الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: ٥٠١
وللشافعي وجهان :
أحدهما : إذا سرق من أربعة الأخماس ما يزيد على نصيبه بقدر النصاب ، وجب القطع.
والثاني : لا يقطع ، لأنّ حقّه لم يتعيّن ، فكلّ جزء مشترك بينه وبينهم ، فكان كالمال المشترك ـ وهو رواية (١) عندنا ـ ولأنّا لو قلنا : إنّه يقطع في المشترك ، فإنه لا يقطع هنا ، لأنّ حقّ كلّ واحد من الغانمين متعلّق بجميع المغنم ، لأنّه يجوز أن يعرض الباقون ، فيكون الكلّ له. وعلى كلّ حال فيستردّ المسروق إن كان [ باقيا ، وبدله إن كان ] (٢) تالفا ، ويجعل في المغنم (٣).
ولو كان السارق عبدا ، فهو كالحرّ ، لأنّه يرضخ له ، فإن كان ما سرقه أزيد ممّا يرضخ له بقدر النصاب ، وجب القطع ، وإلاّ فلا. وكذا المرأة.
ولو سرق عبد الغنيمة منها ، لم يقطع ، لئلاّ يزيد ضرر الغانمين. نعم ، يؤدّب حسما للجرأة.
ولو كان السارق ممّن لم يحضر الوقعة ، فلا نصيب له منها ، فيقطع.
ولو كان أحد الغانمين ابنا للسارق ، لم يقطع إلاّ إذا زاد ما سرقه عن نصيب ولده بمقدار النصاب ، لأنّ مال الولد في حكم ماله.
ولو كان السارق سيّد عبد [ له نصيب ] (٤) في الغنيمة ، كان حكمه حكم
__________________
(١) الكافي ٧ : ٢٢٣ ـ ٧ ، التهذيب ١٠ : ١٠٤ ـ ١٠٥ ـ ٤٠٦ ، الإستبصار ٤ : ٢٤١ ـ ٩١٠.
(٢) أضفناها من العزيز شرح الوجيز.
(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٤ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٩ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٠٧ ـ ٢٠٨.
(٤) ما بين المعقوفين لم يرد في « ق ، ك » ومتن الطبعة الحجريّة ، وورد في هامشها وعليه علامة « ظ ».
من له نصيب ، لأنّ مال العبد لسيّده. وبذلك كلّه قال الشافعي وأبو حنيفة (١). وزاد الشافعي : الابن إذا سرق وللأب سهم في الغنيمة أو أحد الزوجين (٢). وزاد أبو حنيفة : إذا كان لذي رحم محرم منه فيها حقّ ، لم يقطع (٣).
والغالّ هو الذي يكتم ما أخذه من الغنيمة ولا يطّلع الإمام عليه ولا يضعه مع الغنيمة. ولا ينزّل منزلة السارق في القطع ، إلاّ أن يغلّ على وجه السرقة ، فإنّ الغلول أخذ مال لا حافظ له ولا يطّلع عليه غالبا ، والسرقة أخذ مال محفوظ.
والسارق عندنا لا يحرق رحله.
وقال بعض العامّة : يحرق (٤).
مسألة ٨٩ : ليس لأحد الغانمين أن يبيع غانما آخر شيئا من الغنيمة ، فإن باعه ، لم يصح لأنّ نصيبه مجهول ، وكذا وقوعه في نصيبه. وكذا لا يصحّ لو كان طعاما ، لأنّ إباحة التناول لا تقتضي إباحة البيع ، فيقرّ في يد المشتري ، وليس للمشتري ردّه إلى البائع ولا للبائع قهره عليه ، لأنّه أمانة في يدهما لجميع المسلمين. ولو لم يكن من الغانمين. لم تقرّ يده عليه.
ولو أقرضه الغانم لمن لا سهم له ، لم يصح ، واستعيد من القابض. وكذا لو باعه منه. وكذا لو جاء رجل من غير الغانمين فأخذ من طعام الغنيمة ، لم تقرّ يده عليه ، إذ لا نصيب له ، وعليه ضمانه.
__________________
(١) المغني ١٠ : ٥٥١ ، الشرح الكبير ١٠ : ٢٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٨ ـ ٤٣٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٤.
(٢) الامّ ٧ : ٣٦٥ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٨ ـ ٤٣٩ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٤ ، وانظر : المغني ١٠ : ٥٥١ ، والشرح الكبير ١٠ : ٢٧٥.
(٣) المغني ١٠ : ٥٥١ ، الام ٧ : ٣٦٥.
(٤) المغني ١٠ : ٥٥١.
ولو باعه من غير الغانمين ، بطل البيع ، واستعيد.
ويجوز للإمام أن يبيع من الغنيمة شيئا قبل القسمة لمصلحة ، فلو عاد الكفّار وأخذوا المبيع من المشتري في دار الحرب ، فضمانه على المشتري ، وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين.
