بالغار من خوفهم ، وأنامني على فراشه. فإن قلتم : فرّ من قومه لغير خوف ، فقد كفرتم.
وان قلتم : خافهم وأنامني على فراشه ولحق بالغار من خوفهم ، فالوصيّ أعذر.
(إِذْ يَقُولُ) : بدل «ثاني». أو ظرف «لثاني».
(لِصاحِبِهِ) : وهو أبو بكر.
(لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) : بالعصمة والمعونة.
وفي الكافي (١) : حميد بن زياد ، عن محمد بن أيّوب ، عن عليّ ابن أسباط ، عن الحكم بن مسكين ، عن يوسف بن صهيب ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أقبل يقول لأبي بكر في الغار : اسكن ، فإنّ الله معنا. وقد أخذته الرّعدة ، وهو لا يسكن. فلمّا رأى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حاله قال له : تريد أن أريك أصحابي من الأنصار في مجالسهم يتحدّثون ، وأريك جعفرا وأصحابه في البحر يغوصون؟
قال : نعم.
فمسح رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بيده على وجهه ، فنظر إلى الأنصار يتحدّثون ونظر إلى جعفر وأصحابه في البحر يغوصون. فأضمر تلك السّاعة ، أنه ساحر.
(فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) : أمنته ، التي تسكن إليها القلوب.
(عَلَيْهِ) : على النبيّ.
قيل (٢) : وعلى صاحبه. وهو الأظهر ، لأنّه كان منزعجا.
وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن عبد الله بن محمّد الحجّال قال : كنت عند أبي الحسن الثّاني ، ومعي الحسن بن الجهم.
فقال له [الحسن] (٤) : إنّهم كانوا (٥) يحتجّون علينا بقول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ).
قال وما لهم في ذلك؟ [من حجّة] (٦) فو الله ، لقد قال الله :
__________________
(١) الكافي ٨ / ٢٦٢ ـ ٢٦٣ ، ح ٣٧٧.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤١٦.
(٣) تفسير العياشي ٢ / ٨٨ ـ ٨٩ ح ٥٨.
(٤) من المصدر.
(٥) ليس في المصدر.
(٦) ليس في المصدر.
(فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ). [قال ألا ترى أنّ السّكينة أنّما نزلت على رسوله] (١) وما ذكره فيها بخير.
قال : قلت له : جعلت فداك ، هكذا تقرءونها (٢)؟
قال : هكذا قرأتها.
قال زرارة : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ [عَلى رَسُولِهِ]) (٣).
ألا ترى أنّ السكينة انما نزلت على رسوله؟
وفي الجوامع (٤) ، نسب القراءة إلى الصادق ـ عليه السّلام ـ أيضا.
وفي كتاب الخصال (٥) : عن جابر الجعفيّ ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ ، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ أنه قال ، وقد سأله رأس اليهود عمّا امتحن الله به الأوصياء في حياة الأنبياء وبعد وفاتهم : يا أخا اليهود ، إنّ الله ـ تعالى ـ امتحنني في حياة نبيّنا ـ صلّى الله عليه وآله ـ في سبعة مواطن. فوجدني فيها ، من غير تزكية لنفسي بنعمة الله ، له مطيعا.
قال فيم وفيم ، يا أمير المؤمنين؟
قال : أمّا أوّلهنّ ـ إلى أن قال ـ : وأمّا الثانية ، يا أخا اليهود ، فإنّ قريشا [لم تزل تخيّل] (٦) الآراء وتعمل الحيل في قتل النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حتّى كان آخر ما اجتمعت في ذلك في (٧) يوم [الدار] (٨) دار النّدوة ، وإبليس الملعون ، حاضر في صورة أعور ثقيف. فلم تزل تضرب أمرها ظهرا [لبطن] (٩) وبطنا ، حتّى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب (١٠) من كلّ فخذ من قريش رجل ، ثمّ يأخذ كلّ رجل [منهم] (١١) سيفه ، ثمّ يأتي النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهو نائم على فراشه ، فيضربونه جميعا بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلونه. فإذا (١٢) قتلوه ، منعت قريش رجالها ولم تسلّمها. فيمضى دمه هدرا.
فهبط جبرئيل ـ عليه السّلام ـ على النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فأنبأه بذلك ،
__________________
(١) ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : تقرأها.
(٣) من المصدر ، وفي النسخ بدل ما بين المعقوفتين : قال.
(٤) جوامع الجامع / ١٧٨.
(٥) الخصال / ٣٦٥ ـ ٣٦٧.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : نزل بحيك.
(٧) ليس في المصدر.
(٨) من المصدر.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : وبطنا.
(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : تندب.
(١١) من المصدر. (١٢) المصدر : فيقتلوه وإذا.
وأخبره باللّيلة الّتي يجتمعون فيها [والساعة التي يأتون فراشه فيها] (١). وأمره بالخروج في الوقت الّذي خرج فيه إلى الغار. فأنبأني رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالخبر ، وأمرني أن أضطجع في مضجعه [وأقيه بنفسي فأسرعت إلى ذلك مطيعا له مسرورا لنفسي بأن اقتل دونه فمضى ـ عليه السّلام ـ لوجهه واضطجعت في مضجعه] (٢). وأقبلت رجال من قريش موقنة في أنفسها بقتل النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فلمّا [استووا في] (٣) البيت الّذي أنا فيه ، ناهضتهم بسيفي ، فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الله والناس (٤).
