أبو البركات بن الأنباري
المحقق: الدكتور طه عبد الحميد طه
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
ISBN: 977-419-179-X
الصفحات: ٥٧٦
كعلّامة ونسّابة. وقيل : فى الكلام تقديم وتأخير ، وتقديره ، وما أرسلناك إلا للناس كافة. وكافة ، مصدر كالعاقبة والعافية.
قوله تعالى : (قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) (٣٠).
ميعاد ، مرفوع لأنه مبتدأ. ولكم ، خبره ، والهاء فى (عنه) عائدة على (الميعاد) ، وعلى هذا لو أضفت (يوم) إلى ما بعده فقلت : يوم لا تستأخرون عنه ، لكان جائزا ، ولو جعلت الهاء عائدة على (يوم) لما جاز أن تضيف (يوما) إلى ما بعده ، لأنه يؤدى إلى إضافة الشىء إلى نفسه ، وذلك لأنك إذا أضفت (اليوم) إلى جملة فيها (هاء) هى اليوم ، فقد أضفت إلى الهاء وهو هى.
قوله تعالى : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) (٣١).
أنتم ، ضمير المرفوع المنفصل ، وهو فى موضع رفع بالابتداء وخبره محذوف ، ولا يجوز إظهاره لطول الكلام بالجواب ، وذهب أبو العباس المبرد إلى أنه لا يجوز أن يأتى بعد لو لا إلا الضمير المرفوع المنفصل ، ولا يجوز أن يأتى بعده الضمير المتصل ، نحو ، لولاى ولولاك. وذهب سيبويه إلى أنه جائز ، وأنه فى موضع جر ، والظاهر أنه فى موضع رفع كالضمير المنفصل ، وقد بينا دلك مستوفى فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (١).
قوله تعالى : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ) (٣٧).
بالتى ، فى موضع نصب لأنه خبر (ما) ، ودخلت الباء فى خبر (ما) لتكون بإزاء اللام فى خبر (إنّ) ، لأن (إنّ) للإثبات و (ما) للنفى ، فيكون ، ما زيد بقائم. جوابا
__________________
(١) المسألة ٩٧ الإنصاف ٢ / ٤٠١.
لمن قال : إن زيدا لقائم. وقال الفراء : أراد (بالتى) الأموال والأولاد ، وذهب قوم إلى أنه أراد (بالتى تقربكم) الأولاد خاصة ، وتقديره ، وما أموالكم بالتى تقربكم عندنا زلفى ، ولا أولادكم بالتى تقربكم ، إلا أنه حذف خبر الأموال لدلالة الثانى عليه ، ونظائره كثيرة فى كلامهم. وزلفى فى موضع نصب على المصدر.
وإلّا من آمن. من ، فى موضع نصب على الاستثناء ، ولا يجوز أن يكون منصوبا على البدل من الكاف والميم فى (تقربكم) ، لأن المخاطب لا يبدل منه ، وقد جاء بدل الغائب من المخاطب ، بإعادة العامل فى قوله تعالى :
(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(١)
أبدل منه بإعادة الجار ، فقال : (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا).
قوله تعالى : (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) (٤٥).
نكير ، مصدر بمعنى (إنكارى) وهو مصدر بمنزلة عذير. فى قول الشاعر :
١٥٢ ـ عذير الحىّ من عدوا |
|
ن كانوا حيّة الأرض (٢) |
قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى) (٤٦).
أن تقوموا ، يحتمل أن يكون فى موضع جر ورفع ونصب. فالجر على البدل من قوله (بواحدة) وتقديره ، إنما أعظكم بأن تقوموا لله مثنى وفرادى. والرفع على أن يكون
__________________
(١) ٦ سورة الممتحنة.
(٢) البيت من شواهد سيبويه وهو لذى الأصبع العدوانى ١ / ١٣٩. عدوان : اسم قبيلة ـ كانوا حية الوادى : كانوا يتقى منهم لكثرتهم وعزتهم كما يتقى من الحية المنكرة والشاهد فيه نصب (عذير) ووضعه موضع الفعل بدلا منه ، والمعنى هات عذرك ، أو قرب عذرك. واختلف فى (العذير) فمنهم من جعله مصدرا بمعنى العذر وهو مذهب سيبويه ومنهم من جعله بمعنى عاذر كعليم وعالم.
خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره وهى أن تقوموا لله. والنصب على تقدير حذف حرف الجر ، وهو اللام وتقديره ، لأن تقوموا لله مثنى وفرادى ، فحذفت اللام تخفيفا. ومثنى وفرادى ، منصوبان على الحال من الواو فى (تقوموا).
قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (٤٨).
(قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) (٤٩).
علام الغيوب ، يجوز فيه الرفع والنصب.
فالرفع من خمسة أوجه.
الأول : أن يكون مرفوعا على أنه خبر ثان بعد أول ، فالأول (يقذف) ، والثانى (عَلَّامُ الْغُيُوبِ).
والثانى : أن يكون مرفوعا على البدل من المضمر المرفوع فى (يقذف).
والثالث : أن يكون خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، هو علام الغيوب.
والرابع : أن يكون بدلا من (رب) على الموضع وموضعه الرفع.
والخامس : أن يكون وصفا ل (رب) على الموضع ، وفى حمل وصف اسم (إن) على الموضع خلاف.
والنصب من وجهين.
أحدهما : على الوصف ل (رب).
والثانى : على البدل منه.
وما يبدئ الباطل وما يعيد. (ما) فى موضع نصب ، وتقديره ، أىّ شىء يبدئ الباطل وأىّ شىء يعيد.
قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ) (٥١).
جواب (لو) محذوف ، وتقديره لو ترى لتعجبت. وفزعوا ، جملة فعلية فى موضع جر باضافة (إذ) إليها. وأخذوا ، جملة فعلية أخرى عطف عليها.
قوله تعالى : (وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ) (٥٢).
قرئ (التناوش) بالهمز وترك الهمز. فمن قرأ بالهمز أتى به على الأصل ، والأصل فى (التناوش) الهمز ، ومعناه التأخر. ومنه قول الشاعر :
١٥٣ ـ تمنّى نئيشا أن يكون أطاعنى |
|
وقد حدثت بعد الأمور أمور (١) |
نئيشا ، أى أخيرا ، وهو منصوب على الظرف. ومن قرأ بترك الهمز ، ففيه وجهان.
أحدهما : أن يكون على إبدال الهمزة واوا.
والثانى : أن يكون (التناوش) بمعنى التناول من ناش ينوش إذا تناول كقول الشاعر :
وهى تنوش الحوض نوشا من علا |
|
نوشا به تقطع أجواز الفلا (٢) |
فلا يكون أصله الهمز.
__________________
(١) البيت لنهشل بن حرّى ، وقبله
ومولى عصانى واستبد برأيه |
|
كما لم يطع فيما أشار فصير |
فلما رأى ماغب أمرى وأمره |
|
وناءت بأعجاز الأمور صدور |
تمنى نئيشا أن يكون أطاعنى |
|
ويحدث من بعد الأمور أمور |
نأش الشىء : أخره ، وانتأش هو تأخر وتباعد ، والنئيش الحركة فى إبطاء ، وجاء نئيشا أى بطيئا. اللسان مادة (نأش).
(٢) من شواهد سيبويه وهو للعجاج. الكتاب ٢ / ١٢٣.
يصف إبلا وردت الماء فى فلاة فعافته وتناولته من أعلاه ـ والنوش : التناول.
«غريب إعراب سورة فاطر»
قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (١).
فاطر السموات ، إن جعلت الإضافة فى نية الاتصال ، كان (فاطر) جرّا على الوصف لاسم الله تعالى ، وإن جعلت الإضافة فى نية الانفصال ، كان فى موضع جر على البدل. وجاعل الملائكة ، من جعل الإضافة فى نية الاتصال ، كان (رسلا) منصوبا بتقدير فعل ، لأن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضى لم يعمل البتة ، واكتسى من المضاف إليه التعريف والتنكير ، ومن جعلها فى نية الانفصال ، كان (رسلا) منصوبا ، لأن اسم الفاعل إذا كان للحال أو الاستقبال كان عاملا ، ولم يكتس من المضاف إليه التعريف والتنكير.
قوله تعالى : (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (١).
مثنى وثلاث فى موضع جر على الوصف ل (أجنحة) ، ولا ينصرف للوصف والعدل ، وقيل : لم ينصرف لأنه معدول من جهة اللفظ والمعنى ، أما العدل من جهة اللفظ فظاهر ، فإن (مثنى) عدل عن لفظ (اثنتين) ، و (ثلاث) عدل عن لفظ (ثلاثة). وأما العدل من جهة المعنى فلأنه يقتضى التكرار ، فمثنى عن اثنتين اثنتين ، وثلاث عن ثلاثة ثلاثة. وفيه أقوال أخر ، والأكثرون على القول الأول.
