الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: ٤٩٦
مسألة ١٨٠ : يجوز الإِحرام في الممتزج من الحرير وغيره ؛ لخروجه عن اسم الابريسم بالمزج .
ولأنّ الصادق عليه السلام سُئل عن الخميصة (١) سُداها إبريسم ولُحمتها من غَزل ، قال : « لا بأس بأن يحرم فيها ، إنّما يكره الخالص منه (٢) » (٣) .
وكذا يجوز الإِحرام في ثوب قد أصابه طيب إذا غسل وذهبت رائحته ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ لأنّ الرائحة المقصودة من الطيب قد زالت بالغسل أو طول المكث أو بتجديد صبغ آخر عليه فزال الترفّه .
ولأنّ الكاظم عليه السلام سُئل عن الثوب المصبوغ بالزعفران أغسله واُحرم فيه ؟ قال : « لا بأس به » (٥) .
وسأل إسماعيل بن الفضل الصادقَ عليه السلام عن المُحرم غسل الثوب قد أصابه الطيب ، فقال : « إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه » (٦) .
ولو أصاب ثوبه شيء من خلوق الكعبة وزعفرانها ، لم يكن به بأس وإن لم يغسله ؛ لأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادق عليه السلام عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المُحرم ، قال : « لا بأس به ولا يغسله فإنّه طهور » (٧) .
ويكره النوم على الفُرش المصبوغة ؛ لقول الباقر عليه السلام : « يكره
__________________
=
٢ : ١٦٥ / ٥٤١ .
(١) الخميصة : كساءٌ أسودٌ مربّعٌ له علمان ، فإن لم يكن معلماً فليس بخميصة . الصحاح ٣ : ١٠٣٨ « خمص » .
(٢) في النسخ الخطية والحجرية : « منها » وما أثبتناه من الكافي والتهذيب .
(٣) الكافي ٤ : ٣٣٩ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٦٧ / ٢١٥ ، وبتفاوت يسير في الفقيه ٢ : ٢١٧ / ٩٩٢ .
(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٩٩ ـ ١٠٠ .
(٥) التهذيب ٥ : ٦٧ / ٢١٨ .
(٦) الكافي ٤ : ٣٤٣ / ١٩ ، التهذيب ٥ : ٦٨ ـ ٦٩ / ٢٢٣ بتفاوت يسير .
(٧) التهذيب ٥ : ٦٩ / ٢٢٥ .
للمُحرم أن ينام على الفراش الأصفر والمِرفقة (١) الصفراء » (٢) .
ويكره الإِحرام في الثياب الوسخة قبل الغسل ؛ لاستحباب التنظيف ، وقد تقدّم .
وسئل أحدهما عليهما السلام عن الثوب الوسخ يُحرم فيه المُحرم ، فقال : « لا ، ولا أقول : إنّه حرام ، لكن تطهيره أحبّ إليّ ، وطهره غسله » (٣) .
مسألة ١٨١ : ولا يلبس ثوباً يزرّه ولا مدرعة ولا خُفّين ولا سراويل ، كما يحرم عليه لُبس المخيط ؛ لقول الصادق عليه السلام : « لا تلبس وأنت تريد الإِحرام ثوباً تزرّه ولا مدرعة ، ولا تلبس سراويل إلّا أن لا يكون لك إزار ، ولا الخُفّين إلّا أن لا يكون لك نعلان » (٤) .
ولا بأس بلُبس الطيلسان ، ولا يزرّه على نفسه ؛ لأنّه بمنزلة الرداء ، وإنّما لا يزرّه ؛ لأنّه حينئذٍ يتنزّل منزلة المخيط ؛ لقول الصادق عليه السلام في المُحرم يلبس الطيلسان المزرور ، قال : « نعم في كتاب علي عليه السلام : ولا تلبس طيلساناً حتى تحلّ أزراره » وقال : « إنّما كره ذلك مخافة أن يزرّه الجاهل عليه ، فأمّا الفقيه فلا بأس بلُبسه » (٥) .
وأمّا السراويل فهي مخيطة يحرم لُبسها على المُحرم إلّا أن لا يجد إزاراً ، فيجوز له لُبسها ، ولا فدية عليه ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٦) ـ لما رواه العامة
__________________
(١) المرفقة : أي المخدّة . مجمع البحرين ٥ : ١٧٢ .
(٢) التهذيب ٥ : ٦٨ / ٢٢١ .
(٣) التهذيب ٥ : ٦٨ / ٢٢٢ .
(٤) التهذيب ٥ : ٦٩ ـ ٧٠ / ٢٢٧ بتفاوت يسير .
(٥) الفقيه ٢ : ٢١٧ / ٩٩٥ .
(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٩٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٥ ، المجموع ٧ : ٢٥٤ و ٢٥٩ و ٢٦٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٢ ـ ٤٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، المغني ٣ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١ .
عن النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( إذا لم يجد المُحرم نعلين لبس خُفّين ، وإذا لم يجد إزاراً لبس سراويل ) (١) .
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام : « ولا تلبس سراويل إلّا أن لا يكون لك إزار » (٢) .
وقال أبو حنيفة ومالك : إذا لبس السراويل ، وجب عليه الفدية ؛ لأنّ ما وجب بلُبسه الفدية مع وجود الإِزار وجب للُبسه الفدية مع عدمه كالقميص (٣) .
والفرق : أنّ القميص يمكنه أن يستر به عورته ولا يلبسه وإنّما يأتزر به ، وهذا يجب عليه لُبسه ليستر عورته ، ولا يمكنه ستر عورته إلّا بلُبسه على صفته .
