الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: ٤٩٦
بالجحفة : تعال أباقيك (١) أيّنا أطول نفساً في الماء (٢) .
ولأنّه ليس بستر معتاد ، فأشبه صبّ الماء عليه (٣) .
وحديث عمر لا حجّة فيه ، مع احتمال أن يكون في ابتداء الإِحرام ؛ لأنّه في الميقات الذي يحرم منه ، فالظاهر أنّ غسله للإِحرام ، والفرق : أنّ في الارتماس تغطيةَ الرأس دون الصبّ .
إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز له غسل رأسه بالسدر والخطمي ونحوهما ـ وبه قال جابر بن عبد الله والشافعي وأصحاب الرأي (٤) ـ ولا فدية عليه .
وعن أحمد رواية : أنّ عليه الفدية ، وبه قال مالك وأبو حنيفة (٥) .
وقال أبو يوسف ومحمّد : عليه صدقة (٦) .
لنا : ما رواه العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال في المُحْرم الذي أوقصه بعيره : ( اغسلوه بماء وسدر ، وكفّنوه في ثوبيه ، ولا تحنّطوه ولا تخمّروا رأسه ، فإنّه يُحشر يوم القيامة ملبّياً ) (٧) أمر بغسله بالسدر مع بقاء حكم الإِحرام عليه ، ولهذا منعه من الطيب وتخمير رأسه .
احتجّوا : بأنّه تستطاب رائحته ، ويزيل الشعث ، ويقتل الهوامّ (٨) .
__________________
(١) بقاه بقْياً : انتظره ورصده . لسان العرب ١٤ : ٨١ « بقي » .
(٢) سنن البيهقي ٥ : ٦٣ .
(٣) المغني ٣ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣ .
(٤) المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، المجموع ٧ : ٣٥٥ .
(٥) المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣ ، المدونّة الكبرىٰ ١ : ٣٨٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٤ ، المجموع ٧ : ٣٥٥ .
(٦) بدائع الصنائع ٢ : ١٩١ ، المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٤ ، المجموع ٧ : ٣٥٥ .
(٧) صحيح البخاري ٢ : ٩٦ و ٣ : ٢٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٦٥ / ٩٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٠ / ٣٠٨٤ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٦ ، سنن الدارمي ٢ : ٥٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٧٠ ، مسند أحمد ١ : ٢١٥ ، المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٤ .
(٨) المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣ .
ونمنع التلذّذ بالرائحة ، وينتقض بالفاكهة ، وإزالة الشعث تحصل بالتراب والماء مع موافقته علىٰ تسويغه .
مسألة ٢٨١ : يجوز للمُحْرم دخول الحمّام إجماعاً ، ولا يدلك جسده فيه بقوّة لئلّا يدميه أو يزيل شعره ؛ للأصل .
ولما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّه دخل حمّام الجحفة ، وقال : ما يعبأ الله بأوساخكم شيئاً (١) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « لا بأس أن يدخل المُحْرم الحمّام ولكن لا يتدلّك » (٢) .
إذا ثبت هذا ، فالأفضل تركه ؛ لاشتماله علىٰ الترفّه ( وإزالة الشعث ) (٣) .
ولما رواه عقبة أنّه سأل الصادق عليه السلام عن المُحْرم يدخل الحمّام ، قال : « لا يدخل » (٤) وإنّما حملناه علىٰ الكراهة ؛ جمعاً بين الأخبار .
البحث الثالث عشر : قتل هوامّ الجسد
مسألة ٢٨٢ : لا يجوز للمُحْرم قتل القمل والصئبان (٥) والبراغيث وغير ذلك من هوامّ الجسد ـ وهو إحدىٰ الروايتين عن أحمد (٦) ـ لاشتماله علىٰ الترفّه وإزالة الشعث ، فكان حراماً ، كالطيب .
__________________
(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، وفي سنن البيهقي ٥ : ٦٣ : بأوساخنا ، وفي ترتيب مسند الشافعي ١ : ٣١٤ / ٨١٦ : بأوسخنا .
(٢) الكافي ٤ : ٣٦٦ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢٨ / ١٠٨١ ، التهذيب ٥ : ٣١٤ / ١٠٨١ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١١ .
(٣) ما بين القوسين لم يرد في « ن » .
(٤) التهذيب ٥ : ٣٨٦ / ١٣٤٩ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١٢ .
(٥) الصؤابة : بيضة القملة ، والجمع : الصؤاب والصئبان . الصحاح ١ : ١٦٠ « صأب » .
(٦) المغني ٣ : ٢٧٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١١ .
ولقول الصادق عليه السلام : « المُحْرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمّداً ، وإن قتل شيئاً من ذلك خطأً فليطعم مكانها طعاماً قبضةً بيده » (١) .
ولا فرق بين أن يقتله أو يلقيه عن بدنه إلىٰ الأرض أو يقتله بالزئبق وشبهه ؛ لأنّ تحريم قتله ليس معلّلاً بحرمته ، بل للترفّه بفقده ، فعمّ المنعُ إزالته كيف كان .
ولأنّ حماد بن عيسىٰ سأل الصادق عليه السلام : عن المُحْرم يبين القملة من جسده فيلقيها ، فقال : « يطعم مكانها طعاماً » (٢) .
وفي الرواية الاُخرىٰ عن أحمد : يُباح قتله (٣) .
إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز له تحويلها من مكان من جسده إلىٰ مكان آخر منه ؛ لاشتمال دوامها في موضع واحد علىٰ أذىٰ كثير .