قوله تعالى : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) (٢).
ما ، شرطية فى موضع نصب ب (يفتح) ، و (ما) الشرطية يعمل فيها ما بعدها
كالاستفهامية ، لأن الشرط والاستفهام لهما صدر الكلام. فلا ممسك لها ، فى موضع جزم لأنه جواب الشرط ، كقوله تعالى :
(مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ)(١).
قوله : فلا هادى له ، فى موضع جزم ، بدليل أنه عطف عليه ، فى قراءة من قرأ (ويذرهم) بالجزم على العطف على موضع (فلا هادى له) ومثله قوله تعالى :
(وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) (٢).
قوله تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) (٣).
يجوز فيه الرفع والجر والنصب ، فالرفع من وجهين.
أحدهما : أن يكون مرفوعا لأنه فاعل.
والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه وصف ل (خالق) على الموضع. والجر لأنه وصف ل (خالق) على اللفظ. والنصب على الاستثناء.
قوله تعالى : (الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) (٧).
الذين ، يحتمل أن يكون فى موضع جر ونصب ورفع. فالجر على البدل من (أصحاب). والنصب على البدل من (حزبه) ، فى قوله تعالى :
(إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ)
والرفع على البدل من المضمر فى (يكونوا).
قوله تعالى : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) (٨)
__________________
(١) ١٨٦ سورة الأعراف.
فرآه ، قرئ بالإمالة مع فتحة الراء وإمالتها ، فالإمالة إنما جاءت لأن الألف بدل عن الياء ، فمن قرأ بفتح الراء أتى بها على الأصل ، ومن أمالها أتبعها إمالة الهمزة ، والإتباع للمجانسة كثير فى كلامهم. وحسرات ، منصوب من وجهين.
أحدهما : أن يكون مفعولا له.
والثانى : أن يكون مصدرا.
قوله تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) (١٠).
الهاء فى (يرفعه) تعود على (الكلم) والتقدير : والعمل الصالح يرفع الكلم. وقيل التقدير : والعمل الصالح يرفعه الله. وقيل التقدير : والعمل الصالح يرفعه الكلم. فالهاء تعود على (العمل) ، ولو كان كذلك ، لكان الوجه الأوجه أن ينصب (العمل الصالح) كما قلت : ذهب زيد وعمرو كلمه بكر.
والسيئات ، منصوب من ثلاثة أوجه.
الأول : أن يكون منصوبا لأنه مفعول (يمكرون) لأنه بمعنى (يعملون).
والثانى : أن يكون منصوبا على المصدر لأن معنى (يمكرون) يسيئون.
والثالث : أن يكون وصفا لمصدر محذوف وتقديره ، يمكرون المكرات السيئات. ثم حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه.
ومكر أولئك ، مبتدأ. وخبره (يبور) وهو فصل بين المبتدأ وخبره ، وقد قدمنا أن الفصل يجوز أن يدخل بين المبتدأ والخبر ، إذا كان فعلا مضارعا ، و (يبور) فعل مضارع ، فجاز أن يدخل الفصل بينهما.
قوله تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) (١٤).
مصدر بمعنى (إشراك) وهو مضاف إلى الكاف والميم ، وهى الفاعل فى المعنى ، وتقديره ، بإشراككم إياهم. فحذف المفعول.
قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) (٢٨).
الهاء فى (ألوانه) تعود على موصوف محذوف ، وتقديره ، خلق مختلف ألوانه. فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه وهى فى موضع رفع بالابتداء ، وما قبله من الجار والمجرور ، خبره. وألوانه ، مرفوع لأنه فاعل ، لأن اسم الفاعل جرى وصفا على موصوف.
قوله تعالى : (ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (٣٢) و (جَنَّاتُ عَدْنٍ) (٣٣).
ذلك مبتدأ. والفضل خبره ، وهو ، فصل بين المبتدأ وخبره. والكبير ، صفة الخبر وإن شئت أن تقول : ذلك ، مبتدأ أول. وهو ، مبتدأ ثان. والفضل ، خبر المبتدأ الثانى ، والمبتدأ الثانى وخبره خبر عن المبتدأ الأول.
وجنات عدن ، مرفوع من ثلاثة أوجه.
الأول : أن يكون مرفوعا على الابتداء. ويدخلونها ، الخبر.
والثانى : أن يكون مرفوعا على البدل من قوله تعالى : (الْفَضْلُ الْكَبِيرُ).
