تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧))

(أَحْسَنُ عَمَلاً) أتم عقلا ، أو أزهد في الدنيا ، أو أكثر شكرا ، أو أحسن عقلا وأورع عن محارم الله ، وأسرع في طاعته ، قاله الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨))

(أُمَّةٍ) فناء أمة ، أو الأجل عند الجمهور ، الأمّة : الأجل.

(ما يَحْبِسُهُ) أي العذاب ، قالوا ذلك تكذيبا له لتأخره ، أو استعجالا واستهزاء.

(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١٧))

(بَيِّنَةٍ) القرآن ، أو دلائل التوحيد ووجوب الطاعة ، أو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(شاهِدٌ مِنْهُ) لسانه يشهد له بتلاوة القرآن ، أو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم شاهد من الله تعالى أو جبريل عليه‌السلام ، أو قال علي رضي الله عنه ما في قريش أحد إلا وقد نزلت فيه آية قيل : فما نزل فيك قال : ويتلوه شاهد منه.

(قَبْلِهِ) الضمير للقرآن ، أو للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (إِماماً) للمؤمنين لاقتدائهم به. (وَرَحْمَةً) لهم ، أو إماما متقدما علينا ورحمة لهم. (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي من كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه.

(الْأَحْزابِ) أهل الأديان كلها ، أو المتحزبون على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحزبه ؛ قريش ، أو اليهود والنصارى ، أو أهل الملل كلها.

(مَوْعِدُهُ) مصيره. (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ) من القرآن ، أو من أن النار موعد الكافرين به.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨))

(كَذِباً) بأن ادعى إنزال ما لم ينزل عليه ، أو نفى ما أنزل عليه.

(يُعْرَضُونَ) يحشرون إلى موقف الحساب.

(الْأَشْهادُ) الأنبياء ، أو الملائكة ، أو الخلائق ، أو الأنبياء والملائكة والمؤمنون والأجساد ، الأشهاد : جمع شهيد كشريف وأشراف ، أو جمع شاهد كصاحب وأصحاب.

(الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١٩))

٢٨١

(الَّذِينَ يَصُدُّونَ) قريش صدوا الناس عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو عن الدين.

(وَيَبْغُونَها عِوَجاً) يرجون بمكة غير الإسلام دينا ، أو يبغون محمدا هلاكا ، أو يتأولون القرآن تأويلا باطلا.

(لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٢٢))

(لا جَرَمَ) لا بد ، أو لا صلة ، جرم : حقا ، أو لا نفي لدفع العذاب عنهم ، ثم استأنف جرم بمعنى كسب أي كسبوا استحقاق النار ، قال :

نصبنا رأسه في رأس جذع

بما جرمت يداه وما اعتدينا

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣))

(وَأَخْبَتُوا) خافوا ، أو اطمأنوا ، أو أنابوا ، أو خشعوا وتواضعوا ، أو أخلصوا.

(فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (٢٧))

(أَراذِلُنا) جمع أرذل ، وأرذل جمع رذل وهو الحقير يعنون الفقراء وأصحاب الصنائع الدنيئة.

(بادِيَ الرَّأْيِ) ظاهره ، أي إنك تعمل بأول الرأي من غير فكر ، أو إنما في نفسك من الرأي ظاهر تعجيزا له ، أو اتبعوك بأول الرأي ولو فكروا لرجعوا عن اتباعك.

(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (٢٨))

(بَيِّنَةٍ) ثقة ، أو حجة. (رَحْمَةً) إيمانا ، أو نبوة.

(فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) البينة خفيت فعميتم عنها ، أراد بذلك بيان تفضيله عليهم لما قالوا وما نرى لكم علينا من فضل.

(أَنُلْزِمُكُمُوها) البينة ، أو الرحمة. (كارِهُونَ) أي لا يصح قبولكم لها مع الكراهية ، وقال قتادة : لو استطاع نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لألزمها قومه ، ولكنه لم يملك ذلك.

(وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩))

(تَجْهَلُونَ) أنهم أفضل منكم لإيمانهم وكفركم ، أو لاسترذالكم وطلب طردهم.

(وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ

٢٨٢

لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٣١))

(خَزائِنُ اللهِ) الأموال فأدفعها إليكم على إيمانكم ، أو الرحمة فأسوقها إليكم.

(تَزْدَرِي) تحتقر ، أزريت عليه عبته ، وزريت عليه حقّرته.

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥))

(افْتَراهُ) أي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم اختلق ما أخبر به عن نوح وقومه. (إِجْرامِي) عقاب إجرامي وهي الذنوب المكتسبة أو الجنايات المقصودة.

(وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦))

(لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ) لما أخبره بذلك قال : (لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ) .. الآية [نوح : ٢٦].

(تَبْتَئِسْ) تحزن ، أو تأسف ، والابتئاس حزن في استكانة ، لا تحزن لهلاكهم ، أو كفرهم المفضي إلى هلاكهم.

(وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧))

(بِأَعْيُنِنا) بحيث نراك فعبّر عن الرؤية بالأعين لأنها بها تكون ، أو بحفظنا إياك حفظ من يراك ، أو أعين أوليائنا من الملائكة.

(وَوَحْيِنا) أمرنا بصنعتها ، أو بتعليمنا لك صنعتها.

(وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨))

(وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) مكث مائة سنة يغرس الشجر ويقطعها وييبسها ، ومائة سنة يعملها ، وكان طولها ألفا ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع وكانت مطبقة ، أو طولها أربعمائة ذراع ، وعلوها ثلاثون ذراعا وعرضها خمسون ذراعا وكانت ثلاث أبيات ، أو طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها مائة وخمسون ذراعا ، وعلوها ثلاثين ذراعا في أعلاها الطير وفي أوسطها الناس وفي أسفلها السباع ، ودفعت من عين ودة يوم الجمعة لعشر مضين من رجب ، ورست بباقردى على الجودي يوم عاشوراء ، وكان بابها في عرضها.

