تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ١

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٤٤٠
الجزء ١ الجزء ٢

(أَنَّى شِئْتُمْ) زعمت اليهود أن من أتى امرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأكذبهم الله تعالى بقوله (أَنَّى شِئْتُمْ) أو كيف شئتم عازلين أو غير عازلين ، أو حيث شئتم من قبل أو دبر روي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما وبه قال ابن أبي ملكية ، ويروى عن مالك رحمه‌الله تعالى ، وقد أنكرت هذه عن ابن عمر ، أو من أي وجه شئتم من دبرها في قبلها ، أو من قبلها ، أو قال بعض الصحابة : إني لآتي امرأتي مضطجعة ، وقال آخر : إني لآتيها قائمة ، وقال آخر : إني لآتيها على جنبها ، وقال آخر : إني لآتيها باركة ، فقال يهودي بقربهم : ما أنتم إلا أمثال البهائم ، ولكنا إنما نأتيها على هيئة واحدة فنزلت.

(وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) الخير ، أو ذكر الله تعالى عند الجماع قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

(وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٤))

(عُرْضَةً) من القوة والشدة ، فالعرضة أن يحلف في كل حق وباطل فيبتذل اسم الله تعالى ويجعله عرضة ، أو العرضة : علة يعتل بها فيمتنع من فعل الخير ، والإصلاح معتدلا بأن حلفت ، أو يحلف في الحال فيعتل بيمينه في ترك الخير ، أو يحلف ليفعلن البر والخير فيقصد بفعله برّ يمينه دون الرغبة في فعل الخير.

(أَنْ تَبَرُّوا) في أيمانكم ، أو تبروا أرحامكم وتصلحوا بين النّاس.

(سَمِيعٌ) لأيمانكم.

(عَلِيمٌ) باعتقادكم.

(لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٢٥))

(بِاللَّغْوِ) كل كلام مذموم ، لغا فلان : قال قبيحا ، فلغو اليمين : ما سبق إليه اللسان من غير قصد ، كلا والله ، وبلى والله ، مّر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوم يتناضلون فرمى رجل فقال : أصبت والله ، أخطأت والله ، فقال رجل مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم حنث الرجل فقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كلا إن أيمان الرماة لغو لا كفارة ولا عقوبة» (١).

أو الحلف على شيء ظانا ثم تبين بخلافه ، أو الحلف في حال الغضب من غير عقد ولا

__________________

(١) أخرجه الطبراني في الصغير (٢ / ٢٧١ ، رقم ١١٥١). قال الهيثمى (٤ / ٨٥) : رجاله ثقات ، إلا أن شيخ الطبراني يوسف بن يعقوب بن عبد العزيز الثقفي لم أجد من وثقه ولا جرحه.

٨١

عزم بل صلة في الكلام وعن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يمين في غضب» (١).

أو الحلف على معصية فلا يؤاخذ بترك المعصية ويكفّر ، وعن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من حلف على معصية فلا يمين له» (٢).

أو دعاء الحالف على نفسه ، كقوله : إن لم أفعل فأعمى الله بصري ، أو أخرجني من مالي ، أو أنا كافر بالله ، قاله زيد بن أسلم. أو اللغو : الأيمان المكفّرة ، أو ما حنث فيه ناسيا.

(كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) عمدتم ، أو الحلف كاذبا ، أو على باطل ، أو اعتقاد الشرك بالله تعالى والكفر ، عند زيد بن أسلم.

(غَفُورٌ) للغو. (حَلِيمٌ) بترك معاجلة العصاة.

(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦))

(يُؤْلُونَ) يقسمون ، والأليّة : القسم ، يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم فترك لدلالة الكلام عليه ، ويختص باليمين بالله تعالى ، أو يعم في كل ما يلزم الحانث ما لم يكن يلزمه يختص بالجماع وبحال الغضب وقصد الإضرار ولا يجري في حال الرضا وبغير قصد الإضرار ، أو يعم الأحوال إذا حلف على الجماع ، أو يعم فيما يسوء به زوجته من جماع ، أو غيره ، كقوله : لأسوأنك أو لأغيظنك ، قاله الشعبي وابن المسيب والحكم.

(فاؤُ) رجعوا إلى الجماع ، أو الجماع لغير المعذور ، والفيئة باللسان للمعذور ، أو الفيئة باللسان وحده عند من جعله عاما في غير الجماع.

(غَفُورٌ) بإسقاط الكفارة ، أو بإسقاط الإثم دون الكفارة.

(وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٧))

(وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) بأن لا يطلقوا حتى تمضي الأشهر الأربعة فتطلق بائنة ، أو رجعية ، أو يوقف بعد مضي الأشهر ، فإن فاء وإلا طلق قاله : اثنا عشر من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، أو الإيلاء ليس بشيء قاله ابن المسيب.

(سَمِيعٌ) لإيلائه ، أو لطلاقه. (عَلِيمٌ) بنيته ، أو بضره.

(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا

__________________

(١) أخرجه الطبراني في الأوسط (٢ / ٢٩٧ ، رقم ٢٠٢٩).

(٢) أخرجه أبو داود (٢ / ٢٥٨ ، رقم ٢١٩٠ ، ٢١٩١) ، والحاكم (٤ / ٣٣٣ ، رقم ٧٨٢٢) وقال : صحيح الإسناد.

