واسط في العصر العباسي

د. عبد القادر سلمان المعاضيدي

واسط في العصر العباسي

المؤلف:

د. عبد القادر سلمان المعاضيدي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

ونظرا للمكانة العلمية التي وصل إليها ابن الكتاني في الحديث وحفظه ، ومعرفة في علومه فقد رحل إليه عدد كبير من طلاب الحديث من بغداد ومن شتى أنحاء العالم الإسلامي وسمعوا عليه ، وكتبوا عنه (١) كما سمع عليه شيوخ الحديث بواسط وكتبوا عنه ، منهم أبو البقا هبة الكريم بن الحسن بن حباش ، وأبو علي الحسن بن هبة الله بن البوقي ، وأبو الحسن محمد بن الحسن بن أبي العلاء الوزير ، وأبو الفتح محمد بن أحمد بن المندائي ، وأبو طالب عبد الرحمن بن محمد بن عبد السميع الهاشمي ، وأبو عبد الله بن الدبيثي وغيرهم (٢) حدث بمسند مسدد بن مسرهد (٣) وأقرأ «صحيح البخاري» (٤) وكتاب «تاريخ واسط» لبحشل (٥).

والشيخ أبو الفتح محمد بن أحمد بن بختيار الواسطي المعروف بابن المندائي (ت ٦٠٥ ه‍ / ١٢٠٨ م) الذي وصف بأنه «مسند العراق» (٦) و «أسند أهل زمانه» (٧) وأن له «إسنادا عاليا» (٨) وأنه شيخ صالح ثقة أمين ... انقطع بموته الكثير من الحديث (٩).

__________________

(١) ن. م ، ج ١ ، ق ١ ، ورقة ٢٥ ، ٩١ ، ٩٦ ، ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ٢٥٠ ، ج ٢ ، ق ١ ، ورقة ١٦٢ ، ١٧٨ ، ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٦٨.

(٢) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ٩٦ ، ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٩٣ ، ورقة ١٠٨ ، (كيمبرج). ابن نقطة ، التقييد (مخطوطة) ورقة ١١٩ أ. المنذري ، التكملة ، ٣ / ١٢٤ ، ٦ / ٣١٣.

(٣) السمعاني ، الأنساب ، ٣ / ٣١٥.

(٤) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٧٦.

(٥) بحشل ، تاريخ واسط ، ٢٩٤.

(٦) الذهبي ، معرفة القراء ، ٢ / ٤٧٠ ، تاريخ الإسلام ، م ١٨ ، ق ١ ، ٢٠٦ ، (المطبوع).

(٧) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ١٨. انظر : ابن الساعي ، الجامع المختصر ، ٩ / ٢٧٧ ، ٢٧٨. الذهبي ، معرفة القراء ، ٢ / ٤٧٠ ، تاريخ الإسلام ، م ١٨ ، ق ١ ، ٢٠٧ (المطبوع).

(٨) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٢ / ٢٨٣. الذهبي ، تاريخ الإسلام ، م ١٨ ، ق ١ ، ٢٠٧ (المطبوع).

(٩) ابن نقطة ، إكمال الإكمال (مخطوطة) ورقة ٢٣٦ ب. انظر : ابن الساعي ، الجامع المختصر ، ٩ / ٢٧٧.

٢٦١

قرأ النحو وسمع الحديث بالكوفة لما تولى والده القضاء بها ثم قدم بغداد وسمع الحديث الكثير من كبار المحدثين فيها وقرأ القرآن الكريم ودرس الفقه الشافعي وحدث ثم عاد إلى واسط بعد سنة ٥٣٠ ه‍ / ١١٣٥ م وقرأ بها القرآن الكريم على أبي محمد أحمد بن عبيد الله الآمدي وعلى الرئيس أبي يعلى محمد بن سعد بن تركان ، وسمع الحديث من والده ، ومن أبي الكرم نصر الله بن محمد بن مخلد الأزدي وأبي الجوائز سعد بن عبد الكريم الغندجاني وأبي السعادات المبارك بن الحسين بن نغوبا وأبي عبد الله محمد بن علي بن الجلابي وآخرين (١) وحدث بالكثير «وقصده الطلبة من الآفاق وانفرد برواية أشياء لم يشركه فيها غيره» (٢).

قدم بغداد مرات عديدة وحدث بها وسمع عليه بها الخلق الكثير كما يقول ابن الدبيثي (٣). كتب عنه ابن الدبيثي وجماعة من الحفاظ ورووا عنه (٤) وكتب الإجازة للإمام الحافظ أبي محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري صاحب كتاب «التكملة لوفيات النقلة» سنة ٥٩٤ ه‍ / ١١٩٧ م (٥).

وتشير المصادر إلى أنه آخر من حدث بمسند الإمام أحمد بن حنبل كاملا بروايته عن أبي القاسم بن الحصين (٦).

__________________

(١) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ١٨ ، ١٩. المنذري ، التكملة ، ٣ / ٢٥١. الذهبي ، معرفة القراء ، ٢ / ٤٦٩ ، ٤٧٠ ، تاريخ الإسلام ، م ١٨ ، ق ١ ، ٢٠٦ (المطبوع).

(٢) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ١٩. انظر : الذهبي ، معرفة القراء ، ٢ / ٢٧٠ ، تاريخ الإسلام ، م ١٨ ، ق ١ ، ٢٠٧ (المطبوع).

(٣) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ١٩. انظر : المنذري ، التكملة ، ٣ / ٢٥٢. الذهبي ، تاريخ الإسلام ، م ١٨ ، ق ١ ، ٢٠٧ (المطبوع).

(٤) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ١٨. المنذري ، التكملة ، ٣ / ٢٥٢.

(٥) المنذري ، التكملة ، ٣ / ٢٥٢ ويذكر الذهبي ، أنه أجاز لابن أبي الخير ، وللشيخ شمس الدين عبد الرحمن والكمال عبد الرحيم وإسماعيل العسقلاني ، والفخر علي ، تاريخ الإسلام ، م ١٨ ، ق ١ ، ٢٠٧ (المطبوع).

(٦) ابن نقطة ، التقييد (مخطوطة) ورقة ٢١ أ ، ب. ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ٢ ،

٢٦٢

والشيخ أبو طالب عبد الرحمن بن محمد عبد السميع الهاشمي الواسطي (ت ٦٢١ ه‍ / ١٢٢٤ م) الذي قال عنه ابن الساعي بأنه «كان من أكابر شيوخ العصر» (١) سمع الحديث بواسط من جده أبي المظفر عبد السميع ، ومن أبي المفضل محمد بن محمد بن أبي زنبقة ، وأبي يعلى حيدرة بن بدر الرشيدي ، وأبي الغنائم محمد بن مسعود بن الاغلاقي وأبي جعفر بن البوقي وأبي الحسن علي بن المبارك بن نغوبا وأبي محمد عبد الرحمن بن الحسين بن الدجاجي ، وأبي محمد الحسن بن علي بن السوادي الواسطيين وغيرهم ، وقرأ القرآن الكريم على كبار المقرئين (٢) ، ورحل إلى بغداد مرارا وسمع بها الحديث (٣).

حدث بواسط «بالكثير وحمل الناس عنه رواية جمة» (٤) و «كتب الكثير بخطه لنفسه وللناس» (٥) سمع منه ابن الدبيثي وكتب عنه وروى (٦) وكتب الإجازة سنة ٦١٠ ه‍ / ١٢١٣ م للإمام الحافظ المنذري (٧). وأشارت المصادر إلى أن له مصنفات في الحديث وغيره (٨).