والثالث : أن يكون خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، هو جنات.
قوله تعالى : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) (٣٣).
أساور : جمع (أسورة) و (أسورة) جمع (سوار) نحو : إزار وآزرة ، وحمار وأحمرة.
قوله تعالى : (الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ) (٣٥). الذى ، يجوز أن يكون فى موضع نصب ورفع.
فالنصب على أنه صفة اسم (إنّ) فى قوله تعالى :
(إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).
والرفع من ثلاثة أوجه.
الأول : أن يكون خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، هو الذى.
والثانى : أن يكون خبرا بعد خبر.
والثالث : أن يكون بدلا من الضمير فى (شكور).
قوله تعالى : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) (٣٦).
فيموتوا ، منصوب على جواب النفى بالفاء بتقدير (أن).
قوله تعالى : (اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ) (٤٣). استكبارا ، منصوب لأنه مفعول له. ومكر السّيئ منصوب على المصدر ، وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة ، ودليله قوله تعالى :
(وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) (٤٣).
وأضيف إلى وصفه اتساعا ، كمسجد الجامع. ويروى عن حمزة أنه سكن الهمزة من قوله تعالى :
(وَمَكْرَ السَّيِّئِ)
فى حالة الوصل لأنه شبّه بفخذ ، وكما يقال فى (فخذ فخذ) ، فتسكن الخاء ، فكذلك الهمزة ، أو أنه أجرى الوصل مجرى الوقف ، وهو ضعيف فى القياس.
«غريب إعراب سورة يس»
قوله تعالى : (يس (١) وَالْقُرْآنِ) (٢).
منهم من أظهر النون من (يس) ، ومنهم من أدغمها فى الواو. فمن أظهرها فلأن حروف الهجاء من حقها أن يوقف عليها ، كالعدد ، ولذلك لم تعرب ، وإذا كان حقها الوقف والسكون ، وجب إظهار النون ، ومن أدغمها أجراها مجرى المتصل ، والإظهار أقيس ، ويقرأ (ياسين) بفتح النون وكسرها.
فمن فتحها فلأنه لما وجب التحريك لالتقاء الساكنين فى حالة الوصل ، عدل إلى أخف الحركات وهو الفتح ، كأين وكيف ، ومن كسرها عدل إلى الكسر ، لأنه الأصل فى التقاء الساكنين.
قوله تعالى : (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٤).
لمن المرسلين ، فى موضع رفع لأنه خبر (إن). وعلى صراط مستقيم ، يحتمل وجهين.
أحدهما أن يكون فى موضع رفع لأنه خبر بعد خبر ل (إنّ).
والثانى : أن يكون فى موضع نصب لأنه يتعلق ب (المرسلين).
قوله تعالى : (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) (٥).
تنزيل ، يقرأ بالرفع والنصب. فالرفع على تقدير مبتدأ محذوف وتقديره هو تنزيل. والنصب على المصدر ، وهو مصدر (نزّل) يقال : نزّل تنزيلا ، كرتّل ترتيلا وقتّل تقتيلا. وهو مضاف إلى الفاعل ، وقرئ فى الشواذ (تنزيل) بالجر على البدل من (صراط) لأن الصراط هو القرآن.
قوله تعالى : (ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) (٦).
ما ، فيها وجهان.
أحدهما : أن تكون نافية لأن (آباؤهم) لم ينذروا قبل النبى عليهالسلام.
والثانى : أنها مصدرية فى موضع نصب ، وتقديره ، لننذر قوما إنذارا مثل إنذارنا آباءهم (١) ممن كانوا فى زمان إبراهيم وإسماعيل. ويؤيد هذا قول عكرمة : إنه كان قد أنذر آباءهم. والوجه الأول أوجه الوجهين.
قوله تعالى : (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) (١٢).
نكتب ما قدموا وآثارهم ، وهى السنن التى سنّوها ، فعمل بها من بعدهم. نكتب ما قدموا ، تقديره ، سنكتب ذكر ما قدموا وذكر آثارهم. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وكل شىء أحصيناه ، منصوب بفعل مقدر دل عليه (أحصيناه) ، وتقديره ، أحصينا كل شىء أحصيناه. وهو المختار ، ليعطف ما عمل فيه الفعل ، على ما عمل فيه الفعل ، كقول الشاعر :
١٥٤ ـ أصبحت لا أحمل السلاح ولا |
|
أردّ رأس البعير إن نفرا |
والذئب أخشاه إن مررت به |
|
وحدى وأخشى الرّياح والمطرا (٢) |
__________________
(١) (آباؤهم) فى أ ، ب.