وفي الأخرى : ينفسخ البيع ، ويكون من ضمان أهل الغنيمة ، فإن كان المشتري قد وزن الثمن ، استعاده ، وإلاّ سقط إن كان [ لا ] (١) لتفريط منه ، وإن كان لتفريط منه ، مثل أن خرج به من العسكر وحده ، فكقولنا (٢).
وليس بجيّد ، لأنّ التلف في يد المشتري ، فلا يرجع بالضمان على غيره ، كغيره من المبيعات.
وإذا قسّمت الغنائم في دار الحرب ، جاز لكلّ من أخذ منهم التصرّف فيه كيف شاء بالبيع وغيره ، فلو باع بعضهم شيئا فغلب المشتري عليه ، لم يضمنه البائع.
ولأحمد روايتان (٣).
ويجوز لأمير الجيش أن يشتري من مال الغنيمة شيئا قبل القسمة وبعدها.
وقال أحمد : ليس له ذلك ، لأنّه يحابي (٤).
ويندفع الخيال بأخذه بالقيمة العدل.
مسألة ٩٠ : لا يسقط حقّ الغانم من الغنيمة بالإعراض بعد القسمة ،
__________________
(١) أثبتناها لأجل السياق.
(٢) المغني ١٠ : ٤٩١ ـ ٤٩٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٨.
(٣) المغني ١٠ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٨ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٤٩ ـ ١٥٠ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٧٣.
(٤) المغني ١٠ : ٤٩٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥١٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٥٠.
كسائر الأملاك ، وأمّا قبلها فالأقرب سقوطه.
ولو أفرز الخمس ولم تقسّم الأخماس الأربعة بعد ، فالأقرب أنّ الإعراض مسقط ، لأنّ إفراز الخمس لا يعيّن حقوق الواحد فالواحد من الغانمين ، فلا يلزمهم في حقوقهم عكس ما كانوا عليه من قبل ، وهو أصحّ قولي الشافعي (١).
والثاني : أنّه لا يسقط ، لأنّ بإفراز الخمس تتميّز حقوقهم عن الجهات العامّة ، ويصير الباقي لهم ، كسائر الأملاك المشتركة (٢).
وقال بعض الشافعيّة : إذا استقسم الغانمون الإمام ، لم يسقط حقّ أحدهم بالإعراض ، لأنّه يشعر باختيار التملّك وتأكيد الحق ، دون ما إذا استبدّ الإمام بإفراز الخمس ، فإنّهم لم يحدثوا ما يشعر بقصد التملّك (٣) (٤).
ولو قال : اخترت الغنيمة ، ففي منعه من الإعراض للشافعيّة وجهان :
أحدهما : لا ، فقد يتغيّر الرأي في الشيء المقدور (٥) عليه ، والاستقرار لا يحصل قبل القسمة.
والثاني : نعم ، كما أنّ ذا الخيار في العقود إذا اختيار أحد الطرفين لا يعدل إلى الآخر (٦).
ولو أعرض الغانمون بأجمعهم ففي صحّة إعراضهم لهم وجهان :
أحدهما : لا يصحّ ، وإلاّ لاستحقها أرباب الخمس ، فيزيد حقّهم والله تعالى قد عيّن لهم الخمس.
وأصحهما : الصحّة ، وتصرف الأخماس الأربعة إلى مصارف
__________________
(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٢.
(٣) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : الملك. وما أثبتناه من المصدر.
(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٤.
(٥) في المصدر : « المعزوم » بدل « المقدور ».
(٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٢.
الخمس ، لأنّ المعنى المصحّح للإعراض يشمل الواحد والجمع (١).
وأمّا الخمس : فسهم الله تعالى وسهم رسوله وسهم ذوي القربى للإمام عندنا خاصّة ، فيصحّ إعراضه ، كما يصحّ إعراض الغانم.
وعند العامّة أنّ سهم ذوي القربى لكلّ من يستحقّ الخمس.
وفي صحّة إعراضهم وجهان :
أحدهما : يصحّ ، كما يصحّ إعراض الغانمين.
والثاني : المنع ، لأنّ سهمهم منحة أثبتها الله تعالى لهم من غير معاناة وشهود وقعة ، فليسوا كالغانمين الذين يحمل حضورهم على إعلاء الكلمة (٢).
والمفلس الذي حجر عليه القاضي لإحاطة الديون به يصح إعراضه ، لأنّ اختيار التملّك بمنزلة ابتداء الاكتساب ، وليس على المفلس الاكتساب.
وفي صحّة اعراض السفيه المحجور عليه نظر ، أقربه : أنّه ليس له إسقاط الملك ولا إسقاط حقّ الملك ، فلو صار رشيدا قبل القسمة وانفكّ عنه الحجر ، صحّ إعراضه.
ولا يصحّ إعراض الصبي عن الرضخ ولا إعراض الوليّ عنه ، فإن بلغ قبل القسمة ، صحّ إعراضه.
ولا يصحّ إعراض العبد عن الرضخ ، ويصحّ إعراض السيّد ، فإنّه حقّه.
والأقرب : صحّة إعراض السالب عن السلب ـ وهو أصحّ وجهي الشافعي (٣) ـ كإعراض الغانمين.
