الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: ٥٠٢
وهو غير دالّ علىٰ الوجوب كما في قوله تعالىٰ : ( كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ) (١) فالإيتاء واجب دون الأكل .
ويجوز أن يأكل الأكثر ، ويتصدّق بالأقلّ .
قال الشيخ : فإن أكل الجميع ، ضمن الفقراء قدر المجزئ (٢) . وبه قال الشافعي (٣) ؛ للآية (٤) .
وقال بعض الشافعية : لا يضمن ، وتكون القربة في الذبح خاصّة (٥) .
ويستحب أن يأكل الثلث ، ويتصدّق بالثلث ، ويهدي الثلث ـ وهو الجديد للشافعي (٦) ـ لقوله تعالىٰ : ( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) (٧) القانع : السائل ، والمعترّ : غير السائل .
وفي القديم : يأكل النصف ، ويتصدّق بالنصف (٨) ؛ لقوله تعالىٰ : ( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ) (٩) .
__________________
(١) الأنعام : ١٤١ .
(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٩٣ .
(٣) الحاوي الكبير ١٥ : ١١٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٩١ ، المجموع ٨ : ٤١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٦ .
(٤) الحج : ٢٨ .
(٥) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٨ : ٤١٦ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٩١ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٦ .
(٦) الاُم ٢ : ٢١٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤٦ ، المجموع ٨ : ٤١٥ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٩٢ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٨٧ .
(٧) الحج : ٣٦ .
(٨) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤٦ ، المجموع ٨ : ٤١٥ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٩٢ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٨٧ .
(٩) الحج : ٢٨ .
ولا ينافي الإهداء الثابت بالآية الاُخرىٰ .
مسألة ٦٥٠ : لا يجوز بيع لحم الأضاحي ـ وبه قال الشافعي وأكثر العامّة (١) ـ لأنّه بذبحه خرجت عن ملكه ، واستحقّها المساكين .
وقال أبو حنيفة : يجوز بيعه وشراؤه (٢) .
ويكره بيع جلودها وإعطاؤها الجزّارين ، فإن باعها ، تصدّق بثمنه .
ومنع الشافعي من بيعه (٣) ، وبه قال أبو هريرة (٤) .
وقال عطاء : لا بأس ببيع اُهب الأضاحي (٥) .
وقال الأوزاعي : يجوز بيعها بآلة البيت التي تصلح للعارية ، كالقِدْر والقدوم (٦) والمنخل والميزان (٧) .
لنا : ما رواه العامّة عن علي عليهالسلام ، قال : « أمرني رسول الله صلىاللهعليهوآله أن أقوم علىٰ بُدْنه واُقسّم جلودها وجلالها ولا اُعطي الجزّارين منها شيئاً » (٨) .
ومن طريق الخاصّة : قول معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ أنّه سأل
__________________
(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٨ : ٤١٩ ـ ٤٢٠ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٩٠ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٨ ، المغني ١١ : ١١٢ .
(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٨٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٩ ، المجموع ٨ : ٤٢٠ ، المغني ١١ : ١١٢ .
(٣) المجموع ٨ : ٤٢٠ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٩٣ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٨ ، المغني ١١ : ١١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٧ .
(٤) المغني ١١ : ١١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٧ .
(٥) الحاوي الكبير ١٥ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٩ .
(٦) القدوم : التي ينحت بها . لسان العرب ١٢ : ٤٧١ « قدم » .
(٧) المجموع ٨ : ٤٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٩ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٢٠ ، المغني ١١ : ١١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٧ .
(٨) صحيح البخاري ٢ : ٢١٠ ـ ٢١١ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٥٤ / ١٣١٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٤١ بتفاوت يسير .
الصادقَ عليهالسلام : عن الإهاب ، فقال : « تصدّق به أو تجعله مصلّىٰ ينتفع به في البيت ولا يعطىٰ الجزّارين » (١) .
وروىٰ علي بن جعفر ـ في الصحيح ـ عن الكاظم عليهالسلام ، قال : سألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن ضحّىٰ بها أن يجعلها جراباً ؟ قال : « لا يصلح أن يجعلها جراباً إلّا أن يتصدّق بثمنها » (٢) .
ولا يجوز أن يعطىٰ الجزّار لجزارته ؛ لأنّ التضحية واجبة عليه مع وجوبها ، فكانت الاُجرة عليه ، ويوصل ذلك إلىٰ الفقراء ، ولو كان الجزّار فقيراً ، جاز أن يأخذ منها شيئاً لفقره ؛ لأنّه من المستحقّين .
مسألة ٦٥١ : يجوز أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيّام وادّخارها ، وقد نسخ بذلك النهي عنها .
روىٰ العامّة عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : أمرنا رسول الله صلىاللهعليهوآله أن لا نأكل لحم الأضاحي بعد ثلاث ، ثم أذن لنا أن نأكل ونقدّد ونهدي إلىٰ أهالينا (٣) .
ومن طريق الخاصّة : قول الباقر والصادق عليهماالسلام : « نهىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله عن لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيّام ثم أذن فيها ، قال : كُلوا من لحوم الأضاحي بعد ذلك وادّخروا » (٤) .
