الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: ٤٩٦
تخرجه » (١) .
مسألة ٢١٢ : الجراد عندنا من صيد البرّ يحرم قتله ، ويضمنه المُحْرم في الحِلّ ، والمُحلّ في الحرم ، عند علمائنا ـ وبه قال علي عليه السلام وابن عباس وعمر ، وأكثر أهل العلم (٢) ـ لما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه قال لكعب في جرادتين : ما فعلت في تينك (٣) ؟ قال : بَخٍ درهمان خير من مائة جرادة (٤) .
ومن طريق الخاصّة : قول الباقر عليه السلام : « المُحْرم لا يأكل الجراد » (٥) .
وقال أبو سعيد الخدري : هو من صيد البحر (٦) . وللشافعي قول غريب إنّه من صيد البحر ؛ لأنّه يتولّد من روث السمك (٧) ـ وعن أحمد روايتان (٨) ـ لما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله : أنّه من صيد البحر (٩) .
قال أبو داود : الظاهر أنّه عليه السلام قال : ( إنّه من صيد البرّ ) فوَهَم الراوي (١٠) .
__________________
(١) الفقيه ٢ : ١٧٢ / ٧٦٠ ، التهذيب ٥ : ٣٦٧ / ١٢٨١ .
(٢) المغني ٣ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٦ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٣ ، المجموع ٧ : ٢٩٦ و ٣٣١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٠ .
(٣) في المصادر : ما جعلت في ـ على ـ نفسك ؟ .
(٤) الاُم ٢ : ١٩٦ ، مختصر المزني : ٧٢ ، المغني ٣ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٦ ، المجموع ٧ : ٣٣٢ .
(٥) التهذيب ٥ : ٣٦٣ / ١٢٦٢ .
(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٣٣٢ ، المغني ٣ : ٥٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٦ .
(٧) فتح العزيز ٧ : ٤٩٠ .
(٨) المغني ٣ : ٥٤٤ و ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٦ .
(٩) سنن أبي داود ٢ : ١٧١ / ١٨٥٣ و ١٨٥٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٠٧ .
(١٠) راجع سنن أبي داود ٢ : ١٧١ ذيل الحديث ١٨٥٤ ، والمغني ٣ : ٥٤٥ ، والشرح الكبير ٣ : ٣١٦ .
مسألة ٢١٣ : المُحرَّم على المُحْرم مطلقاً وعلى المُحلّ في الحرم إنّما هو صيد البرّ ، أمّا صيد البحر فإنّه سائغ لكلّ أحد ، ولا فدية فيه ، بالنصّ والإِجماع :
قال الله تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ) (١) .
وقال الصادق عليه السلام : « لا بأس أن يصيد المُحْرم السمك ويأكله طريّه ومالحه ويتزوّد » (٢) .
وأجمع أهل العلم كافّة على أنّ صيد البحر مباح للمُحْرم اصطياده وأكله وبيعه وشراؤه .
إذا ثبت هذا ، فإنّ صيد البحر هو ما يعيش في الماء ويبيض ويفرخ فيه ، كالسمك وأشباهه ممّا يحل ، وكالسلحفاة والسرطان ونحوهما .
فإن كان ممّا يعيش في البرّ والبحر معاً ، اعتبر بالبيض والفرخ ، فإن كان ممّا يبيض ويفرخ في البحر ، فهو صيد البحر ، وإن كان يبيض ويفرخ في البرّ ، فهو صيد البرّ ، لا نعلم فيه خلافاً ، إلّا من عطاء ؛ فإنّه حُكي عنه أنّ ما يعيش في البرّ ـ كالسلحفاة والسرطان ـ فيه الجزاء ؛ لأنّه يعيش في البرّ ، فأشبه طير الماء (٣) .
وهو ممنوع ؛ لأنّه يبيض ويفرخ في الماء ، فأشبه السمك .
وأمّا طير الماء كالبطّ ونحوه ، فإنّه صيد البرّ في قول عامّة أهل العلم (٤) ، وفيه الجزاء ؛ لأنّه يبيض ويفرخ في البرّ ، فكان من صيده ، كسائر طيوره .
__________________
(١) المائدة : ٩٦ .
(٢) التهذيب ٥ : ٣٦٥ / ١٢٧٠ .
(٣) المغني ٣ : ٥٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٥ .
(٤) المغني ٣ : ٥٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٥ .
و [ عن ] (١) عطاء : أنّه قال : حيث يكون أكثر فهو صيده (٢) .
وليس بجيّد ؛ لما تقدّم ، وإقامته في البحر ؛ لطلب الرزق والمعيشة منه ، كالصيّاد .
ولو كان لجنس من الحيوان نوعان : بحري وبرّي ، كالسلحفاة ، فلكلّ نوعٍ حكمُ نفسه ، كالبقر منه الوحشي محرّم ومنه الإِنسي محلّل .
مسألة ٢١٣ : لو صاد المُحْرم صيداً ، لم يملكه ، سواء كان في الحِلّ أو في الحرم إجماعاً ؛ لعموم : ( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ) (٣) .
وسأل محمدُ بن مسلم الصادقَ عليه السلام عن ظبي دَخَل الحرم ، قال : « لا يؤخذ ولا يمسّ ، إنّ الله تعالى يقول : ( وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ) (٤) » (٥) .
إذا ثبت هذا ، فلو تلف في يده ، كان ضمانه عليه ؛ لأنّه سبب في الإِتلاف .
