الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: ٥٠٢
لا يتشاغل بشيء حتىٰ يطوف ؛ لقوله تعالىٰ : ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ) (١) .
ولأنّ الطواف تحيّة المسجد ، فاستحبّ التبادر إليه .
وروىٰ جابر أنّ النبي صلىاللهعليهوآله دخل مكة ارتفاع الضحىٰ ، فأناخ راحلته عند باب بني شيبة ، ودخل إلىٰ المسجد ، واستلم الحجر وطاف (٢) .
ولو دخل المسجد والإمام مشتغل بالفريضة ، صلّىٰ معه المكتوبة ، ولا يشتغل بالطواف ، فإذا فرغ من الصلاة ، طاف حينئذٍ ، تحصيلاً لفضيلة الجماعة ، وتقديماً للفائت وقته ، وهو الجماعة ، دون ما لا يفوت ، وهو الطواف ، وكذا لو قربت إقامة الصلاة .
مسألة ٤٦٨ : ولا يستحب رفع اليدين عند مشاهدة البيت .
قال الشيخ : إنّه لا يعرفه أصحابنا (٣) .
وأنكر مالك استحبابه (٤) .
وقال الشافعي : لا أكرهه ولا أستحبّه (٥) .
وقال أحمد : إنّه مستحب . وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر والثوري وابن المبارك (٦) .
لما رواه العامّة عن المهاجر المكّي ، قال : سُئل جابر بن عبد الله : عن الرجل يرىٰ البيت أيرفع يديه ؟ قال : ما كنت أظنّ أنّ أحداً يفعل هذا
__________________
(١) البقرة : ١٤٨ ، المائدة : ٤٨ .
(٢) المستدرك ـ للحاكم ـ ١ : ٤٥٤ ـ ٤٥٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٧٤ .
(٣) الخلاف ٢ : ٣٢٠ ، المسألة ١٢٣ .
(٤) حلية العلماء ٣ : ٣٢٥ ، المجموع ٨ : ٩ ، المغني ٣ : ٣٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٩ .
(٥) المجموع ٨ : ٨ .
(٦) المغني ٣ : ٣٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٩ ، المجموع ٨ : ٩ .
إلّا اليهود ، حججنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلم يكن يفعله (١) .
احتجّ : بما روي عن النبي صلىاللهعليهوآله ، قال : ( لا ترفع الأيدي إلّا في سبع مواطن : افتتاح الصلاة واستقبال البيت ، وعلىٰ الصفا والمروة ، وعلىٰ الموقفين والجمرتين ) (٢) .
وهو محمول علىٰ الرفع عند الدعاء .
مسألة ٤٦٩ : يستحب أن يقف عند الحجر الأسود ويدعو ويكبّر عند محاذاة الحجر ويرفع يديه ويحمد الله ويثني عليه ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله ، استقبل الحجر واستلمه وكبَّر (٣) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك واحمد الله وأثن عليه » (٤) الحديث .
ويستحب له أن يستلم الحجر ويُقبّله إجماعاً ؛ لما رواه العامّة : أنّ عمر بن الخطّاب انكبّ علىٰ الحجر وقال : أما إنّي أعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع ، ولولا أنّي رأيت رسول الله يُقبّلك لما قبّلتك (٥) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : استلموا الركن ، فإنّه يمين الله في خلقه يصافح بها خلقه مصافحة العبد أو الدخيل ، ويشهد لمن استلمه بالموافاة » (٦) .
إذا عرفت هذا ، فإن لم يتمكّن من الاستلام ، استلمه بيده وقبّل يده ،
__________________
(١) سنن أبي داود ٢ : ١٧٥ / ١٨٧٠ ، وسنن النسائي ٥ : ٢١٢ ، وفيه : . . . فلم نكن نفعله .
(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٨٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٨٩ .
(٣) المستدرك ـ للحاكم ـ ١ : ٤٥٤ ، وليس فيه تكبير النبي صلىاللهعليهوآله .
(٤) الكافي ٤ : ٤٠٢ ـ ٤٠٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٠١ / ٣٢٩ .
(٥) صحيح مسلم ٢ : ٩٢٥ / ٢٥٠ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٨١ / ٢٩٤٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٧٤ .
(٦) التهذيب ٥ : ١٠٢ / ٣٣١ ، وبتفاوت يسير في الكافي ٤ : ٤٠٦ / ٩ .
فإن لم يتمكّن من ذلك ، أشار إليه بيده ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لقول الصادق عليهالسلام : « فإن وجدته خالياً وإلّا فسلّم من بعيد » (٢) .
وسُئل الرضا عليهالسلام : عن الحجر الأسود أيقاتل عليه الناس إذا كثروا ؟ قال : « إذا كان كذلك فأوم بيدك » (٣) .
وليس الاستلام واجباً ؛ لأصالة البراءة .
ولأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن رجل حجّ فلم يستلم الحجر ولم يدخل الكعبة ، قال : « هو من السنّة ، فإن لم يقدر فالله أولىٰ بالعذر » (٤) .
ومقطوع اليد يستلم الحجر بموضع القطع ، ولو قُطعت من المرفق ، استلم بشماله ؛ لقول علي عليهالسلام وقد سُئل عن الأقطع كيف يستلم ؟ : « يستلم الحجر من حيث القطع ، فإن كانت مقطوعةً من المرفق استلم الحجر بشماله » (٥) .
مسألة ٤٧٠ : ويستحب أن يستلم الركن اليماني ويُقبّله ، فإن لم يتمكّن ، استلمه بيده وقبّل يده ـ وبه قال أحمد (٦) ـ لما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا استلم الركن ، قبَّله ، ووضع خدّه الأيمن عليه (٧) .
