مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٨
الوجوه ...
ولو ذكرنا التناقضات الأخرى الموجودة بينهم لطال بنا المقام.
ومن طرائف الأمور جعل البخاري كلام النبي خلعا ، ولذا ذكر الحديث في باب الشقاق من كتاب الطلاق ..!! لكن القوم لم يرتضوا ذلك فحاروا فيه :
قال العيني : «قال ابن التين : ليس في الحديث دلالة على ما ترجم.
أراد : أنه لا مطابقة بين الحديث والترجمة.
وعن المهلب : حاول البخاري بإيراده أن يجعل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (فلا آذن) خلعا.
ولا يقوى ذلك. لأنه قال في الخبر : (إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي فدل على الطلاق. فإن أراد أن يستدل بالطلاق على الخلع فهو ضعيف.
وقيل : في بيان المطابقة بين الحديث والترجمة بقوله : يمكن أن تؤخذ من كونه صلىاللهعليهوآلهوسلم أشار بقوله : (فلا آذن) إلى أن عليا رضي الله تعالى عنه يترك الخطبة. فإذا ساغ جواز الإشارة بعدم النكاح التحق به جواز الإشارة بقطع النكاح.
وأحسن من هذا وأوجه ما قاله الكرماني بقوله : أورد هذا الحديث هنا لأن فاطمة رضي الله تعالى عنها ما كانت ترضى بذلك ، وكان الشقاق بينها وبين علي رضي الله تعالى عنه متوقعا ، فأراد صلىاللهعليهوآلهوسلم دفع وقوعه.
وقيل : يحتمل أن يكون وجه المطابقة من باقي الحديث ، وهو : (إلا أن يريد علي أن يطلق ابنتي) فيكون من باب الإشارة بالخلع.
وفيه تأمل» (٧٣).
وقال القسطلاني : «استشكل وجه المطابقة بين الحديث والترجمة وأجاب في الكواكب فأجاد : بأن كون فاطمة ما كانت ترضى بذلك فكان الشقاق بينها وبين علي
__________________
(٧٣) عمدة القاري ٢٠ / ٥ ٢٦
متوقعا ، فأراد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم دفع وقوعه بمنع علي من ذلك بطريق الايماء والإشارة.
وقيل غير ذلك مما فيه تكلف وتعسف» (٧٤).
أقول : وهل ما ذكره الكرماني في الكواكب واستحسنه العيني والقسطلاني خال من التكلف والتعسف؟!
إنه يبتني على احتمالين ، أحدهما : أن لا ترضى فاطمة بذلك. والثاني : أن ينجر ذلك إلى الشقاق بينهما.!!
وهل كان منعه صلىاللهعليهوآلهوسلم عليا من ذلك ـ دفعا لوقوع الشقاق ـ بطريق الايماء والإشارة؟! أو كان بالخطبة والتنقيص والغض والتهديد؟!
نتيجة التأملات :
ونتيجة التأملات في ألفاظ هذا الحديث :
١ ـ إن قول المسور «وأنا محتلم» يورث الشك في سماعه الحديث من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكذا عدم المناسبة المعقولة بين طلبه للسيف من الإمام زين العابدين عليهالسلام وإخباره بالقصة ، ثم إلحاحه في طلب السيف ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : فاطمة بضعة مني!
٢ ـ إن ألفاظ الحديث مختلفة ومعانيها متفاوتة جدا ، بحيث لم يتمكن شراحه من بيان وجه معقول للجمع بين تلك الألفاظ. ولما كانت الحال هذه والقصة واحدة فلا محالة يقع الشك في أصل الحديث.
٣ ـ إن مدلول الحديث لا يتناسب وشأن أمير المؤمنين والزهراء ، وفوق ذلك لا يتناسب وشأن النبي صاحب الشريعة الغراء. وحتى لو فعل علي ما لا يجوز ... لما ثبت من أنه :
__________________
(٧٤) إرشاد الساري ١٥٢ / ٨.
