الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-174-5
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤٨٨
نعم في صحيح معاوية بن عمار : « المستحاضة تنتظر أيّامها فلا تصلّ فيها ولا يقربها بعلها ، فإذا جازت أيّامها ورأت دماً يثقب الكرسف اغتسلت » إلىٰ آخره (١) . وهذا له نوع دلالة علىٰ عدم الوجوب ، واحتمال القول فيه واسع المجال (٢) .
وممّا يؤيّد الوجوب النهي عن الاغتسال في خبر محمد بن مسلم السابق نقله (٣) .
غير أنّ الحقّ رجحان الاستحباب ، لثبوت التعارض ، وقد ذكرت ما لا بد منه في حاشية التهذيب أيضاً .
وما يوجد في كلام بعض الأصحاب من أنّا إذا قلنا باستحباب الاستظهار ، واختارت فعل العبادة ، ففي وصفها بالوجوب إشكال ، لجواز تركها لا إلىٰ بدل ، ولا شيء من الواجب كذلك (٤) . فقد قدمنا في هذا الكتاب كلاماً يصلح أن يكون جواباً ( عن هذا ) (٥) وهو أنّ المستحب في الاختيار ، فلو اختارت الطهر كانت العبادة (٦) واجبة ، ولا بعد فيه ، هذا .
ولا يخفىٰ أنّ مفاد الأخبار المبحوث عنها كون الاستظهار بيوم أو يومين كما في الأوّل ، وبيوم أو يومين أو ثلاثة كما في الثاني والثالث ، وبثلاثة كما في الرابع ، والمنقول عن الشيخ في النهاية الاستظهار بيوم أو
__________________
(١) التهذيب ١ : ١٧٠ / ٤٨٤ ، وسائل الشيعة ٢ : ٣٧١ ابواب الاستحاضة ب ١ ح ١ .
(٢) ليست في « رض » .
(٣) في ص ٤٣٧ .
(٤) مدارك الأحكام ١ : ٣٣٤ .
(٥) ما بين القوسين ليس في « رض » .
(٦) في « رض » و « د » : الصلاة .
يومين (١) ، وكذلك عن ابن بابويه (٢) والمفيد (٣) . وعن الجمل : أنّ القطنة إذا خرجت فهي بعد حائض تصبر حتىٰ تنقىٰ (٤) . وعن المرتضىٰ في المصباح إلىٰ عشرة أيّام (٥) . وقد عرفت دلالة الأخبار وصحة بعضها لا يخفىٰ بعد الاعتبار ، وسيأتي ما يصلح دليلاً لبعض الأقوال . وعلىٰ الله سبحانه الاتكال .
اللغة :
الاستظهار قال في المعتبر : هو طلب ظهور الحال في كون الدم حيضاً أو طهراً (٦) .
قال :
فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد ابن عمرو بن سعيد الزيات ، عن يونس بن يعقوب قال ، قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : امرأة رأت الدم في حيضها حتىٰ جاوز وقتها متىٰ ينبغي لها أن تصلّي ؟ قال : « تنتظر عدّتها التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة أيّام ، فإن رأت الدم دماً صبيباً فلتغتسل في كل وقت صلاة » .
فالوجه في قوله عليهالسلام : « تستظهر بعشرة أيّام » أن نحمله علىٰ أنّ المعنىٰ إلىٰ عشرة أيّام ، لأنّ ذلك أكثر أيّام الحيض ، وإنّما يجب
__________________
(١) حكاه عنه في المعتبر ١ : ٢١٤ ، وهو في النهاية : ٢٤ .
(٢) حكاه عنه في المعتبر ١ : ٢١٤ .
(٣) حكاه عنه في المعتبر ١ : ٢١٤ .
(٤) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) ١٦٣ .
(٥) نقله عنه في المعتبر ١ : ٢١٤ .
(٦) في « فض » : زيادة : وعلىٰ الله سبحانه الاتكال .
الاستظهار بيوم أو يومين إذا كانت العادة دون ذلك .
والذي يدل علىٰ ذلك :
ما أخبرني به الشيخ رحمهالله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن موسىٰ بن الحسين (١) ، عن أحمد ابن هلال ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في المرأة ترىٰ الدم فقال : « إن كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة ، وإن كانت أيّامها عشرة لم تستظهر » .
وأخبرني الشيخ رحمهالله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن داود مولىٰ أبي المغراء ، عمّن أخبره ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سألته عن المرأة تحيض ثم يمضي وقت طهرها وهي ترىٰ الدم ، فقال : « تستظهر بيوم إن كان حيضها دون عشرة (٢) أيّام ، وإن استمرّ الدم [ بعد العشرة ] (٣) فهي مستحاضة ، فإن (٤) انقطع الدم اغتسلت وصلّت » .