وقال الصادق عليه السلام : « لا يحرم أحد ومعه شيء من الصيد حتى يُخرجه من ملكه ، فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخلّيه ، فإن لم يفعل حتى يدخل الحرم ومات لزمه الفداء » (٦) .
وسأل بكيرُ بن أعين الباقرَ عليه السلام : عن رجل أصاب ظبياً فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم ، فقال : « إن كان حين أدخله خلّى سبيله فلا
__________________
(١) في النسخ الخطية والحجرية : قال ، وما أثبتناه يقتضيه السياق .
(٢) المغني ٣ : ٥٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٥ .
(٣) المائدة : ٩٦ .
(٤) آل عمران : ٩٧ .
(٥) التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٥٨ .
(٦) التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٥٧ .
شيء عليه ، وإن كان أمسكه حتى مات فعليه الفداء » (١) .
أمّا لو كان الصيد في منزله ، لم يجب عليه إرساله ، ولا يزول ملكه عنه ؛ لأصالة بقاء الملك على مالكه .
وروى صفوان ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : قلت له : الصيد يكون عند الرجل من الوحش في أهله أو من الطير يُحْرم وهو في منزله ، قال : « لا بأس لا يضرّه » (٢) .
مسألة ٢١٤ : إذا اضطرّ المُحْرم الى أكل الصيد ، أكل منه ـ كما يأكل من الميتة ـ قدر ما يمسك به الرمق ، ولا يجوز له الشبع ولا التجاوز عن ذلك إجماعاً .
ولو وجد المضطرّ الى أكله ميتةً ، فلعلمائنا قولان :
قال بعضهم : يأكل الميتة (٣) ـ وبه قال الحسن البصري والثوري وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن (٤) ـ لأنّ الصيد إذا ذبح صار ميتة فساواها في التحريم ، وامتاز بإيجاب الجزاء وما يتعلّق به من هتك حرمة الإِحرام ، فكان أكل الميتة أولى .
ولقول علي عليه السلام : « إذا اضطرّ المُحْرمَ إلى الصيد وإلى الميتة فليأكل الميتة التي أحلّ الله له » (٥) .
وقال بعضهم : يأكل الصيد ويُفديه (٦) ـ وبه قال الشافعي وإسحاق وابن
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٥٩ .
(٢) الكافي ٤ : ٣٨٢ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٣٦٢ ـ ٣٦٣ / ١٢٦٠ ، وفيهما : صفوان عن جميل .
(٣) كما في السرائر : ١٣٣ ، وقوّاه ابن إدريس .
(٤) المغني ٣ : ٢٩٦ و ١١ : ٧٩ ، الشرح الكبير ١١ : ١٠٣ .
(٥) التهذيب ٥ : ٣٦٨ / ١٢٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٩ / ٧١٥ .
(٦) كما في السرائر : ١٣٣ ، وهو قول السيد المرتضى ، انظر : جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٧٢ .
المنذر وأبو يوسف (١) ـ لأنّه مع الضرورة والفدية يخرج من الإِثم ، فيكون واجداً للمذبوح حلالاً ، فلا تحلّ له الميتة .
ولأنّ تحريم الصيد عارض وتحريم الميتة ذاتي ، فيكون الأول أولى بالتناول .
ولقول الصادق عليه السلام وقد سأله عن المُحْرم يضطرّ فيجد الميتة والصيد أيّهما يأكل ؟ قال : « يأكل من الصيد ، أما يحبّ أن يأكل من ماله ؟ » قلت : بلى ، قال : « إنما عليه الفداء فليأكل وليفده » (٢) .
وقال بعض علمائنا : إن كان الصيد حيّاً ، لم يجز له ذبحه ؛ لأنّه يصير ميتة إجماعاً ، فليأكل الميتة ، وإن كان مذبوحاً فإن كان الذابح مُحْرماً فهو كالميتة ؛ لأنّه لا فرق بينهما ، وإن كان مُحلًا فإن كان في الحرم ، فهو ميتة أيضاً ، وإن كان في الحِلّ فإن كان المُحْرم المضطر قادراً على الفداء ، أكل الصيد ولم يأكل الميتة ، وإن لم يكن قادراً ، أكل الميتة (٣) .
مسألة ٢١٥ : قد بيّنّا تحريم إمساك الصيد على المُحْرم ، فيضمنه لو فعل ، فلو أمسكه حتى حلّ ، لزمه إرساله ، وليس له ذبحه ، فإن ذبحه ، ضمن وحرم أكله ؛ لأنّه صيد ضمنه بحرمة الإِحرام ، فلم يبح أكله ، كما لو ذبحه حال إحرامه .
هذا إذا كان في الحرم ، أمّا لو كان الصيد في الحِلّ فأمسكه وهو مُحْرم ، ضمنه ، لأنّ الصيد حرام على المُحْرم وإن كان في الحِلّ ، فإن أمسكه حتى حلّ ، جاز له ذبحه ، وفي الضمان إشكال من حيث تعلّقه به بسبب الإِمساك .
مسألة ٢١٦ : مَنْ ملك صيداً في الحِلّ وأدخله الحرم ، وجب عليه
__________________
(١) المهذب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ، المجموع ٩ : ٤٩ ، المغني ٣ : ٢٩٦ و ١١ : ٧٩ ، الشرح الكبير ١١ : ١٠٣ ، وانظر : حلية العلماء ٣ : ٣٢٠ .
(٢) التهذيب ٥ : ٣٦٨ / ١٢٨٣ .
