الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: ٤٩٦
وليس بجيّد ؛ لأنّهما عبادتان لا يلزمه المضيّ فيهما ، فلا يصحّ الإِحرام بهما ، كالصلاتين .
وعلى هذا لو أفسد حجّه أو عمرته ، لم يلزمه إلّا قضاؤها إن قلنا بانعقاد إحداهما .
وعند أبي حنيفة يلزمه قضاؤهما معاً ، بناءً على صحة إحرامه بهما (١) .
مسألة ١٣٤ : المكّي إذا خرج عن مكة ثم عاد وحجّ على ميقات ، أحرم منه ، وجاز له التمتّع ، لما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : وقّت رسول الله صلّى الله عليه وآله لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام مَهْيَعَةَ (٢) ، ولأهل نجد قرن المنازل ، ولأهل اليمن يَلَمْلَمْ ، وهي لهم ولكلّ آتٍ من غيرهم ممّن أراد الحج والعمرة (٣) .
ومن طريق الخاصة : قول الكاظم عليه السلام : « مَنْ دخل المدينة فليس له أن يحرم إلّا من المدينة » (٤) .
وأمّا جواز التمتع : فلأنّه إذا خرج عن مكة إلى مصر من الأمصار ، ومرّ على ميقات من المواقيت ، صار ميقاتاً له ، ولحقه أحكام ذلك الميقات .
ولما رواه الكاظم عليه السلام : عن رجل من أهل مكة خرج إلى بعض الأمصار ثم رجع فمرّ ببعض المواقيت التي وقّت رسول الله صلّى الله عليه وآله ، هل له أن يتمتّع ؟ قال : « ما أزعم أنّ ذلك ليس له ، والإِهلال بالحجّ أحبّ اليّ ، ورأيت مَنْ سأل أبا جعفر عليه السلام ، قال : نويت الحج من المدينة كيف أصنع ؟ قال : تمتّع ، قال : إنّي مقيم بمكة وأهلي فيها ، فيقول : تمتّع » (٥) في
__________________
(١) المغني ٣ : ٢٥٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٦١ .
(١) مَهْيَعَة : اسم للجُحْفة . النهاية ـ لابن الأثير ـ ٤ : ٣٧٧ ، معجم البلدان ٥ : ٢٣٥ .
(٣) سنن البيهقي ٥ : ٢٩ ، سنن النسائي ٥ : ١٢٥ ـ ١٢٦ بتفاوت .
(٤) التهذيب ٥ : ٥٧ ـ ٥٨ / ١٧٩ .
(٥) التهذيب ٥ : ٣٣ ـ ٣٤ / ١٠٠ ، الاستبصار ٢ : ١٥٨ / ٥١٨ .
حديث طويل .
مسألة ١٣٥ : ومن كان من أهل الأمصار فجاور بمكة ثم أراد حجّة الإِسلام ، خرج الى ميقات أهله ، فأحرم منه ، فإن تعذّر ، خرج الى أدنى الحلّ ؛ ولو تعذّر ، أحرم من مكة .
هذا إذا لم يجاور مدّة سنتين ، فإن مضى عليه سنتان وهو مقيم بمكة ، صار من أهل مكة وحاضريها ليس له أن يتمتّع ، وبه قال الشيخ في كتابي الأخبار (١) .
وقال في النهاية : لا ينتقل فرضه عن التمتّع حتى يقيم ثلاث سنين (٢) .
وقد روى زرارة ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه السلام ، قال : « مَنْ أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له » فقلت لأبي جعفر : أرأيت إن كان له أهل بالعراق وأهل بمكة ؟ قال : « فلينظر أيّهما الغالب عليه فهو من أهله » (٣) .
إذا عرفت هذا ، فذو المنزلين بمكة وناءٍ يعتبر في حقّه أغلبهما إقامةً ، فيُحْرم بفرض أهله ، فإن تساويا ، تخيّر في التمتّع وغيره .
إذا ثبت هذا ، فلو لم تمض هذه المدّة ، ففرضه التمتّع يخرج الى الميقات ، ويُحْرم منه مع المكنة ، وإلّا فمن حيث أمكن ؛ لأنّه لم ينتقل فرضه عن فرض إقليمه ، فيلزمه الإِحرام من ميقاتهم ، أمّا لو تعذّر فإنّه يخرج الى خارج الحرم فيُحرم منه ؛ للضرورة ، ولأنّ ميقاته قد تعذّر عليه ، فيسقط اعتباره ، كما لو تعذّر عليه التمتّع ، وذلك كقضية عائشة ، ولو كان الإِحرام من مكة جائزاً ، لما كلّفها النبي صلّى الله عليه وآله تحمّل المشقّة .
وروى الحلبي عن الصادق عليه السلام ، قال : قلت : رجل ترك
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٣٤ ذيل الحديث ١٠٠ ، الاستبصار ٢ : ١٥٩ ذيل الحديث ٥١٨ .
(٢) النهاية : ٢٠٦ .
(٣) التهذيب ٥ : ٣٤ / ١٠١ ، الاستبصار ٢ : ١٥٩ / ٥١٩ .
الإِحرام حتى دخل مكة ، قال : « يرجع الى ميقات أهل بلاده ، الذي يُحرمون منه فيُحْرم ، وإن خشي أن يفوته الحج ، فليُحْرم من مكانه ، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج » (١) .