ويكره أن يُخرج شيئاً ممّا يضحّيه عن منىٰ ، بل يفرّق بها ؛ لقول أحدهما عليهماالسلام ـ في الصحيح ـ : « لا يخرج منه شيء إلّا السنام بعد ثلاثة أيّام » (٥) .
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٢٨ / ٧٧١ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٦ / ٩٨٠ .
(٢) التهذيب ٥ : ٢٢٨ / ٧٧٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٦ / ٩٨٢ .
(٣) الموطّأ ٢ : ٤٨٤ / ٦ ، صحيح مسلم ٣ : ١٥٦٢ / ٢٩ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٩١ نحوه .
(٤) التهذيب ٥ : ٢٢٦ / ٧٦٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٤ / ٩٧٢ بتفاوت يسير .
(٥) التهذيب ٥ : ٢٢٦ / ٧٦٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٤ / ٩٧٤ .
وقال الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « لا تخرجنّ شيئاً من لحم الهدي » (١) .
ولا بأس بإخراج لحم ما ضحّاه غيره إذا اشتراه منه أو أهداه إليه . ويكره أن يضحّي بما يربّيه .
مسألة ٦٥٢ : إذا تعذّرت الاُضحية ، تصدّق بثمنها ، فإن اختلفت أثمانها جمع الأعلىٰ والأوسط والأدون ، وتصدّق بثلث الجميع ؛ لأنّ أبا الحسن عليهالسلام وقّع إلىٰ هشام المكاري : « انظروا إلىٰ الثمن الأوّل والثاني والثالث فأجمعوا ثم تصدّقوا بمثل ثلثه » (٢) .
وإذا اشترىٰ شاةً تجزئ في الاُضحية بنيّة أنّها اُضحية ، قال الشيخ : تصير اُضحيةً بذلك ، ولا يحتاج إلىٰ قوله : إنّها اُضحية ، ولا إلىٰ نيّة مجدّدة ، ولا إلىٰ إشعار ولا تقليد (٣) ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك (٤) ـ لأنّه مأمور بشراء الاُضحية ، فإذا اشتراها بالنيّة ، وقعت عنها ، كالوكيل إذا اشترىٰ لموكّله بأمره .
وقال الشافعي في الجديد : لا تصير اُضحية إلّا بقوله : قد جعلتها اُضحية ، أو : هي اُضحية ، وما أشبهه ـ وفي القديم : تصير اُضحية بالنيّة مع الإشعار أو التقليد ـ لأنّها إزالة ملك علىٰ وجه القربة ، فلا تؤثّر فيها النيّة المقارنة للشراء ، كما لو اشترىٰ عبداً بنيّة العتق (٥) .
إذا ثبت هذا ، فإذا عيّن الاُضحية بما يصحّ به التعيين ، زال ملكه عنها .
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٢٦ / ٧٦٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٥ / ٩٧٥ .
(٢) التهذيب ٥ : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ / ٨٠٥ .
(٣) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٩٠ .
(٤) حلية العلماء ٣ : ٣٧٤ ، المجموع ٨ : ٤٢٦ ، المغني ١١ : ١٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٠ .
(٥) روضة الطالبين ٢ : ٤٧٧ ، المجموع ٨ : ٤٢٣ و ٤٢٥ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٠٠ ـ ١٠١ ، المغني ١١ : ١٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٠ .
وهل له إبدالها ؟ قال أبو حنيفة ومحمد : نعم له ذلك ، ولا يزول ملكه عنها (١) .
وقال الشافعي : لا يجوز له إبدالها ، وقد زال ملكه عنها (٢) . وبه قال أبو يوسف وأبو ثور (٣) ، وهو ظاهر كلام الشيخ (٤) ؛ لما روي عن علي عليهالسلام أنّه قال : « مَنْ عيّن اُضحيةً فلا يستبدل بها » (٥) .
واحتجّ أبو حنيفة : بأنّ النبي عليهالسلام أهدىٰ هدايا فأشرك عليّاً عليهالسلام فيها (٦) ، وهو إنّما يكون بنقلها إليه .
ويجوز أن يكون عليهالسلام وقت السياق نوىٰ أنّها عنه وعن علي عليهالسلام .
فعلىٰ قول التعيين يزول ملكها عن المالك ، ويفسد بيعها ، ويجب ردّها مع بقائها ، وإن تلفت ، فعلىٰ المشتري قيمتها أكثر ما كانت من حين قبضها إلىٰ حين التلف ، وعلىٰ البائع أكثر الأمرين من قيمتها إلىٰ حين التلف أو مثلها يوم التضحية . وكذا لو أتلفها أو فرّط في حفظها فتلفت ، أو ذبحها قبل وقت الاُضحية . هذا اختيار الشافعي (٧) .
__________________
(١) المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٢ : ١٣ ، المغني ١١ : ١١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦١ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٠١ .
(٢) روضة الطالبين ٢ : ٤٧٩ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٠١ ، المغني ١١ : ١١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٢ .
