قال : «وممّا علّمناهم ينبّئون» (١).
وقال يحيى بن أبي القاسم : سألت الصادق عليهالسلام عن قول الله عزوجل : (الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ). فقال : (المتّقون : شيعة عليّ عليهالسلام ، والغيب فهو الحجّة الغائب ، وشاهد ذلك قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(٢)(٣).
س ٥ : ما هو تفسير الآية :
(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٥) [البقرة : ٤ ـ ٥]؟!
الجواب / قال عليّ بن إبراهيم : وقوله (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) قال : بما أنزل من القرآن إليك ، وبما أنزل على الأنبياء من قبلك من الكتب (٤).
وقال الإمام الصادق عليهالسلام : قوله «وبالآخرة هم يوقنون» ـ أي ـ بالدار الآخرة بعد هذه الدنيا يوقنون لا يشكون فيها أنها الدار التي فيها جزاء الأعمال الصالحة بأفضل مما عملوا ، وعقاب الأعمال السيئة بمثل ما كسبوه. (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) ، قال عليهالسلام : أخبر عز جلاله بأن هولاء الموصوفين بهذه الصفات (٥) (عَلى هُدىً) أي بيان وصواب (مِنْ رَبِّهِمْ) وعلم بما أمرهم به (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي الناجون مما منه يوجلون ، الفائزون بما يأملون (٦).
__________________
(١) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٢٥ ، ح ١.
(٢) يونس : ٢٠.
(٣) كمال الدّين وتمام النعمة ، ص ١٧.
(٤) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣٢.
(٥) الصفات في الآيتين التي قبلها.
(٦) بحار الأنوار : ج ٦٤ ، ص ١٨.
س ٦ : ما هو تفسير الآية :
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٦) [البقرة : ٦]؟!
الجواب / قال علي بن الحسين عليهالسلام ، في قول الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ، قال : الذين كفروا بولاية علي عليهالسلام وأوصياء رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين (١).
وقال الإمام الصادق عليهالسلام : يعني بتوحيد الله تعالى ، فهذا أحد وجوه الكفر (٢).
س ٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٧) [البقرة : ٧]؟!
الجواب / قال إبراهيم بن أبي محمود) سألت أبا الحسن الرضا عليهالسلام ، عن قول الله عزوجل : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ).
قال : «الختم : هو الطبع على قلوب الكفّار عقوبة على كفرهم ، كما قال الله عزوجل : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً)(٣)».
__________________
(١) شرح الأخبار : ج ١ ، القاضي النعمان المغربي ، ص ٢٤.
(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٨٧ ، ح ١ ، وقسم الإمام الصادق عليهالسلام الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه : فمنها كفر الجحود ، والجحود على وجهين ـ الذي ذكرناه وجه من كفر الجحود ـ ، والكفر بترك ما أمر الله ، وكفر البراءة ، وكفر النعم.
(٣) عيون أخبار الرضا عليهالسلام : ج ١ ، ص ١٢٣ ، ح ١٦ ، والآية سورة النساء ، ١٥٥.
س ٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (٨) [البقرة : ٨]؟!
الجواب / قال الإمام موسى الكاظم عليهالسلام ـ بعدما ذكر حادثة يوم الغدير ومبايعة الناس لعلي عليهالسلام وبعض المنافقين ـ فأخبر الله عزوجل محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم عنهم ، فقال : يا محمد ، (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) الذي أمرك بنصب عليّ عليهالسلام إماما ، وسائسا (١) لأمتك ومدبّرا (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) بذلك ، ولكنّهم يتواطؤون على إهلاكك وإهلاكه ، يوطّنون أنفسهم على التمرّد على عليّ عليهالسلام إن كانت بك كائنة» (٢).
وقال أبو بصير ، قال لي أبو عبد الله عليهالسلام : «إنّ الحكم بن عتيبة ممّن قال الله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) فليشرق الحكم وليغرّب ، أما والله لا يصيب العلم إلّا من أهل بيت نزل عليهم جبرائيل» (٣).
س ٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) (٩) [البقرة : ٩]؟!
الجواب / قال الإمام موسى الكاظم عليهالسلام : «فاتّصل ذلك من مواطأتهم وقيلهم (قولهم) في علي عليهالسلام ، وسوء تدبيرهم عليه برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فدعاهم وعاتبهم ، فاجتهدوا في الإيمان.
__________________
(١) سست الرعية سياسة ، وسوّس الرجل أمور الناس ، إذا ملك أمرهم ، (الصحاح ـ سوس ـ ج ٨ ص ٩٣٨).
(٢) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ص ١١١ ، ح ٥٨.
(٣) بصائر الدرجات : ص ٢٩ ، ح ٢.