وقال الشافعي : يجوز أن يُحرم من مكة مع المكنة من الخروج الى الميقات (٢) ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله أمر أصحابه بالإِحرام من مكة للتمتّع (٣) .
وليس حجّةً ؛ لجواز أمرهم بإحرام الحج لا بإحرام العمرة ، أو أنّ ذلك كان للضرورة .
البحث الثاني : في وقت أداء النسكين
مسألة ١٣٦ : أشهر الحج شوّال وذو القعدة وذو الحجة عند أكثر علمائنا (٤) ، وبه قال مالك ، وهو مروي عن ابن عباس وعمر وابن عمر (٥) ؛ لقوله تعالى : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ) (٦) وأقلّ الجمع ثلاثة .
وما رواه زرارة عن الباقر عليه السلام ، قال : « ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ) شوّال وذو القعدة وذو الحجّة ، ليس لأحد أن يُحرم بالحج في سواهنّ ، وليس لأحد أن يُحرم قبل الوقت الذي وقّت رسول الله صلّى الله عليه
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٥٨ / ١٨٠ .
(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٤١ .
(٣) سنن البيهقي ٤ : ٣٥٦ .
(٤) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية ٢٠٧ ، وابن ادريس في السرائر : ١٢٦ ، والمحقق في شرائع الاسلام ١ : ٢٣٧ ، والمعتبر : ٣٣٦ .
(٥) المغني ٣ : ٢٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٥ ، أحكام القرآن ـ لابن العربي ـ ١ : ١٣١ ، المجموع ٧ : ١٤٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٥٢ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٦١ ، التفسير الكبير ٥ : ١٧٦ .
(٦) البقرة : ١٩٧ .
وآله ، وإنّما مثل ذلك مثل مَنْ صلّى أربعاً في السفر وترك الثنتين » (١) .
ولأنّه يصح أن يقع في باقي ذي الحجة شيء من أفعال الحج ، كالطواف والسعي وذبح الهدي .
وقال بعض علمائنا هي : شوّال وذو القعدة والى قبل الفجر من عاشر ذي الحجّة (٢) ؛ لقوله تعالى : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ) (٣) ولا يمكن فرضه بعد طلوع الفجر من يوم النحر .
ولقوله تعالى : ( فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ ) (٤) وهو سائغ يوم النحر ؛ لأنّه يمكنه التحلّل في أوّله .
ولا حجّة فيه ؛ لأنّ المراد : فمن فرض في أكثرهن ، وبه يتمّ المطلوب .
وقال بعض علمائنا : هي شوّال وذو القعدة والى طلوع الفجر من ليلة النحر (٥) . وبه قال الشافعي (٦) .
وقال بعضهم : وتسعة من ذي الحجة (٧) .
وقال أبو حنيفة وأصحابه : الى آخر العاشر من ذي الحجة ـ وبه قال ابن مسعود وابن عمر وابن الزبير وعطاء ومجاهد والحسن والشعبي والنخعي وقتادة والثوري وأحمد ـ لقول ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وابن الزبير : شهران وعشر ليال (٨) . وإذا اُطلق ذلك ، اقتضى تعدّده من الأيّام .
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٢١ ـ ٣٢٢ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٥١ / ١٥٥ ، الاستبصار ٢ : ١٦١ / ٥٢٧ .
(٢) الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٣٠٨ .
(٣ و ٤) البقرة : ١٩٧ .
(٥) الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٥٨ ، المسألة ٢٣ .
(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٢٧ ، فتح العزيز ٧ : ٧٤ ، المجموع ٧ : ١٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٥١ .
(٧) الشيخ الطوسي في الجمل والعقود ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢٢٦ .
(٨)
المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٦٠ و ٦١ ، المغني ٣ : ٢٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٩ و ٢٣٠ ،
=
ولأنّ يوم النحر يدخل به وقت ركن من أركان الحج ، وهو : طواف الزيارة ، ويقع فيه كثير من أفعال الحجّ ، كالرمي والنحر والحلق والطواف والسعي والرجوع الى منى ، فكان من أشهره ، كيوم عرفة .
واعلم : أنّه لا فائدة كثيرة في هذا النزاع ؛ للإِجماع على أنّه لو فاته الموقفان فقد فاته الحجّ ، وأنّه يصح كثير من أفعال الحج يوم العاشر وما بعده .
مسألة ١٣٧ : لو أحرم بالحجّ قبل أشهره ، لم ينعقد إحرامه للحجّ ، وينعقد للعمرة ـ وبه قال عطاء وطاوس ومجاهد والشافعي (١) ـ لقوله تعالى : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ) (٢) تقديره : وقت الحجّ أشْهُر ، أو أشهر الحجّ أشْهُر ، فحُذف المضاف ، واُقيم المضاف اليه مقامه ، وإذا ثبت أنّه وقته ، لم يجز تقديم إحرامه عليه ، كأوقات الصلوات .
ولقول الصادق عليه السلام : « مَنْ أحرم بالحجّ في غير أشهُر الحجّ فلا حجّ له » (٣) .
وأمّا انعقاده للعمرة : فلقول الصادق عليه السلام في رجل فرض الحجّ من غير أشهر الحجّ ، قال : « يجعلها عمرة » (٤) .
وقال مالك والثوري والنخعي وأبو حنيفة وأحمد واسحاق : ينعقد
إحرامه ، واذا بقي على احرامه الى وقت الحجّ ، جاز ؛ لقوله تعالى :
__________________
=
الحاوي الكبير ٤ : ٢٧ ، التفسير الكبير ٥ : ١٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٥١ ، أحكام القرآن ـ لابن العربي ـ ١ : ١٣١ ، المجموع ٧ : ١٤٥ .