(٢) من شواهد سيبويه ، وهما للربيع بن ضبع الفزارى : الكتاب ١% ١٤٦. استشهد فى البيتين لاختيار النصب فى الاسم إذا كان قبله اسم بنى على الفعل وعمل فيه طلبا للاعتدال ، وتقدير البيت : أصبحت لا أهمل السلاح وأخشى الذئب أخشاه. فحذف الفعل الناصب للذئب لدلالة الفعل الثانى عليه.
وتقديره ، وأخشى الذئب أخشاه. وهو المختار ، وإن كان الرفع جائزا.
قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) (١٣).
أصحاب القرية ، منصوب من وجهين.
أحدهما : أن يكون منصوبا على البدل من قوله : (مَثَلاً) ، وتقديره ، واضرب لهم مثلا مثل أصحاب القرية. فالمثل الثانى بدل من الأول ، وحذف المضاف.
والثانى. أن يكون (أصحاب القرية) منصوبا لأنه مفعول ثان ل (اضرب) والدليل على ذلك قوله تعالى :
(إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ)(١)
ولا خلاف فى أن (مثل الحياة) ، مبتدأ ، و (كماء) خبره. وقال فى موضع آخر :
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ)(٢)
فأعمل (اضرب) فى المبتدأ ، ولا خلاف فى أن ما عمل فى المبتدأ عمل فى خبره ، فدل على أن (مثلا أصحاب القرية) ، مفعولان ل (اضرب).
قوله تعالى : (طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) (١٩).
جواب الشرط محذوف وتقديره ، أئن ذكرتم ، تلقيتم التذكير والإنذار بالكفر والإنكار.
قوله تعالى : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) (٢٢).
أكثر القراء فتحوا الهاء من ((لى) ، وكان بعض القراء يسكنها فى :
__________________
(١) ٢٤ سورة يونس.
(٢) ٤٥ سورة الكهف.
(ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ)(١)
وبفتحها ههنا ، وإنما فعلوا ذلك ، إشعارا بفتح الابتداء ب (لا أعبد الذى فطرنى) ، ففتحوا الياء ليكون ذلك مبعدا لهم من صورة الوقف على الياء ، لأنهم لو سكنوا لكان صورة السكون مثل صورة الوقف ، فيكون كأنه قد ابتدأ بقوله :
(لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي)
وفيه من الاستقباح مالا خفاء به. وقد بينا ذلك مستوفى فى المسائل البخارية.
قوله تعالى : (بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) (٢٧).
فيها ثلاثة أوجه.
الأول : أن تكون بمعنى الذى ، وغفر لى ، صلته ، والعائد محذوف والتقدير ، الذى غفره لى ربى ، فحذفه تخفيفا.
والثانى : أن تكون مصدرية وتقديره ، بغفران ربى لى.
والثالث : أن تكون استفهامية وفيه معنى التعجب من مغفرة الله ، وتقديره ، بأى شىء غفر لى ربّى ، على التحقير لعمله والتعظيم لمغفرة ربه ، إلا أن فى هذا الوجه ضعفا لأنه لو كانت (ما) ههنا استفهامية ، لكان ينبغى أن تحذف الألف منها لدخول حرف الجر عليها لأن (ما) الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجر حذفت ألفها للتخفيف ، نحو ، بم وعمّ وممّ ، ولا تثبت إلا فى الشعر ، كقول الشاعر :
١٥٥ ـ علاما قام يشتمنى لئيم |
|
كخنزير تمرّغ فى دمان (٢) |
__________________
(١) ٢٠ سورة النمل.
(٢) البيت لحسان بن ثابت من قصيدة يهجو بنى عابد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ومطلعها :
فإن تصلح فإنك عابدىّ |
|
وصلح العابدىّ إلى فساد ـ |
ـ والبيت هكذا :
على ما قام يشتمنى لئيم |
|
كخنزير تمرغ فى رماد |
خزانة الأدب ٤ / ٥٥٤.
شواهد التوضيح والتصحيح ١٦١ مطبعة لجنة البيان العربى ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى ١٣٧٦ ـ ه ١٩٥٧ م.
قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) (٢٨).
ما ، فيها وجهان.
أحدهما : أن تكون زائدة.
والثانى : أن تكون اسما فى موضع جر بالعطف على (جند) ، وهو معنى غريب.
