أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي
المحقق: إبراهيم أمين محمّد
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المكتبة التوفيقيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٨
ما عندنا اليوم شيء نعطيكه ، ولكن سأبعثك فى وجه تصيب فيه ، فبعث بعثا إلى بنى عبس وبعث الرجل فيهم ، فأتاه فقال : يا رسول الله أعيتنى ناقتى أن تنبعث ، قال : فناوله رسول الله صلىاللهعليهوسلم يده كالمعتمد عليه للقيام ، فأتاها فضربها برجله ، قال أبو هريرة : والّذي نفسى بيده لقد رأيتها تسبق به القائد ، رواه مسلم فى الصحيح عن يحيى بن معين عن مروان.
حديث آخر
قال البيهقى : أنا أبو زكريا بن أبى إسحاق المزنى ، أنا أبو عبد الله محمد ابن يعقوب ، حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب ، أنا أبو جعفر بن عون ، أنا الأعمش عن مجاهد أن رجلا اشترى بعيرا فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : إنى اشتريت بعيرا فادع الله أن يبارك لى فيه ، فقال : اللهم بارك له فيه ، فلم يلبث إلا يسيرا أن نفق ، ثم اشترى بعيرا آخر فأتى به رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : إنى اشتريت بعيرا فادع الله أن يبارك لى فيه ، فقال : اللهم بارك له فيه ، فلم يلبث حتى نفق ، ثم اشترى بعيرا آخر فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله قد اشتريت بعيرين فدعوت الله أن يبارك لى فيهما فادع الله أن يحملنى عليه ، فقال : اللهم احمله عليه ، فمكث عنده عشرين سنة.
قال البيهقى : وهذا مرسل ودعاؤه عليهالسلام صار إلى أمر الآخرة فى المرتين الأوليين.
حديث آخر
قال الحافظ البيهقى : أنا أبو عبد الرحمن السلمى ، أنا إسماعيل بن عبد الله الميكالى ، حدثنا على بن سعد العسكرى ، أنا أبو أمية عبد الله بن محمد بن خلاد الواسطى ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنا المستلم بن سعيد ، حدثنا حبيب بن عبد الرحمن بن حبيب بن أساف عن أبيه عن جده حبيب بن أساف قال : أتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أنا ورجل من قومى فى بعض مغازيه فقلنا :
إنا نشتهى أن نشهد معك مشهدا ، قال : أسلمتم؟ قلنا : لا ، قال : فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين ، قال : فأسلمنا ، وشهدت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأصابتنى ضربة على عاتقى فجافتنى ، فتعلقت يدى ، فأتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فتفل فيها وألزقها فالتأمت وبرأت وقتلت الّذي ضربنى ، ثم تزوجت ابنة الّذي قتلته وضربنى ، فكانت تقول : لا عدمت رجلا وشحك هذا الوشاح ، فأقول : لا عدمت رجلا أعجل أباك إلى النار (١) ، وقد روى الإمام أحمد هذا الحديث عن يزيد بن هارون بإسناده مثله ولم يذكر فتفل فيها فبرأت.
__________________
(١) أحمد في مسنده (٣ / ٤٥٤).
حديث آخر
[دعاؤه لابن عباس واستجابة دعوته]
ثبت فى الصحيحين من حديث أبى النضر هاشم بن القاسم عن ورقاء ابن عمر السكرى عن عبد الله بن يزيد عن ابن عباس ، قال : أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم الخلاء فوضعت له وضوءا فلما خرج قال : من صنع هذا؟ قالوا : ابن عباس ، قال : اللهم فقهه فى الدين (١).
وروى البيهقى عن الحاكم وغيره عن الأصم عن عباس الدورقى عن الحسن بن موسى الأسيب عن زهير عن عبد الله ابن عثمان ابن خيثم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وضع يده على كتفى ـ أو قال : منكبى ، شك سعيد ـ ثم قال : اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل ، وقد استجاب الله لرسوله صلىاللهعليهوسلم هذه الدعوة فى ابن عمه ، فكان إماما يهتدى بهداه ويقتدى بسناه فى علوم الشريعة ولا سيما فى علم التأويل وهو التفسير ، فإنه انتهت إليه علوم الصحابة قبله ، وما كان عقله من كلام ابن عمه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقد قال الأعمش عن أبى الضحى عن مسروق قال : قال عبد الله ابن مسعود : لو أن ابن عباس أدرك أسناننا ما عاشره أحد منا ، وكان يقول لهم : نعم ترجمان القرآن ابن عباس ، هذا وقد تأخرت وفاة ابن عباس عن وفاة عبد الله بن مسعود ببضع وثلاثين سنة ، فما ظنك بما حصله بعده فى هذه المدة؟ وقد روينا عن بعض أصحابه أنه قال : خطب الناس ابن عباس فى عشية عرفه ففسر لهم سورة البقرة ، أو قال سورة ، ففسرها تفسيرا لو سمعه الروم والترك والديلم لأسلموا ، رضى الله عنه وأرضاه.
