أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-014-5
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٩٢
القسم الثالث
ما يحرم ، ويجب اجتنابه ، ولا يوجب قضاء ولا كفّارة
وهي أمور ثلاثة :
الأول : الارتماس في الماء.
فإنّه غير جائز في الصوم على الحقّ الموافق للأكثر (١) ، بل لغير شاذّ ، وعن الانتصار والغنية وظاهر الخلاف : الإجماع عليه (٢).
لا للصحاح الأربع للحلبي (٣) وحريز (٤) ومحمّد (٥) ، والروايات الثلاثة لابني عمّار (٦) وسدير (٧) والحنّاط والصيقل (٨) ، لقصور الكلّ عن إفادة
__________________
(١) كما في الحدائق ١٣ : ١٣٣ ، والرياض ١ : ٣٠٦.
(٢) الانتصار : ٦٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١ ، الخلاف ٢ : ٢٢١.
(٣) الكافي ٤ : ١٠٦ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٢٠٣ ـ ٥٨٧ ، الاستبصار ٢ : ٨٤ ـ ٢٥٨ ، الوسائل ١٠ : ٣٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٧.
(٤) الكافي ٤ : ١٠٦ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٠٣ ـ ٥٨٨ ، الاستبصار ٢ : ٨٤ ـ ٢٥٩ ، الوسائل ١٠ : ٣٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٨.
(٥) الكافي ٤ : ١٠٦ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٠٤ ـ ٥٩١ ، الاستبصار ٢ : ٨٤ ـ ٢٦٠ ، الوسائل ١٠ : ٣٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٢ ، ولم نعثر على الصحيحة الرابعة.
(٦) التهذيب ٤ : ٣٢٤ ـ ١٠٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٨٤ ـ ٢٦٣ ، الوسائل ١٠ : ٤٣ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٦ ح ١.
(٧) الكافي ٤ : ١٠٦ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٧١ ـ ٣٠٧ ، الوسائل ١٠ : ٣٧ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٦.
(٨) الكافي ٤ : ١٠٦ ـ ٦ ، الوسائل ١٠ : ٣٦ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٤.
الحرمة ، لمكان الجملة الخبريّة.
ولا للخصاليّ المتقدّم في الكذب (١) ، لتضمّنه الإفطار به ، فيعارض قوله في رواية ابن عمّار « ليس عليه قضاء ».
ولا للصحيح الحاصر (٢) ، حيث إنّ نقص الثواب والكمال ليس ضررا عرفا ، لمنع عدم كونه ضررا إذا كان النقص عمّا تقتضيه طبيعة العمل الذي يأتي به.
بل للرضويّ المتقدّم (٣) من جهة الأمر بالاتّقاء وإن تضمّن الإفطار أيضا ، ولكنّه غير ضائر.
والآخر : « أدنى ما يتمّ به فرض الصوم العزيمة ، وترك الكذب على الله وعلى رسوله ، ثمَّ ترك الأكل ، والشرب ، والنكاح ، والارتماس في الماء ، فإذا تمّت هذه الشروط على ما وصفناه كان مؤدّيا لفرض الصوم ، مقبولا منه » (٤) ، وضعفهما ـ بعد الانجبار ـ غير ضائر.
خلافا للمحكيّ عن التهذيب والعماني والحلّي وأحد قولي السيّد ، فقالوا بكراهته (٥).
للأصل ، لعدم إفادة الأخبار المعتبرة زائدا عنها ، وضعف ما يفيد الزائد للسند أو المعارض.
__________________
(١) راجع ص : ٢٥٢.
(٢) الفقيه ٢ : ٦٧ ـ ٢٧٦ ، التهذيب ٤ : ٢٠٢ ـ ٥٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٨٤ ـ ٢٦١ ، الوسائل ١٠ : ٣١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١ ح ١.
(٣) في ص : ٢٥٢.
(٤) فقه الرضا «ع» : ٢٠٣ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٣٢٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢ ح ١.
(٥) التهذيب ٤ : ٢٠٩ ـ ذيل حديث ٦٠٥ ، حكاه عن العماني في المختلف : ٢١٨ ، الحلي في السرائر ١ : ٣٧٧ ، السيّد في الانتصار : ٦٣.
ورواية ابن سنان : « يكره للصائم أن يرتمس في الماء » (١).
وجواب الأول ظاهر ممّا مرّ.
ويردّ الثاني بأعمّية الكراهية من الحرمة لغة ، وفي عرف الشارع.
وليس مبطلا ولا يجب به قضاء ولا كفّارة ، وفاقا للاستبصار والمعتبر والمنتهى والمختلف والتحرير والتذكرة والإرشاد (٢) ، للأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة.
وخلافا لجماعة (٣) ، بل نسب إلى المشهور (٤) ، بل عن الانتصار والغنية الإجماع عليه (٥) ، فأوجبوا عليه القضاء والكفّارة ، له ، ولعدّه في الخصال والرضويّ من المفطرات الموجبة لهما بالعمومات.