وقال ابن عمر : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان لا يستلم إلّا الحجر والركن
__________________
(١) فتح العزيز ٧ : ٣١٨ ـ ٣١٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٩ ، المجموع ٨ : ٣٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٩ .
(٢) الكافي ٤ : ٤٠٥ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٠٣ / ٣٣٣ .
(٣) التهذيب ٥ : ١٠٣ / ٣٣٦ .
(٤) الكافي ٤ : ٤٠٥ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٠٣ / ٣٣٤ .
(٥) الكافي ٤ : ٤١٠ / ١٨ ، التهذيب ٥ : ١٠٦ ـ ١٠٧ / ٣٤٥ .
(٦) المغني ٣ : ٣٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٠ .
(٧) المغني ٣ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٥ ، وبتفاوت يسير في المستدرك ـ للحاكم ـ ١ : ٤٥٦ ، وسنن البيهقي ٥ : ٧٦ .
اليماني (١) .
ومن طريق الخاصّة : ما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم [ عن جعفر ] (٢) عن أبيه [ عليهماالسلام ] (٣) قال : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآله لا يستلم الركن إلّا الركن الأسود واليماني ، ويُقبّلهما ، ويضع خدّه عليهما » (٤) .
وقال الشافعي : يستحب أن يستلمه بيده ويُقبّل يده ولا يُقبّله (٥) .
وقال أبو حنيفة : لا يستلمه (٦) .
وقال مالك : يستلمه ولا يُقبّل يده ، وإنّما يضعها علىٰ فيه (٧) .
قال ابن عبد البرّ : أجمع أهل العلم علىٰ استلام الركنين ، وإنّما اختلفوا في التقبيل ، فشرّكه قوم بينهما وخصّ قوم الحجر به (٨) .
إذا عرفت هذا ، فإنّه يستحب استلام الأركان كلّها ، وآكدها ركن الحجر واليماني ، ذهب إليه علماؤنا ـ وبه قال ابن عباس وجابر وابن الزبير (٩) ـ لما رواه العامّة أنّه لمّا قدم معاوية مكة وابن عباس بها ، فاستلم
__________________
(١) صحيح مسلم ٢ : ٩٢٤ / ٢٤٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢٣١ ، سنن البيهقي ٥ : ٧٦ ، المغني ٣ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٥ .
(٢ و ٣) أضفناها من المصدر .
(٤) التهذيب ٥ : ١٠٥ ـ ١٠٦ / ٣٤١ ، الإستبصار ٢ : ٢١٦ ـ ٢١٧ / ٧٧٤ .
(٥) الاُم ٢ : ١٧٠ ، المجموع ٨ : ٣٥ و ٥٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٠ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٤٩ .
(٦) فتح العزيز ٧ : ٣١٩ ، المجموع ٨ : ٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٠ ، المغني ٣ : ٣٩٩ ـ ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٤ ـ ٣٩٥ .
(٧) المدوّنة الكبرىٰ ١ : ٣٦٣ ـ ٣٦٤ ، المنتقىٰ ـ للباجي ـ ٢ : ٢٨٧ ـ ٢٨٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٠ ، المجموع ٨ : ٥٨ .
(٨) المغني ٣ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٥ .
(٩) المغني ٣ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٥ ، المجموع ٨ : ٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٠ ـ ٣٣١ .
ابن عباس الأركان كلّها ، فقال معاوية : ما كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يستلم إلّا الركنين اليمانيّين ، فقال ابن عباس : ليس من البيت شيء مهجور (١) .
ومن طريق الخاصّة : ما رواه إبراهيم بن أبي محمود ، قال : قلت للرضا عليهالسلام : أستلم اليماني والشامي والغربي ؟ قال : « نعم » (٢) .
ولأنّهما ركنان ، فاستحبّ استلامهما ، كاليمانيّين .
وأنكر الفقهاء الأربعة ذلك (٣) ؛ لقول ابن عمر : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يستلم الركن اليماني والأسود في كلّ طوفة ، ولا يستلم الركنين اللذين يليان الحجر (٤) .
قال ابن عمر : ما أراه لم يستلم الركنين اللذين يليان الحجر إلّا لأنّ البيت لم يتمّ علىٰ قواعد إبراهيم عليهالسلام (٥) .
والجواب : رواية الإثبات مقدَّمة .
ويحتمل : أنّه كان يقف عند اليمانيّين أكثر .
تنبيه : في الاستلام لغتان : الهمز وعدمه .
__________________
(١) مسند أحمد ٤ : ٩٤ ـ ٩٥ بتفاوت ، وفي ذيله ما يشعر باختلاف الناس في هذه الرواية ، فمنهم من قال بأنّ المجيب هو معاوية . وانظر : صحيح البخاري ٢ : ١٨٦ ، وسنن الترمذي ٣ : ٢١٣ / ٨٥٨ ، وسنن البيهقي ٥ : ٧٧ ، ومسند أحمد ١ : ٢١٧ .
(٢) التهذيب ٥ : ١٠٦ / ٣٤٣ ، الاستبصار ٢ : ٢١٦ / ٧٤٣ .
(٣) المدوّنة الكبرىٰ ١ : ٣٦٣ ، المجموع ٨ : ٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٤٨ ، المغني ٣ : ٣٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٥ .
(٤) فتح العزيز ٧ : ٣١٩ ، وبتفاوت في صحيح البخاري ٢ : ١٨٦ ، وصحيح مسلم ٢ : ٩٢٤ / ٢٤٤ ، ومسند أحمد ٢ : ١٨ .
(٥) المغني ٣ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٥ ، وبتفاوت في صحيح مسلم ٢ : ٩٦٩ / ٣٩٩ ، وصحيح البخاري ٢ : ١٧٩ ، وسنن البيهقي ٥ : ٧٧ .