(٣) الحاوي الكبير ١٥ : ١٠١ ، المغني ١١ : ١١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٢ .
(٤) الخلاف ٦ : ٥٥ ، المسألة ١٦ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٩١ .
(٥) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ، كتاب الضحايا ، ذيل المسألة ١٦ ، والماوردي في الحاوي الكبير ١٥ : ١٠٢ .
(٦) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٧ / ٣٠٧٤ .
(٧) الحاوي الكبير ١٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٨١ ، المجموع ٨ : ٣٧١ ، المغني ١١ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٠ .
وقال الشيخ رحمهالله : قيمتها يوم التلف (١) . وبه قال أبو حنيفة (٢) ؛ لأنّه أتلف الاُضحية ، فلزمه قيمتها ، كالأجنبي .
واحتجّ الشافعي : بأنّها اُضحية مضمونة عليه لحقّ الله تعالىٰ وحقّ المساكين ؛ لوجوب نحرها وتفرقة لحمها ، ولا يجزئه دفعها إليهم قبل ذلك ، فلو كانت قيمتها يوم التلف عشرة ثم زادت قيمة الأضاحي فصارت عشرين ، وجب شراء اُضحية لعشرين ليوفي حقّ الله تعالىٰ وهو نحرها ، بخلاف الأجنبي ؛ فإنّه لا يلزمه حقّ الله تعالىٰ فيها . وفيه قوّة .
فإن أمكنه أن يشتري بها اُضحيتين ، كان عليه إخراجهما معاً .
ولو فضل جزء حيوان يجزئ في الاُضحية ـ كالسُّبْع ـ فعليه شراؤه ؛ لإمكان صرفه في الاُضحية ، فلزمه ، كما لو أمكنه أن يشتري به جميعاً . ولو تصدّق بالفاضل ، جاز ، لكنّ الأوّل أفضل . ولو قصر الفاضل عن السُّبْع ، تصدّق به .
ولو كان المتلف أجنبيّاً ، فعليه القيمة يوم الإتلاف ، فإن أمكن أن يشتري بها اُضحية أو أكثر ، فعلىٰ ما تقدّم ، وإلّا جاز شراء جزء حيوان الاُضحية ، فإن قصر ، تصدّق به ، ولا شيء علىٰ المضحّي ؛ لأنه غير مفرّط .
ولو تلفت الاُضحية في يده أو سُرقت من غير تفريط ، لم يضمن ، وقد سأل معاويةُ بن عمّار الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن رجل اشترىٰ اُضحية فماتت أو سرقت قبل أن يذبحها ، قال : « لا بأس وإن أبدلها فهو أفضل ، وإن لم يشتر فليس عليه شيء » (٣) .
__________________
(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٩١ .
(٢) المغني ١١ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٠ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٠٥ ، المجموع ٨ : ٣٧١ .
(٣) الكافي ٤ : ٤٩٣ ـ ٤٩٤ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢١٧ ـ ٢١٨ / ٧٣٣ .
والفرق بينه وبين منذور العتق لو أتلفه أو تلف بتفريطه ، فإنّه ظاهر لا يضمنه ؛ لأنّ الحقّ في الاُضحية للفقراء وهم باقون بعد تلفها ، والحقّ في عتق العبد له ، فإذا تلف ، لم يبق مستحقّ لذلك ، فسقط الضمان ، فافترقا .
ولو اشترىٰ شاةً وعيّنها للاُضحية ثم وجد بها عيباً ، لم يكن له ردّها ؛ لزوال ملكه عنها ، ويرجع بالأرش ، فيصرفه في المساكين ، ولو أمكنه أن يشتري به حيواناً أو جزءاً منه مجزئاً في الاُضحية ، كان أولىٰ .
مسألة ٦٥٣ : إذا عيّن اُضحيّةً ، ذبح معها ولدها ، سواء كان حملاً حال التعيين أو حدث بعد ذلك ؛ لأنّ التعيين معنىٰ يزيل الملك عنها ، فاستتبع الولد ، كالعتق .
ولقول الصادق عليهالسلام : « إن نتجت بدنتك فاحلبها ما لا يضرّ بولدها ثم انحرهما جميعاً » (١) .
إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز له شرب لبنها ما لم يضرّ بولدها ، عند علمائنا ، وبه قال الشافعي (٢) ؛ لما رواه العامّة عن علي عليهالسلام لمّا رأىٰ رجلاً يسوق بدنةً معها ولدها ، فقال : « لا تشرب من لبنها إلّا ما فضل عن ولدها » (٣) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « فاحلبها ما لا يضرّ بولدها » (٤) .
__________________
(١) الكافي ٤ : ٤٩٣ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٢٠ / ٧٤١ .
(٢) حلية العلماء ٣ : ٣٦٤ ـ ٣٦٥ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٠٨ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٩٤ ، المجموع ٨ : ٣٦٧ ، المغني ١١ : ١٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٥ .
(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤٣ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٠٨ ، سنن البيهقي ٩ : ٢٨٨ .
(٤) الكافي ٤ : ٤٩٣ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٢٠ / ٧٤١ .