مسألة ١٨٢ : ويحرم عليه لُبس القباء بالإِجماع ؛ لأنّه مخيط ، فإن لم يجد ثوباً ، جاز له أن يلبس القباء مقلوباً ، ولا يُدخل يديه في يدي القباء ، ولا فدية عليه حينئذٍ ـ وبه قال أبو حنيفة (٤) ـ لأنّه لو توشّح بالقميص لم تجب الفدية فكذا القباء .
ولقول الصادق عليه السلام : « إذا اضطرّ المُحرم إلى القباء ولم يجد ثوباً غيره فليلبسه مقلوباً ، ولا يُدخل يديه في يدي القباء » (٥) .
وقال الشافعي ومالك وأحمد : يجب الفداء ؛ لأنّه مُحرم لبس مخيطاً على العادة في لُبسه ، فوجبت عليه الفدية (٦) .
__________________
(١) سنن البيهقي ٥ : ٥٠ ، سنن الدارقطني ٢ : ٢٢٨ / ٥٦ .
(٢) التهذيب ٥ : ٦٩ ـ ٧٠ / ٢٢٧ .
(٣) المغني ٣ : ٢٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٣ ، المجموع ٧ : ٢٦٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٥ .
(٤) المغني ٣ : ٢٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤١ ، المجموع ٧ : ٢٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٥ .
(٥) التهذيب ٥ : ٧٠ / ٢٢٨ .
(٦)
الوجيز ١ : ١٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤١ ، المجموع ٧ : ٢٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٥ ،
=
ونمنع لُبسه على العادة .
ولو أدخل كتفيه في القباء ولم يُدخل يديه في كُمّيه ولم يلبسه مقلوباً ، كان عليه الفداء ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لعموم ما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله من قوله عليه السلام : ( لا يلبس المُحرم القميص ولا الأقبية ) (٢) خرج منه ما لو لبسه مقلوباً ؛ للضرورة ، وعملاً بما تقدّم ، فيبقى الباقي على المنع .
وقال أبو حنيفة : لا شيء عليه (٣) .
قال الشيخ رحمه الله : متى توشّح به كالرداء لا شيء عليه بلا خلاف (٤) .
قال ابن إدريس : ليس المراد من القلب جعل ظاهره إلى باطنه وبالعكس ، بل المراد منه النكس بأن يجعل ذيله فوق أكتافه (٥) .
وهو حسن ؛ لما روي عن الصادق عليه السلام : « من اضطرّ إلى ثوب وهو مُحْرم وليس معه إلّا قباء فلينكّسه وليجعل أعلاه أسفله ويلبسه » (٦) .
مسألة ١٨٣ : يجوز للمُحْرم أن يلبس النعلين ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ للضرورة الداعية إليه .
ولو لم يجد النعلين ، لبس الخُفّين ، ويقطعهما إلى ظاهر القدم ، كالشمشكين ، ولا يجوز له لُبْسهما قبل القطع ـ وبه قال الشافعي ومالك وأبو
__________________
=
المغني ٣ : ٢٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٧ .
(١) كما في الخلاف ـ للشيخ الطوسي ـ ٢ : ٢٩٨ ، المسألة ٧٩ .
(٢) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٩٨ ذيل المسألة ٧٩ ، وانظر : سنن الدارقطني ٢ : ٢٣٢ / ٦٨ ، وسنن البيهقي ٥ : ٥٠ .
(٣) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٩٨ ، المسألة ٧٩ .
(٤) الخلاف ٢ : ٢٩٨ ، المسألة ٧٩ .
(٥) السرائر : ١٢٧ .
(٦) الكافي ٤ : ٣٤٧ / ٥ .
حنيفة (١) ـ لما رواه العامّة عن النبي عليه السلام : ( فإن لم يجد نعلين فليلبس خُفّين ، وليقطعهما حتى يكونا إلى الكعبين ) (٢) .
ومن طريق الخاصّة : قول الباقر عليه السلام في المُحْرم يلبس الخُفّ إذا لم يكن له نعل ، قال : « نعم ولكن يشقّ ظهر القدم » (٣) .
وقال بعض أصحابنا : يلبسهما صحيحين (٤) ـ وبه قال أحمد وعطاء بن أبي رباح ـ لقول النبي صلّى الله عليه وآله : ( السراويل لمن لا يجد إزاراً ، والخُفّ لمن لا يجد نعلين ) (٥) (٦) .
ولأنّ فاقد الإِزار يلبس السراويل من غير فتق فكذا الخُفّ .
ولا منافاة في الحديث لقولنا ، واللُّبْس مع الفتق غير ممكن في السراويل .
ويجوز أيضاً أن يلبس الجُرْمُوقين إذا لم يجد النعلين ؛ لقول الصادق عليه السلام وقد سأله رفاعة عن المُحْرم يلبس الجوربين ، قال : « نعم والخُفّين إذا اضطرّ إليهما » (٧) .
ولو وجد النعلين ، لم يجز له لُبس الخُفّين المقطوعين ولا الجُرْمُوقين ولا الشمشكين ؛ لأنّه عليه السلام شرط في لُبْسهما عدم وجدان النعلين .
__________________
(١) الحاوي الكبير ٤ : ٩٧ ، المجموع ٧ : ٢٦١ و ٢٦٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٦ ، المغني ٣ : ٢٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٢ .
(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٦٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٥ / ١٨٢٣ ، سنن النسائي ٥ : ١٣٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٧٨ / ٢٩٣٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٢٢٩ / ٥٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩٦ ذيل الحديث ٨٣٤ .
(٣) الفقيه ٢ : ٢١٨ / ٩٩٧ .
(٤) قال به ابن إدريس في السرائر : ١٢٧ .
(٥) سنن النسائي ٥ : ١٣٢ ـ ١٣٣ وفيه : ( الخُفّين ) .
