السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-277-6
الصفحات: ٥٤٦
وفي الخبر : « المحصن يجلد مائة ويرجم » (١).
وفي آخر : « امرأة زنت فحملت ، فقتلت ولدها سرّاً ، فأمر بها فجلدها مائة جلدة ، ثم رجمت » (٢).
ومرّ في الصحيح : « من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ حدٍّ من حدود الله » إلى أن قال : « إلاّ الزاني المحصن ، فإنّه لا يرجمه حتى يشهد عليه أربعة شهود ، فإذا شهدوا ضربه الحدّ مائة جلدة ، ثم يرجمه » (٣).
وروى : أنّ عليّاً عليهالسلام جلد شراحة الهمدانيّة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة ، وقال : « حددتها بكتاب الله سبحانه ، ورجمتها بسنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم » (٤).
وتعليله عليهالسلام عامٌّ إن لم تكن شراحة شابّة ، وإلاّ فالرواية ناصّة ، وفيها إشارة إلى صحّة ما استدلّ به الجماعة على الجمع ، زيادة على النصوص المتقدّمة من الجمع بين الكتاب والسنّة ، نظير ما مرّ للحلّي من الجمع بينهما في المسألة السابقة.
وبين من اقتصر فيهما على الرجم ، وخصّ الجمع بينه وبين الجلد بالشيخ والشيخة خاصّة ، كالشيخ في النهاية وكتابي الحديث وبني زهرة وسعيد وحمزة (٥).
__________________
(١) المقنع : ١٤٦ ، مستدرك الوسائل ١٨ : ٤٢ أبواب حدّ الزنا ب ١ ح ١١.
(٢) التهذيب ١٠ : ٥ / ١٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٠١ / ٧٥٥ ، الوسائل ٢٨ : ٦٥ أبواب حدّ الزنا ب ١ ح ١٣.
(٣) راجع ص ٤٥٣. وهو في التهذيب ١٠ : ٧ / ٢٠ ، الإستبصار ٤ : ٢٠٣ / ٧٦١ ، الوسائل ٢٨ : ٥٦ أبواب مقدمات الحدود ب ٣٢ ح ١.
(٤) عوالي اللئالئ ٣ : ٥٥٢ / ٢٨ ، مستدرك الوسائل ١٨ : ٤٢ أبواب حدّ الزنا ب ١ ح ١٢ ، وفيهما : « سراجة » بدل : « شراحة » ، سنن البيهقي ٨ : ٢٢٠ ، مستدرك الحاكم ٤ : ٣٦٤ ٣٦٥.
(٥) النهاية : ٦٩٣ ، التهذيب ١٠ : ٩ ، الاستبصار ٤ : ٢٠٢ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢ ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٥٥٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٤١١.
لأصالة البراءة. وتدفع بالأدلّة المتقدّمة.
وللرواية الثانية : « إذا زنى الشيخ والعجوز جلدا ، ثم رجما عقوبةً لهما ، وإذا زنى النَّصَف (١) من الرجال رجم ولم يجلد إذا كان قد أُحصن » (٢) ونحوها اخرى (٣).
وقصورهما سنداً ومكافأةً لما مضى من وجوه شتّى يمنع من العمل بهما ، سيّما مع رجوع الشيخ عنهما في التبيان (٤) (٥).
وممّا ذكرنا يظهر أنّ ( أشبههما ) أي الروايتين ( الجمع ) بين الحدّين فيهما أيضاً.
( ولا يجب الرجم ) على المحصن ( بالزنا بالصغيرة ) الغير البالغة تسع سنين ( والمجنونة ) مطلقاً ( و ) لكن ( يجب ) عليه ( الجلد ) خاصّة.
( وكذا لو زنى بالمحصّنة صغير ) فلا يجب عليها الرجم ، بل الجلد خاصّة.
( و ) لكن ( لو زنى بها المجنون لم يسقط عنها الرجم ) وفاقاً للنهاية (٦) وجماعة (٧) ، بل على عدم إيجاب زنا العاقل بالمجنونة الرجم
__________________
(١) النَّصَف : الكهل كأنّه بلغ نصف عمره لسان العرب ٩ : ٣٣١.
(٢) التهذيب ١٠ : ٤ / ١٠ ، الإستبصار ٤ : ٢٠٠ / ٧٥٠ ، الوسائل ٢٨ : ٦٤ أبواب حدّ الزنا ب ١ ح ١١.
(٣) الفقيه ٤ : ٢٧ / ٦٨ ، التهذيب ١٠ : ٥ / ١٧ ، الوسائل ٢٨ : ٦٤ أبواب حدّ الزنا ب ١ ح ١١.
(٤) التبيان ٧ : ٤٠٥.
(٥) في « ن » زيادة : إلى الجمع بينهما.
(٦) النهاية : ٦٩٥ ، ٦٩٦.
(٧) منهم العلاّمة في القواعد ٢ : ٢٥٢ ، والتحرير ٢ : ٢٢٢ ، وانظر كشف الرموز ٢ : ٥٤٦ ، ومفاتيح الشرائع ٢ : ٧١.
عليه ادّعى في الروضة الشهرة (١).
وحجّتهم غير واضحة ، عدا الصحيح في زنا الصغير بالمحصنة ، قال : « لا ترجم ؛ لأنّ الذي نكحها ليس بمدرك ، فلو كان مدركاً رجمت » (٢).
وقريب منه عموم صحيح آخر مرويّ عن قرب الإسناد : عن صبيّ وقع على امرأة ، قال : « تجلد المرأة ، وليس على الصبيّ شيء » (٣)
وهما أخصّ من المدّعى ، معارضان بما ورد في الروايات من إطلاق حدّ البالغ منهما ، وهو محمول على الحدّ المعهود عليه بحسب حاله من الإحصان وغيره.
ففي الموثّق : في غلام لم يبلغ الحلم فجر بامرأة ، أيّ شيء يصنع بهما؟ قال : « يضرب الغلام دون الحدّ ، ويقام على المرأة الحدّ » قلت : جارية لم تبلغ وجدت مع رجل يفجر بها؟ قال : « تضرب الجارية دون الحدّ ، ويقام على الرجل الحدّ » (٤) ونحوه غيره (٥).