السند :
في الأوّل : موثق بيونس بن يعقوب (٥) .
والثاني : فيه موسىٰ بن الحسين كما ترىٰ ، وفي التهذيب موسىٰ بن
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ١٥٠ / ٥١٧ : الحسن .
(٢) في النسخ : العشرة ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٥٠ / ٥١٨ .
(٣) ما بين المعقوفين ليس في النسخ ، اثبتناه من الاستبصار ١ : ١٥٠ / ٥١٨ .
(٤) في النسخ : وإن ، وما اثبتناه من الاستبصار ١ : ١٥٠ / ٥١٨ .
(٥) فإنه فطحي ثقة ، انظر رجال الكشي ٢ : ٦٨٢ / ٧٢٠ ، ورجال النجاشي : ٤٤٦ / ١٢٠٧ .
الحسن (١) وهو الظاهر ، لأنّ موسىٰ بن الحسين غير موجود في الرجال ، وإن كان هذا لا يضرّ بالحال كما لا يخفىٰ .
ثم إنّ موسىٰ بن الحسن مشترك بين رجلين ، أحدهما ثقة والراوي عنه الحميري ، وهو في مرتبة سعد بن عبد الله ، والآخر لم أعلم زمانه وليس بثقة (٢) .
وأحمد بن هلال قد تقدم القول فيه (٣) ، وأنّ الشيخ ضعّفه (٤) وفيه مع ما ذكر الإرسال .
والثالث : فيه مع الإرسال داود مولىٰ أبي المغراء ، ولم أره الآن في الرجال .
المتن :
في الأوّل : ظاهر الدلالة علىٰ ما يقوله المرتضىٰ رضياللهعنه بعد إرادة الاستظهار إلىٰ عشرة (٥) كما ذكره الشيخ ، وإن كان في كلام الشيخ نظر ، لأنّ الأخبار السابقة قد عرفت مفادها ، وعلىٰ تقدير حمل هذا الخبر كما ذكره لا تزول المعارضة للأخبار السابقة ، من حيث إنّ الاستظهار إلىٰ العشرة قد يزيد علىٰ الثلاثة فيما إذا كانت العادة ستّة أيّام ، فلا بد من البيان في دفع هذا التنافي ، وعدمه من الشيخ غريب .
ولا يبعد أن يقال : إنّ الغالب في عادة النساء لمّا كان السبعة والثمانية
__________________
(١) التهذيب ١ : ١٧٢ / ٤٩٣ .
(٢) هداية المحدثين : ٢٦٢ .
(٣) راجع ص ٥٩ وج ١ : ٢١٦ ، ٣٧٧ .
(٤) في الفهرست : ٣٦ / ٩٧ . وفي اصحاب الهادي عليهالسلام من كتاب الرجال : ٤١٠ / ٢٠ .
(٥) نقله عنه في المعتبر ١ : ٢١٤ .
اقتضىٰ الإطلاق في الخبر الانصراف إلىٰ الغالب ، وإن كان الحق إمكان المناقشة في هذا ، ولو صحّ الخبر أمكن القول بمضمونه .
فإن قلت : حديث يونس بن يعقوب ما وجه التوقف فيه ؟ مع أنّه ليس الارتياب إلّا من جهة يونس ، حيث قيل : إنّه كان فطحياً (١) ، والحال أنّه رجع عن ذلك (٢) .
قلت : التوقف ممّا ذكرت ، إذ لم يعلم الرواية قبل الرجوع أم بعده ، وقد ذكر شيخنا قدسسره رواية يونس من غير وصف بالموثق (٣) ، مع أنّ الظاهر كونها من الموثق فلا أدري الوجه في ذلك .
والخبر الثاني : كلامنا فيه كالأول .
وكذلك الثالث ، غير أنّ قوله فيه : « وإن استمر الدم فهي مستحاضة » لا يخلو من إجمال ، ولعلّ المراد أنّ الدم إذا استمر بعد الاستظهار فهي مستحاضة كما يفيده غيره من الأخبار ، وقد قدّمنا ما فيه من الإشكال .
واحتمال أن يراد أنّها تستظهر بيوم إن كان حيضها دون العشرة وإن استمرّ الدم بعد الاستظهار ، فيكون قوله : « وإن » وصلياً ، وقوله : « فهي مستحاضة » كلام مستأنف لبيان أنّ المستمرّ بها الدم مستحاضة لا أنّها حائض ، بعيد عن ظاهر الرواية ، بل لا وجه له عند التأمّل .
وممّا يؤيّد الأوّل قوله : « وإن انقطع الدم اغتسلت » غاية الأمر أنّ هذا القول لا يخلو من إجمال أيضاً ، إذ يحتمل أن يراد به إن انقطع الدم من أوّل الأمر فلا استظهار ، ويحتمل أن يراد به أنّ الدم إذا انقطع بعد الاستمرار
__________________
(١) كما في رجال الكشي ٢ : ٦٨٢ / ٧٢٠ .