والثاني : لا يصحّ ، لأنّه متعيّن له ، فأشبه الوارث (٤).
مسألة ٩١ : من أعرض من الغانمين يقدّر كأنّه لم يحضر الوقعة ،
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٢.
(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٤ ـ ٤٣٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٣.
(٣ و ٤) الوجيز ٢ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٣.
ويقسّم المال أخماسا : خمسه لمستحقّيه ، وأربعة أخماس لباقي الغانمين ، وهو أصحّ قولي الشافعي (١).
والثاني : أنّ نصيب المعرض يضمّ إلى الخمس ، لأنّ الغنائم في الأصل لله تعالى ، لقوله تعالى ( قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ ) (٢) فمن أعرض رجعت حصّته إلى أصلها (٣).
ولو مات واحد من الغانمين ولم يعرض ، انتقل حقّه إلى الورثة ، لأنّه ثبت له ملك أو حقّ ملك ، وكلاهما موروث ، فإن شاءوا أعرضوا ، وإن شاءوا طلبوا.
وللشافعيّة ثلاثة أوجه في أنّه هل يملك الغانمون قبل القسمة؟
أظهرها : أنّهم لا يملكون بل يملكون إن تملّكوا ، بدليل صحّة الإعراض ، ولو ملكوا بالاستيلاء ، لما سقط عنهم بالإعراض. ولأنّ للإمام أن يخص كلّ طائفة بنوع من المال ، ولو ملكوا لم يجز إبطال حقّهم عن بعض الأنواع بغير اختيارهم.
والثاني : يملكون بالحيازة والاستيلاء ، لأنّ الاستيلاء على ما ليس بمعصوم من الأموال سبب للملك (٤). ولأنّ ملك الكفّار زال بالاستيلاء ، فلو لم يملكه الغانمون ، بقي الملك (٥) لا مالك له. نعم ، هو ملك ضعيف يسقط بالإعراض ، ولا تجب الزكاة فيه قبل اختيار التملّك على الأظهر.
والثالث : أنّ ملكهم موقوف ، إن سلمت الغنيمة إلى أن اقتسموا ، ظهر
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٣.
(٢) الأنفال : ١.
(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٣.
(٤) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : الملك. وما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
(٥) في « ق ، ك » : ملك.
أنّهم ملكوها بالاستيلاء ، وإلاّ بان بالموت أو الأعراض عدم الملك ، لأنّ قصد الاستيلاء على المال لا يتحقّق إلاّ بالقسمة ، لما تقدم من أنّ الغرض إعلاء كلمة الله تعالى ، فإذا اقتسموا تبيّنّا قصد التملّك بالاستيلاء.
وإذا قلنا بالوقف ، قال الجويني : لا نقول : نتبين بالقسمة أنّ حصّة كلّ واحد من الغانمين على التعيين صارت ملكا بالاستيلاء ، بل نقول : إذا اقتسموا ، تبيّنّا أنّهم ملكوا الغنائم أوّلا ملكا مشاعا ثمّ تتميّز الحصص بالقسمة (١).
مسألة ٩٢ : لو وقع في المغنم من يعتق على بعض الغانمين ، لم يعتق حصّته ما لم يقع في حصّته ، ولم يمنعه ذلك عن الإعراض ، قاله بعض الشافعيّة (٢).
وقال الشيخ : الذي يقتضيه المذهب أن نقول : ينعتق منه نصيبه منه ، ويكون الباقي للغانمين (٣). وبه قال أحمد (٤).
وقال الشافعي : إنّه لا ينعتق عليه لا كلّه ولا بعضه (٥). وهو مقتضى قول أبي حنيفة (٦).
لنا : ما تقدّم من أنّ الملك يثبت للغانمين بالاستيلاء التامّ وقد وجد ،
__________________
(١) الوجيز ٢ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٣.
(٢) الوجيز ٢ : ١٩٣.
(٣) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٣٢ ـ ٣٣.
(٤) المغني ١٠ : ٥٥٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٣ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٤٩.
(٥) مختصر المزني : ٢٧٤ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٨ ، المغني ١٠ : ٥٥٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٣.
(٦) المغني ١٠ : ٥٥٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٣.
ولأنّ ملك الكفّار قد زال ولا يزول إلاّ إلى المسلمين ، وهو أحدهم ، فيكون له نصيب مشاع في الغنيمة ، فينعتق عليه ذلك النصيب.
احتجّ الشافعي : بأنّه لم يحصل تملّك تام ، إذ للإمام أن يعطيه حصّته من غيره ، فنصيبه غير متميّز من الغنيمة.
قال الشيخ : والأوّل أقوى (١).
ثمّ قال الشيخ (٢) : ينعتق نصيبه ، ولا يلزمه قيمة ما يبقى للغانمين ، لأصالة البراءة ، ولا دليل على شغلها (٣). والقياس على المعتق باطل ، لأنّ هناك إنّما وجب عليه التقويم ، لأنّ العتق صدر عنه.
أمّا لو جعله الإمام في نصيبه أو نصيب جماعة هو أحدهم ، فإنّه ينعتق نصيبه قولا واحد.