__________________
(١) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء (١٤٣) (١ / ٤١٢).
حديث آخر
استجابة دعوته لأنس بن مالك بالبركة وطول العمر
ثبت فى الصحيح أنه عليهالسلام دعا لأنس بن مالك بكثرة المال والولد (١) ، فكان كذلك حتى روى الترمذي عن محمود بن غيلان عن أبى داود الطيالسى عن أبى خلدة ، قال : قلت لأبى العالية : سمع أنس من النبي ص؟ فقال : خدمه عشر سنين ودعا له ، وكان له بستان يحمل فى السنة الفاكهة مرتين ، وكان فيه ريحان يجيء منه ريح المسك.
وقد روينا فى الصحيح أنه ولد له لصلبه قريب من مائة أو ما ينيف عليها ، وفى رواية: أنه صلىاللهعليهوسلم ، قال : اللهم أطل عمره ، فعمر مائه ، وو قد دعا صلىاللهعليهوسلم لأم سليم ولأبى طلحة فى غابر ليلتهما ، فولدت له غلاما سماه رسول الله صلىاللهعليهوسلم عبد الله ، فجاء من صلبه تسعة كلهم قد حفظ القرآن.
ثبت ذلك فى الصحيح ، وثبت فى صحيح مسلم من حديث عكرمة بن عمار عن أبى كثير العنبرى عن أبى هريرة أنه سأل من رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يدعو لأمه فيهديها الله فدعا لها ، فذهب أبو هريرة فوجد أمه تغتسل خلف الباب فلما فرغت قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، فجعل أبو هريرة يبكى من الفرح ، ثم ذهب فأعلم بذلك رسول الله وسأل منه أن يدعو لهما أن يحببهما الله إلى عباده المؤمنين فدعا لهما ، فحصل ذلك. قال أبو هريرة : فليس مؤمن ولا مؤمنة إلا وهو يحبنا ، وقد صدق أبو هريرة فى ذلك رضى الله عنه وأرضاه ، ومن تمام هذه الدعوة أن الله شهر ذكره فى أيام الجمع حيث يذكره الناس بين يدى خطبة الجمعة ، وهذا من التقييض القدرى والتقدير المعنوى ، وثبت فى الصحيح أنه عليه
__________________
(١) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات (٦٣٣٤) (١٧ / ٧٣).
السلام ، دعا لسعد بن أبى وقاص وهو مريض فعوفى ، ودعا له أن يكون مجاب الدعوة ، فقال : اللهم أجب دعوته ، وسدد رميته ، فكان كذلك ، فنعم أمير السرايا والجيوش كان ، وقد دعا على أبى سعدة أسامة بن قتادة حين شهد فيه بالزور بطول العمر وكثرة الفقر والتعرض للفتن ، فكان ذلك ، فكان إذا سئل ذلك الرجل يقول : شيخ كبير مفتون أصابتنى دعوة سعد ، وثبت فى صحيح البخارى وغيره أنه صلىاللهعليهوسلم دعا للسائب بن يزيد ومسح بيده على رأسه فطال عمره حتى بلغ أربعا وتسعين سنة وهو تام القامة معتدل ، ولم يشب منه موضع أصابت يد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومتع بحواسه وقواه ، وقال أحمد : حدثنا جرير بن عمير ، حدثنا عروة ابن ثابت ، حدثنا على بن أحمد ، حدثنى أبو زيد الأنصارى ، قال : قال لى رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ادن منى ، فمسح بيده على رأسى ثم قال : اللهم جمله وأدم جماله ، قال : فبلغ بضعا ومائة ـ يعنى سنة ـ وما فى لحيته بياض إلا نبذة يسيرة ، ولقد كان منبسط الوجه لم ينقبض وجهه حتى مات ، قال السهيلى إسناد صحيح موصول.
ولقد أورد البيهقى هذا نظائر كثيرة فى هذا المعنى ، تشفى القلوب ، وتحصل المطلوب ، وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عارم ، حدثنا معتمر ، وقال يحيى بن معين : حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا معتمر ـ هو ابن سليمان ـ. قال : سمعت أبى يحدث عن أبى العلاء قال : كنت عند قتادة بن ملحان فى موضعه الّذي مات فيه ، قال : فمر رجل فى مؤخر الدار ، قال : فرأيته فى وجه قتادة ، وقال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد مسح وجهه ، قال : وكنت قبل ما رأيته إلا ورأيت كأن على وجهه الدهان.