(سَخِرُوا مِنْهُ) لما رأوه يصنعها في البر ، قالوا : صرت بعد النبوة نجارا ، أو لم يكونوا رأوا قبلها سفينة فقالوا ما تصنع قال : بيتا يمشي على الماء فسخروا منه.

٢٨٣

(إِنْ تَسْخَرُوا) من قولنا فسنسخر من غفلتكم ، أو إن تسخروا منا اليوم عند بناء السفينة فإنا نسخر منكم غدا عند الغرق ، سمى جزاء السخرية باسمها ، أو عبّر بها عن الاستجهال.

(حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (٤٠))

(التَّنُّورُ) وجه الأرض ، تسمي العرب وجه الأرض تنورا ، أو التنور عين وردة التي بالجزيرة ، أو مسجد الكوفة قبل أبواب كندة ، أو التنور ما زاد على الأرض فأشرف منها ، أو تنور الخبز ، قال الحسن رضي الله تعالى عنه كان من حجارة وكان لحواء وصار لنوح عليه الصلاة والسّلام ، أو التنور تنوير الصبح قالوا : نور الصبح تنويرا.

(زَوْجَيْنِ) من الآدميين والبهائم ذكرا وأنثى.

(مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) من الله بالهلاك ابنه كنعان وامرأته كانا كافرين.

(قَلِيلٌ) ثمانون رجلا منهم جرهم ، أو سبعة نوح وأولاده سام وحام ويافث وثلاث كنات له ، أو السبعة وزوجته فصاروا ثمانية ، فأصاب حام امرأته في السفينة فدعا نوح عليه الصلاة والسّلام أن يغير الله تعالى نطفته فجاءوا سودان ، ولما نزل يوم عاشوراء من السفينة قال : من كان صائما فليتم صومه ومن لم يكن صائما فليصم.

(وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١))

(بِسْمِ اللهِ مَجْراها) سيرها.

(وَمُرْساها) ثبوتها ووقوفها ، كان إذا أراد السير قال : بسم الله مجراها فتسير ، وإذا أراد الوقوف قال : بسم الله مرساها فتقف.

(قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣))

(سَآوِي إِلى جَبَلٍ) قال ذلك لبقائه على كفره تكذيبا لأبيه ، قيل الجبل طور زيتا.

(عاصِمَ) معصوم من الغرق.

(إِلَّا مَنْ رَحِمَ) الله تعالى فأنجاه من الغرق ، أو إلا من رحمه نوح عليه الصلاة والسّلام فحمله في السفينة.

(وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤))

(ابْلَعِي ماءَكِ) بلعت ماءها وماء السماء ، أو ماءها وحده وصار ماء السماء بحارا

٢٨٤

وأنهارا ، لأنه قال : (ابْلَعِي ماءَكِ.)

(أَقْلِعِي) عن المطر ، أقلع عن الشيء تركه. (وَغِيضَ الْماءُ) نقص فذهبت زيادته عن الأرض.

(وَقُضِيَ الْأَمْرُ) بإهلاكهم بالغرق. (الْجُودِيِّ) جبل بالموصل ، أو الجزيرة ، أو اسم لكل جبل.

(قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦))

(لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) ولد على فراشه لغير رشدة ، أو كان ابن امرأته ، أو كان ابنه وما بغت امرأة نبي قط فقوله : (لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) أي أهل دينك وولايتك عند الجمهور ، أو من أهلك الذين وعدتك بإنجائهم.

(إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) سؤالك أياي أن أنجيه ، أو إن ابنك عمل غير صالح لغير رشدة ، قاله الحسن رضي الله تعالى عنه ، أو إن ابنك عمل عملا غير صالح.

(أَعِظُكَ) أحذرك أو أرفعك.

(وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢))

(مِدْراراً) المطر في إبانه ، أو المتتابع.

(قُوَّةً) شدة إلى شدتكم أو خصبا إلى خصبكم ، أو عزا إلى عزكم بكثرة عددكم وأموالكم أو ولد الولد.

(إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦))

(صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) الحق ، أو تدبير محكم.

(وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١))

(مِنَ الْأَرْضِ) في الأرض ، أو خلقهم من آدم عليه الصلاة والسّلام وآدم من ترابها.

(وَاسْتَعْمَرَكُمْ) أبقاكم فيها مدة أعماركم من العمر ، أو أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه من مسكن وغرس أشجار أو أطال أعماركم ؛ كانت أعمارهم من ألف إلى ثلاثمائة سنة.

(قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٦٢))

٢٨٥

(مَرْجُوًّا) يرجى خيرك ، أو حقيرا من الإرجاء والتأخير.

(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (٦٣))

(بَيِّنَةٍ) دين. (رَحْمَةً) نبوة وحكمة. (فَما تَزِيدُونَنِي) في احتجاجكم باتباع آبائكم إلا خسارا تخسرونه أنتم ، أو ما تزيدونني على الرد والتكذيب إن أطعتكم إلا خسارا لاستبدال الثواب بالعقاب.

(وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٦٧))

(الصَّيْحَةُ) صيحة جبريل عليه‌السلام ، أو أحدثها الله تعالى في حيوان ، أو في غير حيوان.

(دِيارِهِمْ) منازلهم وبلادهم كديار بكر وربيعة ، أو في الدنيا لأنها دار الخلائق.

(جاثِمِينَ) ميتين ، أو هلكى بالجثوم ، وهو السقوط على الوجه ، أو القعود على الرّكب.

(كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (٦٨))

(يَغْنَوْا) يعيشوا ، أو ينعموا. (كَفَرُوا) وعيد ربهم ، أو بأمر ربهم.

(بُعْداً) قضى بالاستئصال فهلكوا جميعا إلا بأرغال كان بالحرم فمنعه الحرم من العذاب.

(وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩))

(رُسُلُنا) رسلنا جبريل وميكائيل وإسرافيل واثنا عشر ملكا مع جبريل.

(إِبْراهِيمَ) أعجمي عند الأكثرين ، أو عربي من البرهمة وهي إدامة النظر.

(بِالْبُشْرى) بإسحاق عليه الصلاة والسّلام أو النبوة ، أو بإخراج محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من صلبه وأنه خاتم الأنبياء ، أو بهلاك قوم لوط.

(سَلاماً) حيوه فرد عليهم ، أو قالوا : سلمت أنت وأهلك من هلاك قوم لوط ، قوله : سلام : أي الحمد لله الذي سلمني ، والسّلم والسّلام واحد أو السّلم من المسالمة والسّلام من السلامة.

(فَما لَبِثَ) مدحه بالإسراع بالضيافة لأنه ظنهم. ضيوفا لمجيئهم على صور الناس.

(حَنِيذٍ) حار ، أو مشوي نضيجا بمعنى محنوذ كطبيخ ومطبوخ ، وهو الذي حفر له في الأرض ثم غم فيها ، أو الذي تجعل الحجارة المحماة بالنار في جوفه ليسرع نضاجه.

٢٨٦

(فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (٧٠))

(نَكِرَهُمْ) نكر وأنكر واحد ، أو نكر إذا لم يعرفهم وأنكرهم وجدهم على منكر.

ونكرهم لأنهم لم يتحرموا بطعامه وشأن العرب إذا لم يتحرم بطعامهم أن يظنوا السواء ، أو نكرهم لأنه لم يكن لهم أيدي.

(وَأَوْجَسَ) أضمر.

(إِنَّا أُرْسِلْنا) أعلموه بذلك ليأمن منهم ، أو لأنه كان يأتي قوم لوط فيقول ويحكم أنهاكم عن الله تعالى أن تتعرضوا لعقوبته فلا يطيعونه.

(وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (٧١))

(قائِمَةٌ) تصلي ، أو في خدمتهم ، أو من وراء الستر تسمع كلامهم.

(فَضَحِكَتْ) حاضت يقولون : ضحكت المرأة إذا حاضت. والضحك في كلامهم : الحيض وافق ذلك عادتها ، أو لذعرها وخوفها تغيرت عادتها ، أو ضحكت : تعجبت سمي به لأنه سبب له ، عجبت من أنها وزوجها يخدمانهم إكراما وهم لا يأكلون ، أو من مجيء العذاب إلى قوم لوط وهم غافلون ، أو من مجيء الولد مع كبرها وكبر زوجها ، أو من إحياء العجل الحنيذ ، لأن جبريل عليه‌السلام مسحه بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمه وكانت أمه في الدار أو هو الضحك المعروف قاله الجمهور ، ضحكت سرورا بالولد ، أو بالسلامة ، أو لما رأت بزوجها من الروع ، أو ظنا أن الرسل يعملون عمل قوم لوط.

(وَراءِ) بعد ، أو الوراء ولد الولد ، وخصوها بالبشرى لما اختصت بالضحك ، أو كافؤوها بذلك استعظاما لخدمتها ، أو لأن المرأة أفرح بالولد من الرجل.

(قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢))

(يا وَيْلَتى) لم تدع بالويل ولكنها كلمة تخف على ألسنة النساء عند تعجبهن ، استغربت مجيء ولد من عجوز لها تسع وتسعون سنة ، وشيخ له مائة سنة ، أو لها تسعون ، وله مائة وعشرون.

(بَعْلِي شَيْخاً) قيل عرّضت بذلك عن ترك غشيانه لها ، والبعل السيد والبعل المعبود ، وسمي الزوج بعلا لتطاوله على المرأة كتطاول السيد على المسود.

(عَجِيبٌ) منكر. (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ) [ص : ٤].

٢٨٧

(قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (٧٣))

(أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) أنكروا ما قالته استغرابا لا تكذيبا وإنكارا.

(فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (٧٤))

(الرَّوْعُ) الفزع والرّوع : النفس ألقي في روعي.

(يُجادِلُنا) بقوله : إن فيها لوطا ، أو سأل هل يعذبونهم استئصالا ، أو على سبيل التخويف ليؤمنوا ، أو قال : أتعذبونهم إن كان فيهم خمسون من المؤمنين قالوا : لا ، قال : أربعون قالوا : لا ، فما زال حتى نزلهم على عشرة فقالوا : لا ، فذلك جداله ، ولم يؤمن به إلا ابنتاه.

(وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (٧٧))

(سِيءَ بِهِمْ) ساء ظنه بقومه وضاق ذرعا بأضيافه.

(عَصِيبٌ) شديد لأنه يعصب الناس بالشر ، خاف على الرسل أن يفضحهم قومه.

(وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨))

(يُهْرَعُونَ) الإهراع الإسراع بين الهرولة والجمز قال : الكسائي والفراء : ولا يكون إلا مع رعدة ، أسرعوا لما أعلمتهم امرأة لوط بجمال الأضياف.

(وَمِنْ قَبْلُ) إسراعهم كانوا ينكحون الذكور ، أو كانت اللوطية فيهم في النساء قبل كونها في الرجال بأربعين سنة.

