الشيخ علي كاشف الغطاء
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٦
طريقة الشيعة في معرفة أحكام الشريعة
إن للشيعة الاثني عشرية الامامية عند عدم التمكن من الرجوع للائمة أو الحرج عليهم في ذلك طريقتين لمعرفة الأحكام الشرعية إحداهما يسمى أصحابها بالأصوليين لرجوعهم في معرفة الحكم الشرعي للأدلة الأربعة : الكتاب والسنة والإجماع والعقل وهي تسمى بأصول لأن الأصل ما ابتنى عليه غيره وهذه الأربعة يبتني عليها معرفة الحكم الشرعي.
وكيف كان فهذه الطريقة هي عبارة عن الرجوع للكتاب المجيد وعند عدم معرفة الحكم الشرعي منه يرجعون للسنة المروية عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أو عن الأئمة عليهمالسلام بسند يكون معتبراً عندهم. ورجوعهم للكتاب أو السنة إنما هو بالعمل
بنصوصها أو ظواهرها ولا يأخذون بالسنة لو خالفت الكتاب كما لا يأخذون بسنة الأئمة لو خالفت سنة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم الثابتة عندهم وعند فقد ذلك كله يرجعون للعقل الحاكم بالبراءة أو الاحتياط أو التخيير أو الاستصحاب عند من اعتبرها من باب العقل وإلا فمن اعتبرها من باب قيام الكتاب والسنة عليها يكون رجوعه إليها من باب الرجوع للكتاب والسنة.
وأما رجوعهم للإجماع فان كان من باب الحدس لرأي المعصوم من الاتفاق فهو من باب الرجوع للعقل وإن كان من باب إحراز دخول المعصوم في جملة المجمعين فهو باب الرجوع للسنة ، وتوضيح ذلك وتفصيله يطلب من كتب أصول الفقه للشيعة.
طريقة استنتاج الأخباريين للحكم الشرعي
والطريقة الثانية يسمى أصحابها بالاخباريين لعدم عملهم بالأدلة الأربعة وإنما يعملون بأصل واحد وهو الأخبار وبعضهم من جوز العمل بالكتاب أيضاً ولم يعملوا بالأصول الأربعة بأجمعها فان الكثير منهم منع من العمل بأصل البراءة حتى في الشبهة الوجوبية ، وطريقتهم في معرفة الأحكام الشرعية هي الرجوع للأخبار وعدم رجوعهم للإجماع وللعقل
بل وعند الكثير منهم عدم حجية الكتاب لاختصاص فهمه بمن نزل عليهم وهم الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام حتى حصر الكثير منهم الحجية بالأخبار المودوعة في الكتب الأربعة : الكافي ومن لا يحضره الفقيه والتهذيب والاستبصار وغيرها من الكتب المعتبرة باعتبار أن البيان للأحكام قد كمل بها ولذا غاب الإمام الثاني عشر عليهالسلام آخذين بظواهرها من دون فرق بين الصحيح منها وبين الضعيف وبين الشاذ الذي لم يعمل به الأصحاب وبين المشهور المعمول به وبين المرسل وبين المسند بناؤهم على أصالة الحرمة في الأشياء المحتملة حرمتها بل الكثير منهم بناؤه على أصالة الوجوب في الأشياء المحتمل وجوبها وذلك لاعتبارهم الاحتياط في الشبهات ومنعوا من الاجتهاد وحرموا العمل بالظن الحاصل بالاجتهاد وانه ليس بحجة ومنعوا من دراسة علم أصول الفقه باعتبار انه طريق للاجتهاد وتسمى هذه الفرقة من الشيعة بالمحدثين والأخباريين.
من نقح طريقة الأخباريين
وعمدة من نقح طريقتهم المذكورة الميرزا محمد أمين الاسترآبادي في فوائده المدنية ومن مشاهير علمائهم السيد نعمة الله الجزائري. وصاحب الحدائق رحمهالله.
وقويت هذه الطريقة في القرن الحادي عشر الهجري والثاني عشر وأوائل الثالث عشر ولكن الطريقة الأصولية تغلبت عليها بمواقف الوحيد البهبهاني المتوفي سنة ١٢٠٦ ه ثمّ من بعده تلميذه جدنا الشيخ جعفر كما ذكرته كتب التاريخ.