ولقول الصادق عليه السلام : « فإذا أراد أن يحوّل قملة من مكان إلىٰ مكان فلا يضرّه » (٤) .
مسألة ٢٨٣ : لو قتل قملةً ، فَعَل حراماً ، ووجب عليه فدية كف من طعام ـ وبه قال عطاء (٥) ـ لأنّه فعل إزهاق نفس محرَّمة ، فكان عليه صدقة ، كالصيد .
ولقول الصادق عليه السلام : « يُطعم مكانها طعاماً » (٦) بمجرد الإِلقاء ؛ لأنّه مظنّة القتل لها ، فأشبه رمي الصيد وجهل حاله .
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٦٠ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ ـ ١٩٧ / ٦٦١ .
(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٥٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ / ٦٥٩ .
(٣) المغني ٣ : ٢٧٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١١ .
(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٦ ـ ٣٣٧ / ١١٦١ ، الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩١ .
(٥) المغني ٣ : ٢٧٣ ـ ٢٧٤ .
(٦) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٥٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ / ٦٥٩ .
وقال مالك : يفدي بحفنة من طعام . وهو مروي عن ابن عمر (١) .
وقال إسحاق : يتصدّق بتمرة فما فوقها (٢) .
وقال أحمد في إحدىٰ الروايتين : يتصدّق بمهما كان من قليل وكثير ، وهو قول أصحاب الرأي (٣) .
وفي الرواية الاُخرىٰ : لا شيء عليه ، وبه قال سعيد بن جبير وطاوس وأبو ثور وابن المنذر (٤) .
مسألة ٢٨٤ : يجوز له أن ينحّي عن نفسه القراد والحَلَمَة ، ويلقي القراد عنه وعن بعيره ، لما رواه معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام ، قال : « والمُحْرم يلقي عنه القِرْدان (٥) كلّها إلّا القملة فإنّها من جسده ، وإن أراد أن يحوّل قملة من مكان إلىٰ مكان فلا يضرّه » (٦) .
وقال الشيخ رحمه الله : يجوز للمُحْرم أن يلقي القراد عن بعيره ، وليس له أن يلقي الحَلَمَة (٧) ؛ لقول الصادق عليه السلام : « إنّ القراد ليس من البعير ، والحَلَمة من البعير » (٨) .
البحث الرابع عشر : قطع شجر الحرم
مسألة ٢٨٥ : أجمع علماء الأمصار علىٰ تحريم قطع شجر الحرم غير الإِذخر وما أنبته الآدمي من البقول والزروع والرياحين .
وبالجملة فالتحريم متعلّق بما نبت بنفسه دون ما يستنبت .
__________________
(١) المغني ٣ : ٢٧٣ ـ ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢ .
(٢ ـ ٤) المغني ٣ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢ .
(٥) في المصدر : « الدواب » بدل « القردان » .
(٦) الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩١ ، التهذيب ٥ : ٣٣٧ / ١١٦١ .
(٧) التهذيب ٥ : ٣٣٨ .
(٨) الفقيه ٢ : ٢٣٢ / ١١٠٧ .
لما رواه العامّة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله من قوله عليه السلام : ( لا يُختلىٰ شوكها ولا يُعضد شجرها ) (١) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « كلّ شيء ينبت في الحرم فهو حرام علىٰ الناس أجمعين إلّا ما أنبتّه أنت وغرسته » (٢) .
واعلم أنّ النابت إمّا شجر أو غيره .
أمّا الشجر : فيحرم قطع كلّ شجر رطب حرمي وقلعه ، فخرج بالرطب : الشجر اليابس ، فإنّه لا شيء في قطعه ، كما لو قطع صيداً ميّتاً .
وخرج بالحرمي أشجار الحِلّ ، فلا يجوز أن يقلع شجرة من أشجار الحرم وينقلها إلىٰ الحِلّ محافظةً علىٰ حرمتها ، فإن فَعَل ، فعليه الردّ .
أمّا لو نقل من بقعة من الحرم إلىٰ بقعة اُخرىٰ منه ، فإنّه لا يؤمر بالردّ ، ويضمن لو تلفت بالنقل .
ولا فرق في التحريم بين أن ينقله إلىٰ الحِلّ أو الحرم .
ولو نبتت في الموضع المنقول إليه ، فإن كان في الحرم ، فلا جزاء فيه ؛ لأنّه لم يُتلفها ولم يُزِلْ حرمتها .
ولو كان في الحِلّ ، فكذلك عند الشافعي ؛ لأنّه لم يتحقّق منه الإِتلاف (٣) .
ومقتضىٰ مذهبنا : وجوب الردّ ، فإن تلفت ضمن ، وإلّا فلا ؛ لأنّه أزال حرمتها بالنقل ، فوجب الردّ .
وأمّا غير الشجر كالحشيش ، فلا يجوز قطعه ؛ للخبر (٤) ، ولو قَطَعه ضمنه .
__________________
(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٦١ ـ ٣٦٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٧٧ .
(٢) الفقيه ٢ : ١٦٦ / ٧١٨ ، التهذيب ٥ : ٣٨٠ / ١٣٢٥ .
(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المجموع ٧ : ٤٤٨ .
(٤) تقدّم في صدر المسألة .
مسألة ٢٨٦ : يحرم قطع الشوك والعوسج وشبهه من الأشجار المؤذية ـ وبه قال أحمد (١) ـ لعموم قوله عليه السلام : ( لا يُعضد شجرها ) (٢) .