«كان إذا بلغه عن الرجل الشئ لم يقل : ما بال فلان يقول. ولكن يقول : ما بال أقوام يقولون : كذا وكذا».
و : «كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قل ما يواجه رجلا في وجهه شئ يكرهه».
وقال : (من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موؤودة " (٧٥).
وقد التفت ابن حجر إلى هذه الناحية حيث قال : «وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قل أن يواجه أحدا بما يعاب به» ثم اعتذر قائلا : «ولعله إنما جهر بمعاتبة علي مبالغة في رضا فاطمة عليهاالسلام.» (٧٦).
لكنه كما ترى ، أما أولا : فلم يرتكب علي عيبا. وأما ثانيا : فإن الذي صدر من النبي ما كان معاتبة. وأما ثالثا : فإن المبالغة في رضا فاطمة عليهاالسلام إنما تحسن ما لم تستلزم هتكا لمؤمن فكيف بعلي ، وليس دونها عنده إن لم يكن أعز وأحب.
٤ ـ وكما أن هذا الحديث تكذبه أحكام الشريعة الإسلامية والسنن النبوية والآداب المحمدية. كذلك تكذبه الأخبار الصحيحة في أن الله هو الذي اختار عليا لنكاح فاطمة ، وأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم رد كبار الصحابة وقد خطبوها (٧٧) ومن المعلوم أن الله لا يختار لها من يؤذيها بشئ مطلقا.
٥ ـ وتكذبه أيضا سيرة الإمام علي عليهالسلام وأحواله مع أخيه المصطفى منذ نعومة أظفاره حتى آخر لحظة من حياة النبي الكريمة ، فلم ير منه شئ يخالف الرسو ل أو يكرهه.
__________________
(٧٥) هذه الأحاديث متفق عليها ، وقد أخرجها أصحاب الصحاح كلهم في باب الأدب وغيره. أنظر منها : سنن أبي داود ٢٨٨ / ٢
(٧٦) فتح الباري ٦٨ / ٧.
(٧٧) أنظر : مجمع الزوائد ٩ / ٢٠٤ ، كنز العمال ٦ / ١٥٢ ، ذخائر العقبى : ٣١ ـ ٣٢ ، الرياض النضرة ٢ / ١٨٣ ، الصواعق : ٨٤.
تنبيهان :
١ ـ لقد كانت فاطمة الزهراء سلام الله عليها بضعة النبي صلىاللهعليهوآله وسلم حقا ، ولقد كرر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله : «فاطمة بضعة مني.» غير مرة ، تأكيدا على تحريم أذاها ، وأن سخطها وغضبها سخطه وغضبه ، وسخطه سخط الله وغضبه. وبألفاظ مختلفة متقاربة في المعنى.
وقد روى عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم هذا الحديث غير واحد من الصحابة ، منهم أمير المؤمنين عليهالسلام نفسه. قال ابن حجر : «وعن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لفاطمة : إن الله تعالى يرضى لرضاك ويغضب لغضبك» (٧٨).
قال : «وأخرج ابن أبي عاصم ، عن عبد الله بن عمرو بن سالم المفلوج ، بسند من أهل البيت عن علي أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لفاطمة : إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك» (٧٩).
ولسنا ـ الآن ـ بصدد ذكر رواة هذا الحديث وأسانيده عن الصحابة. وبيان قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك في مناسبات متعددة. فذاك أمر معلوم.
كما أن ترتيب المسلمين الأثر الفقهي عليه منذ عهد الصحابة وإعطائهم فاطمة ما كان للنبي من حكم ، معلوم.
فالسهيلي الحافظ حكم بكفر من سبها وأن من صلى عليها فقد صلى على أبيها ، وكذا الحافظ البيهقي ، وقال شراح الصحيحين بدلالته على حرمة أذاها. (٨٠) وقال الزرقاني المالكي : «إنها تغضب من سبها ، وقد سوى بين غضبها وغضبه ، ومن أغضبه
__________________
(٧٨) تهذيب التهذيب ١٢ / ٤٦٩ ، الإصابة ٤ / ٣٧٨.
