تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

(وَعْدُ رَبِّي) القيامة ، أو وقت خروجهم بعد قتل الدجال.

(دَكَّاءَ) أرضا ، أو قطعا ، أو انهدم حتى اندك بالأرض فاستوى معها.

(وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (٩٩))

(بَعْضَهُمْ) القوم الذين ذكرهم ذو القرنين يوم فتح السد ، أو الكفار يوم القيامة ، أو الجن والإنس عند فتح السد.

(يَمُوجُ) يختلط ، أو يدفع بعضهم بعضا من موج البحر.

(الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (١٠١))

(سَمْعاً) على ظاهره ، أو عقلا فلا يستطيعون سمعه استثقالا ، أو مقتا.

(أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (١٠٢))

(نُزُلاً) طعاما ، أو منزلا.

(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣))

(بِالْأَخْسَرِينَ) القسيسون والرهبان ، أو اليهود والنصارى ، أو الحرورية الخوارج ، أو أهل الأهواء ، أو من يصنع المعروف ويمن به.

(أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (١٠٥))

(وَزْناً) أي لا قدر لهم ، أو لخفتهم بالسفه والجهل صاروا ممن لا وزن له. أو ذهبت المعاصي بوزنهم فلا يوازنون لخفتهم شيئا أو لما حبط أعمالهم بالكفر صار الوزن عليهم لا لهم.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧))

(الْفِرْدَوْسِ) وسط الجنة وأطيب موضع فيها ، أو أعلاها وأحسنها ، أو بستانها ، أو البستان الجامع المحاسن كل بستان ، أو كل بستان محوط فردوس ، وهو عربي أو رومي ، أو سرياني وبالنبطية فرداسا.

(خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (١٠٨))

(حِوَلاً) بدلا ، أو تحويلا ، أو حيلة منزل غيرها.

(قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ

٣٨١

جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩))

(لِكَلِماتِ رَبِّي) وعده بالثواب والعقاب ، أو ذكر ما خلق وما هو خالق ، أو علم القرآن ، عجز الخلق عن إحصاء معلوماته ومقدوراته.

(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠))

(يَرْجُوا) يخاف ، أو يأمل ، أو يصدق به.

(لِقاءَ رَبِّهِ) لقاء ثواب ربه ، أو لقاءه بالبعث والوقوف بين يديه.

(صالِحاً) خالصا من الرياء ، أو إذا لقي الله تعالى به لم يستحي منه ، أو عمل الطاعة وترك المعصية.

(بِعِبادَةِ رَبِّهِ) يريد بالرياء ، أو الشرك بالأصنام ، قيل نزلت في جندب بن زهير أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله إنا نعمل العمل نريد به وجه الله تعالى فيثنى به علينا فيعجبنا ، وإني لأصلي الصلاة فأطولها رجاء أن يثنى بها عليّ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله تعالى يقول : أنا خير شريك فمن شاركني في عمل يعمله لي أحدا من خلقي تركته وذلك الشريك» (١) ونزلت هذه الآية فتلاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقيل إنها آخر آية نزلت من القرآن والله تعالى أعلم. والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وعلى آل محمد وصحبه وسلامه ، وحسبنا الله تعالى ونعم الوكيل.

سورة مريم (٢)

(كهيعص (١))

__________________

(١) أخرجه الطبراني (٧ / ٢٩٠ ، رقم ٧١٦٧) ، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (٢ / ٢٦٣).

(٢) سميت سورة مريم تخليدا لتلك المعجزة الباهرة في خلق إنسان بلا أب ثم إنطاق الله للوليد وهو طفل في المهد وما جرى من أحداث غريبة رافقت ميلاد عيسى ، وهي سورة مكية ، ما عدا الآيتان (٥٨ ، ٧١) فمدنيتان ، وقد نزلت بعد سورة فاطر ، وسورة مريم مكية وغرضها تقرير التوحيد وتنزيه الله جل وعلا عما لا يليق به وتثبيت عقيدة الإيمان بالبعث والجزاء ومحور هذه السورة يدور حول التوحيد والإيمان بوجود الله ووحدانيته وبيان منهج المهتدين ومنهج الضالين.

عن أم سلمة أن النجاشي قال لجعفر بن أبي طالب : هل معك مما جاء به يعني رسول الله من الله من شيء؟ قال : نعم فقرأ عليه صدرا من (كهيعص) فبكى النجاشي حتى أخضل لحيته وبكت أساقفه حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم ثم قال النجاشي : إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة.

٣٨٢

(كهيعص) اسم للسورة أو للقرآن أو لله تعالى أو استفتاح للسورة أو تفسير «لا إله إلا الله» من حروف الجمّل ، الكاف عشرون ، والهاء خمسة والياء عشرة ، والعين سبعون ، والصاد تسعون ، كذلك عدد حروف لا إله إلا الله ، أو حروف من حروف أسماء الرب ، الكاف من كبير أو كاف أو كريم ، والهاء من هاد ، والياء من حكيم أو يمين أو أمين أو يا من يجيب من دعاه ولا يخيب من رجاه ، أو يا من يجير ولا يجار عليه ، قاله الربيع بن أنس ، والعين من عزيز أو عالم أو عدل ، والصاد من صادق.

(إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣))

(خَفِيًّا) لا رياء فيه ، أو أخفاه لئلا يستهزأ به لبعد ما طلبه.

(قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤))

(وَهَنَ) ضعف وإذا وهن العظم مع قوته فوهن اللحم والجلد أولى ، أو شكا ضعف البطش الذي يقع بالعظم دون اللحم.

(وَاشْتَعَلَ) شبه انتشار الشيب في الرأس بانتشار النار في الحطب.

(شَقِيًّا) خائبا ، كنت لا تخيبني إذا دعوتك.

(وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥))

(خِفْتُ الْمَوالِيَ) العصبة ، أو الكلالة ، أو بنو العم وكانوا شرار بني إسرائيل ، سموا موالي لأنهم يلونه في النسب بعد الصلب ، أو الأولياء أن يرثوا علمي دون نسلي ، وخافهم على الفساد في الأرض ، أو على نفسه في حياته ، وعلى أسبابه بعد موته.

(وَرائِي) قدامي ، أو بعد موتي.

(يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦))

(يَرِثُنِي) مالي.

(وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) النبوة ، أو يرثهما العلم والنبوة ، أو منه النبوة ومن آل يعقوب الأخلاق ، أو يرث مني العلم ومن آل يعقوب الملك ، فأجيب إلى وراثة العلم دون الملك ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما روي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يرحم الله زكريا ما كان عليه من ورثة» (١).

__________________

(١) أخرجه ابن جرير في التفسير (١٦ / ٤٨) ، وابن عساكر (٦٤ / ١٧٢).

٣٨٣

(رَضِيًّا) مرضي الأخلاق والأفعال ، أو راضيا بقضائك وقدرك.

(يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧))

(نُبَشِّرُكَ) بإجابة الدعوة ، وإعطاء الولد ، وتفرد الرب عزوجل بتسميته اختصاصا له واصطفاء ، سمي يحيى ، لأنه حي بين شيخ وعجوز.

(سَمِيًّا) لم تلد العواقر مثله فلا مثل له ولا نظير ، أو لم نجعل لزكريا قبل يحيى ولدا ، أو لم نسمّ أحدا قبله باسمه.

(قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨))

(عاقِراً) لا تلد ؛ لأنها تعقر النسل أي تقطعه ، أو لعقر رحمها للمني وإفساده وسأل عن أن الولد يأتيهما شابين أو شيخين.

(عِتِيًّا) يبسا وجفافا ، أو نحول العظم ، أو سنا. قال :

إنما يعذر الوليد ولا يع

ذر من كان في الزمان عتيا

(قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠))

(آيَةً) دالة على الحمل ، أو على أن البشرى من الله دون إبليس لأن الشيطان أوهمه ذلك ، قاله الضحاك.

(ثَلاثَ لَيالٍ) اعتقل لسانه ثلاثا من غير مرض ولا خرس عن كلام الناس دون ذكر الله تعالى.

(سَوِيًّا) صحيحا من غير خرس ، أو يرجع إلى الليالي أي متتابعات.

(فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١))

(فَخَرَجَ) أشرف على قومه.

(مِنَ الْمِحْرابِ) المصلى ، أو ما ينصب ليصلى بإزائه لأن المصلي كالمحارب للشيطان ، أو من مجلس الأشراف الذي يحارب دونه ذبا عن أهله فكأن الملائكة تحارب عن المصلي ذبا عنه.

(فَأَوْحى) أومى ، أو أشار ، أو كتب على الأرض ، والوحي الكتابة قال :

كأن أخا اليهود يخط وحيا

بكاف من منازلها ولام

(سَبِّحُوا) صلوا سميت به لاشتمالها على التسبيح.

(يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢))

٣٨٤

(خُذِ الْكِتابَ) قاله زكريا عليه الصلاة والسّلام ليحيى حين نشأ ، أو قاله الله تعالى حين بلغ ، والكتاب : التوراة ، أو صحف إبراهيم.

(بِقُوَّةٍ) بجد واجتهاد ، أو بامتثال الأمر واجتناب المناهي.

(الْحُكْمَ) اللب ، أو الفهم ، أو العلم أو الحكمة ، قال له الصبيان : اذهب بنا نلعب فقال : ما للعب خلقت قيل كان ابن ثلاث سنين.

(وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣))

(وَحَناناً) رحمة. قال :

أبا منذر فاستبق بعضنا

حنانيك بعض الشر أهون من بعض

أو تعطفا ، أو محبة ، أو بركة أو تعظيما ، أو آتيناه تحننا على العباد.

(وَزَكاةً) عملا زاكيا ، أو صدقة به على والديه ، أو زكيناه بثنائنا عليه.

(تَقِيًّا) مطيعا ، أو برا بوالديه.

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦))

(انْتَبَذَتْ) انفردت ، أو اتخذت.

(شَرْقِيًّا) جهة المشرق فاتخذتها النصارى قبلة أو مشرقة الدار التي تظلها الشمس ، أو مكانا بعيدا.

(فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧))

(حِجاباً) من الجدران ، أو من الشمس جعله الله تعالى لها ساترا قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، أو حجابا من الناس ، انفردت في ذلك المكان للعبادة ، أو كانت تعتزل فيه أيام حيضها.

