الكريم ثم رحل إلى واسط وقرأ بها القرآن الكريم بالقراءات و «حصل منها طرفا صالحا» كما يقول المنذري ثم عاد إلى مصر وكان على معرفة جيدة بالقراءات واختلافها (٢).

والشيخ الفقيه أبو محمد إسحاق بن محمد بن المؤيد الوبري الشافعي (ت ٦٢٣ ه‍ / ١٢٢٦ م) سمع الحديث بمصر والشام وبغداد ثم قدم واسط وسمع الحديث من أبي الفتح محمد بن أحمد المندائي وآخرين ثم عاد إلى مصر وحدث هناك (٣).

أما من دمشق فقد رحل إليها الحافظ أبو مسعود إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي (ت ٤٠١ ه‍ / ١٠١٠ م) سافر الكثير وسمع وكتب الحديث ببغداد وواسط ومدن أخرى وكان صدوقا ديّنا (٤).

وأبو عبد الله محمد بن عمر بن أبي بكر الدمشقي (ت ٦١٦ ه‍ / ١٢١٩ م) قدم بغداد والتقى برجال الحديث ثم انحدر إلى واسط وكتب بها عن جماعة من تلامذة أبي الكرم خميس بن علي الحوزي والقاضي أبي علي الفارقي ، وأبي الكرم بن مخلد الأزدي ، ثم غادرها إلى أصبهان وإربل والموصل وتولى مشيخة دار الحديث بالموصل (٥).

__________________

(١) المنذري ، التكملة ، ٥ / ١١٥ ـ ١١٧.

(٢) ن. م ، ٦ / ٥٢.

(٣) المنذري ، التكملة ، ٥ / ٢٦٣ ، ٢٦٤.

(٤) ابن الجوزي ، المنتظم ، ٧ / ٢٥٢.

(٥) ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ٨٥. المنذري ، التكملة ، ٤ / ٣٨٩.

٣٢٤

والقاضي الفقيه أبو العباس أحمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي المعروف بالبخاري (ت ٦٢٣ ه‍ / ١٢٢٦ م) قدم بغداد وسمع الحديث ثم ذهب إلى واسط والتقى برجال الحديث بها ، وحدث بدمشق وحمص ثم تولى القضاء بها (١).

وقصدها من «حران» القاضي أبو بكر عبد الله بن نصر الحراني (ت ٦٢٤ ه‍ / ١٢٢٦ م) قدم بغداد والتقى برجال الحديث والفقه ثم ذهب إلى واسط وقرأ بها القرآن الكريم بالقراءات العشر على القاضي أبي الفضل هبة الله بن علي بن قسام الواسطي ، وأبي بكر بن الباقلاني الواسطي وأبي طالب بن العكبري ، وسمع الحديث من القاضي أبي طالب محمد بن علي ابن أحمد الكتاني ، ثم عاد إلى بلده وتولى القضاء هناك أقرأ القرآن الكريم وحدث (٢).

والشيخ أبو زكريا يحيى بن أبي الفتح بن عمر الطباخ الحراني (ت ٦٠٧ ه‍ / ١٢١٠ م) قدم بغداد والتقى برجال الحديث والفقه ثم قصد واسط وقرأ بها القرآن الكريم بالقراءات على القاضي أبي الفضل بن قسام الواسطي وآخرين ، وسمع الحديث من القاضي أبي طالب الكتاني (٣).

وقدم إليها من «الرها» الشيخ الحافظ أبو محمد عبد القادر بن عبد الله بن عبد الرحمن الرهاوي (ت ٦١٢ ه‍ / ١٢١٥ م) كان من مشاهير علماء الحديث في عصره ، قصد بغداد والتقى برجال الحديث ثم ذهب في طلبه

__________________

(١) المنذري ، التكملة ، ٥ / ٢٦٥ ، ٢٦٦.

(٢) ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١١١. الذهبي ، العبر ، ٥ / ٩٨. ابن رجب ، الذيل على طبقات الحنابلة ، ٢ / ١٧١ ، ١٧٢.

(٣) المنذري ، التكملة ، ٣ / ٣٤٧ ، ٣٤٨. ابن رجب ، الذيل على طبقات الحنابلة ، ٢ / ٦٢.

٣٢٥

إلى واسط ، وسمع الحديث بها وكتب عن أبي طالب بن الكتاني وآخرين (١). ثم سافر في طلبه إلى مدن أخرى حدّث بالموصل وأربيل ودرس الحديث بدار الحديث المظفرية بالموصل مدة ثم قدم حرّان وحدث بها. جمع كتاب «الأربعين البلدانية» في مجلدين وهو كتاب كبير كما يقول المنذري خرجه بأربعين إسنادا مما سمعه في أربعين مدينة (٢).

أما من المشرق الإسلامي فقد رحل إليها من «أستراباذ» أبو سهل هارون بن أحمد بن هارون الأستراباذي (ت ٣٦٤ ه‍ / ٩٧٤ م) سمع الحديث بالمشرق وبغداد ومكة وبواسط من محمود بن محمد الواسطي (٣).

ورحل إليها من «شيراز» الحافظ أبو القاسم هبة الله بن عبد الوارث ابن علي (ت ٤٨٥ ه‍ / ١٠٩٢ م) الذي صنف كتاب «تاريخ شيراز» رحل إلى بلاد كثيرة لسماع الحديث ثم قدم واسط وسمع الحديث من أبي تمام محمد بن الحسن العبدي (٤).