وقال أبو حنيفة : لا يحلبها ، ويرشّ علىٰ الضرع الماء حتىٰ ينقطع اللبن ؛ لأنّ اللبن متولّد من الاُضحية ، فلم يجز للمضحّي الانتفاع به ، كالولد (١) .
والفرق : إمكان حمل الولد إلىٰ محلّه ، بخلاف اللبن .
والأفضل أن يتصدّق به .
ويجوز له ركوب الأضحية ؛ لقوله تعالىٰ : ( لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ) (٢) .
مسألة ٦٥٤ : إذا أوجب اُضحيةً بعينها وهي سليمة فعابت عيباً يمنع الإجزاء من غير تفريط ، لم يجب إبدالها ، وأجزأه ذبحها ، وكذا حكم الهدايا ؛ لأصالة براءة الذمّة . ولأنّها لو تلفت لم يضمنها فكذا أبعاضها .
وقال أبو حنيفة : لا تجزئه (٣) .
ولو كانت واجبةً عليه علىٰ التعيين ثم حدث بها عيب لمعالجة الذبح ، أجزأه أيضاً ، وبه قال أبو حنيفة استحساناً (٤) .
وقال الشافعي : لا يجزئه (٥) .
أمّا لو نذر اُضحيةً مطلقة فإنّه تلزمه سليمة من العيوب ، فإن عيّنها في شاة بعينها ، تعيّنت ، فإن عابت قبل أن ينحرها عيباً يمنع الإجزاء ـ كالعور ـ لم تجزئه عن التي في ذمّته ، وعليه إخراج ما في ذمّته سليماً من العيوب .
__________________
(١) الحاوي الكبير ١٥ : ١٠٨ ، المغني ١١ : ١٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٥ .
(٢) الحجّ : ٣٣ .
(٣) المغني ١١ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨٠ .
(٤) المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٢ : ١٧ ، المجموع ٨ : ٤٠٤ ، المغني ١١ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٤ .
(٥) المجموع ٨ : ٤٠٤ ، المغني ١١ : ١٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٤ .
ولو عيّن اُضحيةً ابتداءً وبها ما يمنع من الاُضحية الشرعية ـ كالعور ـ أخرجها علىٰ عيبها ؛ لزوال ملكه عنها بالنذر ولم تكن اُضحيةً ، بل صدقة واجبة ، فيجب ذبحها ، ويتصدّق بلحمها ، ويثاب علىٰ الصدقة لا علىٰ الاُضحية .
ولو عيّنها معيبةً ثم زال عيبها بأن سمنت بعد العجاف ، فإنّها لا تقع موقع الاُضحية ؛ لأنّه أوجب ما لا يجزئ عن الاُضحية ، فزال ملكه عنها ، وانقطع تصرّفه حال كونها غير اُضحية ، فلا تجزئ ؛ لأنّ الاعتبار حالة الإيجاب ، لزوال الملك به ، ولهذا لو عابت بعد التعيين ، لم يضرّه ذلك ، وأجزأ عنه . وكذا لو كانت معيبةً فزال عيبها ، لم تجزئه .
مسألة ٦٥٥ : لو ضلّت الاُضحية المعيّنة من غير تفريط ، لم يضمن ؛ لأنّها أمانة ، فإن عادت قبل فوات أيّام التشريق ، ذبحها ، وكانت أداءً ، وبعد فواتها يذبحها قضاءً ، قاله الشيخ (١) ، وبه قال الشافعي (٢) .
وقال أبو حنيفة : لا يذبحها بل يسلّمها إلىٰ الفقراء ، فإن ذبحها ، فرّق لحمها ، وعليه أرش النقصان بالذبح (٣) .
وليس بجيّد ؛ لأنّ الذبح أحد مقصودي الهدي ، ولهذا لا يكفي شراء اللحم ، فلا يسقط بفوات وقته ، كتفرقة اللحم ، وذلك بأن يذبحها في أيّام التشريق ثم يخرج قبل تفريقها ، فإنّه يفرّقها بعد ذلك .
احتجّ : بأنّ الذبح موقّت ، فسقط بفوات وقته ، كالرمي والوقوف (٤) .
__________________
(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٩٢ ، وانظر : الخلاف ٦ : ٥٩ ، المسألة ٢٠ .
(٢) الحاوي الكبير ١٥ : ١١٠ ـ ١١١ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٨٧ ، المجموع ٨ : ٣٩٧ .
(٣) المغني ١١ : ١١٦ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١١ .
(٤) اُنظر : المغني ١١ : ١١٦ .
والفرق : أنّ الاُضحية لا تسقط بفوات الوقت ، بخلاف الرمي والوقوف .
ولو أوجب اُضحيةً في عام فأخّرها إلىٰ قابل ، كان عاصياً ، وأخرجها قضاءً .
ولو ذبح اُضحية غيره ، المعيّنة ، أجزأت عن صاحبها ، وضمن الأرش ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لأنّ الذبح أحد مقصودي الهدي ، فإذا فَعَله شخصٌ بغير إذن المضحّي ، ضمن ، كتفرقة اللحم .