وقال الشافعي : لا يحرم ـ وبه قال عطاء ومجاهد وعمرو بن دينار ـ لأنّه مُؤذٍ ، فأشبه السباع من الحيوان (٣) .
ونمنع المساواة ، والفرق : إمكان الاحتراز غالباً عن الشوك ، وقلّة ضرره ، بخلاف السباع ، ولأنّها تقصد الأذىٰ .
وليس له أخذ ورق الشجر ـ وبه قال أحمد (٤) ـ لقوله عليه السلام : ( لا يُخبط (٥) شوكها ولا يُعضد شجرها ) (٦) .
ولأنّ ما حرم أخذه حرم كلّ شيء منه ، كريش الطائر .
وقال الشافعي : له أخذه ؛ لأنّه لا يضرّ به (٧) . وكان عطاء يرخّص في أخذ ورق السنا (٨) للإِسهال ، ولا ينزع من أصله (٩) ، ورخص فيه عمرو بن دينار (١٠) .
ونمنع عدم تضرّر الشجرة به ، فإنّه يضعفها ، وربما أدّىٰ إلىٰ تلفها .
وكذا يحرم أغصان الشجرة ؛ لأنّ منفعتها به أقوىٰ من منفعة الورق .
__________________
(١) المغني ٣ : ٣٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨ .
(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ / ٤٤٨ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٢ / ٢٠١٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥ .
(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٤٤٨ ، المغني ٣ : ٣٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨ .
(٤) المغني ٣ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨ .
(٥) الخبط : خبط ورق العضاة من الطلح ونحوه ، يخبط ، يُضرب بالعصا فيتناثر . لسان العرب ٧ : ٢٨١ « خبط » .
(٦) صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ / ٤٤٨ .
(٧) فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المجموع ٧ : ٤٤٩ ، المغني ٣ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨ .
(٨) السنا : نبت يتداوىٰ به . لسان العرب ١٤ : ٤٠٥ « سنا » .
(٩ و ١٠) المغني ٣ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨ .
مسألة ٢٨٧ : تجب في قطع الشجر الفدية عند أكثر علمائنا (١) ـ وبه قال ابن عباس وعطاء وأبو حنيفة وأحمد والشافعي في أصحّ قوليه (٢) ـ لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال : في الدوحة بقرة ، وفي الجزلة شاة (٣) . والدوحة : الشجرة الكبيرة ، والجزلة : الشجرة الصغيرة .
ومن طريق الخاصّة : قول أحدهما عليهما السلام : « إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم ولم تُنزع فأراد نَزْعَها ، نَزَعَها وكفّر بذبح بقرة يتصدّق بلحمها علىٰ المساكين » (٤) .
ولأنّه ممنوع من إتلافه ؛ لحرمة الحرم ، فكان مضموناً عليه ، كالصيد .
وقال بعض علمائنا : لا ضمان فيه وإن حرم (٥) ـ وبه قال مالك وأبو ثور وداود وابن المنذر والشافعي في القديم (٦) ـ لأصالة البراءة .
[ و ] (٧) لأنّ الإِحرام لا يوجب ضمان الشجر ، فكذلك الحرم .
مسألة ٢٨٨ : يحرم قطع حشيش الحرم إذا كان رطباً ؛ للخبر ، إلّا ما استثني من الإِذخر وما أنبته الآدميون ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( لا يُحْتش حشيشها ) (٨) .
__________________
(١) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠٨ ، المسألة ٢٨١ ، والمبسوط ٢ : ٣٥٤ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٠٤ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٢٢٣ .
(٢) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٠٤ ، المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩ ـ ٣٨٠ ، الْأُم ٢ : ١٠٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣١٣ ، الوجيز ١ : ١٢٩ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٤٥٠ و ٤٥١ .
(٣) المغني ٣ : ٣٦٧ ـ ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ .
(٤) التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٣١ .
(٥) قال به ابن إدريس في السرائر : ١٣٠ .
(٦) المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، المدوّنة الكبرىٰ ١ : ٤٥١ ، حلية العلماء ٣٠ : ٣٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١ .
(٧) أضفناها لأجل السياق .
(٨) المغني ٣ : ٢٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩ .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « إنّ علي بن الحسين عليهما السلام كان يتّقي الطاقة من العُشْب ينتفها من الحرم » قال : « وقد نتف طاقة وهو يطلب أن يعيدها في مكانها » (١) .
ورأىٰ زين العابدين عليه السلام شخصاً يقلع العُشْب من حول الفسطاط ، فقال عليه السلام : « إنّ هذا لا يقلع » (٢) .
وقال الشافعي : لا يجوز قطعه مطلقاً ؛ للخبر ، فإن قَطَعه ، فعليه قيمته إن لم يخلف ، وإن أخلف فلا ، بخلاف الشجر ؛ فإنّ الغالب فيه الإِخلاف ، فأشبه سنّ الصبي (٣) .
إذا عرفت هذا ، فلو كان يابساً ، لم يكن في قطعه شيء ، كما في الشجر .
نعم لا يجوز قلعه ، فإن قَلَعه ، فعليه الضمان ؛ لأنّه لو لم يقلع لنبت ثانياً ، ذكره بعض الشافعية (٤) ، ولا بأس به .
