الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: ٥٣٧
لا عطف ، وإنّما هُما اسمان جُعلا واحداً ، فالمذكور تفسير له ، فلو باعه بخمسة عشر درهماً ، صحّ البيع إجماعاً.
ولو قال : ألف وثلاثة دراهم ، فالكلّ دراهم أيضاً ؛ قضاءً للعرف فيه.
ولو قال : خمسة وعشرون درهماً ، أو : مائة وخمسة وعشرون درهماً ، أو : ألف ومائة وخمسة وعشرون درهماً ، فالكلّ دراهم ؛ لأنّ عرف اللغة والاستعمال إذا أُريد الإخبار بالدراهم كلّها أتى بهذه العبارة ، ولأنّ لفظ الدرهم لا يجب به شيء زائد ، بل هو تفسير ، وليس تفسيراً للبعض ؛ لاحتياج الكلّ إلى التفسير ، فيكون تفسيراً للكلّ.
وقال بعض الشافعيّة : في « خمسة وعشرين » الخمسةُ مجملة ، والعشرون مفسَّرة بالدرهم ؛ لمكان العطف (١) ، فلو باعه بخمسة وعشرين درهماً ، لم يصح على هذا القول.
وكذا الخلاف في مائة وخمسة وعشرين درهماً ، وقوله : ألف ومائة وخمسة وعشرون درهماً ، أو : خمسون وألف درهم ، أو : مائة وألف درهم ، فقال أبو علي بن خيران من الشافعيّة وأبو سعيد الاصطخري : لا يكون تفسيراً إلاّ لما يليه من الجملتين ، وما قبل ذلك يُرجع إلى تفسيره (٢).
وقال أكثر الشافعيّة : إنّه يكون تفسيراً للجملتين ، ويكون الدرهم المفسّر عائداً إلى الجملتين ؛ لأنّ إحدى الجملتين تفسير للأُخرى (٣).
ولو قال : ثمانية دراهم وألف ، فإنّه لا يكون تفسيراً للألف.
__________________
(١) بحر المذهب ٨ : ٢٣٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤٠ ، البيان ١٣ : ٤٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢.
(٢) الوسيط ٣ : ٣٣٥ ـ ٣٣٦ ، البيان ١٣ : ٤٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢.
(٣) الوجيز ١ : ١٩٨ ، الوسيط ٣ : ٣٣٥ ، البيان ١٣ : ٤٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢.
ولو قال : ألف وثلاثة أثواب ، فالجميع أثواب.
وكذا : مائة وأربعة دنانير ، فالجميع دنانير.
ولو قال : مائة ونصف درهم ، فالأقرب : إنّ المائة دراهم.
ولو قال : درهم ونصف ، فالنصف يرجع إلى الدرهم ، وكذا : عشرة دراهم ونصف ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : إنّ النصف مبهم ؛ لأنّه معطوف على ما تقدّم مفسّراً ، فلا يتأثّر به (١).
وأكثرهم قال : الجميع دراهم ؛ لجريان العادة به حتى لو قال : له علَيَّ درهم ونصف درهمٍ ، عُدّ مُطوّلاً تطويلاً زائداً على قدر الحاجة (٢).
أمّا لو قال : له علَيَّ نصف ودرهم ، فالنصف مبهم.
ولو قال : مائة وقفيز حنطة ، فالمائة مبهمة ، بخلاف قوله : مائة وثلاثة دراهم ؛ لأنّ الدراهم تصلح تفسيراً للكلّ ، والحنطة لا تصلح تفسيراً للمائة ؛ لأنّه لا يصحّ أن يقال : مائة حنطة.
ولو قال : له علَيَّ ألف درهمٌ (٣) ، فسّر الألف بما لا تنقص قيمته عن درهمٍ ، كأنّه قال : الألف ممّا قيمة الألف منه درهم.
البحث الرابع : في الإقرار بالدرهم.
وفيه مطلبان :
الأوّل : في المفرد.
مسألة ٩٠٧ : الدرهم الإسلامي المعتبر في نُصُب الزكوات ومقادير
__________________
(١) الوجيز ١ : ١٩٨ ، الوسيط ٣ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢.
(٢) الوسيط ٣ : ٣٣٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢.
(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إلاّ درهم ». والمثبت هو الصحيح بدون « إلاّ ».
الديات وغيرها وزنة ستّة دوانيق ، وزن عشرة دراهم منها سبعة مثاقيل ، والدانق : ثماني حبّات وخُمْسا حبّةٍ ، فيكون الدرهم الواحد خمسين حبّةً وخُمْسي حبّةٍ.
والمراد من الحبّة حبّةُ الشعير لا من كباره ولا من صغاره ، بل المتوسّط بينهما التي لم تقشر ، بل قُطع من طرفها ما دقّ وطال.
والدينار : اثنتان وسبعون حبّة منها ، هكذا قال أبو عبيد القاسم بن سلاّم (١).
والمشهور عند علمائنا : إنّ الدانق ثمان حبّات ، وبه قال ابن سريج (٢) من الشافعيّة ، فعلى هذا يكون الدرهم ثمانيةً وأربعين حبّةً.