(٦) المغني ٣ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨١ ـ ٢٨٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٩٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ١٩٦ .
(٧) الفقيه ٢ : ٢١٧ / ٩٩٦ .
وقال بعض الشافعية : يجوز (١) . وهو غلط .
وكذا لا يجوز له لُبْس القباء مقلوباً مع وجود الإِزار .
ولو لم يجد رداءً ، لم يجز له لُبْس القميص .
ولو عدم الإِزار ، جاز له التوشّح بالقميص وبالقباء المقلوب ؛ لقول الصادق عليه السلام : « وإن لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه أو قباءه بعد أن ينكّسه » (٢) .
مسألة ١٨٤ : يجوز أن يلبس المُحْرم أكثر من ثوبين يتّقي بذلك الحَرّ أو البرد ، وأن يُغيّرهما ، لأنّ الحلبي سأل الصادق عليه السلام عن الثوبين يرتدي بهما ، قال : « نعم والثلاثة يتّقي بها الحَرَّ والبرد » وسأله عن المُحْرم يُحوّل ثيابه ، قال : « نعم » وسأله : يغسلها إن أصابها شيء ، قال : « نعم إذا احتلم فيها فليغسلها » (٣) .
ويكره للمُحْرم أن يغسل ثوبي إحرامه إلّا إذا أصابهما نجاسة ؛ لقول أحدهما عليهما السلام : « لا يغسل الرجل ثوبه الذي يُحْرم فيه حتى يحلّ وإن توسّخ ، إلّا أن تصيبه جنابة أو شيء فيغسله » (٤) .
إذا ثبت هذا ، فقد بيّنّا أنّه يجوز له تبديل ثيابه ، لكن يستحب له أن يطوف في ثوبيه اللذين أحرم فيهما ؛ لأنّهما وقعت ابتداء العبادة فيهما فيستحب استدامتها فيهما .
ولقول الصادق عليه السلام : « لا بأس بأن يُغيّر المُحْرم ثيابه ولكن إذا دخل مكة لبس ثوبي إحرامه اللذين أحرم فيهما ، وكره أن يبيعهما » (٥) .
__________________
(١) المهذب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٥ ، المجموع ٧ : ٢٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٣ ، المغني ٣ : ٢٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٧ .
(٢) التهذيب ٥ : ٧٠ / ٢٢٩ .
(٣) التهذيب ٥ : ٧٠ / ٢٣٠ .
(٤) الكافي ٤ : ٣٤١ / ١٤ ، الفقيه ٢ : ٢١٥ / ٩٨٠ ، التهذيب ٥ : ٧١ / ٢٣٤ .
(٥) الكافي ٤ : ٣٤١ / ١١ ، الفقيه ٢ : ٢١٨ / ١٠٠٠ ، التهذيب ٥ : ٧١ / ٢٣٣ .
مسألة ١٨٥ : يجوز الإِحرام في الثياب المعلمة ، واجتنابه أفضل ؛ لقول الصادق عليه السلام : « لا بأس أن يُحْرم الرجل في الثوب المعلم ، ويدعه أحبّ إليَّ إذا قدر على غيره » (١) .
ويكره بيع الثوب الذي أحرم فيه ؛ لقول معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ : كان الصادق عليه السلام يكره للمُحْرم أن يبيع ثوباً أحرم فيه (٢) .
ولو أحرم وعليه قميص ، نزعه ولا يشقّه ، وهو قول أكثر العلماء (٣) ؛ لما روى العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّه أتاه رجل فقال : يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جُبّة بعدما تضمّخ بطيب ؟ فنظر إليه النبي صلّى الله عليه وآله ساعة ثم سكت فجاءه الوحي ، فقال له النبي صلّى الله عليه وآله : ( أمّا الطيب الذي بك فاغسله ، وأمّا الجبّة فانزعها ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجّك ) (٤) .
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام في رجل أحرم وعليه قميصه ، فقال : « ينزعه (٥) ولا يشقّه ، وإن كان لبسه بعدما أحرم شقّه وأخرجه ممّا يلي رجليه » (٦) .
قال الشيخ رحمه الله : إذا لبسه بعدما أحرم ، وجب عليه أن يشقّه ، ويُخْرجه من قدميه ؛ للرواية السابقة وغيرها (٧) .
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٢١٦ / ٩٨٦ ، التهذيب ٥ : ٧١ / ٢٣٥ .
(٢) التهذيب ٥ : ٧٢ / ٢٣٦ ، وفيه مضمراً .
(٣) المغني ٣ : ٢٦٧ ، معالم السنن ـ للخطّابي ـ ٢ : ٣٤٣ .
(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٣٧ / ٨ .
(٥) في النسخ الخطّية والحجرية : « يدعه » وما أثبتناه هو الموافق للمصدر .
(٦) التهذيب ٥ : ٧٢ / ٢٣٨ .
(٧) التهذيب ٥ : ٧٢ ذيل الحديث ٢٣٦ .
النظر الثالث : في التلبيات
مسألة ١٨٦ : التلبيات الأربع واجبة وشرط في إحرام المتمتّع والمُفْرِد ، فلا ينعقد إحرامهما إلّا بها ، والأخرس يُشير بها ويعقد قلبه بها ، وأمّا القارن : فإنّه ينعقد إحرامه بها أو الإِشعار أو التقليد لما يسوقه ، ذهب اليه علماؤنا أجمع ، وبه قال أبو حنيفة والثوري (١) ؛ لقوله تعالى : ( فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ) (٢) .
قال ابن عباس : الإِهلال (٣) .
وعن عطاء وطاوس وعكرمة : هو التلبية (٤) .