وقال أبو حنيفة : لا يجب عليه شيء ؛ لأنّ الاُضحية أجزأت عنه ووقعت موقعها ، فلم يجب علىٰ الذابح ضمان الذبح ، كما لو أذن له (٢) .
والفرق : أنّ مع عدم الإذن يعصي فيضمن .
وقال مالك : لا تقع موقعها ، وتكون شاة لحم يلزم صاحبها بدلها ، ويكون له أرشها ؛ لأنّ الذبح عبادة ، فإذا فَعَلها غيرُه بغير إذنه ، لم تصح ، كالزكاة (٣) .
ونمنع احتياجها إلىٰ نيّة كإزالة النجاسة ، بخلاف الزكاة ، ولأنّ القدر المخرج في الزكاة لم يتعيّن إلّا بإخراج المالك ، بخلاف المعيّنة .
وإذا أخذ الأرش ، صَرَفَه إلىٰ الفقراء ؛ لأنّه وجب لنقص في الاُضحية المتعيّنة لهم ، ويتخيّر بين الصدقة به وشراء حيوان أو جزء للاُضحية .
مسألة ٦٥٦ : تجزئ الاُضحية عن سبعة ، وكذا الهدي المتطوّع به ، سواء كان الجميع متقرّبين أو بعضهم يريد اللحم ، وسواء كانوا أهل بيت
__________________
(١) الحاوي الكبير ١٥ : ١١٢ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٨٢ ـ ٤٨٣ ، المغني ١١ : ١١٨ .
(٢) المغني ١١ : ١١٨ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٢ .
(٣) المغني ١١ : ١١٨ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٢ ـ ١١٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٧ .
واحد أو لم يكونوا ، وبه قال الشافعي ومالك ، إلّا أنّ مالكاً اشترط كونهم أهل بيت واحد (١) .
وقال أبو حنيفة : يجوز إذا كانوا كلّهم متقرّبين (٢) . وقد سلف (٣) .
والعبد القنّ والمدبَّر واُمّ الولد والمكاتب المشروط لا يملكون شيئاً ، فإن ملّكهم مولاهم شيئاً ، ففي ثبوت ذلك قولان : الأقوىٰ : العدم ، فلا تجوز لهم اُضحية .
وعلىٰ قول ثبوته يجوز لهم أن يضحّوا ، ولو ضحّوا من غير إذن سيّدهم ، لم يجز .
ولو انعتق بعضه وملك بجزء الحُرّيّة اُضحيةً ، جاز له أن يضحّي بها من غير إذن .
__________________
(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٨ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٦٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٩ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٢٣ ، المغني ١١ : ١١٩ .
(٢) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٤٤ ، المغني ١١ : ١١٩ ـ ١٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٩ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١٢٣ .
(٣) تقدّم في ص ٢٨٢ ، المسألة ٦١٩ .
الفصل السادس في الحلق والتقصير
مسألة ٦٥٧ : إذا ذبح الحاجّ هديه ، وجب عليه الحلق أو التقصير بمنىٰ يوم النحر ، عند علمائنا ، وهو نسك عندنا ـ وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدىٰ الروايتين (١) ـ لقوله تعالىٰ : ( مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) (٢) ولو لم يكن نسكاً ، لم يصفهم الله تعالىٰ به ، كالطيب واللُّبْس .
ولما رواه العامّة عن جابر أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : ( أحلّوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصّروا ) (٣) والأمر للوجوب .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « إذا ذبحت اُضحيتك فاحلق رأسك » (٤) والأمر للوجوب أو للقدر الدالّ علىٰ استحقاق الثواب ، فيكون عبادةً لا مباحاً صرفاً .
ولأنّ النبي صلىاللهعليهوآله داوم عليه هو وأصحابه وفَعَلوه في حجّهم وعمرتهم ، ولو لم يكن نسكاً لم يداوموا عليه ولا خلوا به في أكثر الأوقات
__________________
(١) المنتقىٰ ـ للباجي ـ ٣ : ٣١ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٧٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٤٠ ، الوجيز ١ : ١٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٣٥ ، المجموع ٨ : ٢٠٥ و ٢٠٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦١ ، روضة الطالبين ٢ : ٣٨١ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٦٧ .
(٢) الفتح : ٢٧ .
(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٧٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٨ .
(٤) التهذيب ٥ : ٢٤٠ / ٨٠٨ .
ولم يفعلوه إلّا نادراً ، لأنّه لم يكن عبادة لهم فيداوموا عليه ، ولا فيه فضل فيفعلوه .
وقال الشافعي وأحمد [ في الرواية الاُخرىٰ ] (١) : أنّه إطلاق محظور لا نسك ؛ لقوله عليهالسلام لمّا سعىٰ بين الصفا والمروة : ( مَنْ كان منكم ليس معه هدي فليحلّ وليجعلها عمرة ) (٢) وأمره بالحلّ عقيب السعي يقتضي عدم وجوب الحلق والتقصير (٣) .
وهو ممنوع ؛ لأنّ المعنىٰ : فليحلّ بالتقصير أو الحلق .
