النّجم الثاقب - ج ١

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم

النّجم الثاقب - ج ١

المؤلف:

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم


المحقق: الدكتور محمّد جمعة حسن نبعة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

فلا يحتاج إلى قوله : (أو شبه) وإن قصد الاصطلاحي في كـ (ضرب) و (قام) لم يخرج مفعول ما لم يسم فاعله ، بقوله : (على جهة قيامه به) لا نه غير قائم بالفاعل ، لأن قولك (ضرب زيد) ، اللفظ للمتكلم دون زيد ولكن قد أسند إلى (زيد) والجواب : أن مراد الشيخ مدلول الفعل الاصطلاحي والضمير في (قيامه) يعود إلى ذلك المدلول ، ذكره ركن الدين (١).

قوله : (مثل قام زيد) هذا مثال إسناد الفعل ، وقوله : (زيد قائم أبوه) هذا مثال إسناد شبهه.

قوله : (والأصل أن يلي فعله) معناه أن مرتبة الفاعل بعد فعله بلا فصل ، لأنه أحد جزئي الجملة ، قدم عليه الفعل ، لئلا يلتبس بالمبتدأ ، أو لأنه كالجزء منه ، ودليل ذلك تسكين آخر الفعل له نحو : (٢) (ضربت) ، وتأنيثه مع أن الأفعال مذكرة ، وإعراب الفعل بعد الفاعل في (يضربون) وأخواته ، والإعراب إنما يكون على الآخر إن كان بالحركة ، وعقيب الآخر إن كان بالحرف ، والنسبة إليه ، نحو (كنتي) ، والنسبة إلى المركبات ، إنما هي في الأول فقط.

قوله : (فلذلك جاز «ضرب غلامه زيد») يعني لما كان أصله أن يلي فعله ، جاز أن يقال هذا المثال ، وإن كان ظاهره عود الضمير إلى غير مذكور ، لما كان رتبته التقديم ، وإن تأخر لفظا.

قوله : وامتنع (ضرب غلامه زيدا) لما كان الفاعل في رتبته لفظا ومعنى والضمير المتصل به عائد على زيد وهو متأخر لفظا ورتبة ولا بد

__________________

(١) ينظر الوافية في شرح الكافية ٤٤.

(٢) ينظر شرح المفصل لابن يعيش ١ / ٧٥.

١٨١

فيما يرجع إليه الضمير فاعلا كان أو مفعولا من أن يتقدم لفظا ورتبة ، نحو (ضرب غلامه زيد) ، فأما المتأخر لفظا ورتبة ، وهو قوله : وامتنع (ضرب غلامه زيدا) فمنع من ذلك البصريون ، لعود الضمير على غير مذكور ، وأجازها الأخفش (١) وابن جني (٢) محتجين بقوله :

[٦٩] جزى ربه عنى عديّ بن حاتم

 ... (٣)

قال نجم الدين : والأولى تجويز ذلك على قله (٤).

قوله : (وإذا انتفى الإعراب لفظا فيهما والقرينة) انتصاب (لفظا) تمييز ، أي انتفى لفظ الإعراب (٥) فيهما ، والقرينة انتصاب (لفظا) لا تقديره ، يعني أن الفاعل يلي فعله ، وليس بواجب ، وقد يعرض [ما](٦) يوجب تقديمه ، وأشياء توجب تأخيره ، وبدأ بالموجبة للتقديم ، لأنها أقرب

__________________

(١) ينظر رأي الأخفش في الهمع ١ / ١٦٠.

(٢) ينظر الخصائص ١ / ٢٩٤ حيث يقول : أما أنا فأجيز أن تكون الهاء في (ربه) عائد على (عدي) خلافا للجماعة.

(٣) البيت من الطويل ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ١٩١ وله ولأبي الأسود أو لعبد الله بن همارق ، ينظر الخصائص ١ / ٢٩٤ ، والإيضاح في شرح المفصل ١ / ١٦٠ ، وشرح الرضي ١ / ٧٢ ، وشرح شذور الذهب ١٦٨ ، وشرح ابن عقيل ١ / ٤٩٦ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٣٠ ، وخزانة الأدب ١ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨.

وعجزه :

جزاء الكلاب العاويات وقد فعل

والشاهد فيه قوله : (جزى ربه عدي) حيث عاد الضمير في الفاعل (ربه) إلى المفعول (عديّ) والمفعول متأخر لفظا ورتبة مع اتصال الفاعل المتقدم بضمير يعود على المفعول المتأخر.

(٤) ينظر شرح المصنف ٢٠ ، وشرح الرضي ١ / ٧٢.

(٥) ينظر مصادر الحاشية السابقة.

(٦) زيادة يقتضيها السياق.

١٨٢

[و ٢٠] إلى الأصل ، وهي أربعة :

الأول : اللبس ، وهو حيث ينبغي الإعراب فيهما ، والقرينة أي في الفاعل والمفعول ، وفي قوله : (فيهما) (١) ، إضمار ، لأنه لم يتقدم للمفعول ذكر ، وجوابه أن المفعول من لازمه ، فكأنه قد تقدم ذكره ، مثال انتفاء الإعراب والقرينة فيهما (ضرب موسى عيسى) فإن الإعراب منتف فيهما لفظا ، والقرينة أيضا منتفية ، لأنها على ضربين ؛ لفظية ، نحو : (وضربت الحبلى موسى) ومعنوية ، وهي حالية نحو (ضربت هذه هذه) ، مشيرا إليهما وعقلية نحو : (أكل موسى الكمثرى).