ثمّ أقبل على أصحابه فقال : أليس كذلك؟
قالوا : بلى ، يا أمير المؤمنين.
وفي احتجاجه (٥) ـ عليه السّلام ـ على أبي بكر ، قال : فأنشدك بالله ، أنا وقيت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بنفسي يوم الغار أم أنت؟
[قال : بل أنت] (٦).
وفي احتجاجه (٧) ـ عليه السّلام ـ على النّاس يوم الشّورى ، قال : فأنشدكم بالله ، هل فيكم أحد وقى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حيث جاء المشركون يريدون قتله ، فاضطجعت في مضجعه وذهب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ نحو الغار ، وهم يرون (٨) أني أنا هو. فقالوا : أين ابن عمّك؟ فقلت : لا أدري. فضربوني حتّى كادوا يقتلونني غيري؟
قالوا : اللهم ، لا.
وفي مناقبه (٩) ـ عليه السّلام ـ وتعدادها ، قال ـ عليه السّلام ـ : وأما (١٠) السّابعة ، أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنامني على فراشه حيث ذهب إلى الغار ، وسجاني ببرده.
فلمّا جاء المشركون ظنوني محمدا ، فأيقظوني وقالوا : ما فعل صاحبك؟
فقلت : ذهب في حاجة.
فقالوا : لو كان هرب ، لهرب هذا معه.
__________________
(١) من المصدر.
(٢) من المصدر.
(٣) المصدر : استوى بي وبهم.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : الله.
(٥) الخصال / ٥٤٩.
(٦) من المصدر.
(٧) الخصال / ٥٦٠.
(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : يريدون. (٩) الخصال / ٥٧٢. (١٠) ليس في المصدر.
وفي كتاب الاحتجاج (١) للطبرسيّ ـ رحمه الله ـ : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه للقوم بعد موت عمر بن الخطاب : نشدتكم بالله ، هل فيكم أحد كان يبعث إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الطّعام وهو في الغار ، ويخبره الأخبار (٢) غيري؟
قالوا : لا.
وروي (٣) : عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن الحسين بن عليّ ـ عليهما السّلام ـ أنّ عليا ـ عليه السّلام ـ قال ليهوديّ في أثناء كلام طويل : ولئن كان يوسف القي في الجبّ ، فلقد حبس محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ نفسه مخافة عدوه في الغار حتّى قال لصاحبه : (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) ومدحه [الله] (٤) في كتابه.
(وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) ، يعني : الملائكة ، أنزلهم ليحرسوه في الغار ، أو ليعينوه على العدوّ يوم بدر والأحزاب وحنين. فتكون الجملة معطوفة على قوله : «نصره الله».
(وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى).
قيل (٥) : يعني : الشّرك ، أو دعوة الكفر.
وفي تفسير العيّاشيّ (٦) : قال زرارة : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : هو الكلام الّذي يتكلّم به عتيق.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم ، ما في معناه (٧).
(وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا).
قيل (٨) : يعني : التّوحيد ، أو دعوة الإسلام. والمعنى : وجعل ذلك بتخليص الرّسول عن أيدي الكفّار إلى المدينة ، فإنّه المبدأ له. أو بتأييده إيّاه بالملائكة في هذه المواطن. أو بحفظه ونصره له حيث حضر.
__________________
(١) الاحتجاج ١ / ٢٠٤.
(٢) المصدر : بالأخبار.
(٣) الاحتجاج ١ / ٣٢٠.
(٤) المصدر : إليه بذلك.
(٥) أنوار التنزيل ١ / ٤١٦.
(٦) تفسير العياشي ٢ / ٨٩ ذيل ح ٥٨.
(٧) لم نعثر في تفسير القمي على كلام كذلك بل العبارة منقولة من تفسير الصافي ٢ / ٣٤٤.
(٨) أنوار التنزيل ١ / ٤١٦.
وقرأ (١) يعقوب : «كلمة الله» بالنّصب ، عطفا على «كلمة الّذين». والرّفع أبلغ ، لما فيه من الإشعار بأنّ كلمة الله عالية في نفسها. وان فاق غيرها ، فلا ثبات لتفوقه ولا اعتبار. ولذلك وسّط الفصل.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : هو قول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
(وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٤٠) : في أمره وتدبيره.
(انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) قيل (٣) : لقلّة عيالكم ولكثرتها. أو ركبانا ومشاة. أو خفافا وثقالا من السّلاح. أو صحاحا ومراضا ، ولذلك لمّا قال ابن أمّ مكتوم لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أعليّ أن أنفر؟ قال : نعم. حتّى نزل (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) (٤).
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : قال شبانا وشيوخا ، يعني : إلى غزوة تبوك.
(وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) : بما أمكن لكم منهما ، كليهما أو أحدهما.
(ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) : من تركه.
(إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٤١) : الخير ، علمتم أنّه خير لكم. أو إن كنتم تعلمون أنه خير ، إذ إخبار الله به صادق فبادروا إليه.
(لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً) : لو كانوا ما دعوا إليه نفعا دنيويا قريبا ، سهل المأخذ.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ يقول : غنيمة قريبة.
(وَسَفَراً قاصِداً) : متوسّطا.
(لَاتَّبَعُوكَ) : لوافقوك.
(وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) : المسافة الّتي تقطع بمشقّة.
وقرئ (٧) ، بكسر العين والشّين.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٨) : إلى تبوك.
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٤١٦.
(٢) تفسير القمي ١ / ٢٩٠.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤١٦.