(رُوحَنا) الروح الذي خلق منها المسيح حتى تمثل بشرا ، أو جبريل عليه‌السلام لأنه روحاني لا يشوبه غير الروح ، أو لحياة الأرواح به ، فنفخ جبريل عليه‌السلام في جيب درعها وكمها فحملت ، أو ما كان إلا أن حملته فولدته ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وكان حملها تسعة أشهر ، أو ستة أشهر ، أو يوما واحدا ، أو ثمانية أشهر ، ولم يعش لثمانية سواه آية له.

(قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨))

(تَقِيًّا) اسم رجل إسرائيلي مشهور بالعهر ، لما دنا منها جبريل عليه‌السلام خافت فاستعاذت من ذلك العاهر ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، أو إن كنت تقيا لله امتنعت خوفا من استعاذتي به.

٣٨٥

(فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (٢٣))

(فَأَجاءَهَا) ألجأها ، أو جاء بها.

(يا لَيْتَنِي مِتُّ) تمنت الموت حياء من التهمة ، أو لئلا يأثم الناس بقذفها ، أو لأنها لم تر في قومها رشيدا ذا فراسة يبرئها من السوء.

(نَسْياً مَنْسِيًّا) لم أخلق ، أو لا يدري من أنا ، أو سقطا ، أو إذا ذكرت لم أطلب ، والنسي ما أغفل من شيء حقير.

(فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤))

(فَناداها) ، جبريل ، أو عيسى.

(مِنْ تَحْتِها) من مكان أسفل من مكانها ، أو من بطنها بالقبطية.

(سَرِيًّا) عيسى ، السروات : الأشراف ، أو السري النهر بالنبطية أو العربية من السراية لأن الماء يسري فيه ، قيل يطلق السري على ما يعبره الناس من الأنهار وثبا.

(وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (٢٥))

(النَّخْلَةِ) برنية ، أو عجوة ، أو صرفانة أو قرينا ولم يكن لها رأس وكان الشتاء فجعلت آية ، قيل اخضرت وحملت ونضجت وهي تنظر.

(جَنِيًّا) مترطب البسر ، أو الذي لم يتغير ، أو الطري بغبار.

(فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦))

(فَكُلِي) الجني.

(وَاشْرَبِي) من السري.

(وَقَرِّي عَيْناً) بالولد ، طيبي نفسا ، أو لتسكن عينك سرورا أو لتبرد عينك سرورا ، دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة.

(صَوْماً) صمتا أو صوما عن الطعام والشراب وصمتا عن الكلام ، تركت الكلام ليتكلم عنها ولدها ببراءتها ، أو كان من صام لا يكلم الناس فأذن لها في هذا القدر من الكلام.

(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧))

(فَرِيًّا) قبيحا من الافتراء ، أو عجيبا ، أو عظيما ، أو باطلا ، أو متصنعا من الفرية وهي الكذب.

(يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨))

٣٨٦

(يا أُخْتَ هارُونَ) لأبويه أو نسبت إلى رجل صالح كان اسمه هارون تنسب إليه من تعرف بالصلاح مروي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو نسبت إلى هارون أخي موسى لأنها من ولده كما يقال : يا أخا بني فلان أو كان رجلا معلنا بالفسق فنسبت إليه.

(فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩))

(فَأَشارَتْ) إلى الله تعالى فلم يفهموا إشارتها ، أو إلى عيسى على الأظهر ألهمها الله تعالى ذلك بأنه سيبرئها ، أو أمرها به.

(مَنْ كانَ) صلة ، أو بمعنى يكون.

(الْمَهْدِ) سرير الطفل ، أوة حجرها غضبوا لما أشارت إليه وقالوا : لسخريتها بنا أعظم من زناها ، فلما تكلم قالوا : إنّ هذا لأمر عظيم.

(قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠))

(آتانِيَ) سيؤتيني. (وَجَعَلَنِي) سيجلعني ، أو كان وقت كلامه في المهد نبيا كامل العقل ، قاله الحسن رضي الله تعالى عنه وكلمهم وهو ابن أربعين يوما.

(وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (٣١))

(مُبارَكاً) نفّاعا ، أو معلما للخير ، أو عارفا بالله تعالى داعيا إليه ، أو آمرا بالعرف ناهيا عن المنكر.

(بِالصَّلاةِ) ذات الركوع والسجود ، أو الدعاء. (وَالزَّكاةِ) للمال ، أو التطهير من الذنوب.

(وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (٣٢))

(جَبَّاراً) جاهلا بأحكامه.

(شَقِيًّا) متكبرا عن عبادته ، أو الجبار الذي لا ينصح والشقي الذي لا يقبل النصح.

(وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣))

(وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ) السلامة لي في الدنيا وفي القبر وفي البعث ، لأن له أحوالا ثلاثة : حياة الدنيا والموت مقبورا والبعث فسلم في هذه من الأحزان ، أو سلم في الولادة من همزة الشيطان إذ لا مولود إلا يهمزه.

(وَيَوْمَ أَمُوتُ) سلامته من ضغطة القبر لأنه غير مدفون في الأرض ، ويوم البعث : يحتمل سلامته من العرض والحساب. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه ثم انقطع كلامه حتى بلغ مبلغ الغلمان.

(ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤))

٣٨٧

(الْحَقِّ) الله ، أو عيسى سماه حقا ، لأنه جاء بالحق ، أو القول الذي قاله عيسى من قبل.