__________________

ق ٢ ، ورقة ١٩٤. المنذري ، التكملة ، ٣ / ٢٥٢. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٢ / ٢٨٣. الذهبي ، تاريخ الإسلام ، م ١٨ ، ق ١ ، ٢٠٧ (المطبوع).

(١) مختصر أخبار الخلفاء ، ٩٧.

(٢) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٢٧. ابن نقطة ، التقييد (مخطوطة) ورقة ١١٩ أ. المنذري ، التكملة ، ٥ / ١٦٩. الذهبي ، معرفة القراء ، ٢ / ٤٨٧.

(٣) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٢٧. المنذري ، التكملة ، ٥ / ١٧٠.

(٤) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٢٧. انظر : ابن نقطة ، التقييد (مخطوطة) ورقة ١٦٢ ب. المنذري ، التكملة ، ٥ / ١٧٠ ، ويذكر ابن نقطة أنه حدث بواسط بمسند مسدد عن أبي الحسن بن نغوبا. ن. م ، ورقة ١١٩ أ.

(٥) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٢٧. انظر : المنذري ، التكملة ، ٥ / ١٧٠. الذهبي ، معرفة القراء ، ٢ / ٤٨٧.

(٦) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٢٧.

(٧) المنذري ، التكملة ، ٥ / ١٧٠.

(٨) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٢٧. ابن نقطة ، التقييد (مخطوطة) ورقة ١١٩ أ. المنذري ، التكملة ، ٥ / ١٧٠. الذهبي ، معرفة القراء ، ٢ / ٤٨٧.

٢٦٣

وإضافة إلى ما تقدم فقد أشارت المصادر إلى عدد آخر كانوا من شيوخ الحديث في هذه المدينة ، منهم من حدث بواسط ومنهم من حدث ببغداد ومدن أخرى ومنهم من وفد إليهم طلبة الحديث للسماع منهم والقراءة عليهم وحضور مجالس إملائهم (١).

يتبين مما تقدم أنه قدم إلى واسط عدد من الصحابة والتابعين واستوطنوها منذ تأسيسها وحدثوا فيها ، وقد سمع الحديث عليهم عدد من أهل واسط ، فظهر في هذه المدينة عدد من المحدثين ، صنفوا عددا من الكتب في علم الحديث وغيره من العلوم الدينية.

وفي فترة دراستنا برز بواسط عدد من كبار المحدثين سمعوا الحديث

__________________

(١) انظر على سبيل المثال : الخطيب ، تاريخ بغداد ، ١٢ / ١٠٣. ابن ماكولا ، الإكمال ١ / ٤٤٣ ، ٤٤٤ ، ٢ / ٢٦٦ ، ٢٩١ ، ٣٦٢ ، ٤١١ ، ٣ / ٣٨ ، ١٥٩ ، ١٦٠ ، ٤ / ٣٨٥. السمعاني ، الأنساب ، ٣ / ٣١٥ ، ٤ / ١٨٧ ، ١٨٨. سؤالات السلفي ، ١ ، ٢ ، ٤ ، ٦ ـ ٨ ، ١٥ ـ ١٩ ، ٢٣ ، ٢٥ ، ٢٦ ، ٣٠ ، ٣٩ ، ٤٦ ، ٦٣ ، ٦٦ ، ٧٢ ، ٧٣ ، ٩٤ ـ ٩٦. السلفي ، معجم السفر (مخطوطة) ورقة ٤٣ أ ، ١٤٦ ب ، ١٥٠ أ ، ١٦٣ ب ، ١٦٤ أ ، ١٩٣ أ ، ب ، ١٩٧ أ ، ٢٠٤ ب ، ٢٠٨ ب ، ٢٠٩ أ ، ب ، ٢٢٩ أ. ابن نقطة ، التقييد (مخطوطة) ورقة ٢٤ ب ، ٤٢ ب ، ٦٦ ب ، ١٦٢ ب. ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ٣ ، ١٢ ، ١٨ ، ٣٧ ، ٤٠ ، ٥٥ ، ٦٧ ، ٧٨ ، ٧٩ ، ١٠١ ، ١٢٠ ، ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ١٣٥ ، ٢٠٥ ، ٢١١ ، ٢١٢ ، ٢٢٦ ، ٢٨٢ ، ج ٢ ، ق ١ ، ورقة ٣٨ ، ٤٦ ، ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ٨١ ، ١٠٩ ، ١٢٧ ، ١٤٤ ، ١٧٨ ، ١٩٣ ، ٢١٤ ، ورقة ١٦ ، ٢٨ ، ٤٤ ، ٦٠ ، ٩٣ ، ١٠٨ ، ١٢٨ ، ١٤٢ ، ١٤٩ ، ١٥٢ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، ١٦٦ ، ١٧٥ (كيمبرج) ، ١ / ٨٣ ـ ٨٥ ، ١١٥ ، ١١٦ ، ١٤٢ ، ٢٩٦ (المطبوع). ابن النجار ، التاريخ المجدد (مخطوطة) ج ١٠ ، م ٢ ، ورقة ٥٧ أ ، ٩٨ ب ، م ٤ ، ورقة ١٦٥ أ ، ورقة ١١ أ ، ٢٠ ب ، ٤٣ ب ، ٨٢ أ (نسخة مكتبة الدراسات العليا). المنذري ، التكملة ، ١ / ٢٨٠ ، ٢٨١ ، ٢٩١ ، ٢ / ٤٢ ، ٧٧ ، ٨٦ ، ١٣٤ ، ١٣٧ ، ١٨٦ ، ٢٢٩ ، ٢٣٠ ، ٣ / ٤٣ ، ١٢٤ ، ٢٨٠ ، ٤ / ١٧٩ ، ٥ / ١١٢ ، ٢٢١ ، ٤٤٤ ، ٦ / ٢٣ ، ٦٤ ، ٧٠ ، ٨٣ ، ١١٠ ، ١١١ ، ١٢٩ ، ١٤٤ ، ٢٩٥ ، ٨ / ١٧٤٦. ابن الشعار ، عقد الجمان (مخطوطة) ورقة ٨٠. الذهبي ، تاريخ الإسلام ، م ١٨ ، ق ١ ، ٧٥ ، ١٠٥ ، ١١٤ ، ٣٢٣ ، ٣٦١ ، ٣٦٢ (المطبوع). الصفدي ، الوافي بالوفيات ١٢ / ١٦٤.

٢٦٤

في هذه المدينة ثم رحلوا في طلبه إلى شتى أنحاء العالم الإسلامي ، وحدث بعضهم هناك.

هذا وقد اشتهر عدد من محدثي هذه المدينة فرحل إليهم عدد من طلاب الحديث من بلدان كثيرة فسمعوا الحديث عليهم وكتبوا عنهم ، وحصلوا على إجازاتهم ورووا عنهم ، كما كتب البعض منهم بالإجازات إلى علماء لم يروهم وذلك بناء على طلب هؤلاء العلماء.

غير أن ما ورد عن التأليف في علم الحديث في هذه الفترة كان قليلا وذلك لاعتماد محدثي واسط على ما دوّن في هذه المدينة وغيرها من المدن في الفترات السابقة.