ورحل إليها من «همدان» أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن الهمداني الحافظ المحدث (ت ٥٦٩ ه‍ / ١١٧٣ م) الذي كان «إماما في علوم القراءات والحديث والأدب» قرأ القرآن الكريم بالقراءات بأصبهان ثم قدم واسط وقرأ القرآن الكريم بالقراءات على أبي العز القلانسي ، ثم غادرها

__________________

(١) ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ٩٦. ياقوت ، معجم البلدان ، ٣ / ١٠٦. ابن رجب ، الذيل على طبقات الحنابلة ، ٢ / ٨٤. الرها : مدينة بالجزيرة بين الموصل والشام بينهما ستة فراسخ. معجم البلدان ، ٣ / ١٠٦.

(٢) التكملة ، ٤ / ١٦٠ ـ ١٦٤. ياقوت ، معجم البلدان ، ٣ / ١٠٦. ابن رجب ، الذيل على طبقات الحنابلة ، ٢ / ٨٢ ـ ٨٦.

(٣) السمعاني ، الأنساب ، ١ / ٢٠١ ، ٢٠٢. أستراباذ : بلدة كبيرة مشهورة من أعمال طبرستان ، أخرجت خلقا من أهل العلم في كل فن. معجم البلدان ، ١ / ١٧٤ ، ١٧٥.

(٤) الدمياطي ، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد (مخطوطة) ج ٨ ، ورقة ٧٦ ، ٧٧.

٣٢٦

إلى بغداد وقرأ القرآن الكريم وعاد إلى بلده صنف في القراءات كتبا حسنة (١).

ورحل إليها من «همدان» أيضا الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان الهمداني الشافعي (ت ٥٨٤ ه‍ / ١٠٩١ م) سمع الحديث بهمدان وقرأ القرآن الكريم ثم رحل إلى بغداد واستوطنها والتقى برجال الحديث والفقه ثم قدم واسط وسمع الحديث من أبي طالب الكتاني ، وأبي العباس أحمد بن سالم البرجوني وغيرهما ، وصار من أحفظ الناس للحديث وأعرفهم بعلومه وأسانيده ورجاله ـ كما يقول ابن الدبيثي ـ وصنف في علم الحديث عدة مصنفات وأملى عدة مجالس (٢).

ورحل إليها من «مرو» الإمام الحافظ المؤرخ أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي المعروف بابن السمعاني (ت ٥٦٢ ه‍ / ١١٦٦ م) (٣) قاصدا أحد علمائها الكبار وهو الشيخ أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد الجلابي المعروف بابن المغازلي وذلك في سنة ٥٣٣ ه‍ / ١١٣٨ م وسمع منه «مسند» أحمد بن سنان القطان الواسطي وقرأ عليه «تاريخ واسط» لبحشل ، وأضاف بقوله «سمعت منه الكثير ... وقرأت عليه الكثير» (٤) وقرأ على أبي الجوائز سعد بن عبد الكريم بن الحسن الغندجاني الواسطي (٥). وكتب عن الفقيه أبي جعفر هبة الله بن يحيى بن الحسن بن البوقي الواسطي

__________________

(١) تلخيص مجمع الآداب ، ج ٤ ، ق ٤ ، ٦٢٦ ، ٦٢٧. الذهبي ، العبر ، ٤ / ٢٠٦.

(٢) ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ١٤٧. المختصر المحتاج إليه ، ١ / ١٤٤ ، ١٤٥. التكملة ، ١ / ١٤٥ ـ ١٥٢. الذهبي ، تذكرة الحفاظ ، ٤ / ١٣٦٣.

(٣) عن السمعاني انظر : التحبير في المعجم الكبير ، المقدمة ، ١٩ ـ ٣٦. منيرة ناجي سالم ، البيت السمعاني ، مجلة المورد ، م ٥ ، عدد ٤ ، ١٩٧٦ ، ص ٢٩ ـ ٥٨.

(٤) الأنساب ، ٣ / ٤٤٦. البنداري ، تاريخ بغداد (مخطوطة) ج ١ ، ورقة ٣١ ب نقلا عن السمعاني.

(٥) السمعاني ، الأنساب ، ٤١٢.

٣٢٧

وأثنى عليه (١). وغيرهم (٢).

أما أبو جعفر محمد بن حمد بن محمد فقد رحل إليها من «نهاوند» وكتب عن شيوخها ثم عاد إلى خراسان واستوطن مرو أقرأ القرآن الكريم وحدث ، ووصف بالفضل والعلم (٣).

ومن «أصبهان» أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد (ت ٤٣٠ ه‍ / ١٠٣٨ م) الذي كان من كبار المحدثين. سمع الحديث بأصبهان ثم سافر في طلبه كثيرا ، وقدم واسط وسمع بها الحديث من أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد ، وأبي بكر محمد بن حبش بن خلف الخطيب. صنف كثيرا في الحديث ، وحدث كثيرا (٤).

ورحل إليها من «أصبهان» أيضا الإمام الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني المعروف بالسلفي (ت ٥٧٦ ه‍ / ١١٨٠ م) (٥) سمع الحديث بأصبهان ثم قدم بغداد سنة ٤٩٣ ه‍ / ١٠٩٩ م وأقام بها والتقى بشيوخ الحديث فيها (٦) ثم رحل إلى واسط وأقام بها مدة وسمع الحديث وكتبه من كبار المحدثين فيها (٧) والتقى بعلمائها (٨). وفي أثناء إقامته بواسط

__________________

(١) السمعاني ، التحبير في المعجم الكبير ، ٢ / ٣٦٦. ويذكر السمعاني أنه كان قد زار واسط مرتين ، الأنساب ، ٣ / ٤٤٦.

(٢) ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٦٤. الدمياطي ، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد (مخطوطة) ج ٥ ، ورقة ٥٠ ب.

(٣) ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقد ٤٥.