ولو رضي بالقسمة ، فالأقرب التقويم عليه ، لأنّ ملكه برضاه.
هذا إذا كان موسرا ، ولو كان معسرا ، عتق قدر نصيبه ، ولم يقوّم عليه الباقي.
ولو أسر أباه منفردا به ، لم ينعتق عليه ، لأنّ الأسير لا يصير رقيقا بالأسر ، بل باختيار الإمام ، لأنّ للإمام حقّ الاختيار إن شاء قتله ، وإن شاء استرقّه ، وان شاء منّ عليه ، وإن شاء فأداه ، فإن اختار الإمام استرقاقه ، عتق على السبابي أربعة أخماسه ، وقوّم الخمس عليه إن كان موسرا ، قاله بعض الشافعيّة (٤).
قال : ولو أسر امّه ، أو ابنه الصغير ، فإنّه يصير رقيقا بالأسر ، فإن
__________________
(١ و ٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٣٢ ـ ٣٣.
(٣) أي : شغل الذمّة.
(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٩.
اختار تملّكهما ، عتق عليه أربعة أخماسهما ، وقوّم الباقي عليه إن كان موسرا ، وإن كان معسرا ، رقّ الباقي ، وإن لم يختر (١) التملّك ، كان أربعة الأخماس لمصالح المسلمين وخمسه لأهل الخمس (٢).
قال : ولو أنّ حربيا باع من المسلمين امرأته وقد قهرها ، جاز. ولو باع أباه أو ابنه بعد قهرهما ، لم يجز ، لأنّه إذا قهر زوجته ، ملكها ، فيصحّ بيعها ، وإذا قهر أباه أو ابنه ، ملكه فعتق عليه فلا يجوز بيعه (٣).
ولو أعتق بعض الغانمين عبدا من الغنيمة قبل القسمة ، فإن كان ممّن لم يثبت فيه الرقّ ، كالرجل قبل استرقاقه ، لم يعتق ، لأنّه عليهالسلام قال : « لا عتق إلاّ في ملك » (٤) وإن كان ممّن يملك ، كالصبي والمرأة ، فالوجه عندنا أنّه يعتق عليه قدر حصّته ويسري إلى الباقي ، فيقوّم عليه ، ويطرح باقي القيمة في المغنم.
هذا إذا كان موسرا ، وإن كان معسرا ، عتق عليه قدر نصيبه ، لأنّه موسر بقدر حصّته من الغنيمة ، فإن كان بقدر حصّته من الغنيمة ، عتق ولم يأخذ من الغنيمة شيئا ، وإن كان دون حصّته (٥) ، أخذ باقي نصيبه ، وإن كان أكثر ، عتق قدر نصيبه.
ولو أعتق عبدا آخر وفضل من حقّه عن الأوّل شيء ، عتق بقدره من
__________________
(١) في الطبعة الحجريّة : لم يتخيّر.
(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٦ ـ ٤٤٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٩.
(٣) لم نعثر عليه في المصادر المتوفّرة لدينا.
(٤) سنن أبي داود ٢ : ٢٥٨ ـ ٢١٩٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٨٦ ـ ١١٨١ ، سنن البيهقي ٧ : ٣٢٠ ، سنن سعيد بن منصور ١ : ٢٥٣ ـ ١٠٢٧ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٢ : ٤١٩ بتفاوت يسير.
(٥) في « ق ، ك » : « حقّه » بدل « حصّته ».
الثاني ، وإن لم يفضل شيء ، كان عتق الثاني باطلا.
مسألة ٩٣ : ليس للغانم وطء جارية المغنم قبل القسمة ، فإن وطئ عالما بالتحريم ، حدّ بقدر نصيب غيره من الغانمين قلّوا أو كثروا ، وبه قال مالك وأبو ثور والشافعي في القديم (١).
وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد : لا حدّ ، للشبهة (٢).
قال الشافعي : بل يعزّر ، ولا ينفذ الاستيلاد في نصيبه. وإن قلنا : يملك ، ففي نفوذه للشافعيّة وجهان ، لضعف الملك (٣).
وقيل : إن قلنا : يملك ، نفذ ، وإن قلنا : لا يملك ، فوجهان ، كاستيلاد الأب جارية الابن ، فإن نفذ في نصيبه وهو موسر بما يخصّه من الغنيمة أو بغيره ، سرى ، والولد جميعه حرّ ، وفي وجوب قيمة حصّة غيره من الولد إشكال ينشأ من أنّه ينتقل الملك إليه قبل العلوق أو بعده؟
وأمّا الحدّ : فلا يجب ، والمهر يجب جميعه إن قلنا : لا ملك له ، ويوضع في المغنم ، وإن قلنا : يملك ، حطّ عنه قدر حصّته (٤).
__________________
(١) المغني ١٠ : ٥٥٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٩ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٤.
(٢) الامّ ٤ : ٢٦٩ ـ ٢٧٠ ، مختصر المزني : ٢٧٤ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٣٥ ، الوجيز ٢ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٢ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧٠ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٢٢ ، المغني ١٠ : ٥٥٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢١.
