السيّد عفيف الدين أبي السيادة عبدالله بن إبراهيم بن حسن بن محمّد أمين ميرغني الحسني المتّقي المكّي الطائفي الحنفي [ المحجوب ]
المحقق: د. عبدالله نذير أحمد مزّي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المكتبة المكيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٨
الكعبة محض الإيمان (١)) أخرجه الجندي.
وعن سعيد بن المسيب رحمهالله : «من نظر إلى الكعبة إيمانا وتصديقا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» (٢) ، وعن عطاء رضياللهعنه : «النظر إلى البيت الحرام عبادة ، والناظر له بمنزلة الصائم القائم الدائم المخبت المجاهد في سبيل الله تعالى» (٣).
[٨٦] [الجلوس في المسجد] :
وعن زهير بن محمد : «الجالس في المسجد ينظر إلى البيت ، لا يطوف ولا يصلي ، أفضل من المصلي في بيته لا ينظر إلى البيت» رواه الأزرقي (٤).
[٨٧] [حكم الصلاة بالكعبة] :
فائدة : الصلاة في الكعبة صحيحة عندنا من غير كراهة بجماعة وغيرها ، كذلك من غير ساتر لكن مع الكراهة.
وما يقوله العامة من العروة الوثقى والمسمار الذي هو سرة الدنيا ، فلا أصل له ، قال الفاسي : «وهذان الأمران لا آثر لهما الآن في الكعبة».
__________________
(١) الأزرقي في أخبار مكة «إسناده ضعيف» كما قال محققه ١ / ٥٠١.
(٢) رواه ابن الجوزي في مثير العزم الساكن ١ / ٢٨٧ ؛ والأزرقي في أخبار مكة ، وقال محققه : «إسناده ضعيف» ١ / ٥٠١.
(٣) ابن الجوزي ١ / ٣٨٨ ، والأزرقي بإسناد ضعيف كما قال محققه ١ / ٥٠٢.
(٤) أخرجه الأزرقي في أخبار مكة ، وقال محققه : «إسناده ضعيف» ١ / ٥٠١.
[٨٨]
٢ ـ [وقت الإجابة في الكعبة]
وملتزم ـ بضم الميم وفتح الزاي ـ ما بين الحجر الأسود والباب على ما عليه الجمهور (١) ، وما ورد عن ابن الزبير رضياللهعنهما أنه دبر البيت ، ردّ عليه ابن عباس : بأن ذلك ملتزم عجائز قريش ويسمى المستجار (٢).
[٨٩] [سبب التسمية] :
وسمى بذلك ؛ لأن الناس يلتزمونه في حوائجهم لتقضى ، ويسمى المتعوذ والحطيم (٣) عند الشافعية ، أي : بعضه.
[٩٠] [أعظم أماكن الإجابة] :
والمراد أنه مما يستجاب عنده الدعاء من غير قيد بوقت على قول الحسن ، وهو ألطف وأيسر ، وبقيد نصف الليل على ما قاله ابن النقاش. وفيه نوع كلفة ، وفضل مولانا لا يحصى ، وهو من أعظم أماكن الإجابة ، فقيل : [ما من أحد] دعا هناك على ظالم إلا هلك ، وقيل : [ما من أحد](٤) حلف هناك كاذبا إلا عجلت عقوبته ، وقال في الشفاء : قال القاضي أبو الفضل : قرأت على القاضي الحافظ الفقيه أبي علي رحمهالله تعالى حدثنا أبو العباس العذري ، قال : ثنا أبو أسامة محمد بن أحمد بن محمد الهروي ، ثنا أبو الحسن بن رشيق ، سمعت أبا الحسن بن محمد ابن الحسن بن راشد ، سمعت أبا بكر
__________________
(١) وهو المشهور ، ومقداره نحو مترين.
(٢) أوردها الطبراني في القرى لقاصد أم القرى ص ٣١٨.
(٣) انظر بالتفصيل : القرى ص ٣١٤.
(٤) في الأصل (من) والمثبت زيدت لدلالة السياق عليه.
محمد ابن إدريس ، سمعت الحميدي قال : سمعت سفيان بن عيينة يقول : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : (ما دعا أحد بشيء في الملتزم إلا استجيب له (١)).
[٩١] [الحديث المسلسل بالإجابة في الملتزم] :
وقال ابن عباس : وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلا استجيب لي.
قال عمرو بن دينار : وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من ابن عباس إلا استجيب لي.
قال سفيان : وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت من عمرو إلا استجيب لي.
قال الحميدي : وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من سفيان إلا استجيب لي.
قال محمد بن إدريس : وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت من الحميدي إلا استجيب لي.