(٤) الدمياطي ، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد (مخطوطة) ج ٢ ، ورقة ١٦ ب ، ١٧ أ.

(٥) عن السلفي انظر : معجم السفر ، ٧ ـ ٩٤ (المطبوع).

(٦) معجم السفر ، المقدمة ، ١٩ ـ ٢٢ (المطبوع). ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ٢١٩. الدمياطي ، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد (مخطوطة) ج ٢ ، ورقة ٢١ ب.

(٧) السلفي ، معجم السفر ، ١ / ٢٠٤ (المطبوع). ابن نقطة ، التقييد (مخطوطة) ورقة ٦٤ ب. ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ٢١٠. الدمياطي ، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد (مخطوطة) ج ٢ ، ورقة ٢٢ أ.

(٨) سؤالات السلفي ، ١ وما بعدها. ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ٢١٩.

٣٢٨

كان يتردد إلى علماء مدن واسط وسمع منهم وكتب عنهم وأشاد بفضلهم وعلمهم (١). رحل إلى دمشق طلبا للعلم ، ثم غادرها إلى مصر واستقر في مدينة الإسكندرية حتى وفاته (٢).

أما من «جيلان» فقد رحل إليها أبو سليمان داود بن رضا بن مهدي (ت بعد سنة ٦٠٠ ه‍ / ١٢٠٣ م) وحفظ بها القرآن الكريم وقرأه على كبار القراء ثم ذهب إلى بغداد وقرأ الفقه ثم عاد إلى واسط واستوطنها حتى وفاته (٣). ويظهر أنه سمع الحديث بواسط أيضا. فقد ذكر ابن الدبيثي أنه حدث ببغداد عن أبي جعفر هبة الله بن يحيى الواسطي المعروف بابن البوقي وسمع منه جماعة وحدثوا عنه (٤).

ومن «يزد» رحل إليها أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسين اليزدي المقرىء الفقيه الشافعي (ت ٥٥١ ه‍ / ١١٥٦ م) سمع الحديث ببلده ثم رحل إلى بغداد والتقى بالفقهاء ثم قدم واسط وسمع الحديث من كبار المحدثين ، ودرس الفقه على القاضي أبي علي الفارقي ورحل إلى مدن أخرى طالبا للحديث ثم عاد إلى بغداد واستوطنها حتى وفاته ، وقد بلغت مصنفاته في الفقه والحديث والزهد وغيرها أكثر من خمسين مصنفا (٥).

ومن «السوس» رحل إليها أبو الحسن علي بن أحمد بن علي السوسي وسمع الحديث من أبي الفرج أحمد بن علي بن جعفر الخيوطي ، وأبي

__________________

(١) السلفي ، معجم السفر (مخطوطة) ورقة ١٥٩ أ ، ب ، ١٦٢ ب ، ١٧٧ أ.

(٢) ابن نقطة ، التقييد (مخطوطة) ورقة ٦٥ أ. الدمياطي ، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد (مخطوطة) ج ٢ ، ورقة ٢٢ أ.

(٣) ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ٤٦. جيلان : قرى كثيرة ما وراء طبرستان معجم البلدان ، ٢ / ٢٠١.

(٤) ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ٤٦.

(٥) ابن النجار ، التاريخ المجدد (مخطوطة) ج ١٠ ، م ٣ ، ورقة ١٥٥ ب. يزد : من أعمال فارس تقع في موقع وسط بين نيسابور وشيراز وأصبهان ، معجم البلدان ، ٥ / ٤٣٥.

٣٢٩

علي إسماعيل بن وهبان بن إبراهيم الصلحي ، وأبي الحسن علي بن عبد الله بن عمر بن شوذب ، والحسن بن أحمد التمار ثم رحل إلى بغداد وحدث عنهم (١).

ورحل إليها من «زنجان» أبو حامد محمد بن الحسن بن محمد الزنجاني ، قدم بغداد والموصل والتقى برجال الحديث بهما ثم ذهب إلى واسط وسمع الحديث من أبي جعفر المبارك بن علي الحمامي ، وأبي جعفر المبارك بن المبارك بن الحداد ، والقاضي أبي الفتح بن المندائي (٢).

وإضافة إلى ما تقدم فقد رحل إلى واسط من مدن العالم الإسلامي عدد آخر من طلاب العلم لا يتسع المجال لذكرهم (٣).

__________________

(١) ن. م ، ج ١٠ ، م ٤ ، ورقة ١٦٥ أ.

(٢) ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ٣٧. زنجان : بلد كبير مشهور من نواحي الجبال بين أذربيجان وبينها وهي قريبة من أبهر وقزوين ، معجم البلدان ، ٣ / ١٥٢.