واحترز بقوله (وإذا انتفى الإعراب لفظا فيهما ، والقرينة) من أن توجد نحو : (أكل زيد أخيرا) (٢) أو أحدهما نحو (ضرب زيد عمرا) ، و (أكل موسى الكمثرى) ، فإن في هذه لا يجب فيها تقديم الفاعل لأن اللبس منتف فيها.

الثاني قوله : (أو كان مضمرا متصلا) يعني الفاعل ، نحو (ضربت زيدا) لأنه لو أخرّ لانفصل ، وهو لا يسوغ إلا لتعذر الاتصال ، واحترز بالمضمر من الظاهر ، وبالمتصل من المنفصل ، نحو (ما ضربني إلا أنت) فإنه لا يجب

__________________

(١) قال الرضي في شرحه : ١ / ٧٢ (أي في الفاعل والمفعول به الذي دل عليه سياق الكلام أي إذا انتفى الإعراب اللفظي في الفاعل والمفعول معا مع انتفاء القرينة الدالة على تمييز أحدهما عن الآخر وجب تقديم الفاعل لأنه إذا انتفت العلامة الموضوعة للتمييز بينهما أي الإعراب لمانع ، والقرائن اللفظية والمعنوية الدالة على تعيين أحدهما من الآخر ، فليلزم كل واحد مركزه ليعرفا بالمكان الأصلي لكل منهما.

(٢) هكذا رسمت الأشبه : (خبزا) ، والصواب ما أثيبتناه.

١٨٣

فيه تقديم الفاعل ، ومراده إذا كان بعد الفعل ، فأما قبله ، فيجوز (زيدا ضربت).

الثالث : قوله : (أو وقع مفعوله بعد إلا) أي مفعول الفاعل ، نحو (ما ضرب زيد إلا عمرا) وإنما وجب تقديمه ، لأن المراد به حصر الفاعل على المفعول ، فلو أخرّ لانعكس ، فأما إذا قدمته مع (إلا) على الفاعل ، نحو (ما ضرب إلا عمرا زيد) ففيه خلاف ، أجازه الكسائي (١) والفراء (٢) واحتجوا بقوله :

[٧٠] ...

وتغرس إلا في منابتها النخل (٣)

وضابط هذا الحصر ، قال نجم الدين : (٤) إنك إذا ذكرت قبل أداة الاستثناء معمولا خاصا للعامل فيما بعدها ، وجب أن يكون مما لذلك المتقدم من الفاعلية والمفعولية والحالية ، أو غير ذلك محصورا في المتأخر ، وما لذلك المتأخر من تلك المعاني باقيا على الاحتمال لم يدخل الخصوص ولا العموم ، كما إذا قلت (ما ضرب زيد إلا عمروا) فـ

__________________

(١) ينظر رأي الكسائي في شرح الرضي ١ / ٧٥ ، والهمع ٢ / ٢٦٠.

(٢) قال الفراء بخلاف رأي الكسائي وهو مع أكثر البصريين ، وذهب ابن الأنباري إلى المنع ، ينظر شرح ابن عقيل ١ / ٤٩٢ ، والهمع ٢ / ٢٦١.

(٣) البيت من الطويل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ١١٥ ، وشرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٧٢٦ ، واللسان مادة (خطط) ٢ / ١٢٠٠ وتذكرة النحاة ٣٣٤ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٣.

وصدره :

وهل ينبت الخطي إلا وشيجه

والشاهد فيه قوله : (وتغرس إلا في منابتها النخل) حيث قدم الجار والمجرور (في منابتها) على نائب الفاعل (النخل) مع أنهما محصوران بـ (إلا).

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ٧٣.

١٨٤

ضاربية زيد محصورة في (عمرو) مضروبية عمرو يجوز أن تكون لغير زيد وبالعكس ، لو قلت (ما ضرب عمرا إلا زيد) فمضروبية (عمرو) كلها مقصورة على (زيد) وضاربية زيد يجوز أن تكون لغير عمرو ، وكذا في (ما جاء زيد إلا راكبا) فمجيء زيد محصور على الركوب وحالة الركوب ، يجوز أن تكون لغير زيد (١).

الرابع قوله : (أو ومعناها [وجب تقديمه]) (٢) وهي إنما ، لأنهما مفيدتان الحصر ، نحو (إنما ضرب زيد عمرا) لأن المراد حصر الفاعل على المفعول ، كما في إلا فلو قدم لانعكس ، وبينهما فرق ، لأن المحصور لا ينفك عن المحصور عليه ، في (إنما) بخلاف (إلا) ، فإنها تتوسط بينهما ، وفي عبارته إبهام ، لأنها تعطي أنه يجب تقديم الفاعل إذا وقع المفعول عقب (إلا) وليس تحب إلا إذا كان الفاعل الذي وهو عقيب إنما ، هو مراد الشيخ (٣) لكنه من أخذه بالعبارة.

قوله : (وإذا اتصل به ضمير مفعول) يعني بالفاعل هذه الوجوه التي يجب تأخيره فيها ، الأول : حيث يتصل به ، أي بالفاعل ضمير مفعول ، نحو : (ضرب زيدا غلامه) لأنه لو قدم الضمير لعاد إلى متأخر لفظا ورتبة ، يرد عليه (ضرب زيد عمرا وغلامهما بكرا) فلو قال (مفعوله) سلم.

