الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-46-9
الصفحات: ٣٤٣
وأمّا النذر المعيّن : فالمشهور أنّ في إفطاره كفّارة رمضان ؛ لمساواته إيّاه في تعيين الصوم .
وابن أبي عقيل لم يوجب في إفطاره الكفّارة ، وهو قول العامّة (١) .
تذنيب : لو صام يوم الشك بنية قضاء رمضان ، ثمّ أفطر بعد الزوال ، ثمّ ظهر أنّه من رمضان ، احتمل سقوط الكفّارة .
أمّا عن رمضان : فلأنّه لم يقصد إفطاره ، بل قصد إفطار يوم الشك ، وهو جائز له .
وأمّا عن قضاء رمضان : فلظهور أنّه زمان لا يصح (٢) للقضاء .
ويحتمل : وجوب كفّارة رمضان ، ويحتمل وجوب كفّارة قضائه .
مسألة ٣٢ : يشترط في إفساد الصوم بالإِفطار اُمور ثلاثة : وقوعه عنه متعمّداً ، مختاراً ، مع وجوب الصوم عليه .
أمّا شرط العمد : فإنّه عندنا ثابت إجماعاً منّا ؛ فإنّ المفطر ناسياً لا يفسد صومه مع تعيّن الزمان ، ولا يجب به قضاء ولا كفّارة عند علمائنا أجمع ـ وبه قال أبو هريرة وابن عمر وعطاء وطاوس والأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي (٣) ـ لما رواه العامة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( إذا أكل أحدكم أو شرب ناسياً ، فليتمّ صومه ، فإنّما أطعمه الله وسقاه ) (٤) .
__________________
(١) المغني ٣ : ٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٨ .
(٢) في « ن » : لا يصلح .
(٣) المغني ٣ : ٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦ ، المجموع ٦ : ٣٢٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ ، اختلاف العلماء : ٦٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٢ .
(٤) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٥٣ والشرح الكبير ٣ : ٤٦ ، ونحوه في صحيح البخاري ٣ : ٤٠ ، وسنن الدارقطني ٢ : ١٧٨ ـ ١٧٩ / ٢٩ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٢٩ .
وعن علي عليه السلام ، قال : « لا شيء على مَن أكل ناسياً » (١) .
ومن طريق الخاصة : قول الباقر عليه السلام : « كان أمير المؤمنين عليه السلام ، يقول : مَن صام فنسي فأكل وشرب فلا يفطر من أجل أنّه نسي ، فإنّما هو رزق رزقه الله فليتمّ صيامه » (٢) .
ولأنّ التكليف بالإِمساك يستدعي الشعور ، وهو منفي في حقّ الناسي ، فكان غير مكلَّف به ؛ لاستحالة تكليف ما لا يطاق .
وقال ربيعة ومالك : يفطر الناسي كالعامد ؛ لأنّ الأكل ضدّ الصوم ، لأنّ الصوم كفّ ، فلا يجامعه ، وتبطل العبادة به كالناسي في الكلام في الصلاة (٣) .
ونمنع كون الأكل مطلقاً ضدّاً ، بل الضدّ هو : الأكل العمد . ونمنع بطلان الصلاة مع نسيان الكلام .
ولو فعل ذلك حالة النوم ، لم يفسد صومه ؛ لانتفاء القصد فيه والعلم ، فهو أعذر من الناسي .
أمّا الجاهل بالتحريم فإنّه غير معذور ، بل يفسد الصوم مع فعل المفطر ويكفّر .
وأمّا المُكرَه والمتوعَّد بالمؤاخذة ، فالأقرب : فساد صومهما ، لكن لا تجب الكفّارة .
مسألة ٣٣ : قد بيّنا أنّ القصد لوصول شيء إلى الجوف شرط في الإِفساد ، فلو طارت ذبابة أو بعوضة إلى حلقه ، لم يفطر بذلك إجماعاً .
__________________
(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٥٣ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٦ ، وانظر : سنن البيهقي ٤ : ٢٢٩ .
(٢) التهذيب ٤ : ٢٦٨ / ٨٠٩ .
(٣) المغني ٣ : ٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٠٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧ ، اختلاف العلماء : ٦٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٢ .
أمّا لو وصل غبار الطريق أو غربلة الدقيق إلى جوفه ، فإن كانا غليظين ، وأمكنه التحرّز منه ، فإنّه يفسد صومه ، ولو كانا خفيفين ، لم يفطر .
والعامة لم تفصِّل ، بل قالوا : لا يفطر (١) .
ولو أمكنه إطباق فيه أو اجتناب الطريق ، لم يفطر عندهم أيضاً ؛ لأنّ تكليف الصائم الاحتراز عن الأفعال المعتادة التي يحتاج اليها عسر ، فيكون منفياً (٢) ، بل لو فتح فاه عمداً حتى وصل الغبار إلى جوفه ، فأصحّ وجهي الشافعية : أنّه يقع عفواً (٣) .
ولو وُطئت المرأة قهراً ، فلا تأثير له في إفساد صومها ، وكذا لو وُجر في حلق الصائم ماء وشبهه بغير اختياره .
وللشافعي قولان فيما لو اُغمي عليه فوُجر في حلقه معالجةً وإصلاحاً ، أحدهما : أنّه يفطر ؛ لأنّ هذا الإِيجار لمصلحته ، فكأنّه بإذنه واختياره . وأصحّهما : أنّه لا يفطر ، كإيجار غيره بغير اختياره (٤) .
وهذا الخلاف بينهم مفرَّع على أنّ الصوم لا يبطل بمطلق الإِغماء ( وإلّا فالإِيجار ) (٥) مسبوق بالبطلان (٦) .