(٣) انظر عنهم : السمعاني ، الأنساب ، ٣٤٤ أ ، ٥٠١ أ ، ١ / ٣٤٠. السلفي ، معجم السفر (مخطوطة) ورقة ١٦٣ ب ، ١٦٤ أ. سؤالات السلفي ، ١٠١ ، ١٠٢ ، ١٠٣ ، ١٠٤. ابن الجوزي ، المنتظم ، ٧ / ٢٥٢ ، ٩ / ١٣. ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٨ / ٢٨٢. ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ٩٥ ، ٩٦ ، ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ٦٢ ، ١٤٧. ابن نقطة ، التقييد (مخطوطة) ورقة ١٧٠ ب. التاريخ المجدد (مخطوطة) ج ١٠ ، م ٣ ، ورقة ١٦٣ أ ، ب ، ورقة ٢٨ ب ، ٢٩ أ (نسخة مكتبة الدراسات العليا) المنذري ، التكملة ، ٣ / ١١٨ ، ٥ / ٥٦ ، ٥٧. سبط ابن الجوزي ، مرآة الزمان ، ج ٨ ، ق ٢ ، ٦٢٢. ابن الصلاح الشهرزوري ، طبقات الشافعية (مخطوطة) ورقة ١٩ ب ، ٤٨ أ. القفطي ، إنباه الرواة ، ١ / ٢٦٦. ابن الصابوني ، تكملة إكمال الإكمال ، ٨٩ ، ٩٠. الذهبي ، العبر ، ٤ / ٢٠٦. الدمياطي ، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد (مخطوطة) ج ١ ، ورقة ١٢ ب ، ج ٤ ، ورقة ٣٨ ب ، ج ٥ ، ورقة ٤٩ أ. السبكي ، طبقات الشافعية ، ٣ / ٢٧٦ ، ٤ / ١٩ ، ٢٢٩ ، ٢٣٠ ، ٥ / ١٣٥ ، ٣٣٣. ابن الفوطي ، تلخيص مجمع الآداب ، ج ٤ ، ق ١ ، ٤٦٠ ، ٥٢٦ ، ٥٢٧. ابن قاضي شهبة ، طبقات النحاة (مخطوطة) ق ١ ، ورقة ٢٤١ ـ ٢٤٤. السيوطي ، طبقات الحفاظ ، ٤٤٩ ، ٤٥٠ ، ٤٥٥. بغية الوعاة ، ١ / ٤٨٦. ابن الجزري ، غاية النهاية ، ١ / ٣٩٥.

٣٣٠

أما العلماء الواسطيون الذين تلقوا العلم بواسط ثم رحلوا إلى بلدان العالم الإسلامي وقرأوا القرآن الكريم وسمعوا الحديث ثم درسوا هناك فهم :

أبو علي حسن بن القاسم بن علي الواسطي المعروف بغلام الهراس المقرىء (ت ٤٦٨ ه‍ / ١٠٧٥ م) الذي رحل إلى دمشق وتصدر للإقراء بجامعها ثم رحل إلى مصر أقرأ القرآن الكريم «ورحل الناس إليه من كل ناحية» كما يقول ابن الجزري (١) وقد تقدم ذكره (٢).

وأبو الحسين المبارك بن محمد بن عبيد الله بن السوادي الواسطي الفقيه (ت ٤٩٢ ه‍ / ١٠٩٨ م) درس الفقه الشافعي بواسط وسمع الحديث ثم رحل في طلبه إلى بغداد والبصرة ومصر وعاد إلى واسط ثم ذهب إلى أصبهان وحدث بها (٣) ، وأخيرا أقام بنيسابور وتولى التدريس بالمدرسة المشطبية فيها (٤) ووصف بأنه كان «إماما كبيرا فاضلا» (٥).

وقد قلنا من قبل إن أبا بكر عبد الله بن منصور بن عمران الواسطي المعروف بابن الباقلاني (ت ٥٩٣ ه‍ / ١١٩٦ م) الذي كان شيخ أهل واسط في قراءة القرآن الكريم وتلاوته ومعرفته ، رحل إلى دمشق أقرأ القرآن الكريم هناك (٦).

والشيخ أبو المفاخر عبد الله بن محمد بن محمد الواسطي المقرىء

__________________

(١) غاية النهاية ، ١ / ٢٢٩.

(٢) انظر : العلوم الدينية (علم القراءات).

(٣) ابن نقطة ، إكمال الإكمال (مخطوطة) ورقة ٧٢ ب. الإسنوي ، طبقات الشافعية ، ٢ / ٥٤٣. السبكي ، طبقات الشافعية ، ٥ / ٣١١.

(٤) الإسنوي ، طبقات الشافعية ، ٢ / ٥٤٣. السبكي ، طبقات الشافعية الكبرى ، ٥ / ٣١١.

(٥) ن. م ، ٢ / ٥٤٣. انظر : السبكي ، طبقات الشافعية الكبرى ، ٥ / ٣١١.

(٦) انظر : العلوم الدينية (علم القراءات).

٣٣١

النحوي (ت ٥٩٤ ه‍ / ١١٩٧ م) قرأ القرآن الكريم بالقراءات بواسط على الشيخ أبي بكر بن الباقلاني (١) ، وسمع الحديث ثم رحل إلى القاهرة وسكن فيها حتى وفاته ، أقرأ القرآن بها وتقلد إمامة الجامع الأكبر مدة ، وحدّث هناك عن الشيخ أبي بكر بن الباقلاني ، وعلي بن محمد بن علي الواسطي وسمع منه الكثيرون (٢).

أما الشيخ أبو حفص عمر بن إبراهيم بن عثمان الواسطي الواعظ الصوفي (ت ٦٠٢ ه‍ / ١٢٠٥ م) فقد سمع الحديث بواسط من أبي محمد بن عبد الرحمن بن الحسين بن الدجاجي ، وأبي طاهر أحمد بن محمد بن البرخشي ، ونصر الله بن محمد المعروف بابن الجلخت ، وأبي طالب محمد بن علي ابن الكتاني وغيرهم ، وقدم بغداد مرات عديدة وسمع الحديث من كبار المحدثين ووعظ فيها وتولى مشيخة رباط الزوزني والنظر في وقفه ، سافر الكثير إلى الحجاز والجزيرة وديار بكر وخراسان وغزنة ، ووعظ وحدث في أسفاره (٣).

وأبو الفرج محمد بن عبد الرحمن بن أبي العز الواسطي المقرىء (ت ٦١٨ ه‍ / ١٢٢١ م) قدم بغداد سنة ٥٨٤ ه‍ / ١١٨٨ م وحدث بها ثم غادرها إلى بلاد الشام وحدث في طريقه بحلب وأقام بدمشق مدة ، أقرأ الناس هناك ثم رجع إلى الموصل وحدث بها ثم استوطنها إلى حين وفاته (٤) ، ...

