السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-188-2
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٣٩
وأمر بإخراج حامل الكتاب ، فأخرج. فقعد على راحلته وسار ..
فلما ذهب عن كسرى سورة غضبه ، بعث في طلب حامل الكتاب ، فطلب ، فلم يوجد.
ووصل إلى النبي «صلىاللهعليهوآله» ، وأخبره بما جرى ، فقال «صلىاللهعليهوآله» : مزق كسرى ملكه.
وقيل : دعا عليهم أن يمزقوا كل ممزق ، وقال : اللهم مزق ملكه (١).
وفي نص آخر : أنه دعا بالجلمين (أي المقراض) فقطعه ، ثم دعا بالنار فأحرقه ، ثم ندم وقال : لا بد أن أهدي له هدية.
قال : فكلمه عبد الله بن حذافة كلاما شديدا (٢).
ولا ينافي ذلك ما قاله اليعقوبي ، من أن كسرى كتب إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» كتابا جعله بين سرقتي حرير ، وجعل فيهما مسكا .. فلما دفعه الرسول إلى النبي «صلىاللهعليهوآله» ، فتحه ، فأخذ قبضة من المسك فشمه ، وناوله أصحابه.
وقال : لا حاجة لنا في هذا الحرير ، وليس من لباسنا ، وقال :
لتدخلن أمري ، أو لآتينك بنفسي ، ومن معي ، وأمر الله أسرع من ذلك. فأما كتابك فأنا أعلم به منك ، فيه كذا وكذا.
ولم يفتحه ، ولم يقرأه ، ورجع الرسول إلى كسرى ، وأخبره الخبر (٣).
__________________
(١) راجع المصادر المتقدمة.
(٢) تاريخ بغداد ج ١ ص ١٣٢ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٢٩.
(٣) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٧٧ وراجع : مسند أحمد ج ١ ص ٩٦ و ١٤٥ والطبقات الكبرى ج ١ ص ٣٨٩ والبحار ج ٢٠ ص ٣٨٩ (هامش) وتاريخ بغداد ج ١ ـ
وإنما قلنا : إن هذا لا ينافي ذاك ؛ لأن من الجائز : أن كسرى قد مزق الكتاب أولا ، ثم عاد فتدارك الأمر بإرسال الهدية لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» ثانيا .. ولكنه شفعها بالتهديد والوعيد.
وربما أرسل إليه مع تلك الهدية ترابا أيضا.
فقد قال ابن شهر آشوب : إن كسرى مزق الكتاب ، وبعث إليه بتراب ، فقال «صلىاللهعليهوآله» : مزق الله ملكه كما مزق كتابي. أما إنكم ستمزقون ملكه. وبعث إليّ بتراب : أما إنكم ستملكون أرضه.
فكان كما قال (١).
عدوانية كسرى تجاه رسول الله صلىاللهعليهوآله :
ويؤيد ما قلناه آنفا أيضا : ما يذكرونه من : أن كسرى كتب إلى (باذان) عامله باليمن : أن يسير إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ويستتيبه ، فإن تاب ، وإلا فليبعث إليه برأسه.
وفي نص آخر : أمره أن يبعث إلى الحجاز رجلين ليأتيانه برسول الله «صلىاللهعليهوآله» ..
فأرسل (باذان) قهرمانه ورجلا آخر إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بكتاب كسرى ، وكتب إليه يأمره بالمسير معهما إلى كسرى.
فدخلا على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بزي الفرس ، وقد حلقا
__________________
ـ ص ١٣٢ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٢٨.
(١) المناقب ج ١ ص ٥٥ وفي (ط أخرى) ص ٧٠ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٢٩ والبحار ج ٢٠ ص ٣٨١ وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٣٦٢.
لحاهما ، وأعفيا شواربهما. فكره النظر إليهما ، وقال : ويلكما من أمركما بهذا؟
قالا : أمر ربنا (يعنيان كسرى).
فقال «صلىاللهعليهوآله» : لكن أمر ربي بإعفاء لحيتي ، وقص شاربي ، فأبلغاه بما جاءا به ، فأجلهما إلى الغد.
وأتى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» الخبر من السماء ، بأن الله قد سلط على كسرى ابنه فقتله في شهر كذا ، لكذا وكذا ، في ليلة كذا.