فعلىٰ الثاني قال السيّد المرتضىٰ : إنّه افتعال من السِّلام ، وهي الحجارة (١) .
فإذا مسّ الحجر بيده ومسحه بها ، قيل : استلم ، أي مسّ السِّلام بيده .
وقيل : إنّه مأخوذ من السَّلام (٢) ، أي أنّه يُحيّي نفسه عن الحجر ؛ إذ ليس الحجر ممّن يحيّيه ، وهذا كما يقال : اختدم : إذا لم يكن له خادم سوىٰ نفسه .
وحكىٰ ثعلب : الهمز ، وفسّره بأنّه اتّخذه جُنّةً وسلاحاً من اللامة (٣) ، وهي الدرع (٤) . وهو حسن .
مسألة ٤٧١ : يستحب الاستلام في كلّ شوط ؛ لأنّ النبي عليهالسلام كان يستلم الركن اليماني والأسود في كلّ طوفة (٥) .
ويستحب الدعاء في الطواف بالمنقول ، والوقوف عند اليماني والدعاء عنده .
ويستحب له أن يلتزم المستجار في الشوط السابع ، ويبسط يديه علىٰ حائطه ، ويلصق به بطنه وخدّه ، ويدعو بالمأثور ، ويعترف بذنوبه .
قال الصادق عليهالسلام : « ثم أقرّ لربّك بما عملت من الذنوب فإنّه ليس عبد مؤمن يقرّ لربّه بذنوبه في هذا المكان إلّا غفر له » (٦) .
ولو نسي الالتزام حتىٰ جاز موضعه في مؤخّر الكعبة مقابل الباب
__________________
(١) رسائل الشريف المرتضىٰ ٣ : ٢٧٥ .
(٢) تهذيب اللغة ١٢ : ٤٥١ .
(٣) اللامة : الهول . لسان العرب ١٢ : ٥٥٧ « لوم » .
(٤) كما في رسائل الشريف المرتضىٰ ٣ : ٢٧٥ .
(٥) تقدّمت الإشارة إلىٰ مصادره في ص ١٠٥ ، الهامش (٤) .
(٦) الكافي ٤ : ٤١١ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٠٧ ـ ١٠٨ / ٣٤٩ .
دون الركن اليماني بقليل ، فلا إعادة عليه .
ولو ترك الاستلام ، لم يكن عليه شيء ، وبه قال عامّة الفقهاء ؛ لأنّه مستحب ، فلا يتعقّب بتركه جناية .
وحكي عن الحسن البصري والثوري وعبد الملك بن الماجشون أنّ عليه دماً (١) ؛ لقول النبي صلىاللهعليهوآله : ( مَنْ ترك نسكاً فعليه دم ) (٢) .
وليس حجّةً ؛ لأنّه مخصوص بالواجب .
قال الشيخ في المبسوط : قد روي أنّه يستحب الاضطباع ، وهو أن يدخل إزاره تحت منكبه الأيمن ويجعله علىٰ منكبه الأيسر (٣) .
وهو مأخوذ من الضَّبْع ، وهو عضد الإنسان ، وأصله التاء قلبوها طاءً ؛ لأنّ التاء متىٰ وقعت بعد صاد أو ضاد أو طاء ساكنة قلبت طاءً .
إذا ثبت هذا ، فأكثر العلماء علىٰ استحبابه (٤) ؛ لقول ابن عباس : لمّا دخل رسول الله صلىاللهعليهوآله علىٰ قريش ، فاجتمعت نحو الحجر ، اضطبع رسول الله صلىاللهعليهوآله (٥) .
قال الشافعي : ويبقىٰ مضطبعاً حتىٰ يتمّ السعي بين الصفا والمروة ويتركه عند الصلاة للطواف (٦) .
__________________
(١) اُنظر : المجموع ٨ : ٥٩ ، وفي حلية العلماء ٣ : ٣٣١ ، والمغني ٣ : ٣٩٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٩٨ حكاية القول بذلك عنهم في ترك الرمل لا ترك الاستلام ، فلاحظ .
(٢) أورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٣٦٤ ، والشيرازي في المهذّب ١ : ٢٣٣ ، والماوردي في الحاوي الكبير ٤ : ١٧٤ وابنا قدامه في المغني ٣ : ٣٩٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٩٨ .
(٣) المبسوط ١ : ٣٥٦ .
(٤) المغني ٣ : ٣٩١ ـ ٣٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩١ .
(٥) مسند أحمد ١ : ٣٠٥ .
(٦) فتح العزيز ٧ : ٣٣٨ ـ ٣٣٩ ، المجموع ٨ : ٢٠ .
وقال أحمد : لا يضطبع في السعي (١) .
وقال مالك : إنّه ليس بمستحب . قال : ولم أسمع أحداً من أهل العلم ببلدنا يذكر أنّ الاضطباع سنّة (٢) .
مسألة ٤٧٢ : يستحب له أن يقصد في مشيه بأن يمشي مستوياً بين السَّرَع والإبطاء ، قاله الشيخ ـ رحمهالله ـ في بعض كتبه (٣) .
وقال في المبسوط : يستحب أن يرمل ثلاثاً ، ويمشي أربعاً في طواف القدوم خاصّة ؛ اقتداءً برسول الله صلىاللهعليهوآله (٤) .
واتّفقت العامّة علىٰ استحباب الرمل في الأشواط الثلاثة الأُوَل ، والمشي في الأربعة في طواف القدوم ؛ لما رواه الصادق عليهالسلام عن جابر أنّ النبي صلىاللهعليهوآله رمل ثلاثاً ومشىٰ أربعاً (٥) .