(٣ و ٤) الوجيز ٢ : ١٩٣ ، وانظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٩ وما بعدها ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٦٤ وما بعدها ، والحاوي الكبير ١٤ : ٢٣٥ وما بعدها.
ولو وطئها جاهلا بالتحريم ، فلا حدّ إجماعا ، لأنّ الشركة شبهة ، وهو غير عالم. وأمّا المهر : فقال الشيخ : لا يجب عليه المهر ، لعدم الدلالة على شغل الذمّة به (١).
وقال الشافعي : يجب عليه ، لأنه وطئ (٢) في غير ملك سقط فيه الحدّ عن الواطئ ، فيجب المهر ، كوطء الأب جارية ابنه (٣).
ولو أوجبنا المهر ثمّ قسّمت الغنيمة فحصلت الجارية في نصيبه ، لم يسقط ، لأنّه وجب بالوطي السابق.
ولو أحبلها ، قال الشيخ : يكون حكم ولدها حكمها ، فيكون له منه بقدر نصيبه من الغنيمة ، ويقوّم بقيّة سهم الغانمين عليه ، ويلزمه سهم الغانمين ، وينظر فإن كانت القيمة قدر حقّه ، فقد استوفى حقّه ، وإن كان أقلّ ، أعطي تمام حقّه ، وإن كان أكثر ، ردّ الفضل ، ويلحق به الولد لحوقا صحيحا ، لأنّه شبهة ، وتكون الجارية أمّ ولده (٤). وبه قال الشافعي وأحمد (٥).
وقال أبو حنيفة : يكون الولد رقيقا ولا يلحق نسبه ، لأنّ وطيه لم يصادف
__________________
(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٣٢.
(٢) في « ق » : وطؤ.
(٣) الوجيز ٢ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٣٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٤ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٣٥ ، حلية العلماء ٧ : ٦٧١ ، المغني ١٠ : ٥٥٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢١.
(٤) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٣٢.
(٥) مختصر المزني : ٢٧٤ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٣٦ و ٢٣٧ ، الوجيز ٢ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٦ ، المغني ١٠ : ٥٥٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢١.
ملكا ، لأنّ الغانم يملك بالقسمة (١).
وليس بجيّد ، لأنّ ملكهم (٢) يتحقّق بالاستيلاء ، فلهم نصيب.
قال الشيخ : هذه الجارية تصير أمّ ولده في الحال (٣). وبه قال أحمد (٤).
وقال الشافعي : لا تصير أمّ ولد في الحال ، لأنّها ليست ملكا له ، فإذا ملكها بعد ذلك ، ففي صيرورتها أمّ ولد قولان (٥).
فعلى قول الشيخ تقوّم الجارية عليه ، ويغرم سهم الغانمين (٦). وبه قال أحمد (٧). وللشافعي قولان (٨).
قال الشيخ : إذا وضعت ، نظر فإن كانت قوّمت عليه قبل الوضع ، فلا يقوّم عليه الولد ، لأنّ الولد إنّما يقوّم إذا وضعت وفي هذه الحال وضعته في ملكه ، وإن كانت بعد لم تقوّم عليه ، قوّمت هي والولد معا بعد الوضع ، وأسقط منه نصيبه ، وأغرم الباقي للغانمين (٩) ، لأنّه منع من رقّه ، لشبهة بالوطي.
__________________
(١) بدائع الصنائع ٧ : ١٢٢ ، المغني ١٠ : ٥٥٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٢ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٣٦ و ٢٣٧.
(٢) أي : ملك الغانمين.
(٣) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٣٢.
(٤) المغني ١٠ : ٥٥٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٢.
(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٠ و ٤٤١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٣٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٤ ، المغني ١٠ : ٥٥٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٢.
(٦) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٣٢.
(٧) المغني ١٠ : ٥٥٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٢.
(٨) الحاوي الكبير ١٤ : ٢٣٧ و ٢٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤١ و ٤٤٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٦.
(٩) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٣٢.
وعن أحمد روايتان :
إحداهما : أنّه تلزمه قيمته حين الوضع تطرح في المغنم ، لأنّه فوّت رقّه ، فأشبه ولد المغرور.
والثانية : لا ضمان عليه بقيمته ، لأنّه ملكها حين علقت ، ولم يثبت ملك الغانمين في الولد بحال ، فأشبه ولد الأب من جارية ابنه إذا وطئها ، ولأنّه يعتق حين علوقه ولا قيمة له حينئذ (١).
والحقّ ما قاله الشيخ ، لأنّها قبل التقويم ملك الغانمين. ونمنع عتقه من حين علوقه ، وبعد التقويم ولدت على ملكه ، فكان الولد له ، ولا قيمة عليه للغانمين.
ولو وطئها وهو معسر ، قال الشيخ : تقوّم عليه مع ولدها ، ويستسعى في نصيب الباقين ، فإن لم يسع في ذلك ، كان له من الجارية مقدار نصيبه والباقي للغانمين ، ويكون الولد حرّا بمقدار نصيبه ، والباقي يكون مملوكا لهم ، والجارية أمّ ولد وإن ملكها فيما بعد (٢).