فلما أتاه الرسولان قال لهما : إن ربي قد قتل ربكما ليلة كذا وكذا ، من شهر كذا وكذا ، بعدما مضى من الليل سبع ساعات ، سلط عليه شيرويه فقتله (١).
وفي نص آخر : أنه «صلىاللهعليهوآله» تركهم خمس عشرة ليلة لا يكلمهم ولا ينظر إليهم إلا إعراضا .. ثم أمرهم أن يقولوا لباذان : إن ديني وسلطاني سيبلغ إلى منتهى الخف والحافر وقال : قولا له : إنك إن أسلمت
__________________
(١) وهي ليلة الثلاثاء ، لعشر ليال مضين من جمادى الأولى سنة سبع.
راجع : الطبقات الكبرى ج ١ ق ٢ ص ١٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٧٠ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٩٧ وعمدة القاري ج ٢ ص ٢٨ وج ١٨ ص ٥٨ وعن فتح الباري ج ٨ ص ٩٦ والبحار ج ٢٠ ص ٢٩١ و ٣٧٧ و ٣٩٠ ودلائل النبوة لأبي نعيم ص ٢٩٥ والإصابة ج ١ ص ٦٣٢ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٢٣٠ عنهم ، والخرايج والجرايح ج ١ ص ٦٤ ودرر الأخبار ص ١٧٤ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٧ ص ٣٥٧ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٣٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥٠٩.
أعطيتك ما تحت يديك ، وملكتك على قومك (١).
فخرج الرسولان ، وقدما على باذان ، وأخبراه بما جرى ، فقال : والله ، ما هذا كلام ملك ، وإني لأراه نبيا ، ولننظرن ..
إلى أن قال : فلم يلبث باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه ، يخبره بقتل كسرى ، ويقول له : «وانظر الرجل الذي كان كسرى يكتب إليك فيه ، فلا تزعجه ، حتى يأتيك أمري فيه» (٢).
فأسلم باذان ، وأسلم من معه باليمن من أبناء فارس ، وبعث إلى النبي «صلىاللهعليهوآله» بإسلامه ، وإسلامهم (٣).
__________________
(١) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٢٣٠ و ٢٣١ عن البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٧٠ وعن السيرة النبوية لدحلان ، وعن السيرة الحلبية ، وعن الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٠٤ وعن دلائل النبوة لأبي نعيم ص ٢٩٥ والبحار ج ٢٠ ص ٣٩١ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٧٩ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٣٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥١٠.
(٢) أرجع العلامة الأحمدي في مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٣١ إلى : السيرة الحلبية ، والسيرة النبوية لدحلان والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٠٧ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٢٩٧ والبحار ج ٢٠ ص ٣٩١ ورسالات نبوية والإصابة ج ١ ص ١٦٩ و ١٧٠ في ترجمة بابويه وتأريخ الخميس ج ٢ ص ٣٧ ودلائل النبوة لأبي نعيم ص ٢٩٥ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٣٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٥١٠.
(٣) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٣١ عن المصادر التالية : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٧٧ وما بعدها والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج ٣ ص ٦٥ وسيرة ابن هشام ج ١ ص ٤٥ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٦٨ وج ٦ ص ٣٠٦ والكامل ـ
قريش في مهب الريح :
وحين سمعت قريش بما كان من كسرى ، وبإرساله إلى باذان بأوامره فيما يتعلق بالنبي «صلىاللهعليهوآله» ، فرحوا واستبشروا ، وقالوا : قد نصب له كسرى ملك الملوك. كفيتم الرجل.
ولكنهم حين سمعوا برجوع الرسولين ، وقتل كسرى ، وإسلام باذان ، ومن معه من أبناء فارس باليمن ، صار رجاؤهم خيبة ، وسرورهم هما وغما (١).
باذان ملك اليمن :
فلما بلغ النبي «صلىاللهعليهوآله» إسلام باذان ، ومن معه بعث إليه بنيابة اليمن كلها ، وخاطبه في رسالته بملك اليمن ، فراجع (٢).