(يَمْتَرُونَ) يشكون ، أو يختلفون فتقول فرقة هو الله وأخرى هو ابن الله وأخرى هو ثالث ثلاثة هذا قول النصارى ، وقال المسلمون : عبد الله ورسوله ، وقالت اليهود : لغير رشدة عند من قرأ تمترون.

(أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٨))

(أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) اليوم كيف يصنع بهم يوم القيامة ، أو عجبه من سماعهم وإبصارهم في الآخرة.

(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٩))

«قضى أمرا» بعذابهم يوم البعث ، أو قضي بانقطاع توبتهم وتحقق الوعيد يوم الموت.

(قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦))

(لَأَرْجُمَنَّكَ) بالذم والسب ، أو بالأحجار لتبعد عني.

(مَلِيًّا) دهرا طويلا مؤبدا ، أو سويا سليما من عقوبتي ، أو غنيا.

(قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (٤٧))

(سَلامٌ) توديع وهجر ، أو سلام : إكرام وبر ، قابل جفوته بالإحسان رعاية لحق الأبوة وهو أظهر.

(سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ) إن تركت عبادة الأوثان ، أو أدعو لك بالهدى المقتضي للغفران.

(حَفِيًّا) مقربا ، أو مكرما ، أو رحيما ، أو عليما ، أو متعهدا.

(وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠))

(لِسانَ صِدْقٍ) ثناء جميلا ، أو جعلناهم كراما على الله تعالى اللسان بمعنى الرسالة. قال :

أتتني لسان بني عامر

أحاديثها بعد قول نكر

(وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (٥٢))

(الطُّورِ الْأَيْمَنِ) جبل بالشام نودي من يمين الجبل ، أو من يمين موسى.

(وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا) قرب من المكان الذي شرفه فيه وعظمه ليسمع كلامه ، أو قربه من أعلى الحجب حتى سمع صريف القلم ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنه وقال غيره سمع صريف القلم الذي كتبت به التوراة ، أو قربه باصطفائه واجتبائه.

٣٨٨

(نَجِيًّا) ناجاه من النجوى التي لا يكون إلا في خلوة ، أو رفعه بعد التقريب من النجوة وهي الارتفاع ، أو نجاه بصدقه مأخوذ من النجاة ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لم يبلغ موسى من الكلام الذي ناجاه به شيئا.

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥٤))

(صادِقَ الْوَعْدِ) وعد رجلا أن ينتظره فانتظره ثلاثة أيام أو اثنين وعشرين يوما أو حولا كاملا قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

(وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (٥٥))

(أَهْلَهُ) ، قومه ، أو أهله يبدأ بهم ، وهو إسماعيل بن إبراهيم عند الجمهور ، أو إسماعيل بن حزقيل بعثه الله تعالى إلى قومه فسلخوا جلدة رأسه فخيره الله تعالى فيما شاء من عذابهم فاستعفاه ورضي بثوابه وفوض أمرهم إليه في عفوه وعقوبته لأن إسماعيل مات قبل أبيه إبراهيم.

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٥٦))

(إِدْرِيسَ) أو من أعطي النبوة وأول من خط بالقلم.

(وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (٥٧))

(وَرَفَعْناهُ) إلى السماء الرابعة ، أو السادسة وهو في السماء حي لم يمت كعيسى ، أو مات في السماء وهو فيها ميت ، أو مات بين الرابعة والخامسة وهو أول من اتخذ السلاح ، وجاهد في سبيل الله تعالى وقتل بني قابيل وأول من وضع الوزن والكيل وأثار علم النجوم ، وأول من لبس الثياب وإنما كانوا يلبسون الجلود.

(أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (٥٨))

(وَبُكِيًّا) سجودهم رغبة وبكاؤهم رهبة.

(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩))

(فَخَلَفَ) بالسكون إذا خلفه من ليس من أهله وبالفتح إذا كان من أهله ، أو بالسكون في الذم وبالفتح في الحمد.

(مِنْ بَعْدِهِمْ) اليهود بعد متقدمي الأنبياء ، أو المسلمون بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عصر الصحابة إلى قيام الساعة ، أو من بعد عصر الصحابة قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يكون بعد الستين

٣٨٩

خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ» الآية.

(أَضاعُوا الصَّلاةَ) بتركها ، أو تأخيرها عن وقتها.

(غَيًّا) واد في جهنم أو خسرانا ، أو ضلالا عن الجنة ، أو شرا أو خيبة.

ومن يغو لا يعدم

أي يخب.

(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢))

(لَغْواً) كلاما فاسدا ، أو خلفا. (سَلاماً) سلامة ، أو تسليم الملائكة عليهم.

(بُكْرَةً وَعَشِيًّا) كان يعجبهم إصابة الغذاء والعشاء فأخبروا أن ذلك في الجنة ، أو أراد مقدار البكرة والعشي من أيام الدنيا ، قيل : يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وغلق الأبواب ، ومقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب.

(وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤))

(وَما نَتَنَزَّلُ) موضعا من الجنة إلا بأمر الله تعالى من كلام أهل الجنة ، أو نزلت لما أبطأ جبريل عليه‌السلام على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم اثنتي عشرة ليلة فلما أتاه قال : «لقد غبت حتى ظن المشركون كل ظن».