وقال بعض العامّة : إذا وطئها وهو معسر ، كان في ذمّته قيمتها وتصير أمّ ولد ، لأنّه استيلاد جعل بعضها أمّ ولد ، فجعل جميعها أمّ ولد ، كاستيلاد جارية الابن (٣).
وقال آخرون : يحسب عليه قدر حصّته من الغنيمة ، ويصير ذلك المقدار أمّ ولد ، والباقي رقيق للغانمين (٤).
__________________
(١) المغني ١٠ : ٥٥٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٣.
(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٣٢.
(٣ و ٤) المغني ١٠ : ٥٥٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٢.
ولو وطئ الأب جارية من المغنم وليس له نصيب فيها بل لولده ، كان الحكم فيه كما لو وطئ الابن.
البحث الثاني : في الأسارى.
مسألة ٩٤ : الأسارى ضربان : ذكور وإناث ، والذكور إمّا بالغون أو أطفال ،
وهم من لم يبلغ خمس عشرة سنة.
فالنساء والأطفال يملكون بالسبي ، ولا يجوز قتلهم إجماعا ، لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن قتل النساء والولدان (١). ويكون حكمهم مع السبي حكم سائر أموال الغنيمة : الخمس لأهله ، والباقي للغانمين.
ولو أشكل أمر الصبي في البلوغ وعدمه ، اعتبر بالإنبات ، فإن أنبت الشعر الخشن على عانته ، حكم ببلوغه ، وإن لم ينبت ذلك ، جعل من جملة الذرّيّة ، لأنّ سعد بن معاذ حكم في بني قريظة بهذا ، وأجازه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢).
ومن طريق الخاصّة : رواية الباقر عليهالسلام ، قال : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عرضهم يومئذ على العانات ، فمن وجده أنبت قتله ، ومن لم يجده أنبت ألحقه بالذراري » (٣).
وأمّا البالغون الأحرار : فإن أسروا قبل تقضي الحرب وانقضاء القتال ، لم يجز إبقاؤهم بفداء ولا بغيره ، ولا استرقاقهم ، بل يتخيّر الإمام بين قتلهم
__________________
(١) سنن أبي داود ٣ : ٥٤ ـ ٢٦٧٢ ، سنن سعيد بن منصور ٢ : ٢٣٩ ـ ٢٦٢٦ و ٢٦٢٧ ، المصنّف ـ لعبد الرزّاق ـ ٥ : ٢٠٢ ـ ٩٣٨٤ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ١٩ : ٧٥ ـ ١٥٠.
(٢) شرح معاني الآثار ٣ : ٢١٦ ، المغني ٤ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٥٧ ، وانظر : سنن البيهقي ٦ : ٥٨.
(٣) التهذيب ٦ : ١٧٣ ـ ٣٣٩.
وبين قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف فيتركهم حتى ينزفوا بالدم ويموتوا.
وإن أسروا بعد أن وضعت( الْحَرْبُ أَوْزارَها ) وانقضى القتال ، لم يجز قتلهم ، ويتخيّر الإمام بين أن يمنّ عليهم فيطلقهم ، وبين أن يفاديهم على مال ويدفعونه إليه ، ويخلص به رقابهم من العبوديّة ، وبين أن يسترقّهم ويستعبدهم. ذهب إليه علماؤنا أجمع.
وقال الشافعي : يتخيّر الإمام بين أربعة أشياء : أن يقتلهم صبرا بضرب الرقبة ، لا بالتحريق ولا بالتغريق ، ولا يمثّل بهم ، أو يمنّ عليهم بتخلية سبيلهم ، أو يفاديهم بالرجال أو بالمال على ما يراه من المصلحة لا على اختيار الشهوة ، أو يسترقّهم ، ويكون مال الفداء ورقابهم إذا استرقّوا كسائر أموال الغنيمة (١). وهو رواية عن أحمد (٢) ، ولم يفرّقوا بين أن يستأسروا قبل انقضاء القتال أو بعده.
وقال أبو حنيفة : ليس له المنّ والفداء ، بل يتخيّر بين القتل والاسترقاق لا غير (٣).
وقال أبو يوسف : لا يجوز المنّ ، ويجوز الفداء بالرجال دون الأموال (٤).
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٨ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٧٣ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٠ ـ ٤٥١ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٣ ، الأحكام السلطانية ـ للماوردي ـ : ١٣١ ، المغني ١٠ : ٣٩٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٩٩.
(٢) المغني ١٠ : ٣٩٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٩٨ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ١٢٧ ، المحرّر في الفقه ٢ : ١٧٢.
(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠١ ـ ٣٠٢ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٩ ـ ١٢٠ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٤١ ـ ١٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٠ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٧٣ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٤ ، الأحكام السلطانية ـ للماوردي ـ : ١٣١ ، المغني ١٠ : ٣٩٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٩٩.
(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٢ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٩ ـ ١٢٠ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٤١ ـ ١٤٢.