(٣) كما في السرائر : ١٣٣ .
إرساله ، وزال ملكه عنه ، ولو تلف في يده أو أتلفه ، كان عليه ضمانه ـ وبه قال ابن عباس وعائشة وابن عمر وعطاء وطاوس وإسحاق وأحمد وأصحاب الرأي (١) ـ لأنّ الحرم سبب مُحرِّم للصيد ، ويوجب ضمانه ، فيحرم استدامة إمساكه ، كالإِحرام .
ولأنّ محمد بن مسلم روى ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن ظبي دخل الحرم ، قال : « لا يؤخذ ولا يُمسّ ، إنّ الله تعالى يقول : ( وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ) » (٢) .
وسأل بكيرُ بن أعين الباقرَ عليه السلام عن رجل أصاب ظبياً فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم ، فقال : « إن كان حين أدخله خلّى سبيله فلا شيء عليه ، وإن كان أمسكه حتى مات فعليه الفداء » (٣) .
وقال الشافعي : لو أدخل الحرم صيداً مملوكاً له ، كان له أن يمسكه ، ويذبحه كيف شاء ، كالنعم ؛ لأنّه صيد الحِلّ دون الحرم (٤) .
وليس بجيّد .
ولو كان مقصوص الجناح ، أمسكه حتى ينبت ريشه ويُخلّي سبيله ، أو يودعه من ثقة حتى ينبت ريشه ؛ لأنّ حفظه واجب وإنّما يتمّ بذلك .
ولما رواه الحكم بن عتيبة (٥) ، قال : سألت الباقر عليه السلام : ما تقول في رجل اُهدي له حمام أهلي ـ وهو في الحرم ـ [ من غير الحرم ] (٦) ؟ فقال :
__________________
(١) المغني ٣ : ٣٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٧ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٨ .
(٢) التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٥٨ ، والآية ٩٧ من سورة آل عمران .
(٣) التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٥٩ .
(٤) فتح العزيز ٧ : ٥٠٩ ، المجموع ٧ : ٤٤٢ و ٤٩١ ، المغني ٣ : ٣٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٧ .
(٥) في النسخ الخطية والحجرية عيينة . وما أثبتناه هو الموافق للمصدر .
(٦)
بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجرية : غير المحرم . وما أثبتناه هو
الموافق
=
« أمّا إن كان مستوياً خلّيت سبيله ، وإن كان غير ذلك أحسنت اليه حتى إذا استوى ريشه خلّيت سبيله » (١) .
ولأنّ تخليته تتضمّن إتلافه ؛ لأنّه لا يتمكّن من الامتناع عن صغار الحيوان .
مسألة ٢١٧ : حمام الحرم لا يحلّ صيده وإن كان في الحِلّ ؛ لأنّه يصدق عليه أنّه صيد الحرم ، فيدخل تحت قوله عليه السلام : ( لا يُنفَّر صيدها ) (٢) .
وما رواه علي بن جعفر ـ في الصحيح ـ قال : سألت الكاظم عليه السلام عن حمام الحرم يصاد في الحِلّ ، فقال : « لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنّه من حمام الحرم » (٣) .
إذا عرفت هذا ، فإنّ صيد الحرم يضمنه المسلم والكافر والحُرّ والعبد والكبير والصغير والرجل والمرأة إجماعاً ؛ لأنّ الحرمة تعلّقت بمحلّه بالنسبة الى الجميع ، فوجب على الجميع ضمانه كالآدمي ، وللعمومات الدالّة عليه .
مسألة ٢١٨ : لو رمى المُحلّ من الحِلّ صيداً في الحرم فقتله ، أو أرسل كلبه عليه فقتله ، أو قتل صيداً على فرع شجرة في الحرم أصلها في الحِلّ ، ضمنه في جميع هذه الصُور عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الثوري والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وأحمد في إحدى الروايتين (٤) ـ
__________________
=
للمصدر .
(١) التهذيب ٥ : ٣٤٨ / ١٢٠٧ .
(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٨ / ١٣٥٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٢ / ٢٠١٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٨ / ٣١٠٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥ ، مسند أحمد ١ : ١١٩ و ٢٥٣ .
(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٨ / ١٢٠٩ .
(٤)
الحاوي الكبير ٤ : ٣٠٨ ـ ٣٠٩ و ٣٢٣ و ٣٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٩ ، المجموع ٧ : ٤٤٤ و ٤٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢١ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٨٥ و ١٠٣ ، بدائع الصنائع
=
لقوله عليه السلام : ( لا يُنفَّر صيدها ) (١) ولم يفرّق بين أن يكون المنفّر في الحِلّ أو في الحرم .
ولأنّه أصاب الصيد في موضع أمنه .
وقال أحمد في الرواية الثانية : لا ضمان عليه في ذلك كلّه (٢) .
ولو رمى من الحرم صيداً في الحلّ ، أو أرسل كلبه عليه ، ضمنه ـ وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين (٣) ـ لأنّ الصيد مُحرَّم على مَنْ في الحرم .
ولما رواه مسمع عن الصادق عليه السلام في رجلٍ حَلٍّ في الحرم رمى صيداً خارجاً من الحرم فقتله ، فقال : « عليه الجزاء لأنّ الآفة جاءت الصيد من ناحية الحرم » (٤) .