وما رواه العامّة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( أتاني جبرئيل فأمرني أن آمر أصحابي أو مَنْ معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإِهلال ) (٥) وظاهر الأمر الوجوب .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « إذا فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد فقُمْ وامش هنيئة ، فإذا استوت بك الأرض ماشياً كُنْتَ أو راكباً فلَبِّ » (٦) الحديث .
وقال أصحاب مالك : إنّها واجبة يجب بتركها الدم (٧) .
__________________
(١) بدائع الصنائع ٢ : ١٦١ ، تحفة الفقهاء ١ : ٤٠٠ ، المغني ٣ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٤ ، فتح العزيز ٧ : ٢٠٢ ، المجموع ٧ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٧ .
(٢) البقرة : ١٩٧ .
(٣ و ٤) المغني ٣ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٤ ـ ٢٦٥ .
(٥) سنن الترمذي ٣ : ١٩١ ـ ١٩٢ / ٨٢٩ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ٣٠٦ / ٧٩٤ .
(٦) التهذيب ٥ : ٩١ / ٣٠٠ .
(٧) المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٠٧ ، المغني ٣ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٤ .
وقال الشافعي : إنّها مستحبّة ليست واجبةً ، وينعقد الإِحرام بالنيّة ، ولا حاجة الى التلبية ـ وبه قال أحمد والحسن بن صالح بن حي ـ لأنّ التلبية ذكر ، فلا يجب في الحجّ ، كسائر الأذكار (١) .
وليس بجيّد ، لما يأتي من بيان الوجوب .
مسألة ١٨٧ : والتلبيات الأربع هي الواجبة ؛ للإِجماع على عدم وجوب الزائد عليها ؛ لما رواه الشافعي عن الصادق عليه السلام عن الباقر عليه السلام عن جابر ، قال : تلبية رسول الله صلّى الله عليه وآله : لبّيك اللّهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك (٢) .
وقال عليه السلام : ( خُذُوا عنّي مناسككم ) (٣) .
ومن طريق الخاصّة : ما رواه معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « فإذا فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد فقُمْ وامش هنيئة فاذا استوت بك الأرض ماشياً كنت أو راكباً فلَبِّ ، والتلبية أن تقول : لبّيك اللّهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبّيك لبّيك ذا المعارج لبّيك لبّيك داعياً الى دار السلام ، لبّيك لبّيك غفّار الذنوب ، لبّيك لبّيك أهل التلبية ، لبّيك لبّيك ذا الجلال والإِكرام ، لبّيك لبّيك تبدئ والمعاد إليك ، لبّيك لبّيك تستغني ويُفتقر إليك ، لبّيك لبّيك مرهوباً ومرغوباً إليك ، لبّيك لبّيك إله الخلق ، لبّيك لبّيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل ، لبّيك لبّيك كشّاف الكروب ، لبّيك لبّيك عبدك وابن عبديك ، لبّيك لبّيك يا كريم لبّيك » .
__________________
(١) المجموع ٧ : ٢٢٥ و ٢٤٥ و ٢٤٦ ، المغني ٣ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٤ .
(٢) الاُم ٢ : ١٥٥ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ٣٠٤ / ٧٩٠ .
(٣) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥ .
« تقول هذا في دبر كلّ صلاة مكتوبة أو نافلة ، وحين ينهض بك بعيرك ، وإذا علوت شرفاً أو هبطت وادياً أو لقيت راكباً أو استيقظت من منامك ، وبالأسحار ، وأكثر ما استطعت واجهر بها ، وإن تركت بعض التلبية فلا يضرّك غير أنّ تمامها أفضل » .
« واعلم أنّه لا بدّ لك من التلبيات الأربع التي كُنّ في اول الكلام هي الفريضة ، وهي التوحيد ، وبها لبّى المرسلون ، وأكثر من ذي المعارج فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان يكثر منها ، وأوّل مَنْ لبّى إبراهيم عليه السلام ، قال : إن الله يدعوكم الى أن تحجّوا بيته ، فأجابوه بالتلبية ، فلم يبق أحد أخذ ميثاقه بالموافاة في ظهر رجل ولا بطن امرأة إلّا أجاب بالتلبية » (١) .
ولأنّها عبادة لها تحليل وتحريم ، فكان فيها نطق واجب ، كالصلاة .
إذا عرفت هذا ، فإنّ الزائد على الأربع مستحب ـ وبه قال أصحاب أبي حنيفة (٢) ـ لما تقدّم .
وقال الشافعي : إنّه غير مستحب . وبه قال أحمد (٣) ـ وقال بعضهم : إنّ الزائد مكروه (٤) ـ لما رواه الشافعي عن الصادق عن الباقر عليهما السلام عن جابر ـ وقد تقدّم (٥) ـ وما داوم عليه النبي عليه السلام أولى .
ونحن نقول : إنّما فَعَله عليه السلام بياناً للواجب ، فلهذا لم يزد .
ويستحب الإِكثار من ذكر « ذي المعارج » .
مسألة ١٨٨ : يستحب رفع الصوت بالتلبية ـ وهو قول العلماء ـ لأنّ « جبرئيل قال للنبي صلّى الله عليه وآله : مُرْ أصحابك بالعجّ والثجّ ، والعجّ :
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٩١ ـ ٩٢ / ٣٠٠ .
(٢) فتح العزيز ٧ : ٢٦٣ .
(٣) الأم ٢ : ٢٠٤ ، فتح العزيز ٧ : ٢٦٣ ، المغني ٣ : ٢٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٤ .
(٤) انظر : المجموع ٧ : ٢٤٥ .
(٥) تقدّم في صفحة ٢٤٩ .
رفع الصوت بالتلبية ، والثجّ : نحر البُدْن » (١) والأمر هنا ليس للوجوب ؛ لأصالة براءة الذمّة .