(١) المغني ٣ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٩ ، الاُم ٢ : ١٢٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٨ ـ ٢٩ و ٣٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٥٢ ، فتح العزيز ٧ : ٧٧ ، المجموع ٧ : ١٤٢ و ١٤٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٥ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٦٠ ، المحلّى ٧ : ٦٦ .
(٢) البقرة : ١٩٧ .
(٣) الكافي ٤ : ٣٢٢ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٥٢ / ١٥٧ ، الاستبصار ٢ : ١٦٢ / ٥٢٩ .
(٤) الفقيه ٢ : ٢٧٨ / ١٣٦١ .
( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ) (١) فدلّ على أنّ جميع الأشهر ميقات (٢) .
ولا حجّة فيه ؛ لأنّ الأزمنة أوقات للحوادث التي من جملتها الحجّ .
مسألة ١٣٨ : لا ينعقد الاحرام بالعمرة المتمتّع بها قبل أشهر الحجّ ، فإن أحرم بها في غيرها ، انعقد للعمرة المبتولة ـ وهو أحد قولي الشافعي وأحمد (٣) ـ لأنّ الإِحرام بالعمرة نسك وركن من أركانها ، فيعتبر وقوعه في أشهر الحجّ ، كما يعتبر وقوع باقيها .
ولأنّ المتمتّع بها داخَلَه في الحجّ ؛ لقوله عليه السلام : ( دخلت العمرة في الحجّ هكذا ) وشبّك بين أصابعه (٤) ، والحجّ لا يصح إحرامه قبل أشهره ، فكذا ما دخل فيه .
ولقول الصادق عليه السلام : « لا تكون عمرة إلّا في أشهر الحجّ » (٥) .
ولأنّه أتى بنسك لا تتم العمرة إلّا به في غير أشهر الحج ، فلا يكون متمتّعاً كما لو طاف .
وقال الشافعي في ثاني قوليه : إنّه إذا أحرم بالعمرة في رمضان وأتى بالطواف والسعي والحلق في شوّال وحجّ من سنته فإنّه يكون متمتّعاً (٦) .
وقال مالك : إذا أحرم بها في غير أشهر الحجّ ولم يتحلّل من إحرام
__________________
(١) البقرة : ١٨٩ .
(٢) المغني ٣ : ٢٣١ ـ ٢٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٥ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٦٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩ ، المجموع ٧ : ١٤٤ ، المحلّى ٧ : ٦٦ .
(٣) فتح العزيز ٧ : ١٣٩ ـ ١٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦١ ، المهذب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ١٧٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٤٩ ـ ٥٠ .
(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٧ .
(٥) التهذيب ٥ : ٤٣٥ ـ ٤٣٦ / ١٥١٤ ، المعتبر : ٣٣٦ .
(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٤٩ ـ ٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٠ ـ ٢٦١ .
العمرة حتى دخلت أشهر الحجّ ، صار متمتّعاً (١) .
وقال أبو حنيفة : إذا أتى بأكثر أفعال العمرة في أشهر الحجّ ، صار متمتّعاً إذا دخلت عليه أشهر الحجّ (٢) .
وكلّ هذه الأقوال لا حجّة عليها ، فلا يلتفت اليها .
مسألة ١٣٩ : العمرة المبتولة تجوز في جميع أيّام السنة بغير خلاف بين علماء الأمصار ؛ لما رواه العامة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، قال : ( عمرة في رمضان تعدل حجّةً ) (٣) .
واعتمر عليه السلام في شوّال وفي ذي القعدة (٤) .
واعتمرت عائشة من التنعيم ليلة المحصب (٥) ، وهي الليلة التي يرجعون فيها من منى الى مكة .
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام : « السنة اثنا عشر شهراً ، يعتمر لكلّ شهر عمرة » (٦) .
ولأنّها عبادة لها تحريم وتحليل فكان من جنسها عبادة غير مؤقّتة ، كالصلاة .
مسألة ١٤٠ : المتمتّع إذا دخل مكة وخاف فوات الوقت لو أكملها ، جاز له أن ينقل نيته الى الإِفراد ليدرك أحد الموقفين ثم يعتمر عمرة مفردة بعد إتمام الحج .
__________________
(١) المدونة الكبرى ١ : ٣٩٥ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٢٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٣٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦١ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٣٠ ـ ٣١ .
(٢) بدائع الصنائع ٢ : ١٨٦ ، بداية المجتهد ١ : ٣٣٤ ، فتح العزيز ٧ : ١٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦١ .
(٣) سنن الترمذي ٣ : ٢٧٦ / ٩٣٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٤٦ .
(٤) صحيح مسلم ٢ : ٩١٦ / ٢١٧ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٤٦ .
(٥) صحيح مسلم ٢ : ٨٨١ / ١٢١٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٤٤ .
(٦) الفقيه ٢ : ٢٧٨ / ١٣٦٢ .
وكذا الحائض والنفساء لو منعهما عذرهما عن التحلّل وإنشاء إحرام الحجّ ، نقلتا حجّتهما الى الإِفراد ، واعتمرتا بعده ؛ لأنّ التكليف منوط بالقدرة .
ولما رواه جميل عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية ، قال : « تمضي كما هي الى عرفات فتجعلها حجّةً مفردة ثم تقيم حتى تطهر فتخرج الى التنعيم فتحرم وتجعلها عمرة » (١) .