عدم عمل الشيعة بالقياس
ولا تعمل الشيعة بالقياس وأنكرته اشد الإنكار لأن الدين قد كمل أيام الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا أن القسم الكثير منه قد أودعه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم عند الأئمة عليهمالسلام أما لعدم الابتلاء بالوقائع المحكومة به في ذلك العصر أو لعدم المصلحة في إظهاره في ذلك الوقت وإلى زمن الغيبة الصغرى قد كمل ظهوره وتم إخراجه. وبعضهم يرى بأن بعض أحكام الأشياء اقتضت المصلحة إخفاءها إلى زمن ظهور الحجة عليهالسلام أو لأن وقائعها لا توجد إلا ذلك الوقت وعند ظهوره عليهالسلام يظهر تلك الأحكام.
وبلغ إنكار الأئمة عليهمالسلام للعلم بالقياس وعدم الأخذ بالرأي أن يقول الإمام الصادق عليهالسلام لأبان بن تغلب المتوفي سنة ١٤١ ه (السنة إذا قيست محق الدين).
الإسماعيلية والبهرة والآغاخانية
القسم الثاني من الامامية هو القسم المسمى بالاسماعيلية وهم الذين يقولون بإمامة إسماعيل بعد إمامة أبيه جعفر الصادق عليهالسلام ومن بعد إسماعيل ولده محمد ثمّ في أعقابه ، ولا يقولون بإمامة الإمام موسى الكاظم عليهالسلام الأخ لإسماعيل لأنه لا إمامة لأخوين عندهم بعد الحسن والحسين.
وتتلخص عقيدتهم في الإمامة بأنه لا بد من وجود إمام معصوم في كل وقت من نسل الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام وفاطمة عليهاالسلام منصوص عليه من الإمام الذي قبله من والد إلى ولد حتى تقوم القيامة وهم على طائفتين الأولى المسماة بالمستعلية والبهرة وتبدأ الإمامة عندهم من الإمام علي عليهالسلام ثمّ لابنه الحسن عليهالسلام ثمّ للحسين عليهالسلام ثمّ في أعقابه الطائفة الثانية المسماة بالنزارية والمسماة بالآغاخانية فالإمام بعد الإمام علي عليهالسلام هو الحسين ولا يعدون الإمام الحسن عليهالسلام في عداد الأئمة واتفقت الطائفتان على إمامة الحسين ثمّ لابنه علي ثمّ لابنه
محمد الباقر ثمّ لابنه جعفر الصادق ثمّ لابنه إسماعيل ثمّ في أعقابه ، ويقولون أن إسماعيل لم يمت قبل أبيه الإمام جعفر الصادق عليهالسلام وانه قد رؤي بالبصرة بعد خمس سنوات من موت أبيه. وان أباه الإمام الصادق عليهالسلام أخفى وجوده وأظهر موته خوفاً عليه من الخلفاء العباسيين حيث كانت دلائل الإمامة ظاهرة عليه واستتر سنة ١٤٥ ه حتى مات سنة ١٥٨ ه ولكن الشيعة الاثني عشرية يعتقدون بموت إسماعيل أيام أبيه سنة ١٤٣ ه وانه أظهر إمامته خوفاً على ولده موسى عليهالسلام لعلمه بموت إسماعيل قبله وبقاء موسى بعده فإذا أظهر إمامة إسماعيل وقد مات قبل الإمام لم يبق للأعداء الخوف من الإمام موسى عليهالسلام حتى يقتلوه.
وقت ظهور المذهب الإسماعيلي
وقد ظهر هذا المذهب بواسطة الدولة الفاطمية في المغرب التي أسسها سنة ٢٩٧ ه إمامهم المهدي عبد الله بن الإمام الحسين في الجزائر واتخذ تونس عاصمة له وفي سنة ٣٥٨ ه افتتح مصر إمامهم المعز لدين الله الفاطمي بن الإمام المنصور ابن الإمام القائم بأمر الله بن الإمام المهدي المتقدم ذكره بقيادة جوهر الصقلي وطريقتهم في معرفة الأحكام الشرعية هي الأخذ بما في كتاب دعائم الإسلام طبع في مصر ، وكتاب الاقتصار طبع في دمشق وكتاب الهمة في آداب اتباع الأئمة طبع في مصر والجميع من تأليف أبي حنيفة نعمان بن أبي
عبد الله محمد بن منصور المغربي المتوفي سنة ٣٦٧ ه وليس لهم فقه سوى ما دونه لهم هذا الرجل وقد عينه القائم بأمر الله الفاطمي الخليفة الثاني قاضياً وبقي يشغل هذا المنصب إلى زمن الخليفة الرابع المعز لدين الله فجعله قاضي القضاة وداعي الدعاة ثمّ تولى هذا المنصب من بعده أولاده والمهم من هذه الكتب عندهم هو دعائم الإسلام فهو القانون الأساسي لهم ولا يزال كذلك حتى اليوم عند طائفة البهرة منهم وهو يشتمل على مرسلات عن الإمام الصادق عليهالسلام وآبائه عليهمالسلام تطابق فقه الامامية الاثني عشرية. ويحكى أن يعقوب بن كلس وزير العزيز لدين الله احضر في سنة ٣٨٠ ه جماعة الفقهاء وأهل الفتيا واخرج لهم كتاباً في الفقه قد عمله وقال هذا عن الإمام العزيز بالله عن آبائه الكرام وهذا الكتاب يعرف بالرسالة الوزيرية ويعتمدون في تاريخهم على كتاب افتتاح الدعوة طبع في بيروت ، هذا وقد أسس الفاطميون جامع الأزهر لتدريس هذا المذهب وكان التدريس لمذهب مالك والشافعي في الجامع العتيق وبذلوا قصارى الجهد لإحلال المذهب الإسماعيلي محلها.