ويستحب الجهر بها كلّما ركب أو هبط وادياً أو علا أكمةً (٢) ، وبالأسحار ؛ لقول الصادق عليه السلام : « واجهر بها كلّما ركبت وكلّما نزلت وكلّما هبطت وادياً أو علوت أكمةً أو لقيت راكباً ، وبالأسحار » (٣) .
وقال الباقر والصادق عليهما السلام : « قال جابر بن عبد الله : ما مشى النبي صلّى الله عليه وآله الروحاء (٤) حتى بُحّت أصواتنا » (٥) .
ولأنّه من شعائر العبادة ، فأشبه الأذان ، ولاشتمال الإِجهار على تنبيه الغافلين .
وليس على النساء إجهار بالتلبية ؛ لقول الصادق عليه السلام : « ليس على النساء جهر بالتلبية » (٦) .
والأخرس يُشير إلى التلبية بإصبعه وتحريك لسانه وعقد قلبه بها ؛ لقول علي عليه السلام : « تلبية الأخرس وتشهّده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه » (٧) .
ولا يجوز التلبية إلّا بالعربية مع القدرة ـ خلافاً لأبي حنيفة (٨) ـ لأنّه المأمور به ، ولأنّه ذكر مشروع ، فلا يجوز بغير العربية ، كالأذان .
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٣٦ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢١٠ / ٩٦٠ ، التهذيب ٥ : ٩٢ / ٣٠٢ .
(٢) الأكَمَة : تلّ صغير . مجمع البحرين ٦ : ٨ .
(٣) التهذيب ٥ : ٩٢ / ٣٠١ .
(٤) الروحاء : موضع بين الحرمين على ثلاثين أو أربعين ميلاً من المدينة . القاموس المحيط ١ : ٢٢٥ .
(٥) التهذيب ٥ : ٩٢ / ٣٠٢ .
(٦) الكافي ٤ : ٣٣٦ ـ ٣٣٧ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٩٣ / ٣٠٤ .
(٧) الكافي ٤ : ٣٣٥ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٩٣ / ٣٠٥ .
(٨) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦١ .
احتجّ : بالقياس على التكبير (١) .
ونمنع الأصل .
مسألة ١٨٩ : لا يشترط في التلبية الطهارة من الحدثين إجماعاً ؛ لأنّ النبي عليه السلام قال لعائشة حين حاضت : ( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ) (٢) .
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام : « لا بأس أن تلبّي وأنت على غير طهور وعلى كلّ حال » (٣) .
وقال الباقر عليه السلام : « لا بأس أن يلبّي الجنب » (٤) .
مسألة ١٩٠ : يستحب أن يذكر في تلبيته ما يُحْرم به من حجّ أو عمرة ـ وبه قال أحمد (٥) ـ لما رواه العامة في حديث أنس ، قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : ( لبّيك عمرةً وحجّاً ) (٦) .
وقال ابن عباس : قدم رسول الله صلّى الله عليه وآله وأصحابه وهُمْ يُلبّون بالحجّ (٧) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام في التلبية : « لبّيك
__________________
(١) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦١ .
(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٩٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٨٦ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٤ ، ترتيب مسند الشافعي ١ : ٣٩٠ / ١٠٠٣ .
(٣) الكافي ٤ : ٣٣٦ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢١٠ / ٩٦٢ ، التهذيب ٥ : ٩٣ / ٣٠٦ .
(٤) الفقيه ٢ : ٢١١ / ٩٦٣ .
(٥) المغني ٣ : ٢٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٦ .
(٦) صحيح مسلم ٢ : ٩٠٥ ذيل الحديث ١٢٣٢ ، و ٩١٥ / ٢١٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٥٧ / ١٧٩٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٥٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٠ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٥٩ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٦٦ .
(٧) سنن النسائي ٥ : ٢٠١ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٦٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٦٦ .
بحجّة تمامها عليك » (١) .
وقال الشافعي : لا يستحب (٢) ؛ لما رواه جابر قال : ما سمّى النبي صلّى الله عليه وآله في تلبيته حجّاً ولا عمرةً (٣) .
وسمع ابن عمر رجلاً يقول : لبّيك بعمرة ، فضرب صدره وقال : تعلمه ما في نفسك (٤) .
وحديث جابر معارض بما رواه العامّة عنه قال : كنّا مع النبي صلّى الله عليه وآله ونحن نقول : لبّيك بالحجّ (٥) . وبغيره من الروايات .
وقول ابن عمر ليس حجّةً ، خصوصاً مع معارضته لأحاديث رسول الله صلّى الله عليه وآله .
إذا عرفت هذا ، فيستحب أن يذكر في تلبيته الحجّ والعمرة معاً ، فإن لم يمكنه ؛ للتقية أو غيرها ، اقتصر على ذكر الحجّ ، فإذا دخل مكة ، طاف وسعى وقصّر ، وجعلها عمرةً ؛ لقول الصادق عليه السلام عن رجل لبّى بالحجّ مُفرداً ثم دخل مكة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، قال : « فليحلّ ، وليجعلها متعةً ، إلّا أن يكون ساق الهدي ، فلا يستطيع أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه » (٦) .
مسألة ١٩١ : يستحب تكرار التلبية والإِكثار منها على كلّ حال عند الإِشراف والهبوط وأدبار الصلوات وتجدّد الأحوال واصطدام الرفاق والأسحار
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٩٢ / ٣٠١ .
(٢) فتح العزيز ٧ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ٢٢٧ ، المغني ٣ : ٢٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٦ .
(٣ و ٤) سنن البيهقي ٥ : ٤٠ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٥٩ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٦٦ .
(٥) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٦ / ١٢١٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٠ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٥٩ ـ ٢٦٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٦٦ وفيها : قدمنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .
(٦) التهذيب ٥ : ٨٩ / ٢٩٣ ، الاستبصار ٢ : ١٧٤ / ٥٧٥ .
بإجماع العلماء ، إلّا مالكاً ، فإنّه قال : لا يلبّي عند اصطدام الرفاق (١) .
والحقّ ما قلناه ؛ لما روى العامة عن جابر : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان يلبّي في حجّه إذا لقي راكباً أو علا أكَمَةً أو هبط وادياً وفي أدبار الصلوات المكتوبة ومن آخر الليل (٢) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام وقد ذكر التلبيات : « تقول هذا في دبر كلّ صلاة مكتوبة أو نافلة وحين ينهض بك بعيرك وإذا علوت شرفاً أو هبطت وادياً أو لقيت راكباً أو استيقظت من منامك وبالأسحار » (٣) .
مسألة ١٩٢ : يقطع المتمتّع التلبية إذا شاهد بيوت مكة ؛ لما رواه الحلبي ـ في الحسن ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « المتمتّع إذا نظر الى بيوت مكة قطع التلبية » (٤) .
وأمّا المُفْرد والقارن فإنّهما يقطعان التلبية يوم عرفة عند الزوال ؛ لرواية معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام ، قال : « إذا دخلت مكة (٥) وأنت متمتّع فنظرت الى بيوت مكة [ فاقطع التلبية ، وحدّ بيوت مكة ] (٦) التي كانت قبل اليوم إذا بلغت عقبة المدنيين فاقطع التلبية ، وعليك بالتكبير والتهليل والثناء على الله ما استطعت ، وإن كنت قارناً (٧) بالحجّ فلا تقطع التلبية حتى يوم عرفة الى زوال الشمس ، وإن كنت معتمراً فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم » (٨) .
__________________
(١) المغني ٣ : ٢٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦٧ .
(٢) أورده أبو إسحاق الشيرازي في المهذّب ١ : ٢١٣ ، والرافعي في فتح العزيز ٧ : ٢٦٠ ، وابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٦١ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٦٧ .
(٣) الكافي ٤ : ٣٣٥ ـ ٣٣٦ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٩١ / ٣٠٠ .
(٤) الكافي ٤ : ٣٩٩ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٩٤ / ٣٠٧ ، الإستبصار ٢ : ١٧٦ / ٥٨١ .
(٥) في النسخ الخطية والحجرية : بيوت مكة وما أثبتناه موافق للمصدر .
(٦) أضفناها من المصدر .
(٧) في النسخ الخطية والحجرية : مقرناً . وما أثبتناه هو الموافق للمصدر .
(٨) التهذيب ٥ : ٩٤ / ٣٠٩ .
قال الشيخ رحمه الله : المعتمر عمرة مفردة إن كان أحرم من خارج مكة ، قَطَع التلبية إذا دخل الحرم ، وإن كان ممّن خرج من مكة للإِحرام ، قَطَعها إذا شاهد الكعبة (١) .
وقيل بالتخيير بينها من غير تفصيل (٢) .
قال الصادق عليه السلام : « مَنْ دَخَل مكة مفرداً للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الإِبل أخفافها في الحرم » (٣) .
وسأل يونس بن يعقوب الصادق عليه السلام عن الرجل يعتمر عمرة مفردة من أين يقطع التلبية ؟ قال : « إذا رأيت بيوت ذي طوى فاقطع التلبية » (٤) .
وروى عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام ، قال : « ومَنْ خرج من مكة يريد العمرة ثم دخل معتمراً لم يقطع التلبية حتى ينظر الى الكعبة » (٥) .
مسألة ١٩٣ : يستحب لمن حجّ على طريق المدينة أن يرفع صوته بالتلبية إذا علت راحلته البيداء إن كان راكباً ، وإن كان ماشياً فحيث يُحْرم ، وإن كان على غير طريق المدينة ، لبّى من موضعه إن شاء ، وإن مشى خطوات ثم لبّى ، كان أفضل ، وبه قال مالك (٦) .
وللشافعي قولان :
قال في القديم : يستحب (٧) أن يُهلّ خلف الصلاة نافلةً كانت أو فريضةً . وبه قال أبو حنيفة وأحمد .
__________________
(١) النهاية : ٢١٦ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣١٧ .
(٢) كما في شرائع الإِسلام ١ : ٢٤٨ ، وراجع : الفقيه ٢ : ٢٧٧ ذيل الحديث ١٣٥٦ .
(٣) الاستبصار ٢ : ١٧٧ / ٥٨٦ ، التهذيب ٥ : ٩٥ / ٣١٣ ، وليس فيه « مكة » .
(٤) الفقيه ٢ : ٢٧٧ / ١٣٥٤ ، التهذيب ٥ : ٩٥ / ٣١٤ ، الاستبصار ٢ : ١٧٧ / ٥٨٧ .
(٥) الفقيه ٢ : ٢٧٦ ـ ٢٧٧ / ١٣٥٠ ، التهذيب ٥ : ٩٥ ـ ٩٦ / ٣١٥ ، الاستبصار ٢ : ١٧٧ / ٥٨٨ .
(٦) انظر : المدوّنة الكبرى ١ : ٣٦١ ، والمجموع ٧ : ٢٢٣ .
(٧) في « ن » : المستحب .
والجديد : أن يلبّي إذا انبعثت به راحلته إن كان راكباً ، وإذا أخذ في السير إن كان راجلاً (١) .
لنا : ما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : اغتسل رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ثم لبس ثيابه ، فلمّا أتى ذا الحليفة صلّى ركعتين ثم قعد على بعيره ، فلمّا استوى به على البيداء أحرم بالحجّ (٢) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله لم يكن يلبّي حتى يأتي (٣) البيداء » (٤) .