ويدفع الأول بعدم الحجّية.
والثاني بلزوم الحمل على نوع من التجوّز ، بقرينة نفي القضاء عنه في رواية ابن عمّار.
ولصريح الحلبي ، واحتمال القواعد وظاهر النافع ، فأوجبوا القضاء خاصّة (٦) ، ولعلّه لعدم ثبوت الزائد على القضاء من المفطريّة. وجوابه ظاهر.
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٢٠٩ ـ ٦٠٦ ، الاستبصار ٢ : ٨٤ ـ ٢٦٢ ، الوسائل ١٠ : ٣٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٩.
(٢) الاستبصار ٢ : ٨٥ ، المعتبر ٢ : ٦٥٧ ، المنتهى ٢ : ٥٦٥ ، المختلف : ٢١٨ ، التحرير ١ : ٧٨ ، التذكرة ١ : ٢٥٨ ، الإرشاد ١ : ٢٩٧.
(٣) انظر النهاية : ١٥٤ : الحدائق ١٣ : ١٣٦.
(٤) كما في الدروس ١ : ٢٧٤.
(٥) الانتصار : ٦٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١.
(٦) الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٣ ، القواعد ١ : ٦٤ ، النافع : ٦٦.
فروع :
أ : المحرّم هو غمس الرأس في الماء وإن خرج البدن ، لأنّه معنى الارتماس ، والرقبة خارجة عنه وإن أدخلوها فيه في باب الغسل ، لعلّة غير جارية هنا ، فلا يشترط حصول المحرّم بإدخال الرقبة أيضا.
نعم ، يشترط غمس جميع الرأس ، لعدم صدق الارتماس برمس البعض ، فلا حرمة في رمس النصف الأعلى أو الأسفل أو أكثر منه ، ولو اشتمل على جميع المنافذ ، وخرجت منابت الشعر ، هكذا قيل (١).
وفيه : أنّ الرمس هو الغمس لا غمس الرأس ، فالارتماس الوارد في الأخبار هو غمس الشخص في الماء.
نعم ، لا يتحقّق هو عرفا إلاّ بغمس الرأس ، لا أنّه يتحقّق بغمس الرأس خاصّة.
نعم ، ورد ـ في بعض الأخبار الغير الناهضة للحرمة ـ النهي عن رمس الرأس.
ب : يشترط في الحرمة رمس الجميع دفعة ـ أي مجتمعا في وقت ـ فلو رمس بعضه في زمان وبعضه في زمان آخر بعد إخراج الأول لم يكن محرّما ، لعدم كونه ارتماسا ، وهذا مراد من قال : تشترط الدفعة الواحدة (٢) ، دون أن يكون ما يقابل التدريج ، ولو أراد ذلك لم يكن دليل على اعتباره أصلا.
ج : مقتضى الأصل اختصاص الحكم بالرمس في الماء ، لاختصاص النصّ به ، فلا حرمة في الرمس في غيره من المائعات ولو كان من قبيل ماء الورد.
__________________
(١) انظر المدارك ٦ : ٥٠.
(٢) انظر الحدائق ١٣ : ١٣٨.
د : هل الحكم مختصّ بما إذا أدخل رأسه في الماء ، أو يشمل ما إذا صبّ الماء على رأسه بحيث يستر جميعه في زمان؟
الظاهر : الأول ، لعدم معلوميّة صدق الارتماس على الثاني.
وظاهر بعض الأجلّة : الشمول ، بل هو صريحه ، حيث قال : وفي حكمه صبّ ما يغمر الرأس عليه دفعة.
هـ : أكثر الأخبار الواردة في المقام ـ بل جميعها ـ وإن كانت مطلقة شاملة للصوم الفرض والندب ، إلاّ أنّها لعدم نهوضها لإثبات الحرمة ـ سوى الرضويّ المتوقّفة حجّيته على الانجبار الغير المعلوم في النافلة ـ يكون الحكم مقصورا على الفريضة ، كما في الكفاية (١).
مضافا إلى قوله : « أدنى ما يتمّ به فرض الصوم » وقوله : « واتّق » (٢) الدالّ على الوجوب الواقعي المنتفي في النافلة ، إلاّ أن يمنع عدم إمكان الوجوب الواقعي في النافلة ، لم لا يجوز أن يحرم شيء في صيام النافلة مع كونه صائما ـ كقول : « آمين » في الصلاة النافلة ـ ولا يلزم من جواز قطع النافلة جواز كلّ أمر فيه أيضا.
ومنه يظهر إمكان تماميّة دلالة قوله في الصحيح الحاصر : « لا يضرّ » (٣) أيضا.
إلاّ أنّ الأول ضعيف غير مجبور.
والثاني مجرّد إمكان غير مفيد ، لجواز كون الضرر نقصان الثواب عمّا تقتضيه طبيعة كلفة الصائم ، فإنّه ضرر عرفا ، وأيّ ضرر بعد تحمّل مشقّة
__________________
(١) كفاية الأحكام : ٤٧.