وقال أوّلهم : يا رسول الله ، والله ما اعتددت بشيء كاعتدادي بهذه البيعة ، ولقد رجوت أن يفسح [يفتح] الله بها لي في قصور الجنان ، ويجعلني فيها من أفضل النّزال والسّكّان.
وقال ثانيهم : بأبي أنت وأمّي ـ يا رسول الله ـ ما وثقت بدخول الجنّة ، والنجاة من النار إلّا بهذه البيعة ، والله ما يسرّني ـ إن نقضتها ، أو نكثت بها ـ ما أعطيت من نفسي ما أعطيت ، وإن كان لي طلاع ما بين الثرى إلى العرش لآلىء رطبة وجواهر فاخرة.
وقال ثالثهم : والله ـ يا رسول الله ـ لقد صرت من الفرح بهذه البيعة ـ من السرور والفسح من الآمال في رضوان الله ـ ما أيقنت أنه لو كان عليّ ذنوب أهل الأرض كلّها ، لمحّصت عنّي بهذه البيعة ، وحلف على ما قال من ذلك ، ولعن من بلّغ عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خلاف ما حلف عليه ، ثمّ تتابع بمثل هذا الاعتذار بعدهم من الجبابرة المتمرّدين.
فقال الله عزوجل لمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم : (يُخادِعُونَ اللهَ) يعني يخادعون رسول الله بأيمانهم بخلاف ما في جوانحهم (وَالَّذِينَ آمَنُوا) كذلك أيضا الذين سيّدهم وفاضلهم علي بن أبي طالب عليهالسلام.
ثمّ قال : (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) ما يضرّون بتلك الخديعة إلا أنفسهم ، فإنّ الله غنيّ عنهم وعن نصرتهم ، ولو لا إمهاله لهم لما قدروا على شيء من فجورهم وطغيانهم (وَما يَشْعُرُونَ) أنّ الأمر كذلك ، وأن الله يطلع نبيّه على نفاقهم ، وكفرهم وكذبهم ، ويأمره بلعنهم في لعنة الظالمين الناكثين ، وذلك اللعن لا يفارقهم ، في الدنيا يلعنهم خيار عباد الله ، وفي الآخر يبتلون بشدائد عقاب الله» (١).
__________________
(١) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ص ١١٣ ، ح ٥٩.
س ١٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (١٠) [البقرة : ١٠]؟!
الجواب / قال الإمام موسى بن جعفر عليهالسلام : ـ في حديث طويل عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والقوم الذين قبل منهم ظواهرهم ووكل بواطنهم إلى ربه وظهور بعض الكرامات لعلي عليهالسلام بإذن الله بعدما أخرجهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأمر من الله عن طريق جبرائيل ليقلب له الجبال فضة وذهب وكلام الجبال معه ومنادتها له يا وصيّ رسول الله وامتلاء الأرض من جبالها وهضابها وقرارها بالرجال الشاكي السلاح والأسود والنمور ... والكل ينادي يا علي يا وصي رسول الله ، ها نحن قد سخرنا الله لك .... إلى آخر الحديث إلى أن قالوا له :
يا عليّ ، إنّ الذي أمهلهم ـ مع كفرهم وفسوقهم وتمرّدهم ـ عن طاعتك ، هو الذي أمهل فرعون ذا الأوتاد ونمرود بن كنعان ، ومن ادّعى الألوهيّة من ذوي الطغيان ، وأطغى الطغاة إبليس رأس الضلالات.
ما خلقت أنت وهم لدار الفناء ، بل خلقتم لدار البقاء ، ولكنّكم تنقلون من دار إلى دار ، ولا حاجة لربّك إلى من يسومهم ويرعاهم ، لكنّه أراد تشريفك عليهم ، وإبانتك بالفضل فيهم ، ولو شاء لهداهم.
قال : فمرضت قلوب القوم ، لما شاهدوا من ذلك ، مضافا إلى ما كان من مرض حسدهم له ولعليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، فقال الله تعالى عند ذلك : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي في قلوب هؤلاء المتمرّدين الشاكين الناكثين ، لما أخذت عليهم من بيعة علي عليهالسلام (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) بحيث تاهت له قلوبهم ، جزاء بما أريتهم من هذه الآيات والمعجزات (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) في قولهم : إنا على البيعة والعهد مقيمون» (١).
__________________
(١) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ص ١١٤ ، ح ٦٠ ، بتصرف في بدايته.
س ١١ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) (١٢) [البقرة : ١١ ـ ١٢]؟!