(٧٩) الإصابة ٤ / ٣٧٨.
(٨٠) فتح الباري ، إرشاد الساري ، عمدة القاري ، المنهاج. وغيرها.
كفر» (٨١) وقال المناوي : «استدل به السهيلي على أن من سبها كفر ، لأنه يغضبه ، وأنها أفضل من الشيخين. قال الشريف السمهودي : ومعلوم أن أولادها بضعة منها فيكونون بواسطتها بضعة منه.» (٨٢).
ومن قبلهم أبو لبابة الأنصاري نزلها منزلة النبي بأمر من النبي. قال الحافظ السهيلي : «إن أبا لبابة رفاعة بن المنذر ربط نفسه في توبة ، وإن فاطمة أرادت حله حين نزلت توبته ، فقال : قد أقسمت ألا يحلني إلا رسول الله صلىاللهعليهوآله وسلم. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن فاطمة بضعة مني. فصلى الله عليه وعلى فاطمة. فهذا حديث يدل على أن من سبها فقد كفر ، ومن صلى عليها فقد صلى على أبيها».
ليس المقصود ذلك.
بل المقصود هو أن هذا الحديث جاء في الصحيحين وغيرهما عن «المسور بن مخرمة» ـ في باب فضائل فاطمة ـ مجردا عن قصة خطبة علي ابنة أبي جهل ، قال ابن حجر : «وفي الصحيحين عن المسور بن مخرمة : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله وسلم على المنبر يقول : فاطمة بضعة مني ، يؤذيني ما آذاها ، ويريبني ما رابها» (٨٣) روياه عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة ، عن المسور بن مخرمة.
بل لم نجده عند البيهقي والخطيب التبريزي إلا مجردا كذلك (٨٤) ، وكذا في الجامع الصغير ، حيث لا تعرض للقصة لا في المتن ولا في الشرح (٨٥).
والملاحظ أنه لا يوجد في هذا السند المجرد واحد من ابني الزبير والزهري والشعبي والليث. وأمثالهم.
__________________
(٨١) شرح المواهب اللدنية ٢٠٥ / ٣.
(٨٢) فيض القدير ٤ / ١ ٤ ٢.
(٨٣) الإصابة ٤ / ٣٧٨.
(٨٤) سنن البيهقي ٧ / ٦٤ و ١٠ / ٢٠١ ، مشكاة المصابيح ٣ / ١٧٣٢ وقال : متفق عليه.
(٨٥) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير ـ ٢٤١ / ٤.
ونحن نحتج بهذا الحديث. كسائر الأحاديث. وإن جرحنا (المسور) و (ابن أبي مليكة «لأن» الفضل ما شهدت به الأعداء).
لكن أغلب الظن أن القوم وضعوا قصة الخطبة ، وألصقوها بالمسور وروايته. لغرض في نفوسهم ، ومرض في قلوبهم. حتى جاء ابن تيمية المجدد لآثار الخوارج ، والمشيد للأباطيل على موضوعاتهم ليقول :
«إن هذا الحديث لم يرو بهذا اللفظ بل روي بغيره ، كما ذكر في حديث خطبة علي لابنة أبي جهل لما قام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خطيبا ، فقال : إن بني هشام بن المغيرة. رواه البخاري ومسلم في الصحيحين من رواية علي بن الحسين والمسور بن مخرمة ، فسبب الحديث خطبة علي لابنة أبي جهل ... (٨٦).
لكن الحقيقة لا تنطلي على أهلها ، والله الموفق.
٢ ـ قد أشرنا في مقدمة البحث أن وجود الحديث ـ أي حديث كان ـ في كتابي البخاري ومسلم وغيرهما من الكتب المعروفة بالصحاح لا يلزمنا القول بصحته ، ولا يغنينا عن النظر في سنده ، فلا يغرنك إخراجهم الحديث في تلك الكتب ، ولا يهولنك الحكم ببطلان حديث مخرج فيها. وهذا مما تنبه إليه المحققون من أهل السنة وبحث عنه غير واحد من علماء الحديث والكتاب المعاصرين. ولنا في هذا الموضوع بحث مشبع نشرناه في العدد (١٤) من هذه النشرة ، وصدر من بعد ضمن كتابنا (التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف) أيضا.