إذا عرفت هذا ، فإذا قال : له علَيَّ درهم ، وأطلق ، حُمل على المتعارف عند القائل في المعاملة ، فإن وافق المشروع فذاك ، وإلاّ كان حمله على المتعارف أولى من حمله على العرف الشرعي.
فلو قال : له علَيَّ ألف درهم ، ثمّ قال : هي ناقصة ـ كدراهم « طبريّة الشام » الواحد منها أربعة دوانيق ، أو كدراهم خوارزم ، وزن الخوارزميّة أربعة دوانيق ونصف ، أو كدراهمنا ـ اليوم ـ السلطانيّة ، الواحد منها نصف مثقالٍ ـ فإن كان الإقرار في عرف المُقرّ أو بلد الإقرار ودراهمه تامّة وكان قد ذكره متّصلاً ، فالأقوى : القبول ، كالاستثناء ، فكأنّه استثنى من كلّ درهمٍ دانقين ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة.
وقال ابن خيران : إنّها على قولين ؛ بناءً على أنّ الإقرار هل
__________________
(١) عنه في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، وروضة الطالبين ٤ : ٣٢.
(٢) المنسوب اليه في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، وروضة الطالبين ٤ : ٣٢ هو المحكيّ عن أبي عبيد القاسم بن سلاّم.
يتبعّض؟ (١).
والثاني : المنع ؛ لأنّ اللفظ صريح فيه ، وليس كلّ لفظٍ يتضمّن نقصاناً يصلح للاستثناء ، ولهذا لو قال : له علَيَّ ألف بل خمسمائة ، يلزمه الألف ، ولأنّ قوله : « ألف درهم » يقتضي الوازنة ، كما لو باع ولم يعيّن ، فإذا قال : نقص ، فقد رجع عن إقراره ؛ لأنّ الوازنة غير النقص ، وليس النقص من جملتها (٢).
وهو خطأ ؛ لأنّ الدراهم يعبَّر بها عن الوازنة وعن الناقصة ، وإنّما حُملت على الوازنة ؛ لأنّ عرف الإسلام قائم فيها ، لأنّها دراهم الإسلام ، فإذا فسّرها بالناقصة فلم يرجع عن إقراره ، وإنّما صرفه عن ظاهره إلى مستعملٍ ، فافترقا.
وإن ذكره منفصلاً ، لم يُقبل ؛ لأنّه كالاستثناء ، ولا يصحّ الاستثناء المنفصل ، وعليه وزن الدراهم المتعارفة عند المُقرّ وبلد الإقرار ، وإن لم يكن هناك عُرْفٌ حُمل على وزن دراهم الإسلام ، إلاّ أن يصدّقه المُقرّ له ؛ لأنّ لفظ الدرهم صريح في المقدار المعلوم ، وعرف البلد [ مؤيّد له ] (٣).
واختار بعض الشافعيّة القبولَ ؛ لأنّ اللفظ محتمل له (٤).
والأصل براءة الذمّة.
وإن كان الإقرار في بلدٍ دراهمه ناقصة ، فإن ذكره متّصلاً ، قُبِل ؛ لأنّ اللفظ والعرف يصدّقانه فيه.
__________________
(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢.
(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « هو بدله ». وذلك تصحيف ، والمثبت هو الصحيح.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣.
وإن ذكره منفصلاً ، احتُمل قويّاً القبول ؛ حملاً لكلامه على نقد البلد ، لأنّ للعرف أثراً بيّناً في تقييد الألفاظ ، حتى أنّه لو طرأ على اللغة أو الشرع كان الحمل عليه متعيّناً ، وصار كما في المعاملات ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.
والثاني : لا يُقبل ، ويُحمل مطلق إقراره على وزن الإسلام ، كما أنّ نُصُب الزكاة لا تختلف باختلاف البلدان (١).
والفرق ظاهر.
وكذا الخلاف فيما إذا أقرّ في بلدٍ وزنُ دراهمه أكثر من وزن دراهم الإسلام ، احتُمل حمل إقراره على دراهم البلد وعلى دراهم الإسلام.
فإن قلنا بالأوّل فلو قال : « عنيت دراهم الإسلام » منفصلاً ، لم يُقبل.
ولو قال متّصلاً ، فالأقرب : القبول.
وللشافعيّة وجهان ، هذا أصحّهما (٢).
مسألة ٩٠٨ : ولا فرق بين أن يُقرّ بمائة درهم ويسكت ثمّ يقول : ناقصة ، أو صغار وهي دَيْن ، أو يقول : هي وديعة ، أو غصب ، وبه قال الشافعي (٣).
وقال أبو حنيفة : في الغصب والوديعة يُقبل ؛ لأنّه أقرّ بفعلٍ في عينٍ ، وذلك لا يقتضي سلامتها ، فأشبه ما لو أقرّ بغصب عبدٍ ثمّ جاء به معيباً (٤).
وهو ممنوع ؛ لأنّ إطلاق الاسم يقتضي الوازنة الجياد ، فلم يُقبل
__________________
(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣.
(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٦١ ـ ٦٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٥١ ، البيان ١٣ : ٤١٦.