مسألة ٦٥٨ : يتخيّر الحاجّ بين الحلق والتقصير أيّهما فَعَل أجزأه ، عند أكثر علمائنا (٤) ـ وبه قال أبو حنيفة (٥) ـ لقوله تعالىٰ : ( مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) (٦) والجمع غير مراد ، فيتعيّن التخيير .
وما رواه العامّة من أنّه كان مع النبي صلىاللهعليهوآله مَنْ قصّر ولم ينكر عليهالسلام عليه (٧) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم الحديبية : اللّهم اغفر للمحلّقين ، مرّتين ، قيل : وللمقصّرين
__________________
(١) أضفناها لأجل السياق .
(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٣ ـ ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ .
(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٣٥ ، المجموع ٨ : ٢٠٥ و ٢٠٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦١ ، روضة الطالبين ٢ : ٣٨١ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٤٦٧ .
(٤) منهم ابن إدريس في السرائر : ١٤١ ، والمحقّق في المختصر النافع : ٩٢ .
(٥) المغني ٣ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٤ .
(٦) الفتح : ٢٧ .
(٧) صحيح البخاري ٢ : ٢١٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٤٥ / ١٣٠١ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٥٦ / ٩١٣ ، سنن البيهقي ٥ : ١٠٣ .
يا رسول الله ؟ قال : وللمقصّرين » (١) .
وقال الشيخ رحمهماالله : إن كان الحاجّ صرورةً ، وجب الحلق ، وكذا مَنْ لبّد شعره في الإحرام وإن لم يكن صرورةً (٢) . وبه قال الحسن البصري ومالك والشافعي والنخعي وأحمد وإسحاق (٣) ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : ( مَنْ لبّد فليحلق ) (٤) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « علىٰ الصرورة أن يحلق رأسه ولا يقصّر ، إنّما التقصير لمن حجّ حجّة الإسلام » (٥) .
وهو محمول علىٰ الندب .
وقال ابن عباس : من لبّد أو ضفر أو عقّد أو فتل أو عقص فهو علىٰ ما نوىٰ ، يعني أنّه إن نوىٰ الحلق فليحلق ، وإلّا فلا يلزمه (٦) .
وتلبيد الشعر في الإحرام : أن يأخذ عسلاً أو صمغاً ، ويجعله في رأسه لئلّا يقمل أو يتّسخ .
إذا عرفت هذا ، فالحلق أفضل إجماعاً ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : ( رحم الله المحلّقين ) ثلاثاً ، ثم قال : ( والمقصّرين ) مرّةً (٧) . وزيادة الترحّم تدلّ علىٰ الأولويّة .
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٤٣ / ٨٢٢ .
(٢) المقنعة : ٦٦ ، النهاية : ٢٦٢ ـ ٢٦٣ .
(٣) المغني ٣ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٤ ، المدوّنة الكبرىٰ ١ : ٤٠٢ ، المنتقىٰ ـ للباجي ـ ٣ : ٣٤ ، المجموع ٨ : ٢٠٦ و ٢١٨ .
(٤) المغني ٣ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٤ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٥ ، الكامل ـ لابن عدي ـ ٥ : ١٨٧٠ .
(٥) الكافي ٤ : ٥٠٣ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٢٤٣ / ٨١٩ .
(٦) المغني ٣ : ٤٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٤ .
(٧) صحيح مسلم ٢ : ٩٤٦ / ٣١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٢ / ٣٠٤٤ .
والحلق للملبّد والصرورة آكد فضلاً من غيرهما .
والمرأة لا حلق عليها ، ويجزئها من التقصير قدر الأنملة ؛ لما رواه العامّة عن علي عليهالسلام ، قال : « نهىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله أن تحلق المرأة رأسها » (١) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « تقصّر المرأة من شعرها لمتعتها (٢) مقدار الأنملة » (٣) .
ويجزئ من التقصير ما يقع عليه اسمه ؛ لأصالة براءة الذمة ، وسواء قصّر من شعر رأسه أو من لحيته أو من شاربه .
مسألة ٦٥٩ : يجب في الحلق والتقصير : النيّة ؛ لأنّه نسك عندنا لا إطلاق محظور .
ويستحب لمن يحلق أن يبدأ بالناصية من القرن الأيمن ويحلق إلىٰ العظمين إجماعاً ؛ لما رواه العامّة : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله دعا بالحلّاق ، فأخذ شقّ رأسه الأيمن فحلقه ، فجعل يقسم بين مَنْ يليه الشعرة والشعرتين ثم أخذ شقّ رأسه الأيسر فحلقه ، ثم قال : ( هاهنا أبو طلحة ؟ ) فدفعه إلىٰ أبي طلحة (٤) .
ومن طريق الخاصّة : عن الباقر عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : أنّه أمر الحلّاق أن يدع الموسى علىٰ قرنه الأيمن ثم أمره أن يحلق وسمّىٰ هو وقال : « اللّهم أعطني بكلّ شعرة نوراً يوم القيامة » (٥) .
__________________
(١) سنن الترمذي ٣ : ٢٥٧ / ٩١٤ ، سنن النسائي ٨ : ١٣٠ .