والسبب فيه قول ابن عباس : قدم رسول الله صلىاللهعليهوآله مكة ، فقال المشركون : إنّه يقدم عليكم قوم تنهكهم (٦) الحُمّىٰ ولقوا منها شرّاً ، فأمرهم رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يرملوا الأشواط الثلاثة ، وأن يمشوا بين الركنين ، فلمّا رأوهم قالوا : ما نراهم إلّا كالغزلان (٧) .
ولو ترك الرمل ، لم يكن عليه شيء ؛ لأنّه مستحب ، وهو قول عامّة
__________________
(١) المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٢ .
(٢) المغني ٣ : ٣٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣١ ، المجموع ٨ : ٢١ .
(٣) النهاية : ٢٣٧ .
(٤) المبسوط ١ : ٣٥٦ .
(٥) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٧ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٣ / ١٩٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٢١٢ / ٨٥٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٨٣ / ٢٩٥١ و ١٠٢٣ / ٣٠٧٤ .
(٦) نهكته الحُمّىٰ : جهدته وأضْنَتْه ونقصت لحمه . لسان العرب ١٠ : ٤٩٩ « نهك » .
(٧) اُنظر : سنن أبي داود ٢ : ١٧٨ / ١٨٨٦ و ١٧٩ / ١٨٨٩ .
الفقهاء (١) .
وقال الحسن البصري : إنّ عليه دماً . وهو محكي عن الثوري وعبد الملك بن الماجشون (٢) ، لقوله عليهالسلام : ( مَنْ ترك نسكاً فعليه دم ) (٣) .
وجوابه : المراد من النسك الواجبُ .
ويعارضه ما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال : ليس علىٰ من ترك الرمل شيء (٤) .
ومن طريق الخاصّة : رواية سعيد الأعرج ، أنّه سأل الصادقَ عليهالسلام عن المسرع والمبطئ في الطواف ، فقال : « كُلٌّ واسع ما لم يؤذ أحداً » (٥) .
ولو تركه في الثلاثة الأُول ، لم يقض في الأربع الباقية ؛ لأنّها هيئة في الأُول ، فإذا فات موضعها ، سقطت ، ولزم سقوط هيئة البواقي .
وإذا قلنا باستحباب الرمل في الثلاثة الأُول ، استحبّ من الحِجْر إليه ـ وهو قول أكثر العلماء (٦) ـ لما رواه العامّة : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله رمل من الحِجْر إلىٰ الحِجْر (٧) .
وقال طاوُس وعطاء والحسن وسعيد بن جبير : يمشي ما بين الركنين ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر أصحابه بأن يرملوا الأشواط الثلاثة ويمشوا ما
__________________
(١ و ٢) المغني ٣ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٨ ، المجموع ٨ : ٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣١ .
(٣) أورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٣٦٤ ، والشيرازي في المهذّب ١ : ٢٣٣ ، والماوردي في الحاوي الكبير ٤ : ١٧٤ وابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٩٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٩٨ .
(٤) المغني ٣ : ٣٩٦ ـ ٣٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٨ .
(٥) الفقيه ٢ : ٢٥٥ / ١٢٣٨ .
(٦) المغني ٣ : ٣٩٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٦ ـ ٣٩٧ ، المجموع ٨ : ٩٨ .
(٧) صحيح مسلم ٢ : ٩٢١ / ٢٣٣ ـ ٢٣٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٢١٢ / ٨٥٧ ، سنن أبي داود ٢ : ١٧٩ / ١٨٩١ .
بين الركنين ليرىٰ المشركون جَلَدَهُمْ (١) لمّا وَهَنَتْهم (٢) الحُمّىٰ حتىٰ قال المشركون : هؤلاء أجلد منّا (٣) .
ولو ترك الرمل في أوّل شوط ، رمل في الاثنين ، وإن تركه في الاثنين ، رمل في الثالث خاصّةً .
ولو تركه في طواف القدوم ، لم يستحب قضاؤه في طواف الحجّ ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله إنّما رمل في طواف القدوم (٤) ، خلافاً لبعض العامّة (٥) .
وقال بعض العامّة : ليس علىٰ أهل مكّة رمل ـ وقاله ابن عباس وابن عمر ـ لأنّه شُرّع في الأصل لإظهار الجلد والقوّة لأهل البلد (٦) .
ولا يستحب للنساء الرمل ولا الاضطباع .
ويرمل الحامل للمريض والصبي ، والراكب يحثّ دابّته .
وللشافعي قول آخر في أنّ الحامل للمريض لا يرمل به (٧) .
مسألة ٤٧٣ : يستحب التداني من البيت في الطواف ؛ لأنّه المقصود ، فالدنوّ منه أولىٰ ولو كان بالقرب زحام لا يمكنه أن يرمل فيه ، فإن كان يعلم أنّه إن وقف وجد فرجةً ، وقف ، فإذا وجد فرجةً ، رمل ، وإن كان يعلم أنّه لا يجد فرجةً لكثرة الزحام وعلم أنّه إن خرج إلىٰ حاشية الناس
__________________
(١) الجَلَد : القوّة والصبر . النهاية ـ لابن الأثير ـ ١ : ٢٨٤ « جلد » .
(٢) أي : أضعفتهم . النهاية ـ لابن الأثير ـ ٥ : ٢٣٤ « وهن » .
(٣) المغني ٣ : ٣٩٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٧ ، المجموع ٨ : ٥٨ .
(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٧ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٣ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٣ / ١٩٠٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٦ .
(٥) المغني ٣ : ٣٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٣ .
(٦) المغني ٣ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٢ .
(٧) المجموع ٨ : ٤٤ .
يمكن الرمل ، خرج ورمل ، وكان أفضل من التداني ، وإن لم يتمكّن من الخروج ، طاف من غير رمل ، ولو تباعد حتىٰ طاف بالسقاية وزمزم ، لم يجزئ ـ خلافاً للشافعي (١) ـ لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كذا فَعل ، وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم ) (٢) .