(٢) راجع رجال النجاشي : ٤٤٦ / ١٢٠٧ .
(٣) مدارك الأحكام ١ : ٣٣٥ .
وتجاوز العادة اغتسلت وصلّت بعد الاستظهار ، ولا يخفىٰ قرب هذا المعنىٰ .
ولا يتوجه علىٰ ما قلناه من التأييد أنّه لا يتمّ علىٰ الاحتمالين ، بل علىٰ واحد منهما . لإمكان الجواب بجريانه علىٰ الاحتمالين ، كما يعرف بأدنىٰ ملاحظة .
قال :
باب أكثر أيّام النفاس
أخبرني الشيخ رحمهالله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن الفضيل بن يسار وزرارة ، عن أحدهما عليهماالسلام قال : « النفساء تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها التي كانت تمكث فيها ، ثم تغتسل وتعمل كما تعمل المستحاضة » .
وبهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن محمد ابن أبي حمزة ، عن يونس بن يعقوب قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : « النفساء تجلس أيّام حيضها التي كانت تحيض ثم تستظهر وتغتسل وتصلّي » .
وبهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيىٰ ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « تقعد النفساء أيّامها التي كانت تقعد في الحيض وتستظهر بيومين » .
وأخبرني الشيخ رحمهالله
عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن
قوله عليهالسلام : « تستظهر بعشرة أيّام » معناه إلىٰ عشرة أيّام ، لأنّ حروف الصفات تقوم بعضها مقام بعض علىٰ ما بيّنا القول فيه .
وبهذا الإسناد عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ومحمد بن خالد البرقي والعباس بن معروف ، عن صفوان بن يحيىٰ ، عن عبد الرحمان بن الحجاج قال : سألت أبا الحسن موسىٰ عليهالسلام عن امرأة نفست وبقيت ثلاثين ليلة أو أكثر وطهرت وصلّت ثم رأت دماً أو صفرة ؟ فقال : « إن كان صفرة فلتغتسل ولتصلّ ولا تمسك عن الصلاة ، وإن كان دماً ليس بصفرة فلتمسك عن الصلاة أيّام قرئها ثم لتغتسل وتصلّي » .
أخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن محمد بن عبد الله بن زرارة ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عمر بن اُذينة ، عن زرارة والفضيل ، عن أحدهما عليهماالسلام قال : « النفساء تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها التي كانت تمكث فيها (٢) ثم تغتسل وتصلّي كما تغتسل المستحاضة » .
وبهذا الإسناد عن علي بن الحسن ، عن عمرو بن عثمان ، عن
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ١٥١ / ٥٢٢ : بن ، وما هنا موافق للتهذيب ١ : ١٧٦ / ٥٠٢ .
(٢) ليست في النسخ ، اثبتناها من الاستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٢٤ .
الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن مالك بن أعين قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن النفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم ؟ قال : « نعم إذا مضىٰ لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها ثم تستظهر بيوم فلا بأس بعدُ أن يغشاها زوجها يأمرها (١) فتغتسل ثم يغشاها إن أحبّ » .
السند :
في الأوّل : حسن .
والثاني : فيه محمد بن أبي حمزة ، والظاهر أنّه الثقة ، واحتمال المهمل المذكور في رجال الصادق عليهالسلام من كتاب الشيخ (٢) بعيد ، ويونس ابن يعقوب قد تقدم القول (٣) فيه .
والثالث : موثق .
والرابع : محمد بن عمرو فيه هو الزيّات ، ويونس هو ابن يعقوب لتقدّم هذا عن قريب مفسَّراً ، وذكرنا الحال فيما تقدم (٤) .
والخامس : صحيح كما قدمناه .
والسادس : تكرّر بيان رجاله .
والسابع : فيه عمرو بن عثمان وهو الخزّاز الثقة ، لأنّ الراوي عنه في النجاشي علي بن الحسن بن فضال (٥) . ومالك بن أعين مذكور في رجال
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٢٥ زيادة : بالغسل .
(٢) رجال الطوسي : ٣٠٦ / ٤١٧ .
(٣) راجع ص : ٤٤٥ وج ١ : ٢١٣ .
(٤) راجع ص : ٤٤٥ وج ١ : ٢١٣ .
(٥) رجال النجاشي : ٢٨٧ / ٧٦٦ .
الباقر والصادق عليهماالسلام مهملاً ، وباقي الرجال قد ذكرناه مكرّراً .
