الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: ٤٩٦
ويجوز له أن يعقد إزاره عليه ؛ لأنّه يحتاج اليه لستر العورة ، فيباح ، كاللباس للمرأة ، ويعقد الهميان .
و ـ تجب الفدية بالُّلبْس طال الزمان أو قصر ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لأنّه باشر محظور الإِحرام ، فلزمه الفداء ، كما لو حلق .
وقال أبو حنيفة : إنّما تلزم الفدية التامّة إذا استدام الُّلبْس يوماً كاملاً ، فإن كان أقلّ ، فعليه صدقة (٢) .
ز ـ تجب الفدية بلُبْس القباء وإن لم يدخل يديه في كُمّيه ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد (٣) .
وقال أبو حنيفة : لا تجب لو أخرج يديه من كُمّيه (٤) .
ولو ألقى على نفسه قباءً أو فرجياً وهو مضطجع ، قال بعض الشافعية : إن أخذ من بدنه ما إذا قام عُدّ لابسه ، فعليه الفدية ، وإن كان بحيث لو قام أو قعد لم يستمسك عليه إلّا بمزيد أمر فلا (٥) .
مسألة ٢٢٨ : يجوز للمرأة لُبْس المخيط إجماعاً ؛ لأنّها عورة ، وليست كالرجال .
وكذا يجوز لها أن تلبس الغِلالة (٦) إذا كانت حائضاً إجماعاً ، لتقي ثيابها
__________________
(١) فتح العزيز ٧ : ٤٤٠ ـ ٤٤١ ، المجموع ٧ : ٢٥٩ .
(٢) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٢٥ ـ ١٢٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٧ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٦١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤١ .
(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٤١ ، المجموع ٧ : ٢٥٤ و ٢٦٦ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ١٩٦ ، المغني ٣ : ٢٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٧ .
(٤) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٢٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤١ ، المجموع ٧ : ٢٦٦ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ١٩٦ ، المغني ٣ : ٢٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٧ .
(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٤١ ـ ٤٤٢ ، المجموع ٧ : ٢٥٤ .
(٦)
الغِلالة : ثوب رقيق يُلبس على الجسد تحت الثياب ، تتّقي به الحائض عن التلويث .
مجمع
=
من الدم ، لقول الصادق عليه السلام : « تلبس المرأة المُحْرمة الحائض تحت ثيابها غِلالة » (١) .
ولا يجوز للمرأة لُبْس القُفّازين ، ولا لُبْس شيء من الحُليّ ما لم تجر عادتها بلُبْسه قبل الإِحرام .
ولا يجوز لها لبس البُرْقَع ؛ لأنّ الباقر عليه السلام كره للمُحْرمة البُرْقع والقُفّازين (٢) .
والمراد بالقُفّازين شيء تتّخذه المرأة لليدين يُحشى بقطن ، ويكون له أزرار تُزرّ على الساعدين من البرد تلبسه المرأة .
وبه قال علي عليه السلام ، وعائشة وابن عمر وعطاء وطاووس ومجاهد والنخعي ومالك وأحمد وإسحاق (٣) .
وللشافعي قولان : أحدهما : الجواز (٤) ، وبه قال أبو حنيفة والثوري وسعد بن أبي وقّاص ؛ فإنّه أمر بناته أن يلبسن القُفّازين (٥) .
لما رواه العامّة عن علي عليه السلام ، قال : « لا تتنقب المرأةُ الحرامُ ولا تلبس القُفّازين » (٦) .
__________________
=
البحرين ٥ : ٤٣٧ « غلل » .
(١) الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠١١ ، التهذيب ٥ : ٧٦ / ٢٥١ .
(٢) الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠١٢ .
(٣) المغني ٣ : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٤ ، المجموع ٧ : ٢٦٩ ، المحلّىٰ ٧ : ٨٢ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٨ .
(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٥ ، الوجيز ١ : ١٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٤ ، المجموع ٧ : ٢٦٣ ، المغني ٣ : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣١ .
(٥) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٢٨ ، المغني ٣ : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٤ ، المجموع ٧ : ٢٦٩ .
(٦) صحيح البخاري ٣ : ١٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩٤ ـ ١٩٥ / ٨٣٣ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٥ / ١٨٢٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٣٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٦ ، وفيها : ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وآله .
ومن طريق الخاصّة : ما تقدم (١) .
ويجوز للمرأة أن تلبس الخلخال والمَسَك بفتح الميم ؛ وهو سِوار من ذَبْلٍ (٢) أو عاجٍ .
فرع : الخنثى المشكل لا يجب عليه اجتناب المخيط ؛ لأصالة البراءة .
مسألة ٢٢٩ : يحرم لُبْس السلاح لغير ضرورة ؛ لما فيه من منافاته للخضوع والتذلّل .
وقيل : يكره (٣) ؛ للأصل .
البحث الثالث : الطيب
مسألة ٢٣٠ : يحرم على المُحْرم الرجل والمرأة الطيب أكلاً وشمّاً وإطلاءً بإجماع علماء الأمصار ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، قال في المُحْرم الذي وقصت (٤) به ناقته : ( لا تمسّوه بطيب ) (٥) ومنع الحيّ لأجل الإِحرام المتحقّق عيناً أولى من الميّت المُحْرم وَهْماً .
وما رواه الخاصّة ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « لا يمسّ المُحْرم شيئاً من الطيب ولا من الريحان ولا يتلذّذ به ، فمن ابتلى بشيء من ذلك فليتصدّق بقدر ما صنع بقدر شبعه » يعني من الطعام (٦) .