ولعلّه لذا ذهب الحلّي (٦) وجماعة (٧) في ظاهر إطلاق عبائرهم إلى وجوب الحدّ على الكامل منهما كملاً ؛ لتحقّق الإحصان والزنا المقتضي
__________________
(١) الروضة البهيّة ٩ : ١٠٣.
(٢) الكافي ٧ : ١٨٠ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٨ / ٣٩ ، التهذيب ١٠ : ١٦ / ٤٤ ، علل الشرائع : ٥٣٤ / ١ ، الوسائل ٢٨ : ٨١ أبواب حدّ الزنا ب ٩ ح ١.
(٣) قرب الإسناد : ٢٥٧ / ١٠١٥ ، الوسائل ٢٨ : ٨٣ أبواب حدّ الزنا ب ٩ ح ٥.
(٤) الكافي ٧ : ١٨٠ / ٢ ، الفقيه ٤ : ١٨ / ٤٠ ، التهذيب ١٠ : ١٧ / ٤٥ ، الوسائل ٢٨ : ٨٢ أبواب حدّ الزنا ب ٩ ح ٢.
(٥) انظر الوسائل ٢٨ : ٨١ أبواب حدّ الزنا ب ٩.
(٦) السرائر ٣ : ٤٤٣ ، ٤٤٤.
(٧) منهم المفيد في المقنعة : ٧٧٩ ، والحلبي في الكافي في الفقه : ٤٠٥ ، وابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهيّة ) : ٦٢٢.
لكمال الحدّ بالرجم.
ويمكن الذبّ عن الأخصّية بعدم القائل بالفرق بين المورد وغيره ، فكلّ من قال بعدم الرجم فيه قال بعدمه بزنا المحصن بالصغيرة والمجنونة ، وكلّ من قال بثبوته عليها في المورد قال بثبوته عليه في زناه بهما. هذا.
مع أنّ الحلّي في السرائر جعل تمام المدّعى مما في العبارة رواية ، وإرسالها مجبور بالشهرة الظاهرة والمحكيّة (١) ، ولو لا شبهة احتمال ضعف الدلالة لكانت هي للجماعة حجّة مستقلّة ، فالمشهور لعلّه لا يخلو عن قوّة ؛ لقوّة ما مرّ من الحجّة المعتضدة زيادة على الشهرة بما ذكروه من علل اعتباريّة ، ولو تنزّلنا عن قوّتها فلا ريب في إيراثها الشبهة الدارئة للحدود اتّفاقاً فتوًى ورواية.
وأمّا زنا المجنون بالكاملة ، فلا إشكال في إيجابه الحدّ عليها كملاً ، ولا خلاف فيه ظاهراً ؛ إلاّ ما يحكى عن ابن عمّ الماتن ، حيث سوّى بين الصبيّ والمجنون في أنّها إن زنت بأحدهما لم ترجم (٢) ؛ ومستنده مع شذوذه غير واضح ، بل قيام الأدلّة على خلافه لائح.
( ويُجَزّ ) أي يحلق ( رأس البكر مع الحدّ ) وجلد مائة ( ويُغَرَّب ) وينفى ( عن بلده ) التي جلد فيها كما يستفاد من النصوص ( سنة ) بلا خلاف أجده في الجملة ، بل عليه الإجماع في المسالك والغنية (٣) ؛ وهو الحجّة.
مضافاً إلى النصوص المستفيضة ، منها زيادة على ما يأتي إليه
__________________
(١) في « ن » زيادة : في الجملة.
(٢) الجامع للشرائع : ٥٥٢.
(٣) المسالك ٢ : ٤٢٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢.
الإشارة النبويّ : « البكر بالبكر : جلد مائة وتغريب عام ، والثيّب بالثيّب : جلد مائة ثم الرجم » (١).
والصحيح : « في الشيخ والشيخة : جلد مائة والرجم ؛ والبكر والبكرة : جلد مائة ونفي سنة » (٢).
وليس فيهما ككثير من النصوص ذكر الجزّ ، كما هنا وفي الشرائع والقواعد والإرشاد والتحرير وعن النهاية والمراسم والوسيلة والجامع والمقنعة (٣) ، بل فيها ذكر الجلد والتغريب خاصّة.
ولعلّه لذا لم يذكره من القدماء جماعة ، كالصدوق والعماني والإسكافي والشيخ في المبسوط والخلاف وابن زهرة.
ولكن الأوّل أشهر ، بل لم ينقل الخلاف فيه كثير ؛ للخبرين :
في أحدهما : عن رجل تزوّج امرأة ولم يدخل بها ، فزنى ، ما عليه؟
قال : « يجلد الحدّ ، ويحلق رأسه ، ويفرّق بينه وبين أهله ، وينفى سنة » (٤).
وفي الثاني : فيمن تزوّج ففجر قبل أن يدخل بأهله ، فقال : « يضرب مائة ، ويجزّ شعره ، وينفى من المصر حولاً ، ويفرّق بينه وبين أهله » (٥).
وظاهر إطلاق الجزّ فيه وإن شمل جزّ شعر اللحية ونحوها ، إلاّ أنّ
__________________
(١) عوالي اللئالئ ١ : ٢٣٧ / ١٤٩ ، مستدرك الوسائل ١٨ : ٦٢ أبواب حدّ الزنا ب ٢٢ ح ٨.
(٢) الفقيه ٤ : ١٧ / ٣٠ ، التهذيب ١٠ : ٤ / ١٤ ، الإستبصار ٤ : ٢٠١ / ٧٥٤ ، الوسائل ٢٨ : ٦٤ أبواب حدّ الزنا ب ١ ح ٩.
(٣) الشرائع ٤ : ١٥٥ ، القواعد ٢ : ٢٥٢ ، الإرشاد ٢ : ١٧٣ ، التحرير ٢ : ٢٢٢ ، النهاية : ٦٩٤ ، المراسم : ٢٥٣ ، الوسيلة : ٤١١ ، الجامع للشرائع : ٥٥٠ ، المقنعة : ٧٨٠.