مسألة ٢٨٩ : يجوز للمُحْرم أن يترك إبله لترعىٰ في حشيش الحرم ، وتسريح البهائم فيه لترعىٰ وإن حرم عليه قلعه عند علمائنا ـ وبه قال عطاء والشافعي (٥) ـ لما رواه العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( إلّا علف الدوابّ ) (٦) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « يُخلّىٰ البعير في
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٣٧٩ / ١٣٢٣ .
(٢) التهذيب ٥ : ٣٧٩ / ١٣٢٢ .
(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١٢ .
(٤) فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٢ .
(٥) المغني ٣ : ٣٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣١٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٢ ـ ٤٥٣ .
(٦) أورده الماوردي في الحاوي الكبير ٤ : ٣١٢ ، والشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠٩ ، المسألة ٢٨٢ .
الحرم يأكل ما شاء » (١) .
ولأنّ الهدايا في زمن النبي صلّى الله عليه وآله كانت تدخل الحرم وتكثر فيه ، ولم ينقل أنّه [ كانت ] (٢) تُشدّ (٣) أفواهها .
ولأنّ الحاجة ماسّة إلىٰ ذلك ، فكان سائغاً ، كالإِذخر .
وقال أحمد وأبو حنيفة : لا يجوز ؛ لأنّ ما حرم إتلافه لا يجوز أن يرسل عليه ما يتلفه ، كالصيد (٤) .
والفرق : الحاجة ، ولأنّ الصيد منهي عن قتله مباشرةً وتولّداً ، بخلاف الحشيش .
ولو اختلىٰ الحشيش ليعلفه البهائم ، فللشافعية وجهان :
أحدهما : الجواز ، كما لو سرحها فيه .
والثاني : المنع ؛ لقوله عليه السلام : ( لا يختلىٰ خلاها ) (٥) (٦) .
مسألة ٢٩٠ : شجر الفواكه والنخل يجوز قلعه ، سواء أنبته الله تعالىٰ أو الآدميون ، وسواء كانت مُثمرةً ، كالنخل والكرم ، أو غير مثمرة ، كالصنوبر والخلاف ـ وبه قال أبو حنيفة (٧) ـ لأنّ تحريم الحرم مختص بما كان وحشياً من
__________________
(١) الكافي ٤ : ٢٣١ / ٥ ، الفقيه ٢ : ١٦٦ / ٧١٩ ، التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٢٩ .
(٢) أضفناها لأجل السياق .
(٣) في النسخ الخطية والحجرية : شدّ . وما أثبتناه هو الصحيح .
(٤) المغني ٣ : ٣٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٠٤ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٧٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ ـ ٣٢٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣١٢ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٢ .
(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٩ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٧ / ١٣٥٣ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥ .
(٦) فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٣ .
(٧) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٠٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٠ ـ ٢١١ ، المغني ٣ : ٣٦٢ ـ ٣٦٣ .
الصيد ، فكذا من الشجر .
وقول الصادق عليه السلام : « لا ينزع من شجر مكة إلّا النخل وشجر الفواكه » (١) .
وكذا يجوز قلع ما أنبته الإنسان من شجر الفواكه كلّها ؛ لقول الصادق عليه السلام : « كلّ شيء ينبت في الحرم فهو حرام علىٰ الناس أجمعين إلّا ما أنبتّه أنت وغرسته » (٢) .
وبه قال أبو حنيفة ؛ تشبيهاً للمستنبتات بالحيوان الإِنسي وبالزرع (٣) .
قال الشيخ رحمه الله : وما أنبته الله تعالىٰ في الحِلّ إذا قلعه المُحلّ ونَقَله إلىٰ الحرم ثم قَطَعه ، فلا ضمان عليه ، وما أنبته الله إذا نبت في ملك الإِنسان ، جاز له قلعه ، وإنّما لا يجوز له قلع ما نبت في المباح (٤) .
وقال الشافعي : كلّ ما ينبت في الحرم فهو حرام سواء أنبته الله تعالىٰ أو الآدميّون (٥) ، لعموم قوله عليه السلام : ( لا يُعضد شجرها ) (٦) .
ولأنّها شجرة تنبت في الحرم ، فأشبه ما لم ينبته الآدميون .
والحديث قد استثني فيه في بعض الروايات ( إلّا ما أنبته الآدمي ) .
ولأنّ أدلّتنا أخصّ .
وللفرق بين الأهلي من الشجر ، كالنخل والجواز واللوز ، والوحشي ،
__________________
(١) الفقيه ٢ : ١٦٦ / ٧٢٠ ، التهذيب ٥ : ٣٧٩ ـ ٣٨٠ / ١٣٢٤ .
(٢) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في ص ٣٦٥ ، الهامش (٢) .
(٣) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٠٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١١ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٢ .
(٤) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٥٤ .
(٥) فتح العزيز ٧ : ٥١١ و ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٤٧ و ٤٥٠ .
(٦) صحيح البخاري ٣ : ١٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ / ٤٤٨ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٢ / ٢٠١٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٨ / ٣١٠٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥ .
كالدَّوْح (١) والسَّلَم (٢) ، كالصيد .
إذا عرفت هذا ، فسواء كان الشجر الذي أنبته الآدمي ممّا جنسه أن يُنبته الآدميّون أو لم يكن جنسه من ذلك يجوز قلعه مطلقاً ـ خلافاً للشافعي (٣) ـ لعموم قول الصادق عليه السلام : « إلّا ما أنبتّه أنت وغرسته » (٤) .
ولا بأس بقطع شجر الإِذخر إجماعاً .
وكذا لا بأس بعودي المحالة للحاجة إلىٰ ذلك .