(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٠١ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٨ : ١٣ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٢ ، البيان ١٣ : ٤١٦ ، المغني ٥ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٤.
تفسيره بما يخالف ذلك ، كالدَّيْن ، بخلاف العبد ، فإنّ العيب لا يمنع إطلاق اسم العبد عليه.
ولو أقرّ بدراهم وأطلق في بلدٍ أوزانهم ناقصة أو مغشوشة ، أو بدنانير في بلدٍ دنانيرهم مغشوشة ، فالأقرب : الحمل على عرف ذلك البلد ودنانيره ؛ لأنّ مطلق كلامهم يُحمل على عرف بلدهم ، كما في البيع والأثمان.
مسألة ٩٠٩ : الدرهم عند الإطلاق إنّما يُستعمل في النقرة ، فلو أقرّ بدراهم وفسّرها بالفلوس ، لم يُقبل.
ولو فسّر بالدراهم المغشوشة ، فهو كالتفسير بالناقصة ؛ لأنّ وزنها لا يبلغ وزن الدراهم ، فيجيء فيه التفصيل الذي تقدّم في الناقصة.
فإن سكت بعد إقراره بالدراهم سكوتاً يمكنه الكلام فيه [ أو ] (١) أخذ في كلامٍ غير ما كان فيه ، استقرّ عليه الخالصة ، فإن عاد وقال : زيوفاً ، لم يقبل.
ولو وصل الكلام أو سكت للتنفّس أو لعروض سعالٍ وشبهه ثمّ وصفها بالرداءة ، فالأقرب : القبول ؛ لأنّ الإنسان قد يكون في ذمّته دراهم رديئة ويحتاج إلى الإقرار بها حذر الموت ، فلو لم يُسمع منه ذلك لأدّى إلى كتمان الحقّ وعدم التخلّص وبراءة الذمّة ، وهو ضرر عظيم ، ولأنّه كما قبل الاستثناء ، فالقبول هنا أولى ؛ لأنّ في الاستثناء نقضاً للأوّل ، بخلاف الوصف بالغشّ.
ولو قال : له علَيَّ دراهم صغار ، وليس للناس دراهم صغار وهي
__________________
(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « و». والمثبت يقتضيه السياق.
الناقصة ، قُبِل أيضاً تفسيره ، خلافاً لبعض الشافعيّة (١).
ولو فسّر بجنس رديء من الفضّة قُبِل ، كما لو قال : علَيَّ ثوب ، ثمّ فسّر بجنس رديء أو بما لا يعتاد أهل البلد لُبْسه ، بخلاف ما لو فسّر بالناقصة ؛ لأنّه يرفع شيئاً ممّا أقرّ به ، وهنا بخلافه.
مسألة ٩١٠ : إذا أقرّ بدرهمٍ ، انصرف الإطلاق إلى سكّة البلد الذي أقرّ بها فيه ، فإن فسّرها به قُبِل.
وإن فسّرها بسكّة غير سكّة البلد أجود منها ، قُبِل ؛ لأنّه يُقرّ على نفسه بما هو أغلظ.
وكذا إن كانت مثلها ؛ لأنّه لا يُتّهم في ذلك.
وإن كانت أدنى من سكّة البلد لكنّها متساوية في الوزن ، احتُمل أن لا يُقبل ؛ لأنّ إطلاقها يقتضي دراهم البلد ونقده ، فلا يُقبل منه دونها ، كما لا يُقبل في البيع ، ولأنّها ناقصة القيمة ، فلم يُقبل تفسيره بها ، كالناقصة وزناً.
ويحتمل القبول ـ وهو الأقوى عندي ، وبه قال الشافعي (٢) ـ لأنّه يحتمل ما فسّره به ، بخلاف الناقصة ؛ لأنّ إطلاق الشرع الدراهم لا يتناولها ، بخلاف هذه ، ولأنّه يرفع شيئاً ممّا أقرّ به ، بخلاف هذه ، ولهذا يتعلّق به مقدار النصاب في الزكاة وغيره ، بخلاف الثمن ، فإنّه إيجاب في الحال ،
__________________
(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٤٨ ، البيان ١٣ : ٤١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣ ، المغني ٥ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٦.
(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٥٤ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٣ ، البيان ١٣ : ٤١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣ ، المغني ٥ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٤ ـ ٣١٥.
وهذا إخبار عن حقٍّ سابق ، ولأنّ البيع إنشاء معاملة ، والغالب أنّ المعاملة في كلّ بلدةٍ تقع فيما يروج فيها ويتعامل الناس بها ، والإقرار إخبار عن حقٍّ سابق ربما يثبت بمعاملةٍ في تلك البلدة وربما يثبت بغيرها ، فوجب الرجوع إلى إرادته ، ولأنّه لا بدّ من صيانة البيع عن الجهالة ، والحمل على ما يروج في البلد أصلح طريقٍ تنتفي به الجهالة ، والإقرار لا تجب صيانته عن الجهالة.
وقال المزني : لا يُقبل تفسيره بغير سكّة البلد (١).