وقال مالك : يتخيّر بين القتل والاسترقاق والفداء بالرجال دون المال (١). وهو رواية عن أحمد (٢) ، وبه قال الأوزاعي وأبو ثور (٣).
وفي رواية عن مالك : لا يجوز المنّ بغير فداء (٤).
وحكي عن الحسن البصري وعطاء وسعيد بن جبير كراهة قتل الأسارى (٥).
لنا : قوله تعالى ( فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً ) (٦).
وقتل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم بدر عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث (٧).
وروى العامّة : أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قتل عقبة صبرا (٨). وقتل أبا عزّة يوم أحد (٩). ومنّ على ثمامة بن أثال (١٠). وقال في أسارى بدر : « لو كان مطعم ابن عدي حيّا ثمّ سألني في هؤلاء النتنى (١١) لأطلقتهم له » (١٢) وفادى أسارى
__________________
(١) الأحكام السلطانيّة ـ للماوردي ـ : ١٣١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٠.
(٢ ـ ٥) المغني ١٠ : ٣٩٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٩٩.
(٦) سورة محمد : ٤.
(٧) الحاوي الكبير ١٤ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٠ ، المغني ١٠ : ٣٩٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٠٠.
(٨) المغني ١٠ : ٣٩٤.
(٩) سنن البيهقي ٩ : ٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٠ ، المغني ١٠ : ٣٩٤.
(١٠) سنن البيهقي ٦ : ٣١٩ ، و ٩ : ٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٠ ، المغني ١٠ : ٣٩٤.
(١١) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : « السبي » بدل « النتنى ». وما أثبتناه من المصادر. وفي النهاية ـ لابن الأثير ـ ٥ : ١٤ « نتن » : النتنى يعني أسارى بدر ، واحدهم نتن ، كزمن وزمنى ، سمّاهم نتنى ، لكفرهم. انتهى.
(١٢) سنن أبي داود ٣ : ٦١ ـ ٢٦٨٩ ، سنن البيهقي ٦ : ٣١٩ ، مسند أحمد ٥ : ٣٥ ـ ١٦٢٩١ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٢ : ١١٧ ـ ١٥٠٥ ، المغني ١٠ : ٣٩٤.
بدر ـ وكانوا ثلاثة وسبعين رجلا ـ كلّ واحد بأربعمائة (١). وفادى رجلا أسره أصحابه برجلين أسرتهما ثقيف من أصحابه (٢).
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « لم يقتل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رجلا صبرا قطّ غير رجل واحد عقبة بن أبي معيط ، وطعن ابن أبي خلف فمات بعد ذلك » (٣).
ولأنّ كلّ خصلة من هذه الخصال قد تكون أصلح من غيرها في بعض الأسرى ، فإنّ ذا القوّة والنكاية في المسلمين قتله أنفع وبقاؤه أضرّ ، والضعيف ذا المال لا قدرة له على الحرب ، ففداؤه أصلح للمسلمين ، ومنهم من هو حسن الرأي في الإسلام ويرجى إسلامه ، فالمنّ عليه أولى أو يرجى بالمنّ عليه المنّ على الأسارى من المسلمين (٤) ، أو يحصل بخدمته نفع ويؤمن ضرره ، كالصبيان والنساء ، فاسترقاقه أولى ، والإمام أعرف بهذه المصالح ، فكان النظر إليه في ذلك كلّه.
وأمّا الذي يدلّ على التفصيل : قول الصادق عليهالسلام : « كان أبي يقول : إنّ للحرب حكمين : إذا كانت الحرب قائمة لم تضع أوزارها ولم تضجر أهلها ، فكلّ أسير أخذ في تلك الحال فإنّ الإمام فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه ، وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم وتركه يتشحّط في دمه حتى يموت » إلى أن قال : « والحكم الآخر : إذا وضعت( الْحَرْبُ أَوْزارَها ) وأثخن أهلها فكلّ أسير أخذ على تلك الحال وكان في أيديهم فالإمام فيه
__________________
(١) المغني ١٠ : ٣٩٤.
(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٠.
(٣) التهذيب ٦ : ١٧٣ ـ ٣٤٠.
(٤) في « ق ، ك » : على أسارى المسلمين.
بالخيار إن شاء منّ عليهم (١) ، وإن شاء فاداهم أنفسهم ، وإن شاء استعبدهم ، فصاروا عبيدا » (٢).
احتجّ مالك بأنّه لا مصلحة في المنّ بغير عوض (٣). وهو ممنوع.
واحتجّ عطاء بقوله تعالى ( فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً ) (٤) فخيّره بعد الأسر بين هذين لا غير (٥).
وهو تخيير في الأسير بعد انقضاء الحرب.
واحتجّ أبو حنيفة : بقوله تعالى ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (٦) بعد قوله ( فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً ) (٧) لأنّ آية المنّ نزلت بمكة وآية القتل نزلت بالمدينة في آخر سورة نزلت ، وهي براءة ، فيكون ناسخا (٨).
ونمنع النسخ ، فإنّ العامّ والخاصّ إذا تعارضا ، عمل بالعامّ في غير صورة الخاصّ.