__________________
(١) من حديث الإِمام الباقر عليه السلام .
(٢) الذَّبْل : شيء كالعاج ، وهو ظهر السُّلحفاة البحرية ، يتّخذ منه السوار . الصحاح ٤ : ١٧٠١ « ذبل » .
(٣) كما في شرائع الإِسلام ١ : ٢٥١ .
(٤) الوقص : كسر العنق . النهاية ـ لابن الأثير ـ ٥ : ٢١٤ « وقص » .
(٥) صحيح البخاري ٣ : ٢٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٦٦ / ٩٩ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٥ ، مسند أحمد ١ : ٢١٥ .
(٦) التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٧ ، الاستبصار ٢ : ١٧٨ / ٥٩١ .
إذا عرفت هذا ، فالمُحْرم إذا مات وهو مُحْرم ، لا يجوز تغسيله بالكافور ، ولا يحنّط به ولا بغيره من أنواع الطيب .
مسألة ٢٣١ : الطيب ما تطيب رائحته ، ويتّخذ للشمّ ، كالمسك والعنبر والكافور والزعفران وماء الورد ، والأدهان الطيّبة ، كدهن البنفسج والورس ، والمعتبر أن يكون معظم الغرض منه التطيّب ، أو يظهر فيه هذا الغرض .
وقد اختلف علماؤنا في تعميم التحريم وعدمه ، فالمشهور : التعميم ؛ لما تقدّم .
وللشيخ ـ رحمه الله ـ قول آخر : إنّ المُحرّم إنّما هو المسك والعنبر والعود والكافور والزعفران والوَرْس (١) ، بفتح الواو وسكون الراء ، وهو نبت أحمر قاني يوجد على قشور شجرة يُنحت منها ويُجمع ، وهو يشبه الزعفران المسحوق ، يُجلب من اليمن ، طيّب الريح .
لما روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال : « إنّما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء : المسك والعنبر والوَرْس والزعفران غير أنّه يكره للمُحْرم الأدهان الطيّبة الريح » (٢) .
وتُحمل على شدّة التحريم .
إذا عرفت هذا ، فالنبات الطيب أقسامه ثلاثة :
الأول : ما لا ينبت للطيب ولا يُتّخذ منه ، كنبات الصحراء من الشِّيْح والقَيْصُوم والخُزامي والإِذخر والدارصيني والمصطكي والزنجبيل والسعد وحَبَق الماء ـ بالحاء المفتوحة غير المعجمة ، والباء المنقطة تحتها نقطة المفتوحة ، والقاف ـ وهو الحَنْدَقُوقى ، وقيل : الفُوذَنْج (٣) ، والفواكه ، كالتفّاح والسفرجل
__________________
(١) النهاية : ٢١٩ .
(٢) التهذيب ٥ : ٢٩٩ / ١٠١٣ ، الاستبصار ٢ : ١٧٩ / ٥٩٦ .
(٣) الصحاح ٤ : ١٤٥٥ « حبق » .
والنارنج والاُتْرُج ، وهذا كلّه ليس بمحرَّم ، ولا تتعلّق به كفّارة إجماعاً .
وكذا ما ينبته الآدميون لغير قصد الطيب ، كالحِنّاء والعُصْفر ؛ لما روي : أنّ أزواج رسول الله صلّى الله عليه وآله كُنّ يُحْرمن في المُعَصْفرات (١) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « لا بأس أن تشمّ الإِذخر والقَيْصوم والخزامي والشِّيح وأشباهه وأنت مُحْرم » (٢) .
وسأل عمّار الساباطي الصادقَ عليه السلام : عن المُحْرم أيأكل الاُتْرُج ؟ قال : « نعم » قلت : فإنّ له رائحة طيبة ، فقال : « إنّ الاُتْرُج طعام ليس هو من الطيب » (٣) .
وسأل عبد الله بن سنان الصادقَ عليه السلام : عن الحِنّاء ، فقال : « إنّ المُحْرم ليمسّه ويداوي به بعيره ، وما هو بطيب ، وما به بأس » (٤) .
الثاني : ما ينبته الآدميون للطيب ولا يُتّخذ منه طيب ، كالريحان الفارسي والمرزجوش والنرجس والبَرَم ، قال الشيخ رحمه الله : فهذا لا تتعلّق به كفّارة ، ويكره استعماله (٥) . وبه قال ابن عباس وعثمان بن عفان والحسن ومجاهد وإسحاق ومالك وأبو حنيفة ؛ لأنّه لا يُتّخذ للطيب ، فأشبه العُصْفر (٦) .
وقال الشافعي في الجديد : تجب به الفدية ، ويكون محرّماً . وبه قال جابر وابن عمر وأبو ثور ـ وفي القديم : لا تتعلّق به الفدية ؛ لأنّها لا تبقى لها
__________________
(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٩٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٩١ ، وفي الطبقات الكبرىٰ ـ لابن سعد ـ ٨ : ٧٢ : يحججن ، بدل يحرمن .
(٢) الكافي ٤ : ٣٥٥ / ١٤ ، الفقيه ٢ : ٢٢٥ / ١٠٥٧ ، التهذيب ٥ : ٣٠٥ / ١٠٤١ .
(٣) التهذيب ٥ : ٣٠٦ / ١٠٤٣ ، الاستبصار ٢ : ١٨٣ / ٦٠٧ .