قال أبو الحسن محمد بن الحسن : وأنا ما دعوت الله بشيء في هذا الملتزم منذ سمعته من محمد بن إدريس إلا استجيب لي.
قال أبو أسامة وما أذكر الحسن بن رشيق قال فيه شيئا ، وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من أسامة إلا استجيب لي من أمر الدنيا ، وأنا أرجو أن يستجاب لي من أمر الآخرة.
__________________
(١) أخرجه الديلمي في الفردوس ٤ / ٩٤ ، والحديث أخرجه الأزرقي «عن مجاهد قال : ما بين الباب والركن يدعى الملتزم ، ولا يقوم عبد ثمّ فيدعو الله عزوجل بشيء إلّا استجاب له» ، وقال محققه : «إسناده حسن» ١ / ٤٨٢.
قال العذري : وأنا فما دعوت الله بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا إلا استجيب لي.
قال أبو علي : وأنا قد دعوت الله بأشياء كثيرة وأرجو من سعة فضله أن يستجيب لي بقيتها (١).
وفي منسك ابن جماعة عن ابن عباس رضياللهعنهما أنه قال : «من التزم الكعبة ودعا استجيب له» (٢) ثم قال : «فيجوز أن يكون على عمومه ، ويجوزان أن يكون محمولا على الملتزم» (٣).
[٩٢] [المستجار] :
واعلم أن المستجار : هو ما بين الركن اليماني والباب المسدود في دبر الكعبة (٤) ، يحاذي الملتزم المذكور سابقا ، ويسمى المتعوذ أيضا ، وهو من
__________________
(١) هذا الحديث هو المسلسل بإجابة الدعاء في الملتزم ، أخرجه القاضي عياض في الشفاء مسلسلا ، وقال : ابن مسوي : وهذا حديث غريب حسن من حديث عمرو بن دينار اللمكي عن ابن عباس تفرد به مسلسلا عن محمد بن إدريس المكي كاتب الحميدي عنه ، وقد روي من حديث أبي الزبير المكي عن ابن عباس موقوفا ، ومثله لا يكون رأيا ، ورواية ابي الزبير أخرجها سعيد بن منصور ، والبيهقي في سننهما وهو شاهد قوي ، أخرجه الديلمي في مسند الفردوس من وجه آخر عن محمد بن الحسن بن راشد الأنصاري تلميذ محمد بن إدريس مسلسلا.
هامش القرى لقاصد أم القرى ص ٣١٦.
(٢) رواه الأزرقي في أخبار مكة وإتمامه (فقيل له : وإن كانت استلامة واحدة ، قال : وإن كانت ، أوشك من برق الخلّب) وقال المحقق : «إسناده ضعيف» ١ / ٤٨٥.
(٣) هداية السالك لابن جماعة ١ / ٧٠.
(٤) ومساحته : أربعة أذرع ، ويسمى ذلك الموضع : المستجار من الذنوب ، كما في شفاء الغرام ١ / ١٩٦.
أماكن الإجابة. ذكره في المنسك الكبير وغيره.
وعن معاوية رضياللهعنه : من دعا فيه استجيب له ، وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، قال المحب الطبري : ومثل هذا لا يقوله إلا عن لسان النبوة (١) ، وكان بعض السلف والخلف يلتزمونه ، منهم : عمر بن عبد العزيز وأيوب السختياني (٢).
تتمة : اختلف مشايخنا في إتيان الملتزم بعد الطواف ، فقيل : يأتي إليه بعد الركعتين ، وقيل : قبلهما ، وقيل : بعد الصلاة والشرب من زمزم ، وهذا في غير طواف الوداع ، أما فيه فيأتي إليه بعد الشرب.
[٩٣] [صفة الالتزام] :
والالتزام مستحب عندنا ، وصفته : أن يضع صدره وخده الأيمن على الجدار ويرفع يده اليمنى واليسرى إلى جهة الحجر ، أو يرفع أحدهما ، أو يرفعهما مبسوطتين على رأسه على الجدار قائمتين ، ويتعلق بالأستار متضرعا خاشعا داعيا باكيا مكبرا مهللا ، مصليا على النبي صلىاللهعليهوسلم (٣).
وعن عمرو بن العاص رضياللهعنه : أنه طاف بالبيت ، واستلم الحجر ، وقام بين الركن والباب ، فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه وبسطهما بسطا ، وقال : كذا رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يفعله (٤).
__________________
(١) القرى لقاصد أم القرى ص ٣١٨.
(٢) انظر : القرى لقاصد أم القرى ص ٣٨٦.
(٣) انظر منسك الكرماني (المسالك في المناسك) ١ / ٦٢٦ ـ ٦٢٧.