(ما بَيْنَ أَيْدِينا) الدنيا. (وَما خَلْفَنا) الآخرة. (وَما بَيْنَ ذلِكَ) ما بين النفختين ، أو ما مضى من الدنيا. (وَما خَلْفَنا) ما يكون بعدنا من الدنيا والآخرة.

(وَما بَيْنَ ذلِكَ) ما بين ما مضى من قبل وما يكون من بعد.

(نَسِيًّا) ذا نسيان ، أو ما نسيك.

(رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥))

(سَمِيًّا) مثلا من المساماة ، أو من يسمى الله أو لا يستحق اسم الإله غيره ، أو ولدا.

(فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨))

(جَهَنَّمَ) اسم للنار أو لأعمق موضع فيها كالفردوس اسم لأعلى الجنة.

(جِثِيًّا) جماعات ، أو بروكا على الركب.

(ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩))

(شِيعَةٍ) الشيعة : الجماعة المتعاونون ، الأمة شيعة لاجتماعهم وتعانهم.

(لَنَنْزِعَنَّ) لنبدأن أو لنستخرجن. (عِتِيًّا) افتراء بلغة تميم ، أو جرأة أو كفرا ، أو تمردا ،

٣٩٠

أو معصية.

(ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (٧٠))

(صِلِيًّا) دخولا أو لزوما.

(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١))

(وارِدُها) الحمى والأمراض ، عاد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلا ثم قال : «إن الله تعالى يقول : هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار في الآخرة» (١) ، أو جهنم يردها الكفار خاصة ، انتقل من معاتبتهم إلى خطابهم ، أو عامة في المؤمن والكفار يردانها فتمس الكافر دون البر ، أو يردها المؤمن بمروره عليها ونظره إليها سرورا بما أنجاه الله تعالى منه (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) [القصص : ٢٣].

(حَتْماً) قضاء مقضيا ، أو قسما واجبا.

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣))

(مَقاماً) منزل إقامة في الجنة أو النار ، أو كلاما قائما بحجة معناه ، من فلجت حجته خير أم من دحضت حجته.

(نَدِيًّا) أفضل مجلسا أو أوسع عيشا.

(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (٧٤))

(أَثاثاً) متاعا. (وَرِءْياً) منظرا ، أو الجديد من ثياب البيت ، والريّ الارتواء من النعمة ، أو ما لا يراه الناس والرئي ما يرونه ، أو أكثر أموالا وأحسن صورا.

(وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦))

(وَيَزِيدُ اللهُ) يزيدهم هدى بالمعونة على الطاعة والتوفيق لمرضاته ، أو الإيمان بالناسخ والمنسوخ.

(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (٧٧))

__________________

(١) أخرجه ابن ماجه (٢ / ١١٤٩ ، رقم ٣٤٧٠) قال البوصيرى (٤ / ٦١) : هذا إسناد صحيح رجاله موثقون. والحاكم (١ / ٤٩٦ ، رقم ١٢٧٧) وقال : صحيح الإسناد. وابن أبى شيبة (٢ / ٤٤٠ ، رقم ١٠٨٠٢) ، والبيهقى (٣ / ٣٨١ ، رقم ٦٣٨٣) ، وأحمد (٢ / ٤٤٠ رقم ٩٦٧٤).

٣٩١

(لَأُوتَيَنَّ مالاً) نزلت في العاص بن وائل ، أو في الوليد بن المغيرة ، (لَأُوتَيَنَّ) في الدنيا على قول الجمهور ، أو في الجنة استهزاء منه.

(وَوَلَداً) وولدا واحد كعدم وعدم ، أو بالضم جمع وبالفتح واحد لغة قيس.

(أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨))

(عَهْداً) عملا صالحا ، أو قولا عهد به الله إليه.

(وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (٨٠))

(وَنَرِثُهُ) نسلبه ما أعطيناه في الدنيا من مال وولد ، أو نحرمه ما تمناه منهما في الآخرة.

(فَرْداً) بلا مال ولا ولد ، أو بلا ولي ولا ناصر.

(كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (٨٢))

(سَيَكْفُرُونَ) سيجحد العابدون عبادتهما لما رأوا من سوء عاقبتها ، أو يكفر المعبود بالعابد ويكذبه.

(ضِدًّا) عونا في الخصومة ، أو بلاء أو أعداء أو قرناء في النار يلعنونهم ، أو على ضد ما أمّلوه فيهم.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣))

(تَؤُزُّهُمْ) تزعجهم إلى المعاصي ، أو تغويهم أو تغريهم بالشر.

(فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (٨٤))

(نَعُدُّ لَهُمْ) أعمالهم ، أو أيام حياتهم ، أو مدة انتظارهم إلى الانتقام منهم بالسيف والجهاد.

(يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (٨٥))

(وَفْداً) ركبانا ، أو جماعة ، أو زوارا.

(وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (٨٦))

(وِرْداً) مشاة ، أو عطاشا من ورود الإبل عطاشا ، أو أفرادا.

(لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٨٧))

(عَهْداً) وعدا من الله تعالى ، أو إيمانا به.

(لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (٨٩))

٣٩٢

(إِدًّا) منكرا ، أو عظيما.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦))

(وُدًّا) محبة في الدنيا من الأبرار وهيبة عند الفجار ، أو يحبهم الله تعالى ويحببهم إلى الناس ، قال : نزلت في علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه.

(فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧))

(لُدًّا) فجارا ، أو أهل لجاج وخصام من اللدود للزومهم الخصام كما يحصل اللدود في الأفواه أو الجدل في الباطل من اللدد وهو شدة الخصومة.

(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (٩٨))

(رِكْزاً) صوتا ، أو حسا ، أو ما لا يفهم من صوت أو حركة.

سورة طه (١)

(طه (١))

(طه) اسم لله تعالى أقسم به. أو اسم للسورة أو اختصار كلام خص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعلمه ، أو حروف يدل كل حرف منها على معنى ، أو طوبى لمن اهتدى ، أوطأ الأرض بقدميك ولا تقم على أحدهما في الصلاة ، أو يا رجل بلغة عك ، أوطيء ، أو بالنبطية.

إن السفاهة طه من خليقتكم

لا قدس الله أرواح الملاعين

(ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (٢))

(لِتَشْقى) بالتعب والسهر في قيام الليل ، أو بالأسف والحزن على كفرهم ، أو جواب لهم لما قالوا : إنه بالقرآن شقي.

(إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (٣))

(تَذْكِرَةً) إنذارا لمن يخشى الله ، أو زجرا لمن يتقي الذنوب والخوف ما ظهرت

__________________

(١) سميت سورة طه وهو اسم من أسمائه الشريفة عليه الصلاة والسّلام تطييبا وتسلية لفؤاده عما يلقاه من صدود وعناد ولهذا ابتدأت السورة بملاطفته بالنداء طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ، وهي سورة مكية ما عدا الآيتان (١٣٠ ، ١٣١) فمدنيتان ، وقد نزلت بعد سورة مريم ، وتدور السورة حول نفس الأهداف للسور المكية وغرضها تركيز أصول الدين التوحيد والنبوة والبعث والنشور.

٣٩٣

أسبابه ، والخشية ما لم تظهر أسبابه.

(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (٦))

(لَهُ ما فِي السَّماواتِ) ملكهما ، أو تدبيرهما ، أو علم ما فيهما.

(الثَّرى) كل شيء مبتل ، أو التراب عند الجمهور ، والذي تحته : ما واراه التراب في بطن الأرض أو الصخرة الخضراء التي تحت الأرض السابعة وهي سجين التي فيها كتاب الفجار.

(وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (٧))

(السِّرَّ) ما ساررت به غيرك.

(وَأَخْفى) ما أضمرته ولم تحدث به ، أو ما أضمرته في نفسك وأخفى ما لم يكن ولا أضمره أحد في نفسه ، أو أسرار عباده

وأخفى سر نفسه عن خلقه ، أو ما أسره الناس وأخفى الوسوسة أو ما أسره من علمه وعمله السالف ، وأخفى : ما يعمله في المستأنف ، أو العزيمة ، وأخفى الهم دون العزيمة.

(وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩))

(وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) باصطفائه للنبوة وتحميله للرسالة.

(إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (١٠))

(رَأى ناراً) في ظنه وهي نور عند الله ، وكانت ليلة الجمعة في الشتاء.

(امْكُثُوا) أقيموا ، أو الإقامة تدوم والمكث لا يدوم.

(آنَسْتُ) أبصرت ، أو آنست بنار.

(هُدىً) هاديا يهديني على الطريق ، أو علامة استدل بها على الطريق ، وكانوا قد ضلوا عن الطريق ، فأقاموا بمكانهم بعد ذهاب موسى ثلاثة أيام فمر بهم راعي القرية فأخبرهم بمسير موسى عليه الصلاة والسّلام فعادوا مع الراعي إلى قريتهم وأقاموا بها أربعين سنة حتى أنجز موسى أمر ربه.

(إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٢))

(فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) لتباشر بقدميك بركة الوادي ، أو لأنهما من جلد حمار ميت فخلعهما ورمى بهما وراء الوادي.

(الْمُقَدَّسِ) المبارك ن أو المطهر.

٣٩٤

(طُوىً) اسم للوادي ، أو لأنه مرّ به ليلا فطواه ، أو لأنه نودي به مرتين ، طوى في كلامهم بمعنى مرتين ، لأن الثانية كالمطوية على الأولى ، أو لأن الوادي قدس مرتين ، أوطأ الوادي بقدميك.

(إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤))

(لِذِكْرِي) لتذكرني فيها ، أو لا تدخل فيها إلا بذكر ، أو حين تذكرها.

(إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (١٥))

(أُخْفِيها) لا أظهر عليها أحدا فيكون أكاد بمعنى أريد ، أو أخفيها من نفسي مبالغة في تبعيد إعلامه بها ، أو أخفيها أظهرها أخفيته كتمته وأظهرته من الأضداد ، وأسررته كتمته وأظهرته أيضا ، أو المعنى آتية : أكاد آتي بها فحذف للعلم به ثم استأنف.

(أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ) قال :

هممت ولم أفعل وكدت وليتني

تركت على عثمان تبكي حلائله

أي وكدت أقتله.

(بِما تَسْعى) من خير أو شر ، أقسم أنه يأتي بها للجزاء ، أو أخبر بذلك.

(فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (١٦))

(فَتَرْدى) فتشقى ، أو تزل.

(وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨))

(وَما تِلْكَ) سؤال تقرير وجوابه.