(٤) الكافي ٤ : ٣٥٦ / ١٨ ، الفقيه ٢ : ٢٢٤ / ١٠٥٢ ، التهذيب ٥ : ٣٠٠ / ١٠١٩ ، الاستبصار ٢ : ١٨١ / ٦٠٠ .
(٥) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٥٢ .
(٦) المغني ٣ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩١ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩١ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٢٣ .
رائحة إذا جفّت (١) ، وعن أحمد روايتان (٢) ـ لأنّه يُتّخذ للطيب ، فأشبه الورد (٣) .
الثالث : ما يقصد شمّه ويُتّخذ منه الطيب ، كالياسمين والورد والنيلوفر .
والظاهر أنّ هذا يحرم شمّه ، وتجب منه الفدية ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ لأنّ الفدية تجب فيما يُتّخذ منه ، فكذا في أصله .
وقال مالك وأبو حنيفة : لا تجب (٥) .
مسألة ٢٣٢ : ما يُطلب للتطيّب واتّخاذ الطيب منه حرام ، كالزعفران وإن كان يُقصد للصبغ والتداوي ، وكذا الوَرْس .
وما يُطلب للأكل أو التداوي غالباً لا يحرم ، كالقَرَنْفُل والسنبل والدارصيني وسائر الأبازير الطيّبة .
وفي البنفسج للشافعي قولان :
أحدهما : أنّه ليس بطيب ؛ لأنّ الغرض منه التداوي .
والثاني : أنّه طيب (٦) .
وقيل في الجمع : إنّه أراد بالأول الجافّ ، فإنّه حينئذٍ لا يصلح إلّا للتداوي (٧) .
وقيل : أراد بنفسج الشام والعراق ؛ فإنّه لا يتطيّب به (٨) .
__________________
(١) فتح العزيز ٧ : ٤٥٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٢٧٨ .
(٢) المغني ٣ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩١ .
(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧ ، المجموع ٧ : ٢٧٨ ، المغني ٣ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩١ .
(٤) الحاوي الكبير ٤ : ١٠٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٦ ، المجموع ٧ : ٢٧٧ .
(٥) انظر : المدوّنة الكبرىٰ ١ : ٤٥٦ ، وحلية العلماء ٣ : ٢٩٠ .
(٦) الاُم ٢ : ١٥٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٠٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٠ .
(٧ و ٨) فتح العزيز ٧ : ٤٥٧ .
وقيل : أراد المربي بالسكر (١) .
وفي النيلوفر له قولان (٢) .
والريحان طيب عند بعض الشافعية (٣) .
والحِنّاء ليس بطيب ، ولا يجب على المُحْرم باستعماله فدية ، ولا يحرم استعماله بل يكره للزينة ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ لما رواه العامّة : أنّ أزواج النبي صلّى الله عليه وآله كُنّ يختضبن بالحِنّاء (٥) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « إنّه ليس بطيب ، وإنّ المُحْرم ليمسّه ويداوي به بعيره » (٦) .
وقال أبو حنيفة : يحرم وتجب به الفدية (٧) ؛ لقول النبي عليه السلام لاُمّ سلمة : ( لا تطيبي وأنت مُحْرمة ، ولا تمسّي الحِنّاء فإنّه طيب ) (٨) .
ولأنّ له رائحة مستلذّة ، فأشبه الوَرْس .
والرواية ضعيفة رواها ابن لهيعة وهو ضعيف ، وروى غيره : ( لا تمسّي
__________________
(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٠٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧ .
(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٠ .
(٣) الْأُم ٢ : ١٥٢ ، المجموع ٧ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧ .
(٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٢٨٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩١ ، المغني ٣ : ٣١٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٤ .
(٥) أورده ابن سعد في الطبقات ٨ : ٧٢ ، وأبو إسحاق الشيرازي في المهذّب ١ : ٢١٦ ، وابنا قدامة في المغني ٣ : ٣١٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٣٤ .
(٦) الكافي ٤ : ٣٥٦ / ١٨ ، الفقيه ٢ : ٢٢٤ / ١٠٥٢ ، التهذيب ٥ : ٣٠٠ / ١٠١٩ ، الاستبصار ٢ : ١٨١ / ٦٠٠ بتفاوت .
(٧) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٢٥ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٦٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩١ ، المجموع ٧ : ٢٨٢ .
(٨) المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٢٣ : ٤١٨ / ١٠١٢ .
الحِنّاء فإنّه خضاب ) (١) .
وينتقض القياس بالفواكه .
والعُصْفر ليس بطيب ، ويجوز للمُحْرم لُبْس المُعَصْفر ، ولا فدية فيه ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٢) ـ لأنّ النبي عليه السلام سوّغ لبس المُعَصْفر (٣) .
ومن طريق الخاصّة : ما رواه علي بن جعفر ـ في الصحيح ـ عن أخيه الكاظم عليه السلام ، قال : سألته يلبس المُحْرم الثوب المشبع بالعُصْفر ؟ فقال : « إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس به » (٤) .
وقال أبو حنيفة : العُصْفر طيب تجب به الفدية ، قياساً على الوَرْس (٥) .
ونمنع الإِلحاق .
ولا بأس بخَلُوق الكعبة وشمّ رائحته ، سواء كان عالماً أو جاهلاً ، عامداً أو ناسياً ؛ لأصالة البراءة .
ولما رواه حمّاد بن عثمان ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، أنّه سأله عن خَلُوق الكعبة وخَلُوق القبر يكون في ثوب الإِحرام ، فقال : « لا بأس به هُما طهوران » (٦) .