الجواب / قال الإمام العسكري عليهالسلام : «قال العالم موسى بن جعفر عليهالسلام : إذا قيل لهؤلاء الناكثين للبيعة في يوم الغدير (لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بإظهار نكث البيعة لعباد الله المستضعفين فتشوّشون عليهم دينهم ، وتحيّرونهم في دينهم ومذاهبهم (قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) لأنّا لا نعتقد دين محمّد ، ولا غير دين محمد ، ونحن في الدين متحيّرون ، فنحن نرضى في الظاهر محمدا بإظهار قبول دينه وشريعته ، ونقضي في الباطن إلى شهواتنا ، فنتمتع ونترفّه ونعتق أنفسنا من دين (١) محمّد ، ونكفّها من طاعة ابن عمّه علي ، لكي إن أديل (٢) في الدنيا كنّا قد توجّهنا عنده ، وإن اضمحلّ أمره كنا قد سلمنا من سبي أعدائه.
قال الله عزوجل : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) بما يفعلون من أمور أنفسهم ، لأنّ الله تعالى يعرّف نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم نفاقهم ، فهو يلعنهم ويأمر المسلمين بلعنهم ، ولا يثق بهم أيضا أعداء المؤمنين ، لأنّهم يظنّون أنهم ينافقونهم أيضا كما ينافقون أصحاب محمد ، فلا يرفع لهم عندهم منزلة ، ولا يحلّون عندهم بمحلّ أهل الثقة» (٣).
__________________
(١) وقيل : رقّ.
(٢) الإدالة : الغلبة ، يقال : اللهم أدلني على فلان وانصرني عليه. «الصحاح ـ دول ـ (٤ : ١٧٠٠) ، وفي «ط» : طاعة علي لكيلا نزل.
(٣) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ١١٨ / ٦١.
س ١٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) (١٣) [البقرة : ١٣]؟!
الجواب / قال الإمام موسى بن جعفر عليهمالسلام : «إذا قيل لهؤلاء الناكثين للبيعة ـ قال لهم خيار المؤمنين كسلمان ، والمقداد ، وأبي ذرّ ، وعمّار ـ : آمنوا برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعليّ عليهالسلام الذي أوقفه موقفه ، وأقامه مقامه ، وأناط (١) مصالح الدين والدنيا كلّها به ، آمنوا بهذا النبيّ ، وسلّموا لهذا الإمام في ظاهر الأمر وباطنه ، كما آمن الناس المؤمنون كسلمان ، والمقداد ، وأبي ذرّ ، وعمّار.
قالوا في الجواب لمن يفضون (٢) إليه ، لا كهؤلاء المؤمنين ، لأنهم لا يجسرون (٣) على مكاشفتهم بهذا الحديث ، ولكنّهم يذكرون لمن يفضون إليه من أهليهم الذين يثقون بهم من المنافقين ، ومن المستضعفين ، ومن المؤمنين الذين هم بالسرّ عليهم واثقون يقولون لهم : (أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) يعنون سلمان وأصحابه ، لما أعطوا عليّا عليهالسلام خالص ودّهم ، ومحض طاعتهم ، وكشفوا رؤوسهم لموالاة أوليائه ، ومعاداة أعدائه ، حتى إذا اضمحلّ أمر محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم طحطحهم (٤) أعداؤه ، وأهلكهم سائر الملوك والمخالفون لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أي فهم بهذا التعرّض لأعداء محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم جاهلون سفهاء. قال الله عزوجل : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) الأخفّاء العقول والآراء ،
__________________
(١) ناط الشّيء ينوطه نوطا ، أي علّقه. (الصحاح ـ نوط ـ ٣ : ١١٦٥).
(٢) أعلمه بالسر (المعجم الوسيط : ج ٢ ، ٦٩٣).
(٣) أي أقدم.
(٤) طحطح بهم : إذا بدّدهم ، وطحطحت الشيء : كسرته وفرّقته. (الصحاح ـ طحطح ـ (١ : ٣٨٦).
الذين لم ينظروا في أمر محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم حق النظر فيعرفوا نبوّته ، ويعرفوا به صحّة ما أناط بعلي عليهالسلام من أمر الدين والدنيا ، حتى بقوا لتركهم تأمل حجج الله جاهلين ، وصاروا خائفين وجلين من محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وذويه ـ وروي وذريته ـ ومن مخالفيهم ، لا يأمنون أنه يغلب فيهلكون معه ، فهم السّفهاء حيث لم يسلم لهم بنفاقهم هذا لا محبّة [محمّد و] المؤمنين ، ولا محبّة اليهود وسائر الكافرين ، وهم يظهرون لمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم موالاته وموالاة أخيه عليّ ومعاداة أعدائهم اليهود والنواصب ، كما يظهرون لهم من معاداة محمّد وعليّ «صلوات الله عليهما» (١).
س ١٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١٥) [البقرة : ١٤ ـ ١٥]؟!
الجواب / هناك رواية طويلة جدا نأخذ منها ما يوضح لنا تفسير الآية الشريفة ...