قوله تعالى : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) (٣٠).
يا حسرة ، نداء مشابه للمضاف ، كقولهم : يا خيرا من زيد ، ويا سائرا إلى الشام ، ونداء مثل هذه الأشياء التى لا تعقل ، تنبيه للمخاطبين كأنه يقول لهم : تحسّروا على هذا ، وادعوا الحسرة ، وقولوا لها احضرى فهذا وقتك.
قوله تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) (٣١).
كم ، اسم للعدد فى موضع نصب ب (أهلكنا). وأنهم إليهم ، فى موضع نصب على البدل من (كم) ، و (كم) وما بعدها من الجملة فى موضع نصب ب (يروا).
قوله تعالى : (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) (٣٢).
إن ، مخففة من الثقيلة ، ولما خففت بطل عملها لنقصها عن مشابهة الفعل ، فارتفع ما بعدها بالابتداء. ولمّا جميع ، خبره. وما ، زائدة. وتقديره لجميع. وأدخلت اللام فى خبرها ، لتفرق بينها وبين (إن) التى بمعنى (ما). ومن قرأ (لما جميع) بالتشديد فمعناه (إلا) وإن (١) بمعنى (ما) وتقديره ، وما كل إلا جميع. فيكون (كل) مرفوعا
__________________
(١) (وإن) ساقطة من الأصل وأثبتها لصحة الكلام.
بالابتداء. وجميع ، خبره. وبطل بدخول (إلّا) عمل (إن) على قول من يعملها ، لأنه إذا بطل عمل (ما) بدخول (إلا) وهى الأصل فى العمل ، فلأن يبطل عمل (إن) لدخول (إلا) وهى الضرع ، كان ذلك أولى.
قوله تعالى : (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) (٣٥).
ما ، فيها وجهان.
أحدهما : أن تكون اسما موصولا فى موضع جر بالعطف على (ثمرة) و (عملته) ، الصلة والهاء ، العائد. ومن قرأ (عملت) بغير الهاء قدرها موجودة ثم حذفها للتخفيف.
والثانى : أن تكون نافية فى قراءة من قرأ (عملت) بغير هاء ، والوجه الأول أوجه الوجهين ، لأنها إذا كانت نافية ، افتقرت إلى تقدير مفعول ل (عملت).
قوله تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) (٣٩).
يقرأ (القمر) بالرفع والنصب ، فالرفع على الابتداء. وقدرناه ، الخبر. والنصب بتقدير فعل دل عليه (قدّرناه) ، وتقديره ، قدرنا القمر قدرناه. وقدرناه منازل ، يحتمل وجهين.
أحدهما : أن يكون تقديره ، قدرناه ذا منازل ، فحذف المضاف.
والثانى : أن يكون تقديره ، قدرنا له منازل ، فحذف حرف الجر من المفعول الأول فصار : قدرناه منازل.
قوله تعالى : (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (٣٩).
الكاف فى موضع نصب على الحال من الضمير فى (عاد) وهو العامل فيه. والعرجون ، وزنه فعلول نحو : زنبور ، وقرقور. ولا يكون وزنه على فعلون لأنه ليس فى كلامهم ما هو على فعلون ، وقد زعم بعضهم أن وزنه على فعلون من الانعراج ،
والنون فيه زائدة ، كما قالوا : فرسن (١) ووزنه فعلن من الفرس ، وليس فى الكلام فعلن غيره.
قوله تعالى : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) (٤٠).
أن وصلتها ، فى تأويل المصدر وهو فى موضع رفع لأنه فاعل (ينبغى). ولا الليل سابق النهار : قرئ (سابق النهار) بالجر بالإضافة وهى القراءة المشهورة ، وقرئ فى الشواذ ، (سابق النهار) ، بنصب (النهار) لأن التقدير ، سابق النهار بتنوين (سابق) فحذف التنوين لالتقاء الساكنين لا للإضافة ، وبقى النهار منصوبا على ما كان عليه ، كما لو كان التنوين موجودا.
قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) (٤١).
وآية لهم ، مبتدأ وفى خبره وجهان.
أحدهما : أن يكون الخبر (لهم).
والثانى : أن يكون الخبر (أنا حملنا) ، وعلى الوجه الأول ، إن جعلت (لهم) الخبر ، كانت (أن) وصلتها فى موضع رفع بالابتداء ، والجملة الخبر.
قوله تعالى : (فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ) (٤٣).