الثاني : قوله : (أو وقع بعد إلا) يعني أو وقع الفاعل بعد (إلا) نحو : (ما ضرب عمرا إلا زيد) وإنما وجب تأخيره (٤) لأن المراد حصر المفعول على

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ٧٣.

(٢) ما بين حاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

(٣) ينظر شرح المصنف ٢٠.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ٧٥.

١٨٥

الفاعل ، فلو قدم لانعكس (١) ، فأما لو قدمت الفاعل مع إلا ، فقلت : (ما ضرب إلا زيد عمرا) منعها البصريون (٢) [و ٢١] والمصنف وأجازها الكسائي (٣) والفراء وجماعة واحتجوا بقوله :

[٧١] ما عاب إلا لئيم فعل ذي كرم

ولا جفا قط إلا جبأ بطلا (٤)

وقوله :

[٧٢] ...

وهل يعذب إلا الله بالنار (٥)

على تقدير : (عاب) و (هجا) و (يعذب) ، وقدم الكلام بدون المفعول.

الثالث قوله : (أو معناها) وهي (إنما) نحو : (إنما ضرب عمرا زيد) فلو قدم الفاعل لانعكس أيضا ، وفي عبارته هذه ما في الأولى من الإبهام.

الرابع قوله : (أو اتصل مفعوله وهو غير متصل [به](٦) وجب

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٢٠.

(٢) ينظر شرح ابن عقيل ١ / ٤٩٢ ، وشرح المصنف ٢٠.

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ٧٥ ، وشرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٧٢٤ ـ ٧٢٥ ، والهمع ٢ / ٢٦١.

(٤) البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ، ٢ / ١٢٩ ، وينظر تذكرة النحاة ٣٣٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٩٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ٢٦١ ، وشرح الأشموني ٢ / ٥٧.

والشاهد فيه قوله : (ما عاب إلا لئيم فعل) وكذلك (وما جفا قطّ إلا جبأ بطلا) حيث قدم المحصور بإلا في موضعين.

(٥) البيت من البسيط ، وصدره :

نبئتهم عذبوا بالنار جارتهم

وهو بلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ١٣٠ ، وتذكرة النحاة ٣٣٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٩٢.

والشاهد فيه قوله : (وهل يعذب إلا الله بالنار) حيث قدم الفاعل المحصور بإلا وهو لفظ الجلالة (الله) على ما هو بمنزلة المفعول به وهو الجار والمجرور (بالنار) والتقدير : (وهل يعذب أحدا بالنار إلا الله) وهذا ما أشار له الشارح.

(٦) ما بين حاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

١٨٦

تأخيره) يعني مفعول الفاعل ، والفاعل غير متصل ، فالاسم ظاهر ، أو منفصل ، بعد إلا نحو (ضربني زيد وما ضربني إلا أنت) لأنك لو قدمت الفاعل لانفصل الضمير المفعول وهو لا يسوغ ، واحترز بقوله : (وهو غير متصل) من أن يتصل الفاعل نحو (ضربني) فإنه يجب تقديمه على المفعول.

قوله : (وقد يحذف الفعل) أتى بـ (قد) تنبيها على أن الأصل عدم الحذف ، لأنه أحد جزئيّ الجملة ، والحذف قد يكون بالنسبة إلى الفعل ، وإلى الفاعل ، وإليهما معا.

قوله : (لقيام قرينة) يعني أنه لا يحذف شيء من الأشياء إلا لقرينة ، جائزا كان أو واجبا (١).

قوله : (جوازا) نصب على المصدر ، من (يحذف) ، أي يحذف حذفا جوازا ، وكذلك (وجوبا) ، ومراده : إن حذفنا الفعل جوازا ووجوبا ، فالجواز حيث لا يمنع من اللفظ مانع ، وهو قرينة حالية ، كقولك لقوم محدقين إلى الهلال : (الهلال والله) ، أي ظهر أو بدا ، ويحتمل أن يكون (الهلال) خبر مبتدأ محذوف ، أو مبتدأ خبره محذوف ، ومقالية في جواب نفي ، أو استفهام ، أو كلام يشعر به ، فالنفي قولك : بلى زيد ، لمن قال : (ما قام أحد) ، والاستفهام ، (زيد) لمن قال : (هل قام أحد)؟ واعترض نجم الدين (٢).

قوله : (زيد لمن قال : من قام)؟ بأن الظاهر أنه مبتدأ لوجهين ، أحدهما : أن الأولى في الجواب مطابقة السؤال ، وهو من قام؟

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ٧٦ ، والعبارة منقولة عنه دون أن يعزوها الشارح إليه.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ٧٦.

١٨٧

الثاني : أن السؤال عن القائم ، لا عن الفعل ، فالأهم ، تقدم المسؤول عنه ، فالأولى في المثال (إن لا حظية فلا ألية) بالرفع أي إلا يكن لك حظّية من النساء ، فإني لا ألية ، أي غير مقصرة فيما تحظى به النساء عند أزواجهن من الخدمة والتصنع (١) ، و (كان) تامة أو ناقصة ، و (لا) لنفي الجنس ، أو بمعنى (ليس) ، وكلا التقديرين ضعيف لأن شرط الجنسية هنا التكرير والتي بمعنى (ليس) عملها ضعيف ، وروي النصب فيهما على تقدير (إن لا أكن حظية ، فلا أكن ألية) و (كان) ناقصة ، والكلام المشعر به قوله : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ)(٢) على بيانه لما لم يسم فاعله ، كأن قائلا قال من يسبحه؟ فقال رجال ، ولا يصح أن يكون رجال فاعلين ليسبح ، لأن يؤدي إلى أن يكونوا مسبحين (٣).