(٤) النور : ٦١ والفتح : ١٧.
(٥) تفسير القمي ١ / ٢٩٠.
(٦) تفسير القمي ١ / ٢٩٠.
(٧) أنوار التنزيل ١ / ٤١٦.
(٨) تفسير القمّي ١ / ٢٩٠.
وفي كتاب التّوحيد (١) : حدّثني أبي ومحمد بن الحسن [بن أحمد بن الوليد] (٢) ـ رضي الله عنهما ـ قالا : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عبد الله بن محمّد الحجّال الأسدي ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن عبد الأعلى بن أعين ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية : [إنّهم كانوا يستطيعون] (٣) وقد كان في العلم أنّه (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً) لفعلوا.
وفي تفسير العيّاشيّ (٤) : عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السلام ـ قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ) (الآية) : أنّهم يستطيعون. وقد كان في علم الله [أنّه] (٥) «لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا» لفعلوا.
(وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ) ، أي : المتخلّفون ، إذا رجعت من تبوك مقتدرين.
(لَوِ اسْتَطَعْنا) : لو كان لنا استطاعة العدّة ، أو البدن.
وقرئ (٦) : «لو استطعنا» بضمّ الواو ، تشبيها لها بواو الضّمير في قوله : «اشتروا الضّلالة».
(لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) : سادّ مسدّ جوابي القسم والشرط. وهذا من المعجزات ، لأنّه إخبار عمّا وقع قبل وقوعه.
(يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) : بإيقاعها في العذاب. وهو بدل من «سيحلفون» ، لأنّ الحلف الكاذب إيقاع للنفس في الهلاك. أو حال من فاعله.
(وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (٤٢) : في ذلك ، لأنّهم كانوا مستطيعين للخروج.
وفي كتاب التّوحيد (٧) : حدثنا أبي ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضي الله عنهما ـ قالا : حدّثنا [سعد بن عبد الله قال : حدثنا] (٨) أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد البرقيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية.
__________________
(١) التوحيد / ٣٥١ ح ١٥.
(٢) من المصدر.
(٣) من المصدر.
(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٨٩ ح ٥٩.
(٥) من المصدر.
(٦) أنوار التنزيل ١ / ٤١٦.
(٧) التوحيد / ٣٥١ ح ١٦.
(٨) من المصدر.
قال : كذّبهم (١) الله في قولهم : (لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ). وقد كانوا مستطيعين للخروج.
(عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) : بيان لما كنّى عنه بالعفو ، ومعاتبة عليه.
والمعنى : لأي شيء أذنت لهم في القعود حين استأذنوك واعتلّوا بأكاذيب ، وهلّا توقّف؟
(حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) : في الاعتذار.
(وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) (٤٣) : فيه.
قيل (٢) : انّما فعل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ شيئين لم يؤمر بهما : أخذه الفداء (٣) ، وإذنه للمنافقين. فعاتبه الله عليهما.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول : لتعرف (٥) أهل العذر (٦) ، والّذين جلسوا بغير عذر.
وفي الجوامع (٧) : وهذا من لطيف المعاتبة ، بدائه بالعفو قبل العتاب. ويجوز العتاب من الله فيما غيره أولى ، لا سيما للأنبياء. وليس ، كما قاله جار الله ، من أنّه كناية عن الجناية. وحاشا سيد الأنبياء وخير بني حوّاء من أن ينسب إليه جناية.
وفي عيون الأخبار (٨) : عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ بإسناده إلى عليّ بن محمّد بن الجهم قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا ـ عليه السّلام ـ.
فقال له المأمون : يا ابن رسول الله ، أليس من قولك : إن الأنبياء معصومون؟
قال : بلى.
قال : فما معنى قول الله ـ عزّ وجلّ ـ إلى أن قال : فأخبرني عن قوله ـ تعالى ـ : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ).
قال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : هذا مما نزل بإيّاك أعني واسمعي يا جارة. خاطب الله بذلك نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأراد به أمّته. وكذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ :
__________________
(١) المصدر : أكذبهم.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤١٧.
(٣) المصدر : للفداء.
(٤) تفسير القمي ١ / ٢٩٤.
(٥) المصدر : تعرف.
(٦) المصدر : أهل الغدر.
(٧) جوامع الجامع / ١٧٩.
(٨) العيون ١ / ١٩٥ و ٢٠٢.
(لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (١). وقوله : (لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (٢).
قال : صدقت ، يا ابن رسول الله.
(لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) ، أي : ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوك في أن يجاهدوا. وانّ الخلص منهم يبادرون إليه ولا يوقفونه (٣) على الإذن فيه ، فضلا أن يستأذنوا في التّخلف عنه. أو أن يستأذنوك في التّخلف ، كراهة أن يجاهدوا.
(وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) (٤٤) : شهادة لهم بالتّقوى ، وعدة لهم بثوابه.
(إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ) : في التّخلف.
(الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) : تخصيص الإيمان بالله واليوم الآخر في الموضعين ، للإشعار بأنّ الباعث على الجهاد والوازع عنه الإيمان وعدم الإيمان بهما.
(وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) (٤٥) : يتحيّرون.
في كتاب الخصال (٤) : عن الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : من تردّد في الرّيب ، سبقه الأوّلون وأدركه الآخرون ووطأته (٥) سنابك الشّياطين.
وفي نهج البلاغة (٦) : قال ـ عليه السّلام ـ : من تردّد في الرّيب ، وطأته سنابك الشّياطين.
(وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ) : للخروج.
(عُدَّةً) : اهبة.
وقرى (٧) ، بحذف التّاء عند الإضافة ، كقوله : وأخلفوك عدّ الأمر الّذي وعدوا.
و «عدة» بكسر العين ، بإضافة وبغيرها.
وفي تفسير العيّاشيّ (٨) : عن المغيرة قال : سمعته يقول في قول الله : (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً).
__________________
(١) الزمر : ٦٥.
(٢) الاسراء : ٧٤.
(٣) أ ، ب ، ر : لا يوقنون.
(٤) الخصال / ٢٣٣.
(٥) قطعته.
(٦) نهج البلاغة / ٤٧٤ ذيل حكمة ٣١.
(٧) أنوار التنزيل ١ / ٤١٧.
(٨) تفسير العياشي ٢ / ٨٩ ح ٦٠.
قال : يعني : بالعدّة النيّة. يقول : لو كان لهم نيّة ، لخرجوا.
وفي كتاب الخصال (١) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال : إذا أردتم الحجّ ، فتقدّموا في شراء (٢) الحوائج ببعض يقوتكم (٣) على السّفر. فان الله يقول : (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً).
(وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ) : استدراك عن مفهوم قوله : (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ) ، كأنّه قال : ما خرجوا ، ولكن ثبّطوا. لأنّه ـ تعالى ـ كره انبعاثهم ، أي : نهوضهم للخروج.
(فَثَبَّطَهُمْ) : فحبسهم بالجبن والكسل.
(وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) (٤٦) : تمثيل الإلقاء الله ـ تعالى ـ كراهة الخروج في قلوبهم. أو وسوسة الشّيطان بالأمر بالعقود. أو حكاية قول بعضهم لبعض. أو إذن الرّسول لهم.
و «القاعدين» يحتمل المعذورين وغيرهم. وعلى الوجهين لا يخلو عن ذمّ.
(لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ) : بخروجهم شيئا.
(إِلَّا خَبالاً) : فسادا وشرّا. ولا يستلزم ذلك أن يكون لهم خبال ، حتّى لو خرجوا زادوه. لأنّ الزّيادة باعتبار أعمّ العامّ الذي وقع منه الاستثناء. ولأجل هذا التّوهم جعل الاستثناء منقطعا ، وليس كذلك لأنّه لا يكوم مفرغا.
(وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ) : ولأسرعوا ركائبهم بينكم بالنّميمة والتضريب ، أو الهزيمة والتّخذيل. من وضع البعير وضعا : إذا أسرع.
(يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) : يريدون أن يفتنوكم بإيقاع الخلاف بينكم ، أو الرّعب في قلوبكم.
والجملة ، حال ، من الضّمير في «أوضعوا».
(وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) : ضعفة يسمعون قولهم ويطيعونهم. أو نمّامون يسمعون حديثكم ، للنّقل إليهم.
(وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (٤٧) : فيعلم ضمائرهم وما يتأتى منهم.
(لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ) : تشتيت أمرك ، وتفريق أصحابك.
__________________
(١) الخصال / ٦١٧.
(٢) المصدر : شرى.
(٣) المصدر : ما يقويكم.
(مِنْ قَبْلُ) ، يعني : يوم أحد. فإنّ ابن أبي وأصحابه ، كما تخلّفوا عن تبوك بعد ما خرجوا مع الرّسول إلى ذي جدة أسفل من ثنية الوداع ، انصرفوا يوم أحد.
(وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ) : ودبّروا لك المكائد والحيل ، وزوّروا الآراء في إبطال أمرك.
(حَتَّى جاءَ الْحَقُ) : النصر والتأييد الإلهيّ.
(وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ) : وعلا دينه.
(وَهُمْ كارِهُونَ) (٤٨) ، أي : على رغم منهم.
والآيتان لتسلية الرّسول والمؤمنين على تخلّفهم ، وبيان ما ثبّطهم الله لأجله وكره انبعاثهم له ، وهتك أستارهم وكشف أسرارهم وإزاحة اعتذارهم ، تداركا لما فوت الرّسول ـ عليه السّلام ـ بالمبادرة إلى الإذن.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي) : في القعود.
(وَلا تَفْتِنِّي) : ولا توقعني في الفتنة ، أي : العصيان والمخالفة ، بأن لا تأذن لي.
وفيه إشعار بأنه لا محالة متخلّف أذنه أو لم يأذن.
أو في الفتنة بسبب ضياع المال والعيال ، إذ لا كافل لهم بعدي.
أو في الفتنة بنساء الرّوم ، لمّا يأتي في تفسير عليّ بن إبراهيم.
(أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) ، أي : انّ الفتنة هي الّتي سقطوا فيها. وهي فتنة التخلّف وظهور النفاق ، لا ما احترزوا عنه.
(وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) (٤٩) : جامعة لهم يوم القيامة. أو الآن ، لاحاطة أسبابها بهم.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : لقي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الحر (٢) بني قيس.
فقال له : يا أبا وهب ، ألا تنفر معنا في هذه الغزوة (٣) ، لعلّك أن تحتفد (٤) من بنات الأصفر (٥)؟
__________________
(١) تفسير القمي ١ / ٢٩١ ـ ٢٩٢.
(٢) المصدر : الجدّ.
(٣) المصدر : الغزاة.
(٤) المصدر : تستحفد.
حفد فلانا : خدمه ، واحتفد بمعنى : حفد.