وثبت فى الصحيحين أنه عليهالسلام دعا لعبد الرحمن بن عوف بالبركة حين رأى عليه ذلك الدرع من الزعفران لأجل العرس ، فاستجاب الله لرسوله صلىاللهعليهوسلم ففتح له فى المتجر والمغانم حتى حصل له مال جزيل بحيث إنه لما مات
صولحت امرأة من نسائه الأربع عن ربع الثمن على ثمانين ألفا ، وثبت فى الحديث من طريق شبيب بن غرقد أنه سمع الحى يغبرون عن عروة بن أبى الجعد المازنى ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أعطاه دينارا ليشترى له به شاة فاشترى به شاتين وباع إحداهما بدينار وأتاه بشاة ودينار ، فقال له : بارك الله لك فى صفقة يمينك ، وفى رواية : فدعا له بالبركة فى البيع ، فكان له اشترى التراب لربح فيه.
وقال البخارى : حدثنا عبد الله ابن يوسف ، أنا ابن وهب ، حدثنا سعيد بن أبى أيوب عن أبى عقيل أنه كان يخرج به جده عبد الله ابن هشام إلى السوق فيشترى الطعام فيلقاه ابن الزبير وابن عمر فيقولان : أشركنا فى بيعك فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد دعا لك بالبركة فيشركهم ، فربما أصاب الراحلة كما هى فبعث بها إلى المنزل (١).
وقال البيهقى : أنا أبو سعد المالينى ، أنا ابن عدى حدثنا على بن محمد بن سليمان الحليمى ، حدثنا محمد بن يزيد المستملى ، حدثنا سبابة بن عبد الله ، حدثنا أيوب بن يسار عن محمد بن المنكدر عن جابر عن أبى بكر عن بلال قال : أذنت فى غداة باردة فخرج النبي صلىاللهعليهوسلم فلم ير فى المسجد واحدا ، فقال : أين الناس؟ فقلت : منعهم البرد ، فقال : اللهم اذهب عنهم البرد ، فرأيتهم يتروحون ، ثم قال البيهقى : تفرد به أيوب بن سيار ، ونظيره قد مضى فى الحديث المشهور عن حذيفة فى قصة الخندق.
حديث آخر
دعاؤه للزوجين أن يؤلف الله بينهما فأجيب دعاؤه
قال البيهقى : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا عبد العزيز بن عبد الله عن محمد بن عبد الله الأصبهانى ـ إملاء ـ أنا أبو إسماعيل الترمذي عن
__________________
(١) أخرجه البخاري في كتاب النكاح (٥١٥٥) (١٤ / ٤٥٣).
محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسى ، حدثنا على ابن أبى على اللهبى عن أبى ذئب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرج وعمر بن الحطاب معه ، فعرضت له امرأة ، فقالت : يا رسول الله ، إنى امرأة مسلمة محرمة ومعي زوج لى فى بيتى مثل المرأة ، فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ادعى لى زوجك ، فدعته وكان خرازا ، فقال له : ما تقول فى امرأتك يا عبد الله؟ فقال الرجل : والّذي أكرمك ما جف رأسى منها ، فقالت امرأته : جاء مرة واحدة فى الشهر ، فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أتبغضينه؟ قالت : نعم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ادنيا رءوسكما ، فوضع جبهتها على جبهة زوجها ثم قال : اللهم ألف بينهما وحبب أحدهما إلى صاحبه ، ثم مرّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بسوق النمط ومعه عمر بن الخطاب فطلعت المرأة تحمل أدما على رأسها ، فلما رأت رسول الله صلىاللهعليهوسلم طرحته وأقبلت فقبلت رجليه ، فقال : كيف أنت وزوجك؟ فقالت : والّذي أكرمك ما طارف ولا تالد أحب إلى منه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أشهد أنى رسول الله ، فقال عمر : وأنا أشهد أنك رسول الله ، قال أبو عبد الله : تفرد به على بن على اللهبى وهو كثير الرواية للمناكير.
قال البيهقى : وقد روى يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر ابن عبد الله ـ يعنى هذه القصة ـ إلا أنه لم يذكر عمر بن الخطاب.
حديث آخر
قال أبو القاسم البغوى : حدثنا كامل بن طلحة ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا على بن زيد بن جدعان عن أبى الطفيل أن رجلا ولد له غلام فأتى به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فدعا له بالبركة وأخذ بجبهته فنبتت شعرة فى جبهته كأنها هلبة فرس ، فشب الغلام ، فلما كان زمن الخوارج أجابهم فسقطت الشعرة عن
__________________
(١) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات (٦٣٥٣) (١٧ / ٨٩).