__________________
ـ ج ٢ ص ٢١٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٦٥٤ وعمدة القاري ج ٢ ص ٢٨ وج ١٨ ص ٥٨ وج ٢٥ ص ٢٠ وفتح الباري ج ٨ ص ٩٦ وحياة الصحابة ج ١ ص ١١٥ ـ ١١٧ ومجمع الزوائد ج ٨ ص ٢٨٨ والطبقات ج ١ ق ٢ ص ١٦ وابن أبي شيبة ج ٤ ص ٣٣٧ و ٣٣٨ ورسالات نبوية ص ٩٤ والمعرفة والتاريخ ج ٣ ص ٢٦٢ وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج ٧ ص ٣٥٥ و ٣٥٦ والإصابة ج ١ ص ١٦٩ وراجع ص ١٧٠ في ترجمة بابويه وفي ترجمة باذان أيضا والبحار ج ٢٠ ص ٣٨٠ و ٣٨٢ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٣٨٧ وتأريخ الخميس ج ٢ ص ٣٤ و ٣٥ ودلائل النبوة لأبي نعيم ص ٢٩٢ ـ ٢٩٥ والمنتظم ج ٣ ص ٢٨٣.
(١) راجع المصادر المتقدمة.
(٢) مجموعة الوثائق السياسية لمحمد حميد الله ص ١٧٨ و ١٦٠ عن تاريخ بيهق لابن فندق ص ١٤١ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٣٣ والبداية والنهاية ج ٦ ص ٣٣٨.
ولم يعزله عنها حتى مات ، أو قتله الأسود العنسي.
ففرق رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ولايات اليمن بعد موت باذان على ما يقرب من عشرة رجال هم : شهر بن باذان ، وعامر بن شهر الهمداني ، وأبو موسى الأشعري ، وخالد بن سعيد ، ويعلى بن أمية ، وعمرو بن حزم ، وزياد بن لبيد ، والطاهر بن أبي هالة ، وعكاشة بن ثور المهاجر ، أو عبد الله (١).
باذان وعقله :
وقد ظهر من كل ذلك الذي ذكرناه : أن باذان كان رجلا حكيما عاقلا ، ومنصفا ، وأنه لم يتخذ موقفه من رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بدافع الهوى والعصبية ، أو الغرور والعنجهية الطاغية ، أو من خلال حسابات مصلحية ، ومطامع دنيوية ، بل كان الرجل المتأني ، الذي لا يستكبر عن قبول
__________________
(١) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٣٣ عن المصادر التالية : البداية والنهاية ج ٦ ص ٣٠٧ والبحار ج ٢١ ص ٤٠٧ وتاريخ ابن خلدون ج ٢ ص ٥٩ والتراتيب الإدارية ج ١ ص ٢٤١ والإصابة ج ١ ص ١٧٠ و ٧٥٩ وج ٢ ص ٢٢٢ في ترجمة طاهر بن أبي هالة والطبري ج ٢ ص ٦٥٥ و ٦٥٦ وج ٣ ص ١٥٨ و ٢٢٧ ـ ٢٢٩ والكامل ج ٢ ص ٢١٤ و ٣٠٤ و ٣٣٦ وعمدة القاري ج ٢ ص ٢٩ وج ١٨ ص ٥٨ وج ٢٥ ص ٢٠ والوثائق ص ١٧٨ وحياة الصحابة ج ١ ص ١١٤ والبحار ج ٢١ ص ٤٠٧ والطبقات ج ١ ق ٢ ص ١٦ ورسالات نبوية ص ٩٤ و ٩٥ والمعرفة والتأريخ ج ٣ ص ٢٦٢ ـ ٢٦٦ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٣٥ ـ ٣٧ وأسد الغابة ج ١ ص ١٦٣.
الحق ، حين ظهور دلائله.
كفاية باذان :
كما أن تولية النبي «صلىاللهعليهوآله» له على اليمن كلها ما دام حيا ، يدل على ثقته «صلىاللهعليهوآله» بكفايته وبتدبيره ، حتى لقد احتاج «صلىاللهعليهوآله» إلى حوالي عشرة رجال ليقوموا مقامه بعد وفاته أو استشهاده على يد الأسود العنسي.
فرحم الله باذان ، وهنيئا له ثقة رسول الله «صلىاللهعليهوآله» به ، وأناله في الآخرة شفاعته إنه ولي قدير.