(٢) في المصدر : لعمرتها .
(٣) التهذيب ٥ : ٢٤٤ / ٨٢٤ .
(٤) سنن أبي داود ٢ : ٢٠٣ / ١٩٨١ .
(٥) التهذيب ٥ : ٢٤٤ / ٨٢٦ .
مسألة ٦٦٠ : مَنْ لا شعر علىٰ رأسه لا حلق عليه إجماعاً ، بل يمرّ الموسى علىٰ رأسه إجماعاً .
ولأنّ رجلاً من خراسان قدم حاجّاً وكان أقرع الرأس لا يحسن أن يلبّي ، فاستفتي له الصادق عليهالسلام ، فأمر أن يلبّىٰ عنه ويمرّ الموسى علىٰ رأسه فإنّ ذلك يجزئ عنه (١) .
إذا عرفت هذا ، فقال أبو حنيفة : إنّ هذا الإمرار واجب ؛ لقوله عليهالسلام : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) (٢) وهذا لو كان له شعر ، لوجب عليه إزالته وإمرار الموسى علىٰ رأسه ، فلا يسقط الأخير بفوات الأوّل (٣) .
وقول الصادق عليهالسلام يدلّ عليه ، فإنّ الإجزاء إنّما يستعمل في الواجب .
وقال أكثر العامّة : إنّه للاستحباب ؛ لأنّ محلّ الحلق الشعر ، فيسقط بفوات محلّه (٤) .
مسألة ٦٦١ : لو ترك الحلق والتقصير معاً حتىٰ زار البيت ، فإن كان عامداً ، وجب عليه دم شاة ، وإن كان ناسياً ، فلا شيء عليه ، وعليه إعادة الطواف والسعي ؛ لأنّه نسك أخّره عمداً عن محلّه ، فلزمه الدم .
ولأنّ محمد بن مسلم سأل الباقرَ عليهالسلام : في رجل زار البيت قبل أن يحلق ، فقال : « إن كان زار البيت قبل أن يحلق وهو عالم أنّ ذلك لا ينبغي فإنّ عليه دم شاة » (٥) .
__________________
(١) الكافي ٤ : ٥٠٤ / ١٣ ، التهذيب ٥ : ٢٤٤ / ٨٢٨ .
(٢) صحيح البخاري ٩ : ١١٧ ، سنن الدارقطني ٢ : ٢٨١ / ٢٠٤ ، مسند أحمد ٢ : ٥٠٨ .
(٣) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٧٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٤٠ ، المغني ٣ : ٤٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٥ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٩ ، المجموع ٨ : ٢١٢ .
(٤) المغني ٣ : ٤٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٥ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٨ ، المجموع ٨ : ٢١٢ .
(٥) التهذيب ٥ : ٢٤٠ / ٨٠٩ .
وسأل محمّدُ بن حمران الصادقَ عليهالسلام : عن رجل زار البيت قبل أن يحلق ، قال : « لا ينبغي إلّا أن يكون ناسياً » (١) .
وسأل علي بن يقطين ـ في الصحيح ـ الكاظمَ عليهالسلام : عن المرأة رمت وذبحت ولم تقصّر حتىٰ زارت البيت وطافت وسعت من الليل ما حالها ؟ وما حال الرجل إذا فعل ذلك ؟ قال : « لا بأس يقصّر ويطوف للحجّ ثم يطوف للزيارة ثم قد حلّ من كلّ شيء » (٢) .
مسألة ٦٦٢ : لو رحل من منىٰ قبل الحلق ، رجع وحلق بها أو قصّر واجباً مع الاختيار ، ولو لم يتمكّن من الرجوع ، حلق مكانه ، وردّ شعره إلىٰ منىٰ ليدفن هناك ، ولو لم يتمكّن ، لم يكن عليه شيء ؛ لأنّه قد ترك نسكاً واجباً ، فيجب عليه الإتيان به وتداركه مع المكنة .
وسأل الحلبي ـ في الصحيح ـ الصادقَ عليهالسلام : عن رجل نسي أن يقصّر من شعره أو يحلقه حتىٰ ارتحل من منىٰ ، قال : « يرجع إلىٰ منىٰ حتىٰ يلقي شعره بها حلقاً كان أو تقصيراً » (٣) .
[ وعن أبي بصير ، قال : سألته عن رجل جهل أن يقصّر من رأسه أو يحلق حتىٰ ارتحل من منىٰ ، قال : « فليرجع إلىٰ منىٰ حتىٰ يحلق شعره بها أو يقصّر ، ] (٤) وعلىٰ الصرورة أن يحلق » (٥) .
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٤٠ / ٨١٠ .
(٢) التهذيب ٥ : ٢٤١ / ٨١١ .
(٣) التهذيب ٥ : ٢٤١ / ٨١٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٥ / ١٠١١ .
(٤) حيث إنّ قوله عليهالسلام الآتي : « وعلىٰ الصرورة أن يحلق » ليس من تتمّة رواية الحلبي ، السابقة ، وإنّما من تتمّة رواية أبي بصير ، فلذلك أثبتنا صدرها في المتن من التهذيب والاستبصار .
