تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

(وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٣٤))

(الرِّجْزُ) العذاب ، أو طاعون أهلك من القبط سبعين ألفا.

(بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) الباء للقسم ، أو بما أوصاك أن تفعله في قومك ، أو بما عهده إليك أن تدعوه به فيجيبك.

(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (١٣٧))

(مَشارِقَ الْأَرْضِ) الشرق والغرب ، أو أرض الشام ومصر ، أو الشام وحدها شرقها وغربها.

(بارَكْنا فِيها) بالخصب ، أو بكثرة الثمار والأشجار والأنهار.

(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ) بإهلاك عدوهم واستخلافهم أو بما وعدهم به بقوله تعالى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَ) الآيتين [القصص : ٥ ، ٦].

(الْحُسْنى) لأنها وعد بما يحبون. (بِما صَبَرُوا) على طاعة الله تعالى أو على أذى فرعون.

(إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩))

(مُتَبَّرٌ) باطل أو ضلال ، أو مهلك ، والتبر : الذهب ، لأن معدنه مهلك ، أو لكسره ، وكل إناء مكسور متبر ، قاله الزجاج.

(وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (١٤١))

(بَلاءٌ) في خلاصكم ، أو فيما فعلوه بكم ، والبلاء : الاختبار بالنعم ، أو النقم.

(وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (١٤٢))

(ثَلاثِينَ لَيْلَةً) أمر بصيامها ، والعشر بعدها أجل المناجاة ، أو الأربعون كلها أجل الميقات للمناجاة ، قيل ذو القعدة وعشر من ذي الحجة. تأخر عنه قومه في الأجل الأول فزادهم الله تعالى العشر ليحضروه ، أو لأنهم عبدوا العجل بعده فزاد الله تعالى العشر عقوبة لهم.

(فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) تأكيد ، أو لبيان أن العشر ليالي وليست بساعات ، أو

٢٢١

لبيان أن العشر زائد على الثلاثين غير داخل فيها ، لأن تمام الشيء يكون بعضه.

(وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (١٤٣))

(أَرِنِي) سأل الرؤية ليجاب بما يحتج به على قومه إذ قالوا (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) [النساء : ١٥٣] مع علمه أنه لا يجوز أن يراه في الدنيا ، أو كان يعلمه باستدلال فأحبّ أن يعلمه ضرورة ، أو كان يظن ذلك حتى ظهر له ما ينفيه.

(تَجَلَّى) ظهر بآياته التي أحدثها في الجبل لحاضري الجبل ، أو ظهر من ملكوته للجبل ما تدكدك به ، لأن الدنيا لا تقوم لما يظهر من ملكوت السماء ، أو ظهر قدر الخنصر من العرش ، أو أظهر أمره للجبل ، والتجلي : الظهور ، ومنه جلاء المرآة وجلاء العروس.

(دَكًّا) مستويا بالأرض ، ناقة دكاء لا سنام لها ، أو ساخ في الأرض أو صار ترابا ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو صار قطعا.

(صَعِقاً) ميتا ، أو مغشيا عليه ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخذته العشية عشية الخميس يوم عرفة فأفاق عشية الجمعة يوم النحر وفيه نزلت عليه التوراة ، فيها عشرة آيات نزلت في القرآن في ثماني عشرة آية من بني إسرائيل.

(تُبْتُ) من السؤال قبل الإذن ، أو من تجويز الرؤية في الدنيا ، أو ذكر ذلك على جهة التسبيح ، لأن المؤمن يسبّح عند ظهور الآيات.

(أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) أنه لا يراك شيء من خلقك في الدنيا ، أو باستعظام سؤال الرؤية.

(وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (١٤٥))

(وَكَتَبْنا) فرضنا ك (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) [البقرة : ١٨٣] أو خططنا بالقلم.

(الْأَلْواحِ) زمرد أخضر ، أو ياقوت ، أو برد ، أو خشب ، أخذ اللوح من أن المعاني تلوح بالكتابة فيه.

(مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) يحتاج إليه في الدين من حرام ، أو حلال ، أو مباح ، أو واجب ، أو غير واجب ، أو كل شيء من الحكم والعبر.

(مَوْعِظَةً) بالنواهي.

(وَتَفْصِيلاً) بالأوامر ، أو موعظة : بالزواجر ، وتفصيلا : بالأحكام ، وكانت سبعة ألواح.

٢٢٢

(بِقُوَّةٍ) بجد واجتهاد ، أو بطاعة ، أو بصحة عزيمة ، أو بشكر.

(بِأَحْسَنِها) الفرائض أحسن من المباح ، أو بناسخها دون منسوخها أو المأمور أحسن من ترك المنهي وإن كانا طاعة.

(دارَ الْفاسِقِينَ) جهنم ، أو منازل الهلكى ليعتبروا بنكالهم ، أو مساكن الجبابرة والعمالقة بالشام ، أو مصر دار فرعون.

(سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٤٦))

(سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ) أمنع عن فهم القرآن ، أو أجزيهم على كفرهم بإضلالهم عما جاء به من الحق ، أو أصرفهم عن دفع الانتقام عنهم.

(يَتَكَبَّرُونَ) عن الإيمان بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو يحقرون الناس ويرون لهم عليهم فضلا.

(الرُّشْدِ) الإيمان ، والغي : الكفر ، أو الرشد : الهدى ، والغي : الضلال.

(غافِلِينَ) عن الإيمان ، أو عن الجزاء.

(وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١٥٠))

(أَسِفاً) حزينا ، أو شديد الغضب ، أو مغتاظا ، أو نادما. والأسف : المتأسف على فوت ما سلف ، غضب عليهم لعبادة العجل أسفا على ما فاته من المناجاة ، أو غضب على نفسه من تركهم حتى ضلّوا أسفا على ما رآهم عليه من المعصية ، قال بعض المتصوفة : أغضبه الرجوع عن مناجاة الحق إلى مخاطبة الخلق.

(أَمْرَ رَبِّكُمْ) وعده بالأربعين ، ظنوا موت موسى عليه الصلاة والسّلام لما لم يأتهم على رأس الثلاثين ، أو وعده بالثواب على عبادته فعدلتم إلى عبادة غيره ، والعجلة : التقدم بالشيء قبل وقته ، والسرعة : عمله في أول أوقاته.

(وَأَلْقَى الْأَلْواحَ) غضبا لما رأى عبادة العجل ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو لما رأى فيها أن أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويؤمنون بالله ، قال : رب اجعلهم أمتي ، قال : تلك أمة أحمد فاشتدّ عليه فألقاها ، قاله قتادة. فلما ألقاها تكسرت ورفعت إلا سبعها ، وكان في المرفوع تفصيل كل شيء ، وبقي الهدى والرحمة في الباقي ف (أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ) [الأعراف : ١٥٤]

٢٢٣

وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تكسرت الألواح ورفعت إلا سدسها.

(بِرَأْسِ أَخِيهِ) بأذنه ، أو شعر رأسه ، كما يقبض الرجل منا على لحيته ويعض على شفته ، أو يجوز أن يكون ذلك في ذلك الزمان بخلاف ما هو عليه الآن من الهوان.

(ابْنَ أُمَّ) كان أخاه لأبويه ، أو استعطفه بالرحمة كما في عادة العرب قال :

يا ابن أمي ويا شقيّق نفسي.

(مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) لا تغضب عليّ كما غضبت عليهم ، فرقّ له ، ف (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي) [الاعراف : ١٥١]

(وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (١٥٥))

(لِمِيقاتِنا) الميقات الأول الذي سأل فيه الرؤية ، أو ميقات آخر للتوبة من عبادة العجل.

(أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) لسؤالهم الرؤية أو لأنهم لم ينهوا عن عبادة العجل ، والرجفة : زلزلة ، أو موت أحيوا بعده ، أو نار أحرقتهم فظنّ موسى عليه الصلاة والسّلام أنهم هلكوا ولم يهلكوا.

(أَتُهْلِكُنا) نفى أن يعذب إلا من ظلم ، أو الاستفهام على بابه ، خاف من عموم العقوبة ، كقوله : (لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال : ٢٥].

(فِتْنَتُكَ) عذابك ، أو اختبارك.

(وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (١٥٦))

(حَسَنَةً) نعمة ، سميت بذلك لحسن وقعها في النفوس ، أو ثناء صالحا ، أو مستحقات الطاعة.

(هُدْنا) تبنا ، أو رجعنا بالتوبة إليك ، هاد يهود : رجع ، أو تقرّبنا بالتوبة إليك ، ما له عندي هوادة سبب يقربه.

(مَنْ أَشاءُ) من من خلقي ، أو من أشاء في التعجيل والتأخير.

(وَرَحْمَتِي) توبتي ، أو الرحمة خاصة بأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، أو تسع رحمته في الدنيا البر والفاجر وتختص في الآخرة بالمتقين ، قاله الحسن رضي

٢٢٤

الله تعالى عنه.

(يَتَّقُونَ) الشرك ، أو المعاصي.

(الزَّكاةَ) من أموالهم عند الجمهور ، أو يتطهّرون بالطاعة ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

(فَسَأَكْتُبُها) لما انطلق موسى عليه الصلاة والسّلام بوفد من بني إسرائيل ، قال الله تعالى : قد جعلت لهم الأرض طهورا ومساجد يصلون حيث أدركتهم الصلاة إلا عند مرحاض ، أو قبر أو حمام ، وجعلت السكينة في قلوبهم ، وجعلتهم يقرؤون التوراة عن ظهر قلب ، فذكره موسى عليه الصلاة والسّلام لهم فقالوا : لا نستطيع حمل السكينة في قلوبنا فاجعلها في تابوت ، ولا نقرأ التوراة إلا نظرا ، ولا نصلي إلا في الكنيسة ، فقال الله تعالى : فسأكتبها يعني السكينة والقراءة والصلاة لمتّبعي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧))

(الْأُمِّيَّ) لأنه لا يكتب ، أو لأنه من أم القرى مكة أو لأنه من أمة أمية هي العرب.

(بِالْمَعْرُوفِ) بالحق ، لأن العقول تعرف صحته. (الْمُنْكَرِ) الباطل لإنكارها صحته.

(الطَّيِّباتِ) الشحوم المحرمة عليهم ، أو ما حرمته الجاهلية من البحيرة والسائبة والوصية والحام.

(الْخَبائِثَ) لحم الخنزير والدماء. (إِصْرَهُمْ) العهد على العمل بما في التوراة ، أو تشديدات دينهم كتحريم السبت والشحوم والعروق وغير ذلك.

(وَالْأَغْلالَ) قوله : (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) [المائدة : ٦٤] أو عهده فيما حرمه عليهم سماه غلّا للزومه.

(وَعَزَّرُوهُ) عظّموه ، أو منعوه من عدوه.

(النُّورَ) القرآن ، يسمون ما ظهر ووضح نورا.