(بَناتِي) نساء الأمة ، أو لصلبه لجوازه في شريعته وكان ذلك في صدر الإسلام ثم نسخ ، قاله الحسن رضي الله تعالى عنه ، أو على شرط الإيمان كان يشترك العقد ، أو رغبهم بذلك في الحلال دفعا لبادئتهم لا أنه بذل نكاحهن ولا عرض بخطبتهن.

(وَلا تُخْزُونِ) تذلوني بعار الفضيحة ، أو تهلكوني بعواقب فسادكم ، أو أراد الحياء ، خزي الرجل : استحيا.

(رَشِيدٌ) مؤمن ، أو آمر بالمعروف ناه عن المنكر ، تعجب من اتفاقهم على المنكر ، وأراد بالرشيد من يدفع عن أضيافه.

(قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (٧٩))

٢٨٨

(مِنْ حَقٍّ) حاجة ، أو لسن لنا بأزواج.

(ما نُرِيدُ) من الرجال ، أو بألا نتزوج إلا بواحد وليس منا إلا من له امرأة.

(قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠))

(قُوَّةً) أنصارا ، قال : أراد الولد.

(رُكْنٍ شَدِيدٍ) عشيرة مانعة فوجدت عليه الرسل ، وقالوا : إن ركنك لشديد. وقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رحم الله تعالى لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد» ، وقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فما بعث الله تعالى بعده نبيا إلا في ثروة من قومه». (١).

(قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١))

(رُسُلُ رَبِّكَ) وقف على الباب ليمنعهم من الأضياف فلما أعلموه أنهم رسل مكنهم من الدخول ، وطمس جبريل عليه‌السلام أعينهم وغل أيديهم فجفت.

(فَأَسْرِ) السرى : سير الليل وسرى وأسرى واحد ، أو أسرى من أول الليل وسرى من آخره ، ولا يقال في النهار إلا سار.

(بِقِطْعٍ) سواد ، أو نصف الليل من قطعه بنصفين ، أو السحر الأول أو قطعه.

(وَلا يَلْتَفِتْ) لا يتخلف ، أو لا ينظر وراءه ، أو لا يشتغل بما خلفه من مال ومتاع.

(امْرَأَتَكَ) بالنصب استثناء من (فَأَسْرِ) ، أو من (لا يَلْتَفِتْ) عند من رفع بدل من (أَحَدٌ).

(مُصِيبُها) خرجت مع لوط من القرية فسمعت الصوت فالتفتت فأرسل عليها حجر فأهلكها.

(مَوْعِدَهُمُ) لما علم أنهم رسل قال : فالآن إذن ، فقال جبريل عليه‌السلام إن موعدهم الصبح.

(فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢))

(جاءَ أَمْرُنا) للملائكة ، أو وقوع العذاب بهم ، أو القضاء بعذابهم.

(عالِيَها) صعد بها جبريل عليه‌السلام على جناحه حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم

__________________

(١) أخرجه الحاكم (٢ / ٦١١ ، رقم ٤٠٥٤) وقال : صحيح على شرط مسلم.

٢٨٩

وأصوات دجاجهم ثم قلّبها وجعل عاليها سافلها وأتبعها الحجارة حتى أهلكها وما حولها ، وكن خمس قوى أعظمهن سدوم ، أو ثلاث قرى يقال لها سدوم بين المدينة والشام ، وكان فيها أربعة آلاف ألف.

(سِجِّيلٍ) حجارة صلبة ، أو مطبوخة ، حتى صارت كالأرحاء ، أو من جهنم واسمها سجين فقلبت النون لاما ، أو من السماء واسمها سجيل ، أو من السجل وهو الكتاب كتب الله تعالى عليها أن يعذب بها ، أو سجيل مرسل من السجل وهو الإرسال أسجلته أرسلته ، والدلو سجيل لإرساله ، أو من السجل وهو العطاء سجلت له سجلا من العطاء كأنهم أعطوا البلاء إذرارا ، أو فارسي معرب من سنك وهو الحجر وكل وهو الطين.

(مَنْضُودٍ) نضد بعضه على بعض ، أو مصفوف.

(مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (٨٣))

(مُسَوَّمَةً) معلمة ببياض في حمرة ، أو مختمة على كل حجر اسم صاحبه.

(عِنْدَ رَبِّكَ) في علمه ، أو في خزائنه لا يتصرف فيها سواه.

(الظَّالِمِينَ) من قريش ، أو العرب ، أو ظالمي هذه الأمة ، أو كل ظالم. وأمطرت الحجارة على المدن حين رفعها ، أو على من كان خارجا عنها من أهلها.

(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤))

(مَدْيَنَ) بنو مدين بن إبراهيم كمضر لبني مضر ، أو مدين مدينتهم نسبوا إليها ثم اقتصر على اسمها تخفيفا ، وهو أعجمي ، أو عربي من مدن بالمكان أقام فيه عند من زعم أنه اسم المدينة ، أو من دنت أي ملكت بزيادة الميم عند من جعله اسم رجل.

(شُعَيْباً) تصغير شعب وهو الطريق في الجبل ، أو القبيلة العظيمة ، أو من شعب الإناء المكسور.

(بِخَيْرٍ) رخص السعر ، أو المال وزينة الدنيا.

(يَوْمٍ مُحِيطٍ) غلاء السعر ، أو عذاب النار في الآخرة ، أو الاستئصال في الدنيا.

(بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (٨٦))

(بَقِيَّتُ) رزقه ، أو طاعته ، أو وصيته ، أو رحمته ، أو حظكم منه ، أو ما أبقاه لكم بعد إيفاء الكيل والوزن.

(قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧))

٢٩٠

(أَصَلاتُكَ) المعروفة ، أو قراءتك ، أو دينك الذي تتبعه ، أصل الصلاة الاتباع ومنه المصلي في الخيل.