قال الإمام موسى بن جعفر عليهالسلام : «وإذا لقي هؤلاء الناكثون البيعة ، المواطئون على مخالفة علي عليهالسلام ودفع الأمر عنه (الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا) كإيمانكم ، إذا لقوا سلمان والمقداد وأبا ذرّ وعمّار قالوا لهم : آمنا بمحمّد وسلّمن له بيعة عليّ عليهالسلام وفضله ، وانقدنا لأمره كما آمنتم ...
ـ (وكانوا يلتقوهم في بعض طرقهم فيمدحونهم ويشنون عليهم ـ ثمّ يعودون إلى أخدانهم المنافقين المتمرّدين المشاركين لهم في تكذيب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما أدّاه إليهم عن الله عزوجل من ذكر وتفضيل أمير المؤمنين عليهالسلام
__________________
(١) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ١١٩ / ٦٢.
ونصبه إماما على كافّة المكلفين (قالوا ـ لهم ـ إنا معكم) فيما واطأتكم عليه أنفسكم ، من دفع علي عن هذا الأمر ، إن كانت لمحمّد كائنة ، فلا يغرّنّكم ولا يهولنّكم ما تسمعونه منّي من تقريظهم (١) ، وتروني أجترىء عليهم من مداراتهم (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) بهم.
فقال الله عزوجل : يا محمّد (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) يجازيهم جزاء استهزائهم في الدنيا والآخرة (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) يمهلهم فيتأنّى بهم برفقه ، ويدعوهم إلى التوبة ، ويعدهم إذا تابوا المغفرة وهم (يَعْمَهُونَ) لا يرعوون (٢) عن قبيح ، ولا يتركون أذى لمحمّد وعليّ (صلوات الله عليهما) يمكنهم إيصاله إليهما إلّا بلغوه ... (٣).
وقال عليّ بن الحسن بن فضّال : سألت الرّضا عليهالسلام عن قول الله عزوجل : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) ، فقال : «إن الله تبارك وتعالى لا يستهزىء ، ولكن يجازيهم جزاء الاستهزاء» (٤).
س ١٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ)(١٦) [البقرة : ١٦]؟!
الجواب / قال الإمام العالم عليهالسلام ـ الكاظم ـ : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) باعوا دين الله واعتاضوا (٥) منه الكفر بالله (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ)
__________________
(١) التقريظ : مدح الإنسان وهو حيّ ، بباطل أو حقّ. (الصحاح ـ قرظ ـ ٣ : ١١٧٧».
(٢) ارعوى عنه : كفّ وارتدع : «المعجم الوسيط ـ رعا ـ ١ : ٣٥٥».
(٣) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ص ١٢٠ ، ح ٦٣ من البداية والوسط.
(٤) التوحيد : ص ١٦٣ ، ح ١.
(٥) اعتاض : أي أخذ العوض.
أي ما ربحوا في تجارتهم في الآخرة ، لأنّهم اشتروا النّار وأصناف عذابها بالجنّة التي كانت معدّة لهم ، لو آمنوا (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) إلى الحقّ والصواب» (١).
س ١٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (١٨) [البقرة : ١٧ ـ ١٨]؟!
الجواب / قال موسى بن جعفر عليهالسلام : «مثل هؤلاء المنافقين (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) أبصر بها ما حوله ، فلمّا أبصر ذهب الله بنورها بريح أرسلها فأطفأها ، أو بمطر.
كذلك مثل هؤلاء المنافقين ، لمّا أخذ الله تعالى عليهم من البيعة لعليّ بن أبي طالب عليهالسلام أعطوا ظاهرا شهادة : أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأنّ محمدا عبده ورسوله ، وأن عليّا وليّه ووصيّه ووارثه وخليفته في أمّته ، وقاضي دينه ، ومنجز عداته ـ أي قضاها ـ ، والقائم بسياسة عباد الله مقامه ، فورث مواريث المسلمين بها ، ونكح في المسلمين بها ، فوالوه من أجلها ، وأحسنوا عنه الدفاع بسببها ، واتّخذوه أخا يصونونه ممّا يصونون عنه أنفسهم ، بسماعهم منه لها (٢).
__________________
(١) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام ص ١٢٥ ، ح ٦٤ ، وقال علي بن إبراهيم : الضّلالة ها هنا : الحيرة ، والهدى : البيان ، فاختاروا الحيرة والضّلالة على الهدى والبيان ، فضرب الله فيهم مثلا. (تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣٤).
(٢) قال العلامة المجلسيّ (رحمهالله) : الضمير في (منه) راجع إلى أمير المؤمنين ، وفي (لها) إلى الأنفس ، أي بأنّهم كانوا يسمعون منه عليهالسلام ما ينفع أنفسهم من المعارف والأحكام والمواعظ ، أو ضمير (سماعهم) راجع إلى المسلمين ، وضمير (منه) إلى المنافق ، وضمير (لها) إلى الشهادة ، أي اتّخاذهم له أخا بسبب أنّهم سمعوا منه الشهادة.