باذان لم يسلم طمعا :
ولا ينبغي أن يفهم من طريقة تعامل النبي «صلىاللهعليهوآله» مع باذان : أنه «صلىاللهعليهوآله» ، قد أعطاه رشوة على إسلامه ، وذلك لأن باذان قد أسلم استنادا إلى ظهور معجزة وكرامة الرسول «صلىاللهعليهوآله» ؛ لاقتناعة بصدق رسول الله «صلىاللهعليهوآله» فيما يقول ، حيث ظهر له صحة ما أخبر به من قتل كسرى على يدي ابنه ، وذلك قبل حدوث هذا القتل ، بالإضافة إلى شواهد ودلائل أخرى وجدها في رسائله ، وفي ما يدعو إليه ، وفي سلوكه مع المبعوثين الذين أرسلهم إليه ، وربما من أمور أخرى عرفها عنه أيضا ..
ويدل على أنه «صلىاللهعليهوآله» قد أخبره بالقتل قبل وقوعه : رسالته له التي يقول فيها : «إن الله وعدني أن يقتل كسرى في يوم كذا وكذا ، فانتظر ذلك».
وقد يقال : إن هذا ينافي ما تقدم ، من قوله «صلىاللهعليهوآله» لرسل باذان ، وهم عنده في المدينة : «إن ربي قد قتل ربكما ليلة كذا وكذا ، من شهر كذا وكذا ، بعد ما مضى من الليل سبع ساعات ، سلط عليه شيرويه فقتله».
وأن ذلك قد حصل ليلة الثلاثاء لعشر مضين من شهر جمادى الأولى سنة سبع.
ويمكن أن يجاب : بأن رسالته لباذان صريحة في : أنه «صلىاللهعليهوآله» قد أخبرهم : بأن ذلك سوف يحصل لكسرى. وأن الذي يتولى ذلك منه هو ابنه .. فهي أولى بالاعتبار ؛ لأن شاهد صدقها هو : إسلام باذان ، استنادا إلى ظهور صدق ما أخبره به فيها.
فلعل في الكلمات المنقولة عنه «صلىاللهعليهوآله» مع رسولي باذان ، بعض التصرف الذي أوجب خللا فيها ..
أو يقال : لعله أرسل الرسالة إلى باذان قبل عودة رسوليه إليه ، وقبل أن يخبرهما بالأمر.
بل قد يحاول البعض أن يقول : إن التعبير بصيغة الماضي في قوله : «قتل ربكما» وقوله : «سلط عليه شيرويه» ما هو إلا إخبار عن المستقبل بصيغة الماضي ، للدلالة على أن هذا الأمر المستقبلي قد قضي وحتم حتى ليصح الإخبار عن حصوله فعلا ، فهو نظير ، قول الواهب : أعطيتك ألف درهم ، في إشارة منه إلى أن ذلك حتمي إلى حد يمكن أن يقال عنه : إنه قد حصل ومضى وانتهى ..
تفاؤل رسول الله صلىاللهعليهوآله :
وقد ذكرت النصوص المتقدمة : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» قد تكلم بما يفيد : أنه تفاءل بتمزيق ملك كسرى ؛ لأن كسرى مزق كتابه ، وبأنه يملك بلاده ؛ لأن كسرى أرسل إليه من ترابها.
ونحن وإن كنا قد قدمنا في جزء سابق بعض الحديث عن موضوع التفاؤل ، الأمر الذي أغنانا عن إعادة ذلك هنا.
غير أننا نشير : إلى أنه لا دليل على أن قوله «صلىاللهعليهوآله» هذا قد جاء على سبيل التفاؤل ، بل هو إخبار غيبي لا بد أن يعتبر من أعلام النبوة ، ومن دلائلها ، التي تشير إلى أنه «صلىاللهعليهوآله» قد تلقى ذلك عن الله تعالى ، وهذا هو جزاء كسرى على جرأته على الله ورسوله ، وهو العقوبة العادلة له على بغيه ، وإجرامه في حق الدين والإنسانية ، حيث بادر إلى تمزيق كتاب رسول الله «صلىاللهعليهوآله» من دون أي مبرر لذلك سوى ما كان يضج في باطنه من خبث ، وصلف ، وما كان يعتلج في صدره من سوء سريرة ، وسقوطه الشائن والمهين في حمأة الجهل ، والبغي ، والاستكبار ، ومن يكون كذلك فإنه يستحق هذه العقوبة الإلهية ولا يتوقع له سوى الخذلان والخزي والخسران الأكيد ، والاندحار الذليل أمام دعوة الحق والصدق ، والعدل ، والهدى.