(٢) المتقدم في ص : ٢٥٢.
(٣) المتقدم في ص : ٢٢٥.
الصوم؟!
و : لو ارتمس في غسل مشروع واجب أو مندوب مع الصوم الواجب ، عمدا ، يكون غسله فاسدا ، للنهي عن جزئه ولو لأجل أمر آخر وراء الغسل ، كما بيّنا في محلّه.
ومنع كونه جزءا له ـ وإنما جزؤه إيصال الماء إلى الرأس ، ولا شكّ أنّ كلّ جزء فرض فرمسه في الماء مباح ، وإنّما الحرام جمع الكلّ فيه ، وهو ليس جزء الغسل في شيء ، كما قاله بعض الأجلّة (١) ـ فغير جيّد ، لأنّه إنّما يتمّ في الغسل الترتيبي دون الارتماسي.
ولو نسي الصوم أو حرمة الرمس له صحّ الغسل ، لعدم تعلّق النهي بالناسي ، وكذا الجاهل الساذج دون المقصّر.
الثاني : الاحتقان بالمائع.
فإنّه محرّم ، وفاقا للسيّد ـ حتى في الجمل ـ والشيخين ووالد الصدوق والحلّي والقاضي والحلبي والفاضلين والشهيدين (٢) ، بل الأكثر كما صرّح به جماعة (٣) ، بل بالإجماع كما عن الناصريّات والخلاف والغنية (٤).
لصحيحة البزنطي : عن الرجل يحتقن تكون به العلّة في شهر
__________________
(١) نقله عن بعض الأفاضل في غنائم الأيام : ٤٠١.
(٢) جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٥٤ ، المفيد في المقنعة : ٣٤٤ ، الطوسي في المبسوط ١ : ٢٧٢ ، حكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٢٢١ ، الحلي في السرائر ١ : ٣٧٨ ، القاضي في شرح الجمل : ١٨٥ ، الحلبي في الكافي : ١٨٣ ، المحقق في الشرائع ١ : ١٩٢ ، العلاّمة في المنتهى ٢ : ٥٦٧ ، الشهيد في الدروس ١ : ٢٧٥ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧١.
(٣) كما في الحدائق ١٣ : ١٤٥ ، والرياض ١ : ٣٠٦.
(٤) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٦ ، الخلاف ٢ : ٢١٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١.
رمضان ، فقال : « الصائم لا يجوز له أن يحتقن » (١).
والرضوي : « لا يجوز للصائم أن يقطر في أذنه شيئا ولا أن يسعط ولا أن يحتقن » (٢).
وفي دلالة الأخير نظر ، لجمعه بين ما لا يحرم والاحتقان بلفظ واحد ، ولكن الأول كاف في المطلوب.
ولا بأس بالجامد ، وفاقا للأكثر (٣) ، بل ظاهر الغنية الإجماع عليه (٤) ، وفي الكشف نفي الخلاف عنه (٥).
لموثّقة ابن فضّال : ما تقول في اللطف يستدخله الإنسان وهو صائم؟
فكتب : « لا بأس بالجامد » (٦) ، وبها تخصّص الصحيحة ، مع أنّ المتبادر منها ـ أو القدر المتيقّن ـ هو المائع.
ولا يوجب شيء منهما قضاء ولا كفّارة ، وفاقا لجمل السيّد ـ حاكيا عن قوم ـ والمعتبر والنهاية والاستبصار والسرائر والمنتهى والنافع والمسالك والمدارك والروضة (٧) ، وجمع ممّن تأخّر (٨) ، للأصل.
__________________
(١) الكافي ٤ : ١١٠ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٠٤ ـ ٥٨٩ ، الاستبصار ٢ : ٨٣ ـ ٢٥٦ ، الوسائل ١٠ : ٤٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥ ح ٤.
(٢) فقه الرضا «ع» : ٢١٢ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٣٢٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٦ ح ١.
(٣) كما في الشرائع ١ : ١٩٢ ، والحدائق ١٣ : ١٤٥.
(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١.
(٥) كشف الرموز ١ : ٢٨١.
(٦) التهذيب ٤ : ٢٠٤ ـ ٥٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٨٣ ـ ٢٥٧ ، الوسائل ١٠ : ٤١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥ ح ٢. والتلطّف : هو إدخال الشيء في الفرج مطلقا ـ مجمع البحرين ٥ : ١٢١.
(٧) المعتبر ٢ : ٦٧٩ ، النهاية : ١٥٦ ، الاستبصار ٢ : ٨٤ ، السرائر ١ : ٣٧٨ ، المنتهى ٢ : ٥٦٧ ، النافع : ٦٧ ، المسالك ١ : ٧١ ، المدارك ٦ : ٦٤ ، الروضة ٢ : ٩٢.