(٤) التهذيب ١٠ : ٣٦ / ١٢٥ ، الوسائل ٢٨ : ٧٨ أبواب حدّ الزنا ب ٧ ح ٨.
(٥) التهذيب ١٠ : ٣٦ / ١٢٤ ، الوسائل ٢٨ : ٧٧ أبواب حدّ الزنا ب ٧ ح ٧.
المتبادر منه جزّ شعر الرأس ، فينبغي تقييده به ، سيّما مع التصريح به في الخبر الأوّل ، ولذا منع الأصحاب عن غيره ، بل ظاهر المحكيّ عن المقنعة والمراسم والوسيلة : تخصيصه بشعر الناصية.
قيل : لأصل البراءة من الزيادة عليها ، وزيادة مدخليّة جزّ شعرها خاصّة في الشناعة (١).
وهو حسن ، لولا ظهور الخبرين في جزّ شعر الرأس بتمامه ، مع كونهما المستند في أصل جوازه ( و ) اختلف الأصحاب في تعريف ( البكر من ) هو؟ فقيل : الذي ( ليس بمحصن ) مطلقاً ، كما في صريح المبسوط والخلاف والسرائر ، وظاهر العماني والإسكافي والحلبي (٢) ، واختاره أكثر المتأخّرين كما في المسالك (٣) ، بل المشهور كما في غيره ، وظاهر السرائر وصريح الخلاف كونه مجمعاً عليه بين الطائفة ؛ وهو الحجّة.
مضافاً إلى النبويّة المتقدّمة (٤) ، حيث قسّم الزاني فيها قسمين لا ثالث لهما.
وإطلاق الخبر : « إذا زنى الشاب الحدث السن جلد ، ونفي سنة من مصره » (٥) فإنّه عامّ ، خرج المحصن بالنصّ والإجماع ، فيبقى غيره.
__________________
(١) انظر كشف اللثام ٢ : ٣٩٩.
(٢) المبسوط ٨ : ٢ ، الخلاف ٥ : ٣٦٨ ، السرائر ٣ : ٤٣٩ ، حكاه عن العماني والإسكافي في المختلف : ٧٥٧ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٤٠٥.
(٣) المسالك ٢ : ٤٢٨.
(٤) في ص ٤٨٥.
(٥) التهذيب ١٠ : ٤ / ١٠ ، الوسائل ٢٨ : ٦٤ أبواب حدّ الزنا ب ١ ح ١١.
( وقيل ) كما عن صريح النهاية والجامع والغنية والإصباح ، وظاهر المقنع والمقنعة والمراسم والوسيلة (١) ـ : إنّه ( الذي أُملك ) وعقد له أو عليها دواماً ( ولم يدخل ) وادّعى في التحرير عليه الشهرة ، واختاره فيه وفي المختلف ، وولده في الإيضاح ، وأبو العبّاس في المقتصر (٢) ؛ للنصوص :
منها الصحيح : « في البكر والبكرة إذا زنيا : جلد مائة ، ونفي سنة في غير مصرهما ، وهما اللذان قد أُملكا ولم يدخل بها » (٣).
ومنها : « الذي لم يحصن يجلد مائة ولا ينفى ، والذي قد أُملك ولم يدخل بها يجلد مائة وينفى سنة » (٤).
وقصور سند الثاني ، وتضمّن الأوّل نفي البكرة مع أنّهم لا يقولون به ، بل ادّعى في الخلاف الإجماع على خلافه كما يأتي يمنع عن العمل بهما ؛ مع ضعف دلالة الأوّل باحتمال كون التعريف (٥) من غير الإمام عليهالسلام.
ولا جابر لهذه القوادح ، عدا الشهرة المحكيّة في التحرير ، وهي موهونة بعدم المعلوميّة ، مع دعوى جماعة الشهرة على خلافها ، ومنهم : شيخنا في المسالك كما عرفته.
__________________
(١) النهاية : ٦٩٤ ، الجامع للشرائع : ٥٥٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢ ، المقنع : ١٤٦ ، المقنعة : ٧٨٠ ، المراسم : ٢٥٣ ، الوسيلة : ٤١١ ، حكاه عن الإصباح في كشف اللثام ٢ : ٣٩٩.
(٢) التحرير ٢ : ٢٢٢ ، المختلف : ٧٥٧ ، الإيضاح ٤ : ٤٧٩ ، المقتصر : ٤٠٠.
(٣) الكافي ٧ : ١٧٧ / ٧ ، التهذيب ١٠ : ٣ / ٩ ، الإستبصار ٤ : ٢٠٢ / ٧٥٩ ، الوسائل ٢٨ : ٦١ أبواب حدّ الزنا ب ١ ح ٢.
(٤) الكافي ٧ : ١٧٧ / ٦ ، التهذيب ١٠ : ٤ / ١٢ ، الإستبصار ٤ : ٢٠٠ / ٧٥٢ ، الوسائل ٢٨ : ٦٣ أبواب حدّ الزنا ب ١ ح ٧.
(٥) في « ن » التفسير.
ويزيد وهنها رجوع الشيخ عمّا يوافقها إلى القول الأوّل في كتابيه المبسوط والخلاف ، سيّما وأنّ في الثاني ادّعى الإجماع.
فالقول الأوّل لا يخلو عن قوّة ، وإن كانت المسألة لا تخلو بَعْدُ عن شبهة ؛ ولعلّه لذا أنّ الفاضل في الإرشاد والقواعد والفاضل المقداد في التنقيح والصيمري في شرح الشرائع (١) ظاهرهم التردّد ، حيث اقتصروا على نقل القولين من دون ترجيح لأحدهما في البين ، وبه تحصل الشبهة الدارئة ، وبموجبه يتقوّى القول الثاني في المسألة ، سيّما وظاهر الغنية أنّ عليه إجماع الإماميّة.