(٥) التهذيب ٥ : ٢٤١ / ٨١٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٥ / ١٠١٢ .
وقال الصادق عليهالسلام في رجل زار ولم يحلق رأسه ، قال : « يحلقه بمكّة ، ويحمل شعره إلىٰ منىٰ ، وليس عليه شيء » (١) .
إذا عرفت هذا ، فإذا حلق رأسه بمنىٰ ، استحبّ له أن يدفن شعره بها ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « كان علي بن الحسين ـ عليهماالسلام ـ يدفن شعره في فسطاطه بمنىٰ ويقول : كانوا يستحبّون ذلك » ، قال : وكان الصادق عليهالسلام يكره أن يخرج الشعر من منىٰ ويقول : « مَنْ أخرجه فعليه أن يردّه » (٢) .
مسألة ٦٦٣ : يستحب لمن حلق رأسه أو قصّر أن يقلّم أظفاره ويأخذ من شاربه ، ولا نعلم فيه خلافاً .
قال ابن المنذر : ثبت أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لمّا حلق رأسه قلّم أظفاره (٣) .
وقال الصادق عليهالسلام : « إذا ذبحت اُضحيتك فاحلق رأسك واغتسل وقلّم أظفارك وخُذْ من شاربك » (٤) .
ووقت الحلق يوم النحر إجماعاً ، فلا يجوز قبله .
قال الله تعالىٰ : ( وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (٥) .
ويجب أن يؤخّره عن الذبح والرمي ، فيبدأ بالرمي ثم الذبح ثم الحلق واجباً ، عند أكثر علمائنا (٦) ـ وبه قال مالك والشافعي في أحد القولين ، وأبو حنيفة وأحمد (٧) ـ لقوله تعالىٰ : ( وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٤٢ / ٨١٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٦ / ١٠١٦ .
(٢) التهذيب ٥ : ٢٤٢ / ٨١٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٦ / ١٠١٤ .
(٣) المغني ٣ : ٤٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٦ ، المجموع ٨ : ٢١٨ .
(٤) التهذيب ٥ : ٢٤٠ / ٨٠٨ .
(٥) البقرة : ١٩٦ .
(٦) منهم : ابن حمزة في الوسيلة : ١٨٠ ، والمحقّق في المختصر النافع : ٩٢ .
(٧) اُنظر حلية العلماء ٣ : ٣٤٣ ، والمجموع ٨ : ٢٠٧ ، وفتح العزيز ٧ : ٣٨١ ، والمغني ٣ : ٤٧٩ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٧٠ .
الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (١) .
وما رواه العامّة : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله رتّب هذه المناسك (٢) ، وقال : ( خذوا عنّي مناسككم ) (٣) .
ومن طريق الخاصّة : رواية موسىٰ بن القاسم عن علي قال : « لا يحلق رأسه ولا يزور حتىٰ يضحّي فيحلق رأسه ويزور متىٰ شاء » (٤) .
وللشيخ ـ رحمهالله ـ قول آخر في الخلاف : ترتيب هذه المناسك مستحب وليس بفرض (٥) ، وبه قال أبو الصلاح (٦) ، وهو القول الثاني للشافعي (٧) ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس قال : جاء رجل إلىٰ النبي صلىاللهعليهوآله بمنىٰ يوم النحر ، فقال له : زرت قبل أن أرمي ، فقال له : ( إرم ولا حرج ) فقال : ذبحت قبل أن أرمي ، فقال : ( إرم ولا حرج ) فما سُئل يومئذٍ عن شيء قدّمه رجل ولا أخّره إلّا قال له : ( افعل ولا حرج ) (٨) ولم يفصّل بين العالم والجاهل ، فدلّ علىٰ عدم الوجوب .
ومن طريق الخاصّة : رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الجواد عليهالسلام ، قال له : جُعلت فداك إنّ رجلاً من أصحابنا رمىٰ الجمرة يوم النحر وحلق قبل أن يذبح ، فقال : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أتاه طوائف من المسلمين ،
__________________
(١) البقرة : ١٩٦ .
(٢) سنن أبي داود ٢ : ٢٠٣ / ١٩٨١ ، المغني ٣ : ٤٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٧٠ .
(٣) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥ .
(٤) التهذيب ٥ : ٢٣٦ / ٧٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٤ / ١٠٠٦ .
(٥) الخلاف ٢ : ٣٤٥ ، المسألة ١٦٨ .
(٦) الكافي في الفقه : ٢٠٠ ـ ٢٠١ .
(٧) الاُمّ ٢ : ٢١٥ ، مختصر المزني : ٦٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨٦ ، فتح العزيز ٧ : ٣٧٩ ـ ٣٨٠ ، روضة الطالبين ٢ : ٣٨٣ ، المجموع ٨ : ٢٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٣ .
(٨) صحيح البخاري ٢ : ٢١٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٢٥٤ / ٧٨ ، سنن البيهقي ٥ : ١٤٢ و ١٤٣ ، شرح معاني الآثار ٢ : ٢٣٨ بتفاوت ونقيصة .