ج ـ الفقه :

لقد ظهر بواسط في هذه الفترة عدد من كبار الفقهاء الذين كانوا من كبار المحدثين أيضا ، كانت الغالبية العظمى منهم من أتباع المذهب الشافعي ، وقد أشارت المصادر إلى وجود عدد قليل من أتباع المذهب الحنفي (١) ، والمذهب المالكي (٢) ، غير أننا لم نجد أية إشارة إلى وجود فقهاء من مذاهب أخرى.

ومن المرجح أن سبب كون الغالبية العظمى من فقهاء هذه المدينة من أتباع المذهب الشافعي هو أن البويهيين عندما حكموا العراق حاولوا القضاء على الخلافة العباسية (٣) فلما شعروا أن للخلفاء العباسيين نفوذا دينيا في أوساط الناس اتبعوا سياسة قائمة على تأييد المذهب الشيعي وذلك

__________________

(١) سؤالات السلفي ، ٣٣ ، ٥٣ ، ٦٧. ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٦١ ، ١٦٢ ، ورقة ٧٧ (كيمبرج). المنذري ، التكملة ، ٣ / ٢٥٥. الذهبي ، تاريخ الإسلام ، م ١٨ ، ق ١ ، ١٩٥ (المطبوع) القرشي ، الجواهر المضيئة ، ١ / ٣٢٨.

(٢) سؤالات السلفي ، ٣٣.

(٣) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٥٢.

٢٦٥

من أجل الحصول على تأييد أصحاب هذا المذهب لكي يستعينوا بهم على تحقيق هدفهم فأدى ذلك إلى انتشار هذا المذهب. وقد ساعدت سياستهم المذهبية هذه إلى نشاط الحركة الإسماعيلية ، فلما جاء السلاجقة إلى الحكم ادركوا خطر ذلك على مستقبل دولتهم فجعلوا سياستهم قائمة على نشر المذهب الشافعي ومقاومة الدعوات المخالفة بوسائل متعددة ، فأسس وزيرهم نظام الملك مدارس خاصة بالفقهاء الشافعية في مدن العراق والمشرق (١) وكان من شروط القبول في هذه المدارس أن يكون الطالب شافعيا أصلا وفرعا (٢) وقد خرّجت هذه المدارس أعدادا كبيرة من الفقهاء من أصحاب المذهب الشافعي (٣) فازدهر هذا المذهب في العراق والمشرق.

وقد سبق أن ذكرنا أنه شيد بواسط عدد من المدارس الخاصة بالفقهاء الشافعية (٤) وسوف نرى من خلال البحث أنه قصد بغداد عدد من الفقهاء الواسطيين لدراسة الفقه الشافعي على فقهاء هذه المدينة.

وكان من أشهر علماء الفقه الشافعي القاضي أبو تغلب محمد بن محمد بن عيسى بن جهور الواسطي (ت ٥٠٣ ه‍ / ١١٠٩ م) الذي ذكرته المصادر بأنه كان «متقدّما في الفقه» (٥) درس الفقه بواسط (٦) ثم قدم بغداد وأقام مدة يدرس الفقه الشافعي على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي «وعلق

__________________

(١) السبكي ، طبقات الشافعية ، ٣ / ١٣٧ وقد رجحنا فيما سبق بناء إحدى هذه المدارس بواسط. انظر : المدارس.

(٢) ابن الجوزي ، المنتظم ، ٩ / ٦٦.

(٣) يقول أبو إسحاق الشيرازي الذي كان أحد مدرسي المدرسة النظامية ببغداد : «لما خرجت في رسالة الخليفة المقتدي إلى خراسان لم أدخل بلدا ولا قرية إلا وجدت قاضيها أو خطيبها من تلامذتي» الحنبلي ، شذرات الذهب ، ٣ / ٣٥.

(٤) انظر : المدارس.

(٥) سؤالات السلفي ، ٥٣. ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ١١٢.

(٦) سؤالات السلفي ، ٥٣.

٢٦٦

عنه كتبه واستوعب علمه» (١) ثم عاد إلى واسط ودرّس الفقه ثم تولى القضاء بها (٢) درس عليه عدد من العلماء الثقات وتخرّجوا به (٣).

والقاضي أبو علي الحسن بن إبراهيم بن علي الفارقي (ت ٥٢٨ ه‍ / ١١٣٣ م) الذي كان «شيخ الشافعية في عصره» (٤) و «متقدما في الفقه» (٥) و «حافظا للمذهب» (٦) درس الفقه الشافعي ببغداد على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي والشيخ أبي نصر الصباغ (٧) ثم تولى القضاء بواسط سنة ٤٨٥ ه‍ / ١٠٩٢ م (٨) ودرّس الفقه بها ، وقد أشارت المصادر إلى أنه درّس كتاب «الشامل» لأبي إسحاق الشيرازي ، وكتاب «المذهب» لأبي نصر الصباغ (٩) ، وحدث (١٠) وتتلمذ عليه جماعة من الفقهاء والمحدثين وتخرّجوا به (١١).

ألف كتاب «الفوائد على المهذب» (١٢) وكانت له فتاوى مجموعة

__________________

(١) ن. م ، ٥٣. ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ١١٢.

(٢) ن. م ، ٥٣. ن. م ، ج ١ ، ق ١ ، ورقة ١١٢.

(٣) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ١١٢.

(٤) الغساني ، العسجد المسبوك (مخطوطة) ج ٢ ، ق ١ ، ورقة ٥٢ ب.

(٥) سؤالات السلفي ، ٤٧.

(٦) الغساني ، العسجد المسبوك (مخطوطة) ج ٢ ، ق ١ ، ورقة ٥٢ ب. انظر : ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ١٧. الإسنوي ، طبقات الشافعية ، ٢ / ٢٥٧.

(٧) سؤالات السلفي ، ٤٧. ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ٣٧. ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، ٢ / ٧٧. الإسنوي ، طبقات الشافعية ، ٢ / ٢٥٦.

(٨) ابن الجوزي ، المنتظم ، ٩ / ٦٣.

(٩) ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ٣٧. ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، ٢ / ٧٧. الإسنوي ، طبقات الشافعية ، ٢ / ٢٥٧.

(١٠) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ١ / ١١٥ (المطبوع) ويذكر ابن نقطة أنه حدث بكتاب السنن لأبي داود ، التقييد (مخطوطة) ورقة ١١٢ ب ، ١١٣ أ.

(١١) ابن نقطة ، التقييد (مخطوطة) ورقة ١٦٢ ب. الذهبي ، المختصر المحتاج إليه ، ٣ / ٢٢٨ ، ص ٧٨ «المستدرك». الإسنوي ، طبقات الشافعية ١ / ٢٦٤.

(١٢) ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، ٢ / ٧٧ ويقول الإسنوي : إن الكتاب «في جزأين متوسطين» طبقات الشافعية ، ٢ / ٢٥٧.

٢٦٧

في نحو خمسة أجزاء (١).

وأبو محمد عبد المحمود بن أحمد بن علي الواسطي (ت ٥٨٦ ه‍ / ١١٩٠ م) الذي قال عنه ابن الدبيثي بأنه كان «عالما عاملا ناسكا حسن الطريقة» (٢) درس الفقه بواسط على الفقيه أبي جعفر هبة الله بن يحيى بن البوقي ، وحفظ القرآن الكريم ثم درس العربية والنحو والتفسير (٣) ورحل إلى كل من البصرة والكوفة ومكة وسمع الحديث (٤) ولما أصبحت له معرفة تامة بالفقه والعربية والتفسير ، قدم إلى بغداد وجالس علماءها وسمع الحديث من كبار المحدثين وكتب عنهم ، ثم عاد إلى واسط ودرّس الفقه والتفسير وأفتى (٥).