(أُنْزِلَ مَعَهُ) عليه ، أو في زمانه ، وقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه : «أي الخلق أعجب إليكم إيمانا» قالوا : الملائكة؟ فقال : «هم عند ربهم فما لهم لا يؤمنون؟» فقالوا : النبيون ، فقال : «النبيون يوحى إليهم فما لهم لا يؤمنون؟» قالوا : نحن ، فقال : «أنا فيكم فما لكم لا تؤمنون» قالوا : فمن ، قال : «قوم يكونون بعدكم فيجدون كتابا في ورق فيؤمنون به»

٢٢٥

هذا معنى قوله (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ).

(وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٥٩))

(وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ) الذين صدقوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم كابن لاسم وابن صوريا ، أو قوم وراء الصين لم تبلغهم دعوة الإسلام ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، أو الذين تمسكوا بالحق لما قتلت الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام.

(وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (١٦١))

(الْقَرْيَةَ) لاجتماع الناس إليها ، أو الماء ، قرى الماء في حوضه جمعه ، بيت المقدس ، أو الشام.

(وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣))

(حاضِرَةَ الْبَحْرِ) أيلة ، أو ساحل مدين ، أو مدين ، قرية بين إيلة والطور ، أو مقنا بين مدين وعينونا ، أو طبرية. (وَسْئَلْهُمْ) توبيخا على ما سلف من الذنوب.

(شُرَّعاً) طافية على الماء ظاهرة ، شوارع البلد لظهروها ، أو تشرع على أبوابهم كأنهم الكباش البيض رافعة رؤوسها ، أو تأتيهم من كل مكان فتعدّوا بأخذها في السبت.

(فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٥))

(نَسُوا) تركوا.

(ما ذُكِّرُوا بِهِ) أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر.

(ظَلَمُوا) بترك المعروف وإتيان المنكر.

(بَئِيسٍ) شديد ، أو رديء ، أو عذاب مقترن بالبؤس هو الفقر ، هلك المعتدون ، ونجا المنكرون ، ونجت التي لم تعتد ولم تنكر ، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لا أدري ما فعلت.

(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٧))

(تَأَذَّنَ) أعلم ، أو أقسم ، قاله الزجاج. (لَيَبْعَثَنَّ) على اليهود العرب.

(سُوءَ الْعَذابِ) الصغار والجزية ، قيل : أول من وضع الخراج من الأنبياء موسى عليه

٢٢٦

الصلاة والسّلام جباه سبع سنين ، أو ثلاثة عشرة سنة ثم أمسك.

(وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٦٨))

(وَقَطَّعْناهُمْ) فرقناهم ليذهب تعاونهم ، أو ليتميز الصالح من المفسد ، أو انتقاما منهم.

(بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) الثواب والعقاب ، أو النعم والنقم ، أو الخصب والجدب.

(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦٩))

(فَخَلَفَ) وخلف واحد ، أو بالسكون للذم ، وبالفتح للحمد ، وهو الأظهر ، والخلف : القرن ، أو جمع خالف ، وهم أبناء اليهود ورثوا التوراة عن آبائهم ، أو النصارى خلفوا اليهود وورثوا الإنجيل لحصوله معهم.

(عَرَضَ هذَا الْأَدْنى) الرشوة على الحكم إجماعا ، سمي عرضا لقلة بقائه ، الأدنى : لأنه من المحرمات الدنية ، أو لأخذه في الدنيا الدانية.

(وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ) عبّر به عن إصرارهم على الذنوب ، أو أراد لا يشبعهم شيء فهم لا يأخذونه لحاجة ، قاله الحسن رضي الله تعالى عنه.

(وَدَرَسُوا ما فِيهِ) تركوه ، أو تلوه وخالفوه على علم.

(وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧١))

(نَتَقْنَا) زحزحنا ، أو جذبنا ، النتق : الجذب ، والمرأة الولود ناتق لاجتذابها ماء الفحل ، أو لأن ولادها كالجذب ، أو رفعناه عليهم من أصله لما أبوا قبول فرائض التوراة لمشقتها ، وعظهم موسى عليه الصلاة والسّلام فلم يقبلوا فرفع الجبل فوقهم ، وقيل : إن أخذتموه بجد واجتهاد وإلا ألقي عليكم ، فأخذوه بجد ثم نكثوا بعده ، وكان نتقه نقمة بما دخل عليهم من رعبة وخوفه ، أو نعمة لإقلاعهم عن المعصية.

(وَظَنُّوا) على بابه ، أو أيقنوا. (ما آتَيْناكُمْ) التوراة.

(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (١٧٢))

(أَخَذَ رَبُّكَ) أخرج الأرواح قبل الأجساد في الجنة ، أو بعد هبوط آدم إلى الأرض ،

٢٢٧

وخلق فيها المعرفة فعرفت من خاطبها ، أو خلق الأرواح والأجساد معا في أرض مكة والطائف فأخرجهم كالذر في الدور الأول مسح ظهره ، فخرج من صفحة ظهره اليمنى أصحاب الميمنة بيضا كالذر ، وخرج أصحاب المشأمة من اليسرى سودا كالذر وألهمهم ذلك ، فلما شهدوا على أنفسهم مؤمنهم وكافرهم أعادهم ، أو أخرج الذرية قرنا بعد قرن وعصرا بعد عصر.

(وَأَشْهَدَهُمْ) بما شهدوه من دلائل قدرته ، أو بما اعترفوا به من ربوبيته ، فقال للذرية لما أخرجهم على لسان الأنبياء.

(أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) بعد كمال عقولهم. قاله الأكثر ، أو جعل لهم عقولا علموا بها ذلك فشهدوا به ، أو قال للآباء بعد إخراج ذريتهم كما خلقت ذريتكم فكذلك خلقتكم فاعترفوا بعد قيام الحجة ، والذرية من ذرأ الله تعالى الخلق أحدثهم وأظهرهم ، أو لخروجهم من الأصلاب كالذر.