( ولا تغريب على المرأة ) مطلقا ، على الأشهر الأقوى ، بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا ، على الظاهر المصرّح به في المختلف (٢) ، بل عليه في صريح الخلاف والغنية وظاهر المبسوط الإجماع (٣) ؛ وهو الحجّة المترجّحة على نحو الصحيحة المتقدّمة بالأصل ، والشهرة العظيمة الظاهرة والمحكيّة في كلام جماعة (٤) ، وتعدّد النقلة له ، والعلل المذكورة في كلام الجماعة من أنّ المرأة عورة يقصد بها الصيانة ومنعها عن الإتيان بمثل ما فعلت ، ولا يؤمن عليها ذلك في الغربة ، وغير ذلك.
خلافاً للعماني ، فقال : تغرّب أيضاً (٥) ، وربما يحكى عن
__________________
(١) الإرشاد ٢ : ١٧٣ ، القواعد ٢ : ٢٥٢ ، التنقيح ٤ : ٣٣٧ ، غاية المرام ٤ : ٣١٧.
(٢) المختلف : ٧٥٧.
(٣) الخلاف ٥ : ٣٦٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢ ، المبسوط ٨ : ٢.
(٤) منهم العلاّمة في المختلف : ٧٥٧ ، الفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٣٣٨ ، ابن فهد في المهذّب البارع ٥ : ٣١ ، الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٢٨ ، والروضة ٩ : ١١١ ، والكاشاني في المفاتيح ٢ : ٧٢.
(٥) حكاه عنه في المختلف : ٧٥٧.
الإسكافي (١).
وهو شاذٌّ وإن دلّ عليه نحو الصحيح المتقدّم ؛ لما تقدّم. مضافاً إلى ما قيل عليه من أنّه ليس نصّاً في تغريبها ؛ لجواز أن يراد : أنّه عليهالسلام قضى فيما إذا زنى بكر ببكرة بجلد مائة ونفي سنة إلى غير مصرهما ، أي المصر الذي زنيا فيه ، وهو ليس صريحاً في تغريبها ، فيجوز اختصاصه به (٢)
( و ) كذا ( لا جزّ ) عليها اتّفاقاً في الظاهر المصرّح به في بعض العبائر (٣) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى أصالة البراءة هنا ، السليمة عن المعارض بالكلّية من الفتوى والرواية ؛ لاختصاص ما دلّ منهما على الجزّ بالرجل دون المرأة.
واعلم أنّ ما مرّ من اختلاف الحدود وثبوتها على الزاني باختلاف أنواعه غير القتل يختصّ بما إذا كان حرّا.
( و ) أمّا ( المملوك ) فالحكم فيه أن ( يجلد خمسين ) جلدة مطلقاً ( ذكراً كان أو أُنثى ، محصناً أو غير محصن ) شيخاً أو شابّاً ، بلا خلاف ؛ لقوله سبحانه ( فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ) (٤).
وللنصوص المستفيضة.
منها الصحيح : « قضى أمير المؤمنين عليهالسلام في العبيد والإماء إذا زنى أحدهم : أن يجلد خمسين جلدة وإن كان مسلماً أو كافراً أو نصرانيّاً ، ولا يرجم ولا ينفى » (٥).
__________________
(١) حكاه عنه في المسالك ٢ : ٤٢٨.
(٢) كشف اللثام ٢ : ٣٩٩.
(٣) كشف اللثام ٢ : ٣٩٩.
(٤) النساء : ٢٥.
(٥) الكافي ٧ : ٢٣٨ / ٢٣ ، التهذيب ١٠ : ٢٨ / ٨٩ ، الوسائل ٢٨ : ١٣٤ أبواب حدّ الزنا ب ١ ح ٥ ؛ بتفاوت يسير.
ومنها : في الأمة تزني ، قال : « تجلد نصف الحدّ ، كان لها زوج أو لم يكن لها زوج » (١).
ومنها : « إذا زنى العبد والأمة وهما محصنان فليس عليهما الرجم ، إنّما عليهما الضرب » (٢).
( ولا جزّ على أحدهما ) أي المملوك والمملوكة ( ولا تغريب ) مطلقاً ، بلا خلاف فيه بيننا ، بل عليه الإجماع في ظاهر كلام جماعة (٣) وصريح الغنية والروضة (٤) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى الصحيحة المتقدّمة في نفي النفي ولا قائل بالفرق ، وأصالة البراءة ؛ مع اختصاص المثبت لهما على البكر من الفتوى والرواية بحكم التبادر والغلبة بالحرّ دون الرّق ؛ مع أنّ في التغريب إضراراً بالسيّد ، وأنّه للتشديد والمملوك اعتاد الانتقال من بلد إلى آخر ؛ لأنّه جليب.
( ولو تكرّر الزنا ) من الحرّ أو المملوك ولم يحدّ فيما بينها ( كفى ) أن يقام عليه ( حَدٌّ واحد ) مطلقاً ، على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخّر ، وادّعى عليه الشهرة المطلقة جماعة ، ومنهم : الفاضل في المختلف (٥) ، بل ظاهره بلوغها الإجماع حيث استند إليها ، مع أنّ الشهرة الغير البالغة حدّه ليست حجّة عنده.
__________________
(١) الكافي ٧ : ٢٣٤ / ٤ ، الفقيه ٤ : ٣٢ / ٩١ ، التهذيب ١٠ : ٢٧ / ٨٢ ، الوسائل ٢٨ : ١٣٣ أبواب حدّ الزنا ب ٣١ ح ٢.
(٢) التهذيب ١٠ : ٢٧ / ٨٣ ، الوسائل ٢٨ : ١٣٤ أبواب حدّ الزنا ب ٣١ ح ٣.
(٣) منهم الشيخ في المبسوط ٨ : ١١ ، والخلاف ٥ : ٣٦٩ ، ٣٧٠ ، الكاشاني في المفاتيح ٢ : ٧٢ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٤٠٠.
(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢ ، الروضة ٩ : ١١١.
(٥) المختلف : ٧٦٢.
قيل : لأصالة البراءة ، وصدق الامتثال ، وابتناء الحدود على التخفيف ، وللشكّ في وجوب الزائد فيدرأ بالشبهة (١).