٨٢

إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨))

(وَالْمُطَلَّقاتُ) الطلاق : التخلية ، النعجة المهملة بغير راع طالق وبه سميت المرأة.

(ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) مدة ثلاثة قروء ، وهي الحيض ، أو الأطهار ، أخذ من الاجتماع ، لاجتماع الدم في الرحم عند من رآها الحيض ، أو لاجتماعه في البدن عند من رأها الأطهار ، قرأ الطعام في شدقه والماء في حوضه جمعهما ، أو القرء : الوقت لمجىء ما يعتاد مجيئه ، أو لإدباره ، أقرأ النجم جاء وقت طلوعه أو أفوله. قال :

إذا ما الثريا وقد أقرأت

أحس السّما كان منها أفولا

هبت لقارئها الرياح

فالقرء : وقت لخروج الدم ، أو لاحتباسه.

(ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ) الحيض أو الحمل ، أو كلاهما ، توعدها لأنها تمنع بالكتمان رجعة الزوج ، أو لإلحاق نسب الولد بغيره كفعل الجاهلية.

(وَبُعُولَتُهُنَّ) سموا بذلك لعلوهم عليهن ، بعلا : ربّا ، لعلوه بالربوبية.

(بِرَدِّهِنَّ) برجعهن.

(وَلَهُنَّ) من حسن الصحبة مثل الذي للرجال عليهن من حسن الصحبة ، أو لهن على الأزواج من التصنع مثل ما لأزواجهن عليهن قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، أو لهن من ترك المضارة مثل ما عليهن.

(وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) بالميراث والجهاد ، أو بالإمرة والطاعة ، أو إعطاء الصداق والملاعنة إذا قذفها ، أو بالإفضال عليها وأداء حقها والصفح عن حقوقه عليها ، أو بأن جعل له لحية قاله حميد.

(الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩))

(الطَّلاقُ مَرَّتانِ) بيان لسنة الطلاق أن يوقع في كل قرء طلقة ، أو بيان لعدد ما ثبت فيه الرجعة ، ولتقديره بالثلاث كان أحدهم يطلق ما شاء ثم يراجع ، فأراد رجل المضارة بزوجته بطلاقها ثم ارتجاعها كلما قرب انقضاء عدتها ولا يقربها فشكت إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلت.

(فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ) الرجعة بعد الثانية ، والتسريح بالإحسان الطلقة الثالثة. قيل

٨٣

للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم الطلاق مرتان فأين الثالثة؟ قال : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) ، أو التسريح بإحسان : ترك الرجعة حتى تنقضي العدة ، والإحسان : أداء حقها وكف الأذى عنها.

(يَخافا) يظنا.

(أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) بظهور نشوزها وسوء الخلق ، أو لا تطيع أمره ولا تبر قسمه ، أو تصرح بكراهتها له ، أو يكره كل واحد منهما صاحبه فلا يؤدي حقه ، قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «المختلعات هن المنافقات» (١) وهي التي تختلع لميلها إلى غير زوجها.

(فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) من الصداق من غير زيادة ، أو يجوز أن تفتدي بالصداق وبجميع مالها. وجواز الخلع محكم عند الجمهور ، ومنسوخ عند بكر بن عبد الله. بقوله تعالى : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) [النساء : ٢٠].

(فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٢٣٠))

(فَإِنْ طَلَّقَها) الثالثة ، أو هو تفسير لقوله تعالى (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ).

(تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) الدخول شرط عند الجمهور خلافا لابن المسيب.

(وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٣١))

(فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) قاربن انقضاء العدة ، بلغ البلد إذا قاربه.

(فَأَمْسِكُوهُنَّ) ارتجعوهن. (سَرِّحُوهُنَّ) بتركهن حتى تنقضي العدة.

(وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً) بالارتجاع كلما طلق ليطول العدة.

(وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) كان أحدهم يطلق ، أو يعتق ثم يقول كنت لاعبا ، فقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من طلق لاعبا ، أو أعتق لاعبا فقد جاز عليه» (٢) ، ونزلت (وَلا تَتَّخِذُوا).

(وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا

__________________

(١) أخرجه الترمذى (٣ / ٤٩٢ ، رقم ١١٨٦) وقال : غريب من هذا الوجه ، وليس إسناده بالقوى. والبيهقى في شعب الإيمان (٤ / ٣٩٠ ، رقم ٥٥٠٣).

(٢) أخرجه الطبري في التفسير (٢ / ٤٨٢).

٨٤

بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢٣٢))

(فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) بانقضاء العدة.

(تَعْضُلُوهُنَّ) العضل المنع ، داء عضال : ممتنع أن يداوي ، فلان عضلة : داهية ، لامتناعه بدهائه ، أو العضل : التضييق ، أعضل بالجيش الفضاء ، وقال عمر رضي الله تعالى عنه : «أعضل رأيي في أهل العراق لا يرضون عن وال ولا يرضى عنهم وال». نزلت في معقل بن يسار (١) لما طلقت أخته ، رغب مطلقها في نكاحها فعضلها ، أو نزلت في جابر بن عبد الله (٢) طلقت بنت عم له ثم رغب زوجها في نكاحها فعضلها ، أو تعم كل ولي عاضل.

(تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) بالزوج الكافي ، أو بالمهر.

(وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٣))

(حَوْلَيْنِ) من حال الشيء إذا انقلب ، لانقلابه عن الوقت الأول واستحالة الكلام انقلابه عن الصواب ، أو من التحول عن المكان ، لانتقاله من الزمن الأول.

(كامِلَيْنِ) قيدهما بالكمال ، لأنهم يطلقون الحولين يريدون أحدهما وبعض الآخر ، ومنه (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ) [البقرة : ٢٠٣] ، أمر بإكمالها لمن كان حملها ستة أشهر لقوله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) [الأحقاف : ١٥] ، فإن كان حملها تسعا أرضعت إحدى وعشرين شهرا ، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أو هو عام في كل مولود طالت مدة حمله ، أو قصرت.

(الْمَوْلُودِ لَهُ) الأب ، عليه رزق الأم المطلقة إذا أرضعت ولدها ومؤنتها.

__________________

(١) معقل بن يسار بن عبد الله المزنى ، يكنى أبا علي ، وقيل كنيته أبو عبد الله ، وقيل أبو يسار ، أسلم قبل الحديبية وشهد بيعة الرضوان. انظر الإصابة في تمييز الصحابة (٦ / ١٨٤ ، ترجمة ٨١٤٨).

(٢) جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصارى السلمى ، يكنى أبا عبد الله ، وأبا عبد الرحمن ، وأبا محمد ، أحد المكثرين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، له ولأبيه صحبة ، غزا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تسع عشرة غزوة ، وكان لجابر بن عبد الله حلقة في المسجد النبوى يؤخذ عنه العلم. انظر ترجمته : الإصابة (١ / ٤٣٤ ، ترجمة ١٠٢٧).

٨٥

(بِالْمَعْرُوفِ) بأجرة مثلها ، أو رزق الأم المنكوحة وكسوتها بالمعروف لمثلها على مثله من يسار ، أو إعسار.

(لا تُضَارَّ والِدَةٌ) لا تمتنع من الإرضاع إضرارا بالأب عند الجمهور ، أو الوالدة هي الظئر ، ولا ينتزع الأب المولود له الولد من أمه إضرارا.

(وَعَلَى الْوارِثِ) وهو المولود ، أو الباقي من أبويه بعد موت الآخر ، أو وارث الوالد ، أو وارث الابن من عصبته كالعم وابنه ، والأخ وابنه دون الوارث من النساء ، أو ذوي الرحم المحرم من الورثة ، أو الأجداد ثم الأمهات.

(مِثْلُ ذلِكَ) ما كان على الأب من أجرة رضاعه ونفقته ، أو من أن لا تضار والدة بولدها.

(فِصالاً) فطاما بفصل الولد من ثدي أمه ، فاصلت : فلانا فارقته.

(وَتَشاوُرٍ) التشاور : استخراج الرأي بالمشاورة. والفصال بالتراضي قبل الحولين ، أو قبلهما وبعدهما.

(تَسْتَرْضِعُوا) لأولادكم بحذف اللام اكتفاء بأن الاسترضاع لا يكون إلا للولد وهذا عند امتناع الأم من رضاعه.

(سَلَّمْتُمْ) إلى الأمهات أجر رضاعهن قبل امتناعهن ، أو سلمتم الأولاد إلى المرضعة برضى الأبوين ، أو سلمتم إلى الظئر أجرها.

(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤))

(أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) زيدت العشر لأن الروح تنفخ فيها قاله ابن المسيب ، وأبو العالية ، وفي وجوب الإحداد فيها قولان : قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأسماء بنت عميس لما أصيب جعفر بن أبي طالب : «تسلبي ثلاثا ثم اصنعي ما شئت» (١).

(فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ) أي في تزوجكم بهن ، أو سقط عنكم الإنكار عليهن إذا تزوجن بعد الأجل.

(بِالْمَعْرُوفِ) بالنكاح المباح ، أو بالطيب والزينة والانتقال من المسكن نسخت هذه

__________________

(١) أخرجه أحمد (٦ / ٤٣٨ ، رقم ٢٧٥٠٨) ، والبيهقى (٧ / ٤٣٨ ، رقم ١٥٣٠٠). وقوله : تسلبى : أى البسى ثوب الحداد.

٨٦

لقوله تعالى :

(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ) وتقدم الناسخ على المنسوخ ، لأن القارىء إذا وصل إلى الناسخ واقتصر عليه أجزأه.

(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥))

(عَرَّضْتُمْ) الإشارة بالكلام إلى ما ليس له فيه ذكر ، كقوله ما عليك أيمة ، ورغب راغب فيك ، ولعل الله أن يسوق إليك خيرا.

(خِطْبَةِ) طلب النكاح ، والخطبة : الكلام الذي يتضمن الوعظ والإبلاغ.

(أَكْنَنْتُمْ) سترتم. (سِرًّا) زنا ، أو الجماع ، أو قوله :

«لا تفوتيني نفسك» أو نكاحها في العدة سرا ، أو أخذه ميثاقها أن لا تنكح غيره.

(قَوْلاً مَعْرُوفاً) هو التعريض. (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ) على عقدة يريد التصريح.

(الْكِتابُ أَجَلَهُ) فرض الكتاب ، أو أراد بالكتاب الفرض تشبيها بكتاب الدّين.

(لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦))

(أَوْ تَفْرِضُوا) بمعنى ولم تفرضوا أو فرضتم أو لم تفرضوا فحذف فرضتم.

(فَرِيضَةً) صداقا ، سمي بذلك ، لأنه أوجبه على نفسه ، وأصل الفرض الواجب.

(وَمَتِّعُوهُنَّ) بمال ينتفعن به بقدر نصف صداق المثل ، أو يقدرها الحاكم باجتهاده ، أو خادم ودون ذلك الورق ، ودون ذلك الكسوة وهي واجبة لكل مطلقة ، أو لغير المدخول بها إذا لم يسمّ لها صداقا ، أو لكل مطلقة إلا غير المدخول بها ، أو هي مندوب إليها.

(وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٧))

(فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) فلكم استرجاعه ، أو فهو لهن ليس عليكم غيره.

(إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) ليكون مرغبا للأزواج في خطبتها. (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) الولي ، أو الزوج ، أو أبو البكر.

٨٧

(وَأَنْ تَعْفُوا) أيها الأزواج أو الأزواج والزوجات. (لِلتَّقْوى) إلى اتقاء المعاصي ، أو إلى أن يتقي كل واحد منهما ظلم الآخر.

(حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (٢٣٨))

(حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) بذكرها ، أو تعجيلها. (الْوُسْطى) خصت بالذكر لانفرادها بالفضل ، وهي العصر ، لقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«حبسونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر» (١) ، أو الظهر ، لأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يصيلها بالهاجرة فلم يكن على الصحابة أشد منها فنزلت ، لأن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين ، أو المغرب لتوسط عددها ، وأنها لا تقصر ، أو الصبح ، لقوله تعالى.

(وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) ولا قنوت في غيرها ، أو هي مبهمة في الخمس غير معينة ليكون أبلغ في المحافظة على جميعها.

(قانِتِينَ) القنوت من الدوام على أمر واحد ، أو من الطاعة ، أو من الدعاء يريد طائعين ، أو ساكتين عن منهي الكلام ، أو خاشعين عن العبث والتلفت ، أو داعين ، أو طول القيام ، أو القراءة.

(فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (٢٣٩))

(فَرِجالاً) جمع راجل كقائم وقيام ، ولا يغير الخوف عدد الصلاة عند الجمهور ، وقال الحسن :

«صلاة الخوف ركعة» وفي وجوب قضائها مذهبان.

(فَاذْكُرُوا اللهَ) فصلوا كما علمكم ، أو فاذكروه بحمده ، والثناء عليه.

(كَما عَلَّمَكُمْ) من أمر دينكم (ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ).

(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٤٠))

(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ) نسخت الوصية بآية المواريث ، والحول بأربعة أشهر وعشر.

(وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١))

__________________

(١) أخرجه الطبراني (٢٣ / ٣٤١ ، رقم ٧٩٣). قال الهيثمى (١ / ٣١٠) : فيه مسلم الملائى الأعور ، وهو ضعيف.

٨٨

(وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ) كل مطلقة ، أو الثيب المجامعة ، أو لما نزل (حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) [البقرة : ٢٣٦] قال رجل : إن أحسنت فعلت وإن لم أر ذلك لم أفعل. فنزل (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) وخصوا بالذكر تشريفا.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٢٤٣))

(أُلُوفٌ) مؤتلفو القلوب ، أو ألوف في عددهم أربعة آلاف ، أو ثمانية آلاف ، أو بضعة وثلاثون ألفا ، أو أربعون ألفا ، والألوف تستعمل فيما زاد على عشرة آلاف.

(حَذَرَ الْمَوْتِ) فروا من الجهاد ، أو من الطاعون إلى أرض لا طاعون بها فلما خرجوا ماتوا ، فمر بهم نبي فدعا أن يحيوا فأجيب.

(فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا) عبّر عن الإماتة بالقول كما يقال : قالت السماء فمطرت ، أو قال قولا سمعته الملائكة ، وإحياؤهم معجزة لذلك النبي.

(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥))

(قَرْضاً حَسَناً) في الجهاد ، أو أبواب البر. (أَضْعافاً كَثِيرَةً) سبعمائة ضعف ، أو ما لا يعلمه إلا الله.

(يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ) في الرزق ، أو يقبض الصدقات ويبصط الجزاء.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٢٤٦))

(الْمَلَإِ) الأشراف.

(لِنَبِيٍّ لَهُمُ) سمويل ، أو يوشع بن نون ، أو سمعون ، سمته أمه بذلك لأن الله تعالى سمع دعاءها فيه ، طلبوا ذلك لقتال العمالقة ، أو الجبارين الذي استذلوهم.

(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٤٧))

(طالُوتَ) لم يكن من سبط النبوة ولا المملكة. (بَسْطَةً) زيادة في العلم ، وعظما في الجسم ، كانا قبل الملك ، أو زاده ذلك بعد الملك.

٨٩

(واسِعٌ) الفضل ، أو موسع على خلقه ، أو ذو سعة.

(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٤٨))

(سَكِينَةٌ) ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان ، أو طست ذهب من الجنة كان يغسل فيه قلوب الأنبياء ، أو روح من الله تتكلم ، أو ما تعرفونه من الآيات فتسكنون إليه ، أو الرحمة ، أو الوقار.