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ٧٦ وقولهم هو : (إلا حظية فلا ألية) قال الزمخشري في المفصل ٢٣ ، ومنه المثل (إلا حظية فلا ألية) أي إن لا تكن لك في النساء حظية فإني غير الية) وهذا ما ذهب إليه سيبويه في الكتاب ١ / ٢٦٠ ـ ٢٦١ قال : كأنها قالت في المعني : إن كنت ممن لا يحظى عنده فإني غير ألية ولو عنت بالحظية نفسها لم يكن إلا نصبا إذا جعلت الحظية على التفسير الأول ، وينظر الإيضاح في شرح المفصل ١ / ١٧٨ ، واللسان مادة (حظا) ٢ / ٩٢٠ ، حيث ضبطه بالنصب فحسب (إلا حظية فلا ألية) ومجمع الأمثال ١ / ١٣.

(٢) سورة النور الآية ، ٢٤ / ٣٦ ـ ٣٧ وتمامها : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ [٣٦] رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ.)

قرأ الجمهور (يسبح) بكسر الباء بالياء من تحت ، وابن وثاب وأبو حيوة كذلك ، إلا أنه بالتاء من فوق ، ونافع وابن عمر وأبو عمرو وحمزة يقرؤون بكسر الباء ، وقرأ أبو جعفر تسبّح بالتاء من فوق وفتح الباء ، ينظر القرطبي ٥ / ٤٤٦٧ ، والبحر المحيط ٦ / ٤٢١ ، والكشف ٢ / ١٣٩ وحجة القراءات لابن زنجلة ٥٠١ ، والسبعة في القراءات ٤٥٦.

(٣) ينظر شرح المصنف ٢٠ ـ ٢١.

١٨٨

قوله : (و...

[٧٣] ليبك يزيد ضارع (١) لخصومه

 ...

كأن قائلا قال من يبكيه؟ فقيل ضارع وهو الذليل ، والمختبط أصله المتعرض للسؤال من غير وسيلة ، والطوائح : المهالك.

والبيت للحارث بن نهيك ، وقيل ضارع فاعل ليبك ، ويزيد منادى ، ورجال مبتدأ ، وحذف الفعل جائز إذا لم يذكر المفعول مع الفاعل ، فأما إذا ذكر نحو (زيد عمرا) ، جواب في نحو (هل ضرب أحد أحدا) فمنعها سيبويه (٢) ، لأن الحذف يجوز فيضعف ، وتعدد عمله يشعر بقوته ، وأجازها غيره.

قوله : (ووجوبا) وذلك حيث يمنع من اللفظ به مانع وهو كل موضوع دخل فيه ما يختص بالفعل من حرف شرط أو غيره على الاسم ، وفسر

__________________

(١) البيت من الطويل وهو للحارث بن نهيك في الكتاب ١ / ٢٨٨ كما نسب لنهشل بن حري ، وللبيد ، ولمزرد ولغيرهم ، ينظر شرح أبيات سيبويه ١ / ١١٠ ، والمقتضب ٣ / ٢٨٢ ، والخصائص ٢ / ٣٥٣ ، وشرح شواهد الإيضاح ٩٤ ، والمقتصد في شرح الإيضاح ١ / ٣٥٤ ، وشرح المفصل ١ / ٨٠ ، والإيضاح في شرح المفصل ١ / ١٧٣ ، وشرح المصنف ٢١ ، وشرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٧٠٤ ، ومغني اللبيب ٨٠٧ ، والبحر المحيط ٤ / ١٢٢.

وعجزه :

ومختبط مما تطيح الطوائح

والشاهد فيه قوله : (ضارع) فاعل ، أي يبكيه ضارع ويزيد نائب فاعل أما من بنى ليبك للمعلوم وأعرب ضارع فاعلا فإعراب يزيد عندئذ منادى محذوف الأداة وذكر ابن يعيش في شرح المفصل أن الأصمعي رواه على بنية الفاعل ولا شاهد فيه على هذه الرواية وقد نوه الشارح لهذه الرواية.

(٢) ينظر الكتاب ١ / ٢٨٩.

١٨٩

بفعل متاخر وذلك نحو (إن) ، و (لو) و (إذا) و (هل) على كلام البصريين (١). [ظ ٢١]

قوله : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ)(٢) تقديره : إن استجارك أحد ؛ لأن حرف الشرط لا يدخل إلا على فعل ظاهر أو مقدر ، ولكن حذف لدلالة الثاني عليه ، لأنهم لا يجمعون بين المفسّر والمفسّر.

وقوله : (لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ)(٣) وقولهم : (لو ذات سوار لطمتني) (٤) و (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ)(٥) و (هل زيد قام)؟ وقال الجرمي ارتفع ما بعد هذه على الابتداء وما بعدها الخبر (٦) وروي عن سيبويه تجويز الابتداء والفاعل (٧).

قوله : (ويحذفان معا) يعني الفعل والفاعل ، أما حذف الفاعل وحده ، فمنعه البصريون (٨) والفراء (٩) مطلقا ، ما خلا فاعل المصدر ، والمفرغ ،

__________________

(١) ينظر الإنصاف ٢ / ٦١٦ المسألة رقم ٨٥ وهي عامل الرفع في الاسم المرفوع بعد إن الشرطية ، وابن يعيش ١ / ٨٢.

(٢) التوبة ٩ / ٦ وتمامها : (فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ.)