وأما التفصيل : فيدلّ عليه قول الصادق عليه السلام : « إن كنت ماشياً فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد ، وإن كنت راكباً فإذا علت بك راحلتك البيداء » (٥) .
إذا عرفت هذا ، فالمراد استحباب الإِجهار بالتلبية عند البيداء ، وبينها وبين ذي الحليفة ميل ، ولا يجوز مجاوزة الميقات بغير إحرام ، وإنّما ينعقد الإِحرام بالتلبية ، فيجب إيقاعها في ذي الحليفة ، ويستحب الإِجهار بها بالبيداء .
مسألة ١٩٤ : لا يلبّى في مسجد عرفة ـ وبه قال مالك (٦) ـ لما بيّنّاه من أنّ التلبية تُقطع يوم عرفة قبل الزوال .
__________________
(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١١ ، المجموع ٧ : ٢٢٣ ، فتح العزيز ٧ : ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٨١ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٣٧ ، المغني ٣ : ٢٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٥ .
(٢) سنن الدارقطني ٢ : ٢١٩ ـ ٢٢٠ / ٢١ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣ .
(٣) في النسخ الخطية والحجرية : لم يكن يكبّر حتى أتى . وما أثبتناه هو الموافق للمصدر .
(٤) التهذيب ٥ : ٨٤ / ٢٧٩ ، الاستبصار ٢ : ١٧٠ / ٥٦١ .
(٥) التهذيب ٥ : ٨٥ / ٢٨١ ، الاستبصار ٢ : ١٧٠ ـ ١٧١ / ٥٦٣ .
(٦) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٩٢ ، المسألة ٧٠ ، وانظر : المدوّنة الكبرى ١ : ٣٦٤ .
وقال الشافعي : إنّه مستحب (١) .
وليس بمعتمد .
وكذا لا يلبّي في حال الطواف ـ وبه قال الشافعي وسالم بن عبد الله وابن عيينة (٢) ـ لما رواه العامّة عن ابن عمر قال : لا يلبّي الطائف (٣) .
ومن طريق الخاصّة : قول الباقر عليه السلام : « إذا قدموا مكة وطافوا بالبيت أحلّوا ، وإذا لبّوا أحرموا ، فلا يزال يحلّ ويعقد حتى يخرج الى منى بلا حجّ ولا عمرة » (٤) .
ولأنّا بيّنّا أنّ المتمتّع يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة .
مسألة ١٩٥ : قد بيّنّا أنّ الإِحرام إنّما ينعقد بالتلبيات الأربع في حقّ المتمتّع والمُفْرد ، وأمّا القارن فإنّه يتخيّر بين أن يعقد إحرامه بالتلبيات الأربع أو بالإِشعار أو التقليد أيّها فَعَل انعقد إحرامه به ، وكان الباقي مستحباً .
والإِشعار : أن يشقّ سنام البعير من الجانب الأيمن ، ويلطخ صفحته بالدم ليعلم أنّه صدقة ، وهو مختص بالإِبل .
والتقليد : أن يجعل في رقبة الهدي نعلاً قد صلّى فيه ، أو يجعل في رقبة الهدي خيطاً أو سيراً وما أشبههما ليعلم أنّه صدقة ، وهو مشترك بين الأنعام الثلاثة .
وهذا هو المشهور ، ذهب اليه الشيخ (٥) ـ رحمه الله ـ وأتباعه (٦) .
__________________
(١) الوجيز ١ : ١١٧ ، فتح العزيز ٧ : ٢٦٠ ـ ٢٦١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٣ ، المجموع ٧ : ٢٤٥ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٩٢ ، المسألة ٧٠ .
(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٣ ، المجموع ٧ : ٢٤٥ ، فتح العزيز ٧ : ٢٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٨١ ، المغني ٣ : ٢٦٤ . الشرح الكبير ٣ : ٢٦٨ .
(٣) أورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٢٦٢ .
(٤) التهذيب ٥ : ٣١ / ٩٣ ، الاستبصار ٢ : ١٥٦ / ٥١١ .
(٥) النهاية : ٢١٤ .
(٦) منهم : القاضي ابن البراج في المهذّب ١ : ٢١٤ ـ ٢١٥ .
وقال السيد المرتضى وابن إدريس من علمائنا : لا ينعقد إحرام الأصناف الثلاثة إلّا بالتلبية (١) .
والوجه : ما قاله الشيخ ؛ لما رواه معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « يوجب الإِحرام ثلاثة أشياء : التلبية والإِشعار والتقليد ، فإذا فَعَل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم » (٢) .
إذا عرفت هذا ، فينبغي أن تُشعر البُدْن وهي باركة يشقّ سنامها الأيمن ، وتُنحر ـ وهي قائمة ـ من قِبَل الأيمن ؛ لأنّ أبا الصباح الكناني سأل الصادق عليه السلام عن البُدن كيف تُشعر ؟ فقال : « تُشعر وهي باركة يشقّ سنامها الأيمن ، وتُنحر ـ وهي قائمة ـ من قِبَل الأيمن » (٣) .
إذا عرفت هذا ، فلو كانت البُدْن كثيرةً وأراد إشعارها ، دخل بين كلّ بدنتين ، وأشعر إحداهما من الجانب الأيمن والاُخرى من الأيسر ؛ للرواية عن الصادق عليه السلام (٤) ، وللتخفيف .
مسألة ١٩٦ : إذا عقد نيّة الإِحرام ولبس ثوبيه ثم لم يلبّ ولم يشعر ولم يقلّد ، جاز له أن يفعل ما يحرم على المُحْرم فعله ، ولا كفّارة عليه ، فإن لبّى أو أشعر أو قلّد إن كان قارناً ، حرم عليه ذلك ، ووجبت عليه الكفّارة بفعله ؛ لأنّ الإِحرام إنّما ينعقد بأحد الثلاثة ، فإذا لم يفعلها لم يكن مُحْرماً ؛ لأنّ حفص بن البختري سأل الصادق عليه السلام عمّن عقد الإِحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل أن يلبّي ، قال : « ليس عليه شيء » (٥) .