__________________

(١) ابن الصابوني ، تكملة إكمال الإكمال ، ٢٠٣.

(٢) المنذري ، التكملة ، ٢ / ١٣٦ ، ١٣٧. ابن الصابوني ، تكملة إكمال الإكمال ، ٢٠٥. ويسميه السيوطي «عبد الله بن أبي الفتح بن أحمد بن علي بن أمامة» بغية الوعاة ، ٢ / ٥٣.

(٣) ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٩٣. المنذري ، التكملة ، ٣ / ١٢٤. ابن الساعي ، الجامع المختصر ، ٩ / ١٨٤. جاءت كنيته هنا (أبو جعفر) الذهبي ، تاريخ الإسلام ، م ١٨ ، ق ١ ، ١١٤ (المطبوع).

(٤) ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ٦٩. المنذري ، التكملة ، ٥ / ٦٩.

٣٣٢

كتب عنه ابن الدبيثي وروى عنه (١) ، ويقول عنه المنذري «ولنا منه إجازة كتب بها إلينا غير مرة إحداهن سنة ٥٩٥ ه‍» (٢).

وأبو محمد القاسم بن القاسم بن عمر الواسطي الأديب النحوي اللغوي (ت ٦٢٦ ه‍ / ١٢٢٨ م) ـ الذي تقدم ذكره ـ قصد حلب ودرس النحو بجامعها واستقر بها إلى حين وفاته (٣).

وأبو الحسن علي بن المبارك بن الحسن الواسطي المعروف بابن باسويه المقرىء الفقيه الشافعي (ت ٦٣٢ ه‍ / ١٢٣٤ م) قرأ القرآن الكريم بواسط على الشيخ أبي العباس أحمد بن سالم البرجوني ، وقرأه بالقراءات العشر على أبي بكر بن الباقلاني ، وأبي الحسن علي بن عباس بن المظفر الواسطي الخطيب ، وسمع الحديث من أبي طالب بن الكناني ، وأبي نصر ابن محمد بن البزاز ، وأبي العباس أحمد بن سالم البرجوني ، وأبي الخير مسعود بن علي بن صدقة ، وغيرهم ، ثم قدم بغداد ودرس الفقه بالمدرسة الكمالية ، وسمع الحديث من مشاهير المحدثين ، ثم ذهب إلى دمشق واستقر بها إلى حين وفاته. وقد تصدر لإقراء القرآن الكريم بجامع دمشق وحدث (٤) ، وكان على طريقة حسنة كما يقول ابن الدبيثي (٥) ، وقد التقى به بدمشق كل من الحافظ زكي الدين أبي محمد المنذري (٦) ، وابن الصلاح الشهرزوري وسمعا منه (٧).

__________________

(١) ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ٦٩.

(٢) التكملة ، ٥ / ٦٩.

(٣) إنباه الرواة ، ٣ / ٣٢. انظر : علوم العربية.

(٤) بحشل ، تاريخ واسط ، ٢٩٥ ، ٢٩٧. ذيل (مخطوطة) ورقة ١٦٦ (كيمبرج) ابن الصلاح الشهرزوري ، طبقات الشافعية (مخطوطة) ورقة ١٠ أ. التكملة ، ٦ / ١٤٣ ، ١٤٤. الذهبي ، العبر ، ٥ / ١٢٨. ابن الجزري ، غاية النهاية ، ١ / ٥٤٧ ، ٥٦٢. وجاء في كتاب تاريخ واسط لبحشل أنه حدث به بدمشق. تاريخ واسط ، ٢٩٧ ، ٣٠٠.

(٥) ذيل (مخطوطة) ورقة ١٦٦ (كيمبرج).

(٦) التكملة ، ٦ / ١٤٤ ، ١٤٥.

(٧) طبقات الشافعية (مخطوطة) ورقة ١٠ أ.

٣٣٣

ومن وعاظ واسط الذين استقروا بمصر الشيخ أبو عبد الله محمد بن يحيى بن الحسين الطائي الواسطي الواعظ المعروف بالشمس (ت ٦٣٣ ه‍ / ١٢٣٥ م) درس الوعظ بواسط وسمع الحديث ثم رحل إلى مصر ، والتقى برجال الحديث وحدّث ووعظ وكان كما يقول المنذري «قد تقدم على أقرانه في الوعظ وحصل له قبول تام من العامة» (١).

أما الشيخ الحافظ أبو يعقوب يوسف بن عمر بن أبي بكر المعروف بابن صقير (ت ٦٣٦ ه‍ / ١٢٣٨ م) فقد سمع الحديث بواسط من أبي البقاء هبة الكريم بن الحسن الواسطي وآخرين ثم ذهب إلى بغداد ، والتقى برجال الحديث ثم رحل إلى مكة وسمع الحديث ، وحدث هناك وكتب الكثير وخرّج (٢).

الشيخ أبو الفضل مرجا بن الحسن بن علي بن هبة الله الواسطي الشافعي المعروف بابن شقيرة (ت ٦٥٦ ه‍ / ١٢٥٨ م) قرأ القرآن الكريم بالقراءات على أبي بكر الباقلاني بواسط وسمع الحديث من أبي طالب محمد بن علي الكتاني ، ودرس الفقه على أبي علي يحيى بن الربيع الواسطي ، وقرأ عليه جماعة من أهل واسط. ثم سافر في التجارة إلى بلاد كثيرة أقرأ القرآن الكريم وحدث بالعراق والشام والقاهرة (٣). وروى بالقاهرة «تاريخ واسط» لبحشل سنة ٦٤٢ ه‍ / ١٢٤٤ م عن سماعه من أبي طالب الكتاني ، سمعه منه زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري وآخرون (٤). وروى الحديث عن أبي طالب الكتاني أيضا (٥).