(٣) الإسراء ١٧ / ١٠٠ وهي (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا) وفيها حذف الفعل بعد لو وأنتم فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور.

(٤) ينظر في شرح هذا المثل شرح الرضي ١ / ٧٧ ، وشرح المفصل لابن يعيش ١ / ٨٢ ، واللسان مادة (لطم) والكامل ٣ / ٤٤٠ ، والمغني ٢٩٦ ، ومجمع الأمثال ٢ / ١٧٤.

(٥) الانشقاق ٨٤ / ١.

(٦) ينظر شرح الرضي ١ / ٧٧.

(٧) ينظر الكتاب ٢ / ١٢١ وما بعدها.

(٨) ينظر شرح التسهيل السفر الثاني تكملة بدر الدين ٢ / ٩١٦ ، وشرح عمدة الحافظ ١٠٩ ـ ٣٢٩.

(٩) ينظر معاني القرآن للفراء ١ / ٤٢٢ وما بعدها.

١٩٠

نحو (ما قام وقعد إلا زيد) و (ما قام وقعد إلا أنت) وأجازه الكسائي مطلقا (١) كما أجازه في التنازع نحو (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ)(٢) أي شيء وقوله :

[٧٤] إذا اكتحلت عينى بعينك مسها

بخير وجلّى غمرة عن فؤاديا (٣)

أي الاكتحال ، وأما حذفهما (٤) معا وذلك من حصول قرينة ، كقولك (أقام زيد) و (أزيد قام) نقول نعم ، تقديره ، نعم قام زيد ، ونعم زيد قام ، فلولا ما تقدم من القرينة لم تكن نعم مفيدة ، لأنه حرف لا يفيد إلا مع جملة فعلية ، أو اسمية (٥) ، وينبغي أن يكون المقدر بعدها مطابقا لقرينة الاسمية أو الفعلية ، لأن الأولى مطابقة الجواب للسؤال.

__________________

(١) ينظر الإنصاف ٢ / ٥٥٠ ، وشرح التسهيل السفر الثاني تكملة ٢ / ٩١٦ وشرح الرضي ١ / ٧٧.

(٢) الأنعام ٦ / ٣٤ ، وتمامها : (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ.)

(٣) البيت للمجنون وهو من البحر الطويل ، ينظر ديوان المجنون ٨٥.

والشاهد فيه قوله : (مسها) ويروى لم تزل ويفوت الاستشهاد بهذه الرواية لأن التقدير مسها الاكتحال كما ذكر الشارح وهو فاعل مقدر.

(٤) في الأصل (حذفها) وهو تحريف.

(٥) ينظر شرح المصنف ٢١ ، وشرح الرضي ١ / ٧٧ والعبارة مأخوذة من شرح المصنف دون عزو إليه.

١٩١

التنازع

قوله : (وإذا تنازع الفعلان) كيفية التنازع ، أن يجتمع عاملان أو أكثر على معمول واحد ، كل واحد منهما يجوز أن يعمل فيه.

قوله : (الفعلان) كان الأولى أن يقول : العاملان فصاعدا معمولا أو أكثر ليدخل الفعلان والاسمان ، نحو (ضربت وأكرمت زيدا) أو (أنا ضارب ومكرم زيدا) قال تعالى : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ)(١).

وقال كثير :

[٧٥] قضى كل ذي دين فوفّى غريمه

وعزة ممطول معّنى غريمها (٢)

وليدخل فصاعدا ، الاثنين ، الثلاثة ، نحو (ضربت وأكرمت وأهنت زيدا) قال الكسائي :

__________________

(١) الحاقة ٦٩ / ١٩ ، تمامها : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ.)

(٢) البيت من الطويل ، وهو لكثير في ديوانه ١٤٣ ، وينظر شرح شواهد الإيضاح ٩٠ ، والمقتصد في شرح الإيضاح ١ / ٣٤٠ ، والإنصاف ١ / ٩٠ ، وشرح المفصل ١ / ٨ ، ولسان العرب مادة (غرم) ٥ / ٣٢٤٧ ، وأوضح المسالك ٢ / ١٩٥ ، وشرح شذور الذهب ٤٢٦ ، وهمع الهوامع ٥ / ١٤٧ ، وخزانة الأدب ٥ / ٢٢٣.

والشاهد فيه قوله : (ممطول معنى غريمها) حيث تنازع عاملان اسمان ، وهما ممطول ومعنى معمولا واحدا وهو غريمها.

١٩٢

[٧٦] كساك ولم تستكسه فاشكرن له

أخ لك يعطيك الجزيل وناصر (١)

والتاء الزائدة على الثلاثة ، فقيل لا يجوز ، وقيل يجوز : لوروده في الجار والمجرور نحو (كما صليت وباركت ، وترحمت ، وتحننت ، وسلمت على إبراهيم) (٢) وليدخل بأكثر المعمولات والثلاثة ، نحو : (أعطيت وكسوت زيدا جيبه) و (أعلمت وأنبأت زيدا عمرا قائما) وفيه مذاهب ، أجازه المازني وغيره مطلقا ، ومنهم من منعه ، وأجازه الجرمي (٣) في الاثنين دون الثلاثة ، لأنه لم يسمع في الثلاثة ، وباب التنازع خارج عن القياس.