ولقول الباقر عليه السلام : « رخص رسول الله صلّى الله عليه وآله في قطع عودي المَحالَة ـ وهي البكرة التي يُستقىٰ بها (٥) ـ من شجر الحرم والإِذخر » (٦) .
وكذلك لا بأس بأن يقلع الإِنسان شجرة تنبت في منزله بعد بنائه له ، ولو نبتت قبل بنائه ، لم يجز له قلعها ؛ لقول الصادق عليه السلام في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم ، فقال : « إن بنىٰ المنزل والشجرة فيه فليس له أن يقلعها ، وإن كانت نبتت في منزله فله قلعها (٧) » (٨) .
ويجوز أن يقلع اليابس من الشجر والحشيش ؛ لأنّه ميّت فلم تبق له حرمة ، وكذا قطع ما انكسر ولم يبن ؛ لأنّه قد تلف ، فهو بمنزلة الميّت والظفر المنكسر .
__________________
(١) الدوح جمع الدوحة ، وهي : الشجرة العظيمة من أيّ الشجر كان . الصحاح ١ : ٣٦١ « دوح » .
(٢) السَّلَم : شجر من العظاه ، واحدتها سَلَمة . الصحاح ٥ : ١٩٥٠ « سلم » .
(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٠ .
(٤) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في ص ٣٦٥ ، الهامش (٢) .
(٥) النهاية ـ لابن الأثير ـ ٤ : ٣٠٤ « محل » .
(٦) التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٣٠ .
(٧) في المصدر : « وهو له فليقلعها » بدل « فله قلعها » .
(٨) الكافي ٤ : ٢٣١ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٣٨٠ / ١٣٢٧ .
ويجوز أخذ الكَمْأَة (١) والفقْع (٢) من الحرم ، لأنّه لا أصل له ، فهو كالثمرة الموضوعة علىٰ الأرض .
ولو انكسر غصن شجرة أو سقط ورقها ، فإن كان بغير فعل الآدمي ، جاز الانتفاع به إجماعاً ؛ لتناول النهي القطع وهذا لم يقطع ، وإن كان بفعل آدمي ، فالأقرب جوازه (٣) ؛ لأنّه بعد القطع يكون كاليابس ، وتحريم الفعل لا ينافي جواز استعماله .
ومنعه بعض العامّة ؛ قياساً علىٰ الصيد يذبحه المُحْرم (٤) .
وقال آخرون : يباح لغير القاطع ، والفرق : أنّ الصيد يُعتبر في ذبحه الأهليةُ ، وهي منفية عن المُحْرم ، بخلاف قطع الشجرة ؛ فإنّ الدابّة لو قطعته جاز الانتفاع به (٥) .
مسألة ٢٩١ : الشجرة إذا كان أصلها في الحرم وفرعها في الحِلّ ، حرم قطعها وقطع غصنها ؛ لأنّها في الحرم .
ولما رواه معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحِلّ ، فقال : « حرم فرعها لمكان أصلها » قال : قلت : فإنّ أصلها في الحِلّ وفرعها في الحرم ، قال : « حرام أصلها لمكان فرعها » (٦) والغصن تابع .
وإن كان بالعكس ، فكذلك .
وسوّغ بعض العامّة قطع الغصن في الأخير ؛ لأنّه تابع لأصله ، كالتي
__________________
(١) الكَمْأَة واحدها : كَمْءٌ ، وهو نبات ينقّض الأرض فيخرج . لسان العرب ١ : ١٤٨ « كمأ » .
(٢) الفقْع ـ بالفتح والكسر ـ : الأبيض الرخو من الكَمْأَة ، وهو أردأها . لسان العرب ٨ : ٢٥٥ « فقع » .
(٣) في « ف » : الجواز .
(٤ و ٥) المغني ٣ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨ .
(٦) الكافي ٤ : ٢٣١ / ٤ ، الفقيه ٢ : ١٦٥ / ٧١٧ ، التهذيب ٥ : ٣٧٩ / ١٣٢١ .
قبلها (١) .
وليس بجيّد ؛ لأنّه في الحرم .
وإذا كان الأصل في الحِلّ والغصن في الحرم فقَطَع واحدٌ الغصنَ ، ضمنه .
ولو قطع آخرٌ الأصلَ بعد قطع الغصن ، فالأقرب عدم التحريم ؛ لأنّ المقتضي له هو استتباع قطع الغصن لقطعه وقد زال بقطع الغصن .
ولو كان بعض الأصل في الحِلّ وبعضه في الحرم ، ضمن الغصن ، سواء كان في الحِلّ أو الحرم ؛ تغليباً لحرمة الحرم ، كما لو وقف صيد بعض قوائمه في الحِلّ وبعضها في الحرم .
مسألة ٢٩٢ : لو قلع شجرةً من الحرم فغرسها في مكان آخر منه فماتت ، ضمنها ؛ لإِتلافه .
ولو غرسها في مكان آخر من الحرم فنبتت ، لم يكن عليه ضمان ؛ لعدم الإِتلاف ولم تزل حرمتها .
ولو غرسها في الحِلّ فنبتت ، وجب عليه ردّها ؛ لأنّه أزال حرمتها ، فإن تعذّر ردّها ، أو ردّها ويبست ، ضمنها .