مسألة ٤٧٤ : يستحب أن يطوف ماشياً مع القدرة ، ولو ركب معها ، أجزأه ، ولا يلزمه دم ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لأنّ جابراً قال : طاف رسول الله صلىاللهعليهوآله في حجّة الوداع علىٰ راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس وليشرفَ عليهم ليسألوه ، فإنّ الناس غشوه (٤) .
وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد : إن طاف راكباً لعذر ، فلا شيء عليه ، وإن كان لغير عذر ، فعليه دم ؛ لأنّها عبادة واجبة تتعلّق بالبيت ، فلا يجوز فعلها لغير عذر راكباً ، كالصلاة (٥) .
والفرق : أنّ الصلاة لا تصحّ راكباً وهنا تصحّ .
مسألة ٤٧٥ : يستحب طواف ثلاثمائة وستّين طوافاً ، فإن لم يتمكّن فثلاثمائة وستّين شوطاً ، ويلحق الزيادة بالطواف الأخير بأن يطوف اُسبوعاً ، ثم يصلّي ركعتين ، وهكذا .
ويجوز القرآن في النوافل علىٰ ما يأتي ، فيؤخّر الصلاة فيها إلىٰ حين
__________________
(١) الاُم ٢ : ١٧٧ ، فتح العزيز ٧ : ٣٠١ ، المجموع ٨ : ٣٩ .
(٢) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥ .
(٣) فتح العزيز ٧ : ٣١٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٨ ، المجموع ٨ : ٢٧ ، المغني ٣ : ٤٢٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٤ .
(٤) صحيح مسلم ٢ : ٩٢٧ / ٢٥٥ ، سنن البيهقي ٥ : ١٠٠ .
(٥) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٤٤ ـ ٤٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٣٠ ، المغني ٣ : ٤٢٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٨ ، المجموع ٨ : ٢٧ .
الفراغ .
وإن لم يستطع ، طاف ما يمكن منه .
قال الصادق عليهالسلام : « يستحب أن تطوف ثلاثمائة وستّين اُسبوعاً عدد أيّام السنة ، فإن لم تستطع فثلاثمائة وستّين شوطاً ، فإن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف » (١) .
البحث الثالث : في الأحكام .
مسألة ٤٧٦ : قد بيّنّا وجوب الطهارة من الحدث والخبث في الثوب والبدن ، ووجوب الستر ، فلو طاف جنباً أو محدثاً أو عارياً ، أو طافت المرأة حائضاً أو نفساء ، أو طاف وعلىٰ ثوبه أو بدنه نجاسة عالماً أو ناسياً في طواف الفريضة ، لم يعتد بذلك الطواف ، وكذا لو كان يطأ في مطافه النجاسات المتعدّية إلىٰ بدنه أو ثوبه .
ولو أحدث في خلال الطواف ، فإن كان بعد طواف أربعة أشواط ، تطهّر وأتمّ طوافه ، وإن كان قبل ذلك ، تطهّر واستأنف الطواف من أوّله ؛ لقول أحدهما عليهماالسلام : في الرجل يحدث في طواف الفريضة وقد طاف بعضه ، قال : « يخرج ويتوضّأ ، فإن كان جاز النصف بنىٰ علىٰ طوافه ، وإن كان أقلّ من النصف أعاد الطواف » (٢) .
ولم يفصّل العامّة ذلك ، بل قالوا : إن تعمّد الحدث ، فللشافعي قولان : أحدهما : أنّه يستأنف ، كالصلاة . وأصحّهما : البناء . ويحتمل فيه ما لا يحتمل في الصلاة ، كالفعل الكثير والكلام .
__________________
(١) الكافي ٤ : ٤٢٩ / ١٤ ، الفقيه ٢ : ٢٥٥ / ١٢٣٦ ، التهذيب ٥ : ١٣٥ / ٤٤٥ .
(٢) الكافي ٤ : ٤١٤ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١١٨ / ٣٨٤ .
وإن سبقه الحدث ، فإن قلنا : يبني في العمد ، فهنا أولىٰ ، وإن قلنا : يستأنف ، فقولان : أصحّهما : البناء .
هذا إذا لم يَطُل الفصل ، وإن طال ، بنىٰ (١) .
ولو كان الطواف نفلاً ، لم يجب عليه الاستئناف ولا إتمامه بطهارة .
ولو ذكر أنّه طاف محدثاً ، فإن كان طواف فريضة ، استأنف الطواف والصلاة إن كان قد صلّىٰ بحدثه .
ولو كان الطواف نفلاً وصلّىٰ ، أعاد الصلاة خاصّةً بعد الطهارة ؛ لرواية حريز ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام : في رجل طاف تطوّعاً وصلّىٰ ركعتين وهو علىٰ غير وضوء ، فقال : « يُعيد الركعتين ولا يعيد الطواف » (٢) .
ولو شكّ في الطهارة ، فإن كان في أثناء الطواف ، تطهّر واستأنف ؛ لأنّه شكّ في العبادة قبل فراغها ، فيعيد ، كالصلاة ، ولو شكّ بعد الفراغ ، لم يستأنف .
مسألة ٤٧٧ : لو طاف ستّة أشواط ناسياً وانصرف ثم ذكر ، فليضف إليها شوطاً آخر ، ولا شيء عليه ، وإن لم يذكر حتىٰ يرجع إلىٰ أهله ، أَمَر مَنْ يطوف عنه .
وقال أبو حنيفة : يجبره بدم (٣) .
لنا : أصالة البراءة من الدم ، وبقاء عهدة التكليف في الشوط المنسي إلىٰ أن يأتي به .