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (١٧٥))

(الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا) بلعم بن باعورا من أهل اليمن ، أو من الكنعانيين ، أو من بني صاب بن لوط ، أو أمية بن أبي الصلت الثقفي ، أو من أسلم من اليهود والنصارى ونافق.

(آياتِنا) الاسم الأعظم الذي تجاب به الدعوات ، أو كتاب من كتب الله تعالى قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو أوتي النبوة فرشاه قومه على أن يسكت عنهم ففعل ولا يصح هذا.

(فَانْسَلَخَ) سلب المعرفة بها لأجل عصيانه ، أو انسلخ من الطاعة مع بقاء علمه بالآيات ، حكي أن بلعم رشي على أن يدعو على قوم موسى عليه الصلاة والسّلام بالهلاك فسها فدعا على قوم نفسه فهلكوا.

(فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ) صيّره لنفسه تابعا لما دعاه فأجابه ، أو الشيطان متبعه من الإنس على كفره ، أو لحقه الشيطان فأغواه ، اتبعت القوم : لحقتهم وتبعتهم : سرت خلفهم.

(الْغاوِينَ) الهالكين ، أو الضالين.

(وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦))

(لَرَفَعْناهُ) لأمتناه ولم يكفر ، أو لحلنا بينه وبين الكفر فارتفعت بذلك منزلته.

٢٢٨

(أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) ركن إلى أهلها في خدعهم إياه ، أو ركن إلى شهواتها فشغلته عن الطاعة.

(كَمَثَلِ الْكَلْبِ) اللاهث في ذلته ومهانته ، أو لأن لهثه لا ينفعه.

(وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٧٩))

(كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) عام ، أو يراد به أولاد الزنا ، لمسارعتهم إلى الكفر لخبث نطفهم.

(لا يَفْقَهُونَ) الحق بقلوبهم و (لا يُبْصِرُونَ) الرشد بأعينهم ، و (لا يَسْمَعُونَ) الوعظ بآذانهم.

(كَالْأَنْعامِ) همهم الأكل والشرب ، أو لا يعقلون الوعظ.

(هُمْ أَضَلُّ) لعصيانهم ، أو لتوجه الأمر إليهم دونها.

(وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٨٠))

(الْأَسْماءُ الْحُسْنى) كل أسمائه حسنى والحسنى هاهنا ما مالت إليه القلوب من وصفه بالعفو والرحمة دون الغضب والنقمة ، أو أسماؤه التي يستحقها لذاته وأفعاله.

(فَادْعُوهُ بِها) عظّموه بها تعبدا له بذكرها ، أو اطلبوا بها وسائلكم.

(يُلْحِدُونَ) بتسمية الأوثان آلهة والله أبا المسيح ، أو اشتقاقهم اللات من الله ، والعزى من العزيز ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ويلحدون : يكذبون ، أو يشركون ، أو يجورون.

(وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٨١))

(أُمَّةٌ يَهْدُونَ) الأنبياء والعلماء ، أو هذه الأمة مروي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يهدون إلى الإسلام بالدعاء إليه ثم بالجهاد عليه.

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (١٨٢))

(سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) الاستدراج : أن يأتي الشيء من حيث لا يعلم ، أو أن ينطوي منزلة بعد منزلة من الدرج لانطوائه على شيء بعد شيء ، أو من الدرجة لانحطاطه عن منزلة بعد منزلة ، يستدرجون إلى الكفر ، أو إلى الهلكة بالإمداد بالنعم ونيسان الشكر ، أو كلما أحدثوا خطيئة جدد لهم نعمة ، والاستدراج بالنعم الظاهرة ، والمكر بالباطنة.

٢٢٩

(لا يَعْلَمُونَ) بالاستدراج ، أو الهلكة.

(مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٨٦))

(مَنْ يُضْلِلِ اللهُ) يحكم بضلاله في الدين ، أو يضله عن طريق الجنة إلى النار.

(طُغْيانِهِمْ) الطغيان : إفراط العدوان.

(يَعْمَهُونَ) يتحيّرون ، العمه في القلب كالعمى في العين ، أو يتردّدون.

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ)

(بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (١٨٧))

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) اليهود ، أو قريش.

(أَيَّانَ مُرْساها) : متى مرساها : قيامها ، أو منتهاها ، أو ظهورها.

(حَفِيٌّ عَنْها) عالم بها ، أو تقديره : يسألونك عنها كأنك حفي بهم.

(قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨))

(وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ) لو علمت متى أموت لاستكثرت من العمل الصالح ، أو لو علمت سنة الجدب لا دخرت لها من سنة الخصب ، أو لو علمت الكتب المنزلة لاستكثرت من الوحي ، أو لا شتريت في الرخص وبعت في الغلاء ، وهو شاذ ، أو لو علمت أسراركم وما في قلوبكم لأكثرت لكم من دفع الأذى واجتلاب النفع.

(وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) ما بي جنون ، أو ما مسني الفقر لاستكثاري من الخير ، أو ما دخلت عليّ شبهة.

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩))

(نَفْسٍ واحِدَةٍ) آدم. (زَوْجَها) حواء. (لِيَسْكُنَ) ليأوي ، أو ليألفها ويعطف عليها.

(خَفِيفاً) النطفة.

(فَمَرَّتْ بِهِ) استمرت إلى حال الثقل ، أو شكت هل حملت أم لا؟ قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

(دَعَوَا) آدم وحواء.

٢٣٠

(صالِحاً) غلاما سويّا ، أو بشرا سويّا ، لأن إبليس أوهمها أنه بهيمة.

(جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ) كان اسم إبليس في السماء الحارث فلما ولدت حواء ، قال : سميه عبد الحارث فسمّته عبد الله فمات فلما ولدت ثانيا قال لها ذلك فأبت ، فلما حملت ثالثا قال لها ولآدم عليه الصلاة والسّلام أتظنان أن الله تعالى يترك عبده عندكما لا والله ليذهبن به كما ذهب بالأخوين ، فسمياه بذلك فعاش فكان إشراكهما في الاسم دون العبادة ، أو جعل ابن آدم وزوجته لله شركاء من الأصنام فيما آتاهما ، قاله الحسن.

(أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (١٩٥))

(أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها) في مصالحهم. (أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها) في الدفاع عنكم. (أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها) منافعكم ومضاركم.

(آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) دعاءكم. فكيف تعبدون من أنتم أفضل منه وأقدر؟

(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩))

(الْعَفْوَ) من أخلاق الناس وأعمالهم ، أو من أموال المسلمين ، ثم نسخ بالزكاة ، أو العفو عن المشركين ثم نسخ بالجهاد.

(بِالْعُرْفِ) بالمعروف ، أو لما نزلت قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا جبريل ما هذا؟» قال : لا أدري حتى أسأل العالم ، ثم عاد فقال : يا محمد إن الله تعالى يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك.

(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠))

(نَزْغٌ) انزعاج ، أو غضب ، أو فتنة ، أو إغواء ، أو عجلة. (فَاسْتَعِذْ) فاستجر.

(سَمِيعٌ) لجهل الجاهل. (عَلِيمٌ) بما يزيل النزغ.

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١))

«طيف» و (طائِفٌ) واحد وهو لمم كالخيال يلم بالإنسان ، أو وسوسة ، أو غضب ، أو نزغ ، أو الطيف : الجنون ، والطائف : الغضب ، أو الطيف اللمم ، والطائف كل شيء طاف بالإنسان.

(تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) علموا فانتهوا ، أو اعتبروا فاهتدوا.

(وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٠٣))

٢٣١

(اجْتَبَيْتَها) أتيت بها من قبلك ، أو اخترتها لنفسك ، أو تقبلتها من ربك ، أو طلبتها لنا قبل مسألتك.

(وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤))

(فَاسْتَمِعُوا لَهُ) لا تقابلوه بكلام واعتراض ، نزلت في المأموم ينصت ولا يقرأ ، أو في الإنصات لخطبة الجمعة ، أو نسخت جواز الكلام في الصلاة.

(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥))

(وَاذْكُرْ رَبَّكَ) خلف الإمام بالقراءة سرا ، أو عند سماع الخطبة ، أو في عموم الأحوال اذكره بقلبك أو بلسانك في دعائك وثنائك.

(تَضَرُّعاً) الخشوع والتواضع. (وَدُونَ الْجَهْرِ) إسرار القول بالقلب ، أو اللسان.

(بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) بالبكر والعشيات ، أو الغدو : آخر الفجر صلاة الصبح ، والآصال : آخر العشي صلاة العصر.

(إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (٢٠٦))

(عِبادَتِهِ) الصلاة والخضوع فيها ، أو امتثال الأوامر اجتناب النواهي ، قاله الجمهور.

(وَلَهُ يَسْجُدُونَ) نزلت لما قالوا أنسجد لما تأمرنا ، إذا كانت الملائكة مع شرفها تسجد فأنتم أولى.

سورة الأنفال (١)

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١))

(الْأَنْفالِ) الغنائم ، أو أنفال السرايا التي تتقدم أمير الجيش ، أو ما شذّ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال من عبد أو دابة ، أو خمس الفيء والغنائم الذي لأهل الخمس ، أو الزيادة يزيدها الإمام لبعض الجيش لما يراه من الصلاح ، والنفل : العطية ، والنوفل : الكثير

__________________

(١) سورة الأنفال سورة مدنية ما عدا الآيات من (٣٠ إلى ٣٦) فمكية ، وهي من سور المثاني عدد آياتها (٧٥) آية ، وقد نزلت بعد سورة البقرة ، عنيت سورة الأنفال بجانب التشريع وبخاصة فيما يتعلق بالغزوات والجهاد في سبيل الله فقد عالجت بعض النواحي الحربية التي ظهرت عقب بعض الغزوات وتضمنت كثيرا من التشريعات الحربية والإرشادات الإلهية التي يجب على المؤمنين اتباعها في قتالهم لأعداء الله وتناولت جانب السلم والحرب وأحكام الأسر والغنائم.

٢٣٢

العطايا ، أو النفل : الزيادة من الخير ومنه صلاة النافلة ، سألوا عن الأنفال لجهلهم بحلها لأنها كانت حراما على الأمم فنزلت ، أو نزلت فيمن شهد بدرا من المهاجرين والأنصار واختلفوا وكانوا أثلاثا فملكها الله تعالى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقسمها كما أراه ، أو لما قتل سعد بن أبي وقاص سعيد بن أبي العاص يوم بدر وأخذ سيفه وقال للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هبه لي ، فقال : اطرحه في القبض فشقّ عليه فنزلت ، فقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اذهب فخذ سيفك» أو قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم بدر «من صنع كذا فله كذا وكذا» فسارع الشبان وبقي الشيوخ تحت الرايات فلما فتح عليهم طلبوا ما جعل لهم ، فقال الشيوخ : لا تستأثروا علينا فإنا كنا ردءا لكم ، فنزلت ، وهي محكمة ، أو منسوخة بقوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) [الأنفال : ٤١]

(الْأَنْفالُ لِلَّهِ) مع الدنيا والآخرة ، وللرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يضعها حيث أمر.

(وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) برد أهل القوة على أهل الضعف ، أو بالتسليم لله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليحكما في الغنيمة بما شاءا.

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢))

(وَجِلَتْ) خافت ، أو رقت. (إِيماناً) تصديقا ، أو خشية.

(كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥))

(كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ) بمكة إلى المدينة مع كراهية فريق من المؤمنين ، كذلك ينجز نصرك ، أو من بيتك بالمدينة إلى بدر كذلك جعل لك غنيمة بدر.

(بِالْحَقِّ) ومعك الحق ، أو بالحق الذي وجب عليك.

(لَكارِهُونَ) خروجك ، أو صرف الغنيمة عنهم ، لأنهم لم يعلموا أن الله تعالى جعله لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دونهم.

(يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦))

(يُجادِلُونَكَ) بعض المؤمنين خرجوا لطلب العير ففاتهم فأمروا بالقتال فقالوا : ما تأهّبنا للقاء العدو ، فجادلوا بذلك طلبا للرخصة ، أو المجادل المشركون قاله ابن زيد.

(فِي الْحَقِّ) القتال يوم بدر.

(وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧))

٢٣٣

(إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) عير أبي سفيان أو قريش الذين خرجوا لمنعها.

(الشَّوْكَةِ) كنى بها عن الحرب ، وهي الشدة لما في الحرب من الشدة ، أو الشوكة من قولهم : رجل شاك في السلاح.

(يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) يظهر الحق بإعزاز الدين بما تقدّم من وعده ، أو يحق الحق في أمره بالجهاد ، نزلت هذه الآية قبل قوله : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ) [الانفال : ٥] قاله الحسن رضي الله تعالى عنه «فقيل للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم بدر : عليك بالعير ليس دونها شيء فقال : العباس وهو أسير ليس لك ذلك ، قال : لم؟ قال : لأن الله تعالى وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك».

(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩))

(تَسْتَغِيثُونَ) تستنصرون ، أو تستجيرون ، فالمستجير : طالب الخلاص ، والمستنصر : طالب الظفر ، والمستغيث : المسلوب القدرة ، والمستعين : الضعيف القدرة.

(فَاسْتَجابَ لَكُمْ) أغاثكم ، الاستجابة ما تقدمها امتناع ، والإجابة ما لم يتقدمها امتناع وكلاهما بعد السؤال.

(مُرْدِفِينَ) مع كل ملك ملك فهم ألفان ، أو متتابعين ، أو ممدين للمسلمين ، والإرداف : الإمداد.

(وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠))

(إِلَّا بُشْرى) الإمداد هو البشرى ، أو بشّرتهم الملائكة بالنصر فكانت هي البشرى المذكورة ، وقاتلوا مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو نزلوا بالبشرى ولم يقاتلوا.

(وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) لا من الملائكة.

(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (١١))

(النُّعاسَ) غشيهم النعاس ببدر فهوّم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكثير من أصحابه رضي الله تعالى عنهم فناموا ، فبشّر جبريل عليه‌السلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالنصر ، فأخبر به أبا بكر رضي الله تعالى عنه منّ عليهم به لما فيه زوال رعبهم ، والأمن منيم والخوف مسهر ، أو منّ به لما فيه من الاستراحة للقتال من الغد. والنعاس محل الرأس مع حياة القلب ، والنوم يحل القلب بعد نزوله من الرأس ، قاله سهل بن عبد الله التّستري.

٢٣٤

(أَمَنَةً) من العدو ، أو من الله تعالى ، والأمنة : الدعة وسكون النفس.

(وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً) لتلبيد الرمل ويطهرهم من وساوس الشيطان التي أرعبهم بها ، أو من الأحداث والأنجاس التي أصابتهم ، قاله الجمهور ، أنزل ماء طهر به ظواهرهم ، ورحمة نوّر بها سرائرهم ، قاله ابن عطاء ، ووصفه بالتطهير ، لأنها أخص أوصافه وألزمها.

(رِجْزَ الشَّيْطانِ) قوله : إن المشركين قد غلبوهم على الماء ، أو قوله : ليس لكم بهؤلاء طاقة.

(وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) لتلبيده الرمل الذي لا يثبت عليه قدم ، أو بالنصر الذي أفرغه عليهم حتى يثبتوا لعدوهم.

(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢))

(أَنِّي مَعَكُمْ) معينكم.

(فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) بحضوركم الحرب ، أو بقتالكم يوم بدر ، أو بقولكم لا بأس عليكم من عدوكم.

(سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) قال ذلك للملائكة إعانة لهم ، أو ليثبتوا به المؤمنين.

(فَوْقَ الْأَعْناقِ) فوق صلة ، أو الرؤوس التي فوق الأعناق أو على الأعناق ، أو أعلى الأعناق ، أو جلدة الأعناق.

(بَنانٍ) مفاصل أطراف الأيدي والأرجل ، والبنان أطراف أصابع اليدين والرجلين.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥))

(زَحْفاً) الدنو قليلا قليلا.

(فَلا تُوَلُّوهُمُ) ولا تنهزموا ، عام في كل مسلم لاقى العدو ، أو خاص بأهل بدر ، ولزمهم في أول الإسلام أن لا ينهزم المسلم عن عشرة بقوله تعالى (لا يَفْقَهُونَ) [الأنفال : ٦٥] ما فرض الله تعالى عليهم من الإسلام ، أو لا يعلمون ما فرض عليهم من القتال ، فلما كثروا واشتدت شوكتهم نسخ ذلك بقوله تعالى : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) [الأنفال : ٦٦] و (ضَعْفاً) واحد ، أو بالفتح في الأموال وبالضم في الأحوال ، أو بالضم في النيات وبالفتح في الأبدان ، أو بالعكس فيهما.