وأبو علي الحسن بن هبة الله بن يحيى بن الحسن الواسطي المعروف بابن البوقي (ت ٥٨٨ ه‍ / ١١٩٢ م) الذي كان «جيد المعرفة بمذهب الشافعي» كما يقول ابن الدبيثي (٦) درس الفقه بواسط على والده وسمع الحديث من أبي الكرم نصر الله بن محمد بن مخلد الأزدي ، وأبي الجوائز سعد بن عبد الكريم الغندجاني ، وأبي عبد الله محمد بن

__________________

(١) الشهرزوري ، طبقات الشافعية (مخطوطة) ورقة ١٠ أ. الإسنوي ، طبقات الشافعية ، ٢ / ٢٥٧.

(٢) ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٩٠ ، ورقة ١٠٥ (كيمبرج) انظر : الإسنوي ، طبقات الشافعية ، ١ / ١٢٤.

(٣) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٩٠ ، ورقة ١٠٥ ، (كيمبرج). المنذري ، التكملة ، ١ / ٢٣٢. الإسنوي ، طبقات الشافعية ، ١ / ١٢٤.

(٤) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٩٠ ، ١٠٥ (كيمبرج). المنذري ، التكملة ، ١ / ٢٣٢. الإسنوي ، طبقات الشافعية ، ١ / ١٢٤.

(٥) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٩٠ ، ورقة ١٠٥ (كيمبرج). المنذري ، التكملة ، ١ / ٢٣٣. الإسنوي ، طبقات الشافعية ، ١ / ١٢٤.

(٦) ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ١ ، ورقة ١٧٩. انظر : المنذري ، التكملة ، ١ / ٣١٨. الإسنوي ، طبقات الشافعية ، ١ / ٢٦٥. الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ١٢ / ٢٩٢.

٢٦٨

علي بن المغازلي وآخرين (١) ، وقدم بغداد مرارا وسمع الحديث من كبار المحدثين فيها ، وناظر فقهاءها (٢) ، انتهت إليه الفتوى بواسط ، وحدث (٣) قال ابن الدبيثي : «قرأت عليه بواسط الفقه وسمعت منه كثيرا» (٤).

وأبو العلاء محمد بن هبة الله بن يحيى الواسطي (ت ٥٩٠ ه‍ / ١١٩٣ م) وهو أخو الفقيه أبي علي ، درس الفقه الشافعي بواسط على والده ، وسمع الحديث من أبي علي الحسن بن إبراهيم الفارقي ، وأبي الكرم نصر الله بن محمد بن مخلد الأزدي ، وأبي الحسن علي بن هبة الله ابن عبد السلام ، وأبي الجوائز سعد بن عبد الكريم الغندجاني ، وأبي عبد الله محمد ابن علي المغازلي وغيرهم ، وتكلم في مسائل الخلاف وأفتى (٥) قدم بغداد مرارا والتقى برجال الحديث وسمع عليهم وناظر فقهاءها ، وعندما أصبح ناظرا في الحلة المزيدية حدث هناك وأفتى (٦).

ومن أشهر علماء الفقه الحنفي بواسط أبو المحاسن عبد اللطيف بن نصر الله بن علي المعروف بابن الكيال (ت ٦٠٥ ه‍ / ١٢٠٨ م) درس الفقه

__________________

(١) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ١ ، ورقة ١٧٩. المنذري ، التكملة ، ١ / ٣١٨. الإسنوي ، طبقات الشافعية ، ١ / ٢٦٥. والده : أبو جعفر هبة الله (ت ٥٧١ ه‍) كان أحد فقهاء المذهب الشافعي بواسط ، درس الفقه على أبي علي الفارقي بواسط وحدث بواسط وبغداد وكان بارعا في المذهب مناظرا. ابن نقطة ، التقييد (مخطوطة) ورقة ١١٩ أ ، ١٦٢ ب. الإسنوي ، طبقات الشافعية ، ١ / ٢٦٤ ، ٢٦٥.

(٢) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ١ ، ورقة ١٧٩. المنذري ، التكملة ، ١ / ٣١٨. الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ١٢ / ٢٩٢.

(٣) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ١ ، ورقة ١٧٩. الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ١٢ / ٢٩٢. الإسنوي ، طبقات الشافعية ، ١ / ٢٦٥.

(٤) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ١ ، ورقة ١٧٩.

(٥) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ١٥٧. المنذري ، التكملة ، ١ / ٣٩٠.

(٦) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ١٥٧. المنذري ، التكملة ، ١ / ٣٩٠.

٢٦٩

الحنفي بواسط على والده وآخرين (١) ثم تولى القضاء والإشراف على الديوان بواسط سنة ٥٨٦ ه‍ / ١١٩٠ م (٢) ودرس الفقه في المدرسة التي انشأها والده بواسط ـ كما سبق أن ذكرنا (٣) ـ ثم قدم بغداد سنة ٥٩٤ ه‍ / ١١٩٧ م وتولى التدريس بمشهد أبي حنيفة ، والنظر في الوقوف عليه وعلى غيره من المدارس الحنفية ببغداد حتى سنة ٥٩٦ ه‍ / ١١٩٩ م (٤) وفي هذه السنة عاد إلى واسط ، وتولى القضاء والإشراف على الديوان ثانية سنة ٥٩٨ ه‍ / ١٢٠١ م (٥).

وإضافة إلى ما تقدم فقد تردد في المصادر ذكر عدد آخر من الفقهاء في هذه المدينة (٦).

والخلاصة مما مر أنه قد ظهر في هذه المدينة عدد من الفقهاء كان

__________________

(١) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ١٥٨ ، ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٦١ ، ورقة ٧٧ (كيمبرج). المنذري ، التكملة ، ٣ / ٢٥٥. الذهبي ، تاريخ الإسلام ، م ١٨ ، ق ١ ، ١٩٥ (المطبوع).

(٢) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٦١. ابن الساعي ، الجامع المختصر ، ٩ / ٢٨٠. الذهبي ، تاريخ الإسلام ، م ١٨ ، ق ١ ، ١٩٥.

(٣) انظر : المدارس.

(٤) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٦٢. المنذري ، التكملة ، ٣ / ٢٥٥. ابن الساعي ، الجامع المختصر ، ٩ / ٢٨٠. القرشي ، الجواهر المضيئة ، ١ / ٣٢٨. ابن الفوطي ، تلخيص مجمع الآداب ، ٥ / ٨٦٥ (حرف الميم).

(٥) ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٦٢. ابن الساعي ، الجامع المختصر ، ٩ / ٢٨٠. القرشي ، الجواهر المضيئة ، ١ / ٣٢٨ ، ٣٢٩.