__________________
(١) فتح العزيز ٧ : ٢٨٧ ، المجموع ٨ : ٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٣ .
(٢) التهذيب ٥ : ١١٨ / ٣٨٥ .
(٣) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٤٦ ، المغني ٣ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥١١ ، المجموع ٨ : ٢٢ .
ولرواية الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : قلت : رجل طاف بالبيت فاختصر شوطاً واحداً في الحِجْر ، قال : « يعيد ذلك الشوط » (١) .
وسأل سليمانُ بن خالد الصادقَ عليهالسلام : عمّن فاته شوط واحد حتىٰ أتىٰ أهله ، قال : « يأمر مَنْ يطوف عنه » (٢) .
ولو ذكر أنّه طاف أقلّ من سبعة أشواط وهو في السعي ، قطع السعي ، وتمّم الطواف ، ثم رجع فتمّم السعي ؛ لأنّ السعي تابع ، فلا يُفعل قبل تحقّق متبوعه ، وإنّما يتحقّق بأجزائه .
ولأنّ إسحاق بن عمّار سأل الصادقَ عليهالسلام : عن رجل طاف بالبيت ثم خرج إلىٰ الصفا فطاف بين الصفا والمروة ، فبينا هو يطوف إذ ذكر أنّه قد نقص من طوافه بالبيت ، قال : « يرجع إلىٰ البيت فيُتمّ طوافه ثم يرجع إلىٰ الصفا والمروة فيُتمّ ما بقي » (٣) .
مسألة ٤٧٨ : لو قطع طوافه بدخول البيت أو بالسعي في حاجة له أو لغيره في الفريضة ، فإن كان قد جاز النصف ، بنىٰ ، وإن لم يكن جازه ، أعاد .
وإن كان طواف نافلة ، بنىٰ عليه مطلقاً ؛ لأنّه مع تجاوز النصف يكون قد فَعَل الأكثر ، فيبني عليه ، كالجميع .
ولرواية الحلبي ـ في الصحيح ـ قال : سألتُ الصادقَ عليهالسلام : عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط ثم وجد من البيت خلوةً فدخله ، كيف يصنع ؟ قال : « يعيد طوافه ، وخالف السنّة » (٤) .
__________________
(١) التهذيب ٥ : ١٠٩ / ٣٥٣ .
(٢) الكافي ٤ : ٤١٨ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٢٤٨ ـ ٢٤٩ / ١١٩٤ ، التهذيب ٥ : ١٠٩ / ٣٥٤ .
(٣) الكافي ٤ : ٤١٨ / ٨ ، الفقيه ٢ : ٢٤٨ / ١١٩٠ ، التهذيب ٥ : ١٠٩ ـ ١١٠ / ٣٥٥ .
(٤) التهذيب ٥ : ١١٨ / ٣٨٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٣ / ٧٦٨ .
وعن أبي الفرج قال : طفت مع الصادق عليهالسلام خمسة أشواط ثم قلت : إنّي اُريد أن أعود مريضاً ، فقال : « احفظ مكانك ثم اذهب فعُدْه ثم ارجع فأتمّ طوافك » (١) .
ولأنّ الصادق عليهالسلام أمر أبان بن تغلب ، فقال : « اقطع طوافك وانطلق معه في حاجته » فقلت : وإن كان فريضةً ؟ قال : « نعم وإن كان فريضةً » (٢) .
وفي حديث آخر : جواز القعود والاستراحة ثم يبني (٣) .
ولو دخل عليه وقت فريضة ، قطع الطواف ، وصلّىٰ الفريضة ، ثم عاد فتمّم طوافه من حيث قطع ، وهو قول العامّة ، إلّا مالكاً ؛ فإنّه قال : يمضي في طوافه إلّا أن يخاف فوات الفريضة (٤) .
وهو باطل ، لما رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله ، قال : ( إذا اُقيمت الصلاة فلا صلاة إلّا المكتوبة ) (٥) والطواف صلاة .
ولأنّ وقت الحاضرة أضيق من وقت الطواف ، فكانت أولىٰ .
ولأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادقَ عليهالسلام : عن رجل كان في طواف النساء واُقيمت الصلاة ، قال : « يصلّي ـ يعني الفريضة ـ فإذا فرغ بنىٰ من حيث قطع » (٦) .
__________________
(١) التهذيب ٥ : ١١٩ / ٣٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٣ ـ ٢٢٤ / ٧٧٢ .
(٢) التهذيب ٥ : ١٢٠ / ٣٩٢ .
(٣) الفقيه ٢ : ٢٤٧ / ١١٨٥ ، التهذيب ٥ : ١٢٠ ـ ١٢١ / ٣٩٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٤ ـ ٢٢٥ / ٧٧٤ .
(٤) المغني ٣ : ٤١٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١٣ .
(٥) صحيح مسلم ١ : ٤٩٣ / ٧١٠ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٢ / ١٢٦٦ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٨٢ / ٤٢١ ، سنن النسائي ٢ : ١١٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٦٤ / ١١٥١ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٨٢ ، مسند أحمد ٢ : ٤٥٥ .
(٦) التهذيب ٥ : ١٢١ / ٣٩٦ .
إذا عرفت هذا ، فإنّه يبني بعد فراغه من الفريضة ، ويُتمّ طوافه ، وهو قول العلماء إلّا الحسن البصري ؛ فإنّه قال : يستأنف (١) .
والأصل خلافه .
وكذا البحث في صلاة الجنازة ، فإنّها تُقدّم .
وهل يبني من حيث قطع أو من الحجر ؟ دلالة ظاهر الحديث علىٰ الأوّل .