ولقول علي عليه السلام وقد سُئل عن شجرة أصلها في الحرم وأغصانها في الحِلّ على غصن منها طير رماه فصرعه ، قال : « عليه جزاؤه إذا كان أصلها في الحرم » (٥) .
وقال أحمد في الرواية الاُخرى : لا ضمان عليه (٦) .
فروع :
أ ـ لو رمى من الحِلّ الى صيد في الحِلّ ، أو أرسل كلباً في الحِلّ الى صيد في الحِلّ لكن قطع السهمُ في مروره بهذا الحرمَ ، أو تخطّى الكلب طرف
__________________
=
٢ : ٢١١ ، المغني ٣ : ٣٥٤ ـ ٣٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٣ .
(١) تقدّمت الإِشارة الى مصادره في الهامش (٢) من ص ٢٨٧ .
(٢) المغني ٣ : ٣٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٣ .
(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٣٢٤ ، المجموع ٧ : ٤٩٧ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٩ ، المغني ٣ : ٣٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٤ .
(٤) التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٥٦ .
(٥) الكافي ٤ : ٢٣٨ / ٢٩ ، التهذيب ٥ : ٣٨٦ / ١٣٤٧ .
(٦) المغني ٣ : ٣٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٤ .
الحرم ، قال الشيخ رحمه الله : لا يضمنه ـ وبه قال أصحاب الرأي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر والشافعية في أحد الوجهين (١) ـ لأصالة البراءة (٢) .
وفي الوجه الثاني : عليه الضمان (٣) .
ب ـ لو رمى من الحِلّ صيداً في الحِلّ فقتل صيداً في الحرم ، ضمنه ، وبه قال الثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي (٤) ، خلافاً لأبي ثور ؛ فإنّه قال : لا جزاء فيه (٥) .
وهو خطأ ؛ لأنّه قتل صيداً في الحرم .
ج ـ لو أرسل كلبه على صيد في الحِلّ فدخل الكلب الحرم فقتل صيداً آخر غيره فيه ، فلا ضمان ـ وبه قال الثوري والشافعي وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي (٦) ـ لأنّ الكلب دخل باختيار نفسه لا بإرساله ، فكان كما لو استرسل .
د ـ لو أرسل كلبه على صيد فدخل الصيد الحرم فتبعه الكلب فقتله في الحرم ، فالأقوى الضمان ـ وبه قال عطاء وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد (٧) ـ لأنّه قتل صيداً حرمياً بإرسال كلبه عليه فضمنه ، كما لو قتله بسهمه .
وقال الشافعي : لا ضمان . وبه قال أبو ثور وابن المنذر وأحمد في
__________________
(١) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٩٩ ، المغني ٣ : ٣٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٩ ـ ٥١٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٥ ، المجموع ٧ : ٤٤٣ .
(٢) الخلاف ٢ : ٤١٢ ، المسألة ٢٨٨ .
(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٣٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٩ ـ ٥١٠ ، المهذب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٥ ، المجموع ٧ : ٤٤٣ .
(٤) المغني ٣ : ٣٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٩ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٠ .
(٥) المغني ٣ : ٣٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٥ .
(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٣٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٠ ، المغني ٣ : ٣٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٥ .
(٧) المغني ٣ : ٣٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٥ .
إحدى الروايتين (١) .
وفي الاُخرى : إن كان الصيد قريباً من الحرم ، ضمنه ، وإن كان بعيداً ، لم يضمنه . وبه قال مالك (٢) .
هـ ـ لا يجوز له أكل الصيد في هذه المواضع أجمع ، سواء ضمنه أو لا ؛ لأنّه صيد حرمي قُتل في الحرم ، فكان ميتةً .
ولو رمى المُحلّ صيداً في الحِلّ فجرحه فتحامل الصيد فدخل الحرم فمات فيه ، قال بعض العامّة : يحلّ أكله ولا جزاء فيه ؛ لأنّ الذكاة حصلت في الحِلّ (٣) .
و ـ لو رمى الى صيد في الحِلّ فمضى الصيد ودخل في الحرم فأصابه السهم ، وجب عليه الضمان .
ز ـ لو وقف صيد بعض قوائمه في الحِلّ وبعضها في الحرم فقتله قاتل ، ضمنه ، سواء أصاب ما هو في الحِلّ أو الحرم ؛ تغليباً للحرمة ، وبه قال أبو ثور وأصحاب الرأي وأحمد (٤) .
ح ـ لو نفّر صيداً من الحرم فأصابه شيء حال نفوره ، ضمنه ؛ لأنّه تسبّب الى إتلافه ، فكان كما لو أتلفه بشَركه (٥) .
ولو سكن من نفوره ثم أصابه شيء ، فلا ضمان ، وهو قول الثوري (٦) .
مسألة ٢١٩ : لو رمى صيداً فجرحه ومضى لوجهه ولم يعلم حياته ولا
__________________
(١) الحاوي الكبير ٤ : ٣٢٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٥ ، المجموع ٧ : ٤٤٣ ، المغني ٣ : ٣٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٥ .
(٢) المغني ٣ : ٣٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٥ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٣٥ .
(٣) المغني ٣ : ٣٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٦ .
(٤) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٩٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١١ ، المغني ٣ : ٣٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٦ .
(٥) الشَّرَك : حبائل الصائد . لسان العرب ١٠ : ١٥٠ « شرك » .
(٦) المغني ٣ : ٣٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٦ .
موته ، كان عليه الفداء عند علمائنا ؛ تغليباً للإِتلاف عملاً بالسبب ، واحتياطاً للبراءة .
ولأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظم عليه السلام : عن رجل رمى صيداً وهو مُحْرم ، فكسر يده أو رجله ، فمضى الصيد على وجهه فلم يدر الرجل ما صنع الصيد ، قال : « عليه الفداء كاملاً إذا لم يدر ما صنع الصيد » (١) .
قال الشيخ رحمه الله : لو رآه بعد كسر يده أو رجله قد رعى وصلح ، وجب عليه ربع الفداء (٢) ؛ لأنّ علي بن جعفر سأل الكاظم عليه السلام عن رجل رمى صيداً فكسر يده أو رجله وتركه فرعى الصيد ، قال : « عليه ربع الفداء » (٣) .
مسألة ٢٢٠ : لو كان الصيد يؤمّ الحرم وهو في الحِلّ ، لم يجز للمُحلّ قتله ، قاله الشيخ (٤) رحمه الله ؛ لما رواه عقبة بن خالد عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل قضى حجّه ثم أقبل حتى إذا خرج من الحرم فاستقبله صيد قريباً من الحرم والصيد متوجّه نحو الحرم فرماه فقتله ، ما عليه في ذلك شيء ؟ قال : « يفديه على نحوه » (٥) .
وقال بعض علمائنا : إنّه مكروه لا محرَّم (٦) ؛ لما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه السلام ، في الرجل يرمي الصيد وهو يؤمّ الحرم فتصيبه الرمية فيتحامل بها حتى يدخل الحرم فيموت فيه ، قال : « ليس عليه شيء ، إنّما هو بمنزلة رجل نصب شبكة في الحِلّ فوقع فيها صيد فاضطرب حتى دخل
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٣٥٩ / ١٢٤٦ .
(٢) النهاية : ٢٢٨ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٤٣ ، التهذيب ٥ : ٣٥٩ ، ذيل الحديث ١٢٤٦ .
(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٩ / ١٢٤٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٥ / ٦٩٨ .
(٤) النهاية : ٢٢٨ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٤٣ .
(٥) الكافي ٤ : ٣٩٧ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٣٦٠ / ١٢٥١ .
(٦) كما في شرائع الإِسلام ١ : ٢٩١ .
الحرم فمات فيه » قلت : هذا عندهم من القياس ، قال : « لا ، إنّما شبّهتُ لك شيئاً بشيء » (١) .
وأمّا الكراهة : فلما رواه ابن أبي عمير ـ في الصحيح ـ عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام ، قال : [ كان ] (٢) يكره أن يرمي الصيد وهو يؤمّ الحرم (٣) .
مسألة ٢٢١ : يكره الصيد فيما بين البريد والحرم ، وليس محرّماً ؛ للأصل .
وقال الشيخ رحمه الله : يحرم ويفديه (٤) ؛ لما رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « إذا كنت مُحلاً في الحِلّ فقتلت صيداً فيما بينك وبين البريد الى الحرم ، فإنّ عليك جزاءه ، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه ، تصدّقت بصدقة » (٥) .
والوجه : حمل الرواية على الاستحباب .
مسألة ٢٢٢ : لو نزع عن جسده قملة فقتلها ، أو رمى بها ، فليطعم مكانها كفّاً من طعام ؛ لأنّ حمّاد بن عيسى سأل الصادق عليه السلام عن المُحْرم يبين القملة عن جسده فيلقيها ، قال : « يُطعم مكانها طعاماً » (٦) .
وروى حسين بن أبي العلاء عن الصادق عليه السلام ، قال : « المُحْرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمّداً ، وإن قتل شيئاً من ذلك خطأً ، فليطعم مكانها طعاماً قبضةً بيده » (٧) .
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٣٦٠ / ١٢٥٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٧ / ٧٠٤ .
(٢) أضفناها من المصدر .
(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٩ / ١٢٤٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٦ / ٧٠١ .
(٤) النهاية : ٢٢٨ ، التهذيب ٥ : ٣٦١ ذيل الحديث ١٢٥٤ .
(٥) التهذيب ٥ : ٣٦١ / ١٢٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٧ / ٧٠٥ .
(٦) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٥٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ / ٦٥٩ .
(٧) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٦٠ ، الاستبصار ١ : ١٩٦ ـ ١٩٧ / ٦٦١ .
ويجوز أن يأخذ ما عدا القملة من جسده ، وإن أراد أن يحوّل القملة من مكان الى مكان ، فعل ، وليس عليه شيء ؛ لقول الصادق عليه السلام : « المُحْرم يلقي عنه الدواب كلّها إلّا القملة فإنّها من جسده ، وإن أراد أن يحوّل قملة من مكان الى مكان فلا يضرّه » (١) .
ويجوز أن يرمي القُراد (٢) والحَلَم (٣) عن بدنه لأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادق عليه السلام : إن وجدت عليّ قُراداً أو حَلَمةً أطرحهما ؟ قال : « نعم وصغار لهما إنّهما رقيا في غير مرقاهما » (٤) .
ويجوز أن يرمي القراد عن بعيره دون الحلم ؛ لأنّ معاوية بن عمّار قال : « وإن ألقى المُحْرم ـ يعني القُراد ـ عن بعيره فلا بأس ، ولا يلقي الحَلَمة » (٥) .
مسألة ٢٢٣ : قد بيّنّا أنّه لا يجوز إخراج شيء من الصيد من الحرم .