وقال الشافعي : إن جهل أنّه طيب فبان طيباً رطباً ، فإن غسله في الحال ، وإلّا وجبت الفدية ، وإن علمه طيباً فوضع يده عليه يعتقده يابساً فبان رطباً ،
__________________
(١) المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٢٣ : ٤١٩ / ١٠١٣ وفيه : ( لا تمتشطي بالحِنّاء . . . ) .
(٢) الحاوي الكبير ٤ : ١١١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٠ ، المجموع ٧ : ٢٨٢ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٢٦ ، المغني ٣ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩١ .
(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٦٦ / ١٨٢٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٧ و ٥٢ .
(٤) التهذيب ٥ : ٦٧ / ٢١٧ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ / ٥٤٠ .
(٥) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٢٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٠ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٧ .
(٦) التهذيب ٥ : ٢٩٩ / ١٠١٦ .
فقولان ؛ لأنّه مسّ طيباً ، فوجبت الفدية (١) .
والملازمة ممنوعة ؛ لأنّ هذا الموضع ممّا تمسّ الحاجة إلىٰ الدخول إليه ، وربما حصل زحام .
مسألة ٢٣٣ : يحرم لُبْس الثوب مسّه طيب ، ذهب اليه علماء الأمصار ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( لا تلبسوا شيئاً من الثياب مسّه الزعفران ولا الوَرْس ) (٢) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « لا تمسّ الريحان وأنت مُحْرم ولا تمسّ شيئاً فيه زعفران ، ولا تأكل طعاماً فيه زعفران ، ولا ترتمس في ماء يدخل فيه رأسك » (٣) .
إذا ثبت هذا ، فلا فرق بين صبغ الثوب بالطيب وغمسه فيه وتبخيره به .
وكذا لا يجوز افتراشه والنوم عليه والجلوس ، فمتى لبسه أو نام عليه ، وجبت الفدية ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٤) ـ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله نهى عن لُبْس ما مسّه الزعفران (٥) ، ولم يُفرّق بين الرطب واليابس ، ولا بين ما ينفض وما لا ينفض .
وقال أبو حنيفة : إن كان رطباً يلي بدنه أو يابساً ينفض ، فعليه الفدية ، وإلّا فلا ؛ لأنّه غير مستعمل لجرم الطيب في بدنه ، فلا فدية عليه ، كما لو
__________________
(١) الحاوي الكبير ٤ : ١١٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦١ ـ ٤٦٢ ، المجموع ٧ : ٢٧٢ .
(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٩ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٣٤ / ١١٧٧ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩٥ / ٨٣٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٧٧ / ٢٩٢٩ ، الموطّأ ١ : ٣٢٥ / ٨ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٩ .
(٣) التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٤٨ .
(٤) الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦١ ، المجموع ٧ : ٢٧٢ ، المغني ٣ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٨ .
(٥) تقدّمت الإِشارة إلىٰ مصادره في الهامش (٢) .
جلس عند العطّارين (١) .
والفرق : أنّ الجلوس ليس بتطيّب .
فروع :
أ ـ لو غسل الثوب حتى ذهب الطيب ، جاز لُبْسه إجماعاً .
ولأنّ الصادق عليه السلام سُئل عن الثوب للمُحرم يصيبه الزعفران ثم يغسل ، فقال : « لا بأس به إذا ذهب » (٢) .
ب ـ لو انقطعت رائحة الطيب لطول الزمان عليه ، أو صُبغ بغيره بحيث لا تظهر له رائحة إذا رشّ بالماء ، جاز استعماله ـ وبه قال سعيد بن المسيّب والحسن البصري والنخعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي (٣) ـ لزوال الرائحة المقتضية للتحريم .
وكرهه مالك (٤) .
ج ـ لو فرش فوق الثوب المطيّب ثوباً يمنع الرائحة والمباشرة ، فلا فدية بالجلوس عليه والنوم .
ولو كان الحائل ثياب نومه ، فالوجه : المنع ؛ لأنّه كما مُنع من استعمال الطيب في بدنه مُنع من استعماله في ثوبه .
د ـ لو أصاب ثوبه طيب ، وجب عليه غسله أو نزعه ، فلو كان معه من الماء ما لا يكفيه لغسل الطيب وطهارته ، غسل به الطيب ؛ لأنّ للوضوء بدلاً .
هـ ـ لو جعل الطيب في خرقة وشمّها ، وجب عليه الفداء ؛ للعمومات .
وقال الشافعي : لا فدية عليه (٥) .
__________________
(١) المغني ٣ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٨ .
(٢) الفقيه ٢ : ٢١٦ / ٩٨٨ ، التهذيب ٥ : ٦٨ / ٢٢٠ .
(٣) المغني ٣ : ٢٩٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٩ ، المجموع ٧ : ٢٧٣ .
(٤) المدوّنة الكبرىٰ ١ : ٣٦٢ ، المغني ٣ : ٢٩٩ .
(٥) الْأُم ٢ : ١٥٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٢ ـ ١١٣ .
مسألة ٢٣٤ : يكره له الجلوس عند العطّارين ، ويُمسك على أنفه لو جاز في زُقاق العطّارين ، ولا يقبض على أنفه من الرائحة الكريهة ؛ لقول الصادق عليه السلام : « وأمسك على أنفك من الريح الطيّبة ولا تُمسك من الريح النتنة » (١) .
ويجوز الجلوس عند الكعبة وهي تُجمّر ، وبه قال الشافعي (٢) .