جبهته ، فأخذه أبو فحبسه وقيده مخافة أن يلحق بهم ، قال : فدخلنا عليه فوعظناه وقلنا له: ألم تر إلى بركة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقعت؟ فلم تزل به حتى رجع عن رأيهم ، قال : فرد الله تلك الشعرة إلى جبهته إذ تاب.
وقد رواه الحافظ أبو بكر البيهقى عن الحاكم وغيره عن الأصم عن أبى أسامة الكلبى عن سريج بن مسلم عن أبى يحيى إسماعيل بن إبراهيم التيمى ، حدثنى سيف بن وهب عن أبى الطفيل أن رجلا من بنى ليث يقال له : فراس ابن عمرو أصابه صداع شديد فذهب به أبوه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأجلسه بين يديه ، وأخذ بجلدة بين عينيه فجذبها حتى تبعصت فنبتت فى موضع أصابع رسول الله صلىاللهعليهوسلم شعرة ، وذهب عنه الصداع فلم يصدع ، وذكر بقية القصة فى الشعرة كنحو ما تقدم.
حديث آخر
قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا هاشم بن القاسم الحرانى ، حدثنا يعلى ابن الأشدق ، سمعت عبد الله بن حراد العقيلى ، حدثنى النابغة ـ يعنى الجعدى ـ قال : أتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنشدته من قولى :
بلغنا السماء عفة وتكرما |
|
وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا |
قال : أين المظهر يا أبا ليلى؟ قال : قلت : أى الجنة ، قال : أجل إن شاء الله ، قال : أنشدنى ، فأنشدته من قولى :
ولا خير فى حلم إذا لم يكن له |
|
بوادر تحمى صفوه أن يكدرا |
ولا خير فى جهل إذا لم يكن له |
|
حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا |
قال : أحسنت لا يفضض الله فاك ، هكذا رواه البزار إسنادا ومتنا ، وقد رواه الحافظ البيهقى من طريق أخرى فقال : أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد ابن محمد بن عبدان ، أنا أبو بكر بن محمد بن المؤمل ، حدثنا جعفر بن
محمد ابن سوار ، حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن خالد السكرى الرقى ، حدثنى يعلى ابن الأشدق قال : سمعت النابغة ـ نابغة بنى جعدة ـ يقول : أنشدت رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذا الشعر ، فأعجبه :
بلغنا السما مجدنا وتراثنا |
|
وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا |
فقال : أين المظهر يا أبا ليلى؟ قلت : الجنة. قال : كذلك إن شاء الله :
ولا خير فى حلم إذا لم يكن له |
|
بوادر تحمى صفوه أن يكدرا |
ولا خير فى جهل إذا لم يكن له |
|
حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا (١) |
فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : أجدت لا يفضض الله فاك ، قال يعلى : فلقد رأيته ولقد أتى عليه نيف ومائة سنة وما ذهب له سن ، قال البيهقى : وروى عن مجاهد بن سليم عن عبد الله بن حراد سمعت نابغة يقول : سمعنى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنا أنشد من قولى :
بلغنا السماء عفة وتكرما |
|
وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا (٢) |
ثم ذكر الباقى بمعناه ، قال : فلقد رأيت سنة كأنها البرد والمنهل ما سقط له سن ولا انفلت.
حديث آخر
قال الحافظ البيهقى : أنا أبو بكر القاضى وأبو سعيد بن يوسف أبى عمرو ، قالا : حدثنا الأصم ، حدثنا عباس الدورى ، حدثنا على بن بحر القطان ، حدثنا هاشم بن يوسف ، حدثنا معمر ، حدثنا ثابت وسليمان التيمى عن أنس أن رسول
__________________
(١) أورد الأمر وأصدره : أي طلب تنفيذه ثم تراجع عنه حلما منه.
(٢) مظهرا : علوّا وشهرة.
الله صلىاللهعليهوسلم ، نظر قبل العراق والشام واليمن ـ لا أدرى بأيتهن بدأ ـ ثم قال :
اللهم أقبل بقلوبهم إلى طاعتك وحط من أوزارهم ، ثم رواه عن الحاكم عن الأصم عن محمد بن إسحاق الصنعانى عن على بن بحر بن سرى فذكره بمعناه.