وقال الشيخ رحمه الله : يكره شراء القماري وما أشبهها وإخراجها من مكة (٦) .
ومنعه ابن إدريس (٧) ، وهو المعتمد ؛ لأنّ عيص بن القاسم سأل الصادق عليه السلام : عن شراء القماري يخرج من مكة والمدينة ، فقال : « ما اُحبّ أن يخرج منها شيء » (٨) .
واعلم أنّ الشيخ ـ رحمه الله ـ منع من صيد حمام الحرم حيث كان
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٣٣٦ ـ ٣٣٧ / ١١٦١ .
(٢) القُراد : ما يتعلّق بالبعير ونحوه ، وهو كالقمل للإِنسان . مجمع البحرين ٣ : ١٢٧ « قرد » .
(٣) الحَلَم جمع حَلَمة ، وهي القراد الضخم . مجمع البحرين ٦ : ٥٠ « حلم » .
(٤) الكافي ٤ : ٣٦٢ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٢٩ / ١٠٨٥ ، التهذيب ٥ : ٣٣٧ / ١٤٦٢ .
(٥) التهذيب ٥ : ٣٣٨ / ١١٦٧ .
(٦) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٤١ .
(٧) السرائر : ١٣١ .
(٨) الفقيه ٢ : ١٦٨ / ٧٣٤ ، التهذيب ٥ : ٣٤٩ / ١٢١٢ ، وفيه : « منهما » بدل « منها » .
للمُحلّ والمُحرم (١) ، وجوّزه ابن إدريس (٢) .
والحقّ ما قاله الشيخ ؛ لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظم عليه السلام عن حمام الحرم يصاد في الحِلّ ، فقال : « لا يُصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنّه من حمام الحرم » (٣) .
إذا ثبت هذا ، فإنّ صيد الحرم يضمن بالدلالة والإِشارة كصيد الإِحرام ، والواجب عليهما جزاء واحد ، وبه قال أحمد (٤) .
ولا فرق بين كون الدالّ في الحِلّ أو الحرم .
وقال بعض العامّة : لا جزاء على الدالّ إذا كان في الحِلّ ، والجزاء على المدلول وحده ، كالحلال إذا دلّ مُحرماً على صيد (٥) .
والحقّ ما قلناه ؛ لأنّ قتل الصيد الحرمي حرام على الدالّ ، فيضمنه بالدلالة ، كما لو كان في الحرم ؛ لحقّية أنّ صيد الحرم محرّم على كل واحد ؛ لقوله عليه السلام : ( لا يُنفَّر صيدها ) (٦) وهو عامّ في حقّ كلّ واحد .
ولأنّ صيد الحرم معصوم بمحلّه ، فحرم قتله عليهما ، كالملتجئ الى الحرم ، وإذا ثبت تحريمه عليهما ، فيُضمن بالدلالة ممّن يحرم عليه قتله ، كما يُضمن بدلالة المُحْرم عليه .
مسألة ٢٢٤ : لا فرق في تحريم الصيد بين الوحشي في أصله إذا استأنس أو بقي على توحّشه ، كما أنّه لا فرق في إباحة الأهلي بين أن يتوحّش أو لا .
__________________
(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٤١ .
(٢) السرائر : ١٣١ .
(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٨ / ١٢٠٩ .
(٤) المغني ٣ : ٣٥٣ ـ ٣٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٢ .
(٥) المغني ٣ : ٣٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٢ .
(٦) تقدمت الإِشارة الى مصادره في المسألة ٢١٧ .
ويجب الجزاء في الأول بقسميه عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لأنّ الوحشي وإن استأنس لا يخرج عنه حكم توحّشه الأصلي ، كما أنّه لو توحّش إنسي لا يحرم التعرّض له ؛ إبقاءً لحكمه الأصلي .
وقال مالك : لا جزاء في المستأنس (٢) . وليس بجيّد .
ولا فرق في وجوب الجزاء بين أن يكون الصيد مملوكاً لإِنسان أو مباحاً . ـ إلّا أنّه يجب في المملوك مع الجزاء ما بين قيمته حيّاً ومذبوحاً للمالك ـ لظاهر القرآن (٣) .
وقال المزني من الشافعية : لا جزاء في الصيد المملوك (٤) . وليس بمعتمد .
إذا ثبت هذا ، فكما يحرم التعرّض للصيد يحرم التعرّض لأجزائه بالجرح والقطع ؛ لأنّ النبي عليه السلام قال في الحرم : ( لا يُنفّر صيدها ) (٥) ومعلوم أنّ الجرح والقطع أعظم من التنفير .
وكذا يحرم بيض الصيد وفرخه ولبنه على ما سيأتي .
البحث الثاني : لبس الثياب المخيطة
مسألة ٢٢٥ : يحرم على المُحْرم الرجل لُبْس الثياب المخيطة عند علماء الأمصار .
قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنّ المُحْرم ممنوع من لُبْس
__________________
(١) فتح العزيز ٧ : ٤٨٥ ، المجموع ٧ : ٢٩٧ .
(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ .
(٣) المائدة : ٩٥ .
(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٢٩٧ .
(٥) تقدّمت الإِشارة الى مصادره في المسألة ٢١٧ .
القميص والعمامة والسراويل والخُفّ والبُرْنُس (١) (٢) .