وهذا الخلاف كالخلاف في المغمى عليه المُحرِم إذا عُولج بدواء فيه طيب هل تلزمه الفدية ؟ (٧) .
مسألة ٣٤ : ابتلاع الريق غير مفطر عند علمائنا ، سواء جمعه في فمه
__________________
(١) اُنظر : فتح العزيز ٦ : ٣٨٦ ، والمجموع ٦ : ٣٢٧ ، والمغني ٣ : ٥٠ ـ ٥١ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٨ ـ ٤٩ .
(٢ و ٣) فتح العزيز ٦ : ٣٨٦ ، المجموع ٦ : ٣٢٧ ـ ٣٢٨ .
(٤) فتح العزيز ٦ : ٣٨٦ ـ ٣٨٧ ، المجموع ٦ : ٣٢٥ .
(٥) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق وفي الطبعة الحجرية : ولا بالإِيجار . وما أثبتناه ـ وهو الصحيح ـ من المصدر .
(٦) فتح العزيز ٦ : ٣٨٧ .
(٧) فتح العزيز ٦ : ٣٨٧ ، المجموع ٦ : ٣٢٥ .
ثم ابتلعه ، أو لم يجمعه ، وبه قال الشافعي (١) ، وهو أصحّ وجهي الحنابلة (٢) .
أمّا إذا لم يجمعه : فلأنّ العادة تقتضي بلعه ، والتحرّز منه غير ممكن ، وبه يحيى الإِنسان ، وعليه حمل بعض المفسّرين قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) (٣) .
وأمّا إذا جمعه : فلأنّه يصل إلى جوفه من معدنه ، فأشبه إذا لم يجمعه .
وقال بعض الحنابلة : إنّه يفطر ؛ لأنّه يمكنه التحرّز عنه ، فأشبه ما لو قصد ابتلاع غيره (٤) . وهو ممنوع .
وشرط الشافعية في عدم إفطاره شروطاً :
الأول : أن يكون الريق صرفاً ، فلو كان ممزوجاً بغيره متغيّراً به ، فإنّه يفطر بابتلاعه ، سواء كان ذلك الغير طاهراً ، كما لو كان يفتل خيطاً مصبوغاً فغيّر ريقه ، أو نجساً ، كما لو دميت لثته وتغيّر ريقه .
فلو ابيضّ الريق وزال تغيّره ، ففي الإِفطار بابتلاعه للشافعية وجهان : أظهرهما عندهم : الإِفطار ؛ لأنّه لا يجوز له ابتلاعه لنجاسته ، والريق إنّما يجوز ابتلاع الطاهر منه .
والثاني : عدم الإِفطار ؛ لأنّ ابتلاع الريق مباح ، وليس فيه عين (٥) آخر وإن كان نجساً حكماً .
وعلى هذا لو تناول بالليل شيئاً نجساً ولم يغسل فمه حتى أصبح فابتلع الريق ، بطل صومه على الأول .
الثاني : أن يبتلعه من معدنه ، فلو خرج الى الظاهر من فمه ثم ردّه بلسانه
__________________
(١) فتح العزيز ٦ : ٣٨٩ ، المجموع ٦ : ٣١٧ .
(٢) المغني ٣ : ٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٣ .
(٣) الأنبياء : ٣٠ ، وانظر : فتح العزيز ٦ : ٣٨٩ .
(٤) المغني ٣ : ٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٣ .
(٥) في الطبعة الحجرية بدل عين : شيء .
أو غير لسانه وابتلعه ، بطل صومه . وهذا عندنا كما ذكروا .
أمّا لو أخرج لسانه وعليه الريق ثم ردّه وابتلع ما عليه ، لم يبطل صومه عندنا ـ وهو أظهر وجهي الشافعية ـ لأنّ اللسان كيفما يقلب معدود من داخل الفم ، فلم يفارق ما عليه معدنه .
فلو بلّ الخيّاط الخيط بالريق ، أو الغزّال بريقه ، ثم ردّه إلى الفم على ما يعتاد عند الفتل ، فإن لم يكن عليه رطوبة تنفصل ، فلا بأس ، وإن كانت وابتلعها ، أفطر عندنا ـ وهو قول أكثر الشافعية ـ لأنّه لا ضرورة اليه وقد ابتلعه بعد مفارقة المعدن .
والثاني للشافعية : أنّه لا يفطر ؛ لأنّ ذلك القدر أقلّ ممّا يبقى من الماء في الفم بعد المضمضة .
وخصّص بعض الشافعية ، الوجهين بالجاهل بعدم الجواز ، وإذا كان عالماً يبطل صومه إجماعاً .
الثالث : أن يبتلعه وهو على هيئته المعتادة ، أمّا لو جمعه ثم ابتلعه فعندنا لا يفطر ، كما لو لم يجمعه .
وللشافعية وجهان : أحدهما : أنّه يبطل صومه ؛ لإِمكان الاحتراز منه .
وأصحّهما : أنّه لا يبطل ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لأنّه ممّا يجوز ابتلاعه ولم يخرج من معدنه ، فأشبه ما لو ابتلعه متفرّقاً (١) .
فروع :
أ ـ قد بيّنا أنّه لا يجوز له ابتلاع ريق غيره ولا ريق نفسه إذا انفصل عن فمه .
وما روي عن عائشة : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله كان يمصّ لسانها وهو
__________________
(١) فتح العزيز ٦ : ٣٨٩ ـ ٣٩١ ، المجموع ٦ : ٣١٧ ـ ٣١٨ ، وبدائع الصنائع ٢ : ٩٠ .
صائم (١) ، ضعيف ؛ لأنّ أبا داود قال : إنّ إسناده ليس بصحيح (٢) .