ولو غرسها في الحِلّ فقلعها غيره منه ، قال بعض العامّة : يضمن الثاني ؛ لأنّه المتلف لها ، بخلاف الصيد إذا نفّره إنسان من الحرم فقتله الآخر في الحِلّ ، فإنّ الضمان علىٰ المنفّر ؛ لأنّ الشجر لا ينتقل بنفسه ، ولا تزول حرمته بإخراجه ، ولهذا يجب علىٰ قالعه ردّه ، وأمّا الصيد فإنّه يكون تارة في الحِلّ واُخرىٰ في الحرم ، فمن نفّره فقد أذهب حرمته ، فوجب عليه جزاؤه ، والشجر لا تفوت حرمته بالإِخراج ، فكان الضمان علىٰ المُتْلف ؛ لأنّه أتلف
__________________
(١) المغني ٣ : ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٢ .
شجراً من الحرم (١) .
مسألة ٢٩٣ : يضمن المُحْرم الشجرة الكبيرة ببقرة ، والصغيرة بشاة ، والحشيش بقيمته ، والغصن بأرشه ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٢) ـ لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال : في الدوحة بقرة ، وفي الجزلة شاة (٣) . والدوحة : الشجرة الكبيرة ، والجزلة : الشجرة الصغيرة .
ومن طريق الخاصّة : قول أحدهما عليهما السلام : « إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم ولم تنزع ، فإن أراد نَزْعها نَزَعها ، وكفّر بذبح بقرة ، وتصدَّق بلحمها علىٰ المساكين » (٤) .
وقال أصحاب الرأي : يضمن الجميع بالقمية ؛ لأنّه لا مقدّر فيه ، فأشبه الحشيش (٥) .
وليس بجيّد ؛ لأنّه أحد نوعي ما يحرم إتلافه ، فكان فيه مقدّر ، كالصيد .
ولو قطع غصناً أو قلع حشيشاً فعاد عوضه ، فالوجه : بقاء الضمان ؛ لأنّ الثاني غير الأول .
إذا عرفت هذا ، فالمرجع في الصغر والكبر إلىٰ العرف .
وقال بعض الشافعية : ضبط الشجرة المضمونة بالشاة أن تقع قريبةً من
__________________
(١) المغني ٣ : ٣٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨١ .
(٢) الْأُم ٢ : ٢٠٨ ، مختصر المزني : ٧١ ، الوجيز ١ : ١٢٩ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٤٥١ و ٤٩٦ ، المغني ٣ : ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩ و ٣٨٠ .
(٣) المغني ٣ : ٣٦٧ ـ ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ .
(٤) التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٣١ .
(٥) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٠٣ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٧٥ ، المحلّىٰ ٧ : ٢٦١ ، المغني ٣ : ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، المجموع ٧ : ٤٩٦ .
سُبْع الكبيرة ، فإنّ الشاة من البقرة سُبْعُها (١) .
والمتوسّطة صغيرة ؛ لأصالة البراءة ، ولأنّ اسم الصغيرة يتناول ما ليست بكبيرة .
مسألة ٢٩٤ : حدّ الحرم ـ الذي لا يحلّ الصيد فيه ولا قطع شجره ـ بريد في بريد ؛ لما رواه زرارة ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه السلام ، قال : سمعته يقول : « حرّم الله حرمه بريداً في بريد أن يختلى خلاه ويُعضد شجره إلّا الإِذخر أو يصاد طيره ، وحرّم رسول الله صلّى الله عليه وآله المدينة ما بين لابتيها صيدها ، وحرّم ما حولها بريداً في بريد أن يختلى خلاها ويعضد شجرها إلّا عودي الناضح (٢) » (٣) .
مسألة ٢٩٥ : قال الشيخ رحمه الله : واعلم أنّ للمدينة حرماً مثل حرم مكّة ، وحدّه ما بين لابتيها ، وهو من ظلّ عائر إلىٰ ظلّ وُعير لا يُعْضد شجرها ، ولا بأس أن يؤكل صيدها إلّا ما صيد بين الحرّتين (٤) .
واللابة : الحرّة ، والحرّة : الحجارة السوداء .
وفي هذا الكلام اضطراب ، وينبغي أن يقال : وحدّه من ظلّ عائر إلىٰ ظلّ وُعير ، لا يُعْضد شجرها ، ولا بأس أن يؤكل صيدها إلّا ما صيد بين الحرّتين ؛ لأنّ الحرّتين غير ظلّ عائر وظلّ وُعير ، والحرّتان بين الظلّين ؛ لأنّه قال : لا يعضد الشجر فيما بين الظلّين ، ولا بأس أن يؤكل الصيد إلّا ما صيد بين الحرّتين ، فدلّ علىٰ دخول الحرّتين في الظلّين ، وإلّا تناقض الكلام ، ولو كانت الحرّتان هُما حدّ حرم المدينة الأول ، لما حلّ الصيد في شيء من حرم المدينة .
__________________
(١) فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المجموع ٧ : ٤٥١ .
(٢) في المصدر : « عودي محالة الناضح » .
(٣) التهذيب ٥ : ٣٨١ ـ ٣٨٢ / ١٣٣٢ .
(٤) النهاية : ٢٨٦ ـ ٢٨٧ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٨٦ .
والشيخ ـ رحمه الله ـ عوّل في التحريم علىٰ رواية زرارة عن الباقر عليه السلام ، السابقة (١) .
والشافعي ألحق حرم المدينة بحرم مكة في التحريم في أصحّ الوجهين عنده ، وبه قال مالك وأحمد (٢) ـ وهو المشهور عندنا ـ لما روىٰ العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( إنّ إبراهيم حرّم مكة وإنّي حرّمت المدينة مثل ما حرّم إبراهيم مكة ، لا يُنفّر صيدها ولا يُعْضد شجرها ولا يُخْتلىٰ خلاها ) (٣) .