ولا يجوز الجلوس عند رجل متطيّب ولا في سوق العطّارين ؛ لأنّه يشمّ الطيب حينئذٍ .
وقال الشافعي : إن جلس لحاجة أو غرض غير الطيب ، كره ، وإن جلس لشمّ الطيب ، فقولان :
أحدهما : الجواز من غير كراهة ، كالجلوس الى الكعبة .
والثاني : الكراهة (٣) .
قال الشيخ رحمه الله : لو كان الطيب يابساً مسحوقاً ، فإن علق ببدنه منه شيء ، فعليه الفدية ، وإن لم يعلق بحال ، فلا فدية ، وإن كان يابساً غير مسحوق ، فإن علق ببدنه رائحته ، فعليه الفدية .
وقال الشافعي : إن علق به رائحة ، فقولان (٤) .
قال الشيخ رحمه الله : لو مسّ طيباً ذاكراً لإِحرامه ، عالماً بالتحريم ، رطباً ، كالمسك والغالية والكافور المبلول بماء ورد وشبهه ، فعليه الفدية في أيّ موضع كان من بدنه ، وكذا لو تسعّطه أو حقن . وبه قال الشافعي .
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٦ ، الاستبصار ٢ : ١٧٨ / ٥٩٠ .
(٢) مختصر المزني : ٦٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٧ ، المجموع ٧ : ٢٧٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ .
(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المجموع ٧ : ٢٧١ .
(٤) الخلاف ٢ : ٣٠٦ ، المسألة ٩٤ ، وراجع : الوجيز ١ : ١٢٥ ، وفتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، والمهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٧ ، والمجموع ٧ : ٢٧٢ .
وقال أبو حنيفة : لو ابتلع الطيب فلا فدية عليه .
وكذا لو حشا جرحه بطيب (١) .
ولو داس بنعله طيباً فعلق بنعله ، فإن تعمّد ذلك ، وجبت الفدية ، لأنّه مُسْتعمِل للطيب ، كما لو علق بثوبه ، وإن لم يتعمّد ، لم يكن عليه شيء .
ولو اضطرّ المُحْرم الى سعوط فيه مسك ، جاز له التسعّط به ؛ للرواية (٢) .
ولو لم تكن ضرورة ، فالوجه : المنع ، ووجوب الفدية ، وبه قال الشافعي (٣) . وكذا لو احتقن به ، خلافاً لأبي حنيفة (٤) .
مسألة ٢٣٥ : يحرم على المُحْرم أكل ما فيه طيب عمداً ، وتجب به الفدية على جميع الأحوال عند علمائنا أجمع ؛ لعموم الأخبار الدالّة على المنع من أكل طعام فيه طيب أو شربه واستعمال الطيب مطلقاً .
وقول الصادق عليه السلام : « واتّق الطيب في زادك » (٥) .
وقول الباقر عليه السلام : « مَنْ أكل زعفراناً متعمّداً أو طعاماً فيه طيب فعليه دم ، وإن كان ناسياً فلا شيء عليه ويستغفر الله ويتوب اليه » (٦) .
وقال مالك : إن مسّته النار ، فلا فدية ـ وهو قول أصحاب الرأي (٧) ـ لأنّه استحال بالطبخ عن كونه طيباً ، فيكون سائغاً ، سواء بقيت أوصافه أو لم تبق (٨) .
__________________
(١) الخلاف ٢ : ٣٠٦ ، المسألة ٩٣ ، وراجع : الأُم ٢ : ١٥٢ ، وفتح العزيز ٧ : ٤٥٩ و ٤٦٠ ، والمجموع ٧ : ٢٧٠ ـ ٢٧١ .
(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٤ / ١٠٥٤ .
(٣) الْأُم ٢ : ١٥٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المجموع ٧ : ٢٧١ .
(٤) انظر : فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ .
(٥) التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٦ ، الاستبصار ٢ : ١٧٨ / ٥٩٠ .
(٦) الكافي ٤ : ٣٥٤ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢٣ / ١٠٤٦ .
(٧
و ٨) المغني ٣ : ٣٠٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٩ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٠٤ ،
المدوّنة
=
وليس بجيّد ؛ لأنّ الترفّه والاستمتاع حاصل من حيث المباشرة ، فأشبه ما لو كان نيئاً .
مسألة ٢٣٦ : لو طيّب بعض العضو كان كما لو طيّب كلّه ، ويجب الفداء عند علمائنا ، وبه قال الشافعي (١) .
وقال أبو حنيفة : إن طيّب جميع العضو كالرأس واليد ، وجبت الفدية التامّة ، وإلّا فلا ، بل يجب صدقة لو طيّب بعض العضو (٢) .
لنا : أنّه مُسْتعمِل للطيب ، فدخل تحت عموم النهي .
وكذا البحث في اللُّبْس لو لبس بعض العضو أو غطّى بعض رأسه كان كما لو ستر الجميع .
ولو اضطرّ الى أكل طعام فيه طيب أو مسّه ، أكل أو لَمَس وقَبَض على أنفه ، للضرورة ، ولا شيء عليه .
ويجوز له شراء الطيب إجماعاً ؛ لأنّه غير المنهي عنه فيبقى على الإِباحة الأصلية .
وكذا يشتري المخيط والجواري ؛ لأنّه غير الاستمتاع بهما ، بخلاف النكاح الذي لا يقصد به إلّا الاستمتاع ، فلهذا مُنع منه .