(وَبَقِيَّةٌ) عصا موسى عليه الصلاة والسّلام ، ورضاض الألواح ، أو العلم ، أو التوراة ، أو الجهاد في سبيل الله تعالى ، أو التوراة وشيء من ثياب موسى عليه الصلاة والسّلام ، كان قدر التابوت ثلاثة أذرع في ذراعين.

(تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) بين السماء والأرض يرونه عيانا ، ويقال نزل آدم عليه الصلاة والسّلام بالتابوت والركن. وكان التابوت بأيدي العمالقة غلبوا عليه بني إسرائيل ، أو كان ببرية التيه خلفه بها يوشع بن نون ، وقيل إن التابوت وعصا موسى عليه الصلاة والسّلام في بحيرة الطبرية ، وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة.

(فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩))

(بِنَهَرٍ) نهر بين الأردن وفلسطين ، أو نهر فلسطين ابتلوا به لشكايتهم قلة الماء وخوف العطش.

(مِنِّي) من أهل ولايتي. (غُرْفَةً) الفعل والغرفة اسم المغروف. (قَلِيلاً) ثلاثمائة وبضعة عشر عدة أهل بدر ، ومن استكثر منه عطش.

(جاوَزَهُ) مع المؤمنين والكافرين ثم انخزلوا عن المؤمنين ، وقالوا : لا طاقة لنا اليوم بجالوت ، أو لم يجاوزه إلا مؤمن.

(قالُوا لا طاقَةَ) قاله الكفار المنخزلون ، أو من قلّت نصرته من المؤمنين.

(يَظُنُّونَ) يوقنون ، أو يتوقعون. (أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ) بالقتل في تلك الواقعة.

(مَعَ الصَّابِرِينَ) بالنصر والمعونة.

(فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا

٩٠

يَشاءُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٢٥١))

(فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ) بنصر الله ، أضاف الهزيمة إليهم تجاوزا لأنهم بالإلجاء إليها صاروا سببا لها.

(وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ) رماه بحجر بين عينيه فخرج من قفاه فقتل جماعة من عسكره ، وكان نبيا قبل قتله لوقوع هذا الخارق على يديه ، أو لم يكن نبيا ، لأنه لا يجوز أن يولى على النبي من ليس بنبي.

(الْمُلْكَ) السلطان. (وَالْحِكْمَةَ) النبوة. (وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) قيل صنعة الدروع ، والتقدير في السرد.

(دَفْعُ اللهِ) الهلاك عن البر الفاجر ، أو يدفع باللطف للمؤمن وبالرعب في قلب الكافر.

(لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) لعم فسادها.

(اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٢٥٥))

(الْحَيُّ) ذو الحياة ، أو تسمى به لتصريفه الأمور وتقديره الأشياء ، أو اسم تسمى به فيقبل تسليما لأمره.

(الْقَيُّومُ) القائم بتدبير الخلق ، أو القائم على كل نفس بما كسبت فيجزيها بما علمه منها ، أو القائم الموجود ، أو العالم بالأمور ، قام فلان بالكتاب إذا كان عالما به ، أو أخذ من الاستقامة.

(سِنَةٌ) نعاس ، والنعاس ما كان في العين ، فإذا صار في القلب صار نوما.

(ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) الدنيا. (وَما خَلْفَهُمْ) الآخرة.

(كُرْسِيُّهُ) علمه ، أو العرش ، أو سرير دون العرش ، أو موضع القدمين ، أو الملك وأصل الكرسي : العلم ومنه الكراسة ، والعلماء كراس ، لأنه يعتمد عليهم كما قيل : أوتاد الأرض.

(وَلا يَؤُدُهُ) لا يثقله إجماعا ، والضمير عائد إلى الله تعالى أو إلى الكرسي.

(الْعَلِيُّ) بالاقتدار ، ونفوذ السلطان ، أو العلي : عن الأشباه والأمثال.

(لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ

٩١

اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦))

(لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) في الكتابي إذا بذل الجزية ، أو نسخت بفرض القتال ، أو كانت المقلاة من الأنصار تنذر إن عاش لها ولد أن تهوّده رجاء لطول عمره ، وذلك قبل الإسلام ، فلما أجلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بني النضير وفيهم أولاد الأنصار ، قالت الأنصار كيف نصنع بأبنائنا فنزلت قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

(بِالطَّاغُوتِ) الشيطان ، أو الساحر ، أو الكاهن ، أو الأصنام ، أو مردة الإنس والجن ، أو كل ذي طغيان على الله تعالى عبده من دونه بقهر منه أو بطاعة إنسانا كان أو صنما.

(بِالْعُرْوَةِ) الإيمان بالله تعالى.

(لَا انْفِصامَ) لا انقطاع ، أو لا انكسار ، أصل الفصم الكسر.

(اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥٧))

(مِنَ الظُّلُماتِ) الضلالة إلى الهدى.

(مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) نزلت في مرتدين ، أو في كافر أصلي ، لأنهم بمنعهم من الإيمان كأنهم أخرجوهم منه.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٢٥٨))

(الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ) عليه الصلاة والسّلام : النمرود بن كنعان أو من تجبر في الأرض وادّعى الربوبية.

(آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) الضمير لإبراهيم عليه الصلاة والسّلام ، أو لنمرود.