__________________

(١) التكملة ، ٦ / ١٦٣ ، ١٦٤.

(٢) ن. م ، ٦ / ٢٩٥.

(٣) ابن الجزري ، غاية النهاية ، ٢ / ٢٩٣. الذهبي ، معرفة القراء الكبار ، ٢ / ٥٢٣.

(٤) تاريخ واسط ، ٢٩٨ ، ٢٩٩ ، ٣٠٢ ، ٣٠٣.

(٥) الذهبي ، معرفة القراء الكبار ، ٢ / ٥٢٣. ابن الجزري ، غاية النهاية ، ٢ / ٢٩٣.

٣٣٤

وقد أشارت المصادر إلى غير هؤلاء (١).

أما العلماء الذين وفدوا إلى واسط من أنحاء العالم الإسلامي وأقاموا فيها ودرّسوا وحدثوا فهم : أبو مسلم عمر بن علي بن أحمد الليثي (ت ٤٦٨ ه‍ / ١٠٧٥ م) الذي قدم من «بخارى» سمع الحديث ببخارى وسمرقند وهراة وهمذان ومدن أخرى ، ثم قدم واسط سنة ٤٥٩ ه‍ / ١٠٦٦ م وحدث بها ، سمع منه المحدث أبو الكرم خميس بن علي الحوزي الواسطي وآخرون وكتبوا عنه (٢).

ومن مشاهير المحدثين الذين حدثوا بواسط أبو طالب الجنيد بن عبد الرحمن بن الجنيد الصوفي من أهل «أصبهان» سمع الحديث بأصبهان ، وبغداد ومكة ثم قدم واسط سنة ٥٠٠ ه‍ / ١١٠٦ م وحدث وسمع عليه كبار المحدثين بواسط ، منهم أبو الكرم خميس الحوزي وأبو الحسن علي بن مبارك بن نغوبا ، وأبو العباس هبة الله بن نصر الله الأزدي ، وحدثوا عنه بواسط وبغداد (٣).

ومن النحويين الذين أقاموا بواسط ودرّسوا بها أبو الخير سلامة بن غيّاض بن أحمد الشامي (ت ٥٤٣ ه‍ / ١١٤٨ م) الذي قال عنه ابن الدبيثي «كان أديبا فاضلا له معرفة جيدة بالنحو واللغة» (٤) وله مؤلفات جيدة في اللغة والنحو (٥) قدم بغداد بعد سنة ٥١٠ ه‍ / ١١١٦ م وأقام بها مدة وقرأ عليه

__________________

(١) ابن نقطة ، التقييد (مخطوطة) ورقة ١٦٥ أ. انظر : الذهبي ، تاريخ الإسلام ، م ١٨ ، ق ١ ، ٢٥٦ ، ٣٤٤ (المطبوع) السبكي ، طبقات الشافعية ، ٦ / ٥٢.

(٢) ابن النجار ، التاريخ المجدد (مخطوطة) ورقة ١١١ ب ، ١١٢ أ ، ب (نسخة مكتبة الدراسات العليا).

(٣) ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ٢٩٧.

(٤) ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ٧٤. انظر : القفطي ، إنباه الرواة ، ٢ / ٦٧.

(٥) ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ٧٤. القفطي ، إنباه الرواة ، ٢ / ٦٧. ياقوت ، معجم الأدباء ، ١١ / ٢٣٣ ، ٢٣٤. السيوطي ، بغية الوعاة ١ / ٥٩٣ نقلا من ابن النجار.

٣٣٥

جماعة من أهلها وسمعوا منه ثم ذهب إلى واسط وأقام بها ودرّس النحو بجامعها ، قرأ عليه أبو الفتح المبارك بن زريق الحداد المقري وآخرون (١).

ومن «شيراز» قدم إليها أبو الحسن علي بن محمد بن علي التبريزي (ت ٦٠٢ ه‍ / ١٢٠٥ م) خطيب شيراز الذي وصف بأنه كان «فاضلا له معرفة بالأدب والتفسير» حدث بواسط ، سمع منه الإمام الحافظ أبو عبد الله بن الدبيثي وآخرون (٢).

وقدم إليها من «بيهق» الشيخ أبو المفاخر علي بن محمد بن الحسن البيهقي الواعظ ، قدم بغداد وحدث بها ووعظ ثم ذهب إلى واسط وحدث بها (٣).

ومن «لهاور» قدم إليها الشيخ أبو عبد الله محمد بن المأمون بن الرشيد اللهاوري (ت ٦٠٣ ه‍ / ١٢٠٦ م) تنقل في بلاد كثيرة ودرس الفقه الشافعي ، وسمع الحديث ثم قدم واسط وحدث بها ، سمع منه جماعة وكتبوا عنه (٤).

أما من «يزد» فقد قدم إليها الشيخ أبو القاسم عبد الله بن أبي سعد بن أبي القاسم بن عبيد الله اليزدي (ت ٦١١ ه‍ / ١٢١٤ م) سافر الكثير طلبا للحديث ثم قدم واسط وحدث. كتب عنه أبو القاسم محمود بن محمد الفارقي وآخرون (٥).

__________________

(١) ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ٧٤. القفطي ، إنباه الرواة ، ٢ / ٦٧.

(٢) ابن النجار ، التاريخ المجدد (مخطوطة) ورقة ٨ ب (نسخة مكتبة الدراسات العليا).