(تَأْمُرُكَ) تدعوك ، أو فيها أن تأمرنا أن نترك عبادة الأصنام.

(ما نَشؤُا) من البخس والتطفيف ، أو الزكاة التي أمرهم بها ، أو قطع الدراهم والدنانير لأنه نهاهم عن ذلك.

(الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) استهزاء ، أو نفي ، أو حقيقة ما نبتغي لك هذا مع حلمك ورشدك.

(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨))

(رِزْقاً حَسَناً) مالا حلالا ، قال : وكان شعيب كثير المال ، أو نبوة فيه حذف تقديره أفأعدل عن عبادته.

(أُنِيبُ) أرجع ، أو ادعوا

(وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩))

(يَجْرِمَنَّكُمْ) يحملنكم ، أو يكسبنكم.

(شِقاقِي) عداوتي ، أو إصراري ، أو فراقي.

(بِبَعِيدٍ) بعد الدار لدنوهم منهم ، أو بعد الزمان لقرب العهد وكان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا ذكر شعيبا قال «ذاك خطيب الأنبياء».

(قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (٩١))

(ما نَفْقَهُ) ما نفهم صحة ما تقول من البعث والجزاء ، أو قالوه إعراضا عن سماعه ، أو احتقارا لكلامه.

(ضَعِيفاً) أعمى ، أو ضعيف البصر ، أو البدن ، أو وحيدا ، أو ذليلا مهينا ، أو قليل العقل ، أو قليل المعرفة بمصالح الدنيا وسياسة أهلها.

(رَهْطُكَ) عشيرتك عند الجمهور ، أو شيعتك. (لَرَجَمْناكَ) بالحجارة ، أو بالشتم.

(بِعَزِيزٍ) بكريم ، أو بممتنع لو لا رهطك.

(قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢))

٢٩١

(أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ) أتراعون رهطي فيّ ولا تراعون الله فيّ.

(ظِهْرِيًّا) أطرحتم أمره وراء ظهوركم لا تلتفتون إليه ولا تعملون به ، أو حملتم أوزار مخالفته على ظهوركم ، أو إن احتجتم إليه استعنتم به وإن اكتفيتم تركتموه كالذي يتخذ من الجمال ظهرا إن احتيج إليه حمل عليه وإن استغني عنه ترك ، أو جعلهم الله وراء ظهورهم ظهريا.

(مُحِيطٌ) حفيظ ، أو خبير ، أو مجازي.

(وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣))

(مَكانَتِكُمْ) ناحيتكم ، أو تمكنكم أي اعملوا في هلاكي فإني عامل في هلاككم قال ذلك ثقة بربه.

(عَذابٌ) الفرق. (يُخْزِيهِ) يذله ، أو يفضحه. (وَارْتَقِبُوا) انتظروا العذاب. (إِنِّي مَعَكُمْ) منتظر.

(وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩))

(فِي هذِهِ) الدنيا لعنة المؤمنين ويوم القيامة لعنة الملائكة أو لعنة الدنيا الفرق ولعنة الآخرة النار.

(الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) العون المعان ، أو الرفد الزيادة لأنهم زيدوا على الفرق بالنار ، أو ذم لشرابهم فيها لأن الرفد بالكسر ما في القدح من الشراب ، والرفد بالتفح القدح.

(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (١٠٠))

(نَقُصُّهُ) نخبرك ، أو نتبع بعضه بعضا. (قائِمٌ) عامر.

(وَحَصِيدٌ) خاوي ، أو القائم الآثار والحصيد الدارس.

(وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١))

(تَتْبِيبٍ) تخسير ، أو هلاك ، أو شر.

(يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥))

(لا تَكَلَّمُ) لا تشفع ، أو لا تكلم بشيء من جائز الكلام ، أو يمنعون في بعض أوقات القيامة من الكلام إلا بإذنه.

(شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) محروم ومرزوق ، أو معذب ومنعم ، ابتدأ بالسعادة والشقاوة من غير جزاء أو جوزيا بها على أعمالها.

٢٩٢

(فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦))

(زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) الزفير الصوت الشديد والشهيق الصوت الضعيف ، أو الزفير في الحلق والشهيق في الصدر ، أو الزفير تردد النفس من شدة الحزن والشهيق النفس الطويل ، جبل شاهق طويل ، أو الزفير أول شهيق الحمار والشهيق آخره.

(خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧))

(خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ) سماء الدنيا وأرضها.

(إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) من الزيادة عليها بعد فناء مدتها ، أو ما دامت سماوات الآخرة وأرضها إلا ما شاء من قدر وقوفهم في القيامة ، أو إلا من شاء ربك إخراجه منها من أهل التوحيد ، أو «إلا من شاء أن لا يدخله إليها من أهل التوحيد» مروي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو إلا من شاء أن يخرجه منها من موحد ومشرك إذا شاء ، أو الاستثناء من الزفير والشهيق إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب التي ليست بزفير ولا شهيق مما سماه أو لم يسمّه ثم استأنف فقال : (ما دامَتِ) ، أو المعنى لو شاء أن لا يخلدهم لفعل ولكنه شاء ذلك وحكم به. وقدر خلودهم بسماوات الدنيا وأرضها على عادة العرب وعرفها. زهير :

ألا لا أرى على الحوادث باقيا

ولا خالدا إلا الجبال الرواسيا

(وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨))

(سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ) إلا ما شاء ربك من مدة مكثهم في النار ، أو إلّا بمعنى الواو.

(مَجْذُوذٍ) مقطوع ، أو ممنوع.

(فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩))

(نَصِيبَهُمْ) من خير أو شر ، أو الرزق ، أو العذاب.

(وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (١١٣))

(تَرْكَنُوا) تميلوا ، أو تدنوا ، أو ترضوا أعمالهم ، أو تداهنوهم في القول فتوافقوهم سرا ولا تنكروا عليهم علانية.

(وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ

٢٩٣

ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (١١٤))

(طَرَفَيِ النَّهارِ) الأول الصبح اتفاقا والثاني الظهر والعصر ، أو العصر وحدها ، أو المغرب.

(وَزُلَفاً) جمع زلفة والزلفة المنزلة أي ومنازل من الليل أي ساعات ، ومزدلفة لأنها منزل بعد عرفة ، أو لازدلاف آدم عليه الصلاة والسّلام من عرفة إلى حواء وهي بها. وأراد عشاء الآخرة ، أو المغرب والعشاء.

(الْحَسَناتِ) الصلوات الخمس ، أو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وهن الباقيات الصالحات ، أو الحسنات المقبولة تذهب السيئات المغفورة ، أو ثواب الطاعة يذهب عقاب المعصية.

(ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) توبة للتائبين ، أو بيان للمتعظين.

(فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦))

(أُتْرِفُوا) انظروا. (بَقِيَّةٍ) طاعة ، أو تمييز ، أو حظ من الله تعالى. (الْفَسادِ) الكفر أو الظلم.

(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨))

(أُمَّةً واحِدَةً) على الإسلام ، أو على دين واحد من ضلالة أو هدى.

(مُخْتَلِفِينَ) في الأديان.

(إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩))

(إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) من أهل الحق ، أو في الحق والباطل إلا من رحم بالطاعة ، أو في الرزق غني وفقير إلا من رحم بالقناعة ، أو في السعادة والشقاوة إلا من رحم بالتوفيق ، أو في المغفرة إلّا من رحم بالجنة ، أو يخلف بعضهم بعضا يأتي قوم بعد قوم ، خلفوا واختلفوا كقتلوا واقتتلوا.

(وَلِذلِكَ) للاختلاف ، أو للرحمة ، أو للشقاوة والسعادة ، أو للجنة والنار.

(وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠))

(فِي هذِهِ) السورة ، أو في الدنيا ، أو الأنباء.

(الْحَقُّ) صدق الأنباء إذا كانت الإشارة للسورة ، أو النبوة إذا كانت الإشارة للدنيا.

٢٩٤

سورة يوسف (١)

(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (١))

(تِلْكَ آياتُ) هذه السورة ، أو السورة التي قبلها ، أو إشارة إلى ما افتتح به السورة من الحروف ، علامات.

(الْكِتابِ) العربي. (الْمُبِينِ) حلاله وحرامه ، أو هداه ورشده ، أو المبين للأحرف الساقطة من ألسنة الأعاجم وهي ستة قاله معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه.

(إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢))

(أَنْزَلْناهُ) خبر يوسف عليه الصلاة والسّلام ، أو الكتاب عند الجمهور.

(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (٣))

(نَقُصُّ) نبين والقاص الذي يأتي بالقصة على حقيقتها.

(إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (٤))

(رَأَيْتُ) رأى أبويه وإخوته ساجدين له فعبّر عنهم بالشمس والقمر والكواكب فالشمس أبوه والقمر أمه راحيل ، أو رأى الكواكب والشمس والقمر فتأولهم بإخوته والقمر بأمه والشمس بأبيه عند الأكثرين ، أو الشمس أمه والقمر أبوه لتأنيثها وتذكير القمر.

(رَأَيْتُهُمْ) تأكيد. (رَأَيْتُ) الأول لبعد ما بينهما ، أو رؤيته الأولى لهم والثانية لسجودهم.

(ساجِدِينَ) كسجود الصلاة إعظاما لا عبادة ، أو عبّر عن الخضوع بالسجود. وكانت رؤياه ليلة القدر في ليلة الجمعة ، فلما قصّها على يعقوب خاف عليه حسد إخوته ، فقال : هذه رؤيا ليل فلا تعمل عليها ، فلما خلا به قال : (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ) [يوسف : ٥] ، وقيل كان عمره عند الرؤيا سبع عشرة سنة. ويوسف أعجمي عبراني ، أو عربي من الأسف لأنه

__________________

(١) سميت بسورة يوسف لأنها ذكرت قصة نبي الله يوسف كاملة دون غيرها من سور القران الكريم ، وهي سورة مكية ما عدا الآيات (١ ، ٢ ، ٣ ، ٧) فمدنية ، وقد نزلت بعد سورة هود ، بدأت السورة بحروف مقطعة الر ، وقد أفردت الحديث عن قصة نبي الله يوسف بن يعقوب وما لاقاه من أنواع البلاء ومن ضروب المحن والشدائد من إخوته ومن الآخرين في بيت عزيز مصر وفي السجن وفي تآمر النسوة حتى نجّاه الله من ذلك الضيق والمقصود بها تسلية النبي بما مر عليه من الكرب والشدة وما لاقاه من أذى القريب والبعيد.

٢٩٥

حزن وأحزن.

(وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦))

(يَجْتَبِيكَ) بالنبوة ، أو بحسن الخلق والخلق ، أو بترك الانتقام. (تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) عواقب الأمور ، أو عبارة الرؤيا ، أو العلم والحكمة. (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بالنبوة ، أو بإعلاء كلمتك وتحقيق رؤياك.

(وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ) بأن يجعل فيهم البنوة. (كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ) نعمته على إبراهيم بالنجاة من النار وعلى إسحاق بالنجاة من الذبح.

(لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧))

(آياتٌ) عبر ، أو زواجر بما ظهر في يوسف من عواقب البغي عليه ، أو بصدق رؤياه وصحة تأويله ، أو بقهره شهوته حتى سلم من المعصية ، أو بحدوث الفرج بعد شدة الإياس ، قال ابن عطاء : ما سمع سورة يوسف محزون إلا استروح إليها.

(إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨))

(لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ) كانا أخوين للأبوين ثم ماتت أمهما فكفلهما أبوهما وزاد لذلك في مراعاتهما فحسدوهما وكان عطفه على يوسف أكثر فلذلك كان حسده أكثر ثم اشتد بسبب رؤياه.

(عُصْبَةٌ) العصبة ، الجماعة أو ستة أو سبعة ، أو من عشرة إلى خمسة عشر ، أو إلى أربعين.

(ضَلالٍ مُبِينٍ) محبة ظاهرة ، أو خطأ في رأيه ، أو جور في فعله لتفضيله الصغير على الكبير والقليل على الكثير ومن لا يراعي ماله على من يراعيه وكانوا حينئذ بالغين مؤمنين ليسوا بأنبياء لقولهم : (اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) [يوسف : ٩٧] إلى (خاطِئِينَ) [يوسف : ٩٧] أو لم يبلغوا لقولهم : (وَيَلْعَبْ) [يوسف : ١٢].

(اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (٩))

(أَرْضاً) لتأكله السباع ، أو ليبعد عن أبيه. (صالِحِينَ) بالتوبة ، أو في دنياكم دون الدين.

(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ

٢٩٦

كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠))

(قائِلٌ) شمعون ، أو يهوذا ، أو أكبرهم روبيل بن خالة يوسف.

(غَيابَتِ الْجُبِ) قعره ، أو ظلمته التي تغيب عن الأبصار. سمي غيابة لأنه يغيب فيه أثره ، أو خبره ، وكان رأسه ضيقا وأسفله واسعا. والجب بئر في بيت المقدس ، أو بئر غير معينة ، أو الجب ما عظم من الآبار سواء كان فيه ماء أو لم يكن ، أو ما لا طي له لأنها قطعت ولم يحدث فيها غير القطع قاله الزجاج.

(يَلْتَقِطْهُ) يأخذه من اللقطة. (السَّيَّارَةِ) المسافرون لسيرهم ، أو مارة الطريق.

(أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢))

«نرتع» نلهو ونلعب ، أو نسعى وننشط ، أو نتحافظ ويلهو ، أو يرعى ويتصرف ، أو نطعم ونتنعم من الرتعة وهي سعة المطعم والمشرب. ولم ينكر أبوهم اللعب لأنهم أرادوا المباح منه.

(قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣))

(وَأَخافُ) خافهم عليه فكنى عنهم بالذئب ، أو خاف الذئب لغلبته في الصحارى.

(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٥))

(وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) ألهمناه ، أو نبّأه في الجب.

(لَتُنَبِّئَنَّهُمْ) لتوبخنهم بفعلهم ، بشره بخلاصه من الجب ، أو أخبره بما صنعون به قبل إلقائهم أياه في الجب إنذارا له.

(لا يَشْعُرُونَ) بأنك أخوهم ، أو بأن الله تعالى أوحى إليه بالنبوة.

(قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧))

(نَسْتَبِقُ) على الأقدام أو بالنضال ، أو في اقتناص الصيد ، أو في عملهم الذي تشاغلوا به من الرعي والاحتطاب.

(صادِقِينَ) وإن صدقنا أو إن كنا أهل صدق لما صدقتنا.

(وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١٨))

(بِدَمٍ) سخلة ، أو ظبية ، فلما رأى القميص غير مشقوق قال : يا بني والله ما عهدت

٢٩٧

الذئب حليما أفأكل ابني وأبقى على قميصه.

(كَذِبٍ) وصفه بالمصدر ، وكان في القميص ثلاث آيات : حين جاءوا عليه بالدم ، وحين قد ، وحين ألقي على وجه أبيه.

(سَوَّلَتْ) زينت ، أو أمرت ، قاله عن وحي ، أو عن علم تقدم له به ، أو عن حدس وفراسة.

(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) ومن الجميل أن أصبر ، أو أمر نفسه بصبر جميل لا جزع فيه ، أو لا شكوى فيه ، وسئل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنه فقال : «صبر لا شكوى فيه ، من بث فلم يصبر».

(الْمُسْتَعانُ) على الصبر الجميل ، أو على احتمال ما تصفون أو تكذبون ابتلي يعقوب في كبره ويوسف في صغره.

(وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٩))

(فَأَدْلى دَلْوَهُ) أرسلها ليملأها ، ودلاها أخرجها ملأى فلما أرسلها تعلق بها يوسف.

(بُشْرى) بشرهم بذلك ، أو نادى رجلا اسمه.

(يا بُشْرى) يعلمه بالغلام ، وألقي فيه وهو ابن سبع عشرة سنة ، أو ست سنين.

وأخرجته السيارة بعد ثلاثة أيام.

(وَأَسَرُّوهُ) كان إخوته بقرب الجب فلما أخرج قالوا : هذا عبدنا أوثقناه فباعوه وأسروا بيعه بثمن جعلوه بضاعة لهم ، أو أسرّ ابتياعه الذي وردوا الجب من أهل الرفقة لئلا يشركوهم وتواصوا أنها بضاعة استبضعناها من أهل الماء ، أو أسر مشتروه بيعه من الملك لئلا يعلم أصحابهم وذكروا أنه بضاعة.

(وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠))

(وَشَرَوْهُ) باعه إخواته من السيارة ، أو السيارة من الملك.

(بَخْسٍ) حرام لأنه ثمن حر ، أو ظلم ، أو قليل.

(مَعْدُودَةٍ) عشرين أقتسمها العشرة كل واحد درهمين ، أو اثنين وعشرين اقتسمها الأحد عشر لكل واحد درهمين ، أو أربعين درهما : قال السدي : اشتروا بها خفافا ونعالا.