٢٣٥

(مَعَ الصَّابِرِينَ) على القتال بإعانتهم على أعدائهم أو الصابرين على الطاعة بإجزال ثوابهم.

(وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦))

(باءَ بِغَضَبٍ) بالمكان الذي استحق به الغضب ، من المبوّأ وهو المكان.

(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧))

(وَما رَمَيْتَ) أخذ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبضة من تراب يوم بدر فرماهم بها ، وقال شاهت الوجوه ، فألقى الله تعالى القبضة في أبصارهم فشغلوا بأنفسهم وأظهر الله تعالى المسلمين عليهم فذلك قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ ،) أو ما ظفرت إذ رميت ولكن الله تعالى أظفرك إذ رميت ، أو (وَما رَمَيْتَ) قلوبهم بالرعب إذ رميت وجوههم بالتراب ولكن الله تعالى ملأ قلوبهم رعبا ، أو وما رمى أصحابك السهام ولكن الله رمى بإعانة الريح لسهامهم حتى تسددت وأصابت أضاف رميهم إليه لأنهم رموا عنه.

(بَلاءً حَسَناً) الإنعام بالظفر والغنيمة.

(إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩))

(إِنْ تَسْتَفْتِحُوا) أيها المشركون تستقضوا.

(فَقَدْ جاءَكُمُ) قضاؤنا بنصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليكم. أو الفتح : النصر ، فقد جاء نصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليكم ، قالوا يوم بدر : اللهم أقطعنا للرحم وأظلمنا لصاحبه فانصر عليه فنصر المسلمون.

(وَإِنْ تَعُودُوا) إلى الاستفتاح.

(نَعُدْ) إلى نصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو إن تعودوا إلى التكذيب نعد إلى مثل هذا التصديق ، أو إن تستفتحوا أيها المسلمون فقد جاءكم النصر لأنهم استنصروا فنصروا.

(وَإِنْ تَنْتَهُوا) عما فعلتموه في الأسرى والغنيمة.

(وَإِنْ تَعُودُوا) إلى الطمع.

(نَعُدْ) إلى المؤاخذة ، أو إن تعودوا إلى ما كان منكم في الأسرى والغنيمة نعمد إلى الإنكار عليكم.

(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً

٢٣٦

لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣))

(شَرَّ الدَّوَابِّ) نزلت في بني عبد الدار.

(وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) الحجج والمواعظ سماع تفهيم ، أو لأسمعهم كلام الذي طلبوا إحياءه من قصي بن كلاب وغيره يشهدون بنبوتك ، أو لأسمعهم جواب كل ما يسألون عنه.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤))

(اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ) بطاعته لما كانت في مقابلة الدعاء سماها إجابة.

(لِما يُحْيِيكُمْ) الإيمان ، أو الحق. أو ما في القرآن ، أو الحرب وجهاد العدو ، أو ما فيه دوام حياة الآخرة ، أو كل مأمور.

(يَحُولُ بَيْنَ) الكافر والإيمان وبين المؤمن والكفر ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو بين المرء وعقله فلا يدري ما يعمل ، أو بين المرء وقلبه أن يقدر على إيمان أو كفر إلا بإذنه ، أو هو قريب من قلبه يحول بينه وبين أن يخفي عليه سره أو جهره. فهو (أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٦] وهذا تحذير شديد قاله قتادة ، أو يفرق بينه وبين قلبه بالموت فلا يقدر على استدراك فائت ، أو بينه وبين ما يتمنى بقلبه من البقاء وطول العمر والظفر والنصر ، أو بينه وبين ما في قلبه من رعب وخوف وقوة وأمن ، فيأمن المؤمن بعد خوفه ويخاف الكافر بعد أمنه.

(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥))

(وَاتَّقُوا فِتْنَةً) أمروا أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب ، قاله ، أو الفتنة : ما يبتلى به الإنسان ، أو الأموال والأولاد ، أو نزلت في النكاح بلا ولي ، قاله بشر بن الحارث.

(لا تُصِيبَنَّ) الفتنة ، أو عقابها ، أو دعاء للمؤمن ألا تصيبه فتنة قاله الأخفش.

(وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦))

(قَلِيلٌ) بمكة تستضعفكم قريش ، ذكّرهم نعمه ، أو أخبرهم بصدق وعده.

(يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) كفار قريش ، أو فارس والروم. (فَآواكُمْ) إلى المدينة ، أو جعل لكم مأوى تسكنونه آمنين.

(وَأَيَّدَكُمْ) قوّاكم بنصره يوم بدر. (الطَّيِّباتِ) الحلال من الغنائم ، أو ما مكنوا فيه من

٢٣٧

الخيرات ، قيل نزلت في المهاجرين خاصة بعد بدر.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧))

(لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) كما صنع المنافقون ، قاله الحسن رضي الله تعالى عنه ، أو لا تخونوا فيما جعله لعباده في أموالكم.

(أَماناتِكُمْ) ما أخذتموه من الغنيمة أن تحضروه إلى المغنم ، أو ما ائتمنكم الله عليه من الفرائض والأحكام أن تؤدوها بحقها ، ولا تخونوا بتركها ، أو عام في كل أمانه.

(وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أنها أمانة بغير شبهة ، أو ما في الخيانة من المأثم. قيل نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر لما أرسل بني قريظة لينزلوا على حكم سعد فاستشاروه ، وكان أحرز أمواله وأولاده عندهم ، فأشار بأن لا يفعلوا ، وأومأ بيده إلى حلقه إنه الذبح فنزلت إلى قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) [الانفال : ٢٨]

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩))

(فُرْقاناً) هداية في القلوب تفرّقون بها بين الحق والباطل ، أو مخرجا من الدنيا والآخرة ، أو نجاة ، أو فتحا ونصرا.