مسألة ٩١١ : لو قال : له علَيَّ دُرَيْهم ، أو دُرَيْهمات ، أو درهم صغير ، أو دراهم صغار ، فالوجه : قبول تفسيره بما أراد بما يطلق عليه هذا الاسم.
واضطرب قول الشافعيّة :
فالذي رواه الجويني : إنّه كما لو قال : درهم ، أو دراهم ، فيعود في التفسير بالنقص التفصيلُ السابق ، وليس التقييد بالصغير كالتقييد بالنقصان ؛ لأنّ لفظ الدرهم صريح في الوزن ، والوصف بالصغر يجوز أن يكون من حيث الشكل ، ويجوز أن يكون بالإضافة إلى الدراهم البغليّة (٢).
وقال بعض الشافعيّة بذلك في قوله : « دُرَيْهم » وقال في قوله : « درهم صغير » : إن كان بطبريّة يلزمه نقد البلد ، وإن كان ببلدٍ وزنه وزن مكّة فعليه وزن مكّة ، وكذلك إن كان بغزنة.
وفي هذا القول اضطراب ؛ لأنّه إمّا أن يعتبر اللفظ أو عرف البلد ، إن اعتبرنا اللفظ فيجب الوزن بطبريّة ، وإن اعتبرنا عرف البلد فيجب نقد البلد
__________________
(١) الحاوي الكبير ٧ : ٥٤ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٣ ، البيان ١٣ : ٤١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣.
(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣.
بغزنة (١).
وقال بعضهم : إذا قال : دُرَيْهم ، أو درهم صغير ، لزمه درهم من الدراهم الطبريّة ؛ لأنّها أصغر من دراهم الإسلام ، وهي أصغر من البغليّة ، فهي أصغر الصغيرين ، فيؤخذ باليقين. ولم يفرّق بين بلدةٍ وبلدةٍ ، ولأنّا لا نفرّق بين أن يقول : مال ، وبين أن يقول : مال صغير ، فكذلك في الدراهم (٢).
مسألة ٩١٢ : لو قال : له علَيَّ درهم كبير ، لزمه درهم من دراهم الإسلام ؛ لأنّه كبير في العرف.
ولو كان هناك ما هو أكثر وزناً منه ، فالأقرب : المساواة.
فلو فسّره بالأقلّ من دراهم الإسلام ، احتُمل القبول ؛ لاحتمال إرادة الكبير لا في الوزن ، بل بالحلال.
ولو قال : له دُرَيْهم ، فهو كما لو قال : درهم ؛ لأنّ التصغير قد يكون لصغرٍ في ذاته أو لقلّة قدره عنده ، وقد يكون لمحبّته.
المطلب الثاني : في المتعدّد.
مسألة ٩١٣ : إذا قال : له علَيَّ دراهم ، ولم يفسّر العدد ، لزمه ثلاثة ؛ لأنها أقلّ الجمع ، ولا يُقبل تفسيره بأقلّ منها ـ وهو الظاهر من مذهب الشافعيّة (٣) ـ لأنّ العرب وضعت صيغة آحاد وتثنية وجمع ، فقالوا : رجل
__________________
(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣.
(٣) الحاوي الكبير ٧ : ١٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٤٩ ، الوسيط ٣ : ٣٣٦ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٣٨ ، البيان ١٣ : ٤٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤.
ورجلان ورجال.
ويحتمل عندي القبول لو فسّره باثنين ؛ لأنّ الاثنين قد يُعبَّر عنهما بلفظ الجمع ، كما في قوله تعالى : ( فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ ) (١) والمراد أخوان ، وقال عليهالسلام : « الاثنان فما فوقهما جماعة » (٢) ولأنّ حقيقة الجمع موجودة في الاثنين.
ولو سُلّم أنّه مجاز ، فلا تستحيل إرادته ، فإذا فسّر به قُبِل ؛ لأنّه أعرف بقصده ، والألفاظ لا تدلّ على المعاني بذواتها ، بل باعتبار قصد المتكلّم.
وبه قال بعض الشافعيّة (٣).
ولو قال : له علَيَّ أقلّ أعداد الدراهم ، لزمه اثنان ؛ لأنّ العدد هو المعدود ، وكلّ معدودٍ متعدّد ، فيخرج عنه الواحد ، ولأنّ الاثنين مبدأ العدد وأوّل مراتبه ، بخلاف الواحد.
مسألة ٩١٤ : لو قال : له علَيَّ دراهم عظيمة ، أو جليلة ، أو جزيلة ، أو وافرة ، كان له ثلاثة ، وكان كقوله : ثلاثة ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ لأنّ الكثرة لا حدّ لها شرعاً ولا لغةً ولا عرفاً ، وتختلف بالأوصاف وأحوال الناس ، فالثلاثة أكثر من الاثنين وأقلّ ممّا فوقها ، فيحتمل أنّ المُقرّ أراد كثيرة بالنسبة
__________________
(١) النساء : ١١.
(٢) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٦١ ( الباب ٣١ ) ح ٢٤٨ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٨٠ / ١ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٤ : ٣٣٤ ، شرح معاني الآثار ١ : ٣٠٨ ، تاريخ بغداد ٨ : ٤١٥.