وهذا التخيير ثابت في كلّ أصناف الكفّار ، سواء كانوا ممّن يقر على دينه بالجزية ، كأهل الكتاب ، أو لا ، كأهل الحرب ـ وبه قال الشافعي (٩) ـ لأنّ الحربيّ كافر أصلي ، فجاز استرقاقه كالكتابيّ ، ولأنّ حديث الصادق (١٠) عليهالسلام
__________________
(١) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : « عليه » بدل « عليهم ». وما أثبتناه من المصادر.
(٢) الكافي ٥ : ٣٢ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ١٤٣ ـ ٢٤٥ بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.
(٣) المغني ١٠ : ٣٩٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٩٩.
(٤) سورة محمد : ٤.
(٥) المغني ١٠ : ٣٩٣ ـ ٣٩٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٩٩.
(٦) التوبة : ٥.
(٧) سورة محمّد : ٤.
(٨) انظر : بدائع الصنائع ٧ : ١٢٠ ، والمغني ١٠ : ٣٩٤ ، والشرح الكبير ١٠ : ٣٩٩.
(٩) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٧ ، روضة الطالبين. ٧ : ٤٥١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٧٦ ، المغني ١٠ : ٣٩٣ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٩٨.
(١٠) انظر الهامش (٢).
عامّ في كلّ أسير.
وقال الشيخ : إن أسر رجل بالغ ، فإن كان من أهل الكتاب أو ممّن له شبهة كتاب ، فالإمام مخيّر فيه على ما مضى بين الأشياء الثلاثة ، وإن كان من عبدة الأوثان ، تخيّر الإمام فيه بين المفادة والمنّ ، ويسقط الاسترقاق (١). وبه قال أبو سعيد الإصطخري (٢). وعن أحمد روايتان (٣).
وقال أبو حنيفة : يجوز في العجم دون العرب (٤). وهو قول الشافعي في القديم (٥).
واحتجّ الشيخ بأنّه لا يجوز له إقرارهم بالجزية ، فلا يجوز له إقرارهم بالاسترقاق.
ونمنع الملازمة ، ويبطل بالنساء والصبيان ، فإنّهم يسترقّون ولا يقرّون بالجزية.
وهذا التخيير تخيير مصلحة واجتهاد لا تخيير شهوة ، فمتى رأى الإمام المصلحة في خصلة من هذه الخصال ، تعيّنت عليه ، ولم يجز العدول عنها ، ولو تساوت المصالح ، تخيّر تخيير شهوة.
وقال مالك : القتل أولى (٦).
__________________
(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٢٠.
(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ١٧٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٠.
(٣) المغني ١٠ : ٣٩٣ و ٣٩٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٩٨.
(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٠٢ ، بدائع الصنائع ٧ : ١١٩ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٠ : ١١٧ ـ ١١٨ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ٢ : ١٦٠ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٧٦ ، المغني ١٠ : ٣٩٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٩٨.
(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٥٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥١.
(٦) المغني ١٠ : ٣٩٥ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٠٠.
مسألة ٩٥ : الأقرب جواز استرقاق بعض الشخص ، والفداء والمنّ في الباقي.
وللشافعية وجهان بناء على القولين في أنّ أحد الشريكين إذا أولد الجارية المشتركة وهو معسر ، يكون الولد كلّه حرّا ، أو يكون بقدر نصيب الشريك رقيقا؟ فعلى تقدير عدم الجواز قالوا : إذا ضرب الرقّ على بعضه ، رقّ الكلّ. وقال بعضهم : يجوز أن يقال : لا يرقّ شيء (١).
وإن اختار الفداء ، جاز الفداء بالمال سلاحا كان أو غيره. ويجوز أن يفدي بأسارى المسلمين. ويجوز أن يفديهم بأسلحتنا في أيديهم ، ولا يجوز ردّ أسلحتهم في أيدينا بمال يبذلونه ، كما لا يجوز بيع السلاح منهم. وفي جواز ردّها بأسارى المسلمين وجهان ، والأقرب عندي : الجواز.
وأمّا العبيد إذا وقعوا في الأسر ، كانوا كسائر الأموال المغنومة لا يتخيّر الإمام فيهم ، لأنّ عبد الحربي ماله ، لأنّه لو أسلم في دار الحرب ولم يخرج ولا قهر سيّده ، لم يزل ملك الحربيّ عنه ، وإذا سباه المسلمون ، كان عبدا مسلما لا يجوز المنّ عليه ، ويجوز استرقاقه ، ولو لا أنّه مال ، لجاز تخلية سبيله كالحرّ ، ولما جاز استرقاقه ، لأنّه مسلم. وهذا قول أكثر الشافعيّة (٢).
وقال بعضهم : لو رأى الإمام قتله ، لشرّه وقوّته ، قتله وضمن قيمته للغانمين (٣).
والأولى عندي جواز قتله من غير ضمان ، دفعا لشرّه.
مسألة ٩٦ : لو أسلم الأسير بعد الأسر ، سقط عنه القتل إجماعا ، لما
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥١.
(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٠.
(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤١٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٥٠.