(٥) أ ، ب : الأصغر. بنو الأصفر : الروم وقيل :
فقال : يا رسول الله ، والله ان قومي ليعلمون أنه ليس فيهم أحد أشدّ عجبا بالنّساء مني. وأخاف إن خرجت معك ، ان لا أصبر إذا رأيت بنات الأصفر. فلا تفتنّي وائذن لي أن أقيم.
وقال لجماعة من قومه : لا تخرجوا في الحرّ.
فقال ابنه : تردّ على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فتقول (١) ما تقول. ثمّ تقول لقومك : لا تنفروا في الحرّ ، والله ، لينزلنّ الله (٢) في هذا قرآنا يقرأه النّاس إلى يوم القيامة ، فأنزل الله على رسوله في ذلك (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي) (الآية) ثمّ قال الحر بن قيس (٣) : أيطمع محمد أنّ حرب الرّوم ، مثل حرب غيرهم لا يرجع من هؤلاء أحد أبدا.
(إِنْ تُصِبْكَ) : في بعض غزواتك.
(حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ) : لفرط حسدهم.
(وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ) : كسر أو شدة ، كما أصاب يوم احد.
(يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ) : يتبجّحون بانصرافهم ، واستحمدوا آراءهم في التخلّف.
(وَيَتَوَلَّوْا) : عن متحدّثهم بذلك ومجتمعهم له. أو عن الرسول.
(وَهُمْ فَرِحُونَ) (٥٠) : مسرورون.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : أمّا الحسنة ، فالغنيمة والعافية. وأما المصيبة ، فالبلاء والشّدة.
(قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا) : إلّا ما اختصّنا بإثباته وإيجابه من النصرة ، أو الشّهادة. أو ما كتب لأجلنا في اللّوح المحفوظ ، لا يتغير بموافقتكم ولا بمخالفتكم.
وقرئ (٥) : «وهل يصيبنا». وهو من فيعل لا من فعل ، لأنه من بنات الواو.
لقولهم : صاب السهم يصوب. واشتقاقه من الصواب ، لأنّه وقوع الشيء فيما قصد به.
وقيل (٦) : من الصوب.
__________________
سمّوا بذلك لأن أباهم الأول كان أصفر اللّون ، وهو روم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم.
(١) المصدر : ونقول له.
(٢) ليس في المصدر.
(٣) المصدر : الجد بن قيس.
(٤) تفسير القمي ١ / ٢٩٢.
(١ و ٦) ـ أنوار التنزيل ١ / ٤١٨.
(هُوَ مَوْلانا) : ناصرنا ومتولي أمرنا.
(وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (٥١) : لأنّ حقّهم أن لا يتوكلوا على غيره.
(قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا) : تنتظرون بنا.
(إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) : إلا إحدى العاقبتين اللّتين كلّ منهما حسنى العواقب ، النصرة والشّهادة.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ يقول : الغنيمة والجنّة.
(وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ) : أيضا إحدى السّوأيين.
(أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ) : بقارعة من السّماء.
(أَوْ بِأَيْدِينا) : أو بعذاب بأيدينا ، وهو القتل على الكفر.
(فَتَرَبَّصُوا) : ما هو عاقبتنا.
(إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) (٥٢) : ما هو عاقبتكم.
وفي نهج البلاغة (٢). قال عليّ ـ عليه السّلام ـ : وكذلك المرء المسلم البريء من الخيانة (٣) ينتظر إحدى الحسنيين : إمّا داعي الله ، فما عند الله خير له. وإما رزق الله ، فإذا هو ذو أهل ومال ، ومعه دينه وحسبه.
وفي روضة الكافي (٤) : علي بن محمد ، عن عليّ بن عبّاس ، عن الحسن بن عبد الرّحمن ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ).
قال : إمّا موت في طاعة الله ، أو إدراك (٥) ظهور إمامه (٦). ونحن نتربّص بهم مع ما نحن فيه من الشّدة (أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ) قال : هو المسخ. (أَوْ بِأَيْدِينا) وهو القتل. قال الله ـ عزّ وجلّ ـ لنبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ :
__________________
(١) تفسير القمي ١ / ٢٩٢ ، والظاهر ان السند هذا هو سند الشرح الوارد للآية السابقة.
(٢) نهج البلاغة / ٦٤ ضمن خطبة ٢٣.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : الجنابة.
(٤) الكافي ٨ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧ ذيل ح ٤٣١.
(٥) المصدر : أدرك.
(٦) المصدر : إمام.
(فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) (١). و «التربص» انتظار وقوع البلاء بأعدائهم.
(قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ) : أمر في معنى الخبر ، أي : لن يتقبّل منكم نفقاتكم ، أنفقتم طوعا أو كرها.
وفائدته المبالغة في تساوي الإنفاقين في عدم القبول ، كأنّهم أمروا بأن يمتحنوا فينفقوا وينظروا ، هل يتقبّل منهم.
قيل (٢) : وهو جواب قول حرّ (٣) بن قيس : وأعينك بمالي. ونفي التقبل يحتمل أمرين : أن لا يؤخذ منهم ، وأن لا يثابوا عليه.
وقوله : (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ) (٥٣) تعليل له على سبيل الاستئناف ، وما بعده بيان وتقرير له.
(وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ) ، أي : وما منعهم قبول نفقاتهم إلّا كفرهم.
وقرأ (٤) حمزة والكسائيّ : «أن يقبل» بالياء. لأنّ تأنيث النّفقات غير حقيقيّ.
وقرئ (٥) : «يقبل» ، على أنّ الفعل لله.