ولو خاف فوات الوتر ، قطع الطواف وأوتر ثم بنىٰ علىٰ ما مضىٰ من طوافه ؛ لأنّها نافلة متعلّقة بوقت ، فتكون أولىٰ من فعل ما لا يفوت وقته .
ولقول الكاظم عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « ابدأ بالوتر واقطع الطواف » (٢) .
مسألة ٤٧٩ : لو حاضت المرأة وقد طافت أربعة أشواط ، قطعت الطواف وسعت ، فإذا فرغت من المناسك ، أتمّت الطواف بعد طُهْرها ، ولو كان دون أربعة ، أبطلت الطواف وانتظرت عرفة ، فإن طهرت وتمكّنت من باقي أفعال العمرة والخروج إلىٰ الموقف ، فَعَلت ، وإلّا صارت حجّتها مفردةً ؛ لأنّ الصادق عليهالسلام سُئل عن امرأة طافت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت ، قال : « تُتمّ طوافها ، وليس عليها غيره ، ومتعتها تامّة ، ولها أن تطوف بين الصفا والمروة ، لأنّها زادت علىٰ النصف وقد قضت متعتها ، ولتستأنف بعدُ الحجَّ ، وإن هي لم تطف إلّا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحجّ ، فإن أقام بها جمّالها بعد الحجّ لتخرج إلىٰ الجعرانة أو إلىٰ التنعيم فلتعتمر » (٣) .
__________________
(١) المغني ٣ : ٤١٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١٣ .
(٢) الكافي ٤ : ٤١٥ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٤٧ / ١١٨٦ ، التهذيب ٥ : ١٢٢ / ٣٩٧ .
(٣) الفقيه ٢ : ٢٤١ ـ ٢٤٢ / ١١٥٥ ، وفي التهذيب ٥ : ٣٩٣ / ١٣٧١ ، والاستبصار ٢ : ٣١٣ / ١١١٢ إلىٰ قوله عليهالسلام : « ولتستأنف بعدُ الحجَّ » .
مسألة ٤٨٠ : الطواف ركن مَنْ تركه عامداً بطل حجّه ، ولو تركه ناسياً ، قضاه ولو بعد المناسك ، فإن تعذّر العود ، استناب فيه .
روىٰ علي بن جعفر ـ في الصحيح ـ عن أخيه الكاظم عليهالسلام ، قال : سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتىٰ قدم بلاده وواقع النساء كيف يصنع ؟ قال : « يبعث بهدي إن كان تركه في حجّ بعثه في حجّ ، وإن تركه في عمرة بعثه في عمرة ، ووكّل مَنْ يطوف عنه ما ترك من طوافه » (١) .
قال الشيخ رحمهالله : هذا محمول علىٰ طواف النساء ؛ لأنّ مَنْ ترك طواف النساء ناسياً جاز له أن يستنيب غيره مقامه في طوافه ، ولا يجوز له ذلك في طواف الحجّ ، بل يجب عليه إعادة الحجّ وبدنة (٢) ؛ لما رواه علي بن جعفر ـ في الصحيح ـ أنّه سأل الكاظمَ عليهالسلام : عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة ، قال : « إن كان علىٰ وجه جهالة في الحجّ أعاد وعليه بدنة » (٣) .
واستدلّ الشيخ علىٰ الجميع برواية معاوية بن عمّار ، قال : قلت للصادق عليهالسلام : رجل نسي طواف النساء حتىٰ دخل أهله ، قال : « لا تحلّ له النساء حتىٰ يزور البيت » . وقال : « يأمر أن يقضىٰ عنه إن لم يحج ، فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه » (٤) .
مسألة ٤٨١ : لو شكّ في عدد الطواف ، فإن كان بعد فراغه ، لم يلتفت ، وإن كان في أثنائه ، فإن كان شكّه في الزيادة ، قطع ولا شيء
__________________
(١) التهذيب ٥ : ١٢٨ / ٤٢١ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٨ / ٧٨٨ .
(٢) التهذيب ٥ : ١٢٨ ذيل الحديث ٤٢١ ، والاستبصار ٢ : ٢٢٨ ذيل الحديث ٧٨٨ .
(٣) التهذيب ٥ : ١٢٧ ـ ١٢٨ / ٤٢٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٨ / ٧٨٧ وفيه عن علي بن يقطين .
(٤) التهذيب ٥ : ١٢٨ / ٤٢٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٨ / ٧٨٩ .
عليه ، وإن كان في النقصان ، مثل : أن يشكّ بين الستّة والسبعة أو الخمسة والستّة ، فإن كان طواف الفريضة ، أعاده من أوّله ؛ لأنّ الزيادة والنقصان محظوران .
ولرواية معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام : في رجل لم يدر ستّة طاف أم سبعة ، قال : « يستقبل » (١) .
وسأل حنّان بن سدير الصادقَ عليهالسلام : في رجل طاف فأوهم قال : طفت أربعة وقال : طفت ثلاثة ، فقال الصادق عليهالسلام : « أيّ الطوافين : طواف نافلة أو طواف فريضة ؟ » ثم قال : « إن كان طواف فريضة فليلق ما في يديه وليستأنف ، وإن كان طواف نافلة واستيقن الثلاث وهو في شكّ من الرابع أنّه طاف فليبن علىٰ الثالث فإنّه يجوز له » (٢) .
ويجوز البناء علىٰ الأكثر في النافلة ؛ لما رواه رفاعة عن الصادق عليهالسلام أنّه قال في رجل لا يدري ثلاثة طاف أو أربعة ، قال : « طواف نافلة أو فريضة ؟ » قال : أجبني فيهما ، قال : « إن كان طواف نافلة فابن علىٰ ما شئت ، وإن كان طواف فريضة فأعد الطواف » (٣) .