صريخ ، مبنى مع (لا) على الفتح ، وقد قدمنا علته ، ويجوز فيه الرفع مع التنوين ، لأن (لا) قد تكررت مرة ثانية فى قوله تعالى :
(وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ).
ألا ترى أنك لو قلت : لا رجل فى الدار ولا زيد. لكان الرفع فى (رجل) حسنا.
__________________
(١) فرسن الجزور والبقرة مؤنثة ، وقال فى البارع لا يكون الفرسن إلا للبعير وهى له كالقدم للإنسان (المصباح : مادة فرسن).
قوله تعالى : (إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا) (٤٤).
رحمة ، منصوب من وجهين.
أحدهما : أن يكون منصوبا على تقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، إلا برحمة.
والثانى : أن يكون منصوبا على أنه مفعول له.
قوله تعالى : (يَخِصِّمُونَ) (٤٩).
يقرأ (يخصّمون) بفتح الياء والخاء و (يخصّمون) بكسر الخاء ، و (يخصمون) بكسر الياء والخاء ، والأصل فيها كلها (يختصمون) ، على وزن (يفتعلون) من الخصومة.
فمن قرأ (يخصمون) بفتح الياء والخاء ، نقل فتحة التاء إلى الخاء ، وأبدل من تاء الافتعال صادا ، لأن التاء مهموسة ، والصاد مطبقة مجهورة ، فاستثقل اجتماعهما ، فأبدلوا من التاء صادا لتوافق الصاد فى الإطباق ، وأدغموا إحداهما فى الأخرى.
ومن قرأ بكسر الخاء ، حذف حركة التاء ، ولم ينقلها إلى الخاء ، وأبدل من التاء صادا ، وأدغم إحداهما فى الأخرى ، وكسر الخاء لسكونها وسكون الصاد الأولى ، لأن الأصل فى التقاء الساكنين الكسر.
ومن قرأ بكسر الياء والخاء ، كسر الياء إتباعا لكسرة الخاء والكسر للإتباع كثير فى كلامهم ، ألا ترى أنهم قالوا فى قسى قسى ، وفى عصى عصى ، وفى خفى خفى وقد قدمنا نظائره.
قوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) (٥١).
الجار والمجرور فى موضع رفع لقيامه مقام الفاعل.
قوله تعالى : (قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ) (٥٢).
يا ويلنا ، فيه وجهان.
أحدهما : أن يكون منادى مضافا. فويل ، هو المنادى. ونا ، هو المضاف إليه ، ونداء الويل ، كنداء الحسرة ، فى قوله تعالى :
(يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ).
والثانى : أن يكون المنادى محذوفا. وويلنا ، منصوب على المصدر ، كأنهم قالوا يا هؤلاء ويلا لنا. فلما أضاف حذف اللام الثانية.
وزعم الكوفيون أن اللام المحذوفة هى الأولى ، وفى جواز (ويل زيد) بالفتح ، وجواز (ويل زيد) بالضم على مذهبهم ، أول دليل على أن المحذوفة هى اللام الثانية لا الأولى ، لأن لام الجر ، لا يجوز فتحها مع المظهر. وفى (هذا) وجهان.
أحدهما : أن يكون فى موضع رفع لأنه مبتدأ. و (ما وَعَدَ الرَّحْمنُ) خبره.
والثانى : أن يكون (هذا) فى موضع جر لأنه صفة ل (مرقدنا) وما ، فى موضع رفع لأنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، بعثكم ما وعد الرحمن ، والأول أوجه الوجهين.
قوله تعالى : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) (٥٥).
أصحاب ، اسم (إنّ) وخبرها يجوز أن يكون (فى شغل) ، ويجوز أن يكون (فاكهون). و (فى شغل) متعلق ب (فاكهون) ، ويجوز أن يكونا خبرين ، ولا يجوز أن تجعل (اليوم) خبرا ، لأنه ظرف زمان ، وظروف الزمان لا تكون أخبارا عن الجثث. واليوم ، منصوب على الظرف ، والعامل فيه الظرف وهو قوله : (فى شغل) وتقديره : إن أصحاب الجنة كائنون فى شغل اليوم. فقدم معمول الظرف على الظرف كقولهم : كل يوم لك درهم. ولا يجوز أن يكون العامل فيه نفس (شغل) ، لأن (شغل) مصدر وما كان فى صلة المصدر لا يتقدم عليه.
قوله تعالى : (هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ) (٥٦).