تتمة :
وكأن القوم لم يكفهم وضع حديث خطبة ابنة أبي جهل ، فوضعوا حديثا آخر ، فيه أن أمير المؤمنين عليهالسلام خطب أسماء بنت عميس! لكنه واضح العوار جدا ، فلذا لم يخرجه أصحاب صحاحهم ، بل نص المحققون منهم على سقوطه :
__________________
(٨٦) منهاج السنة ١٧٠ / ٢.
قال ابن حجر : «أسماء بنت عميس قالت : خطبني علي بن أبي طالب ، فبلغ ذلك فاطمة ، فأتت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالت : إن أسماء متزوجة عليا! فقال لها : ما كان لها أن تؤذي الله ورسوله» (٨٧).
وقال الهيثمي : «رواه الطبراني في الكبير والأوسط.
وفيهما من لم أعرفه» (٨٨).
ونحن لا نتكلم على هذا الموضوع الآخر سوى أن نشير إلى أن واضعه قال : (فأتت النبي فقالت : إن أسماء متزوجة عليا " وليس : «هذا علي ناكح ابنة أبي جهل». وقال عن النبي أنه قال لفاطمة : «ما كان لها أن تؤذي الله ورسوله» ولم يقل عنه أنه صعد المنبر وخطب وقال : «ما كان له.»!!
كلمة الختام :
قد استعرضنا ـ بعون الله تعالى ـ جميع طرق هذا الحديث ، ودققنا النظر في رجاله وأسانيده ، وفي ألفاظه ومداليله. فوجدناه حديثا مختلقا من قبل آل الزبير ، فإن رواته :
«عبد الله بن الزبير».
و (عروة بن الزبير ،).
و (المسور بن مخرمة «وكان من أعوان (عبد الله» وأنصاره والمقتولين معه في الكعبة ، وكان من الخوارج ، وكان ...
و «عبدالله بن أبي مليكة» وهو قاضي الزبير ومؤذنه.
و «الزهري» وهو الذي كان يجلس مع «عروة بن الزبير» وينالان من أمير المؤمنين عليهالسلام ... وكان ...
و «شعيب بن راشد» وهو راوية (الزهري».
__________________
(٨٧) المطالب العالية ٦٧ / ٤.
(٨٨) مجمع الزوائد ٩ / ٢٠٣.
و «أبو اليمان» وهو راوية شعيب.
هؤلاء رؤوس الواضعين لهذه الأكذوبة البينة. وقد عرفتهم واحدا واحدا.
وكل هؤلاء على مذهب إمامهم «عبد الله بن الزبير» الذي اشتهر بعدائه لأهل البيت عليهمالسلام ، وتلك أخباره في واقعة الجمل وغيرها ، ثم حصره بني هاشم في الشعب بمكة فإما البيعة له وإما القتل ، ثم إخراجه محمد بن الحنفية من مكة والمدينة وابن عباس إلى الطائف. وعدائه للنبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم نفسه حتى قطع ذكره صلىاللهعليهوآلهوسلم جمعا كثيرة ، فاستعظم الناس ذلك ه فقال : إني لا أرغب عن ذكره ، ولكن له أهيل سوء ، إذا ذكرته أتلعوا أعناقهم ، فأنا أحب أن أكبتهم!! مذكورة في التاريخ.
وقد قال أمير المؤمنين عليهالسلام كلمته القصيرة المعروفة : «ما زال الزبير رجلا منا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم عبد الله» (٨٩).
فليهذب السنة الشريفة حماتها الغيارى من هذه الافتراءات القبيحة ، والله أسأل أن يوفق المخلصين للعلم والعمل ، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، إنه هو البر الرحيم.
__________________
(٨٩) نهج البلاغة ـ فهرسة صبحي الصالح ـ : ٥٥٥ / ٤٥٣ ، الإستيعاب : ٩٠٤ إلا أنه لم يذكر لفظة (المثؤوم).