مسألة ١٩٧ : يستحب لمن أراد الإِحرام أن يشترط على ربّه عند عقد
__________________
(١) الانتصار : ١٠٢ ، السرائر ١٢٤ ـ ١٢٥ .
(٢) التهذيب ٥ : ٤٣ ـ ٤٤ / ١٢٩ .
(٣) الفقيه ٢ : ٢٠٩ / ٩٥٥ .
(٤) التهذيب ٥ : ٤٣ / ١٢٨ .
(٥) الفقيه ٢ : ٢٠٨ / ٩٤٦ .
الإِحرام : إن لم تكن حجّةً فعمرة ، وأن يُحلّه حيث حبسه ، سواء كان حجّه تمتّعاً أو قراناً أو إفراداً ، وكذا في إحرام العمرة ـ وبه قال علي عليه السلام ، وعمر بن الخطّاب وابن مسعود وعمّار وعلقمة وشريح وسعيد بن المسيّب وعكرمة والشافعي وأبو حنيفة وأحمد (١) ـ لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّ ضُباعة أتت النبي صلّى الله عليه وآله ، فقالت : يا رسول الله إنّي اُريد الحجّ فكيف أقول ؟ قال : ( قُولي : لبّيك اللّهم لبّيك ومحلّي من الأرض حيث تحبسني ، فإنّ لك على ربّك ما استثنيت ) (٢) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « إذا أردت الإِحرام والتمتّع فقُلْ : اللّهم إنّي اُريد ما أمرت به من التمتّع بالعمرة الى الحجّ ، فيسِّر لي ذلك وتقبّله منّي وأعنّي عليه وحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت عليّ أحرم لك شعري وبشري من النساء والطيب والثياب ، وإن شئت قلت حين ينهض بك بعيرك ، وإن شئت فأخّره حتى تركب بعيرك وتستقبل القبلة » (٣) .
وعن الفضيل بن يسار عن الصادق عليه السلام ، قال : « المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربّه أن يُحلّه حيث حبسه ، ومُفرد الحج يشترط على ربّه إن لم تكن حجّةً فعمرة » (٤) .
وأنكره [ ابن ] (٥) عمر وطاوس وسعيد بن جبير والزهري ومالك ؛ لأنّ ابن
__________________
(١) المغني ٣ : ٢٤٨ ـ ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤٣ ، المحلّى ٧ : ١١٤ .
(٢) سنن الترمذي ٣ : ٢٧٨ / ٩٤١ ، سنن أبي داود ٢ : ١٥١ ـ ١٥٢ / ١٧٧٦ ، سنن النسائي ٥ : ١٦٨ ، وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٣٨ .
(٣) التهذيب ٥ : ٧٩ / ٢٦٣ .
(٤) الكافي ٤ : ٣٣٥ / ١٥ ، التهذيب ٥ : ٨١ ـ ٨٢ / ٢٧١ .
(٥) اضفناها من المصادر ولاقتضاء السياق ، ولكن قال البيهقي في سننه الكبرى ٥ : ٢٢٣ : وعندي أنّ أبا عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب لو بلغه حديث ضباعة بنت الزبير لصار إليه ولم ينكر الاشتراط كما لم ينكره أبوه .
عمر كان يُنكر الاشتراط ويقول : حَسْبُكم سنّة نبيّكم (١) .
ولأنّها عبادة تجب بأصل الشرع ، فلم يفد الاشتراط فيها ، كالصوم والصلاة (٢) .
وقول ابن عمر ليس بحجّة ، خصوصاً مع معارضته لقول النبي وأهل بيته عليهم السلام .
والقياس ممنوع ؛ للفرق .
إذا عرفت هذا ، فالاشتراط لا يفيد سقوط فرض الحجّ في القابل لو فاته الحجّ ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ أبا بصير سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يشترط في الحجّ أن حلّني حيث حبستني ، أعليه الحجّ من قابل ؟ قال : « نعم » (٣) .
ولو كان الحجّ تطوّعاً ، سقط عنه الحجّ من قابل .
وإنّما يفيد الاشتراط جواز التحلّل عند الإِحصار .
وقيل : يتحلّل من غير اشتراط ـ وهو اختيار أبي حنيفة في المريض (٤) . وقال الزهري ومالك وابن عمر : الشرط لا يفيد شيئاً ، ولا يتعلّق به التحليل (٥) ـ لأنّ حمزة بن حمران سأل الصادق عليه السلام عن الذي يقول : حلّني حيث حبستني ، فقال : « هو حلّ حيث حبسه الله تعالى ، قال أو لم يقل ، ولا يُسقط
__________________
(١) سنن الترمذي ٣ : ٢٧٩ / ٩٤٢ ، سنن النسائي ٥ : ١٦٩ ، سنن الدارقطني ٢ : ٢٣٤ / ٨٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٢٣ .
(٢) المغني ٣ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٨ ، المحلّى ٧ : ١١٤ ـ ١١٥ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٧٥ .
(٣) الاستبصار ٢ : ١٦٨ ـ ١٦٩ / ٥٥٦ ، والتهذيب ٥ : ٨٠ ـ ٨١ / ٢٦٨ .
(٤) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٠٧ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٨٠ ، فتح العزيز ٨ : ٨ ـ ٩ ، المغني ٣ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٨ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٣٠ ، المسألة ٣٢٣ .
(٥) حكاه عنهم الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٣٠ ، المسألة ٣٢٣ .