(أُحْيِي وَأُمِيتُ) أترك من لزمه القتل ، وأقتل بغير سبب يوجب القتل. عارض اللفظ بمثله ، وعدل عن اختلاف الفعلين ، فلذلك عدل إبراهيم عليه الصلاة والسّلام إلى حجة أخرى لظهور فساد ما عارض به ، أو عدل عما شغب به إلى ما لا إشغاب فيه ، استظهارا عليه.

(فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ) لم يعارضه نمرود بأن يأتي بها ربه ، لأن الله خذله بالصّرفة عن ذلك ، أو علم أنه لو طلب ذلك لفعل لما رآه من الآيات فخاف ازدياد الفضيحة.

(فَبُهِتَ) تحيّر ، أو انقطع.

(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ

٩٢

مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٥٩))

(كَالَّذِي مَرَّ) عزير ، أو أرميا ، أو الخضر.

(قَرْيَةٍ) بيت المقدس لما خربه بختنصر ، أو القرية التي خرج منها الألوف حذر الموت.

(خاوِيَةٌ) خراب ، أو خالية من الخواء وهو الخلو ، ومنه خوت الدار ، والخواء الجوع لخلو البطن.

(عُرُوشِها) العروش البناء. (يُحْيِي هذِهِ اللهُ) بالعمارة. (بَعْدَ مَوْتِها) بالخراب.

(يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) قال ذلك ، لأنه مات أول النهار ، وعاش بعد المائة آخر النهار فقال : يوما ، ثم رأى بقية الشمس فقال : أو بعض يوم.

(لَمْ يَتَسَنَّهْ) لم يأت عليه السنون فيتغير ، أو لم يتغير بالأسن.

(نُنْشِزُها) نحييها ، من نشر الثوب ، لأن الميت كالثوب المطوي ، لانقباضه عن التصرف فإذا عاش فقد انتشر بالتصرف.

(نُنْشِزُها) نرفع بعضها إلى بعض ، النشز المكان المرتفع ، نشزت المرأة لارتفاعها عن طاعة زوجها ، قاله ملك ، أو نبي ، أو بعض المعمرين ممن شاهد موته وحياته.

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠))

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي) لما حاجه نمرود في الإحياء ، أو رأى جيفة تمزقها السباع.

(أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) ألف إيجاب.

ألستم خير من ركب المطايا.

(لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) بعلم المشاهد بعد علم الاستدلال من غير شك.

(أَرْبَعَةً) ديك وطاوس ، وغراب ، وحمام.

(فَصُرْهُنَّ) بالضم والكسر واحد ضمهن إليك ، أو قطعهن فيتعلق إليك بخذ.

(عَلى كُلِّ جَبَلٍ) أربعة أجبال ، أو سبعة ، أو كل جبل.

٩٣

(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦١))

(فِي سَبِيلِ اللهِ) الجهاد ، أو أبواب البر كلها ، فالنفقة في الجهاد بسبعمائة ضعف ، وفي غيره بعشرة أمثاله ، أو تجوز مضاعفتها بسبعمائة.

(واسِعٌ) لا يضيق عن الزيادة (عَلِيمٌ) بمستحقها ، أو (واسِعٌ) الرحمة لا يضيق عن المضاعفة (عَلِيمٌ) بالنفقة.

(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢))

(مَنًّا) كقوله : أحسنت إليك ونعشتك. (أَذىً) كقوله : من أبلاني بك وأنت أبدا فقير.

(وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) في ثواب الآخرة ، أو من أهوالها.

(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (٢٦٣))

(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) حسن.

(وَمَغْفِرَةٌ) وعفو عن أذى السائل ، أو سلامة عن المعصية.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٢٦٤))

(لا تُبْطِلُوا) فضل صدقاتكم دون ثوابها ، بخلاف المرائي فإنه لا ثواب له ، لأنه لم يقصد وجه الله تعالى.

(صَفْوانٍ) جمع صفوانة وهي حجر أملس. والوابل : المطر الشديد الواقع. والصلد : من الحجارة ما صلب ، ومن الأرض : ما لم ينبت تشبيها بالحجر.

(شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) أنفقوا ، لما طلبوا بها الكسب سميت كسبا ، وهو مثل المرائي في بطلان ثوابه ، والمانّ في بطلان فضله.

(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٦٥))

(وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أين يضعون الصدقة ، أو توطينا لها بالثبوت على الطاعة ، أو بقوة اليقين ، ونصرة الدين.

٩٤

(بِرَبْوَةٍ) مكان مرتفع ، نبتها أحسن ، وريعها أكثر.

(أُكُلَها) الأكل للطعام. (ضِعْفَيْنِ) مثلين ، ضعف الشيء : مثله زائدا عليه ، وضعفاه :

مثلاه زائدا عليه عند الجمهور ، أو ضعف الشيء : مثلاه.

(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦))

(إِعْصارٌ) ريح تهب من الأرض إلى السماء كالعمود ، لأنها تلتف كالتفاف الثوب المعصور ، وتسميها العامة الزوبعة قال :

إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا

مثل لانقطاع أجر المرائي عند حاجته ، أو مثل للمفرط في الطاعة بملاذ الدنيا ، أو للذي يختم عمله بفساد. قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٢٦٧))

(أَنْفِقُوا) الزكاة المفروضة ، أو التطوع. (كَسَبْتُمْ) من الذهب والفضة ، أو من التجارة. (أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) من الزروع والثمار.