(٣) الحاوي الكبير ٧ : ١٦ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٧ ، البيان ١٣ : ٤٢١.
(٤) الحاوي الكبير ٧ : ١٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٧ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٣٨ ، البيان ١٣ : ٤٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤ ، المغني ٥ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٢٠ / ١٩٢٤.
إلى ما دونها ، ولأنّ الناس يختلفون ، فمنهم مَنْ يستعظم القليل ، ومنهم مَنْ يستقلّ الكثير ، فجاز أن يريد كثيرة في وهمه وظنّه ، وتكون الثلاثة عنده كثيرةً.
وقال أبو حنيفة : لا يُقبل تفسيره في الكثرة بدون العشرة ؛ لأنّها أقلّ جمع الكثرة (١).
وقال أبو يوسف ومحمّد : لا يُقبل أقلّ من مائتين ؛ لأنّ بها يحصل الغنى وتجب الزكاة (٢).
والحمل على يقين الأقلّ وبراءة الذمّة أولى.
ولو قال : علَيَّ دراهم كثيرة ، احتُمل لزوم ثمانين على الرواية (٣).
والوجه : ما قلناه في العظيمة.
ولو قال : دنانير كثيرة ، فعلى الرواية يلزمه ثمانون ، وعلى قول أبي حنيفة يلزمه عشرة (٤) ، وعلى قول أبي يوسف ومحمّد يلزمه عشرون (٥).
__________________
(١) تحفة الفقهاء ٣ : ١٩٧ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢٠ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٨٠ ـ ١٨١ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٨ : ٩٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٢٠ / ١٩٢٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٧ ، البيان ١٣ : ٤٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٦ ، المغني ٥ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤١.
(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ١٩٧ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٥ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٨١ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٨ : ٩٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٢٠ / ١٩٢٤ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٧ ، البيان ١٣ : ٤٢١ ، المغني ٥ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤١.
(٣) الكافي ٧ : ٤٦٣ ـ ٤٦٤ / ٢١ ، معاني الأخبار : ٢١٨ / ١ ، التهذيب ٨ : ٣٠٩ / ١١٤٧.
(٤ و ٥) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٥ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٨١ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٨ : ٩٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٧.
ولو قال : حنطة عظيمة ، أو كثيرة ، فعلى قول أبي حنيفة يرجع إلى بيانه فيما يُسمّى كثيراً في العادة (١) ، وعلى قولهما يلزمه خمسة أوسق (٢).
ولو قال : له علَيَّ مائة درهم عدداً ، فالأقرب : قبول قوله في إرادة الناقصة.
وقال بعض الشافعيّة : يلزمه مائة درهم ـ بوزن الإسلام ـ صحاح ، ولا يشترط أن يكون لكلّ واحدٍ ستّة دوانيق ، وكذا في البيع ، ومَنَع من قبول مائة بالعدد ناقصة بالوزن ، إلاّ أن يكون نقد البلد عدديّةً ناقصة ، وظاهر مذهب الشافعيّة حينئذٍ القبول (٣).
ولو قال : علَيَّ مائة عدد من الدراهم ، فهُنا يعتبر العدد دون الوزن إجماعاً.
مسألة ٩١٥ : إذا قال : له علَيَّ ألف درهم زُيَّف ، جمع زائف ، وهي التي لم تَجْر ، فإن فسّر وقال : أردتُ به أنّها كلّها نحاس أو رصاص ، لم يُقبل ، سواء فَصَله عن إقراره أو وصله به ؛ لأنّ النحاس والرصاص لا يُسمّى دراهم ، فكأنّه وَصَل إقراره بما رفعه ، فصار كاستثناء الكلّ.
وإن فسّر ذلك بما لفظه نحاس أو رصاص ، قال بعض الشافعيّة : الذي يقتضيه المذهب أنّه إن وصل ذلك بإقراره أو فصله قُبِل منه ؛ لأنّ الشافعي قال : « ولو قال : هي من سكّة كذا ، صُدّق مع يمينه ، كانت أدنى
__________________
(١ و ٢) تحفة الفقهاء ٣ : ١٩٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢٠ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٨ : ١٠٢ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٧.
(٣) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٣ ـ ٣١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤.
الدراهم أو وسطها » (١) ـ قال بعض الشافعيّة : أدنى الدراهم هي المغشوشة (٢) ـ وقول الشافعي : « ثمّ قال : هي نقص أو زيف لم يُصدَّق » (٣) يريد إذا قال : زيف (٤) جميعها رصاص أو نحاس (٥).
وقال بعضهم : حكم الزيف كالنقص إذا وَصَلها بإقراره قُبِل ، وإن فَصَلها لم يُقبل (٦).
وهو ظاهر كلامه في المسألة ؛ لأنّه جمع بين النقص والزيف ولم يفصل.
والقول الأوّل غير لازمٍ ؛ لأنّ قوله : « أدنى الدراهم » إنّما عاد إلى السكّة ؛ لأنّه قال : « ولو قال : هي من سكّة كذا » لأنّ المغشوشة خارجة عن ضرب الإسلام كالنقص.
فعلى ما ذكرناه في النقص إذا كان البلد يتعامل فيه بالدراهم المغشوشة ، ينبغي إذا أطلق أن لا يلزمه منها إلاّ كما قلنا في النقص.