إذا عرفت هذا ، فلو غلب على ظنّها أنّها تطهر وتدرك الموقف ، صبرت على إحرام المتعة الى أن تطهر ثم تطوف وتتمّ متعتها ؛ لأنّ أبا بصير سأل الصادق عليه السلام عن المرأة تجيء متمتّعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة ، فقال : « إن كانت تعلم أنّها تطهر وتطوف بالبيت وتحلّ من إحرامها وتلحق الناس فلتفعل » (٢) .
البحث الثالث : في المواقيت
والنظر في أمرين :
الأول : تعيينها
مسألة ١٤١ : المواقيت ستّة ، فقد أجمع العلماء كافّة على أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله نصّ على أربعة مواقيت ، وهي : ذو الحليفة والجحفة وقرن المنازل ويَلَمْلَمْ .
وروى العامة عن ابن عباس ، قال : وقّت رسول الله صلّى الله عليه وآله لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل نجد قرن المنازل ،
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٢٤٠ / ١١٤٦ ، التهذيب ٥ : ٣٩٠ / ١٣٦٣ .
(٢) الكافي ٤ : ٤٧٧ / ٨ ، الفقيه ٢ : ٢٤٢ / ١١٥٨ ، التهذيب ٥ : ٣٩١ / ١٣٦٧ ، الاستبصار ٢ : ٣١١ / ١١٠٨ .
ولأهل اليمن يَلَمْلَمْ ، قال : فهي لهنّ ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ ، فمن كان يريد الحجّ والعمرة فمن كان دونهن فمهلَّه (١) من أهله ، وكذلك أهل مكة يهلّون منها (٢) .
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام : « من تمام الحجّ والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ولا تجاوزها إلّا وأنت محرم ، فإنّه وقّت لأهل العراق ـ ولم يكن يومئذٍ عراق ـ بطن العقيق من قبل أهل العراق ، ووقّت لأهل اليمن يَلَمْلَمْ ، ووقّت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقّت لأهل المغرب الجحفة ، وهي : مَهْيَعَة ، ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ومن كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكة فوقته منزله » (٣) .
وأمّا ميقات أهل العراق : فقد اتّفقوا على أنّه لو أحرم من ذات عرق أحرم من الميقات ، وكان أنس يحرم من العقيق ، واستحسنه الشافعي وابن المنذر وابن عبد البرّ (٤) ، واختلفوا في ثبوته .
قال العلماء : إنّه يثبت بالنصّ من النبي صلّى الله عليه وآله ، وهو مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وبه قال أحمد وأصحاب أبي حنيفة (٥) ؛ لما رواه العامة عن ابن عباس ، قال : وقّت رسول الله صلّى الله عليه وآله لأهل العراق ذات عرق (٦) .
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام وقد سأله أبو أيّوب الخزّاز
__________________
(١) أي : موضع الإِهلال بالإِحرام .
(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٣٨ / ١١٨١ ، صحيح البخاري ٢ : ١٦٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٩ .
(٣) الكافي ٤ : ٣١٨ / ١ ، التهذيب ٥ : ٥٤ / ١٦٦ .
(٤) المغني ٣ : ٢١٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١٣ ، الاُم ٢ : ١٣٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٦٨ ، فتح العزيز ٧ : ٨١ ، المجموع ٧ : ١٩٧ .
(٥) المجموع ٧ : ١٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١٤ ، فتح العزيز ٧ : ٨١ .
(٦) أورده المحقق في المعتبر : ٣٤٢ .
ـ في الصحيح ـ : حدّثني عن العقيق أوقت وقّته رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أو شيء صنعه الناس ؟ فقال عليه السلام : « إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ووقّت لأهل المغرب الجحفة ، وهي عندنا مكتوبة مَهْيَعَة ، ووقّت لأهل اليمن يَلَمْلَمْ ، ووقّت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقّت لأهل نجد العقيق وما أنجدت » (١) .
وقال قوم : إنّه يثبت قياساً ؛ لأنّ أهل العراق كانوا مشركين (٢) .
ولا حجّة فيه ؛ لعلمه عليه السلام بأنّهم يُسلمون ، أو يمرّ على هذا الميقات مسلمون .
مسألة ١٤٢ : مَنْ كان منزله دون الميقات فميقاته منزله بإجماع العلماء ـ خلافاً لمجاهد ؛ فإنّه قال : يُهلّ بمكة (٣) . وهو خطأ ـ لما رواه العامّة عن علي عليه السلام وابن مسعود وعمر في قوله تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) (٤) قالوا : إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك (٥) .
وعن النبي عليه السلام في قوله : ( فمن كان دونهنّ فمهلّه من أهله ) (٦) .
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام : « ومن كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكة فوقته منزله » (٧) .
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣١٩ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٥٥ / ١٦٨ .
(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٦٨ ، فتح العزيز ٧ : ٨٠ ، المجموع ٧ : ١٩٧ ، وراجع : المغني والشرح الكبير ٣ : ٢١٤ .
(٣) المغني ٣ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٢٠٣ ـ ٢٠٤ .
(٤) البقرة : ١٩٦ .
(٥) الحاوي الكبير ٤ : ٧٥ ، المغني ٣ : ٢٢٢ ، تفسير الطبري ٢ : ١٢٠ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ١ : ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠ .
(٦) صحيح البخاري ٢ : ١٦٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٩ .