قوله : (ظاهرا) يحترز من المضمر فإنه لا يصح فيه التنازع ، وهو ضعيف ، لأن ظاهر كلامه المنع في المضمر مطلقا ، وأنت تقول : إن كان المضمر متصلا ، فهو معمول لما اتصل به لأنه كالجزء منه ولا تنازع فيه ، مرفوعا كان ، أو منصوبا أو مجرورا ، وإن كان منفصلا فإن كان منصوبا أو مجرورا ، منصوب المحل جاز فيه التنازع (٤) ، نحو (ما ضربت وأكرمت إلا إياك) و (ما قمت وقعدت إلا بك) وإن كان مرفوعا ، نحو (ما قام وقعد إلا أنا) وأجازه بعضهم ، ومنعه الأكثر ، واختاره المصنف (٥) ، لأن من شرط

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه ١٦٦ ـ ٣٠٩ ، وينظر حماسة البحتري ١٤٩ ، وسمط اللالئ ١٦٦ ، وخزانة الأدب ١ / ٢٧٤.

والشاهد فيه قوله : (كساك ولم تستكسه فاشكرن له أخ) حيث تنازع ثلاثة عوامل وهي كساك ولم تستكسه فاشكرن معمولا واحدا وهو أخ فاعمل الأول في هذا المعمول.

(٢) التنازع هنا التأثير في الجار والمجرور وهو (على إبراهيم) وقد تنازع خمسة أفعال العمل في الجار والمجرور.

(٣) ينظر رأي الجرمي في الهمع ٥ / ١٤٦.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ٧٨.

(٥) ينظر شرح المصنف ٢١.

١٩٣

التنازع الإضمار في الملغى ضميرا يعود إلى التنازع سواء أعملت الثاني أو الأول ، وأنت في هذه الصورة ، إن أعملت أضمرت الفاعل مع إلا قلت : (ما قام إلا أنا ، وقعد إلا أنا) بقي الضمير منفصلا كالمتنازع ؛ لأنه لا يصح الاتصال مع بقاء إلا ، واقتضاء كل واحد من العاملين معمولا وحده ، ولا يصح التنازع إلا في معمول واحد ، وإن أضمرت مع حذفها ، تعين لفظ المسألة ، ومعناها مثاله : (ما قمت وقعد إلا أنا) أو (ما قام وقعدت إلا أنا) أما اللفظ فلأن [و ٢٢] من شرط الاستثناء أن يكون من متعدد لفظا أو تقديرا ، ولا متعدد في هذه الصورة ، لا لفظا ولا تقديرا ، وأما المعنى ، فلأن القيام والقعود يصيران منفيين عنه بعد ما كانا مثبتين قبل الاستثناء وشرط باب التنازع أن لا يختلف المعنى بالإضمار في الملغى (١) وإذا بطل تنازع في هذا وأمثاله ، كان (إلا أنا) فاعل ، وحذف الفاعل الأول لدلالة الثاني عليه (٢) ولكن لأي الفعلين يكون الموجود فاعلا ، فقيل للثاني لجوازه ، وقيل للأول ، لأن من حق الدليل أن يتقدم على المدلول ، وكذلك الظاهر الواقع هذا الموقع نحو : (ما قام وقعد إلا زيد) ، حكمه حكم (ما قام وقعد إلا أنت).

قوله : (بعدهما) قال نجم الدين : (٣) لا حاجة إليه ، لأنهما يتنازعان ما هو قبلهما إذا كان منصوبا نحو : (زيدا ضربت وقتلت) و (إياك ضربت وأكرمت) انته.

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ٧٨ (هذه العبارة منقولة من الصفحة ١ / ٧٨ ، مع شيء من التصرف دون عزو من الشارح لذلك).

(٢) ينظر المصدر السابق.

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ٧٨.

١٩٤

وفيه تفصيل : إن تأخر المعمول [على](١) العاملين صح التنازع ، وإن توسط بينهما فقال جمهور النحاة : (٢) إنه معمول للمتقدم ، ولا يصح فيه التنازع ، لأنه يلزم اعتبار الضعيف مع وجود القوي ، وأجازه الفارسي (٣) لأن الفعل المتصرف يجوز أن يعمل فيما قبلة ، إذا لم يمنع مانع ، وإن تقدم عليها معا ، فالأكثر منعوا ، وأجاز نجم الدين (٤) وغيره التنازع ، وفرقوا بين المتوسط وبينه ، بأنهما قد انحطت رتبتهما معا ، فلا مانع من اعتبار الأضعف مع الضعيف ، كما أجاز اعتبار القوي مع الأقوي ، حيث يتأخر وصح في كلام الشيخ إبهامات : هي أنه لا يصح إلا في الفعلين لا غيره ، ولا يصح في المشتقات ، ولا يكون إلا ظاهرا فقط ، ولا يكون إلا واحدا ولا يكون إلا بعدهما ، وفي كل منهما يجوز خلاف ما ذكره.

وقد ذكرت للتنازع شروط ستة ، ثلاثة ترجع إلى العاملين وثلاثة إلى المعمولين ، أما التي ترجع إلى العاملين ، فالأول صلاحيتهما جميعا للعمل في التنازع ، خرج ما لا يصح إما لأن أحدهما لازم كقولك (قام زيد) و (ضربت عمرا) فإن (قام) لا تستدعي مفعولا ، أو للتأكيد نحو (قام قام زيد) أو لتغيير المعنى ، كقولك (سقيتها وعلفتها تبنا) (٥) ، وقوله :

[٧٧] ...

كفانى ولم أطلب قليل من المال (٦)

__________________

(١) كذا والأشبه [عن].

(٢) نظر الهمع ٥ / ١٤٤.