وفي أصول الكافي (٦) : محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي بكير ، عن أبي أمية ، يوسف بن ثابت قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : لا يضرّ مع الإيمان عمل ، ولا ينفع مع الكفر عمل. ألا ترى أنه قال : (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ).
محمّد بن يحيى (٧) ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضّال ، عن ثعلبة ، عن أبي أميّة ، يوسف بن ثابت بن أبي سعدة (٨) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : الإيمان لا يضرّ معه عمل ، وكذلك الكفر لا ينفع معه عمل.
وفي روضة الكافي (٩) : أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن الحسن بن
__________________
(١) المصدر : المتربّصون.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤١٩.
(٣) المصدر : جدّ.
(٤) أنوار التنزيل ١ / ٤١٩.
(٥) نفس المصدر ، والموضع.
(٦) الكافي ٢ / ٤٦٤ ح ٣.
(٧) الكافي ٢ / ٤٦٤ ح ٤.
(٨) ر : أبي سعيدة.
(٩) الكافي ٨ / ١٠٧ ، ضمن ح ٨٠.
عليّ بن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن أبي أمية ، يوسف بن ثابت بن أبي سعيدة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في حديث طويل : والله ، لو أنّ رجلا صام النّهار وقام الليل ، ثمّ لقي الله ـ عزّ وجلّ ـ بغير ولايتنا أهل البيت ، لقيه الله وهو عنه غير راض أو ساخط عليه.
ثمّ قال : وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ) (الآية).
ثمّ قال : وكذلك الإيمان لا يضرّ معه العمل ، وكذلك الكفر لا ينفع معه العمل.
وفي كتاب الاحتجاج (١) للطبرسيّ ـ رحمه الله ـ : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه : فكلّ عمل مجرى على (٢) غير أيدي أهل الأصفياء وعهودهم وحدودهم (٣) وشرائعهم وسننهم ومعالم دينهم ، مردود غير مقبول. وأهله بمحلّ كفر ، وإن شملتهم صفة الإيمان. ألم تسمع قول الله ـ عزّ وجلّ ـ (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ). فمن لم يهتد من أهل الإيمان إلى سبيل النّجاة ، لم يغن عنه إيمانه بالله مع دفع حقّ أوليائه ، وحبط عمله (٤) ، وهو في الآخرة من الخاسرين.
(وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى) : متثاقلين.
وفي كتاب الخصال (٥) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال : لا يقومنّ (٦) أحدكم في الصّلاة متكاسلا ولا ناعسا ، ولا يفكرن (٧) في نفسه. فانه بين يدي الله ـ عزّ وجلّ ـ وإنّما للعبد من صلاته ما أقبل عليها منها [بقلبه] (٨).
(وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ) (٥٤) : لأنّهم كانوا لا يرجون بهما ثوابا ، ولا يخافون على تركهما عقابا.
(فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ) : فإن ذلك استدراج ، ووبال لهم.
في مجمع البيان (٩) : الخطاب للنبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ. والمراد جميع المؤمنين.
__________________
(١) الإحتجاج ١ / ٣٦٩.
(٢) المصدر : فكل من عمل من أعمال الخير فجرى على.
(٣) ليس في المصدر.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : عملهم.
(٥) الخصال / ٦١٣.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : لا يقوم.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : لا يكفرون.
(٨) من المصدر.
(٩) مجمع البيان ٣ / ٣٩.
وقيل (١) : الخطاب للسّامع.
وفي روضة الكافي (٢) : عدّة من أصحابنا ، عن احمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبي المعزاء ، عن زيد الشّحام ، عن عمرو بن سعيد بن الهلال ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال : أوصيك بتقوى الله ، وصدق الحديث ، والورع والاجتهاد. واعلم أنّه لا ينفع اجتهاد لا ورع معه. وايّاك أن تطمح نفسك إلى من فوقك ، وكفى بما قال الله ـ عزّ وجلّ ـ لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ).
والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) : بسبب ما يكابدون لجمعها وحفظها من المتاعب ، وما يرون فيها من الشّدائد والمصائب.
(وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) (٥٥) : فيموتوا كافرين مشتغلين بالتّمتّع عن النّظر في العاقبة ، فيكون ذلك استدراجا لهم.
وأصل الزّهوق : الخروج بصعوبة.
(وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) : لمن جماعة المسلمين.
(وَما هُمْ مِنْكُمْ) : لكفر قلوبهم.
(وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) (٥٦) : يخافون منكم أن تفعلوا بهم ما تفعلون بالمشركين ، فيظهرون الإسلام تقيّة.
(لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً) : حصنا يلجئون إليه.
(أَوْ مَغاراتٍ) : غيرانا.
(أَوْ مُدَّخَلاً) : نفقا ينجحرون فيه. مفتعل ، من الدّخول.
وقرأ (٣) يعقوب : «مدخلا». من دخل.
وقرى (٤) : «مدخلا» ، أي : مكان يدخلون فيه أنفسهم. و «متدخلا» من تدخّل. و «مندخلا» من اندخل.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : قال : موضعا يلتجئون إليه.
__________________
(١) تفسير الصافي ٢ / ٣٤٩.
(٢) الكافي ٨ / ١٦٨ ح ١٨٩.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤١٩.
(٤) نفس المصدر ، والموضع.
(٥) تفسير القمي ١ / ٢٩٨.
وفي مجمع البيان (١) : قيل : أسرابا في الأرض.
(لَوَلَّوْا إِلَيْهِ) : لأقبلوا نحوه.