المتن :
في الجميع دالّ علىٰ أنّ النفساء ترجع إلىٰ عادتها في الحيض ، غاية الأمر أنّ العادة تارةً تكون مستقيمة عدداً ووقتاً ، وتارة لا تكون كذلك ، فالأخبار من هذه الجهة مجملة ، كما أنّها غير دالّة علىٰ حكم المبتدأة التي لم يتقرّر لها حيض في زمن معيّن ، وربما يظن أيضاً عدم تناولها للمضطربة ، إلّا أنّ للقول في ذلك مجالاً من حيث إن الاضطراب له أوجه ، ولو اُريد بها من لم تعلم الوقت والعدد أمكن أن يقال بخروجها عن الأخبار .
والعجب من العلّامة في المختلف أنّه اختار أنّها ترجع إلىٰ عادتها في الحيض إن كانت ذات عادة ، وإن كانت مبتدأة صبرت ثمانية عشر يوماً .
ثم استدل علىٰ الأوّل ببعض الأخبار المبحوث عنها ، ثم قال : ولأنّها مأمورة بالعبادة وإنّما تخرج عن العهدة بفعلها ، أو بما ثبت أنّه مسقط ، ولم يتحقق في الزائد علىٰ ما قلناه ، فيبقىٰ في عهدة التكليف بالمقتضي السالم عن معارضة المسقط القطعي .
ثم ذكر احتجاج غيره بالأخبار الدال بعضها علىٰ قعود النفساء تسع عشرة ، وبعضها علىٰ الثماني عشرة ، وأجاب بأنها محمولة علىٰ المبتدأة (١) .
وأنت خبير بما في الكلام أمّا أوّلاً : فلأنّ الأخبار قد سمعت القول فيها مجملاً .
__________________
(١) المختلف ١ : ٢١٦ .
وأما ثانياً : فما قاله : من أنّها مأمورة بالعبادة ، إن أراد به الأمر في حال وجود الدم فمشكل بعد اقتضاء الأخبار سقوط العبادة عنها المقتضي لعدم يقين شغل الذمّة .
واحتمال أن يقال : إنّ الذمّة مشغولة بيقين قبل الدم ، فإذا خرج منه ما تيقن عدم الاشتغال فيه ، بقي ما شك في كونه مشتغلاً .
فيه ما كرّرنا القول فيه في الكتاب وغيره : من أنّ اليقين يرتفع بالظن الحاصل من الأخبار فلا يحتاج إلىٰ ثبوت المسقط القطعي ، كما يقتضيه كلام العلّامة .
إلّا أن يقال : إنّ الأخبار مع التعارض توجب الشك فلا يحصل الظن المخرج .
وفيه : أنّ الشك أيضاً يقتضي عدم يقين اشتغال الذمّة ، إلّا أن يقال : بأنّ اليقين لا يزيله الشك كما هو مفاد الأخبار .
والحق أنّ يقين اشتغال الذمّة غير حاصل ، إذ الحاصل بالاستصحاب ليس إلّا الظن ، فإذا حصل الشك بتعارض الأخبار أمكن أن يوجّه بقاء الظن بأنّ الشك لا يعارضه ، وقد يتوجّه عليه أنّ الشك هنا تساوي الظنون ، وفي الحقيقة ليس هو الشك المقابل للظن ، بل إنّما هو في قوة تعدّد الظنون مع عدم المرجّح ، وقد اتفق للشيخ كلام في المقام في التهذيب ذكرنا ما فيه في حاشيته .
وبالجملة : فمرجع الكلام إلىٰ أنّ التكليف بالعبادة محقّق إلّا ما أخرجه الدليل ، ونحن نقول : التكليف موقوف علىٰ الدليل بعد زواله ، ويقين التكليف سابقاً لا يفيد لاحقاً بعد وجود الخلاف ، فليتأمّل .
وأما ثالثاً : فما قاله العلّامة من أنّ الأخبار محمولة علىٰ المبتدأة . فيه
أنّ الأخبار تضمّنت ثمانية عشر وتسعة عشر ، فالمطلوب غير حاصل من الأخبار ، وستسمع أيضاً القول فيها إن شاء الله تعالىٰ .
ثم إنّ الأخبار المبحوث عنها تضمّنت الاستظهار علىٰ الإطلاق ، فلا يبعد أن يكون كاستظهار الحائض والاعتماد علىٰ بيانه فيها ، نعم ما بعد الاستظهار علىٰ تقدير عدم وصول الدم إلىٰ العشرة فقط لا يخلو من إشكال في النفاس ، لأنّ الحيض علىٰ تقدير القول فيه بما ذكروه فلزوم مثله في النفاس موقوف علىٰ اتفاق كلام القوم فيهما .
وفي المنتهىٰ قال العلّامة في بحث النفاس : لو انقطع الدم بدون العشرة أدخلت قطنة فإذا خرجت نقيّة اغتسلت وصلّت ، إلىٰ أن قال : وإن خرجت ملوّثة صبرت إلىٰ النقاء ، أو يمضي مدّة الأكثر وهي عشرة أيّام إن كانت عادتها ، وإلّا صبرت لو استمرّ بها الدم .