فلمّا جاءه الموت وقع في حكم ربّ العالمين ، العالم بالأسرار ، الذي لا تخفى عليه خافية ، فأخذهم العذاب بباطن كفرهم ، فذلك حين ذهب نورهم ، وصاروا في ظلمات عذاب الله ، ظلمات أحكام الآخرة ، لا يرون منها خروجا ، ولا يجدون عنها محيصا.
ثمّ قال : (صُمٌ) يعني يصمّون في الآخرة في عذابها (بُكْمٌ) يبكمون هناك بين أطباق نيرانها (عُمْيٌ) يعمون هناك. وذلك نظير قوله عزوجل : (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى)(١) وقوله : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً)(٢).
س ١٦ : ما هو معنى الصمّ ، والبكم ، والعمي في الآية السابقة؟!
الجواب / قال عليّ بن إبراهيم : وقوله : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) الصمّ : الذي لا يسمع ، والبكم : الذي يولد من أمّه أعمى ، والعمي : الذي يكون بصيرا ثمّ يعمى (٣).
س ١٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩) يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢٠) [البقرة : ١٩ ـ ٢٠]؟!
الجواب / قال العالم عليهالسلام : «ثمّ ضرب الله عزوجل مثلا آخر
__________________
(١) طه : ١٢٤.
(٢) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ١٣ / ٦٥ ، والآية من سورة الإسراء : ٩٧.
(٣) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٤.
للمنافقين ، فقال : مثل ما خوطبوا به من هذا القرآن الذي أنزل عليك ـ يا محمّد ـ مشتملا على بيان توحيدي ، وإيضاح حجّة نبوّتك ، والدليل الباهر على استحقاق أخيك (علي بن أبي طالب) للموقف الذي أوقفته ، والمحلّ الذي أحللته ، والرتبة التي رفعته إليها ، والسياسية التي قلّدته إيّاها فهي (كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ).
قال : يا محمّد ، كما أنّ في هذا المطر هذه الأشياء ، ومن ابتلي به خاف ، فكذلك هؤلاء في ردّهم لبيعة عليّ ، وخوفهم أن تعثر أنت ـ يا محمد ـ على نفاقهم كمثل من هو في هذا المطر والرعد والبرق ، يخاف أن يخلع الرعد فؤاده ، أو ينزل البرق بالصاعقة عليه ، وكذلك هؤلاء يخافون أن تعثر على كفرهم ، فتوجب قتلهم واستئصالهم.
(يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) [كما يجعل هؤلاء المبتلون بهذا الرعد والبرق أصابعهم في آذانهم لئلّا يخلع صوت الرعد أفئدتهم ، فكذلك تجعلون أصابعهم في آذانهم] إذا سمعوا لعنك لمن نكث البيعة ووعيدك لهم إذا علمت أحوالهم (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) لئلّا يسمعوا لعنك ووعيدك فتغيّر ألوانهم ، فيستدلّ أصحابك أنّهم المعنيّون باللعن والوعيد ، لما قد ظهر من التغيير والاضطراب عليهم ، فتقوى التهمة عليهم ، فلا يأمنون هلاكهم بذلك على يدك وفي حكمك.
ثم قال : (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) وهذا مثل قوم ابتلوا ببرق فلم يغضّوا عنه أبصارهم ، ولم يستروا منه وجوههم لتسلم عيونهم من تلألئه ، ولم ينظروا إلى الطريق الذي يريدون أن يتخلّصوا فيه بضوء البرق ، ولكنّهم نظروا إلى نفس البرق فكاد يخطف أبصارهم.
فكذلك هؤلاء المنافقون ، يكاد ما في القرآن من الآيات المحكمة ،
الدالّة على نبوّتك ، الموضحة عن صدقك ، في نصب أخيك عليّ إماما ، ويكاد ما يشاهدونه منك ـ يا محمّد ـ ومن أخيك عليّ من المعجزات ، الدالّات على أن أمرك وأمره هو الحقّ الذي لا ريب فيه ، ثمّ هم ـ مع ذلك ـ لا ينظرون في دلائل ما يشاهدون من آيات القرآن ، وآياتك وآيات أخيك عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، يكاد ذهابهم عن الحقّ في حججك يبطل عليهم سائر ما قد عملوه من الأشياء التي يعرفونها ، لأنّ من جحد حقّا واحدا ، أدّاه ذلك الجحود إلى أن يجحد كلّ حقّ ، فصار جاحده في بطلان سائر الحقوق عليه ، كالناظر إلى جرم الشمس في ذهاب نور بصره.