من التراث الأدبي المنسي في الأحساء
حسن الجزيري
الشيخ جعفر الهلالي
نسبه :
هو الشيخ حسن بن الحاج عبد المحسن بن حسن الجزيري العمراني الأحسائي.
ولادته :
ترجم له السيد هاشم الشخص في كتابه «أعلام هجر» ، وقال : ولد في قرية «الشوكية» ، ولم يشر إلى تأريخ ولادته.
وذكره الشيخ باقر (١) أبو خمسين وقال : إنه ولد في قرية (غمسي) إحدى قرى العمران بالأحساء عام ١٣٢٢ ه ، ونشأ برعاية والده الحاج عبد المحسن الجزيري ، وأدرك من أيام والده بضعا وعشرين سنة ، وانتقل إلى قرية الصبايخ وهي أيضا إحدى قرى العمران.
دراسته :
ختم القرآن الكريم في آخر العقد الأول من عمره ، وفي منتصف العقد الثاني
__________________
(١) للشيخ باقر أبي خمسين مؤلف لم يكمل في تراجم علماء وشعراء الأحساء لدينا نسخة مصورة عنه.
ذهب إلى قرية الجبيل ملتحقا بصاحب الفضيلة الشيخ عبد الكريم المتن ، وتلقى دروسه العلمية على يده ، فدرس مقدمات العلوم كالنحو والصرف والبيان والمنطق ، كما قرأ عليه دروسا في الفقه والأصول والحكمة الإلهية ، كذلك أخذ عن بعض علماء الأحساء أيضا في سائر المعارف والعلوم ، فكان أحد أهل الفضل والأدب ، قام بوظيفته الدينية ، فأم الجماعة وأفاد في نشر المعارف الدينية.
وكان المترجم بالإضافة إلى منزلته العلمية خطيبا وشاعرا ، وعرف بتقواه.
خطابته :
اقتصر في خطابته الحسينية على مدينة الأحساء ، فكان يرقى الأعواد في الهفوف عاصمة الأحساء ، وفي سائر قرى الأحساء.
شعره :
نظم الشعر ، وكان مكثرا فيه ، كما كان سريع البديهة ، ولكن يغلب على شعره المدح في المناسبات الإخوانية ، وشارك في كثير من المناسبات فرثى بعض العلماء وأرخ لوفياتهم ، وله نظم كثير في أهل البيت عليهمالسلام ، وشعره متوسط في أغلبه ، وقد يأتي فوق المتوسط ، وربما أجاد في بعض قصائده ، ولعل مرد ذلك إلى التسلسل الزمني في نظمه للشعر.
وفاته :
توفي المترجم في قرية العمران من الأحساء في شهر شعبان عام ١٤٠٣ ه.