(٧) الكافي ٤ : ٣١٨ / ١ ، التهذيب ٥ : ٥٤ ـ ٥٥ / ١٦٦ .
مسألة ١٤٣ : ميقات أهل المدينة ذو الحليفة ـ وهو مسجد الشجرة ـ اختياراً ، وهو على عشرة مراحل من مكة ، وعن المدينة ميل ، وعند الضرورة الجحفة .
روى العامّة عن جابر أنّ النبي صلّى الله عليه وآله يقول : ( مهلّ أهل المدينة من ذي الحليفة والطريق الآخر من الجحفة ) (١) .
ومن طريق الخاصة : ما رواه الحلبي ـ في الحسن ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « الإِحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول الله صلّى الله عليه وآله ، لا ينبغي لحاج ولا لمعتمر أن يُحْرم قبلها ولا بعدها ، وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة ، وهو مسجد الشجرة » (٢) الحديث .
وفي الصحيح عن الحلبي ، قال : سألته من أين يُحْرم الرجل إذا جاوز الشجرة ؟ فقال : « من الجحفة ولا يجاوز الجحفة إلّا محرماً » (٣) .
وكان الصادق عليه السلام عليلاً فأحرم من الجحفة (٤) .
مسألة ١٤٤ : العقيق ميقات أهل العراق ، وكلّ جهاته ميقات من أين أحرم جاز ، لكن الأفضل الإِحرام من المسلخ ، وتليه غمرة ، وآخره ذات عرق .
وروى العامّة عن ابن عباس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وقّت لأهل المشرق العقيق (٥) .
قال ابن عبد البرّ : العقيق أولى وأحوط من ذات عرق ، وذات عرق
__________________
(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٤١ / ١٨ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٧ .
(٢) الكافي ٤ : /٣١٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٩٨ / ٩٠٣ ، التهذيب ٥ : ٥٥ / ١٦٧ .
(٣) التهذيب ٥ : ٥٧ / ١٧٧ .
(٤) التهذيب ٥ : ٥٧ / ١٧٦ .
(٥) سنن أبي داود ٢ : ١٤٣ / ١٧٤٠ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩٤ / ٨٣٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٨ .
ميقاتهم بإجماع (١) .
ومن طريق الخاصة : ما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السلام ، قال : « وقّت رسول الله صلّى الله عليه وآله لأهل العراق العقيق أوّله المسلخ ووسطه غمرة وآخره ذات عرق ، وأوّله أفضل » (٢) .
واعلم أنّ أبعد المواقيت ذو الحليفة على عشرة مراحل من مكة ، وتليه في البُعْد : الجحفة ، والمواقيت الثلاثة على مسافة واحدة بينها وبين مكة ليلتان قاصدتان .
مسألة ١٤٥ : المواقيت المذكورة مواقيت لأهلها ولمن مرّ بها ممّن يُريد الحجّ أو العمرة ، فإذا حجّ الشامي من المدينة فجاز على ذي الحليفة ، أحرم منها ، وإن حجّ من اليمن ، فميقاته يَلَمْلَمْ ، وإن حجّ من العراق ، فميقاته العقيق ، وكذا غيرها ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لما روى العامّة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : ( هُنّ لهنّ ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ ممّن أراد الحجّ والعمرة ) (٣) .
ومن طريق الخاصة : قول الكاظم عليه السلام : « مَنْ دخل المدينة فليس له أن يُحْرم إلّا من المدينة » (٤) .
ولأنّ التكليف بالمضيّ إلى ميقات بلده ضرر ، فيكون منفيّاً .
مسألة ١٤٦ : الصبي ميقاته هذه المواقيت ، ويجوز أن يجرّد من فخّ ، وأن يؤخّر إحرامه (٤) إليه ؛ لما رواه معاوية بن عمّار ، قال : سمعت الصادق عليه السلام يقول : « قدّموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو إلى بطن
__________________
(١) المغني والشرح الكبير ٣ : ٢١٤ .
(٢) الفقيه ٢ : ١٩٩ / ٩٠٧ .
(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٦٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٩ .
(٤) التهذيب ٥ : ٥٧ ـ ٥٨ / ١٧٩ .
(٥) في النسخ الخطية والحجرية : إحرامهم . وما أثبتناه يقتضيه السياق .
مَرٍّ ثم يصنع بهم ما يصنع بالمُحْرم ويطاف بهم ويسعى بهم ، ومَنْ لم يجد منهم هدياً صام عنه وليّه » (١) .
وسأل أيّوب (٢) الصادق عليه السلام عن الصبيان أين نجرّدهم للإِحرام ؟ فقال : « كان أبي يجرّدهم من فخّ » (٣) .
مسألة ١٤٧ : ميقات عمرة التمتّع هذه المواقيت ، وميقات حجّه مكة لا غير ، فإن أحرم من غير مكة اختياراً ، لم يجزئه ، وكان عليه العود إلى مكة لإِنشاء الإِحرام ، ذهب إليه علماؤنا .
وقال أحمد : يخرج إلى الميقات فيُحْرم منه للحجّ (٤) .
وليس بصحيح ، لما رواه العامّة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله دخل على عائشة وهي تبكي ، قال لها : ( أهلّي بالحجّ ) (٥) وكانت بمكة .
وأمر أصحابه بالإِحرام من مكة لمّا فسخوا الحجّ (٦) .
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام : « إذا كان يوم التروية ـ إلى أن قال ـ وادخل المسجد ـ إلى أن قال ـ فأحرم بالحجّ » (٧) .