واستمرت الخلافة الفاطمية في مصر حتى عهد المستنصر بالله.
انشقاق الدولة الفاطمية
وبعد وفاته سنة ٤٨٧ ه وقع النزاع بين ولديه الأكبر نزار وبين الأصغر منه المستعلي بالله فبويع الثاني في مصر وأدى ذلك إلى انقسام الإسماعيلية إلى فرقتين المستعلية وهي التابعة للمستعلي وهي التي قامت أئمتها بالخلافة في مصر إلى أن جاء صلاح الدين الأيوبي وأزال الدولة الفاطمية واتلف جميع ما أمكنه إتلافه من الآثار العلمية لهذه الدولة فزال القضاء بالمذهب الإسماعيلي وحل مكانه القضاء بالمذهب الشافعي إلى أن جاء الظاهر بيبرس فعدد القضاة من المذاهب الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية ، وتوجد هذه الفرقة فعلاً في الهند وباكستان واليمن والشرق الأقصى وانجلترا وتسمى فعلاً هذه الفرقة بالصورتية نسبة لبلد صورة في الهند وبالبهرة ومعناها بالهندية التجار لأن عمل اغلبهم التجارة وهم يؤمنون بوجود إمام مستور انتقلت له الإمامة من المستعلي بالله بالتوارث ولداً بعد ولد.
وله داعٍ مطلق ظاهر وهو اليوم السلطان الدكتور محمد برهان الدين وقد تبادلنا معه الزيارة والطعام في بيتنا وبيته عدة مرات وحضرنا المؤتمر الإسلامي الذي عقده في بومبي وكان شخصية فذة يتمتع بأخلاق عالية وأدب راقٍ.
ويأتي عندهم بعد مرتبة الداعي المطلق مأذون الدعوة وهو اليوم سيدي خزيمة قطب الدين وقد تناولنا معه الطعام في بيتنا وكان رجلاً يجمع الخصال الحميدة في منطق بليغ وأدب جم ومرتبته هي مرتبة أخذ العهد والميثاق وتأتي بعدها مرتبة المكاسر وهي مرتبة جذب الأنفس المستجيبة.
ومما يعتمدون عليه في عقائدهم كتاب تاج العقائد طبع في بيروت.
الفرقة الآغاخانية
والفرقة الثانية من الإسماعيلية هي الفرقة المسماة بالنزارية وهي التي تسمى بالآغاخانية فعلاً وهي التابعة لنزار بن المستنصر فقد خرج من مصر مع أخيه عبد الله بعد أن بايع أهل مصر أخاه المستعلي إلى الاسكندرية وبايعه أهلها ولقبوه بالمصطفى لدين الله وقامت الحرب بين الخليفتين الأخوين انتهت بانتصار المستعلي فانتقلت الفرقة النزارية من مصر إلى فارس وجعلت المقر قلعة ألموت.