(٨) كما في الذخيرة : ٥٠٠ ، والرياض ١ : ٣٠٧.
خلافا في الأول للمحكيّ عن الإسكافي ، فقال باستحباب الامتناع عن الحقنة (١) ، ونسب إلى جمل السيّد أيضا (٢) ، ولكن نسب بعض آخر إليه الحرمة (٣) ، وكلامه فيه يحتمل الأمرين ، للأصل ، وصحيحة عليّ : عن الرجل والمرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء وهما صائمان؟ قال : « لا بأس » (٤).
والأصل مزال بما مرّ. والصحيح ليس بحجّة ، لمخالفته لعمل القدماء ، بل الإجماع ، مع أنّ المتبادر من استدخال الدواء ـ كما قيل ـ الجامد (٥).
وفي الثاني للمحكي عن الصدوقين في الرسالة والمقنع (٦) والمفيد والنّاصريّات (٧) ـ نافيا عنه الخلاف ـ والحلبي والمعتبر ، حيث أطلقوا عدم جواز الحقنة ولم يفصّلوا (٨) مع احتمال تخصيصهم الحقنة بما يكون بالمائع ـ كما هو المتبادر ـ فينتفي الخلاف.
وكيف كان ، فلا دليل لهم سوى إطلاق الاحتقان ، اللازم تقييده بالموثّقة المتقدّمة.
وفي الثالث للناصريّات ، نافيا فيه الخلاف عنه (٩) ، وجمل الشيخ والاقتصاد والمبسوط (١٠) والخلاف مدّعيا فيه الإجماع عليه
__________________
(١) حكاه عنه في المختلف : ٢٢١.
(٢) كما في الحدائق ١٣ : ١٤٤.
(٣) كما في المختلف : ٢٢١.
(٤) الكافي ٤ : ١١٠ ـ ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٢٥ ـ ١٠٠٥ ، قرب الإسناد : ٢٣٠ ـ ٨٩٨ ، الوسائل ١٠ : ٤١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥ ح ١.
(٥) الرياض ١ : ٣٠٦.
(٦) حكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٢٢١ ، المقنع : ٦٠.
(٧) المفيد في المقنعة : ٣٤٤ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٦.
(٨) الحلبي في الكافي : ١٨٣ ، المعتبر ٢ : ٦٥٩.
(٩) النّاصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٦.
(١٠) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢١٣ ، الاقتصاد : ٢٨٨ ، المبسوط ١ : ٢٧٢.
كالغنية (١) ، والقاضي والحلبي (٢) ، وموضع من القواعد والشرائع والتحرير والإرشاد والمختلف والدروس ، فأوجبوا فيه القضاء خاصّة (٣) ، بل في النّاصريّات عن قوم إيجاب القضاء والكفّارة أيضا.
للإجماع المنقول.
وشباهته الاغتذاء.
ونفي جوازه للصائم في الصحيح ، فيكون لأجل الصوم ، لأنّ تعليق الشيء بالوصف يشعر بالعلّية ، فتكون بين الصوم والاحتقان ـ الذي هو نقيض المعلول ـ منافاة ، وثبوت أحد المتنافيين يستلزم نفي الآخر ، وذلك يوجب عدم الصوم عند ثبوت الاحتقان ، فيوجب القضاء.
ويضعف الأول : بعدم الحجّية.
والثاني : بأنّه قياس مع الفارق.
والثالث : بأنّ نقيض المعلول إنّما هو جواز الاحتقان لا نفسه ، واللازم منه انتفاء الصوم عند جوازه ، وهو ممنوع.
الثالث : مسّ النساء وقبلتهنّ وملاعبتهنّ مع خوف سبق المني وعدم الوثوق بعدمه ، كما يأتي بيانه في بحث المكروهات.
فروع :
أ : الحرمة إنّما هي إذا لم يكن الاحتقان ضروريا وإلاّ فيباح ، لأنّ
__________________
(١) الخلاف ٢ : ٢١٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١.
(٢) القاضي في شرح الجمل : ١٨٥ ، الحلبي في الكافي : ١٨٣.
(٣) القواعد ١ : ٦٤ ، الشرائع ١ : ١٩٢ ، التحرير ١ : ٨٠ ، الإرشاد ١ : ٢٩٦ ، المختلف : ٢٢١ ، الدروس ١ : ٢٧٢.
الضرورات تبيح المحظورات ، والعلّة المذكورة في الصحيحة الأولى محمولة على ما لا يبلغ حدّ الضرورة.
ب : يجوز تقطير الدواء في الاذن على الحقّ المشهور ، للأصل ، والمستفيضة من الأخبار بلا معارض. نعم ، يكره ، للرضوي.
ج : يجوز صبّه في الإحليل ، وكذا السعوط به ، للأصل.
ويكره السعوط ، للرضويّ المتقدّم ، ويأتي تفصيله.