ولو قال : غصبت (٧) ألف درهم ، أو : له عندي ألف درهم وديعة ، ثمّ قال : هي نقص أو زيف ، مفصولاً ، لم يُقبل ـ وهو مذهب الشافعي (٨) ـ كما لو قال : له علَيَّ ألف درهم.
__________________
(١ و ٣) الأُم ٦ : ٢١٩.
(٢ و ٥) بحر المذهب ٨ : ٢٧٢ ، البيان ١٣ : ٤١٥.
(٤) في « ج ، ر » : « زيوف ».
(٦) البيان ١٣ : ٤١٦.
(٧) الظاهر : « غصبته ».
(٨) الحاوي الكبير ٧ : ٥٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٤٨ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٢ ، البيان ١٣ : ٤١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢ ، المغني ٥ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٤.
وقال أبو حنيفة : يُقبل في الغصب والوديعة ؛ لأنّ ذلك إيقاع فعلٍ في العين ، وذلك لا يقتضي سلامتها ، كما لو أقرّ بغصبِ عبدٍ فجاء به معيباً (١).
وهو غلط ؛ لأنّ الاسم يقتضي الوازنة غير الزيوف ، فلم يُقبل منه ما يخالف الاسم ، كما لو قال : له علَيَّ ألف.
وما علّل به باطل ؛ لأنّ الغصب وإن كان إيقاع فعلٍ في عينٍ فإنّ ذلك يوجب وقوعه فيما سمّاه ، دون ما لا ينصرف إليه إطلاق الاسم. ويفارق العيب ؛ لأنّ العيب لا يمنع إطلاق الاسم فيه.
مسألة ٩١٦ : إذا قال : له علَيَّ ما بين واحدٍ وعشرة ، لزمه ثمانية ؛ لأنّ ذلك ما بينهما.
ولو قال : ما بين واحدٍ إلى عشرة ، فكالأُولى.
ولم يفرّق أكثر الشافعيّة بينهما (٢).
والوجه : القطع في الأُولى بالثمانية ، وفي الثانية احتمال.
ولو قال : له علَيَّ من درهمٍ إلى عشرة ، احتُمل لزوم عشرة ـ وبه قال محمّد بن الحسن الشيباني (٣) ـ ويدخل الطرفان فيها ، كما يقال : من فلان إلى فلان لا يرضى أحد بكذا ، وقد سبق (٤) في المرافق ؛ لأنّ الحدّ إذا كان
__________________
(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٠١ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٨ : ١٣ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٢ ، البيان ١٣ : ٤١٦ ، المغني ٥ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٤.
(٢) البيان ١٣ : ٤٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤.
(٣) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢٠ ـ ٢٢١ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٨ : ٩٦ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٨٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٥٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٣٩ ، البيان ١٣ : ٤٢١.
(٤) في ج ١ ، ص ١٥٧ ـ ١٥٨ ، المسألة ٤٤.
من جنس المحدود دخل فيه.
وقد حكى ابن القاص عن الشافعي أنّه إذا قال : له علَيَّ ما بين الدرهم إلى العشرة ، لزمه تسعة (١).
فعلى هذا يكون قولُه مثلَ قول محمّد بن الحسن ؛ لأنّه أدخل الحدّ في الإقرار ، ولو قال : قرأتُ القرآن من أوّله إلى آخره ، دخل الطرفان ، أو : أكلتُ الطعام من أوّله إلى آخره ، دخل الطرفان ، فكذا هنا.
وهو أحد وجوه الشافعيّة (٢).
ويحتمل وجوب تسعة ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد وبعض الشافعيّة (٣) ـ لأنّ الأوّل ابتداء الغاية ، والعاشر هو الحدّ ، فدخل الابتداء فيه ، ولم يدخل الحدّ ، ولأنّ الملتزم زائد على الواحد ، والواحد مبدأ العدد والالتزام ، فيبعد إخراجه عمّا يلتزم ، ولأنّ « من » لابتداء الغاية ، وأوّل الغاية منها ، و« إلى » لانتهائها ، فلا يدخل فيها ؛ لقوله تعالى : ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (٤).
__________________
(١) حلية العلماء ٨ : ٣٤٨.
(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٥٩ ، الوسيط ٣ : ٣٣٧ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٣٩ ، البيان ١٣ : ٤٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤.
(٣) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢٠ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٨٣ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٨ : ٩٦ ، الحاوي الكبير ٧ : ٩٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٤٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٨ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، الوسيط ٣ : ٣٣٧ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٣٣٩ ، البيان ١٣ : ٤٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤ ، المغني ٥ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤٩.
(٤) البقرة : ١٨٧.
ويحتمل وجوب ثمانية ـ وبه قال زفر (١) ـ لأنّ الأوّل والعاشر حدّان لا يدخلان في المحدود ، كما لو قال : بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار ، لا يدخل الجداران في المبيع.
والمعتمد : الأوّل.
وجماعة من الشافعيّة رجّحوا الثاني ؛ لأنّه لو قال : لفلان من هذه النخلة إلى هذه النخلة ، تدخل النخلة الأُولى في الإقرار ، دون الأخيرة (٢).