وفي الأولين مناقشة ؛ لاقتضاء تعدّد الأسباب تعدّد المسبَّبات ، والتداخل خلاف الأصل.
لكن مقتضى هذا : لزوم التعدّد مطلقاً ، ولو كان المزنيّ بها مكرّراً واحدة ، ولم يقل به أحد من الطائفة ، حتى الإسكافي والصدوق ، اللذين حكي عنهما الخلاف في المسألة ، فإنّهما قالا بما عليه الجماعة إن وقع التكرار بامرأة واحدة ، وأوجبا التعدّد إن وقع بالمتعدّدة (٢).
وحينئذ ، فلا يمكن الأخذ بالقاعدة المقتضية لتعدّد المسبّبات عند تعدّد أسبابها ؛ لمخالفة عمومها الإجماع هنا ، فلا بُدّ من المصير إلى أحد القولين : إمّا التفصيل المتقدّم ، أو المنع عن التعدّد مطلقاً.
والأوّل غير ممكن ؛ لعدم الدليل عليه ، عدا خبر واحد (٣) قاصر السند ، بل ضعيف شاذّ مطروح ، كما صرّح به الماتن في الشرائع (٤).
فتعيّن الثاني.
وينبغي تقييده بما إذا اقتصى الزنا المتكرّر نوعاً واحداً من الحدّ جلداً ، أو رجماً ، أو نحوهما أمّا لو اقتضى حدوداً مختلفة كأن زنى بكراً ، ثم زنى محصناً توجّه عليه الحدّان معاً.
ولا ينافيه إطلاق العبارة ونحوها ؛ لعدم انصرافها بحكم التبادر إلى
__________________
(١) المسالك ٢ : ٤٢٩.
(٢) حكاه عنهما في المختلف : ٧٦٢ ، وهو في المقنع : ١٤٧.
(٣) الكافي ٧ : ١٩٦ / ١ ، الفقيه ٤ : ٢٠ / ٤٩ ، التهذيب ١٠ : ٣٧ / ١٣١ ، الوسائل ٢٨ : ١٢٢ أبواب حد الزنا ب ٢٣ ح ١.
(٤) الشرائع ٤ : ١٥٥.
الصورة الأخيرة جدّاً ؛ مع تصريحهم كما سيأتي (١) إن شاء الله تعالى بأنّه إذا اجتمع عليه الحدّ والرجم جُلِدَ أوّلاً ، وهو كالصريح (٢) فيما ذكرنا.
( ولو حُدَّ مع كلّ مرّة قُتِلَ في الثالثة ) وفاقاً للصدوقين والحلّي (٣) ؛ للصحيح : « إنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة » (٤) وادّعى الإجماع عليه في السرائر.
( وقيل ) كما عن المقنعة والنهاية والمبسوط والكافي والجامع والوسيلة والانتصار والغنية (٥) ـ : بل يقتل ( في الرابعة ، وهو ) أشهر ، كما ادّعاه جمعٌ ممن تأخّر (٦) ، معترضين به إجماع الحلّي.
أقول : مع أنّه معارض بالإجماع المحكيّ في الانتصار والغنية على الحكم في خصوص المسألة ، ولا كذلك إجماعه ؛ لكونه مدّعى على الحكم كلّية في كلّ كبيرة ، فيترجّح إجماعهما على إجماعه ، سيّما مع تعدّده ، فيخصَّص به إجماعه والصحيح المتقدّم ؛ لعمومه ، مع معارضته أيضاً بكثير من النصوص.
كالموثّق : « الزاني إذا جُلِدَ ثلاثاً يُقَتل في الرابعة » (٧).
__________________
(١) في ص ٥٠١.
(٢) في « ب » و « س » : صريح.
(٣) حكاه عن الصدوقين في المختلف : ٧٥٨ ، وهو في المقنع : ١٤٨ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٤٤٢.
(٤) الكافي ٧ : ١٩١ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٥١ / ١٨٢ ، التهذيب ١٠ : ٩٥ / ٣٦٩ ، الإستبصار ٤ : ٢١٢ / ٧٩١ ، الوسائل ٢٨ : ١٩ أبواب مقدّمات الحدود ب ٥ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.
(٥) المقنعة : ٧٩٩ ، النهاية : ٦٩٤ ، المبسوط ٨ : ١١ ، الكافي في الفقه : ٤٠٧ ، الجامع : ٥٥١ ، الوسيلة : ٤١١ ، الانتصار : ٢٥٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢.
(٦) المسالك ٢ : ٤٢٩ ، مجمع الفائدة ١٣ : ٨٧ ، مفاتيح الشرائع ٢ : ٧٠.
(٧) الكافي ٧ : ١٩١ / ١ ، التهذيب ١٠ : ٣٧ / ١٢٩ ، الإستبصار ٤ : ٢١٢ / ٧٩٠ ، الوسائل ٢٨ : ١٩ أبواب مقدمات الحدود ب ٥ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.
والخبر المرويّ عن العيون والعلل ، عن محمّد بن سنان ، عن مولانا الرضا عليهالسلام فيما كتب إليه : « وعلّة القتل بعد إقامة الحدّ في الثالثة على الزاني والزانية لاستخفافهما » إلى آخر الرواية (١).
وقريب منهما اخرى آتية ؛ وقصور السند مجبور بالشهرة الظاهرة (٢) والمحكيّة في كلام جماعة ، والإجماعات المنقولة ، كما عرفته.
وهذه النصوص مخصِّص آخر أيضاً للصحيحة المتقدّمة.
فإذاً هذا القول في غاية القوّة ، مع كونه ( أحوط ) بلا خلاف ولا شبهة ؛ لما فيه من عدم التهجّم على إراقة الدماء ، وحفظ النفس المحترمة.
وأمّا القول بقتله في الخامسة كما يحكى عن الخلاف (٣) فشاذٌّ غير واضح المستند ، مخالف للإجماع.