وقال أبو داود الطيالسى : حدثنا عمران القطان عن قتادة عن أنس بن مالك عن زيد بن ثابت قال : نظر رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل اليمن فقال : اللهم أقبل بقلوبهم ، ثم نظر قبل الشام فقال : اللهم أقبل بقلوبهم ، ثم نظر قبل العراق فقال : اللهم أقبل بقلوبهم ، وبارك لنا فى صاعنا ومدنا ، وهكذا وقع الأمر ، وأسلم أهل اليمن قبل أهل الشام ، ثم كان الخير والبركة قبل العراق ، ووعد أهل الشام بالدوام على الهداية والقيام بنصرة الدين إلى آخر الأمر ، وروى أحمد في مسنده : لا تقوم الساعة حتى يتحول خيار أهل العراق إلى الشام ، ويتحول شرار أهل الشام إلى العراق.
فصل
في دعائه على قوم فاستجيب فيهم
وروى مسلم عن أبى بكر بن أبى شيبة عن زيد بن الحباب عن عكرمة ابن عمار : حدثنى إياس ابن سلمة بن الأكوع أن أباه حدثه أن رجلا أكل عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم بشماله ، فقال له : كل بيمينك ، قال : لا أستطيع. قال : لا استطعت ، ما يمنعه إلا الكبر ، قال : فما رفعها إلى فيه؟ ، وقد رواه أبو داود الطيالسى عن عكرمة عن إياس عن أبيه قال : أبصر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بشر ابن راعى العير وهو يأكل بشماله فقال : كل بيمينك ، قال : لا أستطيع ، قال : لا استطعت ، قال : فما وصلت يده إلى فيه بعد.
وثبت فى صحيح مسلم من حديث شعبة عن أبى حمزة عن ابن عباس
قال : كنت ألعب مع الغلمان فجاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاختبأت منه ، فجاءنى فحطانى حطوة أو حطوتين (١) وأرسلنى إلى معاوية فى حاجة ، فأتيته وهو يأكل ، فقلت : أتيته وهو يأكل ، فأرسلنى الثانية فأتيته وهو يأكل ، فقلت : أتيته وهو يأكل ، فقال : لا أشبع الله بطنه.
وقد روى البيهقى عن الحاكم عن على بن حماد عن هشام بن على عن موسى بن إسماعيل : حدثنى أبو عوانة عن أبى حمزة : سمعت ابن عباس قال : كنت ألعب مع الغلمان فإذا رسول الله قد جاء فقلت : ما جاء إلا إلى ، فذهبت فاختبأت على باب ، فجاء فحطانى خطوة وقال : اذهب فادع لى معاوية ـ وكان يكتب الوحى ـ قال : فذهبت فدعوته له فقيل : إنه يأكل ، فأتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقلت : إنه يأكل ، فقال : اذهب فادعه لى ، فأتيته الثانية ، فقيل إنه يأكل ، فأتيت رسول الله فأخبرته فقال فى الثانية : لا أشبع الله بطنه ، قال : فما شبع بعدها ، قلت : وقد كان معاوية رضى الله عنه لا يشبع بعدها ، ووافقته هذه الدعوة فى أيام إمارته ، فيقال : إنه كان يأكل فى اليوم سبع مرات طعاما بلحم ، وكان يقول : والله لا أشبع وإنما أعيى ، وقدمنا فى غزوة تبوك أنه مر بين أيديهم وهم يصلون غلام فدعا عليه فأقعد فلم يقم بعدها ، وجاء من طرق أوردها البيهقى أن رجلا حاكى النبي صلىاللهعليهوسلم فى كلام واختلج بوجهه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : كن كذلك فلم يزل يختلج (٢) ويرتعش مدة عمره حتى مات.
وقد ورد فى بعض الروايات أنه الحكم بن أبى العاصى ، أبو مروان بن الحكم فالله أعلم ، وقال مالك عن زيد بن أسلم عن جابر بن عبد الله قال : خرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى غزوة بنى انمار ، فذكر الحديث فى الرجل الّذي عليه ثوبان قد خلقا ، وله ثوبان فى القنية ، فأمره رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلبسهما ثم
__________________
(١) الحطوة : الضرب باليد وهي مبسوطة الكفين.
(٢) يختلج : يتحرك ويضطرب.
ولى ، فقال رسول الله : ما له؟ ضرب الله عنقه ، فقال الرجل : فى سبيل الله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فى سبيل الله ، فقتل الرجل فى سبيل الله ، وقد ورد من هذا النوع كثير.