ويجوز التعويل علىٰ غيره في عدد الطواف ، كالصلاة ؛ لأنّ سعيد الأعرج سأل الصادقَ عليهالسلام : عن الطواف أيكتفي الرجل بإحصاء صاحبه ؟ قال : « نعم » (٤) .
مسألة ٤٨٢ : لا يجوز الزيادة علىٰ سبعة أشواط في طواف الفريضة ، فلو طاف ثمانيةً ، أعاد ، ولو كان سهواً ، استحبّ له أن يُتمّم أربعة عشر
__________________
(١) الكافي ٤ : ٤١٧ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١١٠ / ٣٥٧ .
(٢) الكافي ٤ : ٤١٧ ـ ٤١٨ / ٧ ، التهذيب ٥ : ١١١ / ٣٦٠ .
(٣) الفقيه ٢ : ٢٤٩ / ١١٩٦ .
(٤) الكافي ٤ : ٤٢٧ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٥٥ / ١٢٣٤ ، التهذيب ٥ : ١٣٤ / ٤٤٠ .
شوطاً ؛ لأنّها فريضة ذات عدد فتبطلها الزيادة مع العمد كالصلاة .
ولقول الصادق عليهالسلام وقد سأله أبو بصير : عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض ، قال : « يعيد حتىٰ يستتمّه » (١) .
وفي الصحيح عن الصادق عليهالسلام ، قال : « مَنْ طاف بالبيت فوهم حتىٰ يدخل في الثامن فليتمّ أربعة عشر شوطاً ثم ليصلّ ركعتين » (٢) .
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية ، قال : « يضيف إليها ستّة » (٣) .
إذا عرفت هذا ، فإذا كمّل أربعة عشر شوطاً ، صلّىٰ ركعتي طواف الفريضة وسعىٰ ثم عاد إلىٰ المقام وصلّىٰ ركعتي النفل .
ولو ذكر في الشوط الثامن قبل أن يبلغ الركن أنّه قد طاف سبعاً ، فليقطع الطواف ، ولا شيء عليه ؛ لأنّه أتىٰ بالواجب ، وإن لم يذكر حتىٰ يجوزه ، تمّم أربعة عشر شوطاً ؛ لأنّ أبا كهمس سأل الصادقَ عليهالسلام : عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط ، قال : « إن كان ذكر قبل أن يأتي الركن فليقطعه وقد أجزأ عنه ، وإن لم يذكر حتىٰ يبلغه فليتمّ أربعة عشر شوطاً وليصلّ أربع ركعات » (٤) .
مسألة ٤٨٣ : لا يجوز القرآن في طواف الفريضة عند أكثر علمائنا (٥)
__________________
(١) التهذيب ٥ : ١١١ / ٣٦١ ، الاستبصار ٢ : ٢١٧ / ٧٤٦ .
(٢) التهذيب ٥ : ١١٢ / ٣٦٤ ، الاستبصار ٢ : ٢١٨ / ٧٥٠ .
(٣) التهذيب ٥ : ١١١ ـ ١١٢ / ٣٦٢ ، الاستبصار ٢ : ٢١٨ / ٧٤٨ .
(٤) التهذيب ٥ : ١١٣ / ٣٦٧ ، الاستبصار ٢ : ٢١٩ / ٧٥٣ وفيه وفي نسخة « ن » : أبا كهمش .
(٥) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٣٨ ، والمبسوط ١ : ٣٥٧ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٢٣٢ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٣٧٣ .
ـ وكرهه ابن عمر والحسن البصري والزهري ومالك وأبو حنيفة (١) ـ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله لم يفعله ، فلا يجوز فعله ؛ لقوله عليهالسلام : ( خُذوا عنّي مناسككم ) (٢) .
ولأنّها فريضة ذات عدد ، فلا تجوز الزيادة عليه ، كالصلاة .
ولأنّ الكاظم عليهالسلام سُئل عن الرجل يطوف يُقرن بين اُسبوعين ، فقال : « لا تقرن بين اُسبوعين ، كلّما طُفْتَ اُسبوعاً فصلّ ركعتين » (٣) .
وقال عطاء وطاوُس وسعيد بن جبير وأحمد وإسحاق : لا بأس به ؛ لأنّ عائشة فَعَلته (٤) .
ولا حجّة فيه . ويحتمل أن يكون قد فَعَلَتْه في الندب .
إذا عرفت هذا ، فيجوز القران بين الطوافين في النافلة ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « إنّما يكره أن يجمع الرجل بين السبوعين والطوافين في الفريضة ، فأمّا في النافلة فلا » (٥) .
وإذا جمع بين طوافين ، استحبّ أن ينصرف علىٰ وتر ، فلا ينصرف علىٰ اُسبوعين ولا علىٰ أربعة ولا علىٰ ستّة وهكذا ، بل علىٰ خمسة أو ثلاثة (٦) وهكذا ؛ لأنّ الباقر عليهالسلام كان يكره أن ينصرف في الطواف إلّا على
__________________
(١) المغني ٣ : ٤٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١٥ ، المدوّنة الكبرىٰ ١ : ٤٠٧ ، المنتقىٰ ـ للباجي ـ ٢ : ٢٨٩ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٤٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٥٠ .
(٢) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥ .
(٣) الكافي ٤ : ٤١٨ ـ ٤١٩ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١١٥ / ٣٧٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٠ ـ ٢٢١ / ٧٥٩ .
(٤) المغني ٣ : ٤٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١٥ .
(٥) الكافي ٤ : ٤١٨ / ١ ، التهذيب ٥ : ١١٥ / ٣٧٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٠ / ٧٥٧ ، وفيها : « . . . فلا بأس » .
(٦) كذا ، والأنسب : بل علىٰ ثلاثة أو خمسة .