وكما يُمنع المُحْرم من ابتداء الطيب كذا يُمنع من استدامته ، سواء صبغ ثوبه به ، كالمُمْسَك والمُزعفَر والمُعنبَر ، أو غمسه فيه ، كما لو غمسه في ماء الورد وماء الكافور ، أو بجرّه به ، كالندّ (٣) والعود .
__________________
=
الكبرىٰ ١ : ٤٥٧ ، الموطأ ١ : ٣٣٠ ذيل الحديث ٢١ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٩ .
(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩١ ، المجموع ٧ : ٢٧٠ ـ ٢٧١ ، المغني ٣ : ٥٣٣ .
(٢) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٢٢ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٦٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المغني ٣ : ٥٣٣ .
(٣) الندّ : ضرب من الطيب يدخّن به . لسان العرب ٣ : ٤٢١ « ندد » .
ولو غمس ثوبه في ماء الفواكه الطيّبة ، كالاُتْرُج والتفّاح وشبهه ، لم يكن به بأس .
قال الشيخ رحمه الله : يستحب للمُحْرم إذا نسي وتطيّب أن يكلّف مُحلًا غسْله ، ولا يباشره بنفسه ، فإن باشره بنفسه ، فلا شيء عليه (١) . وهو جيّد .
مسألة ٢٣٧ : لو أكل طعاماً فيه زعفران أو طيب آخر ، أو استعمل مخلوطاً بالطيب في غير الأكل ، فإن استهلك الطيب فيه فلم يبق له ريح ولا طعم ولا لون ، فالأقرب أنّه لا فدية فيه ، وبه قال الشافعي (٢) .
وإن ظهرت هذه الأوصاف فيه ، وجبت الفدية قطعاً .
وإن بقيت الرائحة وحدها ، فكذلك ؛ لأنّها الغرض الأعظم من الطيب .
وإن بقي اللون وحده ، فطريقان للشافعية ، أحدهما : أنّ المسألة على قولين : أظهرهما : أنّه لا تجب فدية ؛ لأنّ اللون ليس بمقصود أصلي .
الطريق الثاني : القطع بعدم وجوب الفدية .
ولو بقي الطعم وحده ، فطريقان : أظهرهما : أنّه كالريح ، والثاني : أنّه كاللون (٣) .
ولو أكل الجلنجبين (٤) ، نُظر في استهلاك الورد فيه وعدمه .
ولو خفيت رائحة الطيب أو الثوب المطيّب بمرور الزمان عليه أو بغبار وغيره ، قال الشافعي : إن كان بحيث لو أصابه الماء فاحت الرائحة منه ، لم يجز استعماله ، فان بقي اللون ، فوجهان مبنيّان على الخلاف المذكور في أنّ اللون هل يعتبر ؟ والصحيح عندهم : أنّه لا يعتبر (٥) .
__________________
(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٥٢ .
(٢) الأُم ٢ : ١٥٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٨ ، المجموع ٧ : ٢٧٣ .
(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٥٨ ـ ٤٥٩ ، المجموع ٧ : ٢٧٣ .
(٤) في « ف ، ن » : الجكنجبين .
(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٥٩ ، المجموع ٧ : ٢٧٣ .
ولو مزج ماء ورد بماء مطلق فذهبت رائحته ، فقولان :
أحدهما : تجب الفدية باستعماله ؛ للعلم بوصول الطيب اليه .
والثاني ـ وهو الأصحّ عندهم ـ : لا تجب الفدية ؛ لفوات مقصود الطيب (١) .
مسألة ٢٣٨ : استعمال الطيب عبارة عن شمّه أو إلصاق الطيب بالبدن أو الثوب أو نشبت (٢) الرائحة بإحداهما قصداً للعرف ، فلو تحقّق الريح دون العين بجلوسه في حانوت عطّار أو في بيت يجمّره ساكنوه ، وجبت الفدية إن قصد تعلّق الرائحة به ، وإلّا فلا .
والشافعي أطلق القول بعدم وجوب الفدية (٣) .
ولو احتوى على مجمرة ، لزمت الفدية عندنا وعنده (٤) أيضاً .
وقال أبو حنيفة : لا تجب الفدية (٥) .
ولو مسّ جرم العود فلم تعبق (٦) به رائحته ، فلا فدية .
وللشافعي قولان (٧) .
ولو حمل مسكاً في فأرة مصمومة الرأس ، فلا فدية إذا لم يشمّها ، وبه قال الشافعي (٨) .
ولو كانت غير مصمومة ، فللشافعية وجهان (٩) .
__________________
(١) فتح العزيز ٧ : ٤٥٩ ، المجموع ٧ : ٢٧٣ .
(٢) نشب الشيء في الشيء : علق فيه . الصحاح ١ : ٢٢٤ « نشب » .
(٣) الْأُم ٢ : ١٥٢ ، الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المجموع ٧ : ٢٧١ .
(٤) الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المجموع ٧ : ٢٧١ .
(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ .
(٦) عبق : لزم ، لزق . لسان العرب ١٠ : ٢٣٤ « عبق » .
(٧) الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ .
(٨) الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المجموع ٧ : ٢٧٢ .
(٩) الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦١ .
وقال بعضهم : إنّ حمل الفأرة تطيّب (١) .
ولو جعل الطيب المسحوق في خرقة وشمّها ، فعليه الفداء .
وقال الشافعي : لا فدية عليه ، ولا يكون محرّماً (٢) .
ولو طيّب فراشه ونام عليه ، حرم ، ولزمه الفداء .