(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠))

(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ) لما تآمرت قريش على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في دار الندوة ، فقال عمرو بن هشام : قيّدوه واحبسوه في بيت نتربّص به ريب المنون ، وقال أبو البختري : أخرجوه عنكم على بعير مطرودا تستريحون من أذاه ، فقال أبو جهل : ما هذا برأي ، ولكن لجتمع عليه من كل قبيلة رجل فيضربوه بأسيافهم ضربة رجل واحد فيرضى حينئذ بنو هاشم بالدية ، فأعلم الله تعالى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك فخرج إلى الغار ثم هاجر منه إلى المدينة.

(لِيُثْبِتُوكَ) في الوثاق أو في الحبس ، أو يجرحوك ، أثبته في الحرب : جرحه.

(أَوْ يُخْرِجُوكَ) نفيا إلى طرف من الأطراف ، أو على بعير مطرودا حتى تهلك ، أو يأخذك بعض العرب فيريحهم منك.

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١))

(لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا) نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة ، ونزلت فيه (وَإِذْ قالُوا اللهُمَ

٢٣٨

إِنْ كانَ هذا) [الأنفال : ٣٢](سَأَلَ سائِلٌ) [المعارج : ١] و (رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) [ص : ١٦] قال عطاء : نزلت فيه بضع عشرة آية.

(وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢))

(فَأَمْطِرْ عَلَيْنا) قاله عنادا وبغضا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو اعتقادا أنه ليس بحق.

(وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣))

(وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ) وقد بقي فيهم من المسلمين من يستغفر ، أو لا يعذبهم في الدنيا وهم يقولون غفرانك في طوافهم ، أو الاستغفار : الإسلام ، أو هو دعاء إلى الاستغفار معناه لو استغفروا لم يعذّبوا ، أو ما كان الله مهلكهم وقد علم أن لهم ذرية يؤمنون ويستغفرون.

(وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥))

(مُكاءً) إدخال أصابعهم في أفواههم ، أو أن يشبك بين أصابعه ويصفّر في كفه بفمه ، والمكاء الصفير ، قاله :

تمكو فريصته كشدق الأعلم.

(وَتَصْدِيَةً) التصفيق ، أو الصد عن البيت الحرام ، أو تصدى بعضهم لبعض ليفعل مثل فعله ويصفّر له إن غفل عنه ، أو من صد يصد إذا ضج ، أو الصدى الذي يجيب الصائح فيرد عليه مثل قوله ، وكان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا صلّى في المسجد الحرام قام رجلان من بني عبد الدار عن يمينه يصفران صفير المكاء وهو طائر ورجلان عن يساره يصفقان بأيديهما ليخلطوا على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم القراءة والصلاة ، فنزلت ، وسماها صلاة لأنهم أقاموها مقام الدعاء والتسبيح ، أو كانوا يعملون كعمل الصلاة.

(فَذُوقُوا) فألقوا ، أو فجربوا عذاب السيف ببدر ، أو يقال لهم ذلك في عذاب الآخرة.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦))

(يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) نفقة قريش في القتال ببدر ، أو استأجر أبو سفيان يوم أحد ألفين من الأحابيش من كنانة.

(لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً

٢٣٩

فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٣٧))

(الْخَبِيثَ) الحرام ، والطيب : الحلال ، أو الخبيث : ما لم تخرج منه حقوق الله تعالى والطيب : ما أخرجت منه حقوقه.

(بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ) يجمعه في الآخرة وإن تفرقا في الدنيا.

(فَيَرْكُمَهُ) يجعل بعضه فوق بعض.

(فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ) يعذبون به (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ) [التوبة : ٣٥] أو يجعلها معهم في النار ذلّا وهوانا كما كانت في الدنيا نعيما وعزّا.

(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨))

(وَإِنْ يَعُودُوا) إلى الحرب.

(فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ) قتلى بدر وأسرارهم ، أو إن يعودوا إلى الكفر فقد مضت سنة الله تعالى بإهلاك الكفرة ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نزلت لما دخل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة عام الفتح فقال : ما في ظنكم وما ترون أني صانع بكم ، فقالوا : ابن عم كريم فإن تعف فذاك الظن بك ، وإن تنتقم فقد أسأنا ، فقال : بل أقول كما قال يوسف لإخوته : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) [يوسف : ٩٢] فنزلت ، فقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم «اللهم كما أذقت أول قريش نكالا فأذق أخرهم نوالا» (١).

(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١))

(غَنِمْتُمْ) ذكر الغنيمة هاهنا والفيء في الحشر وهما واحد ، ونسخت آية الحشر بهذه ، أو الغنيمة ما أخذ عنوة ، والفيء ما أخذ صلحا ، أو الغنيمة ما ظهر عليه المسلمون من الأموال ، والفيء ما ظهر عليه من الأراضي.

(لِلَّهِ خُمُسَهُ) افتتاح كلام ، وله الدنيا والآخرة ، المعنى للرسول خمسه أو الخمس لله ورسوله يصرف سهم الله في بيته ، كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأخذ الخمس فيضرب فيه بيده فيأخذ منه الذي قبض كفه فيجعله للكعبة وهو سهم الله.

__________________

(١) أخرجه أحمد (١ / ٢٤٢ ، رقم ٢١٧٠) ، والترمذي (٥ / ٧١٥ ، رقم ٣٩٠٨) وقال : حسن صحيح غريب. والضياء (١٠ / ١٨٧ ، رقم ١٨٩).

٢٤٠