وروي أنّه قال : ( إنّي اُحرّم ما بين لابتي المدينة أن يُقْطع عضاهها (٤) أو يُقْتل صيدها ) (٥) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إنّ مكة حرم الله حرّمها إبراهيم ، وإنّ المدينة حرمي ما بين لابتيها حرم لا يُعْضد شجرها ، وهو ما بين ظلّ عائر إلىٰ ظلّ وُعير [ و ] (٦) ليس صيدها كصيد مكة يؤكل هذا ولا يؤكل ذاك وهو بريد » (٧) .
__________________
(١) سبقت في المسألة ( ٢٩٤ ) .
(٢) الوجيز ١ : ١٢٩ ـ ١٣٠ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٤٨٠ و ٤٩٧ ، المنتقىٰ ـ للباجي ـ ٢ : ٢٥٢ ، المغني ٣ : ٣٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٢ ـ ٣٨٣ .
(٣) أورده ـ كما في المتن ـ الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٥١٣ ـ ٥١٤ ، وفي صحيح مسلم ٢ : ٩٩٢ / ١٣٦٢ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٩٨ بتفاوت واختصار .
(٤) في « ط ، ف ، ن » والطبعة الحجرية : أغصانها . وذلك تصحيف ، وما أثبتناه من المصادر .
(٥) صحيح مسلم ٢ : ٩٩٢ / ١٣٦٣ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٩٧ ، وأورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٥١٤ .
(٦) أضفناها من المصدر .
(٧) الكافي ٤ : ٥٦٤ ـ ٥٦٥ / ٥ ، التهذيب ٦ : ١٢ / ٢٣ .
وقال أبو حنيفة : لا يحرم (١) . وهو الوجه الثاني للشافعي (٢) .
وعلىٰ قول التحريم عند الشافعي ففي ضمان صيدها وشجرها قولان :
الجديد ـ وبه قال مالك ـ لا يضمن ؛ لأنّه ليس بمحلّ النسك ، فأشبه مواضع الحمىٰ ، وإنّما أثبتنا التحريم ؛ للنصوص .
والقديم ـ وبه قال أحمد ـ أنّه يضمن .
وعلىٰ هذا فما جزاؤه ؟ وجهان :
أحدهما : أنّ جزاءه كجزاء حرم مكة ؛ لاستوائهما في التحريم .
والثاني ـ وبه قال أحمد ـ أنّ جزاءه أخذ سَلَب الصائد وقاطع الشجر ؛ لما روي أنّ سعد بن أبي وقاص أخذ سَلَب رجل قتلَ صيداً في المدينة ، قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : ( من رأىٰ رجلاً يصطاد بالمدينة فليسلبه ) (٣) .
وهذا ليس بشيء علىٰ مذهبنا .
وعلىٰ هذا ففيما يُسلب للشافعي وجهان :
الذي أورده أكثر أصحابه أنّه يسلب منه ما يسلبه القاتل من قتيل الكفّار .
والثاني : لا ينحىٰ بهذا نحو سَلَب القتيل في الجهاد ، وإنّما المراد من السَّلَب هاهنا الثياب فحسب (٤) .
وعلىٰ الوجهين ففي مصرفه وجهان مشهوران لهم :
أظهرهما : انّه للسالب كسَلَب القتيل ، وقد روي أنّهم كلّموا سعداً في هذا السَّلَب ، فقال : ما كنت لأردّ طعمة أطعمنيها رسول الله صلّى الله عليه
__________________
(١) المغني ٣ : ٣٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٣ ، المجموع ٧ : ٤٩٧ .
(٢) فتح العزيز ٧ : ٥١٣ ، المجموع ٧ : ٤٨٠ .
(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١٤ ، المجموع ٧ : ٤٨٠ ـ ٤٨١ و ٤٩٧ ، وراجع : المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٥٢ ، والمغني ٣ : ٣٧١ ـ ٣٧٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٨٤ و ٣٨٥ .
(٤) فتح العزيز ٧ : ٥١٤ ، المجموع ٧ : ٤٨١ .
وآله .
والثاني : أنّه لمحاويج المدينة وفقرائها ، كما أنّ جزاء صيد مكة لفقرائها .
ولهم وجه ثالث : أنّه يوضع في بيت المال ، وسبيله سبيل السهم المُرْصَد للمصالح (١) .
مسألة ٢٩٦ : صيدُ وَجٍّ وشجرهُ مباح ـ ووجّ : وادٍ بالطائف ، وليس المراد منه نفس البلد ـ قاله علماؤنا ، وبه قال أحمد (٢) ؛ لأصالة الإِباحة ، وعدم شغل الذمّة من واجب أو عقوبة .
وقال الشافعي : إنّه محرَّم ؛ لما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّه قال : ( صيدُ وَجّ وعضاهها محرَّم ) (٣) (٤) والعضاة كلّ شجر عظيم له شوك .
ونمنع صحة الحديث ؛ فإنّ أحمد طعن فيه (٥) .
وللشافعي قول آخر : إنّه مكروه (٦) .
وعلىٰ الأول هل يتعلّق به ضمان ؟ بعض الشافعية مَنَع منه ؛ إذ لم يرد في الضمان نقل ، لكن يؤدّب ، وبعضهم قال : نعم ، وحكمه حكم حرم المدينة (٧) .