* * *
القسم الرابع
ما لا يحرم ويوجب القضاء والكفّارة معا
وهو أمر واحد ، وهو : تسبيب الإنزال بلمس المرأة أو تقبيلها بدون قصد الإنزال معه ولا اعتياده.
أمّا الجواز حينئذ فبالإجماع ، ولأنّه لو لم يقصد الإنزال ولم يعتده لا وجه للحرمة أصلا ، ومجرّد احتمال الإنزال غير كاف ، بل قد ينزل مع عدم احتماله أيضا ، ولو حرم ذلك حرم لمس المرأة للصائم مطلقا ، وهو خلاف الضرورة.
وأمّا إيجابه القضاء والكفّارة فقد مرّ بيانه في الأمر الرابع من القسم الأول مفصّلا (١).
__________________
(١) راجع ص : ٢٤٠.
القسم الخامس
ما لا يحرم ويوجب القضاء خاصّة
وهي أمور :
الأول : دخول الماء في الحلق لا عن عمد في غير مضمضة وضوء الفريضة.
وبيان المقام : أنّه لو أدخل الماء في فمه فدخل حلقه ، فإن أدخل الحلق عمدا فلا خلاف ولا إشكال في حرمته وإفساده.
وإن سبقه لا عن تعمّد ، فإن كان الإدخال في الفم للمضمضة لصلاة الفريضة لم يبطل به الصوم إجماعا محقّقا ومحكيّا في كثير من العبارات بخصوصه ، أو في ضمن مطلق الصلاة ، أو الطهارة ، كما تأتي إليه الإشارة ، ونفى عنه الخلاف والإشكال في الحدائق (١).
له ، وللأصل السالم عن المعارض ، والمعتبرة من الأخبار ، المصرّحة بعدم القضاء في سبق الماء إلى الحلق في المضمضة مطلقا ، كموثّقة الساباطي : عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء وهو صائم ، قال : « ليس عليه شيء إذا لم يتعمّد ذلك » (٢).
أو في مضمضة الوضوء ، كموثّقة سماعة : عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل حلقه ، قال : « عليه القضاء ، وإن كان في
__________________
(١) الحدائق ١٣ : ٨٧.
(٢) التهذيب ٤ : ٣٢٣ ـ ٩٩٦ ، الوسائل ١٠ : ٧٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ٥.
وضوء فلا بأس » (١).
أو في المضمضة في وقت الفريضة ، كرواية يونس : في الصائم : « وإن تمضمض في وقت فريضة فدخل الماء حلقه فلا شيء عليه ، وإن تمضمض في غير وقت فريضة فدخل الماء حلقه فعليه الإعادة » (٢).
أو في المضمضة لوضوء الفريضة خاصّة ، كصحيحة الحلبي : في الصائم يتوضّأ للصلاة فيدخل الماء حلقه ، قال : « إن كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه قضاء ، وإن كان وضوؤه لصلاة النافلة فعليه القضاء » (٣).
ولا تعارضها رواية المروزي المتقدّمة ، المتضمّنة للإفطار بمطلق المضمضة (٤) ، لأنّ إطلاقها خلاف الإجماع ، فيجب الرجوع إلى تخصيص أو تجوّز ، وبابهما واسع لا ينحصر فيما ينافي المسألة.
وإن كان في غير مضمضة وضوء الفريضة ، فالحقّ : بطلان الصوم به مطلقا وإن كان لوضوء نافلة أو تداو أو تطهير الفم أو غسله من الطعام ، وفاقا للحدائق (٥) ، وظاهر الدروس (٦) ، بل طائفة من الأصحاب كما حكاه في التهذيب (٧) ، لإطلاق رواية يونس بالقضاء في غير وقت الفريضة ، ولا ينافيه
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٦٩ ـ ٢٩٠ ، التهذيب ٤ : ٣٢٢ ـ ٩٩١ ، الوسائل ١٠ : ٧١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ٤.
(٢) الكافي ٤ : ١٠٧ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٠٥ ـ ٥٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٩٤ ـ ٣٠٤ ، الوسائل ١٠ : ٧١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ٣.
(٣) الكافي ٤ : ١٠٧ ـ ١ مع اختلاف في السند ، التهذيب ٤ : ٣٢٤ ـ ٩٩٩ ، الوسائل ١٠ : ٧٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ١.
(٤) راجع ص : ٢٢٨.
(٥) الحدائق ١٣ : ٩٠.
(٦) الدروس ١ : ٢٧٤.
(٧) التهذيب ٤ : ٢٠٥ بعد حديث ٥٩٣.
إطلاقها في نفيه في وقت الفريضة ، لأنّ التعليق على الوصف دالّ على علّيته.
ويؤيّد الإطلاق فحوى إثبات القضاء لوضوء النافلة في صحيحة الحلبي ، وتدلّ عليه ـ في بعض أفراد المطلوب ـ موثّقة سماعة وصحيحة الحلبي. وبما ذكر يقيد إطلاق موثّقة الساباطي ، لكونه أعمّ مطلقا ممّا ذكر.