كما أن إعلان النبي «صلىاللهعليهوآله» للناس بهذا الأمر ، من شأنه أن يربط على قلوب المؤمنين منهم ، وأن يكبت أعداءهم ، ويكون ذلك للأجيال الآتية ، الذين يشاهدون صدق هذا الخبر ، سبيل هداية ونجاة ..
حلقا لحاهما :
ومما يثير الانتباه أيضا موقف النبي «صلىاللهعليهوآله» من رسولي باذان ، حين رآهما وقد حلقا لحاهما ، وأعفيا شواربهما ، حيث كره النظر إليهما ، واعترض عليهما بشدة ، وقال : ويلكما من أمركما بهذا؟! ..
فإن هذه الشدة في الاعتراض تشير إلى أن ذلك كان بالغ القبح عنده ، وأن قبحه هذا يدعوه إلى إظهار النفور من فاعله ، حتى لو كان غير مسلم ، أو من أهل بلد لم يدخل في طاعة أهل الإسلام.
والحديث حول حلق اللحية أو إعفائها جوازا ومنعا ليس محله هنا.
الفصل الثالث :
كتاب النبي صلىاللهعليهوآله إلى قيصر
كتاب النبي صلىاللهعليهوآله إلى قيصر :
هذا وقد كتب «صلىاللهعليهوآله» أيضا إلى قيصر كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام ، ونص الكتاب هو التالي :
«بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى.
أما بعد ، فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين و (تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)» (١).
__________________
(١) لقد كفانا العلامة الأحمدي مؤونة تتبع مصادر هذا الكتاب ، حيث أشار في كتابه القيم : مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٩١ و ٣٩٢ إلى المصادر التالية ، وفقا للطبعات المتوفرة لديه : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٧٥ وزيني دحلان ج ٣ ص ٦١ ورسالات نبوية ص ٣١١ ومسند أحمد ج ١ ص ٢٦٣ وتهذيب تأريخ ابن عساكر ج ١ ص ١٤١ وج ٦ ص ٣٩٢ و ٣٩٠ وج ٥ ص ٢٢ واليعقوبي ج ٢ ص ٦٧ وصبح الأعشى ج ٦ ص ٣٦٣ و ٣٦٤ والأموال لابن زنجويه ج ١ ص ١٢٠ وج ٢ ص ٥٨٤ و ٥٨٥ والمنتظم ج ٣ ص ٢٧٨ و ٢٧٩ وكنز العمال ج ٢ ص ٢٧٥ ـ
__________________
ـ وفي (ط أخرى) ج ٤ ص ٢٣٧ (١٩٤٢) (عن أحمد والبيهقي والنسائي) وج ١٠ ص ٣٨٥ و ٤١٧ و ٤١٩ و ٤١١ والدر المنثور ج ٢ ص ٤٠ (عن عبد الرزاق ، والبخاري ، ومسلم ، والنسائي ، وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه) وج ٤ ص ٣٠ ومشكل الآثار للطحاوي ج ٢ ص ٣٩٧ و ٣٩٨ ودلائل النبوة لأبي نعيم ص ٢٩٠ والمعجم الكبير للطبراني ج ٤ ص ٢٦٦ وج ٨ ص ١٧ ـ ٢٧ بطرق متعددة وج ٢٥ ص ٢٣٦ وج ١٢ ص ٢٤٢ ونصب الراية للزيلعي ج ٤ ص ٤١٨ وسنن أبي داود ج ٤ ص ٣٣٥ والأموال لأبي عبيد ص ٣٢ و ٣٦٢ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٤٤ وصحيح البخاري ج ١ ص ٧ و ٨٣ وح ٤ ص ٥٤ و ٥٥ و ٥٧ وج ٦ ص ٤٥ وج ٩ ص ١٩٣ وج ٨ ص ٧٢ وصحيح مسلم ج ٣ ص ١٣٩٦ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٨١ وفي (ط أخرى) ص ٢١٢ والطبري ج ٢ ص ٢٩١ وفي (ط أخرى) ص ٦٤٩ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٦٤ وجمهرة رسائل العرب ج ١ ص ٣٣ والأغاني ج ٦ ص ٩٣ والمواهب اللدنية للقسطلاني ج ٣ ص ٣٨٤ وإعلام السائلين ص ١٠ ـ ١٩ وناسخ التواريخ في سيرة رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ص ٢٧٤ والتراتيب الإدارية ج ١ ص ١٤٢ وثقات ابن حبان ج ٢ ص ٥ وج ١ ص ١ ومآثر الإنافة ج ٣ ص ٢٤٧ وفقه السيرة ص ٣٧١ والتأريخ لابن خلدون ج ٢ ق ٢ ص ٣٦ وتأريخ الخميس ج ٢ ص ٣٣ والفائق للزمخشري ج ١ ص ٣٦ و ١٤ وحياة الصحابة ج ١ ص ١١٠ وتفسير القرطبي ج ٤ ص ١٠٥ وتفسير المنار ج ٣ ص ٣٢٨ وزاد المعاد لابن القيم ج ٣ ص ٦٠ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٣٧٩ و ٣٨٠ و ٣٨٤ وعبد الرزاق ج ٥ ص ٣٤٦ والوثائق ص ١٠٧ / ٢٦ وقال : قابل مسند أحمد ج ٣ ص ١٣٣ وج ٤ ص ٧٤ و ٧٥ وأشار إلى المجلات العصرية المتعرضة للكتاب ونقله أيضا عن جمع ممن تقدم (وعن تفسير النسائي ج ٣ ص ٤٤١ والمنتقى لأبي نعيم ورقة ١٣٢ وصبح الأعشى ج ٦ ص ٣٧٦ ومفيد العلوم ومبيد الهموم للقزويني ص ١٧ ووسيلة ـ
مضامين الكتاب :
وبالمراجعة والمقارنة بين كتاب النبي «صلىاللهعليهوآله» لكسرى ، وكتابه لقيصر ، يتضح مدى التوافق بين الكتابين ، باستثناء اختلافات يسيرة فيما بينهما ، سوف نحاول الإلماح إلى بعض ما تمس الحاجة إليه ، فنقول :
__________________
ـ المتعبدين ص ٨ مخطوطة بانكى پور في الهند ورقة ٢٧ والإمتاع للمقريزي (خطية كوپر لو) ص ١٠١٢ والمبعث والمغازي للتيمي خطية ورقة ١٢ والوفاء لابن الجوزي ص ٧٢٤) وراجع : مدينة البلاغة ج ٢ ص ٢٤٧ ومرقاة المصابيح ج ٤ ص ٢٢١ ومشكاة المصابيح بهامش المرقاة ص ٢٢١ وحياة محمد لهيكل ص ٣٥٢ والمصباح المضيء ج ٢ ص ٧٧ ونشأة الدولة الإسلامية ص ٢٩٩ و ٣٠٠.
وأشار إلى الكتاب : الترمذي ج ٥ ص ٦٨ والبحار ج ٢١ ص ٢٨٦ وج ١٧ ص ٢٠٧ وج ١٥ ص ٣٠ وج ٤ ص ١٠٠ وج ٢٠ ص ٣٨٦ والجامع للقيرواني ج ١ ص ٢٨٨ والطبقات الكبرى ج ١ ق ٢ ص ١٦ وج ٤ ق ١ ص ١٨ والتنبيه والإشراف ص ٢٢٦ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ١٧٧ وج ١٠ ص ١٣٠ و ١٣١ ومسند أحمد ج ١ ص ٢٦٢ وتفسير گازر ج ٢ ص ٦٥ وتفسير ابن كثير ج ١ ص ٣٧١ وتفسير الثعالبي ج ١ ص ٢٧٥ وابن هشام ج ٤ ص ٢٥٤ والنهاية لابن الأثير في «دعى» و «أرس» وكذا في لسان العرب. وراجع : فتح الباري ج ١٣ ص ٤٣٠ وج ١ ص ٣٥ وج ٦ ص ٧٩ وج ٨ ص ١٦٥ والعمدة ج ١ ص ٧٩ وج ١٤ ص ٢١٠ وج ١٨ ص ١٤٤ وعون المعبود ج ٤ ص ٤٩٨ و ٤٩٩ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٣٠٦ والأم للشافعي ج ٤ ص ١٧١.