(٤) أخرجه أبو داود (١٨٩٩).
[٩٤] [بعض الأدعية المأثورة] :
ومن دعائه : «يا واجد يا ماجد لا تزل عني نعمة أنعمت بها عليّ» ودعاء آدم عليهالسلام ـ أخرج الأزرقي في تاريخه ـ أن آدم عليهالسلام طاف بالبيت سبعا حين نزل ، ثم صلى تجاه الكعبة ركعتين ، ثم أتى الملتزم فقال : اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي ، وتعلم حاجتي فاعطني سؤلي ، وتعلم ما في نفسي وما عندي ، فاغفر لي ذنوبي ، اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي ، ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبت لي ، والرضا بما قضيت علي. فأوحى الله تعالى : يا آدم قد دعوتني بدعوات واستجبت لك ، ولن يدعوني بها أحد من ذريتك إلا كشفت همومه وغمومه ، وكففت ضيعته ، ونزعت الفقر من قلبه وجعلت الغنى بين يديه ، واتجرت له من وراء كل تاجر ، وأتته الدنيا وهي راغمة وإن كان لا يريدها (١).
ومن المستحسن : إلهي وقفت ببابك ، والتزمت بأعتابك ، وأرجو رحمتك وأخشى عذابك ، اللهم حرّم شعري وبشري على النار ، اللهم كما منعت وجهي عن السجود لغيرك فصن وجهي عن مسألة غيرك ، اللهم يا رب البيت العتيق أعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا من النار ، يا كريم يا غفار ، يا عزيز يا جبار ، ويقول : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (١٢٧) [البقرة].
__________________
(١) أخرجه البيهقي في الدعوات الكبير ١ / ١٧٠ ؛ والرازي في علل الحديث ٢ / ١٨٨.
[٩٥]
٣ ـ [موقف عرفة]
والموقفين ، أي : يستجاب الدعاء في الموقفين ، وهما : موقف عرفة ، وموقف مزدلفة.
أما موقف عرفة فيستجاب فيه الدعاء حال تلبسه بإحرام الحج ، وبعد الزوال إلى الصبح ، كذا قال الملّا علي في شرح الحصن الحصين ، وهو مقيد ، وقد ذكره كثير من علمائنا من غير تقييد ، وفضل الله عظيم ، وقال العصامي في نظمه : عند مغيب الشمس ، قال شارحه : لعله باعتبار الأكمل ، وإلا فيوم عرفة كله يستجاب الدعاء فيها كما ورد.
[٩٦] [تسمية عرفة] :
وسميت عرفات بذلك ؛ لأن إبراهيم عليهالسلام عرف أن الحكم من الله فيه ؛ أو لأن جبريل عرّفه المناسك فيه ؛ أو لأن آدم وحواء تعارفا فيه بعد الهبوط إلى الأرض.
[٩٧] [إجابة الدعاء بعرفات] :
وهو من أجل أماكن الإجابة وأعظمها (١) ، وكان صلىاللهعليهوسلم يجتهد في الدعاء فيه ، حتى روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة فاستجاب له إلا في الدماء والمظالم ، أخرجه ابن ماجه (٢) وهو ضعيف بالعباس بن مرداس ، فإنه منكر الحديث ساقط الاحتجاج ، كما ذكره الحفاظ ، لكن له شواهد كثيرة.
__________________
(١) انظر القرى لقاصد أم القرى ص ٣٨٦.
(٢) ابن ماجه (٣٠١٣) ، والبيهقي في السنن الكبرى ٥ / ١١٨.
[٩٨] [فضل يوم عرفة] :
فمنها : ما رواه أحمد بإسناد صحيح عن ابن عباس رضياللهعنهما كان فلان رديف رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم عرفة ، قال : فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن ، قال : فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : (إنّ هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره غفر له (١)).
منها ما رواه البخاري مرفوعا : (من حج ثلاث حجج فلم يرفث ولم يفسق ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه (٢)).
ومنها ما رواه مسلم في صحيحه مرفوعا : (إن الإسلام يهدم ما كان قبله ، وإن الهجرة تهدم ما كان قبلها ، وإن الحج يهدم ما كان قبله (٣)).
ومنها ما رواه مالك في الموطأ مرفوعا : (ما رؤي الشيطان يوما هو أصغر ولا أدحر ولا أغيظ منه في هذا اليوم ، وما ذاك إلا لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام ، إلا ما رأى يوم بدر ، فإنه رأى جبريل يزع الملائكة (٤)).