وبعض المتأخّرين غلط هنا فتوهم أنّ مع الاستمرار تصبر عشرة ، ولا نعرف عليه دليلاً سوىٰ ما رواه يونس ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في قوله : « تستظهر بعشرة أيّام » وذلك غير دالّ علىٰ النزاع ، إذ من المحتمل أن تكون عادتها ثمانية أيّام أو تسعة أيّام ، ويدل علىٰ ما اخترناه الأحاديث التي قدّمناها ، فإنّها دالّة علىٰ إحالة النفساء علىٰ الحائض في الأيّام والاستظهار (١) . انتهىٰ .
ولا يذهب عليك أنّ إفادة الأخبار كون النفاس كالحيض من كلّ وجه لا يخلو من خفاء .
ثم ما أورده علىٰ بعض المتأخّرين في غير محلّه علىٰ ما أظنّ ، لأنّا
__________________
(١) المنتهىٰ ١ : ١٢٥ .
قدّمنا الأخبار الدالّة علىٰ أيّام الاستظهار ، وذكرنا أنّ ما يدلّ علىٰ العشرة يحتمل لإرادة الغالب من العادة .
وقول العلّامة في المنتهىٰ : إذ من المحتمل ، إلىٰ آخره ، غير تامّ ، لأنّ الاعتبار بظاهر اللفظ ، نعم إذا لو حظت جهة اُخرىٰ أمكن ، فليتأمّل .
وفي شرح الإرشاد قال جدّي قدسسره : واعلم أنّ الأخبار الصحيحة لم تصرّح برجوع المبتدأة والمضطربة إلىٰ عشرة ، بل إنّما صرح فيها بأنّه ـ أي النفاس ـ لذات العادة عادتها في الحيض ، ولكن فيها إشعار بذلك ، لأنّه ورد في بعضها الاستظهار إلىٰ العشرة كالحائض ، ولو كان أكثره أقل منها لم يستظهر إليها (١) . انتهىٰ .
ولا يخلو من تأمّل ، وقد ذكرت ذلك كلّه مفصلاً في حاشية الروضة ، ومجمل الأمر ما ذكرناه .
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما تضمّنته رواية عبد الرحمان بن الحجاج المعتبرة الإسناد ، من أنّ النفساء التي مضىٰ لها ثلاثون ليلة وأكثر ثم رأت دماً أو صفرة كان حكمها مع الصفرة أن تغتسل وتصلّي ، وإن كان دماً ليس بصفرة تمسك عن الصلاة ثم تغتسل . .
لا يخلو من إجمال ، لأنّ ظاهر السؤال وإن كان عن النفساء ، إلّا أنّ مضيّ الثلاثين قد صيّر لها حكماً آخر ، فيحتمل أن يكون كلام الإمام عليهالسلام عن حالها فيما بعد ، فإن رأت صفرة اغتسلت وصلّت ، وإن رأت دماً تمسك عن الصلاة أيّام أقرائها لكونه حيضاً .
ويحتمل أن يعود إلىٰ الزمان الماضي وهو الثلاثون كما ظنّه الشيخ ،
__________________
(١) روض الجنان : ٨٩ .
حيث جعلها من الأدلة علىٰ حكم النفساء ، لكن لا يخفىٰ أنّه لا يتمّ في قوله : « إن كانت صفرة فلتغتسل » وإن أمكن من جهة قوله : « وإن كان دماً » إلىٰ آخره .
وفي الظن أنّه لا مجال لغير الاحتمال الأوّل .
ولا يخفىٰ دلالة الخبر الأخير علىٰ عدم جواز الوطء في يوم الاستظهار ، لكنه لا يصلح لإثبات الحكم ، مضافاً إلىٰ نوع قصور في الدلالة ، وفي بعض الأخبار المعتبرة ما يدل علىٰ اختصاص المنع بأيّام الحيض ، وقد ذكرت ذلك في محل آخر .
أمّا ما تضمنه الخبر الأخير من قوله : « منذ يوم وضعت » فالتسديد فيه سهل الأمر .
قال :
فأمّا ما رواه محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن حفص بن غياث ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليهمالسلام قال : « النفساء تقعد أربعين يوماً ، فإن طهرت وإلّا اغتسلت وصلّت ويأتيها زوجها وكانت بمنزلة المستحاضة تصوم وتصلّي » .
عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن محمد بن يحيىٰ الخثعمي قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن النفساء (١) ، فقال : « كما كانت تكون مع ما مضىٰ من أولادها وما جرّبت (٢) »
__________________
(١) في الاستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٢٧ لا يوجد : عن النفساء .
(٢) في النسخ : وما حرمت ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٥٢ / ٥٢٧ .