ثمّ قال : (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) إذا ظهر ما اعتقدوا أنّه الحجّة ، مشوا فيه : ثبّتوا عليه ، وهؤلاء كانوا إذا أنتجت خيولهم الإناث ، ونساؤهم الذكور ، وحملت نخيلهم ، وزكت (نما) زروعهم ، ونمت تجارتهم ، وكثرت الألبان في ضروعهم ، قالوا : يوشك أن يكون هذا ببركة بيعتنا لعليّ عليهالسلام ، إنه مبخوت ـ (ذوجد) ـ ، مدال ـ منتصر ـ فبذاك ينبغي أن نعطيه ظاهر الطاعة ، لنعيش في دولته.
(وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا) أي إذا أنتجت خيولهم الذكور ، ونساؤهم الإناث ، ولم يربحوا في تجارتهم ، ولا حملت نخيلهم ، ولا زكت زروعهم ، وقفوا وقالوا : هذا بشؤم هذه البيعة التي بايعناها عليّا ، والتصديق الذي صدقنا محمّدا ، وهو نظير ما قال الله عزوجل : يا محمد (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ)(١) ، قال الله تعالى : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ)(٢) بحكمه النافذ وقضائه ، ليس ذلك لسؤمي ولا ليمني.
__________________
(١) النساء : ٧٨.
(٢) النساء : ٧٨.
ثمّ قال الله عزوجل : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) حتّى لا يتهيّأ الاحتراز من أن تقف على كفرهم ، أنت وأصحابك المؤمنون ، وتوجب قتلهم (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لا يعجزه شيء» (١).
س ١٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (٢١) [البقرة : ٢١]؟!
الجواب / قال الإمام عليهالسلام : «قال عليّ بن الحسين عليهالسلام في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) يعني سائر المكلفين من ولد آدم. (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) أطيعوا ربكم من حيث أمركم ، أن تعتقدوا أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، ولا شبيه له ولا مثل ، عدل لا يجور ، جواد لا يبخل ، حليم لا يعجل ، حكيم لا يخطل (٢) ، وأنّ محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم عبده ورسوله ، وبأنّ آل محمّد أفضل آل النبيّين ، وأنّ عليا عليهالسلام أفضل [آل محمد ، وأن أصحاب محمّد المؤمنين منهم أفضل صحابة المرسلين ، وأنّ أمة محمّد أفضل] أمم المرسلين.
ثمّ قال عزوجل : (الَّذِي خَلَقَكُمْ) اعبدوا الذي خلقكم من نطفة من ماء مهين ، فجعله في قرار مكين ، إلى قدر معلوم ، فقدّره فنعم القادر ربّ العالمين.
قوله : (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي اعبدوا بتعظيم محمد وعليّ بن أبي طالب عليهالسلام (الَّذِي خَلَقَكُمْ) نسما ، وسوّاكم من بعد ذلك ، وصوّركم ، فأحسن صوركم.
__________________
(١) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ص ١٣٢ ، ح ٦٧.
(٢) الخطل : المنطق الفاسد المضطرب ، وقد خطل في كلامه وأخطل ، أي أفحش.
ثمّ قال عزوجل : (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) قال : وخلق الله الذين من قبلكم من سائر أصناف النّاس (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) قال : لها وجهان :
أحدهما : وخلق الذين من قبلكم لعلّكم ـ كلّكم ـ تتّقون ، أي لتتّقوا كما قال الله عزوجل : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)(١).
والوجه الآخر : اعبدوا الذي خلقكم ، والذين من قبلكم ، لعلّكم تتقون ، أي اعبدوه لعلكم تتقون النار ، و (لعلّ) من الله واجب ، لأنّه أكرم من أن يعني (٢) عبده بلا منفعة ، ويطعمه في فضله ثمّ يخيّبه ، ألا تراه كيف قبح من عبد من عباده ، إذا قال لرجل : اخدمني لعلّك تنتفع بي ، ولعلّي أنفعك بها ، فيخدمه ، ثمّ يخيّبه ولا ينفعه ، فالله عزوجل أكرم في أفعاله ، وأبعد من القبيح في أعماله من عباده» (٣).
س ١٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٢٢) [البقرة : ٢٢]؟!
الجواب / بسند صحيح عن علي بن الحسين عليهالسلام في قول الله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً).
قال : «جعلها ملائمة لطبائعكم ، موافقة لأجسادكم ، ولم يجعلها شديدة الحمي والحرارة فتحرقكم ، ولا شديدة البرودة فتجمّدكم ، ولا
__________________
(١) الذاريات : ٥٦.
(٢) العناء : التعب والنصب.
(٣) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ١٣٩ / ٦٨ و ٦٩ و ٧١.
شديدة الريح فتصدع هاماتكم ، ولا شديدة النثن فتعطبكم ـ أي تهلككم ـ ، ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم ، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم ، وأبنيتكم ، وقبور موتاكم ، ولكنّه عزوجل جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به ، وتتماسكون ، وتتماسك عليها أبدانكم وبنيانكم ، وجعل فيها ما تنقاد به لدوركم ، وقبوركم ، وكثير من منافعكم ، فلذلك جعل الأرض فراشا لكم.