لما روى العامّة : أنّ رجلاً سأل رسول الله صلّى الله عليه وآله ما يلبس المُحْرم من الثياب ؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البَرانس ولا الخِفاف إلّا أحداً لا يجد نعلين فليلبس الخُفّين ، وليقطعهما أسفل من الكعبين ، ولا يلبس من الثياب شيئاً مسّه الزعفران ولا الورس » (٣) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « لا تلبس وأنت تريد الإِحرام ثوباً تزرّه ولا تدرعه ، ولا تلبس سراويل إلّا أن لا يكون لك إزار ، ولا الخُفّين إلّا أن لا يكون لك نعلان » (٤) .
وقد ألحق أهل العلم بما نصّ النبي عليه السلام عليه ما في معناه ، فالجُبّة والدراعة وشبههما ملحق بالقميص ، والتُبّان (٥) والران (٦) وشبههما ملحق بالسراويل ، والقلنسوة وشبهها مُساوٍ للبُرْنس ، والساعدان والقُفّازان (٧) وشبههما مساوية للخُفّين (٨) .
__________________
(١) البُرْنُس : قلنسوة طويلة ، وكان النُسّاك يلبسونها في صدر الإِسلام . الصحاح ٣ : ٩٠٨ « برنس » .
(٢) المغني ٣ : ٢٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠ ، المجموع ٧ : ٢٥٤ .
(٣) المغني ٣ : ٢٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠ ، وفي صحيح مسلم ٢ : ٨٣٤ / ١١٧٧ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ٩٧٧ / ٢٩٢٩ ، وسنن النسائي ٥ : ١٣١ ـ ١٣٢ ، والموطّأ ١ : ٣٢٤ ـ ٣٢٥ / ٨ بتفاوت .
(٤) التهذيب ٥ : ٦٩ ـ ٧٠ / ٢٢٧ .
(٥) التُبّان : سروال صغير مقدار شبر يستر العورة المغلّظة يكون للملّاحين . الصحاح ٥ : ٢٠٨٦ « تبن » .
(٦) الران كالخُفّ إلّا أنه لا قدم له ، وهو أطول من الخُفّ . القاموس المحيط ٤ : ٢٣٠ « رين » .
(٧) القُفّاز : شيء يُعمل لليدين يُحشى بقطن ، ويكون له أزرار تزرّ على الساعدين من البرد ، تلبسه المرأة في يديها ، وهما قُفّازان . الصحاح ٣ : ٨٩٢ « قفز » .
(٨) المغني ٣ : ٢٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠ .
إذا عرفت هذا ، فيحرم لُبْس الثياب المخيطة وغيرها إذا شابهها ، كالدرع المنسوج والمعقود ، كجبة اللّبد والملصق بعضه ببعض ، حملاً على المخيط ؛ لمشابهته إيّاه في المعنى من الترفّه والتنعّم .
مسألة ٢٢٦ : لو لم يجد الإِزار ، لبس السراويل ، وإذا لم يجد النعلين ، لبس الخُفّين بإجماع العلماء ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : سمعت النبي صلّى الله عليه وآله يخطب بعرفات ، يقول : ( مَنْ لم يجد نعلين فليلبس الخُفّين ، ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل للمُحْرم ) (١) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « لا تلبس سراويل إلّا أن لا يكون لك إزار » (٢) .
وعن الباقر عليه السلام في المُحْرم يلبس الخُفّ إذا لم يكن له نعل ، قال : « نعم ، ولكن يشقّ ظهر القدم » (٣) .
إذا عرفت هذا ، فإذا لبس السراويل أو الخُفّ للضرورة ، لم يكن عليه فدية عند علمائنا ـ وبه قال عطاء وعكرمة والثوري والشافعي وإسحاق (٤) ـ لأصالة البراءة ، ولتسويغ النبي صلّى الله عليه وآله اللُّبس لهما ؛ لأنّه أمر بلُبْسه ولم يذكر فدية .
وقال أبو حنيفة ومالك : على مَنْ لبس السراويل فدية ؛ لورود النهي عن لبسه (٥) ، ولأنّ ما وجبت الفدية بلُبْسه مع وجود الإِزار وجبت مع عدمه
__________________
(١) صحيح البخاري ٣ : ٢٠ ، المغني ٣ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١ .
(٢) التهذيب ٥ : ٦٩ ـ ٧٠ / ٢٢٧ .
(٣) الفقيه ٢ : ٢١٨ / ٩٩٧ .
(٤) المغني ٣ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٩٨ ، الوجيز ١ : ١٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٥ ، المجموع ٧ : ٢٦٦ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ .
(٥) تقدّمت الإِشارة الى مصادره في ص ٢٩٦ ، الهامش (٣) .
كالقميص (١) .
والنهي مخصوص بحديث ابن عباس ، والقميص يمكنه أن يتّزر به من غير لُبْس ويستتر به ، بخلاف السراويل .
مسألة ٢٢٧ : يحرم عليه لُبْس الخُفّين وما يستر ظهر القدم اختياراً ، ويجوز في حال الضرورة ؛ لما تقدّم من الأحاديث .
وهل يجب عليه شقّهما ؟ قال الشيخ رحمه الله : نعم (٢) . وبه قال عروة ابن الزبير ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي (٣) ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله قال : ( فإن لم يجد نعلين فليلبس خُفّين وليقطعهما حتى يكونا الى الكعبين ) (٤) .
ومن طريق الخاصّة : قول الباقر عليه السلام في المُحْرم يلبس الخُفّ ، قال : « نعم ولكن يشقّ ظهر القدم » (٥) .