وقد ثبت فى الأحاديث الصحيحة بطرق متعددة عن جماعة من الصحابة تفيد القطع كما سنوردها قريبا فى باب فضائله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : اللهم من سببته أو جلدته أو لعنته وليس لذلك أهلا فاجعل ذلك قربة له تقر به بها عندك يوم القيامة ، وقد قدمنا فى أول البعثة حديث ابن مسعود فى دعائه صلىاللهعليهوسلم على أولئك النفر السبعة ، الذين أحدهم أبو جهل ابن هشام وأصحابه ، حين طرحوا على ظهره عليهالسلام سلا الجزور ، وألقته عنه ابنته فاطمة ، فلما انصرف قال : اللهم عليك بقريش ، اللهم عليم بأبى جهل بن هشام ، وشيبة ابن ربيعة ، وعتبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة ، ثم سمى بقية السبعة ، قال ابن مسعود : فو الّذي بعثه بالحق لقد رأيتهم صرعى فى القليب (١) قليب بدر الحديث. وهو متفق عليه.
حديث آخر
قال الإمام أحمد : حدثنى هشام ، حدثنا سليمان ـ يعنى ابن المغيرة ـ عن ثابت عن أنس بن مالك قال : كان منا رجل من بنى النجار قد قرأ البقرة وآل عمران ، وكان يكتب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فانطلق هاربا حتى لحق بأهل الكتاب ، قال : فرفعوه وقالوا : هذا كان يكتب لمحمد ، وأعجبوا به ، فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم ، فحفروا له فواروه ، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها ، ثم عادوا فحفروا له وواروه ، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها فتركوه منبوذا ، ورواه مسلم عن محمد بن راضى عن أبى النضر هاشم ابن القاسم به.
__________________
(١) القليب : البئر.
طريق أخرى عن أنس
قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا حميد عن أنس أن رجلا كان يكتب للنبى صلىاللهعليهوسلم وكان قد قرأ البقرة وآل عمران ، وكان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران عز فينا ـ يعنى عظم ـ فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يملى عليه : غفورا رحيما ، فيكتب : عليما حكيما ، فيقول له النبي صلىاللهعليهوسلم : اكتب كذا وكذا فيقول : أكتب كيف شئت ، ويملى عليه : عليما حكيما ، فيكتب : سميعا بصيرا ، فيقول : اكتب كيف شئت ، قال فارتد ذلك الرجل عن الإسلام فلحق بالمشركين ، وقال : أنا أعلمكم بمحمد ، وإنى كنت لا أكتب إلا ما شئت ، فمات ذلك الرجل ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : إن الأرض لا تقبله ، قال أنس : فحدثنى أبو طلحة أنه أتى الأرض التى مات فيها ذلك الرجل فوجده منبودا ، فقال أبو طلحة : ما شأن هذا الرجل؟ قالوا : قد دفناه مرارا فلم تقبله الأرض (١) ، وهذا على شرط الشيخين ولم يخرجوه.
طريق أخرى عن أنس
وقال البخارى : حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا عبد العزيز عن أنس بن مالك قال : كان رجل نصرانى فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران ، وكان يكتب للنبىصلىاللهعليهوسلم فعاد نصرانيا : وكان يقول : لا يدرى محمد إلا ما كتبت له ، فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض ، فقالوا : هذا فعل محمد وأصحابه ـ لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه ـ ، فحفروا له فأعمقوا له فى الأرض ما استطاعوا ، فأصبحوا وقد لفظته الأرض ، فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه.
__________________
(١) أحمد في مسنده (٣ / ١٢٠ ـ ١٢١).
باب
المسائل التى سئل عنها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأجاب عنها بما
يطابق الحق الموافق لها في الكتب الموروثة عن الأنبياء
قد ذكرنا فى أول البعثة ما تعنتت به قريش وبعثت إلى يهود المدينة يسألونهم عن أشياء يسألون عنها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : سلوه عن الروح ، وعن أقوام ذهبوا فى الدهر فلا يدرى ما صنعوا ، وعن رجل طواف فى الأرض بلغ المشارق والمغارب ، فلما رجعوا سألوا عن ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله عزوجل قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً (٨٥)) (١) وأنزل سورة الكهف يشرح فيها خبر الفتية الذين فارقوا دين قومهم وآمنوا بالله العزيز الحميد ، وأفردوه بالعبادة ، واعتزلوا قومهم ، ونزلوا غارا وهو الكهف ، فناموا فيه ، ثم أيقظهم الله بعد ثلاثمائة سنة وتسع سنين ، وكان من أمرهم ما قص الله علينا فى كتابه العزيز ، ثم قص خبر الرجلين المؤمن والكافر ، وما كان من أمرهما.