إذا عرفت هذا ، فلو أحرم من غير مكة اختياراً ، لم يجزئه ، وكان عليه العود إلى مكة لإِنشاء الإِحرام ، لأنّ النبي عليه السلام أمر أصحابه بالإِحرام من مكة (٨) .
وقال الشافعي : يجوز أن يخرج إلى أحد المواقيت فيُحْرم بالحجّ
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٠٤ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٣٦٦ / ١٢٩٤ ، التهذيب ٥ : ٤٠٩ / ١٤٢٣ .
(٢) في النسخ الخطية والحجرية : أبو أيوب ، وما أثبتناه من المصدر وكما في المعتبر : ٣٤٢ .
(٣) التهذيب ٥ : ٤٠٩ / ١٤٢١ .
(٤) المغني ٣ : ٢١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١٨ .
(٥) سنن أبي داود ٢ : ١٥٤ ـ ١٥٥ / ١٧٨٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٦٥ .
(٦) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٢ / ١٢١٤ ، المغني ٣ : ٢١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١٨ .
(٧) الكافي ٤ : ٤٥٤ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٦٧ / ٥٥٧ .
(٨) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٢ / ١٢١٤ ، المغني ٣ : ٢١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١٨ .
منه (١) .
ويجوز أن يُحرم من أيّ موضع كان من مكة ؛ لأنّها كلّها ميقات ، لكن الأفضل الإِحرام من المسجد ، وأفضله تحت الميزاب أو في مقام إبراهيم عليه السلام .
ولو خرج من مكة بغير إحرام ناسياً أو جاهلاً ، رجع إليها أو أحرم منها ، فإن عرض له مانع ، أحرم من موضعه ولو بعرفات ، وكذا في الخائف من الرجوع .
مسألة ١٤٨ : هذه المواقيت المذكورة مواقيت للحجّ على ضروبه وللعمرة المفردة إجماعاً إذا قدم مكة حاجّاً أو معتمراً .
أمّا المفرد والقارن إذا قضيا مناسك الحج وأرادا الاعتمار ، أو غيرهما ممّن يريد الاعتمار ، فإنّه يلزمه أن يخرج إلى أدنى الحلّ ، فيُحْرم بالعمرة المفردة ثم يعود إلى مكة للطواف والسعي ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله لمّا أرادت عائشة أن تعتمر بعد التحلّل من الحجّ أمر عبد الرحمن أن يُعْمرها من التنعيم (٢) ، وهو من الحلّ .
ولو خرج إلى أحد المواقيت فأحرم منه ، جاز لكن خفّف عنه بالإِحرام من أدنى الحلّ .
وينبغي أن يُحْرم من الجعرانة ؛ فإنّ النبي صلّى الله عليه وآله اعتمر منها (٣) ، فإن فاتته فمن التنعيم ؛ لأنّ النبي عليه السلام أمر عائشة بالإِحرام منها (٤) ، فإن فاتته فمن الحديبية ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله لمّا قفل (٥) من
__________________
(١) فتح العزيز ٧ : ٧٨ ، المجموع ٧ : ١٩٦ .
(٢) صحيح البخاري ٣ : ٤ و ٥ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٧١ / ١١٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٥٧ .
(٣) صحيح البخاري ٣ : ٣ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ / ١٩٩٣ و ١٩٩٤ ، سنن الترمذي ٣ : ١٨٠ / ٨١٦ .
(٤) صحيح البخاري ٣ : ٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٧٠ ـ ٨٧١ / ١١٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٦ .
(٥) قفل : رجع . النهاية ـ لابن الأثير ـ ٤ : ٩٢ .
حنين أحرم بالجعرانة (١) .
النظر الثاني : في أحكام المواقيت
مسألة ١٤٩ : لا يجوز الإِحرام قبل الميقات عند علمائنا إلّا لناذر على خلاف ، ولمُريد العمرة في رجب إذا خاف فواته .
وأطبق العامّة على جوازه (٢) ، واختلفوا في الأفضل .
فقال مالك : الأفضل الإِحرام من الميقات ، ويكره قبله . وبه قال عمر وعثمان والحسن وعطاء ومالك وأحمد وإسحاق (٣) .
وقال أبو حنيفة : الأفضل الإِحرام من بلده (٤) .
وعن الشافعي كالمذهبين (٥) .
وكان علقمة والأسود وعبد الرحمن وأبو إسحاق يُحرمون من بيوتهم (٦) .
لنا : ما رواه العامّة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله أحرم من الميقات (٧) ، ولا يفعل إلّا الراجح ، وقال عليه السلام : ( خُذوا عنّي مناسككم ) (٨) فوجب
__________________
(١) الكامل في التاريخ ٢ : ٢٧٢ .
(٢) المغني ٣ : ٢٢٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٢٠٠ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٦٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦٤ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٠٥ .
(٣) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٦٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٤٨ ، المغني ٣ : ٢٢٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٠ ، فتح العزيز ٧ : ٩٣ .
(٤) الاختيار لتعليل المختار ١ : ١٨٥ ، المغني ٣ : ٢٢٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٦ ، فتح العزيز ٧ : ٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٠ ، المجموع ٧ : ٢٠٢ .
(٥) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٠ ، المجموع ٧ : ٢٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٠ ، فتح العزيز ٧ : ٩٣ ، المغني ٣ : ٢٢٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٦ .
(٦) المغني ٣ : ٢٢٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٦ ، وانظر : المجموع ٧ : ٢٠٢ .