(٣) ينظر همع الهوامع ٥ / ١٤٤.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ٧٩.

(٥) إشارة إلى البيت :

علفتها تبنا وماء باردا

حتى غدت همّالة عيناها

(٦) البيت من البحر الطويل ، وهو لامرئ القيس في ديوانه ٣٩. وصدره :

١٩٥

الثاني : أن لا يمنع مانع من توجهه إليه ، وهو حيث لا يتصرف في معموله بتقديم ، ولا تأخير ، ولا فصل ، كالتعجب ، و (نعم) و (بئس) و (إنّ) وأخواتها ، لا تقول : إنّ ثمّ تنازعا ، في (ما أحسن وأكمل زيدا) لأنك إن أعملت الأول أدى إلى الفصل بين العامل ومعموله ، وإن أعملت الثاني أدى إلى إضمار المفعول قبل الذكر ، أو حذفه ، ولذلك لا يجوز (إنّ ولعل زيدا قائم) و (لا ضربت وإنّ زيدا قائم) لأنه لا يعمل ما قبلهما فيما بعدها ولا العكس.

الثالث : أن يكون بين العاملين ارتباط إما بعطف كـ (قام وقعد زيد) أو بغيره ، نحو : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً)(١) فإن لم يكن ارتباط لم يصح ، نحو : (ضربت أكرمت زيدا).

وأما التي ترجع إلى المعمول ، فالأول : أن يكون المتنازع ظاهرا ، وقد تقدم فيه الخلاف ، وما عداه ضميرا لغير العامل راجعا إلى المتنازع ، ملفوظا به أو مقدرا ، يخرج من هذا الباب ما لا يصح إضماره ، كالحال ، والتمييز ،

__________________

فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة

وينظر الكتاب ١ / ٧٩ ، والمقتضب ٤ / ٧٦ ، والخصائص ٢ / ٣٨٧ ، والإنصاف ١ / ٨٤ ، وابن يعيش ١ / ٧٨ ، وشرح المصنف ٢٢ ، وشرح الرضي ١ / ٨١ ـ ٨٢ ، ومغني اللبيب ٣٣٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٤٢ ، ٢ / ٨٨٠ ، وشرح الشذور ٢٥١ ، وهمع الهوامع ٥ / ١٤٤ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٢٧ ـ ٤٦٢.

الشاهد فيه قوله : (كفاني ولم أطلب قليل من المال) حيث تقدم عاملان وتأخر معمول واحد وهو قليل من المال والمصنف يعتبر هذا البيت ليس من باب التنازع ، لأنه لا يصح تسلط كل واحد من الفعلين على المعمول المتأخر محافظة على المعنى المراد.

(١) الكهف ١٨ / ٩٦ ، وتمامها : (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ ... آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً.)

١٩٦

وسائر النكرات التي لا يصح إضمارها أبدا ، ومن ذلك أن يكون في المعمول ضمير يعود على مبتدأ ، أو موصول ، أو موصوف ، أو ذي حال لا يحذف عائدها ولا يغني عنه عائد المعمول المتنازع ، نحو : (زيدا ضرب ثم أكرم أخاه) إذا طلبت إعمال أحدهما أضمرت في الثاني ، وقلت (زيد أضربه ثم أكرم أخاه) أو (زيد اضرب ثم أكرمه أخاه) فأنت تطلب ضميرين فإن جعلت هذا من [ظ ٢٢] التنازع بقي المبتدأ بلا عائد ، وإن جعلته للمبتدأ بقي المتنازع بلا ضمير ، فلا يصح هذا الباب ، وما جاء [نسبة](١) في التنازع ، بل يكون من باب واحد ، فالمفعول الأول ، أو العائد ويجب إظهاره ، ولهذا منع الجمهور في :

[٧٨] ...

وعزه ممطول معنّى غريمها (٢)

أن يكون من التنازع.

الثاني : أن يكون المعمول المتنازع بعد العاملين ، وقد تقدم فيه الخلاف.

الثالث : أن يكون المعمولان متحدين مثل (ضربني زيد وضربته) أو متماثلين نحو : (كان زيد قائما ، وكان عمرو قائما) وفي هذا تفصيل ، وهو أن يقول : إن كان المعمولان متحدين جاز التنازع ، قيل (ضربني زيد وضربته) وإن كانا متغايرين ، فإن تماثلا مثل (كان زيد قائما) ، و (كان عمرو قائما) فإن (قائما) متماثل فيهما ، فأجاز التنازع بعضهم ومنعه البعض (٣) ، لأن تفسير الشيء بما يماثله قليل ، وهذا باب يجوّز ، فلا يجمع

__________________

(١) هكذا رسمت ولم أتبين مراده.

(٢) سبق تخريجه وهو برقم ٧٥.

(٣) ينظر الإنصاف ٢ / ٦١٥.

١٩٧

بين تجويزين ، وقال بعضهم : إن طابق تثنية وجمعا ، وتذكيرا ، أو تأنيثا جاز وإلا لم يجز ، وإن اختلفا لم يجز التنازع ، سواء اختلفا لفظا ، أو معنى ، نحو :(ضربت زيدا وضربت عمرا) أو معنى فقط نحو (ثنيت العطاء (١) وسكبت الغطاء (٢)) الأول : للنار ، والثاني : للمكان وأجازه بعضهم في المختلفين معنى.