(٦) سؤالات السلفي ، ٣٣ ، ٥٣ ، ٦٧. الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٦٩. ابن نقطة ، التقييد (مخطوطة) ورقة ١٦٢ ب. ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ١٢٩ ، ٢٢٦ ، ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٢٧ ، ١٦١ ، ورقة ٤٤ (كيمبرج). المنذري ، التكملة ، ٣ / ١٣٤ ، ٤ / ٣٨١ ، ٥ / ٤٤٣. ابن الساعي ، الجامع المختصر ، ٩ / ١٩١ ، ٢٨٠. القرشي ، الجواهر المضيئة ، ١ / ٣١٣ ، ٢ / ١٥٤ ، ١٩٨. السبكي ، طبقات الشافعية ، ٤ / ٢٠٩. الإسنوي ، طبقات الشافعية ، ١ / ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، ٢ / ٥٥١.

٢٧٠

معظمهم من أتباع المذهب الشافعي ، وذلك لأن السلاجقة قاموا بتشجيع هذا المذهب والعمل على نشره في العراق في هذه الفترة.

وقد درس هؤلاء الفقهاء الفقه بواسط ثم رحلوا في طلبه إلى بغداد ودرسوه على فقهائها ثم عدوا إلى واسط ودرّسوه وتخرج بهم عدد من الطلبة. وقد تقلد البعض منهم منصب القضاء ومناصب أخرى في هذه المدينة ، كما صنف بعضهم في هذا العلم.

وقد اشتهر بعض فقهاء واسط فدرّسوا الفقه بمدارس بغداد وناظروا فقهاءها ، وقصدهم الفقهاء إلى واسط ودرسوا الفقه عليهم وتخرّجوا بهم.

٣ ـ العلوم العربية :

أ ـ اللغة والنحو :

يبدو أن واسط كانت قد تأخرت في عنايتها باللغة والنحو ، لأننا لا نجد في المصادر ما يشير إلى وجود نحاة متخصصين كنحاة البصرة والكوفة وبغداد وذلك حتى النصف الثاني من القرن الرابع الهجري ويعزى هذا ـ فيما نظن ـ إلى عاملين :

الأول : هو أن هذه المدينة سكنتها القبائل العربية منذ إنشائها وأن مؤسسها الحجاج بن يوسف الثقفي منع أهل السواد من السكن فيها فأدى ذلك إلى عدم ظهور اللحن وتحريف الكلمات فيها كما حدث في البصرة والكوفة عند تأسيسهما ، وقد وصفهم بحشل (ت ٢٩٢ ه‍ / ٩٠٤ م) فقال (١) : «لم يكن بالعراق أفصح من أهل واسط».

وعلى الرغم من أن هذا الكلام ينطبق على سكان المدينة في العصر

__________________

(١) تاريخ واسط ، ٤٦.

٢٧١

الأموي وذلك لأن أهل السواد سكنوا واسط في أواخر هذا العصر كما تشير المصادر (١) ، إلا أن عددهم ـ على ما يبدو ـ كان قليلا لأن واسط كانت محاطة بسور ولا تستوعب عددا كبيرا من السكان للسكن فيها إلى جانب سكانها الأصليين. وأغلب الظن أن هؤلاء كانوا قد تعلموا اللغة العربية قبل أن يسكنوا بواسط وذلك لحاجتهم إليها لمعرفة الدين الجديد ولأنها لغة الدولة والثقافة. أما الموالي بواسط فالظاهر أنهم كانوا قد تعلموا اللغة العربية وأتقنوها فقد أشارت المصادر إلى أن عددا كبيرا منهم كان من كبار المحدثين بواسط (٢).

أما العامل الثاني ، فإننا نجد في هذه الفترة إشارات إلى القراء والمحدثين ، فقد شهد المسجد الجامع بواسط حلقات قراءة القرآن الكريم منذ إنشائها ، كما كان الاهتمام بالحديث أهم ما يميز الحركة الفكرية في هذه المدينة (٣) كما نجد إشارات إلى الكتاب والمؤدبين الذين كانوا يعلمون الصبيان إضافة إلى القراءة والكتابة والقرآن الكريم والأحاديث ومبادىء العربية عن طريق دراسة الشعر والأدب ، وذلك للحفاظ على تلاوة القرآن الكريم وسلامة لغته والحديث الشريف (٤).

وأغلب الظن أن هؤلاء القراء والمحدثين والكتّاب والمؤدبين كانوا يجعلون قراءات القرآن الكريم والأحاديث مصادر مهمة يستندون إليها في معرفة القواعد النحوية. هذا وقد رحل البعض منهم إلى بغداد وسمعوا

__________________

(١) تاريخ واسط ، ٤٦. انظر : واسط في العصر الأموي ، ١٥٨.

(٢) انظر : بحشل ، تاريخ واسط ، ٨٦ ، ٨٩ ، ١٠١ ، ١١٩ ، ١٢٠ ، ١٢٧. ابن سعد ، الطبقات ، ج ٧ ، ق ٢ ، ٥٩ ـ ٦٣. ابن حبان ، مشاهير علماء الأمصار ، ١٧٦ ـ ١٧٨. الخطيب ، تاريخ بغداد ، ١٢ / ٢٤٧ ، ١٣ / ٢٦٤ ، ٤٦٠ ، ١٤ / ٨٥ ، ٣٣٧. ابن الجوزي ، صفة الصفوة ، ٣ / ١١ ـ ٢٠. الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ٩ / ٢٨٠.

(٣) انظر : العلوم الدينية في هذا الفصل.

(٤) انظر : الكتاتيب.

٢٧٢

الحديث من كبار المحدثين (١) ، ودرسوا على أئمة اللغو والنحو (٢) ، كان يدفعهم إلى ذلك حرصهم على تلاوة القرآن الكريم وسلامة لغته وضبط الأحاديث وليس الرغبة في التخصص في النحو واللغة ، وذلك لأن أهل واسط في هذه الفترة كانوا قد انصرفوا إلى الدراسات الدينية التي وجدوا فيها وسيلة لمعارضة السلطة المركزية ببغداد ـ كما سبق أن ذكرنا ـ.

أما في الفترة ـ موضوع البحث ـ فقد سكن بواسط الأتراك والديلم (٣) واتحدت واسط بمدينة كسكر التي كانت تقع في الجانب الشرقي من دجلة مقابل واسط وهي مدينة ساسانية قديمة كان سكانها من الفرس والنبط (٤) ، فلا بد أن ظهر اللحن وتحريف الكلمات كما حدث في البصرة والكوفة سابقا ، فأصبحت هناك ضرورة لتدريس العربية ووضع قواعد اللغة والنحو ليسهل عليهم الرجوع إليها وقت الحاجة ، فظهر نحاة أخذوا من آراء المدرسة البصرية ـ كما سنرى من خلال البحث ـ ويرجع سبب ذلك إلى أن أوائل هؤلاء النحاة تتلمذوا ببغداد على أبي سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي (ت ٣٦٨ ه‍ / ٩٧٨ م) وأبي علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي (ت ٣٧٧ ه‍ / ٩٨٧ م) وعلي بن عيسى الرماني (ت ٣٨٤ ه‍ / ٩٩٤ م) وهؤلاء الثلاثة تتلمذوا على تلامذة أبي العباس محمد بن يزيد المبرّد (٥) الذي «كان أعلم الناس بمذاهب البصريين في النحو ومقاييسه» (٦) وكانوا يدعون إلى الآراء البصرية وينتصرون لها «وهو الطراز الذي عم وساد منذ

__________________

(١) انظر : الخطيب ، تاريخ بغداد ، ٤ / ١٣٨ ، ٢٣٦ ، ٦ / ١٢٠ ، ٣١٩ ، ١٤ / ٨٥ ، ٣٤٤ ، ٣٤٥.