[٩٩] [تكفير الذنوب] :
وهذا يقتضي تكفير الصغائر والكبائر ، ولو كانت من حقوق العباد ، وقد
__________________
(١) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه ٤ / ٢٦٠ ؛ والإمام أحمد في المسند ١ / ٣٢٩ ؛ وأورده الهيثمي في المجمع وقال : «رواه أحمد وأبو يعلي والطبراني في الكبير .. ورجال أحمد ثقات» ٣ / ٢٥١.
(٢) ولفظ البخاري : (من حج هذا البيت) (لله) (١٧٢٢ ، ١٤٤٩) ولفظ (ثلاث حجج) رواه الدمشقي في سياق آخر ٨ / ٢٨٥.
(٣) أخرجه مسلم (١٢١).
(٤) الموطأ (٩٤٤).
قال به جماعة من الشافعية كالشيخ ابن حجر العسقلاني وصنف فيه ، والشهاب الرملي وولده ، وقيده بأن يموت في أثناء النسك ولم يتمكن من ردّ المظالم ، وذكر القاضي عياض رحمهالله تعالى : أن أهل السنة أجمعوا على أن الكبائر لا يكفرها إلا التوبة ، فالحاصل أن المسألة ظنية وأن الحج لا يقطع فيه بتكفير الكبائر من حقوق الله فضلا عن حقوق العباد ، وإن قلنا بالتكفير للكل ، فليس معناه كما يتوهمه كثير من الناس أن الدّين يسقط عنه ، وكذا قضاء الصلوات والصيامات والزكوات ؛ إذ لم يقل أحد بذلك ، وإنما المراد أن إثم مطل الدين ، وتأخره يسقط بعد الوقوف بعرفة ، وإذا مطل الآن صار آثما ، وكذا إثم تأخير الصلاة عن أوقاتها يرتفع بالحج لا القضاء ، ثم بعد الوقوف بعرفة يطالب بالقضاء ، فإن لم يفعل كان آثما على القول بفوريته ، وكذا البقية على هذا القياس ، وبالجملة فلم يقل أحد بمقتضى عموم الأحاديث الواردة في الحج كما لا يخفى ، انتهى ملخصا من البحر الرائق.
[١٠٠] [أحكام الوقوف بعرفة] :
تتمة : الوقوف بعرفة أعظم (١) ركني الحج عندنا.
__________________
(١) وعرفات تقع إلى الجنوب الشرقي من المسجد الحرام على بعد ٢٢ كم ، وإجمالي مساحتها ٤ ، ١٠ كم مربع. انظر : تاريخ مكة قديما وحديثا ص ١١٥.
حدود عرفات : الحد الشمالي : ملتقى وادي (وصيق) بوادي (عرنة) الغربي : هو وادي عرنة ، (وهذا الوادي فاصل بين الحرم وبين عرفات ، فليس واحدا منهما).
الجنوبي : هو ما بين الجبال الجنوبية لعرفات ، وبين وادي عرنة.
الشرقي : هي الجبال المقوسة على ميدان عرفات ، ابتداء من الثنية التي تنفذ إلى طريق الطائف وتستمر سلسلة تلك الجبال حتى تنتهي بجبل سعدن وتعتبر وجوه الجبال المحيطة بعرفات من عرفات.
نيل المآرب (الاختيارات الجليلة) للبسام ٢ / ٢٥٠.
وقدره : لحظة مطلقا في وقته ، ومكانه ، وبإحرامه ، ولو مارا وبأي حال كان.
ووقته : من زوال الشمس إلى طلوع فجر النحر.
ومكانه : عرفات كلها إلى عرنة ، وإحرامه بنية الحج والتلبية ، وما يقوم مقامها ، وليس القيام من شرط الوقوف ، ولا من واجباته.
وواجبه : أن لا ينفر من عرفة قبل الغروب (١).
[١٠١] [سنن الوقوف] :
ومن سننه : الاغتسال ، وتعجيل الوقوف بعد الجمع بين الصلاتين بها ، وأن يكون مفطرا لكونه أعون على الدعاء ، وأن يكون متوضئا ، وأن يقف على راحلته ، وأن يكون مستقبل القبلة وراء الإمام بالقرب منه إن كان ممن يتقرب به ، وأن يكون حاضر القلب ، فارغا عن الأمور الشاغلة عن الدعاء.
[١٠٢] [موقف المصطفى بعرفات] :
وأن يقف عند الصخرات السود موقف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإلا فبقرب منه من غير إيذاء (٢).
__________________
(١) انظر : منسك الكرماني (المسالك في المناسك) ، ١ / ٥٠٠ وما بعدها.
(٢) وفصّل ذلك النووي رحمهالله تعالى بقوله : «قال أصحابنا : وإن كان راكبا جعل نظر راحلته إلى الصخرات لحديث جابر .. ، وإن كان راجلا وقف على الصخرات أو عندها بحسب الإمكان ؛ بحيث لا يؤذي ولا يتأذى ، قال أصحابنا : فإن تعذّر عليه الوصول إليه للزحمة تقرب منه بحسب الإمكان فهذا هو الصواب». المجموع ٨ / ١٣٤ (بتحقيق المطيعي).
[١٠٣] [صعود جبل عرفة] :
وأما ما اشتهر عند العوام من الاعتناء بصعود جبل الرحمة الذي عليه القبة ، وترجيحهم له على غيره من عرفات ، فخطأ ظاهر ومخالف للسنة ، ولم يذكر أحد ممن يعتد به في صعود الجبل فضيلة تختص به ، بل له حكم سائر أراضي عرفات ، غير موقف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإنه أفضل (١) ، إلا الطبري والماوردي فإنهما قالا : بالاستحباب ، قصد هذا الجبل الذي يقال له جبل الدعاء ، قالا : وهو موقف الأنبياء [صلوات الله وسلامه عليهم] ، وما قالاه لا أصل له ، ولم يرد فيه حديث صحيح ولا ضعيف ، كذا ذكر النووي في شرح المهذب (٢).
__________________
(١) انظر بالتفصيل : القرى لقاصد أم القرى ص ٣٨٤.
(٢) وقال النووي في تكملة حديثه : «... فالصواب الاعتناء بموقف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، هو الذي خصه العلماء بالذكر وحثوا عليه وفضلوه ...». المجموع ٨ / ١٣٥.
[١٠٤] [ما يسن في الموقف] :
ومن السنة : أن يكثر الدعاء ، والتكبير ، والتهليل ، والتلبية ، والاستغفار ، وقراءة القرآن ، والصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم ، وليحذر كل الحذر من التقصير في شيء من هذا ، فإن هذا اليوم لا يمكن تداركه ، ويكثر من التلفظ بالتوبة من جميع المخالفات مع الندم بالقلب ، ويكثر البكاء مع الذكر ، فهناك تسكب العبرات ، وتستقال العثرات ، وترتجى الطلبات ، وموقف جسيم يجتمع فيه خيار عباد الله الصالحين وأوليائه المخلصين ، وأعظم مجامع الدنيا.
[١٠٥] [وقفة الجمعة] :
وقد قيل : (إذا وافق يومه يوم جمعة غفر لأهل كل الموقف ، إنه أفضل من سبعين حجة في غير يوم جمعة) ، كما ورد في الحديث الشريف (١).
فإن قيل : قد ورد أنه يغفر لجميع أهل الموقف مطلقا ، فما وجه تخصيص ذلك بالجمعة؟
قيل : لأنه يغفر يوم الجمعة بلا واسطة ، وفي غيره يهب قوما لقوم ، وقيل : إنه يغفر في وقفة الجمعة للحاج وغيره ، وفي غيرها للحاج فقط.
[١٠٦] [مغفرة يوم عرفة] :
فإن قيل : قد يكون في الموقف من لا يقبل حجه فكيف يغفر له؟ قيل :
__________________
(١) أورده ابن حجر في الفتح وقال : «هو حديث لا أعرف حاله لأنه لم يذكر صحابيه ولا من أخرجه بل أدرجه في حديث الموطأ الذي ذكره مرسلا عن طلحة بن عبد الله بن كريز ..» ٨ / ٢٧١.
يحتمل أنه يغفر له ولا يثاب ثواب الحج المبرور ، فالمغفرة غير مقيدة بالقبول ، والذي يوجب هذا أن الأحاديث وردت بالمغفرة لجميع أهل الموقف ، ولا بد من هذا القيد والله أعلم. ا ه.
[١٠٧] [ما يحذر في الوقوف] :
من المنسك الكبير : وليحذر كل الحذر من المخاصمة ، والمشاتمة ، والكلام القبيح أيضا في مثل هذا اليوم.
[١٠٨] [ما يشتغل به في الموقف] :
ويتوجه إلى الله تعالى بالقلب والقالب ، والظاهر والباطن ، ويشتغل بالأذكار والأدعية المأثورة ، وهي أولى وأفضل ، أو غيرها مما تيسر ولم تخالف الشرع.
[١٠٩] [أدعية مأثورة للموقف] :
وروى الطبراني في الأوسط ، أنه صلىاللهعليهوسلم لما وقف بعرفات قال : (لبيك اللهم لبيك) ، ثم قال : (إنما الخير خير الآخرة (١)). وفي رواية : (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة (٢)) ، وروى مالك وغيره : (أفضل الدعاء يوم عرفة ، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت وهو حيّ لا يموت ، بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير (٣)).
__________________
(١) أورده الهيثمي في المجمع وقال : «رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن» ٣ / ٢٢٣.
(٢) أورده ابن حجر في التلخيص : «أنه صلىاللهعليهوسلم إذا رأى شيئا يعجبه قال : لبيك إن العيش عيش الآخرة».
(٣) أخرجه مالك في الموطأ ١ / ٢١٤ إلى (لا شريك له) ؛ وروى البيهقي وقال : «هذا مرسل وقد روى عن مالك بإسناد آخر موصولا ووصله ضعيف» ٥ / ١١٧.
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي كرم الله وجهه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (أكثر دعائي ودعاء النبيين من قبلي بعرفة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، اللهم اجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا ، وفي بصري نورا ، اللهم اشرح لي صدري ويسّر لي أمري ، وأعوذ بك من وساوس الصدر وشتات الأمر ، وفتنة القبر ، اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل ، وشر ما يلج في النهار ، وشر ما تهب به الرياح (١)).
وأخرج الترمذي ، وابن خزيمة ، والبيهقي عن علي رضياللهعنه قال : كان أكثر دعاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم عشية عرفة : (اللهم لك الحمد كالذي نقول ، وخيرا مما نقول ، اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي ، وإليك مآبي ولك ربي تراثي ، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر ، وشتات الأمر ، اللهم إني أسالك من خير ما تجيء به الرياح ، وأعوذ بك من شر ما تجيء به الرياح (٢)).
وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضياللهعنهما قال : كان من دعاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم عشية عرفة (اللهم إنك ترى مكاني وتسمع كلامي ، وتعلم سري وعلانيتي ، ولا يخفى عليك شيء من أمري ، أنا البائس الفقير ، المستغيث المستجير الوجل ، المشفق المقر المعترف بذنبه ، أسألك مسألة المسكين ، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل ، وأدعوك دعاء الخائف الضرير ، من خضعت لك رقبته ، وفاضت لك عيناه ونحل لك جسده ، ورغم
__________________
(١) أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه ٦ / ٨٤.
(٢) أخرج الترمذي (٣٥٢٠).
لك أنفه ، اللهم لا تجعلني بدعائك شقيا ، وكن بي رؤوفا رحيما ، يا خير المسؤولين ، يا خير المعطين (١)).
[١١٠] [المغفرة لأهل الموقف] :
وروى جابر رضياللهعنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (ما من مسلم يقف عشية عرفة بالموقف ويستقبل القبلة بوجهه ثم يقول : لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحي ويميت وهو على كل شيء قدير ، مائة مرة ، ثم يقرأ (قل هو الله أحد) مائة مرة ، ثم يقول : اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ، وعلينا معهم (مائة مرة) إلّا قال الله تعالى : يا ملائكتي ، ما جزاء عبدي هذا؟ سبّحني وهلّلني وكبّرني وعظّمني ، وعرفني وأثنى عليّ ، وصلّى على نبيي ، اشهدوا علىّ يا ملائكتي أني قد غفرت له وشفعته في نفسه ، ولو سألني عبدي هذا لشفّعته في أهل الموقف). رواه البيهقي ، وقال : هذا متن غريب وليس في إسناده من ينسب إلى الوضع (٢).
وعن ابن عمر رضياللهعنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (من قرأ قل هو الله أحد عشية عرفة ألف مرة أعطاه الله ما سأله) رواه أبو الشيخ وابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي ، وابن أبي عاصم والطبراني معا في الدعاء ، والبيهقي في الدعوات (٣).
__________________
(١) أورده الهيثمي في المجمع ، وقال : «رواه الطبراني في الكبير والصغير .. وفيه يحيى بن الأبلي» ، قال العقيلي : «روى عنه يحيى بن بكير مناكير ، وبقية رجاله رجال الصحيح» ٣ / ٢٥٢.
(٢) أورده السيوطي في اللآلئ المصنوعة ، وقال : وأورده الحافظ ابن حجر في أماليه وقال : «رواته كلهم موثوقون إلّا الطلحي فإنه مجهول ...» ٢ / ١٠٦ ؛ وأورده ابن الجوزي في مثير العزم ١ / ٢٥٧ ، وفي الموضوعات ٢ / ٢١٢ ، وقال : «هذا حديث موضوع».
(٣) قال المناوي في الفيض : «الخيارى في فوائده عن حذيفة بن اليمان» ٦ / ٢٠٣.
عن ابن مسعود رضياللهعنه قال : ما من عبد ولا أمة دعا الله في كل ليلة عرفة بهذا الدعاء ـ وهي عشر كلمات ألف مرة ـ لم يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه إلا قطيعة رحم ، أو إرادة مأثم : (سبحان الذي في السماء عرشه ، سبحان الذي في السماء سلطانه ، سبحان الذي في الجنة رحمته ، سبحان الذي في القبر قضاؤه ، سبحان الذي في الهواء روحه ، سبحان الذي رفع السماء ، سبحان الذي وضع الأرض ، سبحان الذي لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه) قيل له : أنت سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ قال : نعم.
وروى ابن أبي شيبة موقوفا عن ابن عمر رضياللهعنهما : أنه كان إذا صلى العصر ووقف بعرفة يرفع يديه يقول : الله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر ولله الحمد ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، اللهم اهدني بالهدى ونقني بالتقوى ، ـ وفي رواية أخرى ـ : واعصمني بالتقوى ، واغفر لي في الآخرة والأولى ـ ثلاث مرات ـ اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا ، ثم يرد يديه فيسكت قدر ما يقرأ الإنسان فاتحة الكتاب ، ثم يعود ويرفع يديه ويقول مثل ذلك حتى أفاض (١).
وأخرج الطبراني في الدعاء عن ابن عمر رضياللهعنهما عنه : كان يرفع صوته بالدعاء يقول : «اللهم اهدنا بالهدى وزيّنّا بالتقوى ، واغفر لنا في الآخرة والأولى ، ثم يخفض صوته يقول : اللهم إني أسالك رزقا طيبا مباركا ، اللهم إنك أمرت بالدعاء ، وقضيت على نفسك بالإجابة ، وإنّك لا تخلف وعدك ، ولا تنكث عهدك ، اللهم ما أحببت من خير فحبّبه إلينا ، وما كرهت من شيء فكرّهه إلينا وجنّبناه ، ولا تنزع منا الإسلام بعد إذ هديتنا» (٢).
__________________
(١) أخرجه ابن شيبة في مصنفه ٣ / ٣٣٤.
(٢) ورد نحوه في قسم الحديث للشيخ محمد بن عبد الوهاب ٤ / ١٦٧.
[١١١] [فضل الاشتغال بالذكر] :
وأخرج البيهقي في الشّعب عن بكير بن عتيق ، قال : حججت فتوسمت رجلا أقتدي به ، فإذا سالم بن عبد الله في الموقف يقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ونحن له مسلمون ، لا إله إلا الله ولو كره الكافرون ، لا إله إلا الله ربنا ورب آبائنا الأولين. فلم يزل يقول حتى غربت الشمس ، ثم نظر إليّ وقال : حدثني أبي عن أبيه عمر بن الخطاب رضياللهعنه ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : (يقول الله تبارك وتعالى : من شغله ذكري عن مسألتي ، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين (١)).
قال الملّا علي قاري : وفيه إيماء إلى دفع إشكال مشهور ، وهو أنه صلىاللهعليهوسلم قال : (أكثر دعائي ودعاء الأنبياء من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. الخ) مع أنه ليس فيه دعاء ، وأشار إلى جوابه : بأن الله تعالى يعطي على هذا الثناء أفضل مما يعطيه أهل الدعاء ، وأجيب أيضا : بأن غرض الثناء هو : التعرض للدعاء ، بل هو أبلغ في مقام الاعتناء ، لكن يؤدي الأول المراد به مطلق الذكر : ما أخرجه ابن أبي شيبة ، عن صدقة بن يسار ، قال : سألت مجاهد عن قراءة القرآن يوم عرفة أم الذكر؟ قال بل قراءة القرآن ، ويؤيده ما روي عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : ([يقول الرب تبارك وتعالى] من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي الذاكرين والسائلين (٢)) يقول الفقير : ويمكن أن يجاب : بأن الذكر من الدعاء ، بل هو أعلى مرتبة الدعاء.
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٢٩٢٦) وقال : «حديث حسن غريب».
(٢) رواه الترمذي (٢٩٢٦) وقال : حديث غريب.
[١١٢] [تعريف الدعاء] :
أما لغة : فظاهر ؛ لأنه الرغبة إلى الله تعالى كما في القاموس. وأما اصطلاحا : فكذلك ؛ إذ معناه : رفع الحاجات إلى رافع الدرجات ، وطلب قضائها منه تعالى ، والذاكر قصده بذكره رفع حاجته التي هي طلب زيادة حب الله تعالى وبقاء شهوده ، واتصاله بقربه ، والاستئناس به ، وإن ذكره لكونه أهلا لذلك ، فهو لا يخلو عن الافتقار أيضا وهذا قصد الكمّل ولذا قال : (دعائي ودعاء الأنبياء قبلي) ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
[١١٣] [العتق يوم عرفة] :
وأخرج ابن أبي الدّنيا في كتاب الأضاحي عن علي رضياللهعنه أنّه قال وهو بعرفات : لا أدع هذا الموقف ما وجدت إليه سبيلا ؛ لأنه ليس في الأرض يوم أكثر عتقا للرقاب فيه من يوم عرفة ، فأكثروا فيه من قول : اللهم اعتقني من النار ، وأوسع لي في الرزق الحلال ، واصرف عني فسقة الجن والإنس ، فإنه عامة ما أدعوك به (١).
وليكثر من دعاء الخضر عليهالسلام وهو : «يا من لا يشغله شأن عن شأن ، ولا سمع عن سمع ، ولا تشتبه عليه الأصوات ، يا من لا تغلطه كثرة المسائل ، يا من لا يبرمه إلحاح الملحيّن ولا تضجره كثرة السائلين ، أذقنا برد عفوك ، وحلاوة مغفرتك يا أرحم الراحمين». والدعاء في هذا الباب كثير لكن ما تقدم الشهير.
__________________
(١) رواها ابن الجوزي بسنده في (مثير العزم) ١ / ٢٥٥.
تذييل جليل فيه شفاء للقلب العليل :
[١١٤] [أحوال بعض الواقفين] :
يروى أن الفضيل ابن عياض رحمهالله تعالى وقف في بعض حجّاته ولم ينطق بشيء ، فلما غربت الشمس قال : واسوأتاه وإن غفرت لي.
وعن بشر الحافي رحمهالله تعالى قال : رأيت رجلا عشية عرفة غلبه الوله وهو يبكي وينتحب انتحابا شديدا وهو يقول :
سبحان من لو سجدنا بالعيون له |
|
على شبا الشوك والمحمى من الإبر |
لم نبلغ العشر من معشار نعمته |
|
ولا العشير ولا عشرا من العشر (١) |
وأنشد أيضا :
كم قد زللت ولم أذكرك في زللي |
|
وأنت يا مالكي بالغيب تذكرني |
كم أكشف الستر جهلا عند معصيتي |
|
وأنت تلطف بي حلما وتسترني |
قال : ثم غاب عني وحجب فلم أره ، فسألت عنه فقيل لي : هو أبو عبيدة الخواص له سبعون سنة ما رفع وجهه إلى السماء ، فقيل له في ذلك ، فقال : إني لأستحي أن أرفع إلى الحسن وجها مسيئا (٢).
فواعجباه من مطيع يتذلل ويستحي مع إحسانه! ومن عاص لا يتذلل ولا يستحي مع عصيانه.
__________________
(١) رواها ابن الجوزي في مثير العزم بقوله : «رأيت على جبال عرفة رجل قد ولع الوله ..» وفي البيت الأول (على شبا الشوك) ، وفي البيت الثالث بلفظ (وأنت يا سيدي) ٢ / ٢٥٩.
(٢) في مثير العزم «.. منذ سبعين سنة لم يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله عزوجل» المصدر السابق.
وقيل : لما وقف الشبلي بعرفات لم ينطق بشيء حتى غربت الشمس ، فلما جاوز العلمين هملت عينه بالدموع ، وأنشأ يقول :
أروح وقد ختمت على فؤادي |
|
بحبك أن يحل به سواكا |
وفي الأحباب مختص بوجد |
|
وآخر يدّعي معه اشتراكا |
إذا سكبت دموع في خدود |
|
تبين من بكى ممن تباكا |
ووقف بعض الصوفية بعرفات ورأى تلهفهم وبكاءهم ، فرفع كفيه وطرفه إلى السماء وقال :
يا ذا المكارم والعلا |
|
يا ذا الجلال الأوحد |
إن العصاة تجمعوا |
|
ترجو نوالك سيدي |
قصدتك كل قبيلة |
|
ممن يروح ويغتدى |
حطوا إليك رحالهم |
|
وتشفعوا بمحمد |
صلى عليه الله مع |
|
أزكى سلام سرمد |
والآل والأصحاب ما |
|
أعطيت عبدا قد هدي |
فهتف به هاتف : يا شيخ قد قبل الله ذو العرش على من رأيتهم من أهل الإسلام والتوحيد ، وشفع فيهم خير الخلق ، وأجاب السؤال ، وعمّ الجميع بالفضل والنوال.
[١١٥] [واسع فضل الله تعالى] :
وعن أبي عبد الله الجوهري رحمهالله تعالى قال : كنت سنة في عرفات ، فلما كان آخر الليل نمت ، فرأيت ملكين نزلا من السماء ، فقال أحدهما