ثم ذكر خبر موسى والخضر وما جرى لهما من الحكم والمواعظ ، ثم قال : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (٨٣)) (٢) ، ثم شرح ، ثم ذكر خبره وما وصل إليه من المشارق والمغارب ، وما عمل من المصالح فى العالم ، وهذا الإخبار هو الواقع فى الواقع ، وإنما يوافقه من الكتب التى بأيدى أهل الكتاب ، ما كان منها حقا ، وأما ما كان محرفا مبدلا فذاك مردود ، فإن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب ليبين للناس
__________________
(١) سورة الإسراء ، الآية : ٨٥.
(٢) سورة الكهف ، الآية : ٨٣.
ما اختلفوا فيه من الأخبار والأحكام ، قال الله تعالى بعد ذكر التوراة والإنجيل : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) (١) وذكرنا فى أول الهجرة قصة إسلام عبد الله بن سلام ، وأنه قال لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة انجفل الناس إليه فكنت فيمن انجفل ، فلما رأيت وجهه قلت : إن وجهه ليس بوجه كذاب ، فكان أول ما سمعته يقول : أيها الناس ، افشوا السلام ، وصلوا الأرحام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام.
وثبت فى صحيح البخارى وغيره من حديث إسماعيل بن عطية وغيره عن حميد عن أنس قصة سؤاله رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ثلاث لا يعلمهن إلا نبى. ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه وإلى أمه؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أخبرنى بهن جبريل آلفا ، ثم قال : أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب ، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت ، وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إلى أبيه ، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع الولد إلى أمه.
وقد رواه البيهقى عن الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن أبى معشر عن سعيد المقبرى ، فذكر مساءلة عبد الله ابن سلام إلا أنه قال : فسأله عن السواد الّذي فى القمر ، بدل أشراط الساعة ، فذكر الحديث إلى أن قال : وأما السواد الّذي فى القمر فإنهما كانا شمسين فقال الله عزوجل : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) (٢) فالسواد الّذي رأيت هو المحو ، فقال عبد الله بن سلام : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية : ٤٨.
(٢) سورة الإسراء ، الآية : ١٢.
حديث آخر في معناه
إجابته يهوديا جاء يسأله عن مسائل
قال الحافظ البيهقى : أنا أبو زكريا يحيى بن إبراهيم المزكى ، أنا أبو الحسن ـ أحمد بن محمد ابن ابن عيدروس ـ حدثنا عثمان بن سعيد ، أنا الربيع ابن نافع ، أبو توبة ، حدثنا معاوية ابن سلام عن زيد ابن سلام أنه سمع أبا سلام يقول : أخبرنى أبو أسماء الرجبى أن ثوبان حدثه قال : كنت قائما عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فجاءه حبر من أحبار اليهود ، فقال : السلام عليك يا محمد ، فدفعته دفعة كاد يصرع منها ، قال : لم تدفعنى؟ قال : قلت : ألا تقول : يا رسول الله؟ قال : إنما سميته باسمه الّذي سماه به أهله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن اسمى الّذي سمانى به أهلى محمد ، فقال اليهودى : جئت أسألك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ينفعك شيء إن حدثتك؟ قال : أسمع بأذنى ، فنكت بعود معه ، فقال له: سل ، فقال له اليهودى : أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فى الظلمة دون الجسر (١) ، قال : فمن أول الناس إجازة؟ فقال : فقراء المهاجرين ، قال اليهودى : فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال : زيادة كبد الحوت ، قال: وما غذاؤهم على إثره؟ قال : ينحر لهم ثور الجنة الّذي كان يأكل من أطرافها ، قال : فما شرابهم عليه؟ قال : من عين فيها تسمى سلسبيلا ، قال : صدقت ، قال : وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من الأرض إلا نبى أو رجل أو رجلان. قال ينفعك إن حدثتك؟ قال : أسمع بأذنى ، قال : جئت أسألك عن الولد ، قال : ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر ، فاذا اجتمعا فعلا منى الرجل منى المرأة أذكرا بإذن الله ، وإذا علا منى المرأة من الرجل أنثا بإذن الله ، فقال
__________________
(١) الجسر : ويقصد به هنا الصراط.
اليهودى : صدقت وإنك لنبى ، ثم انصرف ، فقال النبي ص : إنه سألنى عنه وما أعلم شيئا منه حتى أتانى الله به ، وهكذا رواه مسلم عن الحسن بن على الحلوانى عن أبى توية الربيع ابن نافع به ، وهذا الرجل يحتمل أن يكون عبد الله بن سلام ، ويحتمل أن يكون غيره والله أعلم.