( والمملوك ) وكذا المملوكة ( إذا أُقيم عليه حدّ الزنى سبعاً قُتِل في الثامنة ) وفاقاً للشيخين والصدوقين والديلمي والحلبي والحلّي وابن حمزة والسيّدين في الانتصار والغنية مدّعيَين عليه إجماع الإماميّة (٤) ، ونسبه في السرائر إلى أصحابنا ما عدا الشيخ في النهاية ، مشعراً بدعوى الإجماع عليه
__________________
(١) علل الشرائع : ٥٤٦ / ١ ، عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٩٥ ، الوسائل ٢٨ : ١٩ أبواب مقدّمات الحدود ب ٥ ح ٣.
(٢) في « ب » : العظيمة.
(٣) الخلاف ٥ : ٤٠٨.
(٤) المفيد في المقنعة : ٧٧٩ ، الشيخ في المبسوط ٨ : ١١ ، والخلاف ٥ : ٤٠٨ ، حكاه عن الصدوقين في المختلف : ٧٥٨ ، وهو في المقنع : ١٤٨ ، الديلمي في المراسم : ٢٥٣ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٤٠٧ ، الحلّي في السرائر ٣ : ٤٦٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ٤١١ ، الانتصار : ٢٥٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢.
أيضاً ؛ وهو الحجّة.
مضافاً إلى الصحيحة : « إذا زنى العبد ضرب خمسين ، فإن عاد ضرب خمسين ، فإن عاد ضرب خمسين إلى ثماني مرّات ، فإن زنى ثماني مرّات قتل » (١).
ويناسبه ما مرّ من الأدلّة على قتل الحرّ في الرابعة ؛ بناءً على تنصيف حكم المملوك.
( وقيل ) كما عن النهاية والقاضي (٢) ـ : بل يقتل ( في التاسعة ) واختاره الفاضل في المختلف وولده في الإيضاح (٣).
للخبر : في أمة زنت ، قال : « تجلد خمسين جلدة » قلت : فإنّها عادت ، قال : « تجلد خمسين » قلت : فيجب عليها الرجم في شيء من الحالات؟ قال : « إذا زنت ثماني مرّات يجب عليها الرجم » قلت : كيف صار في ثماني مرّات؟ فقال : « لأنّ الحرّ إذا زنى أربع مرّات وأُقيم عليه الحدّ قتل ، فإذا زنت الأمة ثماني مرّات رجمت في التاسعة » (٤).
وضعف سنده يمنع عن العمل به ، سيّما مع اختلال متنه بتضمنه تعليل القتل في التسع بمناسبته لتنصيف حدّ المملوك عن حدّ الحرّ ، ولا ريب أنّها تقتضي القتل في الثامنة كما عرفته وصرّح به جماعة ، فلا يمكن الجمع بينهما ، ولا الحكم بخلل (٥) التعليل ؛ لموافقته الأدلّة
__________________
(١) الكافي ٧ : ٢٣٥ / ١٠ ، التهذيب ١٠ : ٢٨ / ٨٧ ، الوسائل ٢٨ : ١٣٦ أبواب حدّ الزنا ب ٣٢ ح ٢.
(٢) النهاية : ٦٩٥ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٢٠.
(٣) المختلف : ٧٥٨ ، إيضاح الفوائد ٤ : ٤٨٨.
(٤) الكافي ٧ : ٢٣٥ / ٧ ، الفقيه ٤ : ٣١ / ٩٠ ، التهذيب ١٠ : ٢٧ / ٨٦ ، الوسائل ٢٨ : ١٣٥ أبواب حدّ الزنا ب ٣٢ ح ١.
(٥) في « ن » زيادة : بحال.
المتكاثرة من الفتوى والرواية ، فتعيّن توجّه الخلل إلى الحكم بالقتل في التاسعة ، سيّما مع منافاته لصدر الرواية ، فإنّ ظاهره كالصحيحة السابقة هو القتل في الثامنة.
مع أنّه أيضاً تضمّن الأمر بالرجم ، وهو ينافي جواز مطلق القتل ولو بغيره ، المتّفق عليه حتى من أرباب هذا القول.
ولا جابر لهذه القوادح وغيرها من نحو القصور عن المقاومة للأدلّة المتقدّمة ؛ لاشتهارها شهرة عظيمة ، دون هذه الرواية ، سيّما مع رجوع الشيخ في المبسوط والخلاف عنها إلى ما عليه الجماعة ، فلم يبق من القدماء قائل بهذا القول عدا القاضي ، وهو بالنسبة إلى باقيهم نادرٌ جدّاً ، كندرة الفاضل وولده بالنسبة إلى باقي المتأخّرين ؛ إذا لم يصر أحد منهم إلى ترجيح هذا القول صريحاً ، وإن احتاطوا به فقالوا : ( وهو أولى ) لعين ما في المسألة السابقة قد مضى.
وفيه نظر جدّاً ؛ إذ الأولويّة حسنة حيث يحصل شبهة للحدّ دارئة ، وهي في المسألة بعد ما عرفت من قيام الأدلّة القويّة من الصحيحة ، والإجماعات المحكيّة ، والشهرة العظيمة المتحقّقة (١) مفقودة ، وإن لم يحصل منها سوى المظنّة ؛ لكونها من المجتهد بمنزلة العلم والمعرفة كما برهن في محلّه ، ولذا يكتفى بها في سائر المواضع المأمور فيها بتحصيل العلم اتّفاقاً ، فينبغي الاكتفاء بها هنا أيضاً ؛ والاحتياط في العمل بالأخذ بالمتيقّن حسن حيث لم يكن فيه مخالفة الاحتياط من وجه آخر ، كما في محلّ البحث ، فإنّ ترك قتله في الثامنة بعد ( ثبوت الأمر به ) (٢) بالظنّ
__________________
(١) في « ن » : المحقّقة.
(٢) في « ن » : ثبوته.
الاجتهادي يوجب تعطيل حدود الله تعالى.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إذا دار الأمر بين محظورين كان الاحتياط في اجتناب أكثرهما ضرراً ، ولا ريب أنّ ضرر قتل النفس المحترمة أشدّ ثم أشدّ من ضرر تعطيل حدود الله سبحانه ، فتأمّل.