(وَهُمْ يَجْمَحُونَ) (٥٧) : يسرعون إسراعا لا يردّهم شيء ، كالفرس الجموح.
وقرئ (٢) : «يجمزون». ومنه الجمازة.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ) : يعيبك.
وقرأ (٣) يعقوب : «يلمزك» بالضّمّ. وابن كثير : «يلامزك».
(فِي الصَّدَقاتِ) : في فيئها.
(فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) (٥٨) ، يعني : أنّ رضاهم وسخطهم لأنفسهم لا للدّين.
و «إذا» للمفاجأة ، نائب مناب الفاء الجزائية.
وفي مجمع البيان (٤) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : إذ جاءه ابن ذي الخويصرة (٥) التّميميّ ، وهو حرقوص (٦) بن زهير أصل الخوارج. فقال : أعدل ، يا رسول الله.
فقال : ويلك ، ومن يعدل إذا لم أعدل؟! (الحديث).
إلى أن قال : فنزلت.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : نزلت لمّا جاءت الصّدقات ، وجاء الأغنياء وظنّوا أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقسمهما بينهم. فلمّا وضعها في الفقراء ، تغامزوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ولمزوه. وقالوا : نحن الّذين نقوم في الحرب وننفر معه ونقوي أمره ، ثمّ يدفع الصّدقات إلى هؤلاء الّذين لا يغنوه (٨) ولا يغنوا عنه شيئا.
وفي أصول الكافي (٩) : عليّ ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابراهيم بن
__________________
(١) مجمع البيان ٣ / ٤٠.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤١٩.
(٣) نفس المصدر ، والموضع.
(٤) مجمع البيان ٣ / ٤٠ غير مسند الى أحد من المعصومين بل أسنده إلى ابن سعيد الخدري ، وابن عباس وهكذا في نور الثقلين. ولكن في الصافي نقله من المجمع مسندا إلى الباقر عليه السلام.
(٥) المصدر : ابن أبي ذي الخويصرة.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : خرقوص.
(٧) تفسير القمي ١ / ٢٩٨.
(٨) المصدر : لا يعينوه.
(٩) الكافي ٢ / ٤١٢ ح ٤.
عبد الحميد ، عن إسحاق بن غالب قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : [يا إسحاق] (١) كم ترى أهل هذه الآية (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ)؟
قال : ثمّ قال : هم أكثر من ثلثي النّاس.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) : بما أعطاهم الرّسول من الغنيمة ، أو الصّدقة. وذكر الله للتّعظيم والتّنبيه. على أنّ ما فعله الرّسول كان بأمره.
(وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ) : كفانا فضله.
(سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) : صدقة ، أو غنيمة أخرى.
(وَرَسُولُهُ) : فيؤتينا أكثر ممّا آتانا الله.
(إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ) (٥٩) : في أن يغنينا من فضله. والآية بأسرها في حيّز الشّرط ، والجواب محذوف ، تقديره : لكان خيرا لهم.
(إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) ، أي : الزّكاة لهؤلاء المعدودين دون غيرهم.
قيل (٢) : وهو دليل على أنّ المراد باللّمز : لمزهم في قسم الزكوات دون الغنائم.
(وَالْعامِلِينَ عَلَيْها) : السّاعين في تحصيلها وجمعها.
(وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) : قوم وحّدوا (٣) الله ، ولم تدخل المعرفة في قلوبهم أنّ محمدا رسول الله. فكان رسول الله يتألّفهم ويعلّمهم لكي (٤) ما يعرفوا. فجعل الله لهم نصيبا في الصّدقات ، لكي يعرفوا ويرغبوا.
وقيل (٥) : أو أشراف يترقّب بإعطائهم ومراعاتهم إسلام نظرائهم. وقد أعطى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عيينة بن حصين والأقرع بن حابس والعبّاس بن مرداس لذلك.
وقيل (٦) : أشراف يستألفون.
وقيل (٧) : كان سهم المؤلّفة للتكثير. فلمّا أعز الله الإسلام وأهله ، سقط.
(وَفِي الرِّقابِ) : وللصرف في فكّ الرّقاب.
__________________
(١) من المصدر.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٤٢٠.
(٣) أ ، ب : وعدوا.
(٤) أ ، ب : فقط من بدل لكي.
(٥) أنوار التنزيل ١ / ٤٢٠.
(١ و ٧) ـ أنوار التنزيل ١ / ٤٢٠.
قيل (١) : العدول عن «اللّام» إلى «في» ، للدّلالة على أنّ الاستحقاق للجهة لا للرّقاب.
وقيل (٢) ، للإيذان ، بأنّهم أحقّ بها.
(وَالْغارِمِينَ) : المديونين ، الّذين وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة الله من غير إسراف.
(وَفِي سَبِيلِ اللهِ) : وللصرف في الجهاد ، بالإنفاق على المتطوّعة وابتياع الكراع والسلاح. والصّرف في جميع سبل الخير.
(وَابْنِ السَّبِيلِ) : المسافر المنقطع عن ماله.
(فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) : مصدر لما دلّ عليه الآية ، أي : فرض الله لهم الصدقات فريضة. أو حال من الضّمير المستكنّ في «للفقراء».
وقرئ (٣) ، بالرّفع. على : تلك فريضة.
(وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٦٠) يضع الأشياء في مواضعها.
قيل (٤) : وظاهر الآية يقتضي تخصيص استحقاق الزكاة بالأصناف الثمانية ، ووجوب الصّرف إلى كلّ صنف وجد منهم. ومراعاة التّسوية بينهم ، قضيّة للاشتراك.
وفي أصول الكافي (٥) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن صباح بن سيابة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أيّما مؤمن أو مسلم مات وترك دينا ولم يكن في فساد ولا إسراف ، فعلى الإمام أن يقضيه. فان لم يقضه ، فعليه إثم ذلك. إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) (الآية). فهو من الغارمين ، وله سهم عند الإمام. فإن حبسه ، فإثمه عليه.
وفي الكافي (٦) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ومحمّد بن مسلم ، إنّهما قالا لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أرأيت قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ ـ إلى قوله ـ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ). أكلّ هؤلاء يعطى إن كان لا
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٤٢٠.
(٢) نفس المصدر ، والموضع.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٤٢٠.
(٤) أنوار التنزيل ١ / ٤٢٠.
(٥) الكافي ١ / ٤٠٧ ح ٧.
(٦) الكافي ٣ / ٤٩٦ ـ ٤٩٧ ح ١.
يعرف؟
فقال : إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعا ، لأنّهم يقرّون له بالطّاعة.
قال : قلت : فإن كانوا [لا] (١) يعرفون؟
فقال : يا زرارة ، لو كان يعطي من يعرف [دون من لا يعرف] (٢) ، لم يوجد (٣) لها موضع. وإنّما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدّين ، فيثبت عليه. فأمّا اليوم ، فلا تعطها أنت وأصحابك إلّا من يعرف. فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا ، فأعطه دون النّاس.
ثمّ قال : سهم المؤلّفة قلوبهم وسهم الرّقاب عامّ ، والباقي خاصّ.
قال : قلت : فإن لم يوجدوا؟
قال : لا تكون فريضة فرضها الله ـ عزّ وجلّ ـ لا يوجد لها أهل.
قال : قلت : فإن لم تسعهم الصّدقات؟
فقال : إنّ الله فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم. ولو علم أنّ ذلك لا يسعهم ، لزادهم. إنّهم لم يؤتوا من قبل فريضة الله ، ولكن أوتوا من منع من منعهم حقّهم لا ممّا فرض الله لهم. ولو أنّ النّاس أدّوا حقوقهم ، لكانوا عائشين بخير.
عليّ بن إبراهيم (٤) ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد ، عن عبد الله بن يحيى ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ).
قال : «الفقير» الّذي لا يسأل النّاس ، و «المسكين» أجهد منه ، و «البائس» أجهدهم. فكلّ ما فرض الله ـ عزّ وجلّ ـ عليك ، فإعلانه أفضل من إسراره. وكل ما كان تطوعا ، فإسراره أفضل من إعلانه. ولو أنّ رجلا يحمل زكاة ماله [على عاتقه] (٥) فقسّمها علانية ، كان ذلك حسنا جميلا.
عليّ بن إبراهيم (٦) ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن اذينة ، عن زرارة ،
__________________
(١) من المصدر.
(٢) من المصدر.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : لم يجد.
(٤) الكافي ٣ / ٥٠١ ح ١٦.
(٥) من المصدر.
(٦) الكافي ٥ / ٢٣ و ٢٦ ـ ٢٧ صدر وقطعة من حديث ١.
عن عبد الكريم بن عتبة الهاشميّ قال : كنت قاعدا عند أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ بمكّة إذ دخل عليه أناس من المعتزلة ، فيهم عمرو بن عبيد.
ـ إلى أن قال ـ : قال ـ عليه السّلام ـ لعمرو بن عبيد : ما تقول في الصّدقة؟
فقرأ عليه الآية : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها) (الى آخر الآية).
قال : نعم ، فكيف تقسّمها؟
قال : أقسّمها على ثمانية أجزاء ، فأعطي كلّ جزء من الثّمانية جزءا (١).
قال : وإن كان صنف منهم عشرة آلاف ، وصنف منهم رجلا واحدا أو رجلين أو ثلاثة ، جعلت لهذا الواحد لما (٢) جعلت للعشرة آلاف؟
قال : نعم [قال : وتجمع صدقات أهل الحضر وأهل البوادي فتجعلهم فيها سواء قال : نعم] (٣).
قال : فقد خالفت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في كلّ ما قلت في سيرته. كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقسم صدقات أهل البوادي في أهل البوادي ، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر. ولا يقسمه بينّهم بالسّويّة ، وإنّما يقسمه على قدر ما يحضره منهم وما يرى. وليس عليه في ذلك شيء موقّت موظف ، وإنما يصنع (٤) ذلك بما يرى على قدر ما يحضره منهم. فإن كان في نفسك ممّا قلت شيء ، فالق فقهاء أهل المدينة ، فإنّهم لا يختلفون في أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كذا كان يصنع.
وفي مجمع البيان (٥) : أنّ الفقير ، هو المتعفف الّذي لا يسأل. والمسكين ، الّذي يسأل. عن ابن عبّاس.
والحسن والزهريّ ومجاهد ذهبوا إلى ، أنّ المسكين مشتق من المسكنة بالمسألة.
وروي ذلك عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ.
وقيل (٦) : إنّ الفقير ، الّذي يسأل. والمسكين ، الّذي لا يسأل. وجاء في
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : جزءه.
(٢) المصدر : مثل ما.
(٣) من المصدر.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : يصنع.
(٥) مجمع البيان ٣ / ٤١.
(٦) مجمع البيان ٣ / ٤١.