وقال بعض علمائنا : لا يجب شقّهما (٦) . ورواه العامّة عن علي عليه السلام (٧) ، وبه قال عطاء وعكرمة وسعيد بن سالم (٨) ـ وعن أحمد روايتان
__________________
(١) المغني ٣ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ١٩٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ٩٨ ، المجموع ٧ : ٢٦٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٣ .
(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٢٠ ، الخلاف ٢ : ٢٩٥ ، المسألة ٧٥ .
(٣) المغني ٣ : ٢٧٧ ـ ٢٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٢ ، الاُم ٢ : ١٤٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٥ ، المجموع ٧ : ٢٦٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ١٩٦ .
(٤) المغني ٣ : ٢٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٢ ، صحيح البخاري ٣ : ٢٠ ـ ٢١ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٥ /١٨٢٣ ، سنن النسائي ٥ : ١٣٥ ، سنن الدارقطني ٢ : ٢٣٠ / ٦٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٩ .
(٥) الفقيه ٢ : ٢١٨ / ٩٩٧ .
(٦) ابن إدريس في السرائر : ١٢٧ ، والمحقّق في شرائع الإِسلام ١ : ٢٥٠ .
(٧) المغني ٣ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١ ـ ٢٨٢ .
(٨) المغني ٣ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١ ـ ٢٨٢ ، المجموع ٧ : ٢٦٥ .
كالقولين (١) ـ لما رواه العامّة عن علي عليه السلام : « قطع الخفّين فساد يلبسهما كما هُما » (٢) .
ولأنّه ملبوس اُبيح لعدم غيره ، فلا يجب قطعه كالسراويل .
ولأنّ قطعه لا يُخرجه عن حالة الحظر ، فإنّ المقطوع يحرم لُبْسه مع وجود النعل كلُبْس الصحيح .
ولاشتماله على إتلاف ماليّته .
فروع :
أ ـ لا يجوز له لُبْس المقطوع من الخُفّين مع وجود النعلين ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله شرط في لُبْسهما عدم النعل ، فلو لبسه وجبت الفدية ـ وبه قال مالك وأحمد (٣) ـ لأنّه مخيط بعضو على قدره ، فوجب على المُحْرم الفدية بلُبْسه كالقُفّازين .
وقال أبو حنيفة : لا فدية عليه ـ وللشافعي قولان كالمذهبين (٤) ـ لأنّه لو كان لُبْسهما محرّماً تجب به الفدية لما أمر النبي صلّى الله عليه وآله بقطعهما ؛ لعدم [ الفائدة فيه ] (٥) (٦) .
والجواب : القطع واللُّبس بعده إنّما يجوز مع عدم النعلين ، فالفائدة سقوط الدم والعقاب مع القطع وعدم النعل .
__________________
(١) المغني ٣ : ٢٧٧ ـ ٢٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١ ـ ٢٨٢ .
(٢) المغني ٣ : ٢٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٢ .
(٣) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٦٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، المغني ٣ : ٢٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٣ .
(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٣ ـ ٤٥٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، المغني ٣ : ٢٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٣ .
(٥) في النسخ الخطية والحجرية : لعدم الفدية ، وما أثبتناه يقتضيه السياق .
(٦) المغني ٣ : ٢٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ .
ب ـ يجوز لُبْس النعل مطلقاً ، ولا يجب قطع شيء منها ، ولا فدية حينئذٍ ؛ لورود الأمر بلُبْسهما مطلقاً ، والأصل عدم التخصيص .
وقال أحمد : يجب قطع القيد في النعل والعقب ، وتجب به الفدية لو لم يقطعهما (١) . وبه قال عطاء (٢) .
ج ـ لو وجد نعلاً لا يتمكّن من لُبسه ، لبس الخُفّ ، ولا فدية ؛ لأنّه بتعذّر استعماله أشبه المعدوم ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، وفي الثانية : تجب الفدية ؛ لأنّ النبي عليه السلام قال : ( مَنْ لم يجد نعلين فليلبس الخُفّين ) (٣) وهذا واجد (٤) .
وليس بجيّد ؛ لأنّ المراد الوجدان مع التمكّن من الاستعمال .
د ـ الجَوْربان (٥) كالخُفّين في المنع من لُبْسهما مع التمكّن من النعلين ، وجوازه مع عدمه ؛ لأنّه بمعناه .
وروى الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « وأيّ مُحْرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخُفّين إن اضطرّ الى ذلك ، والجوربين يلبسهما إذا اضطرّ الى لبسهما » (٦) .
هـ ـ ليس للمُحْرم أن يعقد عليه الرداء ولا غيره إلّا الإِزار والهميان ، وليس له أن يجعل لذلك زرّاً ولا عروة ؛ لأنّ يونس بن يعقوب سأل الصادق عليه السلام : عن المُحْرم يشدّ الهميان وسطه ، فقال : « نعم ، وما خيره بعد نفقته » (٧) .
__________________
(١ و ٢) المغني ٣ : ٢٨٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٤ .
(٣) تقدّمت الإِشارة إلىٰ مصادره في ص ٢٩٧ ، الهامش (١) .
(٤) المغني ٣ : ٢٨٠ ـ ٢٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٤ ـ ٢٨٥ .
(٥) الجَوْرَبُ معرّب ، والجمع : الجواربة ، والهاء للعجمة . الصحاح ١ : ٩٩ « جرب » .
(٦) التهذيب ٥ : ٣٨٤ / ١٣٤١ .
(٧) الفقيه ٢ : ٢٢١ / ١٠٢٧ .