نماذج من شعره :
قال هذه القصيدة في رثاء الإمام الحسين عليهالسلام ، ولعلها من أحسن شعره :
جلت لنهضة سبط المصطفى الرتب |
|
وفي ذرى المجد مضروب لها طنب |
لله من نهضة للدين ما برحت |
|
تهدي الأنام وفيها تكشف الكرب |
يا حبذا نهضة ماس الوجود لها |
|
إلى علاها نظام الدين ينتسب |
وذاك لما عرى الدين الحنيف عضال |
|
الدا وأضحى بناه منه يضطرب |
يشكو السقام إلى خير الأنام وقد |
|
جد البلا ورجال المجد قد ذهبوا |
هناك شمر حامي الدين كالؤه |
|
تحفه الأهل والإخوان والصحب |
عصابة من بني عدنان شرفهم |
|
إلههم وتعالى منهم النسب |
قام الحسين الذي أم العلا عقمت |
|
عن مثله وبهذا تنطق الكتب |
يذب عن حوزة الإسلام مجتهدا |
|
في فتية كأسود الغاب إذ تثب |
من كل أروع مقدام نماه إلى |
|
المجد المحلق جد ماجد وأب |
وأقبلت عصب الطغيان قد ملؤا |
|
الأرض البسيطة منها الجحفل اللجب |
وحلأت سبط طه عن مواردها |
|
واعصوصب الأمر واشتدت بها النوب |
فشد فيهم فتى العلياء قطب رحى |
|
الأكوان في صارم كالبرق يلتهب |
أم الصباح وقد دك البطاح كما |
|
فل الصفاح وفيض الهام ينسكب |
بكفه صارم كالبرق ملتمع |
|
كأنه النار والأعدا هم الحطب |
فيا لكف حياة الكائنات بها |
|
وفي الكفاحِ بها الأراحُ تنتهبُ |
يفري الطلى ويفل الهام صارمه |
|
لا الطوس مانعة عنه ولا اليلب |
حتى استقام بناء الدين وانهدم |
|
الإلحاد والجور ولى همه الهرب |
وحيث شاء إله العرش بارئه |
|
مما يؤهل من فضل وما يهب |
إن الحسين سراج الدين قاطبة |
|
من نوره قد أضاء البدء والعقب |
هناك ناداه رب العرش وانكسفت |
|
شمس النهار وخرت للثرى الشهب |
والبدر غاب وأطباق السماء غدت |
|
تمور والحجب والأفلاك تضطرب |
ومذ رقى الشمر صدر الطهر واعجبا |
|
هلا غدا الكون بالإعدام ينقلب |
حتى إذا رفع الرأس الكريم على |
|
المباد دكت رواسي الدين والهضب |
والجسم أضحى على الرمضا ترضضه |
|
خيل الأعادي وتسفي فوقه الترب |
وبعد ذا هجمت خيل الضلال على |
|
مخبئات (١) لها من ربها حجب |
وسيروها على عجف النياق بلا |
|
وطا تجوب الفلا والدمع ينسكب |
أمامها أرؤس مثل الشموس بدت |
|
أبراجها في مجاريها القنا السلب |
يؤمها رأس سبط المصطفى وله |
|
نطق بترتيل تنزيل الهدى عذب |
وأعظم الخطب ما أجرى الصخور دما |
|
من هوله تحرق الأحشاء واللبب |
دخول نسوة طه المصطفى ذللا |
|
في مجلس دام فيه اللهو واللعب |
وأبن السفاح يجيل الطرف مبتسما |
|
في نسوة المصطفى يحلو له الطرب |
يسب من لم ربهم في الذكر طهرهم |
|
من الإله عليه الخزي والغضب |
هذا ورأس رئيس الدين من شهدت |
|
بفضله وهداه العجم والعرب |
بالخيزرانة أشقى الخلق يضربه |
|
وشربه الراح لا خوف ولا رهب |
بني أمية بؤتم بالضلال فلا |
|
زلتم بأسفل نار أنتم الحطب |
وقال هذه القصيدة في الإمام الحسن عليهالسلام ، نختار منها ما يلي :
ما مست شوقا لذكرى الخرد العرب |
|
ولا لرشف اللما من ثغرها العذب |
ولا لشمس محيا غادة بزغت |
|
تفتر عن برد كاللؤلؤ الرطب |
ولا لمهضوة الكشحين أثقلها |
|
كثيب ردف أصاب القلب بالوصب |
ولا لفاترة الأجفان حين رنت |
|
رمت سهاما لغير القلب لم تصب |
ولا لقد كغصن البان معطفه |
|
أشد وقعا من العسالة السلب |
لكنما أنا مرتاح ومبتهج |
|
بنعمة بات منها الكون في طرب |
حيث العوالم أضحت وهي ساحبة |
|
أذيال برد التهاني أفخر القشب |
من أجل مولد سبط المصطفى الحسن |
|
الطهر الزكي عظيم المجد والنسب |
__________________
(٢) كذا في الأصل ، ولعل الأصح : مخدرات.