(٧) المغني ٣ : ٢٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٧ .
(٨) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥ .
اتّباعه .
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه السلام : « من أحرم بالحجّ في غير أشهر الحجّ فلا حجّ له ، ومن أحرم دون الميقات فلا إحرام له » (١) .
ولأنّه أحرم قبل الميقات ، فكان حراماً ، كالإِحرام قبل أشهر الحجّ .
ولما فيه من التغرير بالإِحرام والتعرّض لفعل محظوراته ، وفيه مشقّة على النفس ، فمُنع ، كالوصال في الصوم .
احتجّوا : بما رواه العامّة عن اُمّ سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول : ( من أهلّ بحجّة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ) (٢) .
وفي الطريق ضعف عند العامّة (٣) .
مسألة ١٥٠ : سوّغ أكثر أصحابنا (٤) الإِحرام قبل المواقيت في موضعين :
الأول : إذا نذر أن يُحرم قبل الميقات ؛ لما رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل جعل لله عليه شكراً أن يُحرم من الكوفة ، قال : « فليُحْرم من الكوفة وليف لله بما قال » (٥) .
الثاني : مَنْ يريد الإِحرام بالعمرة المفردة في رجب ، فإنّه إذا خشي تقضّيه قبل الوصول إلى الميقات ، جاز له أن يُحْرم قبل الميقات ليدرك التلبّس بالعمرة في رجب ؛ لما رواه إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه السلام عن
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٢٢ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٥٢ / ١٥٧ ، الاستبصار ٢ : ١٦٢ / ٥٢٩ .
(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٤٣ / ١٧٤١ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠ ، وانظر : المغني ٣ : ٢٢٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٢٦ .
(٣) المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣ ـ ٢٢٤ .
(٤) منهم ابن حمزة في الوسيلة : ١٥٩ ـ ١٦٠ ، والمحقّق في المعتبر : ٣٤٢ ، وشرائع الإِسلام ١ : ٢٤٢ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ١٧٨ .
(٥) التهذيب ٥ : ٥٣ / ١٦٢ ، الاستبصار ٢ : ١٦٣ / ٥٣٤ .
الرجل يجيء معتمراً ينوي عمرة رجب ، فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق ، أيُحْرم قبل الوقت ويجعلها لرجب أو يؤخّر الإِحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان ؟ قال : « يُحْرم قبل الوقت لرجب ، فإنّ لرجب فضلاً وهو الذي نوى » (١) .
مسألة ١٥١ : وكما لا يجوز الإِحرام قبل الميقات كذا لا يجوز مجاوزته بغير إحرام لمن يريد النسك ، فإن جاوزه فعليه أن يرجع ليُحْرم منه إن أمكنه ، سواء تجاوزه عالماً أو جاهلاً ، وسواء علم تحريم ذلك أو جهله ، فإن رجع إليه فأحرم منه ، فلا شيء عليه ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ فائدة توقيت رسول الله صلّى الله عليه وآله لهذه المواقيت : الإِلزام بالمناسك منها لا يتقدّم عنها ولا يتأخّر .
ولما رواه معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « من تمام الحجّ والعمرة أن تُحرم من المواقيت التي وقّتها رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ولا تجاوزها إلّا وأنت مُحْرم » (٢) .
مسألة ١٥٢ : لو أحرم غير الناذر وغير مريد الاعتمار في رجب قبل الميقات ، لم ينعقد إحرامه ، ولم يعتدّ به ، ولو فعل ما هو محظور على المُحْرم ، لم يكن عليه شيء ، وإذا بلغ الميقات ، وجب عليه تجديد الإِحرام من رأس ؛ لأنّ ما فَعَله كان منهيّاً عنه ، فلا يكون مجزئاً .
ولأنّ الباقر عليه السلام شبّه ذلك بمن صلّى في السفر أربعاً (٣) ، والصادق عليه السلام شبّهه بمن صلّى العصر (٤) ستّاً (٥) ، والمعنى واحد ، وهو
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٢٣ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٥٣ / ١٦٠ ، الاستبصار ٢ : ١٦٢ ـ ١٦٣ / ٥٣٢ .
(٢) الكافي ٤ : ٣١٨ / ١ ، التهذيب ٥ : ٥٤ / ١٦٦ .
(٣) الكافي ٤ : ٣٢١ ـ ٣٢٢ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٥١ / ١٥٥ ، الاستبصار ٢ : ١٦١ / ٥٢٧ .
(٤) في الاستبصار والطبعة الحجرية و « ط » : الظهر .
(٥) التهذيب ٥ : ٥٢ / ١٥٦ ، الاستبصار ٢ : ١٦١ ـ ١٦٢ / ٥٢٨ .
الزيادة في الفريضة ، كزيادة المُحْرم قبل الميقات على المقدار المعتبر في نظر الشرع .
وقال الباقر عليه السلام : « من أحرم من دون الوقت الذي وقّته رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فأصاب شيئاً من النساء والصيد فلا شيء عليه » (١) .
وأطبق الجمهور كافّة على صحة هذا الإِحرام (٢) .
مسألة ١٥٣ : لو ترك الإِحرام من الميقات عامداً مع إرادة النسك ، وجب عليه الرجوع إلى الميقات والإِحرام منه مع المكنة ، ولا نعلم في ذلك خلافاً ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله جعل المواقيت مواطن الإِحرام ، ومنع من الجواز بها إلّا لمُحْرم إذا كان مُريداً للنسك (٣) .