ولا يوجب كفّارة أصلا ، للأصل السالم عن المعارض ، سوى رواية المروزي المثبتة لها في التمضمض مطلقا ، ولا قائل به ، سيّما مع معارضتها لما هو أكثر منها وأقوى وأخصّ ، فيجب تقييدها بما إذا بلع الماء عمدا.
خلافا لمن نفى القضاء في تمضمض الوضوء للصلاة مطلقا ، كالتهذيب والخلاف والمنتهى (١) ، بل في الأخيرين الإجماع عليه.
أو في التوضّؤ كذلك ، كصريح جمع (٢).
أو في الطهارة كذلك ، كما عن الانتصار والسرائر والغنية (٣) ، بل عن الثلاثة الإجماع عليه.
للأصل ، والمنقول من الإجماع ، وموثّقة سماعة منطوقا في مطلق الوضوء ، وفحوى في الطهارة.
ويردّ أولها بما مرّ من الدافع. وثانيها : بعدم الحجّية. وثالثها : بكونه أعمّ مطلقا من صحيحة الحلبي ، بل رواية يونس ، فيجب تخصيصها بهما.
ولمن نفاه فيما إذا كانت المضمضة للتداوي أو إزالة النجاسة أو غسل الفم من الطعام ، كبعضهم.
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٢١٤ ـ ذ. ح ٦٢٠ ، الخلاف ٢ : ٢١٥ ، المنتهى ٢ : ٥٧٩.
(٢) انظر الرياض ١ : ٣١٤.
(٣) الانتصار : ٦٤ ، السرائر ١ : ٣٧٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١.
لكونه مأذونا في الفعل من الله عزّ وجلّ ، غير متعمّد بالابتلاع.
وضعفه ظاهر ، لأنّ الجواز لا يستلزم عدم كونه مفطرا بعد دلالة النصوص عليه.
ولعدم انصراف الإطلاقات إليه.
وفيه منع واضح ، بل في انصرافها إلى العبث ونحوه خفاء ظاهر.
ولمن أثبت الكفّارة فيما إذا كانت المضمضة لغير الصلاة ، كما في التهذيب (١) ، ولا دليل تامّا له.
ولا يلحق الاستنشاق بالمضمضة على الأقوى ، فلو سبق فيه الماء إلى الحلق لم يفطر أصلا ، للأصل ، واختصاص الموجب بالمضمضة.
خلافا لطائفة (٢) ، لاتّحادهما في المعنى.
وفيه : أنّه راجع جدّا إلى القياس الفاسد عندنا ، لعدم معلوميّة المعنى الموجب قطعا ، وإن كان الأحوط الإعادة معه في غير استنشاق وضوء الفريضة.
الثاني : معاودة النوم جنبا ليلا مستمرّا نومه إلى الفجر ، فإنّها موجبة للقضاء وإن لم تكن محرّمة ، ولا كفّارة فيها وإن تصاعدت أيضا ، وهي المراد من النومة الثانية فصاعدا ، وأمّا الاولى فلا بأس بها ، ولا إبطال للصوم فيها.
كلّ ذلك مع احتمال الانتباه قبله وعدم العزم على ترك الاغتسال ، وأمّا مع عدم الاحتمال أو العزم على تركه فهو بقاء على الجنابة عمدا ، فهو حرام يجب به القضاء والكفّارة سواء فيه الأولى أو غيرها ، فهذه أحكام خمسة :
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٢١٤.
(٢) انظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧١ ، مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ١١٩ ، الرياض ١ : ٣١٥.
الأول : عدم حرمة النومة الثانية ، للأصل ، وعدم دليل على حرمتها ، وعدم العلم بكونها سببا لبطلان الصوم ، إذ لعلّه ينتبه ويغتسل.
ومال بعضهم إلى الحرمة (١) ، للفظ العقوبة في الصحيحة (٢).
وفيه نظر ، لأنّ بمثل تلك العقوبة لا تثبت الحرمة.
الثاني : إيجابها للقضاء ، وهو المشهور بين الأصحاب ، واستفاض عليه نقل الإجماع (٣) ، وتدلّ عليه صحيحتا معاوية بن عمّار ، وابن أبي يعفور ، والرضوي ، المؤيّدة بفتوى الأصحاب وحكايات الإجماع.
الاولى : الرجل يجنب أول الليل ثمَّ ينام حتى يصبح في شهر رمضان ، قال : « ليس عليه شيء » ، قلت : فإنّه استيقظ ثمَّ نام حتى أصبح ، قال : « فليقض ذلك اليوم عقوبة » (٤).
والثانية : الرجل يجنب في شهر رمضان ثمَّ يستيقظ ثمَّ ينام حتى يصبح ، قال : « يتمّ صومه ويقضي يوما ، وإن لم يستيقظ حتى يصبح أتمّ يومه وجاز له » (٥).