وأمّا النقيع (٨) فليس بحرم ، لكن حماه رسول الله صلّى الله عليه وآله لإِبل
__________________
(١) فتح العزيز ٧ : ٥١٤ ، المجموع ٧ : ٤٨١ ـ ٤٨٢ .
(٢) المغني ٣ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٦ .
(٣) مسند أحمد ١ : ١٦٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٠٠ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٥ ـ ٢١٦ / ٢٠٣٢ .
(٤) فتح العزيز ٧ : ٥١٩ ـ ٥٢٠ ، المجموع ٧ : ٤٨٣ ، المغني ٣ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٦ .
(٥) المغني ٣ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٦ .
(٦) فتح العزيز ٧ : ٥١٨ .
(٧) فتح العزيز ٧ : ٥٢٠ .
(٨)
النقيع : موضع قرب المدينة كان لرسول الله صلّى الله عليه وآله حماه لخيله ، وكان
يجتمع فيه
=
الصدقة ونَعَم الجزية (١) ، فلا تُملك أشجاره وحشيشه .
وفي وجوب الضمان علىٰ مَنْ أتلفها للشافعية وجهان :
أحدهما : لا يجب ، كما لا يجب في صيده شيء .
وأظهرهما عندهم : الوجوب ؛ لأنّه ممنوع منه ، فكانت مضمونةً عليه ، بخلاف الصيد ؛ فإنّ الاصطياد فيه جائز ، وعلىٰ هذا فضمانها القيمة ، ومصرفه مصرف نَعَم الصدقة والجزية (٢) .
مسألة ٢٩٧ : قد بيّنّا تحريم قطع شجر الحرم إذا كان نابتاً بنفسه دون ما يستنبت .
وللشافعي في الثاني قولان : أحدهما : التحريم . والثاني : الكراهة ، فيندرج في التحريم قطع الطرفاء والأراك والعضاة وغيرها من أشجار الفواكه ؛ لأنّها تنبت بنفسها (٣) . وكذا العوسج عند الشافعية (٤) .
لكن سوّغ أصحابنا قطع شجر الأراك وذي الشوك ، كالعوسج وشبهه .
ثم فرّع الشافعية على إباحة ما يستنبت : أنّه لو استنبت بعض ما ينبت بنفسه على خلاف الغالب ، أو نبت بعض ما يستنبت ، لهم خلاف في إلحاقه بأيّ الصنفين :
حكى الجويني عن الأصحاب : النظر إلى الجنس والأصل ، فأوجب الضمان في الصورة الاُولى دون الثانية .
وحكى غيره : أنّ النظر إلى القصد والحال ، فيعكس الحكم فيهما (٥) .
__________________
=
الماء . معجم البلدان ٥ : ٣٠١ « نقيع » النهاية ـ لابن الأثير ـ ٥ : ١٠٨ .
(١) فتح العزيز ٧ : ٥٢١ ، وسنن البيهقي ٥ : ٢٠١ .
(٢) فتح العزيز ٧ : ٥٢١ ـ ٥٢٢ .
(٣ و ٤) فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٠ ، وفيهما نُسب تحريم قطع العوسج إلىٰ بعض الشافعية .
(٥) فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٠ .
مسألة ٢٩٨ : لا أعرف لأصحابنا نصّاً في كراهة نقل تراب الحرم وأحجاره إلى سائر البلاد .
وقال بعض الشافعية : يكره نقل تراب الحرم وأحجاره إلى سائر البقاع ، والبرام يجلب من الحِلّ (١) .
ولا يكره نقل ماء زمزم ـ وبه قال الشافعية (٢) ـ لأنّ عائشة كانت تنقله (٣) .
قال بعض الشافعية : لا يجوز قطع شيء من ستر الكعبة ونقله وبيعه وشراؤه خلاف ما تفعله العامّة ، فإنّهم يشترونه من بني شيبة ، وربما وضعوه في أوراق المصاحف ، ومَنْ حَمَل منه شيئاً فعليه ردّه (٤) . وهو الوجه عندي ، وكذا البحث في المشاهد المقدسة .
مسألة ٢٩٩ : حرم المدينة يفارق حرم مكة في اُمور :
أ ـ أنّه لا كفّارة فيما يفعل فيه من صيد أو قطع شجر على ما اخترناه .
ب ـ أنّه يباح من شجر المدينة ما تدعو الحاجة إليه من الحشيش للمعلف .
روىٰ العامّة عن علي عليه السلام ، قال : « المدينة حرام ما بين عائر إلىٰ ثور ، لا يختلى خلاها ، ولا ينفّر صيدها ، ولا يصلح أن يقطع منها شجرة إلّا أن يعلف رجل بعيره » (٥) .
ولأنّ المدينة يقرب منها شجر كثير وزروع ، فلو منع من احتشاشها مع الحاجة ، لزم الضرر ، بخلاف مكة .
__________________
(١) فتح العزيز ٧ : ٥١٣ ، المجموع ٧ : ٤٥٨ .
(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٤٥٧ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٣ .
(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١٣ .
(٤) فتح العزيز ٧ : ٥١٣ ، المجموع ٧ : ٤٥٩ ـ ٤٦٠ .
(٥) سنن أبي داود ٢ : ٢١٦ ـ ٢١٧ / ٢٠٣٤ و ٢٠٣٥ ، والمغني ٣ : ٣٧٣ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٨٤ وفيها عن علي عليه السلام عن النبي صلّى الله عليه وآله .