في ليلة النصف من شهر الصيام بدا |
|
مصباح مشكاة مولى العجم والعرب |
أخو الحسين زعيم الدين ناصره |
|
أبو الأئمة أعلام الهدى النجب |
هم علة الكون أقطاب الوجود وهم |
|
مصادر الفيض في بدء وفي عقب |
وهم نجاة الورى في كل مهلكة |
|
هم فلك نوح وهم كشافة الكرب |
فالنيرات اكتست من نورهم قبسا |
|
كمثل شمس الضحى والبدر والشهب |
فرض مودتهم عن أمر بارئهم |
|
جاءت مصرحة في أشرف الكتب |
وله هذه القصيدة في الإمام الحسين عليهالسلام ، نختار منها قوله :
لهفي له أضحى ثلاثا |
|
بالعراء مجدلا |
في عصبة نمت العلا |
|
نماهم عمرو العلا |
وشاركتهم فتية |
|
دعاهم طيب الولا |
فتيان صدق عقمت |
|
عن مثلهم أم العلا |
كل رأى الموت أما |
|
م السبط عذبا سلسلا |
فأرخصوها أنفسا |
|
فاقت بمجد أثلا |
حتى غدا كل فتى |
|
من دمه مغسلا |
وسيرت رؤوسهم |
|
فوق القنا بين الملا |
كأنهم أقمار تم |
|
أو ضيا شمس علا |
ورأس سبط المصطفى |
|
يتلو الكتاب المنزلا |
ونسوة قد ضرب |
|
الله عليها كللا |
سيقت على عجف المطا |
|
بلا حجاب ثكلا |
والعابد السجاد أضحى |
|
بينها مكبلا |
يدعو الأولى فضلهم |
|
علا السماك الأعزلا |
قوموا غضابا وانتضوا |
|
السمر وهزوا الأسلا |
فهذه نسوتكم |
|
أركبن عيسا هزلا |
وله هذه القصيدة في مناسبة يوم الغدير ، نختار منها قوله :
لكنما الدين لم تكمل شرائطه |
|
إلا بحب أمير المؤمنين علي |
لذاك جبريل في حج الوداع أتى |
|
طه بأمر ونهي غير منفصل |
أقم (عليا) إماما للورى علما |
|
مولى لكل موال فهو خير ولي |
فأوقف المصطفى ذاك الحجيج وهم |
|
في العد مائة ألف والمزيد يلي |
في ثامن بعد عشر الحج قد سلفت |
|
والأرض تغلي وحر الشمس كالشعل |
ثم ارتقى منبرا قد كان من قتب |
|
وكفه بيمين الباسل البطل |
كفاهما ارتفعا إبطاهما سطعا |
|
هناك طه دعا والخطب ذو جلل |
فقام فيهم خطيبا والورى زمر |
|
تصغي لحسن مقال منه متصل |
ألست أولى بكم من شأن أنفسكم؟ |
|
قالوا : بلى ، فدعا فورا بلا مهل |
من كنت مولى له من أجل بارئه |
|
فذا علي له (مولى) بلا جدل |
هذا أخي وشقيقي والخليفة من |
|
بعدي على أمتي في العلم والعمل |
ثم الإمامان إن قاما وإن قعدا |
|
سبطاي زينة عرش البارئ الأزلي |
ثم الأئمة من صلب الحسين وهم |
|
في عدهم تسعة كالغيث في المحل |
فهم أساطين دين الله جل وهم |
|
أمان كل البرايا والمقام جلي |
حتى يقوم بأمر الله قائمهم |
|
وخلفه الرسل والأملاك في زجل |
فمن تولى بهم طابت أرومته |
|
وفاز في الحشر بالتيجان والكلل |
ومن قلاهم ووالى غيرهم فله |
|
جهنم مستقر غير منتقل |
لله يوم ب (ختم) فيه قد وثقت |
|
عواصم الدين وانحلت عرى الملل |
لله يوم به أفلاكها ازدهرت |
|
والعرش ماس ببرد الفضل والحلل |
يوم به الملة الغراء مسفرة |
|
تختال آمنة من عثرة الزلل |