حديث آخر
قال أبو داود الطيالسى : حدثنا عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب : حدثنى ابن عباس قال : حضرت عصابة من اليهود يوما عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا رسول الله حدثنا عن خلال نسألك عنها لا يعلمها إلا نبى ، قال : سلونى عما شئتم ، ولكن اجعلوا لى ذمة الله وما أخذ يعقوب على بنيه إن أنا حدثتكم بشيء تعرفونه صدقا لتتابعنى على الإسلام ، قالوا : لك ذلك ، قال : سلوا عما شئتم ، قالوا : أخبرنا عن أربع خلال ثم نسألك ، أخبرنا عن الطعام الّذي حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ، وأخبرنا عن ماء الرجل كيف يكون الذكر منه حتى يكون ذكرا ، وكيف تكون الأنثى حتى تكون الأنثى ، وأخبرنا عن هذا النبي فى النوم ومن وليك من الملائكة ، قال : فعليكم عهد الله لئن أنا حدثتكم لتتابعنى ، فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق ، قال : أنشدكم بالله الّذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أن إسرائيل ـ يعقوب ـ مرض مرضا شديدا طال سقمه فيه ، فنذر لله نذرا لئن شفاه الله من سقمه ليحرمن أحب الشراب إليه وأحب الطعام إليه ، وكان أحب الشراب إليه ألبان الإبل ، وأحب الطعام إليه لحمان الإبل؟ قالوا : اللهم نعم ، فقال رسول الله : اللهم اشهد عليهم ، قال : فأنشدكم الله الّذي لا إله إلا هو ، الّذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض ، وأن ماء المرأة رقيق أصفر ، فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله ، وإن علا ماء الرجل ماء المرأة كان ذكرا بإذن الله ، وإن علا ماء المرأة ماء الرجل كان أنثى بإذن الله؟ قالوا : اللهم نعم ، قال رسول الله :
اللهم اشهد عليهم. قال : وأنشدكم بالله الّذي لا إله إلا هو ، الّذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن هذا النبي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟ قالوا ، اللهم نعم ، قال : اللهم اشهد عليهم ، قالوا : أنت الآن حدثنا عن وليك من الملائكة فعندها نجامعك أو نفارقك ، قال : وليى جبريل عليهالسلام ، ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه ، فقالوا : فعندها نفارقك ، لو كان وليك غيره من الملائكة لبايعناك وصدقناك ، قال : فما يمنعكم أن تصدقوه؟ قالوا : إنه عدونا من الملائكة ، فأنزل الله عزوجل (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ) (١) الآية ، ونزلت (فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ) (٢) الآية.
حديث آخر
قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة ، سمعت عبد الله بن سلمة يحدث عن صفوان بن عسال المرادى ، قال : قال يهودى لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النبي حتى نسأله عن هذه الآية ، (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) (٣) فقال : لا تقل له شيئا ، فإنه لو سمعك لصارت له أربع أعين ، فسألاه : فقال النبي صلىاللهعليهوسلم لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببريء إلى ذى سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة ، أو قال : لا تفروا من الزحف ـ شعبة الشاك ـ وأنتم يا معشر يهود عليكم خاصة أن لا تعدوا فى السبت ، قال : فقبلا يديه ورجليه وقالا : نشهد أنك نبى ، قال : فما يمنعكما أن تتبعانى؟ قالا : إن داود عليهالسلام دعا أن لا يزال من ذريته نبى ، وإنا نخشى إن أسلمنا أن تقتلنا يهود(٤).
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٩٧.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ٩٠.
(٣) سورة الإسراء ، الآية : ١٠١.
(٤) أخرجه أحمد في مسنده (٤ / ٢٣٩).
وقد رواه الترمذي والنسائى وابن ماجه وابن جرير والحاكم والبيهقى من طرق عن شعبة به ، وقال الترمذي : حسن صحيح ، قلت : وفى رجاله من تكلم فيه ، وكأنه اشتبه على الراوى التسع الآيات بالعشر الكلمات ، وذلك أن الوصايا التى أوصاها الله إلى موسى وكلمه بها ليلة القدر بعد ما خرجوا من ديار مصر وشعب بنى إسرائيل حول الطور حضور ، وهارون ومن معه وقوف على الطور أيضا ، وحينئذ كلم الله موسى تكليما آمرا له بهذه العشر كلمات ، وقد فسرت فى هذا الحديث ، وأما التسع الآيات فتلك دلائل وخوارق عادات أيد بها موسى عليهالسلام وأظهرها الله على يديه بديار مصر ، وهى العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والجدب ونقص الثمرات ، وقد بسطت القول على ذلك فى التفسير بما فيه الكفاية والله أعلم.