وهنا قول آخر بالتفصيل محكيّ عن الراوندي ، مأخذه الجمع بين الخبرين ، بحمل الأوّل على ما إذا أُقيمت البيّنة ، والثاني على حالة الإقرار (١).
وهو ( مع شذوذه ) (٢) تحكّم ، كما صرّح به جمع (٣) ؛ لفقد التكافؤ ، ثم الشاهد.
وفي الروايتين (٤) : أنّ الإمام يدفع ثمن المملوك بعد قتله إلى مواليه من بيت المال ، واختاره بعضهم (٥) ، ونفى عنه الشهيد البعد (٦).
( والحاكم في الذمّي ) إذا زنى بذمّية ( بالخيار : في إقامة الحدّ عليه ، وتسليمه إلى أهل نِحلَته ) وملّته ( ليقيموا الحدّ ) عليه ( على معتقدهم ) الذي يزعمونه حقّا وإن حرّفوه ، بلا خلاف أجده ، وبه صرّح بعض الأجلّة (٧) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى قوله سبحانه ( فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ
__________________
(١) حكاه عنه في غاية المراد ( مخطوط ) النسخة الرضوية ، الورقة : ٢٨٦.
(٢) ما بين القوسين ليس في « ن ».
(٣) منهم الشهيد في غاية المراد ( مخطوط ) النسخة الرضوية ، الورقة : ٢٨٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٢٩ ، والكاشاني في المفاتيح ٢ : ٧٠ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٤٠٦.
(٤) المتقدّمتين في ص ٤٩٢.
(٥) الظاهر من الصدوق اختياره ، الفقيه ٤ : ٣٢ وانظر المفاتيح ٢ : ٧٠.
(٦) غاية المراد ( مخطوط ) النسخة الرضوية ، الورقة : ٢٨٦.
(٧) مجمع الفائدة ١٣ : ٩٤.
بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ) (١)
وللعامّة قول بنسخة ووجوب الحكم بقوله تعالى ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ) (٢).
ولم يثبت ، والأصل عدمه ؛ مع أنّ في بعض الأخبار المعتبرة : عن الرجل يزني بيهوديّة أو نصرانيّة ، فكتب عليهالسلام : « إن كان محصناً فارجمه ، وإن كان بكراً فاجلده مائة جلدة ، ثم انفه ، وأمّا اليهوديّة فابعث بها إلى أهل ملّتها فيقضوا ما أحبّوا » (٣).
وظاهره كالعبارة ونحوها من عبائر الجماعة حجّة على من فسّر الدفع بمعنى الإعراض ، قائلاً : إنّ الدفع ليقيم حاكمهم عليه الحدّ بما يراه أمرٌ بالمنكر إن خالف شرعنا ، نعم يجوز إذا وافقه (٤).
لكن ما ذكره يوافق ظاهر الآية ، والاعتبار الذي ذكره ، والرواية المرويّة عن قرب الإسناد : عن يهوديّ أو نصرانيّ أو مجوسيّ أُخذ زانياً ، أو شارب خمر ، ما عليه؟ قال : « يقام عليه حدود المسلمين إذا فعلوا ذلك في مصر من أمصار المسلمين ، أو في غير أمصار المسلمين إذا رفعوا إلى حكّام المسلمين » (٥)
فالأحوط ما ذكره ، سيّما مع احتمال نسخ الآية ، وإن كان دعواه غير ثابتة.
__________________
(١) المائدة : ٤٢.
(٢) المائدة : ٤٩.
(٣) التهذيب ١٠ : ١٥ / ٣٦ ، الإستبصار ٤ : ٢٠٧ / ٧٧٣ ، الوسائل ٢٨ : ٨٠ أبواب حدّ الزنا ب ٨ ح ٥ ؛ بتفاوت يسير.
(٤) انظر كشف اللثام ٢ : ٤٠٤.
(٥) قرب الاسناد : ٢٦٠ / ١٠٣٠ ، الوسائل ٢٨ : ٥٠ أبواب مقدّمات الحدود ب ٢٩ ح ١.
وإنّما قيّدنا الحكم بما إذا زنى بذمّية تبعاً لجماعة (١) لأنّه إذا زنى بمسلمة فعلى الإمام قتله ، ولا يجوز له الإعراض عنه ؛ لهتكه حرمة الإسلام ، وخروجه عن الذمّة.
( ولا يقام على الحامل ) ولو من زنا ( حدٌّ ) رجماً كان أو جلداً ( ولا قصاص ) بطريق أولى ( حتى تضع ) ولدها ( وتخرج من نفاسها ) إذا كان المقصود جلدها ، وإلاّ فترجم أو تقتل بعد الوضع من ساعتها إن مات ولدها ( و ) إلاّ فيتربّص بها حتى ( ترضع الولد ) وتحضنه إذا لم يوجد له مرضع أو حاضن ؛ إذ لا سبيل على حملها ، و ( لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) ، كما في النصّ المرويّ عن إرشاد المفيد رحمهالله (٢) ، والنصوص به زيادة على ذلك مستفيضة.
ففي النبوي : « إذن لا نرجمها وندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه » فقام رجل من الأنصار فقال : إليّ رضاعه يا نبيّ الله ، فرجمها (٣).
وفي المرتضوي : « انطلقي فضعي ما في بطنك ، ثم ائتني أُطهّرك » ثم لمّا وضعت قال لها : « انطلقي فأرضعيه حولين كاملين كما أمرك الله تعالى » ثم لمّا أرضعته قال لها : « انطلقي فاكفليه حتى يعقل أن يأكل ويشرب ، ولا يتردّى من سطح ، ولا يتهوّر في بئر » (٤).
وفي الموثّق : عن محصنة زنت وهي حبلى ، فقال : « تقر حتى تضع
__________________
(١) منهم المحقق في الشرائع ٤ : ١٥٦ ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ٢٥٥ ، والتحرير ٢ : ٢٢٣ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٤٠٤.
(٢) الإرشاد ١ : ٢٠٤ ، الوسائل ٢٨ : ١٠٨ أبواب حدّ الزنا ب ١٦ ح ٧.