يؤتك الله أجرك مرتين :
ورد في الكتاب قوله «صلىاللهعليهوآله» : «يؤتك الله أجرك مرتين» وهذا يتضمن إشارات لأمور عديدة ، منها :
أولا : لقد ذكر له «إيتاء الأجر» لا إعطاءه ، والإيتاء يتضمن معنى الجزاء بل قد فسر به (١).
وهو أيضا يشير إلى : أن ما يصل إليه إنما هو أحد طرفي معاملة أو فقل مبادلة من طرفين ، فهو نظير آسى ، وآكل أي أن الإيتاء إعطاء على سبيل المقابلة بشيء قد أوجب ذلك ، ودعا إليه .. وقد يستبطن ذلك معنى السهولة واليسر أيضا.
ثانيا : إن هذا الإيتاء الذي جاء على سبيل المقابلة والجزاء على فعل الإسلام ، إنما هو من الله تعالى ، فلا منة فيه لأحد عليه ، ولا يطلب منه شكر ومكافأة لمخلوق مثله ..
ثالثا : إن هذا العطاء داخل في مقولة الأجر والمثوبة التي أوجبها إيمان ؛ يعتبر عند الله عملا محترما ، ومحفوظا لعامله الذي قام به باختياره ، وليس استجابة لعملية ابتزاز ، وقهر ، وإخضاع مذل. بل هو أمر فرضه على العامل معرفته بواقع كونه مربوبا ، لا بد أن يؤدي فروضه وواجباته بأمانة وصدق وإخلاص.
رابعا : لعل إيتاء الأجر مرتين ، إنما كان لأجل إيمانه نفسه.
أو ربما يكون الأجر مرتين هو أجر الدنيا وأجر الآخرة ..
__________________
(١) راجع : لسان العرب ج ١ ص ٦٧.
أو ربما لأجل إيمانه نفسه وايمان قومه.
وربما يكون ذلك جاريا وفق السنة في أهل الكتاب ، فقد قال تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ، وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ، أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (١).
وروي عن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» أنه قال : «من أسلم من أهل الكتاب فله أجره مرتين» (٢).
وذلك لأن أهل الكتاب ينالون أجرهم مرة بصبرهم على أذى الطواغيت ، وأذى المنحرفين عن الحق ، وذلك في المرحلة السابقة على ظهور نبينا الأكرم «صلىاللهعليهوآله». وينالون أيضا أجرا آخر من أجل إيمانهم بمحمد رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، وتحملهم الأذى في جنب الله تعالى.
إثم الأريسيّين :
وقد جاء في الكتاب إلى هرقل : «فإن توليت ، فإنما عليك إثم الأريسيّين».
وقد ذكر العلامة الأحمدي «رحمهالله» : اختلافات الناقلين في هذه
__________________
(١) الآيات ٥٢ ـ ٥٤ من سورة القصص.
(٢) راجع : المعجم الكبير ج ٨ ص ١٩١ وبمعناه في ص ٢١٢ والسنن الكبرى ج ٧ ص ١٢٨ ومشكل الآثار ج ٢ ص ٢١٥ و ٣٩٤ ومسند أحمد ج ٥ ص ٢٥٩ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٩٥ عنهم ، ومجمع الزوائد ج ١ ص ٩٣ والدر المنثور ج ٥ ص ١٣٣ وكنز العمال ج ١ ص ٩٦ وجامع البيان ج ٢٧ ص ٣١٧ وتفسير القرآن العظيم ج ٣ ص ٤٠٥.
الكلمة أو الفقرة (١) ، لا نرى حاجة للتعرض لها ههنا ..
غير أن علينا أن نشير إلى المراد بهذه الكلمة ، فنقول :
قد تقدم بعض الحديث عن المراد بها ، حين الكلام عن كتابه «صلىاللهعليهوآله» إلى ملك الفرس ، ونضيف إلى ذلك هنا : أن أقرب الوجوه في معناها هو :
أن المراد بالأريسيّين : أتباع آريوس أسقف الإسكندرية ، الذين كانوا يقولون بالتوحيد الخالص ، وأنكروا التثليث ، واعتبروا المسيح عبدا من عباد الله المخلصين.