(٢) ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٤ / ٢٤٦ ـ ٢٤٨.

(٣) انظر الفصل الرابع.

(٤) انظر الفصل الثاني.

(٥) شوقي ضيف ، المدارس النحوية ، ١٤٦ ، ٢٥٦. المخزومي ، الدرس النحوي في بغداد ، ٨٠.

(٦) الأزهري ، تهذيب اللغة ، ١ / ٢٧.

٢٧٣

النصف الثاني من القرن الرابع الهجري» (١).

ومما تجدر الإشارة إليه هو أن مؤلفات نحاة واسط كانت قد فقدت ، ولو وصلت إلينا لاستطعنا الوقوف على آرائهم النحوية ، وأكبر الظن أنهم اجتهدوا في استنباط آراء جديدة ، وربما كانت مخالفة لمدارس العراق الأخرى.

وقد أنجبت واسط عددا من علماء اللغة والنحو كان من أبرزهم أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد بن الطيب الرفاعي (ت ٤١١ ه‍ / ١٠٢٠ م) قرأ القرآن الكريم بواسط على أبي الطيب عبد الغفار بن عبيد الله الحضيني الواسطي (٢) وربما درس عليه النحو واللغة لأنه كان من أهل المعرفة الجيدة بعلوم العربية كما يقول السمعاني (٣) ثم ذهب إلى بغداد ولقي أبا سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي ولازمه وقرأ عليه شرحه لكتاب سيبويه ، وسمع منه كتب اللغة والدواوين ثم عاد إلى واسط وجلس بالجامع صدرا يقرىء الناس القرآن الكريم والنحو (٤). وأغلب الظن أن أبا إسحاق هو أول من جلس لتدريس النحو بواسط ، ولا بد أنه أخذ بمنهج أستاذه في النحو «الذي استقر في نفسه إلى أقصى حد أن سيبويه هو الإمام المتبوع وأن كتابه هو العلم المنصوب» (٥) وبذلك يكون مذهب النحو الذي عرفته واسط هو المذهب البصري.

__________________

(١) شوقي ضيف ، المدارس النحوية ، ٢٦٨. المخزومي ، الدرس النحوي في بغداد ، ١٤٨.

(٢) سؤالات السلفي ، ٨٣. ياقوت ، معجم الأدباء ، ١ / ١٥٤. القفطي ، إنباه الرواة ، ١ / ١٦٧ ، ١٦٨. الصفدي ، نكت الهميان ، ٨٨. ابن الجزري ، غاية النهاية ، ١ / ١٥. السيوطي ، بغية الوعاة ، ١ / ٤١٣.

(٣) الأنساب ، ٤ / ١٨٧ ، ١٨٨.

(٤) سؤالات السلفي ، ٨٣ ، ٨٤. ياقوت ، معجم الأدباء ، ١ / ١٥٤. القفطي ، إنباه الرواة ، ١ / ١٦٨. الصفدي ، نكت الهميان ، ٨٨ ، ٨٩. ابن قاضي شهبة ، طبقات النحاة (مخطوطة) ق ١ ، ورقة ١٤٢. السيوطي ، بغية الوعاة ، ١ / ٤١٣.

(٥) شوقي ضيف ، المدارس النحوية ، ١٤٦.

٢٧٤

وأبو القاسم علي بن طلحة بن كردان النحوي (ت ٤٢٤ ه‍ / ١٠٣٢ م) وقد كان نحويّا وأديبا وشاعرا قدم بغداد وقرأ كتاب سيبويه على أبي علي الفارسي ، وعلي بن عيسى الرماني (١) ، ثم عاد إلى واسط ودرّس بها الأدب والنحو. وكان ممن أخذ عنه أبو غالب بن بشران ، وأبو الفتح محمد بن محمد بن مختار النحوي وغيرهما (٢) ، وأشار السلفي إلى منزلته العلمية وشهرته فقال : «والواسطيون يفضلونه على ابن جني والربعي» (٣) ، وهما من مشاهير النحاة في عصرهم. صنف كتابا «كبيرا في إعراب القرآن ... كان يقارب خمسة عشر مجلدا» كما يقول السلفي (٤). ولعله كان أول من صنف كتابا في النحو بواسط.

وبرز من علماء اللغة أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل الواسطي المعروف بابن بشران ويعرف بابن الخالة أيضا (ت ٤٦٢ ه‍ / ١٠٦٩ م) وكان كما يقول القفطي نحويا وعالما بالأدب وشاعرا مجيدا و «شيخ العراق في

__________________

(١) سؤالات السلفي ، ١٥. ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٣ / ٢٥٩. القفطي ، إنباه الرواة ٢ / ٤٨٤.

(٢) سؤالات السلفي ، ١٤ ، ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٣ / ٢٥٩. إنباه الرواة ، ٢ / ٤٨٤. السيوطي ، بغية الوعاة ، ٢ / ١٧٠. ابن قاضي شهبة ، طبقات النحاة ، (مخطوطة) ق ٢ ، ورقة ٣٩٤.

(٣) سؤالات السلفي ، ١٥. معجم الأدباء ، ١٣ / ٢٦٠. انظر : إنباه الرواة ، ٢ / ٢٨٤. ابن قاضي شهبة ، طبقات النحاة ، (مخطوطة) ق ٢ ، ورقة ٣٩٤. ابن جني : هو أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي النحوي المشهور ، كان إماما في علم العربية ، قرأ الأدب على أبي علي الفارسي (ت سنة ٣٩٢). ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٢ / ٨١. القفطي ، إنباه الرواة ، ٢ / ٣٣٥. ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، ٣ / ٢٤٦ ـ ٢٤٨.

الربعي : هو أبو الحسن علي بن عيسى الربعي النحوي ، درس الأدب ببغداد على أبي سعيد السيرافي وخرج إلى شيراز فدرس بها على أبي علي الفارسي عشرين سنة ثم عاد إلى بغداد ، توفي سنة ٤٢٠ ه‍. ابن الجوزي ، المنتظم ٨ / ٤٦.

(٤) سؤالات السلفي ، ١٥. انظر : ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٣ / ٢٥٩. القفطي ، إنباه الرواة ، ٢ / ٢٨٤. السيوطي ، بغية الوعاة ، ٢ / ١٧٠. ابن قاضي شهبة طبقات النحاة (مخطوطة) ق ٢ ، ورقة ٣٩٤.

٢٧٥

اللغة في وقته» (١) تتلمذ على عدد كبير من علماء اللغة والنحو والأدب بواسط منهم أبو الحسين بن دينار (٢) الذي سمع منه كثيرا وروى عنه كما يقول ياقوت (٣) وأبو إسحاق الرفاعي الذي قرأ عليه ألف ديوان من الشعر على حد قوله وأثنى عليه ، ولازم أبا القاسم بن كردان وقرأ عليه كتاب «سيبويه» (٤). ودرّس بواسط (٥).

ويظهر أنه درس كتب المتكلمين ، فقد أشارت المصادر التي ترجمت له إلى أنه كان يعتنق مذهب المعتزلة (٦).