قلت : فلم تلد فيما مضى ؟ قال : « بين الأربعين إلىٰ الخمسين (١) » .
أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم قال ، قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : كم تقعد النفساء حتىٰ تصلّي ؟ قال : « ثماني عشرة سبع عشرة ثم تغتسل وتحتشي وتصلّي » .
علي بن الحكم ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « تقعد النفساء إذا لم ينقطع منها الدم الثلاثين أو أربعين يوماً إلىٰ الخمسين (٢) » .
الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن ابن سنان قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : « تقعد النفساء تسع عشرة ليلة ، فإن رأت دماً صنعت كما تصنع المستحاضة » .
وقد روينا عن ابن سنان ما ينافي هذا الخبر وأنّ أيّام النفاس مثل أيّام الحيض فتعارض الخبران .
الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن النفساء كم تقعد ؟ فقال : « إنّ أسماء بنت عميس أمرها رسول الله صلىاللهعليهوآله أن تغتسل لثمان عشرة ولا بأس بأن تستظهر بيوم أو يومين » .
فلا تنافي بين هذه الأخبار وبين الأخبار الأوّلة التي قدمناها ، لأنّ لنا في الكلام علىٰ هذه الأخبار طرقاً : أحدها (٣) : أنّ هذه الأخبار أخبار آحاد مختلفة الألفاظ متضادّة المعاني لا يمكن العمل علىٰ جميعها
__________________
(١ و ٢) في « فض » : خمسين .
(٣) في الاستبصار ١ : ١٥٣ / ٥٣١ : فأحدها .
لتضادّها ، ولا علىٰ بعضها لأنّه ليس بعضها بالعمل عليه أولىٰ من بعض ، والأخبار المتقدّمة مجمع علىٰ متضمنها ، لأنّه لا خلاف [ في ] (١) أنّ أيّام الحيض في النفاس معتبرة ، وإنّما الخلاف فيما زاد علىٰ ذلك ، وإذا تعارضت وجب ترك العمل بها والعمل بالمجمع عليه بما قد بُيّن في غير موضع .
والوجه الثاني : أن نحمل هذه الأخبار علىٰ ضرب من التقية ، لأنّها موافقة لمذهب العامة ، ولأجل ذلك اختلفت كاختلاف العامة في أكثر أيّام النفاس فكأنّهم أفتوا كلاً منهم بمذهبه الذي يعتقده .
والثالث : أن يكون الأخبار خرجت علىٰ سبب ، وهو أنّهم سئلوا عن امرأة أتت عليها هذه الأيّام لم تصلّ فيها فقالوا : عند ذلك ينبغي أن تغتسل وتصلّي ولم يقولوا في شيء منها أنّ ذلك حدّ لا يجوز اعتبار ما نقص منه .
السند :
في الأوّل : فيه محمد بن عيسىٰ الأشعري ، لأنّ المراد بأبي جعفر أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، وقد تقدم القول فيه (٢) ؛ وفيه حفص بن غياث ، وهو عاميّ علىٰ ما ذكره الشيخ في الفهرست (٣) والكشي (٤) ، وما قاله الشيخ : من أنّ كتابه معتمد (٥) . لا نفع له إلّا بتقدير العلم بأخذ الحديث من كتابه .
__________________
(١) ما بين المعقوفين اضفناه من الاستبصار ١ : ١٥٣ / ٥٣١ .
(٢) راجع ص ٢٥٥ وج ١ : ٢٠٧ .
(٣) الفهرست : ٦١ / ٢٣٢ .
(٤) رجال الكشي ٢ : ٦٨٨ ، ذيل رقم ٧٣٣ .
(٥) الفهرست : ٦١ / ٢٣٢ .
والثاني : فيه القاسم بن محمد ، وهو الجوهري ( علىٰ الظاهر من ممارسة الأسانيد ) (١) وقد تكرّر ذكره (٢) ؛ ومحمد بن يحيىٰ الخثعمي تقدم أنّ الشيخ في هذا الكتاب قال : إنّه عامي . والنجاشي لم يذكر ذلك ، بل فيه : محمد بن يحيىٰ بن سليمان الخثعمي كوفي ثقة (٣) . ولفظ ابن سليمان لم يذكره الشيخ ، فاحتمال المغايرة بين الرجلين ممكن ، إلّا أنّه بعيد ، ولا يبعد ترجيح قول النجاشي علىٰ تقدير الاتحاد . وفي الخلاصة محمد بن يحيىٰ ابن سليم في نسخة ، وفي اُخرىٰ ابن سليمان (٤) . وابن داود حكم بالتعدد فذكر الرجلين (٥) ، ولا يخفىٰ عليك الحال .
والثالث : لا ارتياب فيه بعد ما قدّمناه .