هم ، مبتدأ. وأزواجهم عطف عليه. ومتكئون ، خبر المبتدأ. وفى ظلال ، يتعلق ب (متكئون). وعلى الأرائك ، صفة ل (ظلال) ، ويجوز أن يجعل (فى ظلال) خبرا ، وعلى الأرائك ، خبرا. ومتكئون ، خبرا ، فيكون لمبتدأ واحد أخبار متعددة ، كقول الشاعر : /
١٥٦ ـ من يك ذابتّ فهذا بتّى |
|
مقيّظ مصيف مشتّى |
تخذته من نعجات ستّ |
|
سود جعاد من نعاج الدّشت (١) |
فهذا ، مبتدأ ، وبتّى ، خبر أول. ومقيظ ، خبر ثان. ومصيف خبر ثالث ، ومشتى ، خبر رابع.
قوله تعالى : (لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ) (٥٧).
فاكهة ، مرفوع بالابتداء. ولهم ، خبره. وفيها ، معمول الخبر وهو (لهم) ، ويجوز أن يكون (فيها) الخبر ، و (لهم) معمول الخبر وهو (فيها) ، ويجوز أن يكون كل واحد من (لهم وفيها) خبرين للمبتدأ الذى هو (فاكهة) ، ويجوز أيضا أن يكون
__________________
(١) البيت لأول من شواهد سيبويه ولم ينسبه لقائل. الكتاب ١ / ٢٥٨ وجاء بهامش شرح ابن عقيل تحقيق محيى الدين عبد الحميد «روى بعد هذا الشاهد فى أحد المواضع» وذكر البيت الثانى. ١ ٢٢٣. والشاهد فيه رفع (مقيظ) وما بعده على الخبر كما تقول : هذا زيد منطلق. والنصب فيه على الحال أكثر وأحسن ، ويجوز رفعه على البدل وعلى خبر ابتداء مضمر. والبت : الكساء ، وجعله مقيظا على السعة ، والمعنى مقيظ فيه. والدشت : الصحراء.
(لهم) وصفا ل (فاكهة) ، فلما تقدم صار فى موضع نصب على الحال ، ويجوز أيضا أن يكون (فيها) صفة ل (فاكهة) ، فلما تقدم عليها صار فى موضع نصب على الحال ، وإنما حكمنا على موضع (لهم وفيها) بالنصب على الحال ، لأنهما إذا قدرا وصفا ل (فاكهة) وقد تقدما عليها ، نصفه النكرة إذا تقدمت عليها وجب أن ينصب على الحال ، لاستحالة أن تكون صفة ، لأنّ الصفة لا تتقدم على الموصوف ، فعدل إلى الحال لاشتراكهما فى المعنى.
قوله تعالى : (وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ)(١) (٥٧).
ما ، فيها ثلاثة أوجه.
أحدهما : أن تكون اسما موصولا بمعنى الذى ، وهى فى موضع رفع بالابتداء ، وخبره الجار والمجرور قبله وهو (لهم) ، وصلته (يدعون) ، والعائد إليه محذوف ، وتقديره ، يدعونه. فحذف للتخفيف.
والثانى : أن تكون نكرة موصوفة ، وصفتها (يدعون).
والثالث : أن تكون مصدرية فتكون مع (يدعون) فى تأويل المصدر ، و (يدعون) أى يتمنون ويشتهون.
وأصل (يدّعون) (يدتعيون) على وزن (يفتعلون) ، من (دعا يدعو) ، فاجتمعت تاء الافتعال مع الدال فأبدل من التاء دالا ، وكان إبدال التاء دالا ، أولى من إبدال الدال تاء ، لأن التاء حرف مهموس ، والدال حرف مجهور ، والمجهور أقوى من المهموس ، فلما وجب إبدال أحدهما من الآخر ، كان إبدال الأقوى من الأضعف أولى من إبدال الأضعف من الأقوى ، لأن فى ذلك إجحافا به وإبطال ماله من الفضل على مقاربه ، ونقلت حركة الياء إلى ما قبلها ، فسكنت الياء ، والواو بعدها ساكنة ، فاجتمع ساكنان فحذفت الياء لالتقاء الساكنين ، وكان حذفها أولى ، لأن الواو دخلت لمعنى وهو الجمع ، والياء لم تدخل لمعنى ، فكان حذف ما لم يدخل لمعنى أولى ، فصار (يدعون) ووزنه (يفتعون) ، لحذف اللام منه.
__________________
(١) (ولهم فيها ما يدعون) بزيادة (فيها) فى أ ، ب.