وإلى جانب ما تقدم كان يعنى بالحديث فسمعه بواسط ، وحدث به ، وروى عنه كثيرون (٧). ويبدو أن منزلته العلمية وشهرته الواسعة جعلت

__________________

(١) إنباه الرواة ، ٣ / ٤٤. انظر : القفطي ، المحمدون من الشعراء ، ٨٩. الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ٢ / ٨٢. الذهبي ، العبر ، ٣ / ٢٥٠. ميزان الاعتدال ، ٣ / ٤٥٩. القرشي ، الجواهر المضيئة ، ٢ / ١١ (نقلا عن السمعاني). ابن قاضي شهبة ، طبقات النحاة واللغويين (مخطوطة) ق ١ ، ورقة ١٤٢ ، ص ٤٢ (المطبوع). العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٢ ، ج ٢٠ ، ورقة ٢٦١.

(٢) هو أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الرحيم بن دينار الكاتب الشاعر الواسطي (ت ٤٠٩ ه‍) قدم بغداد وقرأ على أبي سعيد السيرافي ، وأبي علي الفارسي ثم عاد إلى واسط وأقرأ الأدب ، وانتفع به جماعة كبيرة وتخرجوا عليه ، وكان له ديوان شعر. ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٤ / ٢٤٦. سؤالات السلفي ، ٢٣ ، ٢٤.

(٣) روى عنه كتب أبي إسحاق الزجاج ، ومصنفات ثعلب ، وكتب ابن الأعرابي ، وابن السكيت ، وابن قتيبة الدينوري ، والآمدي وكتاب الأغاني لأبي فرج الأصبهاني وكتاب الجمهرة لابن دريد وغير ذلك. معجم الأدباء ، ١٤ / ٢٤٦ ـ ٢٤٨. سؤالات السلفي ، ٢١ ، ١٠٢. ابن الجوزي ، المنتظم ، ٨ / ٢٥٩. القفطي ، إنباه الرواة ، ٣ / ٤٤.

(٤) سؤالات السلفي ، ٢١. ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٧ / ٢١٥ ، ٢٢١ الذهبي ، ميزان الاعتدال ، ٣ / ٤٥٩ ، ٤٦٠.

(٥) السيوطي ، بغية الوعاة ، ١ / ٢٢١.

(٦) سؤالات السلفي ، ٢٢. معجم الأدباء ، ١٧ / ٢٢١. الذهبي ، ميزان الاعتدال ، ٣ / ٤٥٩.

(٧) انظر : ابن ماكولا ، الإكمال ، ٢ / ٢٦٦. السمعاني ، الأنساب ، ٣ / ٤٤٦. السلفي معجم السفر (مخطوطة) ورقة ٦٤ أ. سؤالات السلفي ، ٤٤. ابن قاضي شهبة ، طبقات النحاة واللغويين ، ٤٢ (المطبوع).

٢٧٦

الناس يشدون الرحال إليه للقراءة عليه والسماع منه (١) و «انتهت إليه الرحلة في اللغة في عصره» (٢).

صنف كتابا درّسه علماء النحو بواسط. غير أن المصادر لا تشير إلى اسم هذا الكتاب (٣) وقد أورد له مترجموه عددا من المقطوعات الشعرية نظمها في الزهد والغزل (٤). وقد كان لابن بشران مكتبة كانت ـ على ما يبدو ـ عامرة بالكتب القيمة فقد ذكر ياقوت أن القاضي وجماعة معه ختموا على كتبه حراسة لها وخوفا عليها وذلك قبيل وفاته (٥).

وأبو الفتح محمد بن محمد بن جعفر بن مختار الواسطي النحوي (ت ٤٧٤ ه‍ / ١٠٨١ م) درس النحو على أبي القاسم بن كردان ، وسمع الأدب من أبي الحسين علي بن محمد بن دينار الواسطي (٦). ولا شك أنه كان قد درس النحو على ابن كردان على مذهب البصريين ، درّس النحو والأدب بواسط وتخرج به جماعة (٧).

وإلى جانب النحو والأدب كان يعنى بالحديث ، فقد ذكرت المصادر أنه سمع الحديث بواسط وحدّث (٨).

__________________

(١) الباخرزي ، دمية القصر ، ١ / ٣٢٣. القفطي ، إنباه الرواة ، ٣ / ٤٤. ابن قاضي شهبة ، طبقات النحاة (مخطوطة) ق ٢ ، ورقة ٥٣٠.

(٢) ابن الجوزي ، المنتظم ، ٨ / ٢٥٩. انظر : ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٧ / ٢١٥. ابن كثير ، البداية والنهاية ، ١٢ / ١٠٠.

(٣) ياقوت ، معجم الأدباء ، ١ / ١٥٤. سؤالات السلفي ، ٨٤.

(٤) الباخرزي ، دمية القصر ، ١ / ٣٠٣ ـ ٣٠٥ ، ٣٢٤ ، ٣٢٥. ابن الجوزي ، المنتظم ، ٨ / ٢٥٩ ، ٢٦٠. معجم الأدباء ، ١٧ / ٢١٥ ـ ٢٢٤. القفطي ، المحمدون من الشعراء ، ٩٠. إنباه الرواة ، ٣ / ٤٥. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٦٢.

(٥) معجم الأدباء ، ١٧ / ٢١٥. انظر : سؤالات السلفي ، ٢٢.

(٦) سؤالات السلفي ، ١٣ ، ١٤. ياقوت ، معجم الأدباء ، ٥ / ٥٩ ، ١٩ / ٥ ، ٦. السيوطي ، بغية النحاة ، ١ / ٢٢١.

(٧) سؤالات السلفي ، ٥٥.

(٨) ن. م ، ١٤ ، ٦٨.

٢٧٧

ومن علماء النحو بواسط أبو محمد القاسم بن القاسم بن عمر الواسطي (ت ٦٢٦ ه‍ / ١٢٢٨ م) كان أديبا ونحويا ولغويا وشاعرا (١) ، قرأ النحو بواسط على الشيخ مصدق بن شبيب الواسطي ، وقرأ اللغة على هبة الله بن أيوب (٢). وقرأ القرآن الكريم على أبي بكر الباقلاني ، وعلي بن هياب الجماجمي (٣) ، وسمع كثيرا من كتب اللغة والنحو والحديث على جماعة ، منهم : أبو الفتح محمد بن أحمد بن بختيار المندائي ، وأحمد بن الحسين بن المبارك بن نغوبا الذي سمع منه المقامات عن الحريري (٤) ، ثم درّس النحو بواسط وتخرج به عدد من النحاة في هذه المدينة (٥). وصنف عدة كتب منها «شرح اللمع» لابن جني ، و «شرح التصريف الملوكي» لابن جني أيضا ، وثلاثة شروح لمقامات الحريري وكتاب «فعلت وأفعلت بمعنى» على حروف المعجم ، وكتاب «خطب» (٦).

وهكذا تتضح صلته بابن جني والحريري في شرحه لكتبهما. ذهب إلى حلب للتدريس واستقر بها إلى حين وفاته (٧).

__________________

(١) القفطي ، إنباه الرواة ، ٣ / ٣١. الحنبلي ، شذرات الذهب ، ٥ / ١٢٨.

(٢) الكتبي ، فوات الوفيات ، ٣ / ١٩٢. ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٦ / ٢٩٦. ابن الفوطي ، تلخيص مجمع الآداب ، ٥ / ٢٤٠ (حرف الكاف). السيوطي ، بغية الوعاة ، ٢ / ٢٦٠.