سلّمنا ، لكن يجوز أن يمصّه بعد إزالة الرطوبة عنه ، فأشبه ما لو تمضمض بماء ثم مجّه .
ب ـ لو ترك في فمه حصاة وشبهها وأخرجها وعليه بلّة من الريق كغيره ثم أعادها وابتلع الريق ، أفطر .
وإن كان قليلاً فإشكال ينشأ : من أنّه لا يزيد على رطوبة المضمضة ، ومن أنّه ابتلع ريقاً منفصلاً عن فمه فأفطر به كالكثير .
ج ـ قد بيّنا كراهة العلك ؛ لما فيه من جمع الريق في الفم وابتلاعه ، فتقلّ مشقّة الصوم ، فيقصر الثواب . ولا فرق بين أن يكون له طعم أم لا .
ولو كان مفتّتاً فوصل منه شيء إلى الجوف ، بطل صومه ، كما لو وضع سكرة في فمه وابتلع الريق بعدما ذابت فيه .
د ـ لو ابتلع دماً خرج من سنّه أو لثته ، أفطر ، بخلاف الريق .
هـ ـ النخامة إذا لم تحصل في حدّ الظاهر من الفم ، جاز ابتلاعها .
وإن حصلت فيه بعد انصبابها من الدماغ في الثقبة النافذة منه إلى أقصى الفم فوق الحلقوم ، فإن لم يقدر على صرفه ومجّه حتى نزل الى الجوف ، لم يفطر ، وإن ردّه الى فضاء الفم أو ارتدّ اليه ثم ابتلعه ، أفطر عند الشافعية (٣) .
وإن قدر على قطعه من مجراه ومجّه ، فتركه حتى جرى بنفسه ، لم يفطر . وللشافعية وجهان (٤) .
و ـ لو تنخّع (٥) من جوفه ثم ازدرده ، فالأقرب : عدم الإِفطار؛ لأنّه معتاد في الفم غير واصل من خارج ، فأشبه (٦) الريق .
__________________
(١) سنن أبي داود ٢ : ٣١١ ـ ٣١٢ / ٢٣٨٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٣٤ .
(٢) حكاه ابنا قدامة في المغني ٣ : ٤١ ، والشرح الكبير ٣ : ٧٤ .
(٣ و ٤) فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ ، المجموع ٦ : ٣١٩ .
(٥) النخاعة : النخامة . الصحاح ٣ : ١٢٨٨ .
(٦) في هامش « ن » : بخطّه [ أي المصنّف ] : أشبه .
وقال الشافعي : إنّه يفطر ؛ لأنّه يمكنه (١) التحرّز منه ، فأشبه الدم ، ولأنّها من غير الفم فأشبه (٢) القيء (٣) . وعن احمد روايتان (٤) .
مسألة ٣٥ : لا يفطر بالمضمضة والاستنشاق مع التحفّظ إجماعاً ، سواء كان في الطهارة أو غيرها .
ولأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، قال للسائل عن القُبلة : ( أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته أكنت مفطراً ؟ ) (٥) .
ولأنّ الفم في حكم الظاهر ، فلا يبطل الصوم بالواصل اليه كالأنف والعين .
أمّا لو تمضمض للصلاة ، فسبق الماء الى جوفه ، أو استنشق ، فسبق الى دماغه من غير قصد ، لم يفطر عند علمائنا (٦) ـ وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق والشافعي في أحد القولين ، وهو مروي عن ابن عباس (٧) ـ لأنّه وصل الماء الى جوفه من غير قصد ولا إسراف ، فأشبه ما لو طارت الذبابة فدخلت حلقه .
ولأنّه وصل بغير اختياره ، فلا يفطر به كالغبار .
وللشافعية طريقان : أصحّهما عندهم : أنّ المسألة على قولين ، أحدهما : أنّه يفطر ـ وبه قال مالك وأبو حنيفة (٨) ـ لأنّه وصل الماء الى جوفه
__________________
(١) في « ن ، ف » : أمكنه .
(٢) في « ن ، ط » : أشبه .
(٣) المغني ٣ : ٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٤ .
(٤) المغني ٣ : ٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٤ ـ ٧٥ .
(٥) سنن أبي داود ٢ : ٣١١ / ٢٣٨٥ ، سنن الدارمي ٢ : ١٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٦١ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٣ : ٦١ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ١ : ٤٣١ بتفاوت .
(٦) في « ف » : عندنا .
(٧) المغني ٣ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠ ـ ٥١ ، المجموع ٦ : ٣٢٦ و ٣٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ .
(٨)
المغني ٣ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥١ ، المجموع ٦ : ٣٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ ،
بفعله ، فإنّه الذي أدخل الماء في فمه وأنفه . والثاني ـ وبه قال أحمد (١) ـ أنّه لا يفطر .
والثاني : القطع بأنّه لا يفطر .
وعلى القول بطريقة القولين ، فما محلّهما ؟ فيه ثلاث طُرق ، أصحّها عندهم : أنّ القولين فيما إذا لم يبالغ في المضمضة والاستنشاق ، فأمّا إذا بالغ أفطر بلا خلاف .
وثانيها : أنّ القولين فيما إذا بالغ ، أمّا إذا لم يبالغ فلا يفطر بلا خلاف .
والفرق على الطريقين : أنّ المبالغة منهي عنها ، وأصل المضمضة والاستنشاق مرغَّبٌ فيه ، فلا يحسن مؤاخذته بما يتولّد منه بغير اختياره .
والثالث : طرد القولين في الحالتين ، فإذا تميّزت حالة المبالغة عن حالة الاقتصار على أصل المضمضة والاستنشاق ، حصل عند المبالغة للشافعي قولان مرتّبان ، لكن ظاهر مذهبهم عند المبالغة الإِفطار ، وعند عدمها الصحّة (٢) .