(٣) ذيل (مخطوطة) ورقة ١٥٦ (كيمبرج). بيهق : كورة واسعة ، من نواحي نيسابور ، تشتمل على ثلاثمائة وإحدى وعشرين قرية بين نيسابور وقومس وجوين ، معجم البلدان ، ١ / ٥٣٧.

(٤) ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ١٥٠ ، ١٥١. المنذري ، التكملة ، ٣ / ١٨٩ ، ١٩٠. لهاور : هي إحدى مدن الهند ، معجم البلدان ، ٥ / ٢٦ ، ٢٧.

(٥) ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١١٤. المنذري ، التكملة ، ٤ / ٩٦.

٣٣٦

ومن «أبهر» قدم إليها أبو البدر حرب بن مكي بن محمد الأبهري الفقيه المحدّث ، قدم بغداد والتقى برجال الحديث ، وحدث ثم ذهب إلى واسط ، وسمع الحديث ، وحدث ، سمع منه أبو جعفر هبة الله بن يحيى بن البوقي وآخرون (١).

وإلى جانب هؤلاء فقد أشارت المصادر إلى عدد آخر لا مجال لذكرهم (٢).

وهكذا يتضح من التفصيلات التي تقدمت ما يلي :

١ ـ إن البيئة العلمية بواسط لم تكن في عزلة عن البيئات العلمية في العالم الإسلامي آنذاك.

٢ ـ على الرغم من أنه لا توجد لدينا قائمة كاملة عن عدد طلاب العلم الذين وفدوا إلى واسط من شتى أنحاء العالم الإسلامي لطلب العلم فيها ، أو الذين غادروها من أبنائها ، غير أنه يظهر من المعلومات التي توفرت لدينا أن الذين غادروا هذه المدينة لطلب العلم كان قليلا ، إذا ما قارناه بعدد الذين وفدوا إليها ، وأن الذين درسوا على علمائها هم أكثر من الذين درّسوا فيها. وهذا يدل على أن واسط كانت أحد المراكز الثقافية المهمة في العالم الإسلامي آنذاك ، وأنه ظهر فيها عدد من كبار العلماء ، كانوا من ذوي المنزلة العلمية الكبيرة والشهرة الواسعة ، فشدّ الرحال إليهم عدد من الرجال للقراءة عليهم والسماع والكتابة عنهم.

٣ ـ إن العلوم التي جذبت طلاب العلم إلى هذه المدينة هي العلوم

__________________

(١) ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ١ ، ورقة ٢٠٩. أبهر : مدينة مشهورة بين قزوين وزنجان وهمذان من نواحي الجبل. معجم البلدان ، ١ / ٨٢.

(٢) انظر : سؤالات السلفي ، ٥٦ ، ٩٩ ، ١٠٤. ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ١٤٧ ، ٢٥١ ، ورقة ١٥٣ (كيمبرج). ابن الجوزي ، المنتظم ، ٧ / ١٥١ ، ١٥٢. السمعاني ، الأنساب ، ٤٧٧. ابن نقطة ، التقييد (مخطوطة) ورقة ٥٣ أ ، ١٤١ أ.

٣٣٧

الدينية وذلك لأن هذه العلوم كانت قد نالت اهتمام العلماء في هذه الفترة من جهة ، ولتقدم هذه العلوم بواسط من جهة أخرى.

٤ ـ إن أكثر الذين قصدوا واسط لغرض الدراسة والتدريس هم من أتباع المذهب الشافعي وذلك لتغلب هذا المذهب في هذه المدينة من جهة وانتشاره في العراق والمشرق من جهة أخرى.

٥ ـ إن الغالبية العظمى من العلماء الذين قدموا إلى واسط هم من المشرق وذلك لقرب هذه المدينة من المشرق ، وانتشار المذهب الشافعي هناك.

٦ ـ ونظرا لتقدم الحياة العلمية في كل من بغداد ، وواسط ، والموصل ، نجد أن العلماء الذين وفدوا إلى واسط كانوا يفدون إلى بغداد أيضا ، وأن معظمهم كان يذهب إلى الموصل ، بينما كان يذهب عدد قليل منهم إلى كل من الكوفة ، والبصرة مما يدل على أن هاتين المدينتين قد فقدتا مركزهما الثقافي في هذه الفترة.

٧ ـ إن العلماء الواسطيين كانوا قد أسهموا مساهمة فعالة في الحركة العلمية في العالم الإسلامي آنذاك.

وإلى جانب ما تقدم ذكره فقد أشرنا سابقا أنه كان قد قصد بغداد عدد من العلماء ، والقراء ، والمحدثين ، والفقهاء وطلاب العلم الواسطيين ، وتلقوا العلم في مساجدها ومدارسها ، وسمعوا علماءها وقرأوا عليهم مختلف فنون المعرفة ، وحصلوا على إجازاتهم. وقد حدث عدد منهم ببغداد أقرأوا القرآن الكريم (١). فبغداد منذ أن أنشئت احتفظت بمركزها العلمي الخاص. فكانت تستقبل العلماء من شتى أنحاء العالم الإسلامي ، وكان لا يشتهر عالم يومئذ إلا إذا شد الرحال إلى بغداد ودرس فيها وناظر

__________________

(١) انظر : العلوم الدينية ، انظر كذلك : أشهر البيوتات العلمية.

٣٣٨

علماءها وحصل على إجازاتهم.