(٣) ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٦ / ٢٩٦. الكتبي ، فوات الوفيات ، ٣ / ١٩٢. ابن قاضي شهبة ، طبقات النحاة (مخطوطة) ق ٢ ، ورقة ٤٨٥.

(٤) ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٦ / ٢٩٦. الكتبي ، فوات الوفيات ، ٣ / ١٩٢. السيوطي ، بغية الوعاة ، ٢ / ٢٦٠. ابن قاضي شهبة ، طبقات النحاة (مخطوطة) ق ٢ ، ورقة ٤٨٥.

(٥) سؤالات السلفي ، ٥٦. ياقوت ، معجم الأدباء ، ٥ / ٥٩ ـ ٦٠. القفطي ، إنباه الرواة ، ٣ / ٣١.

(٦) الكتبي ، فوات الوفيات ، ٣ / ١٩٢. السيوطي ، بغية الوعاة ، ٢ / ٢٦١. كشف الظنون ، ١ / ٤١٢ ، ٤١٣. ويذكر القفطي أنه صنف شرحين لمقامات الحريري ، وصنف شرحا لديوان المتنبي ، إنباه الرواة ، ٣ / ٣٣.

(٧) ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٦ / ٢٩٦. القفطي ، إنباه الرواة ، ٣ / ٣٢. الكتبي ، فوات الوفيات ، ٣ / ١٩٢. ابن الفوطي ، تلخيص مجمع الآداب ، ٥ / ٢٤٠ (حرف الكاف).

٢٧٨

وإلى جانب ما تقدم من اللغويين والنحاة بواسط فقد ذكرت المصادر عددا آخر منهم درسوا اللغة والنحو والأدب بواسط وبغداد ، ودرّسوا بواسط وتخرج بهم جماعة (١).

يتبين مما تقدم أن واسط كانت قد تأخرت عن البصرة والكوفة وبغداد في عنايتها باللغة والنحو وذلك لعدم ظهور اللحن وتحريف الكلمات فيها كما حدث في البصرة والكوفة ـ على الأرجح ـ ومنذ النصف الأول من القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي سكن بواسط الأتراك والديلم فظهر اللحن ، فأصبحت هناك ضرورة لتدريس العربية ووضع قواعد اللغة والنحو ، فظهر نحاة أخذوا من آراء المدرسة البصرية وذلك لأن أوائل النحاة كانوا قد تتلمذوا ببغداد على علماء كانوا يدعون إلى الآراء البصرية وينتصرون لها. وقد ظل النحو بواسط يدرّس على طريقة البصريين طيلة العصر العباسي.

هذا وقد أنجبت هذه المدينة عددا من علماء اللغة والنحو درّسوا بواسط ، وقد اشتهر البعض منهم فشد الناس الرحال إليهم للقراءة عليهم ، وقد صنف هؤلاء النحاة عددا من كتب اللغة والنحو إلا أنها لم تصل إلينا.

ب ـ الشعر :

إن كتب الأدب العربي لا تشير إلى وجود شعراء بواسط قبل فترة دراستنا وهنا نتساءل أين شعراء واسط في هذه الفترة؟

من الطبيعي أن يكون هناك شعراء بواسط ، وربما وصل شعر البعض منهم من حيث الدرجة الفنية إلى المستوى الذي كان عليه الشعر في البصرة

__________________

(١) انظر : ابن ماكولا ، الإكمال ، ٣ / ٣٨. سؤالات السلفي ، ٥٥ ، ٥٦ ، ١٠٨. ياقوت ، معجم الأدباء ، ٥ / ٥٩ ـ ٦٠. ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ٣١ ، ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ٢٧٥. القفطي ، إنباه الرواة ، ١ / ١٣٣ ، ٢٣٦ ، ٢٣٧ ، ٣ / ٨٠. المنذري ، التكملة ، ١ / ١٧٢. ابن قاضي شهبة ، طبقات النحاة (مخطوطة) ق ١ ، ورقة ١٩٦ ، ٢٣٣ ، ص ٧٦ (المطبوع) السيوطي ، بغية الوعاة ، ١ / ٢٢١ ، ٣٦٤.

٢٧٩

والكوفة وبغداد آنذاك ولكن ـ يبدو ـ أن الظروف التي كانت تمرّ بها مدينة واسط في تلك الفترة حالت دون شهرتهم فظلوا من الشعراء المغمورين ، فالخلفاء العباسيون كانوا ينظرون إلى أهل واسط نظرة شك وارتياب باعتبارهم من شيعة بني أمية ، فأدى ذلك إلى عدم استطاعة شعراء هذه المدينة من الذهاب إلى بغداد والاتصال بالخلفاء والوزراء وكبار الموظفين ومدحهم كما فعل شعراء الكوفة (١) والبصرة (٢) ، أو ربما هم الذين لم يحاولوا الاتصال بالسلطة المركزية ببغداد لتعصبهم للأمويين (٣) ، فأغفل رواة الأدب العربي ذكرهم في مؤلفاتهم فلم تصل إلينا أخبارهم ونتاجاتهم الفنية ، لأن مؤرخي الأدب العربي كانوا يهتمون عادة بتدوين شعر الشعراء الذين كانوا على اتصال بالخلفاء والوزراء وكبار الموظفين ببغداد.

أما في فترة دراستنا فقد برز بواسط عدد من الشعراء منهم : أبو طاهر عبد العزيز بن حامد بن الخضر الواسطي المعروف بسيدوك (ت ٣٦٣ ه‍ / ٩٧٣ م) (٤) وأبو عبد الله الجامدي (٥) وأبو الفرج محمد بن الحسين التمار الواسطي (٦) وأبو الحسين علي بن محمد بن عبد الرحيم بن دينار الواسطي (ت ٤٠٩ ه‍ / ١٠١٨ م) (٧) وأبو نصر منصور بن محمد بن علي الخباز

__________________

(١) خليف ، حياة الشعر في الكوفة ، ٤٩٢.

(٢) أحمد كمال زكي ، الحياة الأدبية في البصرة ، ١٩٩.

(٣) يظهر أن التشيع للأمويين ظل قائما بواسط حتى القرن الرابع الهجري. انظر : ابن الجوزي ، أخبار الحمقى والمغفلين ، ٢١٨. المقدسي ، أحسن التقاسيم ، ١٢٦.

(٤) انظر في ترجمته : التنوخي ، نشوار المحاضرة ، ٨ / ١٧٥. الثعالبي ، يتيمة الدهر ، ٢ / ٣٧٢. الكتبي ، فوات الوفيات ، ١ / ٥٧٦. الفرج بعد الشدة ، ٢ / ٤٦٠. ويسميه ابن النديم «أبو طاهر سندوك بن حبيبة» ويذكر أنه كان له ديوان شعر بخمسمائة ورقة ، الفهرست ، ١٦٨.

(٥) الثعالبي ، يتيمة الدهر ، ٢ / ٣٧٣.

(٦) انظر في ترجمته : الثعالبي ، يتيمة الدهر ، ٢ / ٣٧١. الباخرزي ، دمية القصر ، ١ / ٣١٧. القفطي ، المحمدون من الشعراء ، ٢٥١.

(٧) سؤالات السلفي ، ٢٣ ـ ٢٥. معجم الأدباء ، ١٤ / ٢٤٦.

٢٨٠