والرابع : فيه أن الطريق إلىٰ علي بن الحكم غير مذكور في المشيخة ، واحتمال البناء علىٰ الإسناد السابق ـ كما هي عادة الكليني ـ لا يخلو من إشكال ، لعدم سلوك الشيخ هذا الطريق ، بل حكم الوالد قدسسره بأنّ الشيخ لم يتنبّه لعادة الكليني ، فوقع له في التهذيب والاستبصار ما يوهم قطع كثير من الأخبار بسبب الغفلة ، كما يعلم من ممارسة الكتابين .
وربما ينظر في هذا باحتمال كون الشيخ اعتمد علىٰ المعلوميّة ، إلّا أنّ المعلوم من عادة الشيخ عدم اتباع ما فعله الكليني رحمهالله وفي الظن أنّ الحديث من الكافي ، وأتىٰ به الشيخ علىٰ نهج ما فيه ، إلّا أنّه لم يحضرني الآن لأعلم حقيقة الحال .
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في « رض » .
(٢) راجع ص ١٣٠ وج ١ : ١٨٢ ، ٢٨٦ .
(٣) رجال النجاشي : ٣٥٩ / ٩٦٣ .
(٤) خلاصة العلّامة : ١٥٨ / ١١٩ .
(٥) رجال ابن داود : ١٨٦ / ١٥٢٩ ، ١٥٣١ .
[ والخامس ] (١) لا ارتياب فيه ، والنضر هو ابن سويد ؛ وابن سنان عبد الله لما قدّمناه غير مرة .
[ والسادس ] (٢) أيضاً لا شبهة فيه .
المتن :
في الأوّل : موافق لما يقوله بعض أهل الخلاف ، فقد وجدت في عبارة بعضهم ما هذه صورته : وأكثر النفاس ستّون يوماً وأغلبه أربعون يوماً (٣) . ويؤيّد ذلك أنّ الراوي منهم ، وحينئذ لا سبيل إلىٰ احتمال ما ذكره الشيخ غير التقية .
وأمّا الثاني : فلا يبعد فيه الحمل علىٰ التقيّة لكن فيه معها نكتة ، وهو أنّه يتمشّىٰ (٤) علىٰ مذهبنا ، لأنّ ما بين الأربعين والخمسين يصدق علىٰ العشرة والعادة ، وقوله : « كما كانت تكون مع ما مضىٰ من أولادها » كأنّه إغماض عن الجواب تفصيلاً بالإجمال ، فلمّا أراد السائل البيان أتىٰ الجواب ثانياً بما ذكر .
وقوله : « وما حرمت » هو في النسخة التي رأيتها ، لكن في التهذيب : « وما جرّبت » ولعلّه الصواب ، وإن كان فيه أيضاً نوع حزازة .
والثالث : واضح الدلالة لكن حمله علىٰ غير ذات العادة أو علىٰ المبتدأة ممكن ، وحمل الشيخ علىٰ التقية ممكن إن ثبت قولهم بذلك ، وهو
__________________
(١) في النسخ : والرابع ، والصواب ما أثبتناه .
(٢) في النسخ : والخامس ، والصواب ما أثبتناه .
(٣) المغني لابن قدّامة ، نقله عن الشافعي ١ : ٣٩٢ ، ٣٩٣ .
(٤) في « رض » يمشي ، وفي « د » : لا يتمشىٰ .
أعلم به . أمّا الوجه الثالث من الحمل ففي غاية البعد .
والرابع : تقرب فيه التقية كما ذكره الشيخ .
والخامس : كالثالث لكن المغايرة في العدد لا يخلو من إشكال ، ولعل اليوم الزائد يحمل علىٰ رجحان الاستظهار .
والسادس : يؤيّد الثالث ، ويدل صريحاً علىٰ أنّ استظهار النفساء بيوم أو يومين ، وربما يؤيّد ما قلناه في الخامس من احتمال كون اليوم للاستظهار ، فليتأمّل .
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما قاله الشيخ ( في الجمع لا يخلو من ) (١) نظر .
امّا أوّلاً : فلأنّه قد تقدّم منه ما يقتضي عدم ردّ الخبر مع المعارضة إذا أمكن حمله علىٰ وجه من الوجوه ، وهنا ذكر وجهين للحمل .
وأما ثانياً : فما ذكره : من أن الأخبار المتقدّمة مجمع علىٰ متضمنها ، لأنه لا خلاف في أن أيّام الحيض في النفاس معتبرة ، وإنّما الخلاف فيما زاد ، إلىٰ آخره ، محل بحث .