قوله : (فقد يكون في الفاعلية مثل ضربني وأكرمني زيد) ظاهر كلامه العموم في الفاعل ، وسائر المرفوعات ، والأظهر أن لا يجوز إلا في الفاعل ، أو مفعول ما لم يسم فاعله ، واسم كان وأخواتها ، وأما المبتدأ والخبر واسم ما ولا المشبهتين بليس ، وخبر لا التي لنفي الجنس ، فلا يجوز.

قوله : (وفي المفعولية ، مثاله : (ضربت وأكرمت زيدا) والظاهر هنا أيضا العموم ، وليس كذلك ، وإنما يجوز في المفعول المطلق ، وبه ، وفيه ، وفي غيرهما لا يجوز ، لضعف دلالة الفعل عليها ، ولامتناع الإضمار في بعضها ، كالحال والتمييز.

قوله : (وفي الفاعلية والمفعولية مختلفين) وذلك حيث يطلبه العامل الأول فاعلا ، والثاني مفعولا أو العكس ، مثاله : (ضربني وأكرمت زيدا) و (ضربت وأكرمني زيد) و (مختلفين) حال من الفعلين في قوله : وإذا تنازع الفعلان.

قوله : (ويختار (٣) البصريون إعمال الثاني ، والكوفيون الأول) لا

__________________

(١) ينظر مادة (ثنى) لسان العرب ١ / ٥١٣.

(٢) ينظر مادة (سكب) لسان العرب ٣ / ٢٠٤٥.

(٣) في الكافية المحققة الفاء بدل الواو في قوله : (فيختار).

١٩٨

خلاف بينهم في جواز إعمال أيّ الفعلين شئت؟ خلافا للفراء في بعض المسائل ، ولكن ما المختار؟ فاختار البصريون (١) الثاني والكوفيون الأول (٢) وبعض النحاة سوّى بين المذهبين ، حجة البصريين السماع والقياس.

أما السماع ، فآيات وأبيات أما الآيات فقوله تعالى : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً)(٣) فلو أعمل الأول لقال أفرغه ، وقوله : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ)(٤) فلو أعمل الأول لقال يفتيكم فيها في الكلالة.

و (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ)(٥) فلو أعمل الأول لقال : اقرؤوه. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا)(٦) فلو أعمل الأول لقال : كذبوا بها بآياتنا و (تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ)(٧) فلو أعمل الأول يستغفر لكم إلى رسول الله ، إلى غير ذلك من الآيات ، وأما الأبيات قوله :

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٢١ ، شرح الرضي ١ / ٧٩ ، وشرح المفصل ١ / ٧٧ وما بعدها ، والإنصاف ١ / ٨٣ وما بعدها مسألة ١٣ [القول في أولى العاملين بالعمل في التنازع] ، وينظر رأي الفراء في تذكرة النحاة ٣٤٤.

(٢) ينظر شرح المصنف ٢١ ـ ٢٢ ، وشرح الرضي ١ / ٧٩.

(٣) الكهف ١٨ / ٩٦.

(٤) النساء ٤ / ١٧٦ ، وتمامها : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ ... وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.)

الكلالة : مصدر من تكلله النسب أي أحاط به. والكلالة : من القرابة ما خلا الوالد والولد ، قال الفراء : وهو في حديث جابر عند مسلم ، فكل من مات ولا والد له ولا ولد فهو كلالة ورثته ، وكل إرث ليس بوالد للميت ولا ولد فهو كلالة موروثة ، وهذا مشتق من جهة العربية موافق للتنزيل والسنة ، ينظر اللسان مادة كلل ، وتفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن ٢ / ١٦٤٦ وما بعدها. وتفسير البحر المحيط ٣ / ٤٢٢.

(٥) الحاقة ٦٩ / ١٩ وتمامها : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ.)

(٦) التغابن ٦٤ / ١٠ ، وتمامها : (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.)

(٧) المنافقون ٦٣ / ٥ وتمامها : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ

١٩٩

[٧٩] ...

جرى فوقها واستشعرت لون مذهب

بنصب لون ، فلو أعمل الأول لرفعه ، وأضمر المفعول في استشعرت ، وقوله :

[٨٠] ولكنّ نصفا لو سببت وسبنى

بنو عبد شمس من مناف وهاشم (١)

ولو أعمل الأول لقال : سبوني بني عبد شمس ، بنصب (بني) ، وقوله :

[٨١] ولقد أرى تغنى به سيفانة

تصبى الحليم ومثلها أصباه (٢)

__________________

وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ.)

(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو الفرزدق في ديوانه ٢ / ٣٠٠ ، او ينظر : الكتاب ١ / ٩٧ ، وشرح أبيات ١ / ١٩١ ، والمقتضب ٤ / ٧٤ ، وأساس البلاغة ٤٥٩ ، والإنصاف ١ / ٨٧ ، وشرح المفصل ١ / ٧٨ ، وتذكرة النحاة ٣٤٥ ، وقد روي في الديوان (ولكن عدلا). ومعنى نصفا أي عدلا.

الشاهد فيه قوله : (لو سببت وسبني بنو عبد شمس) ، حيث تنازع عاملان هما ، قوله : سببت وسبني معمولا واحدا هو بنو عبد شمس فأعمل الثاني فيه ، وأعمل الأول في الضمير التاء ، ولو أعمل الأول لقال : سبوني بني عبد شمس بنصب بني ، وهذا يدل على أن إعمال العامل الثاني في باب التنازع جائز.

(٣) البيت من البحر الكامل وهو لو علة الجرمي كما في شرح أبيات سيبويه ١ / ٢٥٨ وله أو

٢٠٠