ثمّ قال عزوجل : (وَالسَّماءَ بِناءً) أي سقفا محفوظا ، يدير فيها شمسها وقمرها ، ونجومها لمنافعكم.
ثمّ قال تعالى : (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) يعني المطر ، [نزّله] من أعلى ليبلغ قلل جبالكم ، وتلالكم ، وهضابكم وأوهادكم ـ أي المكان المطمئن ـ ثمّ فرّقه رذاذا ـ المطر الضعيف ـ ، ووابلا ـ المطر الشديد ـ ، وهطلا ـ المطر المتتابع ـ لتنشفه ـ أي تشربه ـ أرضوكم ، ولم يجعل ذلك المطر نازلا عليكم قطعة واحدة ، فيفسد أرضيكم ، وأشجاركم ، وزروعكم ، وثماركم.
ثمّ قال عزوجل : (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) يعني ممّا يخرجه من الأرض لكم (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) أي أشباها وأمثالا من الأصام التي لا تعقل ، ولا تسمع ، ولا تبصر ، ولا تقدر على شيء (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنّها لا تقدر على شيء من هذه النعم الجليلة التي أنعمها عليكم ربّكم تبارك وتعالى» (١).
__________________
(١) التوحيد : ص ٤٠٣ ، ح ١١.
س ٢٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢٥) [البقرة : ٢٣ ـ ٢٥]؟!
الجواب / قال عليّ بن الحسين عليهالسلام : «وذلك قوله عزوجل : (وَإِنْ كُنْتُمْ) أيها المشركون واليهود ، وسائر النواصب من المكذّبين بمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم في القرآن ، وفي تفضيله أخاه عليّا عليهالسلام المبرّز على الفاضلين ، الفاضل على المجاهدين ، الذي لا نظير له في نصرة المتّقين ، وقمع الفاسقين ، وإهلاك الكافرين ، وبثّ دين الله في العالمين.
(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) في إبطال عبادة الأوثان من دون الله ، وفي النهي عن موالاة أعداء الله ، ومعاداة أولياء الله ، وفي الحثّ على الانقياد لأخي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، واتّخاذه إماما ، واعتقاده فاضلا راجحا ، لا يقبل الله عزوجل أمانا إلّا به ، ولا طاعة إلا بموالاته ، وتظنّون أنّ محمّدا تقوّله من عنده ، وينسبه إلى ربّه [فإن كان كما تظنون] (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) أي مثل محمّد ، أمّي لم يختلف إلى أصحاب كتب قطّ ، ولا تتلمذ لأحد ، ولا تعلّم منه ، وهو من قد عرفتموه في حضره وسفره ، ولم يفارقكم قطّ إلى بلد وليس معه جماعة منكم يراعون أحواله ، ويعرفون أخباره.
ثمّ جاءكم بهذا الكتاب ، المشتمل على هذه العجائب ، فإن كان متقوّلا ـ كما تزعمون ـ فأنتم الفصحاء ، والبلغاء ، والشعراء ، والأدباء الذين لا نظير
لكم في سائر الأديان ، ومن سائر الأمم ، وإن كان كاذبا فاللغة لغتكم ، وجنسه جنسكم ، وطبعه طبعكم ، وسيتّفق لجماعتكم ـ أو لبعضكم ـ معارضة كلامه هذا بأفضل منه أو مثله.
لأنّ ما كان من قبل البشر ، لا عن الله عزوجل ، فلا يجوز إلّا أن يكون في البشر من يتمكّن من مثله ، فأتوا بذلك لتعرفوه ـ وسائر النظائر إليكم في أحوالكم ـ أنّه مبطل كاذب على الله تعالى (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) الذين يشهدون بزعمكم أنكم محقّون ، وإنّما تجيئون به نظير لما جاء به محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وشهداؤكم الذين تزعمون أنّهم شهداؤكم عند رب العالمين لعبادتكم لها ، وتشفع لكم إليه (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في قولكم : إنّ محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم تقوّله.
ثمّ قال الله عزوجل : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) هذا الذي تحدّيتكم به (وَلَنْ تَفْعَلُوا) أي ولا يكون ذلك منكم ، ولا تقدرون عليه ، فاعلموا أنّكم مبطلون ، وأنّ محمّدا الصادق الأمين المخصوص برسالة ربّ العالمين ، المؤيّد بالروح الأمين ، وبأخيه أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين ، فصدّقوه فيما يخبر به عن الله تعالى من أوامره ونواهيه ، وفيما يذكره من فضل عليّ وصيّه وأخيه ، (فَاتَّقُوا) بذلك عذاب (النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا) ـ حطبها ـ (النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) حجارة الكبريت ، أشدّ الأشياء حرّا (أُعِدَّتْ) تلك النار (لِلْكافِرِينَ) بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم والشاكّين في نبوّته ، والدافعين لحقّ أخيه عليّ عليهالسلام والجاحدين لإمامته.