أما أوّلاً : فلأن الإجماع إن اُريد به حصول الاتفاق من الجميع عليها حتىٰ من قال بالثمانية عشر ، ففيه : أنّ القائل بالثمانية لا يوافق علىٰ أيّام الحيض مطلقاً ، بل في ضمن الثمانية عشر ؛ وإن اُريد بالإجماع ما يتناول الدخول في الضمن فلا نسلّم أنّ ما بُيّن في غير موضع : من ترجيح المجمع عليه ( علىٰ غيره . يتناوله ، فإنّ المتبادر من ترجيح المجمع عليه ) (٢) ما انعقد الإجماع علىٰ خصوصه ، ولو تمحّل قائل إنّ ما دخل في الضمن لا يخرج
__________________
(١) في « رض » : من الجمع محلّ .
(٢) ما بين القوسين ليس في « رض » .
عن القاعدة ، للمشاركة في العلّة ، توجه المنع إلىٰ دليله كما لا يخفىٰ .
والعجب من الشيخ أنّه في التهذيب قال : المعتمد في هذا أنّه قد ثبت أن ذمّة المرأة مرتهنة بالصلاة والصيام قبل نفاسها بلا خلاف ، فإذا طرأ عليها النفاس يجب أن لا يسقط عنها ما لزمها إلّا بدلالة ، ولا خلاف بين المسلمين أنّ عشرة أيّام إذا رأت المرأة الدم من النفاس ، وما زاد علىٰ ذلك مختلف فيه ، فيجب (١) أن لا تصير إليه إلّا بما يقطع العذر ، وكلّما ورد من الأخبار المتضمنة لما زاد علىٰ عشرة أيّام فهي أخبار آحاد لا تقطع العذر ، أو خبر خرج ( علىٰ سبب التقيّة (٢) ) (٣) .
وفي هذا الكتاب كما ترىٰ جعل الإجماع علىٰ الرجوع إلىٰ عادة الحيض .
وقد تكلّمنا في حاشية التهذيب علىٰ ما ذكره فيه بما حاصله : إنّ ثبوت الصلاة في الذمّة بعد دلالة الأخبار محلّ تأمّل ، إلّا أن يقال : إنّ اختلاف الأخبار يقتضي عدم الخروج عن شغل الذمة ، وفيه : أنّ يقين شغل الذمّة قبل النفاس لا ريب فيه ، أمّا بعد حصول النفاس فلا يقين .
فإن قلت : بعد النفاس المحقّق وهو عادة الحيض والعشرة لا ريب في الخروج عن اليقين ، أمّا بعد ذلك فلا .
قلت : إذا اعترفت بخروج اليقين يحتاج عوده إلىٰ دليل ، والإجماع علىٰ العشرة ـ كما في التهذيب ـ وعلىٰ الرجوع إلىٰ عادة الحيض ـ كما هنا ـ ليس علىٰ الاختصاص ، وإذا كان كذلك لا يتمّ المطلوب ، إلّا أن يقال : إنّ
__________________
(١) في المصدر : فينبغي .
(٢) في « رض » : علىٰ سبيل التقيّة ، وفي المصدر : عن سبب أو للتقيّة .
(٣) التهذيب ١ : ١٧٤ ، ١٧٥ .
الأصل يجب العمل به دائماً ، إلّا ما خرج بالدليل . وفيه كلام .
وبالجملة : فللقول مجال واسع في مثل هذا المقام .
وأمّا ثالثاً : فما ذكره من أنّ الأخبار خرجت علىٰ سبب ، إلىٰ آخره ، فيه : أنّ ظاهر الأخبار أكثرها خلاف ذلك ، فإنّ خبر محمد بن مسلم المتضمّن أنّ النفساء تقعد ثلاثين [ أو ] أربعين يوماً إلىٰ خمسين ، بمعزل عن توجيه الشيخ ، وكذلك غيره .
نعم قضية أسماء بنت عميس ربما يمكن الاحتمال في الخبر الدال عليها ، وإن كان للكلام فيه مجال أيضاً .
وقد ذكر بعض الأصحاب وجوهاً للحمل ، أحدها : ما ذكرناه أوّلاً من حمل أخبار الثماني عشرة علىٰ غير المعتادة وإبقاء الأخبار المتضمنة للرجوع إلىٰ العادة علىٰ ظاهرها .
وثانيها : الحمل علىٰ التخيير بين الأعداد .
وثالثها : حمل أخبار الثماني عشرة علىٰ ما إذا بقي الدم بصفة دم النفاس إلىٰ تلك الغاية ، وأخبار الرجوع إلىٰ العادة علىٰ ما إذا تغير عن تلك الصفة (١) .
والأوّل له نوع وجه .
وما يقال : من أن الأوّل مستلزم لحمل أخبار الثمانية عشر علىٰ الفرد النادر ، ولا يخلو من إشكال .
ففيه : أنّ مثل هذا لا يصلح لردّ وجه الجمع .
وما يقال أيضاً علىٰ الثاني : من أنّه يستلزم التخيير بين فعل الصلاة
__________________
(١) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ١٦٩ .