(٣) سنن البيهقي ٨ : ٢١٤.
(٤) الكافي ٧ : ١٨٥ / ١ ، الفقيه ٤ : ٢٢ / ٥٢ ، التهذيب ١٠ : ٩ / ٢٣ ، المحاسن : ٣٠٩ / ٢٣ ، الوسائل ٢٨ : ١٠٣ أبواب حدّ الزنا ب ١٦ ح ١ ؛ بتفاوت يسير.
ما في بطنها ، وترضع ولدها ، ثم ترجم » (١).
ولا خلاف في ذلك أيضاً ، ( و ) لا في أنّه ( لو وجد له ) أي للولد ( كافل ) يرضعه ويحضنه ( جاز ) بل وجب إقامة الحدّ عليها ، كما في النبويّ المتقدّم ، والمرتضويّ بعده ، المتضمّن لقوله عليهالسلام لعمرو بن حريث لمّا كفل لتلك المرأة ولدها ثم أبى : « لتكفلنّه وأنت صاغر » ثم رجمها.
( ويرُجَم المريض والمستحاضة ) ولا يتربّص بهما إلى زوال مرضهما ، بل يرجمان عاجلاً ؛ لأنّ نفسهما مستوفاة ، ولا تأخير في حدّ. وربما احتُمِل جواز التأخير إن ثبت الزنا بالإقرار ؛ رجاءً للعود (٢).
( ولا يُحَدّ ) ولا يجلد ( أحدهما ) ولا النفساء ( حتى يبرأ ) كلّ منهم ؛ صوناً من التلف (٣) أو استمرار المرض ، وللنصوص :
منها : « اتي أمير المؤمنين عليهالسلام برجل أصاب حدّا وبه قروح في جسده كثيرة ، فقال عليهالسلام : أقروه حتى يبرأ ، لا تنكؤوها (٤) عليه فتقتلوه » (٥) ونحوه آخر (٦).
ومنها : « لا يقام الحدّ على المستحاضة حتى ينقطع الدم عنها » (٧).
__________________
(١) التهذيب ١٠ : ٤٩ / ١٨٢ ، الوسائل ٢٨ : ١٠٦ أبواب حدّ الزنا ب ١٦ ح ٤.
(٢) المسالك ٢ : ٤٢٩.
(٣) في « ن » زيادة : والسراية في النفس.
(٤) نَكَأ القَرحَة كمَنَع ـ : قَشَرَها قبل أن تبرأ فنَدِيَت القاموس المحيط ١ : ٣٢.
(٥) الكافي ٧ : ٢٤٤ / ٣ ، الفقيه ٤ : ٢٧ / ٦٦ ، التهذيب ١٠ : ٣٣ / ١١٠ ، الإستبصار ٤ : ٢١١ / ٧٨٨ ، الوسائل ٢٨ : ٢٩ أبواب مقدمات الحدود ب ١٣ ح ٤.
(٦) الكافي ٧ : ٢٤٤ / ٥ ، التهذيب ١٠ : ٣٣ / ١١١ ، الإستبصار ٤ : ٢١٢ / ٧٨٩ ، الوسائل ٢٨ : ٣٠ أبواب مقدمات الحدود ب ١٣ ح ٦.
(٧) الكافي ٧ : ٢٦٢ / ١٤ ، التهذيب ١٠ : ٤٧ / ١٧٠ ، الوسائل ٢٨ : ٢٩ أبواب مقدمات الحدود ب ١٣ ح ٣.
ولا خلاف فيه أجده ، إلاّ ما يحكى عن المبسوط والوسيلة في النفساء إن كان بها ضعف أُخّر حدّها ، وإن كانت قويّة جلدت في نفاسها (١).
ولعلّهما حملا إطلاق النصّ والفتوى على صورة تضرّرها بالحدّ.
( ولو رأى الحاكم ) في ( التعجيل ) مصلحة ومنها : أن لا يرجى برؤه ، كالسلّ والزمانة وضعف الخلقة ـ ( ضربه بالضِّغْث المشتمل على العدد ) من سياط أو أعواد أو شماريخ (٢) أو نحوها ؛ للنصوص المستفيضة :
منها : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم اتي برجل كبير قد استسقى بطنه (٣) وبدت عروق فخذيه ، وقد زنى بامرأة مريضة ، فأمر صلىاللهعليهوآلهوسلم فاتي بعرجون (٤) فيه مائة شمراخ ، فضربه ضربة واحدة وخلّى سبيلهما » (٥) وبمعناه أخبار كثيرة (٦).
وفي الخبر : « لو أن رجلاً أخذ حزمة من قضبان أو أصلاً فيه قضبان ، فضربه ضربة واحدة أجزأه عن عدَّة ما يريد أن يجلده من عدَّة القضبان » (٧).
وليس فيها مع كثرتها اعتبار المصلحة في التعجيل ، لكن حملها
__________________
(١) المبسوط ٨ : ٥ ، الوسيلة : ٤١٢.
(٢) الشِّمْرَاخ والشُّمْرُوخ : العِثْكَال ، وهو ما يكون فيه الرطب مجمع البحرين ٢ : ٤٣٦.
(٣) استسقى بطنه : حصل فيه الماء الأصفر ولا يكاد يبرأ مجمع البحرين ١ : ٢٢٢.
(٤) العرجون : عود أصفر فيه شماريخ العذق ، فإذا قدم واستقوس شبّه به الهلال مجمع البحرين ٢ : ٣١٦.
(٥) الكافي ٧ : ٢٤٣ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٩ / ٤١ ، التهذيب ١٠ : ٣٢ / ١٠٨ ، الوسائل ٢٨ : ٢٨ أبواب مقدّمات الحدود ب ١٣ ح ١ ؛ بتفاوت.
(٦) انظر الوسائل ٢٨ : ٢٨ أبواب مقدّمات الحدود ب ١٣.
(٧) الفقيه ٤ : ١٩ / ٤٢ ، الوسائل ٢٨ : ٣١ أبواب مقدّمات الحدود ب ١٣ ح ٨.