ولا فرق بين أن يتّفق الإِلصاق بظاهر البدن أو داخله ، كما لو أكله أو احتقن به أو تسعّط .
وللشافعية قول آخر : إنّه لا تجب الفدية في الحقنة والسعوط (٣) .
ولو مسّ طيباً فلم يعبق ببدنه شيء من جرمه ولكن عبقت به الرائحة ، لزمه الفداء ـ وهو أحد قولي الشافعي (٤) ـ لأنّ المقصود الرائحة وقد حصلت .
والثاني : لا تجب ؛ لأنّ الرائحة قد تحصل بالمجاورة (٥) .
ولو لم تعبق به الرائحة ، فلا شيء عليه .
ولو شدّ المسك أو العنبر أو الكافور في طرف ثوبه ، أو وضعته المرأة في جيبها ، أو لبست الحليّ المحشوّ به ، وجبت الفدية .
ولو شمّ الورد فقد تطيّب به ، وكذا لو شمّ ماء الورد .
وقال الشافعي : لا يجب بشمّ ماء الورد شيء إلّا أن يصبّه على بدنه أو ثوبه ؛ لأنّ الطريق فيه الصبّ على الثوب أو البدن (٦) .
ولو داس بنعله طيباً ، لزمته الفدية ـ وبه قال الشافعي (٧) ـ لأنّها ملبوسة له بحال .
__________________
(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦١ .
(٢) الحاوي الكبير ٤ : ١١٢ ـ ١١٣ ، والْأُم ٢ : ١٥٢ .
(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المجموع ٧ : ٢٧١ .
(٤ و ٥) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٧ ، المجموع ٧ : ٢٧٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ .
(٦) فتح العزيز ٧ : ٤٦٠ ، المجموع ٧ : ٢٧٢ .
(٧) فتح العزيز ٧ : ٤٦١ ، المجموع ٧ : ٢٧٣ .
ولو نام أو جلس على أرض أو فراش مطيّبين ، فإن فرش فوقهما ثوباً وإن كان رقيقاً ، فلا بأس إذا لم يشمّ طيبهما وإلّا فلا .
مسألة ٢٣٩ : إنّما يحرم استعمال الطيب مع القصد ، فلو تطيّب ناسياً أو جاهلاً بكونه طيباً أو بكون الطيب محرّماً ، فلا فدية ـ وبه قال الشافعي (١) ـ كما لو تكلّم في الصلاة ناسياً أو أكل في رمضان .
وقال أبو حنيفة ومالك والمزني : تجب الفدية على الناسي والجاهل (٢) .
وعن أحمد روايتان (٣) .
ولو علم أنّه طيب ولم يعلم أنّه يعبق ، لزمته الفدية .
ولو علم تحريم الاستعمال وجهل وجوب الفدية ، وجبت الفدية ؛ لأنّه إذا علم التحريم ، كان حقّه الامتناع .
ولو علم تحريم الطيب وجهل كون الممسوس طيباً ، لم تجب الفدية ـ وهو قول أكثر الشافعية (٤) ـ لأنّه إذا جهل كون الشيء طيباً فقد جهل تحريم استعماله .
وحكى الجويني وجهاً آخر : أنّه تجب الفدية (٥) .
ولو مسّ طيباً رطباً وهو يظنّ أنّه يابس لا يعلق شيء منه به ، فالأقرب عدم الفدية ـ وهو أحد قولي الشافعي (٦) ـ لأنّ جهله برطوبته كجهله بكونه طيباً .
__________________
(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٠ و ٣٤٣ ، الوجيز ١ : ١٢٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦١ ، مختصر المزني : ٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٠ ، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري ٥ : ١٨٦ .
(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٦١ ، المجموع ٧ : ٣٤٠ و ٣٤٣ ، المدوّنة الكبرىٰ ١ : ٣٨٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٠ ، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري ٥ : ١٨٦ .
(٣) المغني ٣ : ٥٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦١ ، المجموع ٧ : ٣٤٣ ، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري ٥ : ١٨٦ .
(٤ و ٥) فتح العزيز ٧ : ٤٦١ ، المجموع ٧ : ٣٤٠ .
(٦)
فتح العزيز ٧ : ٤٦١ ـ ٤٦٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٠ ،
=
والثاني : تجب الفدية ؛ لأنّه قصد الطيب مع العلم بكونه طيباً (١) .
وقال الشيخ رحمه الله : لو كان الطيب يابساً مسحوقاً ، فإن علق بيده شيء منه ، فعليه الفدية ، وإن لم يعلق بحال ، فلا فدية ، ولو كان يابساً غير مسحوق ، كالعود والعنبر والكافور ، فإن علق بيده رائحته ، فعليه الفدية ؛ للاحتياط وعموم الأخبار (٢) . وهو جيّد .
مسألة ٢٤٠ : لو لصق الطيب ببدنه أو ثوبه علىٰ وجه لا يوجب الفدية بأن كان يابساً أو ألقته الريح ، وجب عليه المبادرة إلى غسله أو تنحيته أو معالجته بما يقطع رائحته ، ويأمر غيره بإزالة ذلك عنه .
ولو باشره بنفسه ، فالأقرب أنّه لا يضرّه ؛ لأنّه قصد الإِزالة .
فإن أخّره قادراً ولم يُزله مع الإِمكان ، وجب الفداء .
ولو كان زمناً لا يقدر على إزالته أو مكتوفاً لا يتمكّن ، فلا فدية .