(وَلا تَيَمَّمُوا) الخليل أممته : قصدت أمامه ، ويممته : تعمدته من أي جهة كان ، أو هما سواء.

(الْخَبِيثَ) حشف كانوا يجعلونه في تمر الصدقة ، أو الحرام ، والخبيث : الرديء من كل شيء.

(تُغْمِضُوا) تتساهلوا ، أو تحطوا في الثمن أو إلّا أن يوكس.

(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩))

(الْحِكْمَةَ) الفقه في القرآن ، أو العلم بالدين ، أو الفهم أو النبوة ، أو الخشية ، أو الإصابة ، أو الكتابة.

(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٧١))

(فَنِعِمَّا هِيَ) ليس في إبدائها كراهة.

٩٥

(وَإِنْ تُخْفُوها) صدقة التطوع ، أو الفرض والتطوع.

(مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) من زائدة ، أو للتبعيض ، لأن الطاعة بغير التوبة لا تكفّر إلا الصغائر.

(لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣))

(لِلْفُقَراءِ) فقراء المهاجرين.

(أُحْصِرُوا) امتنعوا من المعاش خوف الكفار ، أو منعهم الكفار بخوفهم منهم.

(ضَرْباً) تصرفا أو تجارة. (بِسِيماهُمْ) بخشوعهم ، أو فقرهم. (إِلْحافاً) إلحاحا في السؤال.

(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤))

(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) نزلت في علي رضي الله عنه كان معه أربعة دنانير فأنفقها على هذا الوجه ، أو في النفقة على خيل الجهاد ، أو في كل نفقة طاعة.

(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧٥))

(يَأْكُلُونَ) يأخذون عبّر به عن الأخذ ، لأنه الأغلب والربا : الزيادة على الدّين لمكان الأجل ، ربا السويق زاد.

(لا يَقُومُونَ) من قبورهم يوم القيامة. (يَتَخَبَّطُهُ) يتخنقه الشيطان في الدنيا.

(مِنَ الْمَسِّ) وهو الجنون ، وذلك لغلبة السوداء ، فنسب إلى الشيطان تشبيها بما يفعله من إغوائه به ، أو هو فعل للشيطان ، لجوازه عقلا ، وهو ظاهر القرآن.

(إِنَّمَا الْبَيْعُ) قالته ثقيف ، وكانوا من أكثر العرب ربا.

(ما سَلَفَ) ما أكل من الربا لا يلزمه رده.

(يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦))

(يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا) ينقصه شيئا بعد شيء ، من محاق الشهر ، لنقصان الهلال فيه.

(وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) يضاعف أجرها وعدا منه واجبا ، أو ينمي المال الذي أخرجت منه.

٩٦

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨))

(وَذَرُوا ما بَقِيَ) نزلت في بقية من الربا للعباس ، ومسعود ، وعبد يا ليل ، وحبيب ، وربيعة.

(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) على ظاهره ، أو من كان مؤمنا فهذا حكمه.

(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (٢٧٩))

(لا تَظْلِمُونَ) بأخذ زيادة على رأس المال.

(وَلا تُظْلَمُونَ) بنقص رأس المال.

(وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٨٠))

(فَنَظِرَةٌ) يجب الإنظار في دين الربا خاصة ، أو في كل دين ، أو الإنظار في دين الربا بالنص وفي غيره بالقياس.

(مَيْسَرَةٍ) أن يوسر عند الأكثر ، أو الموت عند إبراهيم. (وَأَنْ تَصَدَّقُوا) على المعسر بالإبراء خير من الإنظار.

(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٨١))

(إِلَى اللهِ) إلى جزائه ، أو ملكه.

(ما كَسَبَتْ) من الأعمال ، أو الثواب والعقاب.

(لا يُظْلَمُونَ) بنقص ما يستحقونه من الثواب ، ولا بالزيادة على ما يستحقونه من العقاب ، هذه آخر آية نزلت ، وقال ابن جريج : مكث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعدها تسع ليال.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاَّ تَرْتابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ

٩٧

عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٨٢))

(تَدايَنْتُمْ) تجازيتم ، أو تعاملتم. (فَاكْتُبُوهُ) ندب ، أو فرض.

(فَلْيَكْتُبْ) فرض كفاية على الكاتب ، أو واجب في حال فراغه ، أو ندب ، أو نسخ بقوله تعالى.

(وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ) ولا يبخس لا ينقص. (سَفِيهاً) لا يعرف الصواب في إملاء ما عليه ، أو الطفل ، أو المرأة والصبي ، أو المبذر لماله المفسد لدينه.

(ضَعِيفاً) أحمق ، أو عاجزا عن الإملاء لعيّ ، أو خرس. (لا يَسْتَطِيعُ) لعيّه وخرسه ، أو لجنونه ، أو لحبسه ، أو غيبته. (وَلِيُّهُ) ولي الحق ، أو ولي من عليه الدّين.

(وَاسْتَشْهِدُوا) ندب ، أو فرض كفاية.

(تَرْضَوْنَ) الأحرار المسلمون العدول ، أو المسلمون العدول وإن كانوا أرقاء.