والثالثة : « إذا أصابتك جنابة في أول الليل فلا بأس بأن تنام متعمّدا وفي نيّتك أن تقوم وتغتسل قبل الفجر ، فإن غلبك النوم حتى تصبح فليس عليك شيء ، إلاّ أن تكون انتبهت في بعض الليل ثمَّ نمت وتوانيت وكسلت
__________________
(١) كما في المسالك ١ : ٧١.
(٢) كما في التهذيب ٤ : ٢١٢ ـ ٦١٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ ـ ٢٧١ ، الوسائل ١٠ : ٦١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ١.
(٣) كما في المنتهى ٢ : ٥٦٦.
(٤) التهذيب ٤ : ٢١٢ ـ ٦١٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ ـ ٢٧١ ، الوسائل ١٠ : ٦١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ١.
(٥) التهذيب ٤ : ٢١١ ـ ٦١٢ ، الاستبصار ٢ : ٨٦ ـ ٢٦٩ ، الوسائل ١٠ : ٦١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ٢.
فعليك صوم ذلك اليوم وإعادة يوم آخر مكانه ، وإن تعمّدت النوم إلى أن تصبح فعليك قضاء ذلك اليوم والكفّارة » (١).
وبتقييد تلك الأخبار تقيّد إطلاقات القضاء بالنوم مطلقا ، كصحيحة البزنطي وروايتي المروزي وابن عبد الحميد المتقدّمة (٢) ، وصحيحة محمّد : عن الرجل تصيبه الجنابة في شهر رمضان ثمَّ ينام قبل أن يغتسل ، قال : « يتمّ صومه ويقضي ذلك اليوم » (٣) ، مع أنّ الأخيرة غير دالّة على الوجوب.
والثالث : عدم إيجابها الكفّارة ، وهو في النومة الثانية مذهب الأصحاب كما قيل (٤) ، وفيما فوقها محكيّ عن المعتبر والمنتهى (٥) ، وجمع من متأخّري المتأخّرين (٦).
ودليله : الأصل الخالي عمّا يصلح للمعارضة ، إذ ليس إلاّ روايتي المروزي وابن عبد الحميد المتقدّمتين ، وهما وإن كانتا شاملتين للمورد أيضا ـ ولم يضرّ خروج النومة الأولى عنهما لدليل ، ولم يوجب ذلك تخصيصهما بالمتعمّد خاصّة ، بل مقتضى القاعدة إبقاؤهما فيما عدا الاولى على حالهما ـ إلاّ أنهما معارضتان مع الأخبار النافية للشيء ، والمصرّحة بعدم الإفطار بذلك بقول مطلق ، كالروايات المذكورة في حكم البقاء على الجنابة (٧) ،
__________________
(١) فقه الرضا «ع» : ٢٠٧ ، مستدرك الوسائل ٧ : ٣٣٠ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٩ و ١٠ ح ١ و ١.
(٢) جميعا في ص : ٢٤٤ ، ٢٤٥.
(٣) الكافي ٤ : ١٠٥ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٢١١ ـ ٦١٣ ، الاستبصار ٢ : ٨٦ ـ ٢٧٠ ، الوسائل ١٠ : ٦٢ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ٣.
(٤) انظر المدارك ٦ : ٦٠.
(٥) المعتبر ٢ : ٦٧٥ ، المنتهى ٢ : ٥٧٧.
(٦) منهم صاحب الذخيرة : ٤٩٩ ، وصاحب الحدائق ١٣ : ١٢٧.
(٧) راجع ص : ٢٧٦.
خرجت عنها صورة التعمّد كما مرّ هناك ، فتبقى حجّة في الباقي وتعارض الروايتين ، وهما وإن ترجّحتا بالمخالفة للعامّة ، إلاّ أنّها مترجّحة بالأكثريّة ، والأصحيّة ، والموافقة للأصل ، وبعضها بالأحدثية التي هي من المرجّحات المنصوصة.
والرابع : عدم إيجاب النومة الأولى لقضاء ولا كفّارة ، وهو موافق فتوى الأصحاب (١) ، وتدلّ عليه الصحيحتان ، والرضوي ، وبها تتقيّد الإطلاقات.
والخامس : اختصاص ما ذكر باحتمال الانتباه والعزم على الاغتسال ، وإن عزم على الترك فيجب القضاء والكفّارة معا ، وكان كتعمّد البقاء على الجنابة اتّفاقا كما قيل (٢) ، لإطلاق ما دلّ على بطلان الصوم بالنوم إلى الفجر مطلقا ، أو متعمّدا كصحيحة البزنطي ، وذيل الرضوي.
ولا تضرّ المعارضة مع إطلاق ما دلّ على صحّته في النومة الأولى أو مطلق النوم ، لترجيح الأول بمخالفة العامّة ، مع التأيّد بمفهوم الحال في صدر الرضوي المنجبر ، الذي هو أخصّ مطلقا منهما.