ولو اُكره على التطيّب ، فلا فدية .
ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم لُبْس ثوب فيه طيب من وَرْس ، أو زعفران وغيرهما مع رطوبته أو تبخيره به ، فكلّ ما صُبغ بزعفران أو وَرْس ، أو غُمس في ماء ورد أو بُخّر بعود ، فليس للمُحْرم لُبْسه ولا الجلوس عليه ولا النوم عليه ؛ لأنّه استعمال له ، فأشبه لُبْسه ، ومتى لبسه أو استعمله ، فعليه الفداء ، وبه قال الشافعي وأحمد (٣) .
وقال أبو حنيفة : إن كان رطباً يلي بدنه أو يابساً ينفض ، فعليه الفدية ،
__________________
=
حلية العلماء ٣ : ٣٠١ .
(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٠ ، المجموع ٧ : ٣٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠١ .
(٢) الخلاف ٢ : ٣٠٦ ، المسألة ٩٤ .
(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٦١ ، المجموع ٧ : ٢٧٢ ، المغني ٣ : ٢٩٨ ـ ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٨ .
وإلّا فلا ؛ لأنّه ليس بمتطيّب (١) .
وهو خطأ ؛ لأنّه مُحْرم استعمل ثوباً مطيّباً ، فلزمته الفدية ، كالرطب .
فإن غسله حتى ذهب ما فيه من الطيب ، فلا بأس به بإجماع العلماء .
ولو انقطعت رائحة الثوب لطول الزمن عليه ، أو لكونه صُبغ بغيره فغلب عليه بحيث لا تفوح له رائحة إذا رشّ فيه الماء ، فلا بأس باستعماله ؛ لزوال الطيب منه ، وبه قال سعيد بن المسيّب والنخعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ، وهو مروي عن عطاء وطاووس (٢) .
وكره ذلك مالك إلّا أن يغسل ويذهب لونه ؛ لأنّ عين الزعفران ونحوه موجودة فيه (٣) .
وليس بجيّد ، لأنّه إنّما نهي عنه لأجل رائحته والتلذّذ به وقد ذهبت بالكلّية .
ولو لم تكن له رائحة في الحال لكن كان بحيث لو رشّ فيه ماء فاح ريحه ، ففيه الفدية ؛ لأنّه متطيّب ؛ لأنّ رائحته تظهر عند رشّ الماء فيه ، والماء لا رائحة له ، وإنّما هي من الصبغ الذي فيه .
ولو فرش فوق الثوب ثوباً صفيقاً يمنع الرائحة والمباشرة ، فلا فدية عليه بالجلوس والنوم عليه .
ولو كان الحائل بينهما ثياب بدنه ، وجب الفداء ؛ لأنّه ممنوع من استعمال الطيب في الثوب الذي عليه ، كما مُنع من استعماله في بدنه .
ولا بأس بالثوب المُعَصْفر ـ وهو المصبوغ بالعُصْفُر ـ للرواية (٤) ، خلافاً
__________________
(١) المغني ٣ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٨ .
(٢) المغني ٣ : ٢٩٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٩ .
(٣) المغني ٣ : ٢٩٩ ، المدوّنة الكبرىٰ ١ : ٣٦٢ .
(٤) التهذيب ٥ : ٦٧ / ٢١٧ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ / ٥٤٠ .
للثوري وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن (١) .
وكذا لا بأس بالممشق وهو المصبوغ بالمشق وهو المصبوغ بالمغرة ؛ لأنّه مصبوغ بطين لا بطيب ، وكذا المصبوغ بسائر الأصباغ سوى ما ذكرنا وإن كان السواد مكروهاً ؛ لأصالة الإِباحة إلّا ما ورد الشرع بتحريمه ، أو كان في معناه .
وأمّا المصبوغ بالرياحين فهو مبني على الرياحين في نفسها ، فما مُنع المُحْرم من استعماله مُنع من المصبوغ به إذا ظهرت رائحته ، وإلّا فلا .
مسألة ٢٤١ : لو مات المُحْرم ، لم يجز تغسيله بالكافور ـ وهو إجماع ـ للأحاديث الدالّة عليه من طُرق العامّة (٢) والخاصّة :
روىٰ محمّد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه السلام : عن المُحْرم إذا مات كيف يصنع به ؟ قال : « يغطّىٰ وجهه ، ويصنع به كما يصنع بالحلال غير أنّه لا يقربه طيباً » (٣) .
البحث الرابع : الادّهان
مسألة ٢٤٢ : الدهن ضربان : طيب وغير طيب .
فالطيب : البنفسج والورد والنيلوفر والبان (٤) وما في معناه ، ولا خلاف أنّ فيه الفدية علىٰ أيّ وجه استعمله .
__________________
(١) المغني ٣ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٣ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٢٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٥ .
(٢) راجع : صحيح البخاري ٢ : ٩٦ و ٣ : ٢٢ ، وصحيح مسلم ٢ : ٨٦٥ / ٩٤ ، وسنن النسائي ٥ : ١٩٦ ، وسنن البيهقي ٥ : ٥٣ و ٧٠ .
(٣) التهذيب ١ : ٣٣٠ / ٩٦٥ عن الإِمامين الباقر والصادق عليهما السلام ، وفيه : « لا يقرب طيباً » .
(٤) البان : ضرب من الشجر ، طيّب الزَّهْر ، واحدتها : بانة ، ومنه دهن البان . لسان العرب ١٣ : ٦١ ، الصحاح ٥ : ٢٠٨١ « بون » .