هذا إذا كان ذاكراً للصوم ، أمّا إذا كان ناسياً فإنّه لا يفطر بحال .
وسبق الماء عند غسل الفم من النجاسة كسبقه في المضمضة ، وكذا عند غسله من أكل الطعام .
ولو تمضمض للتبرّد ، فدخل الماء حلقه من غير قصد ، أفطر ؛ لأنّه غير مأمور به .
مسألة ٣٦ : قد بيّنا أنّ الأكل والشرب ناسياً غير مفطر عند علمائنا (٣) سواء قلّ أكله أو كثر .
__________________
المدونة الكبرى ١ : ٢٠٠ ، تحفة الفقهاء ١ : ٣٥٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩١ .
(١) المغني ٣ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٢٧ .
(٢) فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ ـ ٣٩٤ .
(٣) في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : عندنا . وما أثبتناه من الطبعة الحجرية .
وقال مالك : إنّه يفطر (١) . وللشافعي فيما إذا كثر أكله ناسياً قولان (٢) .
ولو أكل جاهلاً ، أفسد صومه .
وقال الشافعي : إن كان قريب العهد بالإِسلام ، أو كان قد نشأ في بادية ، وكان يجهل مثل ذلك ، لم يبطل صومه ، وإلّا بطل (٣) .
ولو جامع ناسياً للصوم ، لم يفطر عندنا . وللشافعية طريقان ، أصحّهما : القطع بأنّه لا يبطل . والثاني : أنّه يخرّج على قولين (٤) .
مسألة ٣٧ : إذا أجنب الصائم ليلاً في رمضان أو المعيّن ثم نام ، فإن كان على عزم ترك الاغتسال واستمرّ به النوم الى أن أصبح ، وجب عليه القضاء والكفّارة .
وإن نام على عزم الاغتسال ثم استيقظ ثانياً ثم نام ثالثاً بعد انتباهتين ، وجب القضاء والكفّارة أيضاً .
وإن نام من أول مرة عازماً على الاغتسال فطلع الفجر ، لم يكن عليه شيء .
وإن نام ثانياً ، واستمرّ به النوم على عزم الاغتسال حتى طلع الفجر ، وجب عليه القضاء خاصة ؛ لأنّ ابن أبي يعفور سأل الصادق عليه السلام : الرجل يجنب في رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح ، قال : « يتمّ يومه (٥) ويقضي يوماً آخر ، فإن لم يستيقظ حتى يُصبح أتمّ يومه وجاز له » (٦) .
ولأنّه فرّط في الاغتسال ، فوجب عليه القضاء ، ولا تجب الكفّارة ؛ لأنّ المنع من النومة الاُولى تضييق على المكلّف .
مسألة ٣٨ : لو ظنّ بقاء الليل ، فأكل أو شرب أو جامع ، وبالجملة
__________________
(١) المغني ٣ : ٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧ ، المجموع ٦ : ٣٢٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠١ .
(٢ ـ ٤) فتح العزيز ٦ : ٤٠١ ، المجموع ٦ : ٣٢٤ .
(٥) في التهذيب والفقيه والطبعة الحجرية : صومه .
(٦) الاستبصار ٢ : ٨٦ / ٢٦٩ ، التهذيب ٤ : ٢١١ / ٦١٢ ، والفقيه ٢ : ٧٥ / ٣٢٣ .
فَعَل المُفطرَ ، ثم ظهر له أنّ فعله صادف النهار ، وأنّ الفجر قد كان طالعاً ، فإن كان قد رصد الفجر وراعاه فلم يتبيّنه ، أتمّ صومه ، ولا شيء عليه .
وإن لم يرصد الفجر مع القدرة على المراعاة ثم تبيّن أنّه كان طالعاً ، وجب عليه إتمام الصوم والقضاء خاصة ، ولا كفّارة عليه ؛ لأنّه مُفرِّط بترك المراعاة ، فوجب القضاء ؛ لإِفساده الصوم بفعل المُفطر ، ولا كفّارة ، لعدم الإِثم ، وأصالة البقاء .
وأمّا مع المراعاة : فلأنّ الأصل بقاء الليل ، وقد اعتضد بالمراعاة ، فكان التناول جائزاً له مطلقاً ، فلا فساد حينئذٍ ، وجرى مجرى الساهي .
وسُئل الصادق عليه السلام ، عن رجل تسحّر ثم خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبيّن ، فقال : « يتمّ صومه ذلك ثم ليقضه » (١) .
وإن تسحّر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر .
والعامّة لم يفصّلوا ، بل قال الشافعي : لا كفّارة عليه مطلقاً ، سواء رصد أو لم يرصد مع ظنّ الليل ، وعليه القضاء ، وهو قول عامة الفقهاء (٢) ، إلّا إسحاق به راهويه وداود ؛ فإنّهما قالا : لا يجب عليه القضاء (٣) . وهو مذهب الحسن ومجاهد وعطاء وعروة (٤) .
وقال أحمد : إذا جامع بظنّ أنّ الفجر لم يطلع ويبيّن أنّه كان طالعاً ، وجب عليه القضاء والكفّارة مطلقاً (٥) . ولم يعتبر المراعاة .
واحتجّ مُوجبو القضاء مطلقاً : بأنّه أكل مختاراً ، ذاكراً للصوم فأفطر ، كما لو أكل يوم الشك ، ولأنّه جهل وقت الصيام ، فلم يعذر به ، كالجهل بأول رمضان .