وقد أشارت المصادر إلى عدد من المحدثين والفقهاء والأدباء من أهل بغداد ذهبوا إلى واسط وحدثوا ودرّسوا هناك (١) وسوف نلاحظ خلال الصفحات التالية أنه بعد أن تلقى عدد من القراء والعلماء والمحدثين والفقهاء والأدباء تعليمهم بواسط ، وأصبحت لهم منزلة علمية رفيعة ، ذهبوا إلى بغداد وأقاموا فيها ، وتقلدوا المناصب في مدارسها ، ومساجدها ودرسوا علوم القرآن والحديث ، والفقه ، وعلوم العربية ، وبعض العلوم العقلية ، كما عقدت لهم الجالس العلمية ، كمجالس النظر ، والإملاء ، والتحديث ، والوعظ وغيرها ، وقصد واسط عدد من علماء بغداد وطلاب العلم لتلقي العلم فيها.

كما أن البيئة العلمية بواسط لم تكن في عزلة عن البيئات العلمية في بقية مدن العراق ، فقد قصد واسط عدد من طلاب العلم من مدن العراق المختلفة للاستزادة من العلم فيها ، كما نجد إشارات قليلة إلى طلبة العلم من أهل واسط الذين قصدوا بعض مدن العراق لطلب العلم فيها.

لقد تحدثنا في مواضع سابقة عن القراء والمحدثين والفقهاء والأدباء والنحويين الذين قصدوا بغداد وتلقوا العلم فيها ، وأشرنا إلى أن عددا من هؤلاء كان قد حدث ببغداد ، وأملى أقرأ القرآن الكريم ووعظ وناظر ثم عاد

__________________

(١) انظر عنهم : ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ١١٥. السلفي ، معجم السفر (مخطوطة) ورقة ١٩٧ أ ، ب ، ٢١٨ أ. ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ٥٥ ، ١١٦ ، ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ٢٨٢ ، ج ٢ ، ق ١ ، ورقة ١٥٩ ، ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ٥٥ ، ٥٦ ، ١٢٣ ، ١٢٨ ، ١ / ٢٨٥ ، ٢٨٦ (المطبوع) ابن النجار ، التاريخ المجدد (مخطوطة) ورقة ١١ أ ، ب ، ٦١ ب (نسخة مكتبة الدراسات العليا). المنذري ، التكملة ، ٢ / ٥٥ ـ ٥٧ ، ١٤٣ ، ١٤٤ ، ٢٢٩ ، ٤ / ٤٠ ، ٤١ ، ٦ / ١٤ ، ١٥. القفطي ، إنباه الرواة ، ١ / ٣٠٥ ـ ٣١٠. ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، ٢ / ٩٢. الإسنوي ، طبقات الشافعية ، ١ / ٢٧١ ، ٢ / ٤٩٦ ، ٤٩٧.

٣٣٩

إلى واسط (١). وسوف نتكلم هنا عن طائفة من العلماء الواسطيين الذين تلقوا العلم بواسط ثم ذهبوا إلى بغداد وأقاموا فيها ونشروا العلم فيما يأتي : أبو العلاء محمد بن علي بن أحمد الواسطي (ت ٤٣١ ه‍ / ١٠٣٩ م) نشأ بواسط وقرأ بها القرآن الكريم بالقراءات على يوسف بن محمد وأبي علي المعروف بغلام الهرّاس ، وعبد السيد عتاب الواسطي وآخرين ، وسمع الحديث من أبي محمد بن السقاء الواسطي وآخرين (٢) ثم رحل إلى «الدينور» وقرأ القرآن الكريم على جماعة وعاد إلى بغداد وأقام فيها. تقلد القضاء بالحريم الطاهري من شرقي بغداد ، وحدث أقرأ القرآن الكريم «وانتهت إليه رئاسة الإقراء بالعراق» كما يقول الذهبي (٣). جمع الكثير من الحديث وصنف (٤). روى عنه أبو بكر الخطيب البغدادي في كتابه «تاريخ بغداد مدينة السلام» كثيرا (٥) ، وآخرون (٦).

وأبو الحسن صدقة بن الحسين بن أحمد الواسطي الواعظ (ت ٥٥٧ ه‍ / ١١٦١ م) قرأ القرآن الكريم بالقراءات العشر بواسط على الشيخ أبي الفتح المبارك بن زريق الحداد المقرىء وآخرين ، وسمع الحديث من

__________________

(١) انظر : العلوم الدينية. انظر كذلك : أشهر البيوتات العلمية.

(٢) الخطيب ، تاريخ بغداد ، ٣ / ٩٥. السمعاني ، الأنساب ، ٣٥٤ ب. ابن الجوزي ، المنتظم ، ٨ / ١٠٧. البنداري ، تاريخ بغداد (مخطوطة) ج ١ ، ورقة ٤٢ أ. ابن نقطة ، التقييد (مخطوطة) ورقة ٧٨ ب. الذهبي ، معرفة القراء ، ١ / ٣١٣. ابن الجزري ، غاية النهاية ، ٢ / ١٩٩. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ١ ، ج ٢٠ ، ورقة ٥.

(٣) معرفة القراء ، ١ / ٣١٣. انظر : الخطيب ، تاريخ بغداد ، ٣ / ٩٥. السمعاني ، الأنساب ، ٣٥٤ ب. ابن الجزري ، غاية النهاية ، ٢ / ٢٠٠.

(٤) الخطيب ، تاريخ بغداد ، ٣ / ٩٥. السمعاني ، الأنساب ، ٣٥٤ ب. ابن الجوزي ، المنتظم ، ٨ / ١٠٧. البنداري ، تاريخ بغداد (مخطوطة) ورقة ٤٢ أ. الذهبي ، معرفة القراء ، ١ / ٣١٣. ابن الجزري ، غاية النهاية ، ٢ / ٢٠٠.

(٥) انظر على سبيل المثال ، ٢ / ٤١.

(٦) الذهبي ، معرفة القراء ، ١ / ٣١٣.

٣٤٠