وإن لم يعزم على شيء من الطرفين فهو كالعزم على الترك عند المحكيّ عن جماعة (٣) ، للإطلاقات المذكورة.
وذهب بعض مشايخنا إلى أنّه كالعزم على الاغتسال ، لمعارضتها مع ما نفى القضاء في النومة الأولى بقول مطلق ، ورجحانه بالأكثريّة ، والرجوع إلى الأصول مع التكافؤ (٤) ، وهو كذلك.
__________________
(١) انظر الرياض ١ : ٣٠٦.
(٢) انظر الرياض ١ : ٣٠٦.
(٣) انظر المعتبر ٢ : ٦٧٢.
(٤) الرياض ١ : ٣٠٦.
ولا يضرّ مفهوم صدر الرضوي ، إذ لعلّ المراد من المفهوم تعمّد الترك ، كما ربّما يفصح عنه قوله في الذيل : « وإن تعمّدت النوم » ، والمتبادر منه العزم على البقاء على الجنابة ، مع أنّ ضعفه يمنع من العمل به في غير ما انجبر منه ، والمقام منه.
وأمّا ما في المنتهى ـ من أنّ من نام غير ناو للغسل فسد صومه ، وعليه قضاؤه ، ذهب إليه علماؤنا أجمع (١) ـ فظاهر استدلاله إرادة العزم على الترك ، حيث استدلّ بأنّ مع العزم على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم ، وعدم إمكان الانتباه أو عدم اعتباره في حكم العزم على الترك ، والوجه ظاهر.
ثمَّ إنّه نسب الخلاف في الحكم الثاني إلى موضع من المعتبر (٢) ، ولكنّه قال في موضع آخر منه بمقالة الأصحاب (٣) ، كما في الشرائع والنافع (٤) ، وهو صريح في رجوعه عنه ، ولعلّه لذلك لم ينقل الأكثر منه الخلاف ، ولعلّ دليله مطلقات الفساد بالنوم ، وجوابه ظاهر ممّا مرّ.
فرعان :
أ : لا خفاء في انسحاب الحكم الأخير في صوم غير رمضان مطلقا
__________________
(١) قال في موضع من المنتهى ( ٢ : ٥٦٦ ) : إذا أجنب ليلا ثمَّ نام ناويا للغسل فسد صومه وعليه قضاؤه. وقال في موضع آخر منه ( ص ٥٧٣ ) : ولو أجنب ثمَّ نام غير ناو للغسل حتى طلع الفجر وجب عليه القضاء والكفارة ، لأنّ مع النوم على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم ويصير كالمتعمد للبقاء على الجنابة.
(٢) المعتبر ٢ : ٦٥٥.
(٣) المعتبر ٢ : ٦٧٤.
(٤) الشرائع ١ : ١٩٠ ، النافع : ٦٦.
حتى في قضائه ، وإن كان مقتضى إطلاق صحيحتي ابن سنان المتقدّمتين في الفرع الأول من الأمر الخامس (١) بطلان القضاء ، إلاّ أنّ الظاهر من صحّته في الأصل صحته في القضاء بالإجماع المركّب ، وأمر الاحتياط واضح.
وأمّا الحكم الأول فهو مخصوص بشهر رمضان ـ لاختصاص الأخبار به ـ وقضائه ، لإطلاق الصحيحتين.
وأمّا غيرهما ـ من الصيام الواجبة والمستحبّة ـ فليس كذلك ، بل يصحّ الصوم مع النومة الثانية جنبا إلى الصبح ، للأصل.
ب : ظاهر الروايات المتقدّمة احتساب نومة الاحتلام من النومتين ، لأنّها نوم ، فيصدق على ما بعدها ما في الأخبار (٢) من قوله : ثمَّ نام ، أو : ينام حتى أصبح ، أو : يصبح. وأمّا قوله في الصحيحة الأولى : يجنب أول الليل ثمَّ ينام (٣) ، فلا يفيد أنّ ذلك النوم بعد التيقّظ من نومة الاحتلام ، بل يدلّ على أنّه بعد الجنابة ، ولا شكّ أنّه يصدق على تتمّة النومة الأولى الواقعة بعد الاحتلام.
نعم ، لو صادف الاحتلام التيقّظ ـ حتى لم يتأخّر شيء من هذه النومة عن الجنابة ـ لم يحسب ذلك من النومة الاولى ، ولا تدلّ صحيحة العيص الثانية المتقدّمة في الأمر الخامس من القسم الأول (٤) إلاّ على نفي البأس عن النومة المتعقّبة لنوم الاحتلام ، لا على نفي القضاء.
الثالث : فعل المفطر والفجر طالع باستصحاب بقاء الليل ، فإنّ من
__________________
(١) راجع ص : ٢٤٨.
(٢) راجع ص : ٢٧٦.
(٣) راجع ص : ٢٧٦.
(٤) راجع ص : ٢٤٥.