__________________
(١) الكافي ٤ : ٩٦ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٦٩ / ٨١٢ ، الاستبصار ٢ : ١١٦ / ٣٧٩ .
(٢ ـ ٤) المجموع ٦ : ٣٠٦ و ٣٠٩ ، المغني ٣ : ٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٣ .
(٥) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧ .
واحتجّ الآخرون : بما رواه زيد بن وهب ، قال : كنت جالساً في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، في رمضان في زمن عمر ، فاُتينا بعِساسٍ (١) فيها شراب من بيت حفصة ، فشربنا ونحن نرى أنّه من الليل ، ثم انكشف السحاب ، فإذا الشمس طالعة ، قال : فجعل الناس يقولون : نقضي يوماً مكانه ، فقال عمر : والله لا نقضيه ، ما تجانَفْنا (٢) لإِثم (٣) .
والجواب : المنع من الأكل في رمضان عالماً مع المراعاة . وقول عمر ليس حجّةً .
واحتجّ أحمد : بأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، أمر المجامع بالتكفير من غير تفصيل (٤) .
والأمر إنّما كان للهتك ؛ لأنّ الأعرابي شكي كثرة الذنب وشدّة المؤاخذة ، وذلك إنّما يكون مع قصد الإِفطار .
مسألة ٣٩ : لو أخبره غيره بأنّ الفجر لم يطلع ، فقلَّده وترك المراعاة مع قدرته عليها ، ثم فعل المفطر وكان الفجر طالعاً ، وجب عليه القضاء خاصة ؛ لأنّه مفرّط بترك المراعاة ، فأفسد صومه ، ووجب القضاء ، والكفّارة ساقطة عنه ؛ لأنّه بناء على أصالة بقاء الليل وعلى صدق المُخبر الذي هو الأصل في المسلم .
وسأل معاوية بن عمّار ، الصادق عليه السلام : آمُر الجارية أن تنظر طلع الفجر أم لا ، فتقول : لم يطلع ، فآكل ثم أنظر (٥) فأجده قد طلعِ حين نَظَرَتْ ، قال : « تتمّ يومك (٦) وتقضيه ، أمّا انّك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك
__________________
(١) العُسُّ : القدح الكبير . وجمعه عِساس وأعساس . النهاية ـ لابن الأثير ـ ٣ : ٢٣٦ .
(٢) الجَنَفُ : المَيل . لسان العرب ٩ : ٣٢ .
(٣) سنن البيهقي ٤ : ٢١٧ وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٧٦ ـ ٧٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٥٣ .
(٤) المغني ٣ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧ .
(٥) في الكافي و « ف » : أنظره .
(٦) في النسخ المعتمدة في التحقيق وفي الطبعة الحجرية : يومه . وما أثبتناه من الكافي
قضاؤه » (١) .
ولو أخبره غيره بطلوع الفجر فظنّ كذبه ، فتناول المُفطرَ وكان الفجر طالعاً ، وجب القضاء ؛ للتفريط بترك المراعاة مع القدرة ، ولا كفّارة عليه ؛ لعدم الإِثم ؛ لأصالة بقاء الليل .
وسأل عيص بن القاسم ، الصادق عليه السلام ، عن رجل خرج في شهر رمضان وأصحابه يتسحّرون في بيت ، فنظر الى الفجر فناداهم ، فكفّ بعضهم ، وظنّ بعضهم أنّه يسخر فأكل ، قال : « يتمّ صومه ويقضي » (٢) .
ولا فرق بين أن يكون المخبر عدلاً أو فاسقاً ؛ للإِطلاق .
ولو أخبره عدلان بطلوع الفجر فلم يكفّ ، ثم ظهر أنّه كان طالعاً ، فالأقرب : وجوب القضاء والكفّارة ؛ لأنّ قولهما معتبر في نظر الشرع ، يجب العمل به ، فتترتّب عليه توابعه .
مسألة ٤٠ : لو أفطر لظلمة عرضت توهّم منها دخول الليل ثم ظهر مصادفته للنهار ، وجب القضاء خاصة ؛ لتفريطه حين بنى على وهمه .
ولو ظنّ دخول الليل لظلمة عرضت إمّا لغيم أو غيره ، فأفطر ثم تبيّن فساد ظنّه ، أتمّ صومه ، ووجب عليه القضاء عند أكثر علمائنا (٣) ـ وهو قول العامة (٤) ـ لأنّه تناول ما يفسد الصوم عامداً ، فوجب عليه القضاء ، ولا كفّارة ؛ لحصول الشبهة .
ولما رواه العامة عن حنظلة ، قال : كنّا في شهر رمضان وفي السماء سحاب ، فظننّا أنّ الشمس غابت ، فأفطر بعضنا ، فأمر عمر من كان أفطر أن
__________________
والتهذيب .
(١) الكافي ٤ : ٩٧ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٦٩ / ٨١٣ ، ونحوه في الفقيه ٢ : ٨٣ / ٣٦٨
(٢) الكافي ٤ : ٩٧ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٧٠ / ٨١٤ ، والفقيه ٢ : ٨٣ / ٣٦٧ .
(٣) كالشيخ المفيد في المقنعة : ٥٧ ، وأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٣ .
(٤) كما في المعتبر : ٣٠٧ .
يصوم مكانه (١) .
ومن طريق الخاصة : ما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام ، في قوم صاموا شهر رمضان ، فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس ، فرأوا أنّه الليل ، فقال : « على الذي أفطر صيام ذلك اليوم ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول : ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (٢) فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه ، لأنّه أكل متعمّداً » (٣) .