وقد أيد الدعوى النزارية ومهد لها الأمور الحسن بن صباح بعد أن فلت من أيدي خصمائه اتباع المستعلي فكان يدعو لإمامة نزار بعد أبيه ولبطلان خلافة المستعلي في الشام وأطرافها وخوزستان ونواحيها وأصفهان وتوابعها ، ثمّ
انتقلت هذه الفرقة من إيران إلى الهند لسوء التفاهم الذي وقع بين إمامها حسن علي شاه الحسيني وبين سلطان إيران محمد بن علي علي شاه واتخذ بومباي مقراً له ولأتباعه وقد نقل لي مشايخنا الكرام قدسسرهم ان آقا خان الثاني علي بن حسن شاه المذكور نقل جثمانه بعد أن حنط في بومباي إلى كربلاء. وان زوجته عالية شمس الملك القاجارية ابنة نظام الدولة رئيس وزراء ايران في عهد فتح علي شاه سلطان إيران قد أتت بابنها آقا خان الثالث محمد شاه وهو صغير السن ومعه جماعة من اتباعه النزارية فحلقت رأسه تحت ميزاب الذهب في جانب الصحن الشريف القبلي ثمّ أتت به لدارنا المعروفة بدار كاشف الغطاء وطلبت كتاباً فقهياً لدراسة ولدها المذكور فقدم لها جدي العباس الشيخ علي كتاب الشرائع للمحقق. وكان بخط جيد في ورق من الترمة.
وتذهب هذه الفرقة إلى أن الإمامة في ذرية نزار نسلاً بعد نسل حتى تقوم القيامة وإن إمامهم آقا خان الرابع من ذريته إلا أن أحكامهم وانظمتهم قد تطورت بتطور الزمن وأصبحت لا تتفق مع تنظيماتها السابقة ولا يعدون الإمام الحسن عليهالسلام في عداد أئمتهم بل ينتقلون من أمير المؤمنين علي عليهالسلام إلى ولده الإمام الحسين عليهالسلام بخلاف المستعلية.
الزيديّة
الفرقة الثانية من فرق الامامية هي الفرقة المسماة بالزيدية وتسمى بمذهب الشيعة ومذهب أهل البيت كما تقدم في تسمية المذهب الجعفري بذلك ، وهم يفترقون عن الفرقة الجعفرية في الإمام الخامس محمد الباقر عليهالسلام فالجعفرية يقولون بامامته والزيدية يقولون بامامة أخيه زيد بن علي بن الحسين بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام وقد ولد زيد سنة ٧٦ ه واستشهد سنة ١٢٢ ه ويقولون بامامته بعد إمامة أبيه عليهالسلام وإمامة الحسن والحسين وأبيهما علي بن أبي طالب عليهالسلام ثمّ كل فرد فاطمي من ذرية الحسن والحسين عليهماالسلام متدين خارج بالسيف تكون فيه الإمامة بشروطها من العلم الباهر والفضل الظاهر والشجاعة والسخاء وجودة الرأي بلا تردد والقوة على تدبير الأمور والورع المشهور ، وكان زيد يتمتع بشخصية علمية دينية أوجبت أن يلتف حوله رهط من أهل العلم والفقه وكان من تلاميذه أبو حنيفة حضر عنده سنتين ويعتمدون على المجموع الفقهي المنسوب إليه وشرحه الروض النضير لمؤلفه شرف الدين السياغي المتوفي سنة ١٢٢١ ه وتممه السيد عباس
بن احمد من آل إبراهيم من علماء القرن الرابع عشر وقد طبع معه ، ولما كان هذا المجموع غير مستوف لشتات المسائل الفقهية. بحيث يستغنى به عما عداه اعتمدوا في الفقه على يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام وعلى كتبه في الفقه مثل الأحكام والمنتخب والفنون وله في الأصول وغيرها كتاب اسمه المجموع. وعندهم الاجتهاد شرط في أئمتهم ويعدون فقهاءهم من أهل مدرسة الرأي وهذا يحيى الذي أسس حكومة أهل البيت الزيدية في اليمن سنة ٢٨٨ ه وكان هو الإمام الأول في صنعاء وذلك عن طلب أهل اليمن له من المدينة المنورة ولا تزال الإمامة في أبنائه إلى هذا الزمان ، وعليه تخرج فقهاء الزيدية وأئمتهم وقلدوه في آرائه حتى لقبوا بالهادوية ولم يتعدوها فهو عندهم كأبي حنيفة والشافعي من أئمة أهل السنة ، وأدلته في الفقه أدلتهم ، من أراد التوسع في بحث الأدلة فعليه بكتاب (الأنوار في أدلة الأزهار) لمؤلفه الإمام احمد بن يحيى المتوفي سنة ٨٤١ ه وكتاب (البحر الزاخر) وتخريجه كتاب (الغيث المدرار) وغيرها ، وكتاب (التجريد) للإمام المؤيد بالله احمد بن الحسين الهاروني وكتاب (الشفاء) للأمير الحسين بن بدر الدين.
ويتبعون في عقيدتهم مذهب الاعتزال وهم الآن في اليمن ويقال انه يوجد منهم في افريقية الشمالية وفي طبرستان.
الحنفية