وما ينبغي أن يكون الحكم في هذه الصورة كما ذكر ، بل هو كما لو قال : بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار.
ولو قال : له علَيَّ ما بين درهمٍ إلى عشرة ، فقد قلنا : إنّه يلزمه ثمانية ؛ لأنّ « ما » بمعنى « الذي » كأنّه قال : له العدد الذي يقع بين الواحد إلى العشرة ، وهو صريح في إخراج الطرفين.
وعن الشافعي أنّه يلزمه تسعة ؛ لأنّ الحدّ إذا كان من جنس المحدود يدخل فيه ، فيضمّ الدرهم العاشر إلى الثمانية (٣).
وحكي عن القفّال أنّه يلزمه عشرة (٤).
فحصل للشافعيّة في هذه المسألة ثلاثة أوجُه ، كما في قوله : له علَيَّ من درهمٍ إلى عشرة.
__________________
(١) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢١ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٨ : ٩٦ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٨٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٥٨ ، بحر المذهب ٨ : ٢٨١ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٣٩.
(٢) الوجيز ١ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤.
(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤.
(٤) بحر المذهب ٨ : ٢٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤.
ولو قال : أردتُ بقولي : « من واحدٍ إلى عشرة » مجموع الأعداد كلّها ، لزمه خمسة وخمسون درهماً.
وطريقه : أن يزيد أوّل العدد ـ وهو الواحد ـ على العشرة ، فيصير أحد عشر ، ثمّ يضربها في نصف العشرة ، فما بلغ فهو الجواب.
مسألة ٩١٧ : لو قال : له علَيَّ درهم في عشرة ، احتُمل أن تكون العشرة ظرفا ، وأن تكون مضروباً فيها ، فإن أراد الأوّل لزمه درهم ، كأنّه قال : له درهم في عشرة لي ، وإن أراد الضرب والحساب لزمه عشرة.
ولو أراد بـ « في » « مع » لزمه أحد عشر درهماً ؛ لأنّ « في » قد ترد بمعنى « مع » يقال : جاء الأمير في جيشه ، أي مع جيشه. ويرجع في ذلك إليه ، ويُقبل قوله بغير يمين ؛ لأنّ لفظه محتمل لذلك كلّه ، وهو أعرف بمراده ، فإن أطلق سُئل ، فإن تعذّر لزمه واحد ؛ لأنّه المتيقّن ، والأصل براءة الذمّة.
وعند الشافعيّة أنّه لو قال : أنتِ طالق واحدة في اثنتين ـ في قولٍ لهم ـ أنّه يُحمل على الحساب وإن أطلق ؛ لأنّه أظهر في الاستعمال ، وذلك القول عائد هنا (١).
ولو قال : له علَيَّ درهمان في عشرة ، وقال : أردتُ الحساب ، لزمه عشرون.
وإن قال : أردتُ درهمين مع عشرة ، ولم يكن يعرف الحساب ، قُبِل منه ، ولزمه اثنا عشر ؛ لأنّ كثيراً من العامّة يريدون بهذا اللفظ هذا المعنى.
وقال بعض العامّة : لو كان عارفاً بالحساب ، لم يُقبل منه ؛ لأنّ الظاهر من الحساب استعمال ألفاظه لمعانيها في اصطلاحهم (٢).
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥.
(٢) المغني ٥ : ٣٠٠.
والوجه : القبول منه ؛ لاحتمال أن يستعمل مصطلحات العامّة.
وإن قال : أردتُ درهمين في عشرة لي ، لزمه درهمان ؛ لاحتمال ما يقول.
ولو قال : درهمان في دينار ، لم يحتمل الحساب وسُئل عن المراد ، فإن قال : أردت العطف ، أو معنى « مع » لزمه الدرهمان والدينار.
وإن قال : أسلمتهما في دينارٍ فصدّقه المُقرّ له ، بطل إقراره ؛ لأنّ سَلَم أحد النقدين في الآخَر باطل ، وإن كذّبه فالقول قول المُقرّ له ؛ لأنّ المُقرّ وصل إقراره بما يُسقطه ، فلزمه ما أقرّ به ، وبطل قوله : « في دينار ».
وكذا لو قال : له درهمان في ثوبٍ ، وفسّره بالسَّلَم ، أو قال : في ثوبٍ اشتريته منه إلى سنة ، فصدّقه ، بطل إقراره ؛ لأنّه إن كان بعد التفرّق بطل السَّلَم ، وسقط الثمن ، وإن كان قبل التفرّق فالمُقرّ بالخيار بين الفسخ والإمضاء ، ولو كذّبه المُقرّ له فالقول قوله مع يمينه ، وله الدرهمان.
البحث الخامس : في الإقرار بالظرف والمظروف.
مسألة ٩١٨ : الإقرار بأحد شيئين لا يستلزم الإقرار بالآخَر ، والظرف والمظروف شيئان متغايران ، فلا يلزم من الإقرار بأحدهما الإقرار بالآخَر ؛ لأنّ الأصل البناء على اليقين ، فلا يلزم من الإقرار بالظرف الإقرار بالمظروف ، ولا بالعكس.