ثمّ قال : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ، وصدّقوك في نبوّتك فاتّخذوك إماما ، وصدّقوك في أقوالك ، وصوّبوك في أفعالك ، واتّخذوا أخاك عليّا بعدك إماما ، ولك وصيّا مرضيّا ، وانقادوا لما يأمرهم به ، وصاروا إلى ما أصارهم إليه ، ورأوا له ما يرون لك إلّا النبوّة التي أفردت بها ، وأنّ الجنان لا تصير لهم إلّا بموالاته ، وبموالاة من ينصّ لهم عليه من ذرّيته ، وبموالاة سائر أهل
ولايته ، ومعاداة أهل مخالفته وعداوته ، وأنّ النيران لا تهدأ عنهم ، ولا تعدل بهم عن عذابها إلّا بتنكّبهم ـ أعراضهم ـ عن موالاة مخالفيهم ، ومؤازرة شانئيهم.
(وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)(١) من أداء الفرائض واجتناب المحارم ، ولم يكونوا كهؤلاء الكافرين بك ، بشّرهم (أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ) بساتين (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) من تحت شجرها ومساكنها (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها) من تلك الجنان (مِنْ ثَمَرَةٍ) من ثمارها (رِزْقاً) طعاما يؤتون به (قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) في الدنيا ، فأسماؤه كأسماء ما في الدنيا من تفّاح ، وسفرجل ، ورمّان ، وكذا وكذا ، وإن كان ما هناك مخالفا لما في الدنيا فإنّه في غاية الطيب ، وإنّه لا يستحيل إلى ما تستحيل إليه ثمار الدنيا من عذرة وسائر المكروهات ، من صفراء وسوداء ، ودم ، بل ما يتولّد من مأكولهم ، إلّا العرق الذي يجري من أعراضهم ، أطيب من رائحة المسك.
(وَأُتُوا بِهِ) بذلك الرزق من الثمار من تلك البساتين (مُتَشابِهاً) يشبه بعضه بعضا ، بأنّها كلّها خيار لا رذل ـ الرديء من كل شيء ـ فيها ، وبأنّ كلّ صنف منها في غاية الطيب واللذّة ، ليس كثمار الدنيا التي بعضها نيء ـ الذي لم ينضج ـ ، وبعضها متجاوز لحدّ النّضج والإدراك إلى الفساد من حموضة ومرارة وسائر ضروب المكاره ، ومتشابها أيضا متّفقات الألوان مختلفات الطعوم.
(وَلَهُمْ فِيها) في تلك الجنان (أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) من أنواع الأقذار
__________________
(١) قال المجلسي (رحمهالله) : استدلّوا بالعطف على عدم دخول الأعمال في الإيمان وهو كذلك ، لكنّه لا ينفي الاشتراط ، بل استدل في بعض الأخبار بالمقارنة عليه. «البحار : ج ٦٧ ، ص ١٩».
والمكاره ، مطهرات من الحيض والنّفاس ، لا ولّاجات ، ولا خرّاجات (١) ، ولا دخّالات ، ولا ختّالات (٢) ، ولا متغايرات ، ولا لأزواجهنّ فاركات (٣) ولا صخّابات (٤) ، ولا غيّابات (٥) ، ولا فحّاشات ، ومن كلّ العيوب والمكاره بريّات. (وَهُمْ فِيها خالِدُونَ) مقيمون في تلك البساتين والجنان (٦).
س ٢١ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٢٧) [البقرة : ٢٦ ـ ٢٧]؟!
الجواب / قال الباقر عليهالسلام : فلمّا قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ)(٧) وذكر الذّباب في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ)(٨) الآية ، ولمّا قال : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا
__________________
(١) يقال بفلان خراج ولا ج : كثير الطواف والسعي «المعجم الوسيط ـ ولج ـ ج ٢ ، ١٠٥٥».
(٢) ختله : خدعه عن غفلة «المعجم الوسيط ـ ختل ـ ج ١ : ٢١٨».
(٣) الفرك : البغض : وفركت المرأة زوجها أي أبغضته ، فهي فروك وفارك. (الصحاح ـ فرك ـ ٤ : ١٦٠٣).
(٤) رجل صخب وصخاب : كثير اللغط والجلبة ، والمرأة صخباء وصخابة. «مجمع البحرين ـ صخب ـ ٢ : ٩٩».
(٥) في المصدر : ولا عيابات.
(٦) تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ص ٢٠٠ ، ح ٩٢.
(٧) الحج : ٧٣.
(٨) الحج : ٧٣.