(هِيَ عَصايَ) ولكنه أضافها إلى ملكه ليكفي الجواب إن سئل عنها ثم ذكر احتياجه إليها لئلا يكون عابثا بحملها.

(وَأَهُشُّ) أخبط ورق الشجر ، والهش والهس واحد ، أو المعجم خبط الشجر ، وغير المعجم زجر الغنم.

(مَآرِبُ) حاجات نص على لوازم الحاجات وكنى عن عارضها من طرد السباع ، أو قدح النار واستخراج الماء أو كانت تضيء له بالليل.

(وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢))

(جَناحِكَ) عضدك ، أو جنبك ، أو جيبك عبّر عنه بالجناح لأنه مائل في جهته.

٣٩٥

(وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧))

(عُقْدَةً) من الجمرة التي ألقاها في فمه صغيرا ، أو حدثت عند مناجاته ربه فلا يكلم غيره إلا بإذنه ، أو استحياؤه من الله تعالى أن يكلم غيره بعد مناجاته.

(اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١))

(أَزْرِي) الظهر من موضع الحقوين ، أو يكون عونا يستقيم به أمري وكان هارون أكبر منه بثلاث سنين ، وأكثر لحما وأتم طولا وأبيض جسما وأفصح لسانا ومات قبل موسى بثلاث سنين وكان بجبهته شامة وعلى أرنبة أنف موسى شامة ، وعلى طرف لسانه شامة لم تكن على أحد من قبله ولا تكون على أحد بعده قيل إنها سبب العقلة في لسانه.

(أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩))

(مَحَبَّةً مِنِّي) حببتك إلى عبادي ، أو حسنا وملاحة ، أو رحمتي ، أو من رآك أحبك حتى أحبك فرعون فخلصت منه ، وأحبتك آسية بن مزاحم فتبنتك.

(وَلِتُصْنَعَ) لتغذى على اختياري ، أو تصنع بك أمك ما صنعت في اليم بعيني ومشاهدتي.

(إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (٤٠))

(فُتُوناً) اختبارا حتى صلحت للرسالة ، أو بلاء بعد بلاء خلصناك من محنة بعد محنة ، أولها حملته أمه في سنة الذبح ، ثم ألقي في اليم ثم منع الرضاع إلا من ثدي أمه ، ثم جر بلحية فرعون فهم بقتله فتناول الجمرة بدل الدرة فتركه ، ثم جاءه رجل يسعى بما عزموا عليه من قتله أو أخلصناك إخلاصا.

(عَلى قَدَرٍ) موعد ، أو قدر من النبوة والرسالة.

(وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١))

(لِنَفْسِي) لمحبتي ، أو لرسالتي.

(اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (٤٢))

(وَلا تَنِيا) تفترا في أمري ، أو تضعفا في رسالتي ، أو تبطئا ، أو لا تزالا.

٣٩٦

(فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤))

(لَيِّناً) لطيفا رفيقا ، أو كنياه وكنيته أبو مرة أو أبو الوليد قيل كان لحسن تربية موسى فجعل الله تعالى رفقه به مكافأة له لما عجز موسى عن مكافأته.

(قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥))

(يَفْرُطَ) يعجل ، أو يعذبنا عذاب الفارط في الذنب وهو المتقدم فيه ، أفرط إذا أكثر من الشيء وفرط إذا نقص منه.

(أَوْ أَنْ يَطْغى) يقتلنا.

(قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠))

(كُلَّ شَيْءٍ) زوجه من جنسه ثم هداه لنكاحه ، أو صورته ثم هداه إلى معيشته وطعامه وشرابه ، أو ما يصلحه ثم هداه له.

(قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١))

(الْقُرُونِ) القرن : أهل كل عصر لاقترانهم فيه ، أو أهل كل عصر فيه نبي ، أو طبقة عالية من العلم لاقترانهم بأهل العلم قاله الزجاج ، سأله عنهم هل كانوا على مثل ما يدعوا إليه ، أو بخلافه ، أو ذكره دفعا للجواب وقطعا لما دعا إليه وعنتا ، أو سأل عن بغيهم للجزاء ، أو لما دعاه إلى الإيمان بالبعث قال : فما بال القرون لم يبعثوا.

(قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢))

(فِي كِتابٍ) اللوح المحفوظ.

(لا يَضِلُّ رَبِّي) لا يخطىء فيه ولا يتركه أو لا يضل الكتاب عن ربي ولا ينسى ربي ما في الكتاب ولم يكن موسى يعلم علم القرون لأن التوراة إنما نزلت بعد هلاك فرعون.

(كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤))

(النُّهى) الحكم أو العقل ، أو الورع لأنه ينتهى إلى رأيهم ، أو لأنهم ينهون النفس عن القبيح.

(وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (٥٦))

(آياتِنا) الدالة على التوحيد ، أو على نبوة موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(فَكَذَّبَ) الخبر.

(وَأَبى) الطاعة.

٣٩٧

(فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨))

(سُوىً) منصفا بينهم ، أو عدلا وسطا ، أو مستويا يتبين للناس ما بيننا فيه ، وسوى بالضم والكسر واحد ، أو بالضم المنصف وبالكسر العدل.

(قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩))

(يَوْمُ الزِّينَةِ) عيد كان لهم ، أو يوم السبت ، أو عاشوراء ، أو يوم سوق كانوا يتزينون فيه.

(قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (٦١))

(لا تَفْتَرُوا) بسحركم ، أو بقولكم إني ساحر.

(فَيُسْحِتَكُمْ) يستأصلكم بالهلاك.

(فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (٦٢))

(أَمْرَهُمْ) فما هيؤوه من الحبال والعصي ، أو أيهم يبدأ بالإلقاء.

(النَّجْوى) قولهم : إن كان ساحرا فسنغلبه وإن كان من السماء فله أمره ، أو لما قال : (وَيْلَكُمْ) الآية ، قالوا ما هذا كلام ساحر ، أو أسروها دون موسى وهارون (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) الآيات ، أو قالوا : إن غلبنا موسى اتبعناه.

(قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (٦٣))

(إِنْ هذانِ) رفع الاثنين ونصبهما وخفضهما بالألف على لغة بلحارث بن كعب وكنانة وزبيد ، قال :

فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى

مساغا لناباه الشجاع لصمما

إن أباها وأبا أباها

قد بلغا في المجد غايتاها

أو تقديره إنه هذان فحذف الهاء وإن لم تكن هذه اللغة فصحى فيجوز ورود القرآن بالأفصح وبما عداه قاله متقدمو النحاة أو هذان مبني كبناء الذين لا يتغير في أحوال الإعراب ، أو إن بمعنى نعم.

ويقلن شيب قد علا

ك وقد كبرت فقلت إنه

٣٩٨

وهو قول السحرة ، أو قول فرعون أشير به إلى جماعة ، أو قول قومه.

(بِطَرِيقَتِكُمُ) أهل العقل والشرف والأسنان ، أو بنو إسرائيل كانوا ذوي عدد ويسار ، أو بسيرتكم ، أو بدينكم وعبادتكم لفرعون ، أو بأهل طريقتكم المثلى ، والمثلى تأنيث الأمثل وهو الأفضل.

(فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤))

(فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) أجمعوا جماعتكم على أمرهم في كيد موسى وهارون ، أو أحكموا أمركم.

(قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (٦٦))

(بَلْ أَلْقُوا) إنما أمر بذلك لإظهار حجته وبطلان كيدهم وإلا فهو كفر لا يجوز الأمر به ، أو هو خبر بصيغة الأمر تقديره إن كان إلقاؤكم حجة فألقوا. وكانوا سبعين ألف ساحر أو تسعمائة ثلاثمائة من العريش وثلاثمائة من الفيوم ويشكون في الثلاثمائة من الإسكندرية ، أو اثنين وسبعين اثنان من القبط وسبعون من بني إسرائيل ، كانوا أول النهار سحرة وآخره شهداء.

(فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (٦٧))

(فَأَوْجَسَ) فأسر. (خِيفَةً) أن يلتبس الأمر على الناس فيظنوا أن الذي فعلوه مثل فعله ، أو وجد ما هو مركوز في الطباع من الحذر.

(وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٦٩))

(تَلْقَفْ) تبتلع بسرعة فابتلعت حمل ثلاثمائة بعير من الحبال والعصي ثم أخذها موسى فرجعت كما كانت وكانت من عوسج ، أو من آس الجنة ، وبها قتل موسى عليه الصلاة والسّلام عوج بن عناق.

(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (٧٠))

(سُجَّداً) طاعة لله تعالى وتصديقا بموسى فما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلهما ، فلذلك قالوا لن نّؤثرك ، وسألت امرأة فرعون عن الغالب فقيل : موسى وهارون ، فقالت : آمنت برب موسى وهارون ، فأمر فرعون بأن يلقى عليها أعظم صخرة توجد إن أقامت على قولها فلما أتوها رفعت رأسها إلى السماء فرأت منزلها في الجنة ،

٣٩٩

فمضت على قولها فانتزعت روحها فألقيت الصخرة على جسد لا روح فيه.

(قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (٧٢))

(وَالَّذِي فَطَرَنا) قسم ، أو معطوف.

(فَاقْضِ) فاصنع ما أنت صانع أو احكم ما أنت حاكم.

(إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (٧٣))

(وَاللهُ خَيْرٌ) منك. (وَأَبْقى) ثوابا إن أطيع وعقابا إن عصي ، أو (خَيْرٌ) ثوابا منك إن أطيع و (وَأَبْقى) عقابا إن عصي.

(وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (٧٧))

(لا تَخافُ دَرَكاً) من فرعون. (وَلا تَخْشى) غرقا من البحر.

(كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (٨١))

(وَلا تَطْغَوْا فِيهِ) لا تكفروا به ، ولا تستعينوا برزقي على معصيتي أو لا تدخروا منه لأكثر من يوم وليلة فادخروه فدوّد ولو لا ذلك لما دوّد طعام أبدا.

(فَيَحِلَّ) بالضم ينزل وبالكسر يجب.

(هَوى) في النار ، أو هلك في الدنيا.

(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (٨٢))

(لِمَنْ تابَ) من الشرك. (وَآمَنَ) بالله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(ثُمَّ اهْتَدى) لم يشك في إيمانه ، أو لزم الإيمان حتى يموت ، أو أخذ بسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو أصاب العمل ، أو عرف جزاء عمله من ثواب ، أو عقاب ، أو اهتدى في ولائه أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦))

٤٠٠