(مَعْدُودَةٍ) غير موزونة لزهدهم فيه ، أو كانوا لا يزنون أقل من أوقية وهي أربعون وكان ثمنه أقل منها.

(وَكانُوا فِيهِ) إخوته زهدوا فيه لما صنعوا به ، أو السيارة لأنهم باعوه بما باعوا لعلمهم حريته ، أو ظنوه عبدا فخافوا أن يظهر عليهم مالكه فيأخذه ، قال عكرمة أعتق يوسف لما بيع.

٢٩٨

(وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢١))

(الَّذِي اشْتَراهُ) العزيز ملك مصر أطيفر بن روجيب ، وامرأته راعيل ، أو اسمه قطفير وكان على خزائن مصر ، والملك حينئذ الوليد بن الرياني من العماليق ، وباعه مالك بن دعر بعشرين دينارا وزاده الملك بغلة ونعلين.

(أَكْرِمِي) أجملي منزله ، أو أحلي منزلته بطيب الطعام ولين المرقد واللباس.

(يَنْفَعَنا) بالربح في ثمنه ، أو نعتقه ونتبناه. قال ابن مسعود : أحسن الناس فراسة ثلاثة : العزيز وابنة شعيب وأبو بكر رضي الله تعالى عنه في استخلافه عمر رضي الله تعالى عنه.

(مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) بإخراجه من الجب ، أو باستخلاف الملك له.

(عَلى أَمْرِهِ) أمر الله تعالى فيما أراده فيقول له كن فيكون ، أو أمر يوسف حتى يبلغ في مراده.

(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢))

(أَشُدَّهُ) أشد يوسف عشرون سنة ، أو ثلاثون سنة ، والأشد قوة الشباب وهو الحلم ، أو ثماني عشرة سنة ، أو خمس وعشرون أو ثلاثون ، أو ثلاث وثلاثون ، وآخر الأشد أربعون ، أو ستون.

(حُكْماً) على الناس ، أو عقلا ، أو حكمة في أفعاله ، أو القرآن ، أو النبوة.

(وَعِلْماً) فقها ، أو نبوة.

(الْمُحْسِنِينَ) المطيعين ، أو المهتدين.

(وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣))

(الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها) راعيل امرأة العزيز أطفير ، أو زليخة وكان العزيز لا يأتي النساء.

قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : اقتسم يوسف وحواء الحسن نصفين.

(وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) بكثرة الأغلاق ، أو بشدة الاستيثاق.

(هَيْتَ لَكَ) هلم لك (هَيْتَ لَكَ) تهيأت لك ، و (هَيْتَ) قبطية ، أو سريانية ، أو عربية.

(إِنَّهُ رَبِّي) الله. (أَحْسَنَ مَثْوايَ) ، فلا أعصيه ، أو العزيز أو أطفير ربي سيدي أحسن مثواي فلا أخونه.

٢٩٩

(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤))

(هَمَّتْ بِهِ) شهوة ، أو استلقت له وتهيأت لوقاعه.

(وَهَمَّ) بضربها ، أو التقدير لو لا أن رأى برهان ربه لهمّ بها ، أو كان همه عظة ، أو كان همه حديث نفس من غير عزم ، أو همه ما في طباع الرجال من شهوة النساء وإن كان قاهرا له ، أو عزم على وقاعها فحل الهميان وهو السراويل وجلس منها مجلس الرجل من المرأة ، وجمهور المفسرين ، وابتلاء الأنبياء بالمعاصي ليكونوا على وجل ويجدّوا في الطاعة ، أو ليعرفهم نعمته عليهم بالصفح والغفران ، أو ليقتدى بهم المذنبون في الخوف والرجاء عند التوبة.

(بُرْهانَ رَبِّهِ) نودي أتزني فتكون كطائر وقع ريشه فذهب يطير فلم يستطع ، أو رأى صورة أبيه يقول أتهم بفعل السفهاء وأنت مكتوب في الأنبياء فخرجت شهوته من أنامله ، وولد لكل من أولاد يعقوب اثنا عشر ذكرا إلا يوسف لم يولد له إلا غلامين ونقص بتلك الشهوة ولده ، أو رأى مكتوبا على الحائط (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) [الإسراء : ٣٢] ، أو رأى أطفير سيده ، أو ما أتاه الله تعالى من العفاف والصيانة وترك الفساد والخيانة ، أو رأى سترا فقال : ما وراء هذا فقالت : صنمي الذي أعبده سترته حياء منه فقال : إذا استحييت ممن لا يسمع ولا يبصر فأنا أحق أن أستحي من إلهي وأتوقاه.

(السُّوءَ) الشهوة. (وَالْفَحْشاءَ) المباشرة ، أو (السُّوءَ) الثناء القبيح (وَالْفَحْشاءَ) الزنا. (الْمُخْلَصِينَ) للطاعة و (الْمُخْلَصِينَ) للرسالة.

(وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٥))

(وَاسْتَبَقَا الْبابَ) ليخرج منه هربا وأسرعت إليه طلبا.

(وَقَدَّتْ) أدركته وقد فتح بعض الأغلاق فجذبته فشقت قميصه إلى ساقه فسقط عنه وتبعته.

(وَأَلْفَيا) وجدا. (سَيِّدَها) زوجها بلسان القبط.

(قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٦))

(هِيَ راوَدَتْنِي) لما كذبت عليه دافع عن نفسه بالصدق ولو كفت عن كذبها لكف عن الصدق ، ولو خلص حبها من الشهوة لما كذبت عليه.

(شاهِدٌ) صبي أنطقه الله تعالى في مهده ، أو خلق من خلق الله تعالى ليس بإنس ولا

٣٠٠