وللشيخ ـ رحمه الله ـ قول آخر : إنّه يمسك ولا قضاء عليه (٤) ؛ لأنّ أبا الصباح الكناني سأل الصادق عليه السلام ، عن رجل صام ثم ظنّ أنّ الشمس قد غابت وفي السماء علّة فأفطر ، ثم إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب ، فقال : « قد تمّ صومه ولا يقضيه » (٥) .
والحديث ضعيف السند ؛ لأنّ فيه محمد بن الفضيل وهو ضعيف .
واعلم : أنّه فرقٌ بين بقاء الليل ودخوله ؛ فإنّ الأول اعتضد بأصالة البقاء ، والثاني اعتضد بضدّه ، وهو : أصالة عدم الدخول ، مع أنّه متمكّن من الصبر الى أن يحصل اليقين .
واعلم : أنّ المزني نقل عن الشافعي : أنّه لو أكل على ظنّ أنّ الصبح لم يطلع بعدُ ، أو أنّ الشمس قد غربت وكان غالطاً فيه ، لا يجزئه صومه ، ووافقه أصحابه على روايته في الصورة الثانية .
وأنكر بعضهم الاُولى ، وقال : لا يوجد ذلك في كتب الشافعي ، ومَذهَبُه أنّه لا يبطل الصوم إذا ظنّ أنّ الصبح لم يطلع بعدُ ؛ لأصالة بقاء الليل ،
__________________
(١) أورده المحقّق في المعتبر : ٣٠٧ ونحوه في سنن البيهقي ٤ : ٢١٧ .
(٢) البقرة : ١٨٧ .
(٣) الكافي ٤ : ١٠٠ ( باب من ظنّ أنّه ليل فأفطر قبل الليل ) الحديث ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٧٠ / ٨١٥ ، الاستبصار ٢ : ١١٥ / ٣٧٧ .
(٤) التهذيب ٤ : ٢٧٠ ذيل الحديث ٨١٥ ، والاستبصار ٢ : ١١٦ .
(٥) الاستبصار ٢ : ١١٥ / ٣٧٤ ، التهذيب ٤ : ٢٧٠ ـ ٢٧١ / ٨١٦ ، والفقيه ٢ : ٧٥ / ٣٢٦ .
بخلاف آخر النهار ؛ فإنّ الأصل بقاء النهار ، فالغلط في الاُولى معذور ، دون الثانية .
ومنهم مَن صحّح الروايتين ، وقال : لعلّه نقله سماعاً ؛ لأنّه تحقّق خلاف ظنّه ، واليقين مقدّم على الظنّ ، ولا يبعد استواء حكم الغلط في دخول الوقت وخروجه ، كما في الجمعة (١) .
إذا عرفت هذا ، فالأحوط للصائم الإِمساك عن الإِفطار حتى يتيقّن الغروب ؛ لأصالة بقاء النهار ، فيستصحب الى أن يتيقّن خلافه .
ولو اجتهد وغلب على ظنّه دخول الليل ، فالأقرب : جواز الأكل .
وللشافعية وجهان : هذا أحدهما ، والثاني : لا يجوز ؛ لقدرته على تحصيل اليقين (٢) .
وأمّا في أول النهار فيجوز الأكل بالظنّ والاجتهاد ؛ لأصالة بقاء الليل .
ولو أكل من غير يقين ولا اجتهاد ، فإن تبيّن له الخطأ ، فالحكم ما تقدّم ، وإن تبيّن الصواب ، فقد استمرّ الصوم على الصحّة .
لا يقال : مقتضى الدليل عدم صحّة الصوم ، كما لو صلّى في الوقت مع الشك في دخوله ، وكما لو شكّ في القبلة من غير اجتهاد ، وتبيّن له الصواب ، لا تصحّ صلاته .
لأنّا نقول : الفرق : أنّ ابتداء العبادة وقع في حال الشك فمنع الانعقاد ، وهنا انعقدت العبادة على الصحّة وشك في أنّه هل أتى بما يفسدها ثم تبيّن عدمه .
ولو استمرّ الإِشكال ، ولم يتبيّن الخطأ من الصواب ، فالأقرب : وجوب القضاء لو أفطر آخر النهار ؛ لأصالة البقاء ، ولم يبن الأكل على أمر يعارضه .
__________________
(١) فتح العزيز ٦ : ٤٠١ .
(٢) فتح العزيز ٦ : ٤٠٢ ، المجموع ٦ : ٣٠٦ .
وإن اتّفق في أوله ، فلا قضاء ؛ لأصالة بقاء الليل .
ونقل عن مالك : وجوب القضاء في هذه الصورة أيضاً ؛ لأصالة بقاء الصوم في ذمته ، فلا يسقط بالشك (١) .
والأقوى ما قلناه من جواز الأكل حتى يتبيّن الطلوع أو يظنّه ـ وبه قال ابن عباس وعطاء والأوزاعي والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي (٢) ـ لقوله تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ ) (٣) .
وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله ، يقول : ( فكلوا واشربوا حتى يؤذّن ابن اُمّ مكتوم ) (٤) وكان أعمى لا يؤذّن حتى يقال له : أصبحت .
والسقوط إنّما هو بعد الثبوت ، والصوم مختص بالنهار .
مسألة ٤١ : القيء عامداً يوجب القضاء خاصة عند أكثر علمائنا (٥) وأكثر العامة (٦) ؛ لما رواه العامة عن النبي صلّى الله عليه وآله : ( مَن ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، وإن استقاء فليقض ) (٧) .
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام : « إذا تقيّأ الصائم فقد
__________________
(١) فتح العزيز ٦ : ٤٠٢ ـ ٤٠٣ ، المجموع ٦ : ٣٠٦ ، والكافي في فقه أهل المدينة : ١٣٠ ، المغني ٣ : ٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢ .
(٢) المغني ٣ : ٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢ ، المجموع ٦ : ٣٠٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٩ ـ ١٣٠ ، تحفة الفقهاء ١ : ٣٦٥ ـ ٣٦٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٥ .
(٣) البقرة : ١٨٧ .
(٤) صحيح البخاري ٣ : ٣٧ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٦٨ / ٣٨ .
(٥) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ١٥٥ ، والمبسوط ١ : ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٣ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذب ١ : ١٩٢ ، والمحقق الحلّي في شرائع الإِسلام ١ : ١٩٢ ، والمعتبر : ٣٠٨ .
(٦) المغني ٣ : ٥٤ ، المجموع ٦ : ٣١٩ ـ ٣٢٠ .
(٧) سنن أبي داود ٢ : ٣١٠ / ٢٣٨٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢١٩ .
أفطر ، وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه » (١) .
وقال أبو ثور : لو تعمّد القيء وجب القضاء والكفّارة (٢) ؛ لأنّه سلوك في مجرى الطعام ، فكان موجباً للقضاء والكفّارة كالأكل .
وهو معارض بالروايات وأصالة البراءة .
ولو ذرعه القيء ، فلا قضاء عليه ولا كفّارة بإجماع علمائنا ـ وهو قول كلّ من يحفظ عنه العلم (٣) ـ لأنّه فعل حصل بغير اختياره . وللروايات (٤) .
وروي عن الحسن البصري : وجوب القضاء خاصة (٥) . وهو خارق للإِجماع .
مسألة ٤٢ : إذا طلع الفجر وهو مُجامعٌ فاستدام الجماع ، وجب عليه القضاء والكفّارة عند علمائنا ـ وبه قال مالك والشافعي وأحمد (٦) ـ لأنّه ترك صوم رمضان بجماع أثم به ؛ لحرمة الصوم ، فوجبت به الكفّارة ، كما لو وطأ بعد طلوع الفجر .
وقال أبو حنيفة : يجب عليه القضاء دون الكفّارة ؛ لأنّ وطأه لم يصادف صوماً صحيحاً ، فلم يوجب الكفّارة ، كما لو ترك النيّة وجامع (٧) .
والأصل ممنوع ، مع أنّ تركه للصوم لترك النية ، لا للجماع .
فأمّا لو نزع في الحال فأقسامه ثلاثة :
__________________
(١) الكافي ٤ : ١٠٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٦٤ / ٧٩١ .
(٢) المجموع ٦ : ٣٢٠ ، معالم السنن ـ للخطابي ـ ٣ : ٢٦١ .
(٣) المجموع ٦ : ٣٢٠ ، المغني ٣ : ٥٤ .
(٤) الكافي ٤ : ١٠٨ / ١ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٦٤ / ٧٩٠ و ٧٩١ .
(٥) المجموع ٦ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ .
(٦) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩١ ـ ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٠٩ و ٣٣٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٢ .
(٧) بدائع الصنائع ٢ : ٩١ ، المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٢ .
الأول : أن يحسّ وهو مُجامعٌ بعلامات الصبح ، فينزع بحيث يوافق آخر النزع ابتداء الطلوع .
الثاني : أن يطلع الصبح وهو مُجامعٌ ويعلم بالطلوع كما طلع ، وينزع كما علم .
الثالث : أن يمضي زمان بعد الطلوع ثم يعلم به ، ففي الثالثة الصوم باطل ـ وبه قال الشافعي (١) ـ وإن نزع كما علم ؛ لأنّ بعض النهار قد مضى وهو مشغول بالجماع .
والوجه : أنّه إن تمكّن من المراعاة ولم يُراع وصادف الجماعُ النهارَ ، وجب عليه القضاء .
وعلى القول الصحيح للشافعية : أنّه لو مكث في هذه الصورة ، فلا كفّارة عليه ؛ لأنّ مكثه مسبوق ببطلان الصوم (٢) .
وأمّا الصورتان الأُوليان ، فعندنا أنّه إن كان قد راعى ولم يفرط بترك المراعاة ، لا قضاء عليه ، وإلّا وجب القضاء .
وعند الشافعي يصحّ صومه مطلقاً (٣) ، ولم يعتبر المراعاة .
وله قول آخر : إنّ الصورة الاُولى يصحّ صومه فيها (٤) ؛ لأنّ آخر النزع وافق ابتداءَ الطلوع ، فلم يحصل النزع في النهار .
وهذا عندنا باطل ، لأنّا نوجب الطهارة في ابتداء الصوم .
وأمّا إذا طلع ثم نزع ، فسد صومه عندنا وعند الشافعي (٥) ؛ لأنّ الإِخراج يستلزم التلذّذ ، فيكون مُجامعاً .
وقال مالك وأحمد : لا يفسد صومه ؛ لأنّ النزع ترك الجماع ، فلا يتعلّق به ما يتعلّق بالجماع ، كما لو حلف أن لا يلبس ثوباً هو لابسه فنزعه في الحال ، لا يحنث (٦) .
__________________
(١ ـ ٥) المجموع ٦ : ٣٠٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٣ .
(٦) فتح العزيز ٦ : ٤٠٣ ـ ٤٠٤ .
وهو فاسد عندنا ؛ لما قدّمناه من وجوب الطهارة .
ولو طلع الفجر وعلم به كما طلع ، ومكث فلم ينزع ، فسد صومه ، وبه قال الشافعي (١) .
وتجب عليه الكفّارة عندنا ، خلافاً للشافعي في أحد القولين (٢) .
( وذكر فيما ) (٣) إذا قال لامرأته : إن وطأتكِ فأنتِ طالق ثلاثاً ، فغيَّب الحشفة ، وطلّقت ، ومكث : أنّه لا يجب المهر (٤) .