(فَتُذَكِّرَ) من الذكر ، أو بجعلها كذكر من الرجال.

(دُعُوا) لتحملها وكتابتها ، أو لأدائها ، أو لهما وذلك ندب ، أو فرض كفاية ، أو فرض عين.

(وَلا تَسْئَمُوا) لا تملوا. (صَغِيراً) لا يراد به التافه الحقير كالدانق لخروجه عن العرف.

(أَقْسَطُ) أعدل. (وَأَقْوَمُ) وأصح من الاستقامة. (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) فرض أو ندب.

(وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ) بأن يكتب ما لم يمل عليه ، ولا يشهد الشاهد بما لم يستشهد ، أو يمنع الكاتب أن يكتب والشاهد أن يشهد ، أو يدعيان وهما مشغولان.

(فُسُوقٌ) معصية ، أو كذب.

(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣))

(آثِمٌ قَلْبُهُ) فاجر ، أو مكتسب لإثم الكتمان.

(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤))

٩٨

(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ) له تدبير ذلك ، أو ملكه.

(وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ) كتمان الشهادة ، أو ما حدّث به نفسه من سوء أو معصية ، فنسخت بقوله تعالى.

(رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا) إلى (الْكافِرِينَ) ، أو هي محكمة فيؤاخذ الإنسان بما أضمره إلا أن الله يغفره للمؤمن فيؤاخذ به الكافر ، أو هي عامة في المؤاخذة بما أضمره ، أو هي عامة ومؤاخذة المسلم بمصائب الدنيا.

(آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥))

(وَكُتُبِهِ) القرآن ، أو جنس الكتب.

(لا نُفَرِّقُ) لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض.

(غُفْرانَكَ) نسألك غفرانك ، وإلى جزائك المصير.

(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٨٦))

(وُسْعَها) طاقتها.

(كَسَبَتْ) من الحسنات. (اكْتَسَبَتْ) من السيئات. (نَسِينا) أمرك أو تركناه.

(أَخْطَأْنا) أصبنا من المعاصي بالشبهات ، أو تعمدنا.

(إِصْراً) عهدا نعجز عن القيام به ، أو لا تمسخنا قردة وخنازير ، أو الذنب الذي لا توبة له ولا كفارة ، أو الثقل العظيم.

(الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) بنو إسرائيل فيما حمّلوه من قتل أنفسهم.

(لا طاقَةَ لَنا بِهِ) من العذاب ، أو مما كلفته بنو إسرائيل.

(مَوْلانا) وليّنا وناصرنا.

٩٩

سورة آل عمران (١)

(نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣))

(بِالْحَقِّ) بالصدق.

(مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) يخبر عما قبله خبر صدق دال على إعجازه ، أو يخبر بصدق الأنبياء فيما أتوا به.

(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٧))

__________________

(١) مقدمة للسورة الكريمة : سورة آل عمران من سور القرآن الكريم المدنية. ترتيبها في المصحف الشريف الثالثة. عدد آياتها مائتا آية. جاءت تسميتها آل عمران لورود ذكر قصة تلك الأسرة الفاضلة ((آل عمران)) وهو والد مريم أم عيسى ، وما تجلى فيها من مظاهر القدرة الإلهية بولادة مريم البتول وابنها عيسى ـ عليهما‌السلام ـ.

وسورة آل عمران من السور العظيمة التي تعالج أمور التشريع ، وجاء في فضلها ما روي عن رسول الله قوله :((يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به ، وتقدمهم سورة البقرة وآل عمران)) أخرجه مسلم.

وسورة آل عمران من السور المدنية الطويلة ، وتناولت العقيدة وإقامة الأدلة والبراهين على وحدانية الله جلّ وعلا ، فقد جاءت الآيات الكريمة لإثبات الوحدانية والنبوة ، وإثبات صدق القرآن ، والردّ على الشبهات التي يثيرها أهل الكتاب حول الإسلام والقرآن وأمر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وتناولت جانب التشريع وبخاصة فيما يتعلق بالمغازي والجهاد في سبيل الله ، وبعض الأحكام الشرعية كفرضية الحج والجهاد ، وأمور الربا ، وحكم مانع الزكاة ، وقد جاء الحديث بالإسهاب عن الغزوات كغزوة بدر وغزوة أحد ، والدروس التي تلقاها المؤمنون من تلك الغزوات ، وقد انتصروا في بدر وهزموا في أحد بسبب عصيانهم لأمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسمعوا بعد الهزيمة من الكفار والمنافقين كثيرا من كلمات الشماتة والتخذيل.

وقد أفاضت السورة الحديث عن النصارى من أهل الكتاب الذين جادلوا في شأن المسيح ، وزعموا ألوهيته ، وكذبوا برسالة محمد ، وأنكروا القرآن ، وقد تناول الحديث عنهم ما يقرب من نصف السورة الكريمة ، وكان فيها الردّ على الشبهات التي أثاروها بالحجج الساطعة والبراهين القاطعة ، وجاء ضمن هذا الرد الحاسم بعض الإشارات والتقريعات لليهود ، والتحذير للمسلمين من كيد ودسائس أهل الكتاب. وختمت بتلك الوصية الفذة الجامعة في فضل الجهاد والمجاهدين (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[آل عمران : ٢٠٠].

١٠٠