والدين معتصم والحق منتظم |
|
والشرك منهزم والشرع في جذل |
وقال هذه الأبيات في تأريخ (نادي الحسين عليهالسلام) المشيد ببلدة التوثير في الأحساء عام ١٣٨٨ ه :
وله هذه القصيدة يرثي بها حجة الإسلام والمسلمين المقدس السيد محمد العلي الموسوي المبرزي ـ المتوفى سنة ١٣٨٨ ه ـ مؤرخا في آخرها وفاته ، في ٤٧ بيتا ، منها قوله :
__________________ (٣) نقلت هذه الأبيات من نسخة بخط الشاعر |
واغبر آفاق السما |
|
فذا الفضاء أسود |
وهذه أفلاكها |
|
عن جريهن ركد |
يا ناعيا حمى الهدى |
|
عز العزا والجلد |
أحرقت أحشاء الورى |
|
بلا عج يتقد |
فذا الملا بدهشة |
|
بخرسة تعدد |
لاطمة هاماتها |
|
والدمع بحر مزبد |
صارخة واها هوى |
|
قطب العلا محمد |
سنامها حسامها |
|
وكنهها المعتمد |
مهيبها مجيبها |
|
العلامة المؤيد |
ذاك الذي ليس له |
|
في العصر ند يوجد |
ويقول في آخرها :
يا حاملا نعشا له |
|
خر السهى والفرقد |
||
تخال جثمانا به |
|
بل طودها ممدد |
||
فاعجب لبحر زاخر |
|
أضحى بقبر يلحد |
||
أفي الضريح خلته |
|
بل للضراح يصعد |
||
|
زفته (٤) حور العين |
|
والولدان نعم المشهد |
|
|
ومذ رقى إلى السما |
|
وأرخوه أنشدوا |
|
(جنات خلد نزل |
|
يسكنها محمد) (٥) |
||
١٣٨٨ ه
__________________
(٤) الأصح أن يقال : الحور العين. لأن «(العين» صفة للحور ، ولا أدري هل أن الضرورة الشعرية ساقته إلى ذلك فأضاف الحور إلى العين؟ أم أنه لم يكن ملتفتا إلى ذلك؟
(٥) وهذه القصائد ـ عدا واحدة منها ـ نقلناها من كتاب «أعلام هجر» لمؤلفه السيد هاشم الموسوي الشخص الأحسائي.
أهل البيت (ع) في المكتبة العربية (١٤) |
|
السيد عبد العزيز الطباطبائي
٤٩٢ ـ مقاتل آل أبي طالب ، أو : مقاتل الطالبيين.
أو : المبيضة في أخبار مقاتل آل أبي طالب.
لأحمد بن عبيد الله بن محمد بي عمار أبي العناس الثقفي الكاتب البغدادي ، المعروف بحمار العزير ، المتوفى في شهر ربيع الأول سنة ٣١٤ د.
ترجم له النديم في الفهرس ص ١٦٦ وقال : «وصحب أبا عبد الله محمد بن داود ابن الجراح ويروي عنه ، وله مجالسات وأخبار. وتوفي سنة ٣١٩.
وله من الكتب : كتاب المبيضة في أخبار مقاتل آل أبي طالب ، كتاب الأنواء. كتاب الزيادات في أخبار الوزراء (لابن الجراح) كتاب أخبار حجر بن عدي ، كتاب رسالته في بني أمية ، كتاب أخبار أبي نؤاس ، كتاب أخبار ابن الرومي والاختيار من شعره ، كتاب رسالته في تفضيل بني هاشم وأوليائهم وذم بني أمية وأتباعهم. كتاب رسالته في مثالب معاوية ،.
وترجم له الخطيب في تاريخ بغداد ٢٥٢ / ٤ وقال : («له مصنفات في مقاتل الطالبيين وغير ذلك».
وترجم له ياقوت في معجم الأدباء ١ / ٢٢٣ ـ ٢٢٨ ترجمة مطولة وعد من شيوخه : عمر بن شبة ، ومن الراوين عنه : أبا الفرج الأصفهاني ، قال : (وذكره أبو عبيد الله