واختلف أصحابه على طريقين : أحدهما : أنّ فيهما قولين نقلاً وتخريجاً ، أحدهما : وجوب الكفّارة هنا والمهر ثَمَّ ، كما لو نزع وأولج ثانياً .
والثاني : لا يجب واحد منهما ؛ لأنّ ابتداء الفعل كان مباحاً .
وأصحّهما : القطع بوجوب الكفّارة ونفي المهر .
والفرق : أنّ ابتداء الفعل لم يتعلّق به الكفّارة ، فتتعلّق بانتهائه حتى لا يخلو الجماع في نهار رمضان عمداً عن الكفّارة ، والوطء ثَمَّ غير خالٍ عن المقابلة بالمهر ؛ لأنّ المهر في النكاح يقابل جميع الوطآت (٥) .
وقال أبو حنيفة : لا تجب الكفّارة بالمكث (٦) . واختاره المزني من الشافعية (٧) .
ووافقنا مالك وأحمد على الوجوب (٨) .
والخلاف جارٍ فيما إذا جامع ناسياً ثمّ تذكّر الصوم واستدام .
__________________
(١ و ٢) المجموع ٦ : ٣٠٩ و ٣٣٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٤ .
(٣) في النسخ الخطية الثلاث « ط ، ف ، ن » والطبعة الحجرية : وذكرهما . والصحيح ما أثبتناه .
(٤ و ٥) فتح العزيز ٦ : ٤٠٤ ، المجموع ٦ : ٣٣٩ .
(٦ ـ ٨) فتح العزيز ٦ : ٤٠٤ .
تنبيهٌ :
قيل : كيف يعرف طلوع الفجر المجامع (١) وشبهه ؟ فإنّه متى عرف الطلوع كان الطلوع الحقيقي متقدّماً عليه .
اُجيب بأمرين :
أحدهما : أنّ المسألة موضوعة على التقدير ، كما هو عادة الفقهاء في أمثالها .
والثاني : إنّا تعبّدنا بما نطّلع عليه ، ولا معنى للصبح إلّا ظهور الضوء للناظر ، وما قبله لا حكم له .
فإذا كان الشخص عارفاً بالأوقات ومنازل القمر ، وكان بحيث لا حائل بينه وبين مطلع الفجر ورصد ، فمتى أدرك فهو أول الصبح الذي اعتبره الشارع (٢) ، وقد نبّه الله تعالى عليه بقوله : ( حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ) (٣) .
مسألة ٤٣ : قد بيّنا أنّ ماء مضمضة الصلاة والاستنشاق لها لو سبق إلى الحلق من غير قصد ، لم يفسد صومه ، ولا كفّارة فيه ـ ولو كان للتبرّد أو العبث ، وجب عليه القضاء خاصة عند علمائنا ـ لأنّه في الصلاة فَعَل مشروعاً ، فلا تترتّب عليه عقوبة ؛ لعدم التفريط شرعاً ، وفي التبرّد والعبث فرَّط بتعريض الصوم للإِفساد بإيجاد ضدّه ، وهو : عدم الإِمساك ، فلزمه العقوبة ؛ للتفريط .
ولا كفّارة عليه ؛ لأنّ سماعة سأله عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش ، فدخل حلقه ، قال : « عليه قضاؤه ، وإن كان في وضوئه فلا
__________________
(١) في النسخ الخطية الثلاث « ط ، ف ، ن » : للمجامع . وما أثبتناه من الطبعة الحجرية .
(٢) تعرض للسؤال والجواب ، الرافعي في فتح العزيز ٦ : ٤٠٤ ـ ٤٠٥ ، والنووي في المجموع ٦ : ٣٠٩ .
(٣) البقرة : ١٨٧ .
بأس » (١) .
ولم يفصّل العامة ، بل قال الشافعي : إن لم يكن بالغ وإنّما رفق فسبق الماء ، فقولان : أحدهما : يفطر ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك والمزني (٢) ـ لأنّه أوصل الماء إلى جوفه ، ذاكراً لصومه ، فأفطر ، كما لو تعمّد شربه .
والفرق ظاهر ؛ للمشروعية في المتنازع ، وعدمها في الأصل .
والثاني : لا يفطر ، وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور ، واختاره الربيع والحسن البصري (٣) .
وإن بالغ بأن زاد على ثلاث مرّات ، فوصل الماء إلى جوفه ، أفطر قولاً واحداً (٤) . وبه قال أحمد (٥) .
وروي عن عبدالله بن عباس : أنّه إن توضّأ لمكتوبة ، لم يفطر ، وإن كان لنافلة ، أفطر ، وبه قال النخعي (٦) .
وفي الصحيح عن الحلبي عن الصادق عليه السلام ، في الصائم يتوضّأ للصلاة ، فيدخل الماء حلقه ، قال : « إن كان وضوؤه لصلاة فريضة ، فليس عليه قضاء ، وإن كان وضوؤه لصلاة نافلة ، فعليه القضاء » (٧) .
ونحن نتوقّف في هذه الرواية .
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٣٢٢ ـ ٣٢٣ / ٩٩١ ، والفقيه ٢ : ٦٩ / ٢٩٠ .
(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٩١ ، المغني ٣ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥١ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٢٧ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٠٠ .
(٣) المغني ٣ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠ ـ ٥١ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧ .
(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٢٦ و ٣٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧ ، المغني ٣ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠ ـ ٥١ .
(٥) المغني ٣ : ٤٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٥١ .
(٦) المجموع ٦ : ٣٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧ .
(٧) التهذيب ٤ : ٣٢٤ / ٩٩٩ .