ولما روى العامّة أنّ أبا الشعثاء جابر بن زيد رأى ابن عباس يردّ مَنْ جاوز الميقات غير مُحْرم (٤) .
ومن طريق الخاصة : ما رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل ترك الإِحرام حتى دخل الحرم ، فقال : « يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يُحْرمون منه ، فيُحرم ، وإن خشي أن يفوته الحجّ فليُحْرم من مكانه ، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج » (٥) .
إذا عرفت هذا ، فلو لم يتمكّن من الرجوع إلى الميقات وكان قد ترك الإِحرام من الميقات عامداً متمكّناً منه مع إرادة النسك ، بطل حجّة ـ وبه قال سعيد بن جبير (٦) ـ لأنّه ترك الإِحرام من الميقات عامداً متمكّناً ، فبطل حجّه ،
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٥٤ / ١٦٥ .
(٢) تقدّم تخريجه في المسألة ١٤٩ .
(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٦٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٣٨ ـ ٨٣٩ / ١١ و ١٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٩ .
(٤) الاُم ٢ : ١٣٨ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٩ .
(٥) التهذيب ٥ : ٥٨ / ١٨٠ .
(٦)
المغني ٣ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٢ ، المجموع ٧ :
=
كما لو ترك الوقوف بعرفة .
وقالت العامّة : يجبره بدم ، ويُحْرم من موضعه ؛ لما رواه ابن عباس : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله قال : ( من ترك نسكاً فعليه دم ) (١) .
ونحن إنّما نثبت العموم لو قلنا بصحة الحج ، وهو ممنوع .
ولو أحرم من موضعه مع تركه عامداً قادراً ، لم يجزئه على ما بيّنّاه ، ولو عاد إلى الميقات فكذلك ما لم يجدّد الإِحرام ؛ لأنّ الأول لم ينعقد ، فجرى مجرى الإِخلال بالإِحرام .
ولا فرق في بطلان الحج بين أن يكون عدم التمكّن من الرجوع لمرض أو خوف أو ضيق الوقت .
مسألة ١٥٤ : لو ترك الإِحرام عامداً فقد قلنا بوجوب الرجوع ، فإن رجع إلى الميقات وأحرم منه ، فلا دم عليه ، سواء رجع بعد التلبّس بشيء من أفعال الحج ، كطواف القدوم مثلاً ، أو الوقوف ، أو لم يتلبّس ـ وبه قال عطاء والحسن والنخعي (٢) ـ لأنّ إحرامه من موضعه لا اعتداد به ، وكذا ما فعله ، ومع الرجوع إلى الميقات يصح إحرامه ، والأصل براءة الذمّة من الدم .
ولأنّه رجع إلى الميقات وأحرم منه ، فلا شيء عليه ، كما لو لم يفعل شيئاً من مناسك الحج .
وقال الشافعي : إن رجع قبل التلبّس ، فلا شيء عليه ، وإن رجع بعد التلبّس ، وجب عليه دم (٣) ؛ لأنّه أحرم من دون الميقات فوجب الدم ، لكن برجوعه سقط ؛ لأنّه حصل في الميقات مُحْرماً قبل التلبّس بشيء من أفعال
__________________
=
٢٠٨ .
(١) الحاوي الكبير ٤ : ٧٣ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٢٢٥ .
(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ٢٢٥ ، المجموع ٧ : ٢٠٨ .
(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٧٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٠ ، المجموع ٧ : ٢٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧١ ، فتح العزيز ٧ : ٩٢ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٢٢٥ .
العبادة ، فلا يجب عليه الدم ، كما لو أحرم منه ، أمّا إذا عاد بعد فعل شيء من أفعال الحج فقد عاد في غير وقت إحرامه ؛ لأنّ الإِحرام يتقدّم أفعال الحج .
وقد بيّنّا أنّ فعله لا اعتداد به ، فلا فرق بينهما .
وقال أبو حنيفة : إن رجع إلى الميقات ، سقط عنه الدم ، وإن لم يلبّ لم يسقط (١) .
وقال مالك : يجب الدم مطلقاً ـ وبه قال أحمد وزفر وابن المبارك ـ لقول ابن عباس : من ترك نسكاً فعليه دم (٢) .
ونمنع كون قوله حجةً أو العموم .
إذا عرفت هذا ، فلو لم يرجع مع قدرته ، بطل إحرامه وحجّه .
وقال الشافعي : إن لم يتمكّن من الرجوع ، جاز أن يُحْرم من مكانه ، ويجب الدم ، وإن لم يكن له عذر ، وجب الرجوع ، فإن لم يرجع أثم ، ووجب الدم ، وصحّ إحرامه (٣) .
وقد بيّنّا بطلانه .
مسألة ١٥٥ : لو تجاوز الميقات ناسياً أو جاهلاً ، أو لا يريد النسك ثم تجدّد له عزم ، وجب عليه الرجوع إلى الميقات ، وإنشاء الاحرام منه مع القدرة ، ولا يكفيه المرور بالميقات ، فإن لم يتمكن ، أحرم من موضعه ، ولو أحرم من موضعه مع إمكان الرجوع ، لم يجزئه .
__________________
(١) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٧٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦٥ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٢٢٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٢ ، المجموع ٧ : ٢٠٨ .
(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ٢٢٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٤٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧١ ، المجموع ٧ : ٢٠٨ .
(٣) فتح العزيز ٧ : ٨٩ ، المجموع ٧ : ٢٠٦ .