فلو قال : له عندي ثوب في منديلٍ ، أو : تمر في جرابٍ ، أو : لبن في كوزٍ ، أو : طعام في سفينةٍ ، أو : دراهم في كيسٍ ، لم يدخل الظرف في الأقارير ؛ لاحتمال أن يريد : في جرابٍ لي ، أو : في منديلٍ لي ، وإذا احتُمل ذلك لم يلزمه من إقراره المحتمل ، ولا تناقض لو ضمّ هذه اللفظة إلى
الإقرار ، ولو كان اللفظ المطلق يدلّ على الإضافة إلى المُقرّ له ، لزم التناقض مع التصريح بالإضافة إلى المُقرّ.
وكذا لو قال : غصبتُه زيتاً في جرّةٍ ، أو : ثوباً في منديلٍ ، لم يكن مُقرّاً إلاّ بغصب الزيت والثوب خاصّةً ، دون الجرّة والمنديل.
وبه قال الشافعي ومالك (١).
وقال أبو حنيفة : إذا قال : غصبتُ منه ثوباً في منديلٍ ، كان غاصباً لهما ؛ لأنّ المنديل يكون ظرفاً للثوب ، فالظاهر أنّه ظرف له في حال الغصب ، فصار كأنّه غصبه ثوباً ومنديلاً (٢).
وهو خطأ ؛ لاحتمال أن يكون المنديل للمُقرّ بأن يقول : غصبتُ ثوباً في منديلٍ لي ، ولو قال ذلك لم يكن غاصباً للمنديل ، ومع الإطلاق يكون محتملاً له ، فلم يكن مُقرّاً بغصبه ، كما لو قال : له عندي ثوب في منديلٍ ، وكما لو قال : غصبتُه دابّةً في اصطبلها.
مسألة ٩١٩ : لو قال : له عندي غمد فيه سيف ، أو : جرّة فيها زيت ،
__________________
(١) الأُم ٣ : ٢٤٠ ، و ٦ : ٢٢٣ ، مختصر المزني : ١١٢ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤٤ ، الوسيط ٣ : ٣٣٧ ـ ٣٣٨ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٥ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٥٣ ، البيان ١٣ : ٤٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٥ ـ ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٧ / ١٠٤٩ ، الذخيرة ٩ : ٢٧٩ ، المعونة ٢ : ١٢٥٢ ، المغني ٥ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٥٢.
(٢) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢١ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٣ : ١٨٢ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤٤ ، الوسيط ٣ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٥ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٥٤ ، البيان ١٣ : ٤٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ و ٣١٧ ، المغني ٥ : ٣٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٥٢ ـ ٣٥٣ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٧ / ١٠٤٩ ، الذخيرة ٩ : ٢٧٩.
أو : جراب فيه تمر ، فهو إقرار بالظرف خاصّةً ، دون المظروف ؛ للتغاير الذي قلناه ، وعدم الاستلزام بين الإقرار بالشيء والإقرار بغيره ، ولصدق الإضافة إلى المُقرّ في المظروف.
ولو قال : غصبتُه فرساً في اصطبلٍ ، فهو إقرار بالفرس خاصّةً.
ولو قال غصبتُه دابّةً عليها سرج ، أو زمام ، أو : بغلاً عليه برذعة ، فهو إقرار بالدابّة والبغل خاصّةً ، دون السرج والزمام والبرذعة.
أمّا لو قال : غصبتُه عبداً على رأسه عمامة ، أو : في وسطه منطقة ، أو : في رِجْله خُفٌّ ، فهو إقرار بها مع العبد ؛ لأنّ للعبد يداً على ملبوسه ، وما في يد العبد فهو في يد سيّده ، فإذا أقرّ بالعبد للغير ، كان ما في يده لذلك الغير ، بخلاف المنسوب إلى الفرس ، فإنّه لا يد لها على ما هو عليها ، ولهذا لو جاء بعبدٍ وعليه عمامة وقال : هذا العبد لزيدٍ ، كانت العمامة له أيضاً. ولو جاء بدابّةٍ وعليها سرج وقال : هذه الدابّة لزيدٍ ، لم يكن السرج له.
قال بعض الشافعيّة : هذا يقتضي فرقاً لا من جهة الإقرار ، وتكون العمامة غير داخلةٍ في الإقرار ، وإنّما تثبت من جهة العبد (١).
وعامّة أصحاب الشافعي على أنّه لا فرق بينهما (٢).
ولو قال : له عندي دابّة مسروجة ، أو : دار مفروشة ، لم يكن مُقرّاً بالسرج والفرش ، بخلاف ما لو قال : بسرجها وبفرشها ، فإنّه يلزمه السرج والفرش ؛ لأنّ الباء تُعلّق الثاني على الأوّل.
وكذا لو قال : له عندي سفينة بطعامها ، كان إقراراً بالطعام.
ولو قال : سفينة فيها طعام ، أو : طعام في سفينةٍ ، لم يكن مُقرّاً
__________________
(١ و ٢) بحر المذهب ٨ : ٢٤٥ ، الوسيط ٣ : ٣٣٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٢٥٤ ، البيان ١٣ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥.