الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: ٤٩٦
مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (١) وهذا لا مِثْل له (٢) .
وليس بجيّد ؛ لعموم قوله تعالى : ( تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ ) (٣) يعني الفرخ والبيض ما يعجز عن الفرار من صغار الصيد ، ورماحكم ، يعني الكبار .
وروى العامّة عن ابن عباس : أنّه حَكَم في الجراد بجزاء (٤) .
ومن طريق الخاصّة : ما تقدّم (٥) .
مسألة ٣٤٢ : الزنبور إن قتله المُحْرم خطأً ، لم يكن عليه شيء فيه ، وإن قتله عمداً ، كان عليه كفُّ من طعام ـ وبه قال مالك (٦) ـ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَ عليه السلام : عن مُحْرم قتل زنبوراً ، فقال : « إن كان خطأً فلا شيء » قلت : بل عمداً ، قال : « يُطعم شيئاً من الطعام » (٧) .
وقال الشافعي وأحمد : لا شيء فيه (٨) .
أمّا الهوامّ من الحيّات والعقارب وغير ذلك فلا يلزمه شيء بقتله ، ولا يقتله إذا لم يرده ؛ لقول الصادق عليه السلام : « كلّ ما يخاف المُحْرم على نفسه من السباع والحيّات وغيرها فليقتله ، وإن لم يرده فلا يرده » (٩) .
وأمّا القمل والبقّ وأشباههما فلا بأس بقتلها للمُحلّ في الحرم ؛ لقول
__________________
(١) المائدة : ٩٥ .
(٢) المغني ٣ : ٥٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٣٠ .
(٣) المائدة : ٩٤ .
(٤) المغني ٣ : ٥٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٣٠ .
(٥) تقدّم في صدر المسألة .
(٦) المغني ٣ : ٣٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١١ .
(٧) الكافي ٤ : ٣٦٤ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٦٥ / ١٢٧١ .
(٨) المغني ٣ : ٣٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١١ .
(٩) الكافي ٤ : ٣٦٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٦٥ / ١٢٧٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٨ / ٧١١ ، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ .
الصادق عليه السلام : « لا بأس بقتل القمل والبق في الحرم » (١) .
قال الشيخ : ولو كان مُحْرماً ، لزمته الكفّارة (٢) . وهو جيّد ؛ لقول الصادق عليه السلام : « وإن قتل شيئاً من ذلك ـ يعني القمل ـ خطأً ، فليطعم مكانها طعاماً قبضةً بيده » (٣) .
وكذا إذا ألقاها عن جسده ، وقد تقدّم (٤) .
مسألة ٣٤٣ : مَنْ قتل جرادةً وهو مُحْرم كان عليه كفُّ من طعام أو تمرة ، ولو كان كثيراً ، كان عليه دم شاة ؛ لقول الصادق عليه السلام : في مُحْرم قتل جرادةً ، قال : « يُطعم تمرةً ، وتمرةٌ خير من جرادة » (٥) .
وسأل محمّدُ بن مسلم الصادقَ عليه السلام : عن مُحْرم قتل جراداً ، قال : « كفُّ من طعام ، وإن كان أكثر فعليه دم شاة » (٦) .
ولو عمّ الجرادُ المسالكَ ولم يتمكّن من الاحتراز عن قتله ، لم يكن عليه شيء ، وبه قال عطاء والشافعي في أحد القولين ، وفي الآخر : عليه الضمان (٧) .
لنا : أصالة البراءة .
ولقول الصادق عليه السلام : « على المُحْرم أن يتنكّب (٨) عن الجراد إذا
__________________
(١) الفقيه ٢ : ١٧٢ / ١٦١ ، التهذيب ٥ : ٣٦٦ / ١٢٧٧ بتفاوت .
(٢) التهذيب ٥ : ٣٦٦ ذيل الحديث ١٢٧٥ .
(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٦٠ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ ـ ١٩٧ / ٦٦١ .
(٤) تقدّم في المسألة ٢٢٢ .
(٥) الكافي ٤ : ٣٩٣ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٦٣ ـ ٣٦٤ / ١٢٦٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٧ / ٧٠٦ .
(٦) التهذيب ٥ : ٣٦٤ / ١٢٦٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٨ / ٧٠٨ .
(٧) الاُم ٢ : ٢٠٠ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٩ ـ ٢٢٠ ، المجموع ٧ : ٣٣٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٠ ، وحكاه عنهما الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤١٥ ، المسألة ٢٩٥ .
(٨) التنكّب : العدول والميل . مجمع البحرين ٢ : ١٧٦ « نكب » .
كان على طريقه ، وإن لم يجد بُدّاً فقتل فلا بأس » (١) .
مسألة ٣٤٤ : في كلّ واحد من الضبّ والقنفذ واليربوع جدي ؛ لقوله تعالى : ( فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٢) .
ولما تقدّم (٣) من أنّ الصحابة قضوا فيما ذكرنا بمثله من النعم : قضى عمر وابن مسعود في اليربوع بجفرة . وقضى عمر وأربد (٤) في الضبّ بجدي . وقضى جابر بن عبد الله فيه بشاة (٥) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « في اليربوع والقنفذ والضبّ إذا أصابه المُحْرم جدي ، والجدي خيرٌ منه ، وإنّما جعل هذا لكي ينكل عن فعل غيره من الصيد » (٦) .
البحث الثالث : فيما لا نصّ فيه
مسألة ٣٤٥ : ما لا مِثْلَ له من الصيد ولا تقدير شرعي فيه يرجع إلى قول عدلين يقوّمانه ، وتجب عليه القيمة التي يقدّرانها فيه .
ويشترط في الحَكَمين العدالةُ إجماعاً ؛ للآية (٧) . ولا بدّ وأن يكونا اثنين فما زاد ؛ للآية (٨) .
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٣٦٤ / ١٢٦٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٨ / ٧١٠ .
(٢) المائدة : ٩٥ .
(٣) تقدّم في ص ٤٠٠
(٤) في النسخ الخطية والحجرية والشرح الكبير : « زيد » بدل « أربد » وما أثبتناه من المغني وسنن البيهقي والحاوي الكبير .
(٥) المغني ٣ : ٥٤٧ ـ ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٢ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ـ ٥٠٣ ، المجموع ٧ : ٤٢٩ و ٤٤٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ ، سنن البيهقي ٥ : ١٨٤ و ١٨٥ .
(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٤ / ١١٩٢ .
(٧ و ٨) المائدة : ٩٥ .
ولو كان القاتل أحدهما ، جاز ـ وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وابن المنذر (١) ـ لقوله تعالى : ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ) (٢) والقاتل مع غيره ذوا عدل منّا ، فيكون مقبولاً .
ولأنّه مال يخرج في حقّ الله تعالى ، فجاز أن يكون مَنْ وجب عليه أميناً فيه ، كالزكاة .
وقال النخعي : لا يجوز ؛ لأنّ الإِنسان لا يحكم لنفسه (٣) .
وهو ممنوع كما في الزكاة .
ولو قيل : إن كان القتل عمداً عدواناً ، لم يجز حكمه ؛ لفسقه ، وإلّا جاز ، كان وجهاً .
ولو حَكَم اثنان بأنّ له مِثْلاً وآخران بانتفاء المثل ، قال بعض العامّة : الأخذ بالأول أولى (٤) .
مسألة ٣٤٦ : قال الشيخ رحمه الله : في البطّ والأوز والكركي شاة ، وهو الأحوط .
قال : وإن قلنا : فيه القيمة ؛ لأنّه لا نصّ فيه ، كان جائزاً (٥) .
وهو الظاهر من قول ابن بابويه ؛ لأنّه أوجب شاةً في كلّ طائر عدا النعامة (٦) .
ويؤيّده : قول الصادق عليه السلام : في مُحْرم ذبح طيراً : « إنّ عليه دم
__________________
(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٢٣ و ٤٣٠ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٧ ، المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣ .
(٢) المائدة : ٩٥ .
(٣) المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣ .
(٤) فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٣١ .
(٥) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٤٦ .
(٦) المقنع : ٧٨ .
شاة يهريقه ، فإن كان فرخاً فجدي أو حمل صغير من الضأن » (١) وهو عامّ .
قال الشيخ رحمه الله : مَنْ قتل عظايةً كان عليه كفٌّ من طعام ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَ عليه السلام : عن مُحْرم قتل عظايةً ، قال : « كفٌّ من طعام » (٢) .
إذا ثبت هذا : فالقيمة واجبة في قتل كلّ ما لا تقدير فيه شرعاً ، وكذا البيوض التي لا نصّ في تقديرها .
مسألة ٣٤٧ : يضمن الكبير من ذوات الأمثال بكبير ، والصغير بصغير ، وإن ضمنه بكبير ، كان أولى ، ويضمن الذكر بمثله والاُنثى بمثلها ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لقوله تعالى : ( فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ ) (٤) .
وقال مالك : يضمن الأصغر بكبير ؛ لقوله تعالى : ( هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ) (٥) والصغير لا يُهدى (٦) . وهو ممنوع .
وكذا يضمن الصحيح بصحيح إجماعاً ، والمعيب بمثله ، وإن ضمنه بصحيح ، كان أحوط ، وبه قال الشافعي وأحمد (٧) .
وقال مالك : يضمن المعيب بصحيح (٨) . وقد تقدّم .
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠١ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨٢ .
(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٤ / ٣٤٥ ، والحديث ١١٩٤ .
(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، المغني ٣ : ٥٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ .
(٤ و ٥) المائدة : ٩٥ .
(٦) بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٥٥ ، المغني ٣ : ٥٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ .
(٧) فتح العزيز ٧ : ٥٠٥ ، المجموع ٧ : ٤٣٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٥ ، المغني ٣ : ٥٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٤ .
(٨) المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٥٥ ، المغني ٣ : ٥٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٤ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٥ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٥ .
ولو اختلف العيب بالجنس ، فإن فدى الأعرج بأعور أو بالعكس ، لم يجز ، أمّا لو اختلف بالمحلّ بأن فدى الأعور من اليمنى بالأعور من اليسرى أو الأعرج من إحدى الرِّجْلين بأعرج الاُخرى ، جاز ؛ لعدم الخروج به عن المماثلة .
ويُفدى الذكر بمثله أو بالاُنثى ؛ لأنّها أطيب لحماً وأرطب .
وللشافعي قولان (١) .
وتُفدى الاُنثى بمثلها .
وهل يجزئ الذكر ؟
قيل : نعم ؛ لأنّ لحمه أوفر ، فتساويا .
وقيل بالمنع ؛ لأنّ زيادته ليست من جنس زيادتها ، فأشبه اختلاف العيب جنساً ، ولاختلافهما خلقةً ، فيقدح في المثلية (٢) .
وللشافعي قولان (٣) .
والشيخ ـ رحمه الله ـ جوّز الجميع ؛ لقوله تعالىٰ : ( فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ ) (٤) ومعلوم أنّ المراد المثل في الخلقة ؛ لعدم اعتبار الصفات الاُخرى ، كاللون (٥) .
ولو قتل ماخضاً ، ضمنها بماخض مثلها ؛ للآية (٦) ، ولأنّ الحمل فضيلة مقصودة ، فلا سبيل إلى إهمالها ، وبه قال الشافعي ، إلّا أنّه قال : لا تذبح الحامل ؛ لأنّ فضيلة الحامل بالقيمة ، لتوقّع الولد (٧) .
__________________
(١) فتح العزيز ٧ : ٥٠٥ ، المجموع ٧ : ٤٣٢ .
(٢) انظر : المغني ٣ : ٥٥٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٦٥ .
(٣) فتح العزيز ٧ : ٥٠٥ ، المجموع ٧ : ٤٣٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٦ .
(٤) المائدة : ٩٥ .
(٥) الخلاف ٢ : ٤٠٠ ـ ٤٠١ ، المسألة ٢٦٤ .
(٦) المائدة : ٩٥ .
(٧) فتح العزيز ٧ : ٥٠٦ ، المجموع ٧ : ٤٣٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٦ .
وقال الشافعي [ أيضاً ] : يضمنها بقيمة مثلها ؛ لأنّ قيمته أكثر من قيمة لحمه (١) .
وهو عدول عن المثل مع إمكانه ، ولا عبرة بالزيادة والنقصان في القيمة مع إمكان المثل .
ولو فداها بغير ماخض ، ففي الإِجزاء نظر : من حيث عدم المماثلة ، ومن حيث إنّ هذه الصفة لا تزيد في لحمها ، بل قد تنقصه غالباً ، فلا يشترط وجود مثلها في الجزاء ، كالعيب واللون .
ولو أصاب صيداً حاملاً فألقت جنيناً ، فإن خرج حيّاً وماتا معاً ، لزمه فداؤهما معاً ، فيفدي الاُم بمثلها ، والصغير بصغير .
وإن عاشا ، فإن لم يحصل عيب ، فلا شيء ؛ عملاً بالأصل ، وإن حصل ، ضمنه بأرشه .
ولو مات أحدهما دون الآخر ، ضمن التالف خاصّةً .
وإن خرج ميّتاً ، ضمن الأرش ، وهو : ما بين قيمتها حاملاً ومُجْهِضاً (٢) .
البحث الرابع : في أسباب الضمان
وهو أمران :
الأول : المباشرة
مسألة ٣٤٨ : قد بيّنّا أنّ مَنْ قتل صيداً وجب عليه فداؤه ، فإن أكله ، لزمه فداء آخر ـ وبه قال عطاء وأبو حنيفة (٣) ـ لأنّه أكل من صيد مُحرَّم عليه ،
__________________
(١) المغني ٣ : ٥٥٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٤ ، وما بين المعقوفين لأجل السياق .
(٢) أجهضت : أي أسقطت حملها . لسان العرب ٧ : ١٣٢ « جهض » .
(٣) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٨٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٣ و ٢٠٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٩ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٨ ، المغني ٣ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٠٣ .
فوجب عليه فداؤه ، كما لو صيد لأجله .
وقال بعض علمائنا : يجب عليه بالقتل فداء وبالأكل قيمة ما أكل (١) .
وقال مالك والشافعي : لا يضمن الأكل (٢) . وقد تقدّم (٣) بطلانه .
ولا فرق بين أن يُفدي القتيل قبل الأكل أو لا في وجوب الفداءين معاً أو الفداء والقيمة ؛ لأنّه تناول محظور إحرامه ، فلزمه الجزاء .
وقال أبو حنيفة : إذا ذبحه وأكله قبل أن يؤدّي الجزاء ، دخل ضمان الأكل في ضمان الجزاء ، وإن أكل بعدما أدّى قيمته ، فعليه قيمة ما أكل (٤) .
وقال أبو يوسف ومحمد : لا يضمن عن الأكل شيئاً ، وعليه الاستغفار ؛ لأنّ حرمته لكونه ميتةً ، لا أنّه جناية على الإِحرام ، وذلك لا يوجب إلّا الاستغفار (٥) .
ونمنع عدم الإِيجاب بما تقدّم .
مسألة ٣٤٩ : حكم البيض حكم الصيد في تحريم أكله إجماعاً ، وسواء كسره هو أو مُحْرمٌ آخر .
ولو كسره حلال ، كان على المُحْرم إذا أكله قيمته ، سواء اُخذ لأجله أو لغيره ، خلافاً لبعض العامّة ، كما خالف في أكل اللحم ، فجوَّزه إذا ذُبح لا
__________________
(١) الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠٥ ، المسألة ٢٧٤ ، وكما في شرائع الإِسلام ١ : ٢٨٨ .
(٢) المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٥٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٠٢ و ٣٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٨ ، المجموع ٧ : ٣٠٤ و ٣٠٥ و ٣٣٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٤ ، المغني ٣ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٢ .
(٣) تقدّم في المسألة ٢٠٦ .
(٤) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٨٦ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٧٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٣ و ٢٠٤ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٥٠ ، المجموع ٧ : ٣٣٠ .
(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٤ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٨٦ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٧٣ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٥٠ ، المجموع ٧ : ٣٣٠ .
لأجله ، وَمَنعه إذا ذُبح لأجله (١) .
وقد بيّنّا عدم الفرق .
ولو كسر المُحْرم بيض الصيد ، لم يحرم على المُحِلّ أكله وإن وجب على المُحْرم فداء الكسر ؛ لأنّ حلّه لا يقف على كسره ، ولا يعتبر له أهل يصدر عنه ، بل لو انكسر من نفسه أو كَسَره مجوسي ، لم يحرم ، فأشبه قطع اللحم وطبخه .
وقال بعض العامّة : يحرم على المُحِلّ أكله ـ وهو قول الشيخ (٢) رحمه الله ـ كذبح المُحْرم الصيد (٣) . وليس بجيّد .
مسألة ٣٥٠ : لو اشترى مُحلُّ لمُحرم بيضَ نعام فأكله المُحْرم ، كان على المُحْرم عن كلّ بيضة شاة ، وعلى المُحِلّ عن كلّ بيضة درهم .
أمّا وجوب الشاة على المُحْرم : فلأنّه جزاء البيضة على ما قلناه ، وقد بيّنّا وجوب الجزاء على المُحْرم بالأكل ، كما يجب بالصيد والكسر .
وأمّا وجوب الدرهم على المُحِلّ : فلإِعانته ، وهي تستلزم الضمان .
ولأنّ أبا عبيدة سأل الباقرَ عليه السلام : عن رجل مُحِلٍّ اشترى لرجلٍ مُحْرمٍ بيضَ نعام ، فأكله المُحْرم ، فما على الذي أكله ؟ فقال : « على الذي اشتراه فداء لكلّ بيضة درهم ، وعلى المُحْرم لكلّ بيضة شاة » (٤) .
إذا عرفت هذا ، فالمضمون من البيوض ، إنّما هو بيض الصيد الحرام ، أمّا بيض ما يباح أكله للمُحْرم ، كبيض الدجاج الحبشي ، فإنّه حلال لا يجب بكسره شيء ؛ لأنّ أصله غير مضمون ، ففرعه أولى .
مسألة ٣٥١ : لو أتلف جزءاً من الصيد ، ضمنه بإجماع العلماء ـ إلّا
__________________
(١) المغني ٣ : ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٤ .
(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٤٨ .
(٣) المغني ٣ : ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٤ .
(٤) التهذيب ٥ : ٣٥٥ ـ ٣٥٦ / ١٢٣٥ .
داود وأهل الظاهر ؛ فإنّهم قالوا : لا شيء في أبعاض الصيد (١) ـ لأنّ الجملة مضمونة ، فأبعاضها كذلك ، كالآدمي .
ولأنّ النبي عليه السلام نهى عن التنفير (٢) ، فعن الجرح أولى ، وما كان محرّماً من الصيد كان مضموناً .
قال الشيخ رحمه الله : في كسر قرني الغزال نصف قيمته ، وفي كلّ واحد ربع القيمة ، وفي عينيه كمال قيمته ، وفي كسر إحدى يديه نصف قيمته ، وكذا في كسر إحدى رجليه ، ولو كسر يديه معاً ، وجب عليه كمال القيمة ، وكذا لو كسر رجليه معاً ، ولو قَتَله ، كان عليه فداء واحد (٣) .
وقال بعض العامّة : يضمن بمثله من مثله ؛ لأنّ ما وجب جملته بالمثل وجب في بعضه مثله ، كالمثليات (٤) .
وقال آخرون : يجب قيمة مقداره من مثله ؛ لمشقّة إخراج الجزاء ، فيمتنع إيجابه ، ولهذا لم يوجب الشارع جزءاً من بعير في خمس من الإِبل ، وعَدَل إلى إيجاب شاة ، وليست من الجنس ؛ طلباً للتخفيف (٥) .
وليس بجيّد ؛ لما بيّنّا من أنّ الكفّارة مخيّرة هنا ، وهذا القائل يوافقنا عليه ، فتنتفي المشقّة ؛ لوجود الخيرة في العدول عن المثل إلى عدله من الطعام أو الصيام .
والشيخ ـ رحمه الله ـ استدلّ برواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام ، قال : قلت : ما تقول في مُحْرم كسر أحد قرني غزال في الحِلّ ؟ قال : « عليه
__________________
(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٧ ـ ٢٩٨ ، وحكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠١ ، المسألة ٢٦٥ .
(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٨١ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٦ ـ ٩٨٧ / ١٣٥٣ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٢ / ٢٠١٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٨ / ٣١٠٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢٠٣ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥ ، مسند أحمد ١ : ١١٩ .
(٣) النهاية : ٢٢٧ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٤٢ .
(٤ و ٥) المغني ٣ : ٥٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٦ .
ربع قيمة الغزال » قلت : فإن هو كسر قرنيه ؟ قال : « عليه نصف قيمته يتصدّق به » قلت : فإن هو فقأ عينيه ؟ قال : « عليه قيمته » قلت : فإن هو كسر إحدى يديه ؟ قال : « عليه نصف قيمته » قلت : فإن كسر إحدى رجليه ؟ قال : « عليه نصف قيمته » قلت : فإن هو قتله ؟ قال : « عليه قيمته » قلت : فإن هو فعل وهو مُحْرم في الحرم (١) ؟ قال : « عليه دم يهريقه ، وعليه هذه القيمة إذا كان مُحْرماً في الحرم » (٢) .
مسألة ٣٥٢ : لو نتف ريشةً من حمام الحرم ، وجب عليه أن يتصدّق بشيء باليد التي نتف بها ؛ لأنّها آلة الجناية .
ولأنّ إبراهيم بن ميمون قال للصادق عليه السلام : رجل نتف ريشة حمامة من حمام الحرم ، قال : « يتصدّق بصدقة على مسكين ، ويطعم باليد التي نتفها فإنّه قد أوجعها » (٣) .
إذا عرفت هذا ، فلو تعدّد الريش ، فإن كان بالتفريق ، فالوجه : تكرّر الفدية ، وإلّا فالأرش ، وبه قال الشافعي وأبو ثور (٤) .
وقال مالك وأبو حنيفة : قيمة الجزاء جميعه (٥) .
وليس بجيّد ؛ لأنّه نقصه نقصاً يمكنه إزالته ، فلا يضمنه بأسره ، كما لو جرحه .
ولو حفظه حتى نبت ريشه ، كان عليه صدقة ؛ لحصول السبب .
وقال بعض العامّة : لا ضمان عليه ؛ لزوال النقص (٦) .
__________________
(١) في المصدر : في الحِلّ .
(٢) التهذيب ٥ : ٣٨٧ / ١٣٥٤ .
(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٨ ـ ٣٤٩ / ١٢١٠ .
(٤) المجموع ٧ : ٤٣٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٩ ، المغني ٣ : ٥٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٨ .
(٥) الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٧١ ، المغني ٣ : ٥٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٨ .
(٦) المغني ٣ : ٥٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٨ .
وهو خطأ ؛ لأنّ المتجدّد غير الزائل .
مسألة ٣٥٣ : لو جرح الصيد ، ضمن الجرح على قدره ، وهو قول العلماء (١) ، إلّا داود وأهل الظاهر ؛ فإنّهم لم يوجبوا شيئاً (٢) . وهو غلط .
ثم يعتبر حاله ، فإن رآه سويّاً بعد ذلك ، وجب عليه الأرش ؛ لوجود سبب الضمان ، والاندمال غير مسقط للفدية ، كالآدمي .
ولو أصابه ولم يؤثّر فيه ، فلا شيء ؛ للأصل .
ولقول الصادق عليه السلام لمّا سأله أبو بصير عن مُحْرم رمى صيداً فأصاب يده فعرج ، فقال : « إن كان الظبي مشى عليها ورعى وهو ينظر إليه فلا شيء عليه ، وإن كان الظبي ذهب لوجهه وهو رافعها فلا يدري ما صنع فعليه فداؤه ، لأنّه لا يدري لعلّه قد هلك » (٣) .
ولو كسر يده أو رجله ثم رآه وقد صلح ورعى ، وجب عليه ربع الفداء ؛ لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام ، قال : قلت له : رجل رمى ظبياً وهو مُحْرم فكسر يده أو رجله فذهب الظبي على وجهه فلم يدر ما صنع ، فقال : « عليه فداؤه » قلت : فإنّه رآه بعد ذلك مشى ، قال : « عليه ربع ثمنه » (٤) .
ولو جرح الصيد فاندمل وصار غير ممتنع ، فالوجه : الأرش .
وقال الشيخ رحمه الله : يضمن الجميع (٥) ـ وهو قول أبي حنيفة (٦) ـ لأنّه مُفضٍ إلى تلفه . وهو ممنوع .
__________________
(١ و ٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٠ ، وحكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠١ ، المسألة ٢٦٥ .
(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٨ / ١٢٤٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ / ٧٠٠ .
(٤) التهذيب ٥ : ٣٥٩ / ١٢٤٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٥ / ٦٩٩ .
(٥) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٤٩ .
(٦) بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٥ ، المغني ٣ : ٥٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٧ .
ولو جرحه فغاب عن عينيه (١) ولم يعلم حاله ، وجب عليه ضمانه أجمع ؛ لأنّ علي بن جعفر سأل الكاظمَ عليه السلام : عن رجل رمى صيداً وهو مُحْرمٌ ، فكسر يده أو رجله ، فمضى الصيد على وجهه ، فلم يدر الرجل ما صنع الصيد ، قال : « عليه الفداء كاملاً إذا لم يدر ما صنع الصيد » (٢) .
وقال بعض العامّة : إن كان الجرح موجباً ـ وهو الذي لا يعيش معها غالباً ـ ضمنه بأسره ، وإلّا ضمن النقص لا الجميع ؛ لعدم العلم بحصول التلف (٣) .
وليس بجيّد ؛ لأنّه فَعَلَ ما يحصل معه التلف ، فكان ضامناً .
ولو رآه ميّتاً ولم يعلم أمات من الجناية أو غيرها ، ضمنه .
وقال بعض العامّة : لا يضمنه ؛ لعدم العلم بالإِتلاف (٤) .
وليس بجيّد ؛ لأنّه وجد سبب إتلافه منه ولم يعلم له سبب آخر ، فوجب إحالته عليه ؛ لأنّه السبب المعلوم .
ولو صيّرته الجناية غير ممتنع ، فلم يعلم أصار ممتنعاً أم لا ، ضمنه عندنا بأعلى الأرشين ؛ لأنّ الأصل عدم الامتناع .
ولو رماه ولم يعلم هل أثّر فيه أم لا ، لزمه الفداء ؛ عملاً بأغلب الأحوال من الإِصابة عند القصد بالرمي .
إذا عرفت هذا ، فلو جرح الظبي فنقص عُشْر قيمته ، لزمه عُشْر شاة ، وبه قال المزني (٥) ؛ للآية (٦) .
__________________
(١) في « ن » : عينه .
(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٩ / ١٢٤٦ .
(٣ و ٤) المغني ٣ : ٥٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٧ .
(٥) مختصر المزني : ٧١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٦ ، المجموع ٧ : ٤٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٩ .
(٦) المائدة : ٩٥ .
وقال الشافعي : يلزمه عُشْر قيمة المثل ، وهو عُشْر قيمة الشاة ؛ لأنّ إيجاب عشر الشاة يُفضي إلى التجزئة والتقسيط ، وهو حرج (١) .
وعلى ما اخترناه من التخيير يتخيّر بين إخراج عُشْر الشاة أو عُشْرٍ من ثمن الشاة ويفضّ على الطعام ، وبين الصيام .
مسألة ٣٥٤ : لو جرح الصيد ثم اندمل جرحه وبقي ممتنعاً إمّا بعَدْوه ، كالغزال ، أو بطيرانه ، كالحمام ، وجب عليه الأرش على ما قلناه .
ولو صار الصيد بعد اندمال جرحه زمناً ، احتمل الجزاء الكامل ؛ لأنّه بالإِزمان صار كالمتلف ، ولهذا لو أزمن عبداً ، لزمه تمام قيمته ، وهو أحد وجهي الشافعية ـ وبه قال أبو حنيفة (٢) ـ والثاني : أنّه يجب عليه قدر النقص ؛ لأنّه لم يهلك بالكلّية ، ولهذا يكون الباقي مضموناً لو قتله مُحْرمٌ آخر (٣) .
ولو جاء مُحْرم آخر وقَتَله إمّا بعد الاندمال أو قبله ، فعليه جزاؤه مزمناً ؛ لما تقدّم أنّ المعيب يقابل بمثله ، ويبقى الجزاء على الأول بحاله .
وقال الشيخ : يجب على كلّ واحد منهما الفداء (٤) .
وقال بعض الشافعية : إن أوجبنا جزاءً كاملاً ، عاد هاهنا إلى قدر النقصان ؛ لبُعْد إيجاب جزاءين لمتلف واحد (٥) .
ولو عاد المزمن وقَتَله ، فإن قَتَله قبل الاندمال ، فليس عليه إلّا جزاء واحد ، كما لو قطع يدي رجل ثم قَتَله قبل الاندمال لا يلزمه إلّا دية واحدة ، وإن قَتَله بعد الاندمال ، أفرد كلّ واحد منهما بحكمه ، ففي القتل جزاؤه
__________________
(١) مختصر المزني : ٧١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٨ ، الوجيز ١ : ١٢٩ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٦ ـ ٥٠٧ ، المجموع ٧ : ٤٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٩ .
(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٥ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٧ .
(٣) فتح العزيز ٧ : ٥٠٧ ، المجموع ٧ : ٤٣٤ .
(٤) الخلاف ٢ : ٤١٩ ، المسألة ٣٠٣ .
(٥) فتح العزيز ٧ : ٥٠٧ ، المجموع ٧ : ٤٣٤ .
مزمناً .
ولو أوجبنا بالإِزمان جزاءً كاملاً ، فلو كان للصيد امتناعان ، كالنعامة ، فأبطل أحدهما ، فللشافعية وجهان :
أحدهما : أنّه يتعدّد الجزاء ؛ لتعدّد الامتناع .
وأصحّهما عندهم : أنّه لا يتعدّد ؛ لاتّحاد الممتنع (١) .
وعلى هذا فما الذي يجب ؟
قال الجويني : الغالب على الظنّ أنّه يعتبر ما نقص ؛ لأنّ امتناع النعامة في الحقيقة واحد إلّا أنّه يتعلّق بالرِّجْل والجناح ، فالزائل بعض الامتناع (٢) .
مسألة ٣٥٥ : لو اشترك مُحْرمان أو أكثر في قتل صيد ، وجب على كلّ واحد منهم فداء كامل ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك والثوري ، وهو مروي عن الحسن البصري والشعبي والنخعي من التابعين (٣) ـ لأنّ كلّ واحد منهم فَعَل ما حصل بسببه الموت ، فكان كما لو جرحه جرحاً متلفاً .
ولأنّها كفّارة قتل يدخلها الصوم ، فأشبهت كفّارة الآدمي .
ولقول الصادق عليه السلام : « إن اجتمع قوم على صيد وهم مُحْرمون فعلى كلّ واحد منهم قيمة » (٤) .
وقال الشافعي : يجب جزاء واحد على الجميع ـ وبه قال عمر بن الخطّاب وابن عباس وابن عمر وعطاء والزهري ، وعن أحمد روايتان كالمذهبين (٥) ـ لأنّ المقتول واحد ، فالمثل واحد (٦) .
__________________
(١ و ٢) فتح العزيز ٧ : ٥٠٨ ، المجموع ٧ : ٤٣٤ .
(٣) المغني ٣ : ٥٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٩ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٨ ، المجموع ٧ : ٤٣٦ و ٤٣٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٢٠ ، تفسير القرطبي ٦ : ٣١٤ .
(٤) الكافي ٤ : ٣٩١ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٥١ / ١٢١٩ .
(٥) المغني ٣ : ٥٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٩ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ .
(٦) الوجيز ١ : ١٢٩ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٤ ، المجموع ٧ : ٤٣٦ و ٤٣٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٢٠ .
وعنه رواية ثالثة : إن كان صوماً ، صام كلّ واحد صوماً تامّاً ، وإن كان غير صوم ، فجزاء واحد ، وإن كان أحدهما يهدي والآخر يصوم ، فعلى المُهدي بحصته ، وعلى الآخر صوم تام ؛ لأنّ الجزاء ليس بكفّارة ، وإنّما هو بدل ؛ لأنّه تعالى عطف بها ، فقال : ( أَوْ كَفَّارَةٌ ) (١) والصوم كفّارة ، فيكمل ، ككفّارة قتل الآدمي (٢) .
والمماثلة ليست حقيقيّة ، وإذا ثبت اتّحاد الجزاء في الهدي ، وجب اتّحاده في الصوم ؛ لقوله تعالى : ( أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا ) (٣)
فروع :
أ ـ لو اشترك مُحلٌّ ومُحْرمٌ وكان القتل في الحِلّ ، فلا شيء على المُحِلّ ، وعلى المُحْرم جزاء كامل .
وقال الشافعي : على المُحْرم نصف الجزاء ، ولا شيء على المُحلّ (٤) . وقد بيّنّا بطلانه .
ب ـ لو قتل القارن صيداً ، لم يلزمه إلّا جزاء واحد ، وكذا لو باشر غيره من المحظورات ، وبه قال مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين (٥) .
وقال أبو حنيفة : يلزمه جزاءان (٦) .
ج ـ لو قتل المُحْرم صيداً في الحرم ، لزمه الجزاء والقيمة .
وقال الشافعي : يلزمه جزاء واحد ؛ لاتّحاد المتلف ، وهذا كما أنّ الدية
__________________
(١) المائدة : ٩٥ .
(٢) المغني ٣ : ٥٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٩ .
(٣) المائدة : ٩٥ .
(٤) فتح العزيز ٧ : ٥٠٩ ، المجموع ٧ : ٤٣٦ .
(٥ و ٦) فتح العزيز ٧ : ٥٠٩ ، المجموع ٧ : ٤٣٧ و ٤٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٠ ، المحلّى ٧ : ٢٣٧ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٨١ .
لا تتغلّظ باجتماع أسباب التغليظ (١) .
د ـ لو أصابه الحلال أوّلاً ثم أصابه الحرام ، فلا شيء على المُحِلّ ، والواجب على المُحْرم جزاء مجروح .
ولو كان السابقُ المُحْرمَ ، فعليه جزاؤه سليماً .
ولو اتّفقا في حالة واحدة ، وجب على المُحْرم جزاء كامل ، ولا شيء على المُحِلّ .
وعند الشافعية يجب على المُحْرم بقسطه ، لأنّه أتلف بعض الجملة (٢) .
وهو غلط ؛ لأنّ المُحلّ لا جزاء عليه ، فتعذّر الجزاء منه ، فيجب الجزاء بكماله على الآخر .
هـ ـ لو اشترك الحرام والحلال في قتل صيد حرمي ، وجب على المُحِلّ القيمة كملاً ، وعلى المُحْرم الجزاء والقيمة معاً .
وقال بعض العامّة : يجب جزاء واحد عليهما (٣) .
و ـ لو رمى الصيد اثنان فقَتَله أحدهما وأخطأَ الآخر ، كان على كلّ واحد منهما فداء كامل ، أمّا القاتل : فلجنايته ، وأمّا الآخر : فلإِعانته ؛ لأنّ ضريساً سأل الباقرَ عليه السلام : عن رجلين مُحْرمين رميا صيداً فأصابه أحدهما ، قال : « على كلّ واحد منهما الفداء » (٤) .
ز ـ لو قتله واحد وأكله جماعة ، كان على كلّ واحد فداء كامل ؛ لأنّ الأكل مُحرَّم كالقتل ؛ لقول الصادق عليه السلام في صيد أكله قوم مُحْرمون ، قال : « عليهم شاة شاة ، وليس على الذي ذبحه إلّا شاة » (٥) .
__________________
(١) فتح العزيز ٧ : ٥٠٩ ، المجموع ٧ : ٤٤١ .
(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٣٢٣ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٩ ، المجموع ٧ : ٤٣٦ .
(٣) المغني ٣ : ٥٦٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٠ .
(٤) التهذيب ٥ : ٣٥٢ / ١٢٢٣ .
(٥) التهذيب ٥ : ٣٥٢ / ١٢٢٥ .
مسألة ٣٥٦ : لو ضرب المُحْرم بطيرٍ على الأرض فقَتَله ، كان عليه دم وقيمتان : قيمة للحرم ، وقيمة لاستصغاره إيّاه ، ويُعزَّر ؛ لما فيه من زيادة الجُرْم .
ولقول الصادق عليه السلام : في مُحْرم اصطاد طيراً في الحرم فضرب به الأرض فقَتَله ، قال : « عليه ثلاث قيمات : قيمة لإِحرامه ، وقيمة للحرم ، وقيمة لاستصغاره إيّاه » (١) .
مسألة ٣٥٧ : لو شرب لبن ظبية ، كان عليه الجزاء وقيمة اللبن ؛ لقول الصادق عليه السلام : في رجل مرَّ وهو مُحْرم في الحرم ، فأخذ عنق ظبية فاحتلبها وشرب لبنها ، قال : « عليه دم وجزاء الحرم عن اللبن » (٢) .
ولأنّه شرب ما لا يحلّ له شربه ، فيكون عليه ما على مَنْ أكل ما لا يحلّ له أكله ؛ لاستوائهما في التعدية .
تذنيب : لو رمى الصيد وهو حلال فأصابه السهم وهو مُحْرم فقَتَله ، لم يكن عليه ضمان ؛ لأنّ الجناية وقعت غير مضمونة ، فأشبه ما لو أصابه قبل الإِحرام ، وكذا لو جعل في رأسه ما يقتل القمل ثم أحرم فقَتَله ، لم يكن عليه شيء .
الأمر الثاني : التسبيب .
وهو كلّ فعل يحصل التلف بسببه ، كحفر البئر ، ونصب الشباك ، والدلالة على الصيد ، وتنفير الطير عن بيضه ، وأشباه ذلك ، ويظهر بمسائل :
مسألة ٣٥٨ : لو كان معه صيد فأحرم ، وجب عليه إرساله ، وزال ملكه عنه إذا كان حاضراً معه ، فإن أمسكه ، ضمنه إذا تلف ـ وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي والشافعي في أحد القولين (٣) ـ لأنّه فعل في الصيد استدامة
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٣٧٠ ـ ٣٧١ / ١٢٩٠ .
(٢) التهذيب ٥ : ٣٧١ / ١٢٩٢ بتفاوت يسير .
(٣)
المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ ـ ٤٩٦ ، المجموع ٧ :
=
الإِمساك ، وهو ممنوع منه ، كابتداء الإِمساك ، فكان ضامناً ، كابتداء الإِمساك .
ولقول الصادق عليه السلام : « لا يُحْرم واحد ومعه شيء من الصيد حتى يخرجه من ملكه ، فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخلّيه ، فإن لم يفعل حتى يدخل الحرم ومات لزمه الفداء » (١) .
وقال الشافعي : في الآخر ، وأبو ثور : ليس عليه إرسال ما في يده ؛ لأنّه في يده ، فأشبه ما لو كان نائياً عن الحرم في بيته (٢) .
والفرق : أنّ إمساكه في الحرم هتك له ، وهو منهي عنه ، بخلاف البلاد المتباعدة .
إذا ثبت هذا ، فإنّ ملكه عندنا يزول . وقال بعض العامّة بعدم زواله وإن وجب إرساله ، فإذا أحلّ ، جاز له إمساكه ، ولو أخذه غيره ، ردّه عليه بعد الإِحلال ، ومَنْ قَتَله ضمنه له (٣) .
وليس بجيّد ؛ لأنّه حينئذٍ من صيد الحرم غير مملوك .
ولأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَ عليه السلام : عن طائر أهلي ادخل الحرم حيّاً ، قال : « لا يُمسّ لأنّ الله تعالى يقول : ( وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ) (٤) » (٥) .
احتجّوا : بأنّ ملكه كان عليه وإزالة اليد لا تزيل الملك ، كالغصب والعارية (٦) .
__________________
=
٣١١ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٦ .
(١) التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٥٧ .
(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٩٥ ، المجموع ٧ : ٣١٠ ، المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٦ .
(٣) المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٧ .
(٤) آل عمران : ٩٧ .
(٥) التهذيب ٥ : ٣٤٨ / ١٢٠٦ .
(٦) المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٧ .
والفرق : أنّ زوال يده لمعنى شرعي ، بخلاف الغصب والعارية في حكم يده .
ولو تلف قبل تمكّنه من إرساله ، فلا ضمان ؛ لعدم العدوان .
ولو أرسله إنسان من يده ، لم يكن عليه ضمان ؛ لأنّه فَعَل ما يلزمه فِعْله ، فكان كما لو دفع المغصوب إلى مالكه من يد الغاصب .
وقال أبو حنيفة : يضمن ؛ لأنّه أتلف ملك الغير (١) . ونمنع الملكية .
ولو كان الصيد في منزله نائياً عنه ، لم يزل ملكه عنه ، وله نقله عنه ببيع أو هبة وغيرهما ـ وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي (٢) ـ لأنّه قبل الإِحرام مالك له ، فيدوم ملكه ؛ للاستصحاب .
ولأنّ جميلاً سأل الصادقَ عليه السلام : الصيد يكون عند الرجل من الوحش في أهله أو من الطير يُحْرم وهو في منزله ، قال : « وما بأس لا يضرّه » (٣) .
مسألة ٣٥٩ : لا ينتقل الصيد إلى المُحْرم بابتياع ولا هبة ولا غيرهما ؛ لما رواه العامّة : أنّ الصَّعْب بن جَثّامة أهدى إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله حماراً وحشياً ، فردّه عليه ، وقال : ( إنّا لم نردّه عليه (٤) إلّا أنّا حُرُمٌ ) (٥) .
ومن طريق الخاصّة : ما رواه معاوية بن عمّار ، قال : سأل الحكم بن عتيبة الباقر عليه السلام : ما تقول في رجل اُهدي له حمام أهلي وهو في
__________________
(١) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٨٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٦ .
(٢) المغني ٣ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٦ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٤٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٦ .
(٣) الكافي ٤ : ٣٨٢ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٦٠ .
(٤) في المصادر : عليك .
(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٥٠ / ١١٩٣ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩١ ، مسند أحمد ٤ : ٣٨ و ٧١ ، المغني ٣ : ٥٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٥ .