وكانوا قد كثروا وانتشرت دعوتهم ، فأخاف ذلك الإمبرطور الروماني قسطنطين ، الذي كان وثنيا وتنصر ، فجمع عددا كبيرا من الأساقفة ، بلغ (٣١٨) أسقفا .. وبعد مناقشات حامية وفي ظل الترهيب والتخويف سيطر أنصار التثليث على أتباع آريوس ، وفرضوا عقيدة التثليث ، وحوصر أتباع آريوس بقرار الكنيسة بمنع تداول عقائدهم (٢).
وقال أبو عبيد : إن الأريسيّين هم الخدم والخول (٣) ، الذين يصدهم أربابهم عن الدين والحق.
وقيل : هم الأكّارون ـ لأنهم كانوا عندهم من الفرس ، وهم عبدة
__________________
(١) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٩٦ و ٣٩٧.
(٢) راجع : تاريخ الفكر المسيحي (تأليف حنا الخضري) ج ١ ص ٦١٧ ، ودائرة المعارف للبستاني ، كلمة «أرس».
(٣) الأموال ص ٣٣ والنهاية في اللغة ج ١ ص ٣٨ ولسان العرب ج ١ ص ١١٧ وعن فتح الباري ج ٨ ص ١٦٧.
النار ، فجعل عليهم إثمهم ؛ إذ كانوا سببا في عدم إيمانهم.
وقيل : أتباع عبد الله بن أريس ـ رجل كان في الزمن الأول ـ قتلوا نبيا بعثه الله إليهم.
وقيل : الأريسيّون : الملوك ، واحدهم إرّيس ، فالملك هو إرّيسهم الذي يجيبون دعوته ويطيعون أمره.
وقيل : هم العشّارون (١).
ما جرى عند ملك الروم :
ونحن نذكر هنا : ما جرى عند ملك الروم ، ونختار النص الذي أورده العلامة الأحمدي «رحمهالله» ، وهو التالي :
«وكتب مع دحية إلى قيصر كتابا ، يدعوه إلى الله تعالى ودين الإسلام ، وأمره أن يدفعه إلى قيصر ، فلما وصل دحية إلى الحارث ملك غسان ، أرسل معه عدي بن حاتم ليوصله إلى قيصر.
فلما ذهب به إليه ، قال قومه لدحية : إذا رأيت الملك فاسجد له ، ثم لا ترفع رأسك أبدا حتى يأذن لك.
قال دحية : لا أفعل هذا أبدا ، ولا أسجد لغير الله.
قالوا : إذا لا يؤخذ كتابك.
فقال له رجل منهم : أنا أدلك على أمر يؤخذ فيه كتابك ولا تسجد له.
__________________
(١) النهاية في غريب الحديث ج ١ ص ٤٢ ولسان العرب ج ٦ ص ٦ وراجع : السيرة النبوية لدحلان (بهامش السيرة الحلبية) ج ٣ ص ٦٠ والبحار ج ٢٠ ص ٣٨٨ و ٣٩٦ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٩٧.
فقال دحية : وما هو؟
قال : إنه له على كل عتبة منبرا يجلس عليه ، فضع صحيفتك تجاه المنبر حتى يأخذها هو ثم يدعو صاحبها ، ففعل.
فلما أخذ قيصر الكتاب وجد عليه عنوان كتاب العرب ، وقال : إن هذا كتاب لم أره بعد سليمان :
بسم الله الرحمن الرحيم
فدعا الترجمان الذي يقرأ بالعربية ثم قال : انظروا لنا من قومه أحدا نسأله عنه».
أبو سفيان عند ملك الروم :
وروي عن ابن عباس ، عن أبي سفيان ، أنه قال : «في الهدنة التي كانت بيني وبين رسول الله «صلىاللهعليهوآله» خرجت للتجارة إلى الشام ، فبينا أنا بالشام إذ جيء بكتاب من رسول الله «صلىاللهعليهوآله» إلى هرقل ، فأرسل هرقل إليه في ركب من قريش ، فأتوه وهم بإيلياء ، فدعاهم في مجلسه ، وعلى رأسه تاج ، وحوله عظماء الروم ، ودعا بترجمانه ، فقال : أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي.
فقال أبو سفيان : أنا أقربهم نسبا.
فقال : ادنوه مني ، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره ، ثم قال : إني سائل هذا عن هذا الرجل ، فإن كذبني فكذبوه ، فقال : حدثني عن هذا الذي خرج بأرضكم ما هو؟
قلت : شاب.