الدكتور لبيب بيضون
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٠٠
وأبي القاسم البغوي ، وغيرهما ؛ لم يذكر أحد منهم أن رأس الحسين عليهالسلام حمل إلى عسقلان ، ولا إلى القاهرة.
٣ ـ وقد دفن بدن الحسين عليهالسلام في مصرعه بكربلاء ، ولم ينبش ولم يمثّل به. فلم يكونوا يمتنعون من تسليم رأسه إلى أهله ، كما سلّموا بدن ابن الزبير إلى أهله. وإذا تسلّم أهله رأسه ، فلم يكونوا ليدعوا دفنه عندهم بالمدينة المنورة ، عند عمّه وأمه وأخيه مقرّبا من جده صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويدفنوه بالشام حيث لا أحد إذ ذاك ينصرهم على خصومهم!. هذا لا يفعله أحد.
في كربلاء
٦٥٣ ـ مدفن الرأس الشريف في كربلاء :
قال الشيخ محمّد الصبان في (إسعاف الراغبين) ص ١٩٧ :
وذهبت الإمامية إلى أنه أعيد إلى الجثة ، ودفن بكربلاء بعد أربعين يوما من المقتل. وقال المنّاوي في (طبقاته) : ذكر لي بعض أهل الكشف والشهود أنه حصل له اطلاع على أنه دفن مع الجثة بكربلاء.
وقال الطريحي في (المنتخب) ص ٣٨ ط ٢ :
زار الإمام الصادق عليهالسلام قبر الحسين عليهالسلام ، فسأله أحد أصحابه : يابن رسول الله ، أليس رأس الحسين عليهالسلام بعث إلى الشام إلى يزيد؟. فقال : بلى ، ولكن رجلا من موالينا اشتراه من بعد موت يزيد ، وأتى به إلى هذا الموضع ، ودفنه هنا.
النتيجة :
(أقول) : يمكن اعتبار أغلب الروايات السابقة صحيحة ، مع ملاحظة ما يلي :
١ ـ إن بعض المشاهد التي ذكر أن فيها رأس الحسين عليهالسلام هي مشاهد وضع فيها الرأس الشريف أثناء تجواله في الآفاق ، وذلك وفق ما ذكره ابن شهر اشوب في (مناقبه) ج ٣ ص ٢٣٥ ط نجف ، حيث قال :
ومن مناقب الحسين عليهالسلام : ما ظهر من المشاهد التي يقال لها مشهد الرأس ؛ من كربلاء إلى عسقلان ، وما بينهما في الموصل ونصيبين وحماة وحمص ودمشق وغير ذلك. اه
فهذه مشاهد ، وليست مراقد.
وإذا تذكرنا الدوافع السياسية ، عرفنا لماذا حاول الفاطميون مثلا إيهام الناس بأن رأس الحسين عليهالسلام كان مدفونا في عسقلان ، ثم نقلوه إلى القاهرة. وعرفنا لماذا ناضل ابن تيمية لتكذيب دعواهم ، لأنه كان من أكبر أعدائهم.
ففي اعتقادي أن الّذي في (عسقلان) هو مشهد للرأس وليس مدفن له. فنكون بذلك قد نفينا دعوى وجود الرأس في عسقلان أو القاهرة. كما ألمح إليه العلامة الأمين عليه الرحمة.
٢ ـ يمكن القول إن رأس الحسين عليهالسلام لم يردّ إلى كربلاء دفعة واحدة ، بل إنه تنقّل في عدة مدافن ، كان آخرها مدفنه الشريف مع الجسد المقدس في كربلاء. فيمكن أنه دفن في المدينة المنورة ، ثم نقل إلى كربلاء. ويمكن أنه دفن بالكوفة عند قبر أمير المؤمنين عليهالسلام أو في ظاهرها ، ثم نقل إلى كربلاء. ويمكن أن سليمان بن عبد الملك دفنه في دمشق عند باب الفراديس الثاني ، ثم نقله عمر ابن عبد العزيز إلى مقابر المسلمين ، ثم نقله هو أو غيره إلى كربلاء.
والذي يغلب في ظني ـ إذا استبعدنا كون الإمام زين العابدين عليهالسلام أخذ معه الرأس من يزيد فدفنه في كربلاء ـ أن ردّ الرأس إلى الجسد المقدس في كربلاء تمّ بعد موت يزيد ، لأن يزيد كان مهتما جدا بالاحتفاظ بالرأس ، حتى أنه لم يرض أن يريه لزين العابدين عليهالسلام فكيف به يعطيه إياه. ولعل الدافع إلى ذلك كان حقده الشديد على الحسين عليهالسلام ، ثم تخوّفه من إثارة الفتنة بين العراقيين إذا رأوا رأس الحسين عليهالسلام ، وما ينتج عن ذلك من زيادة النقمة عليه.
٣ ـ إن لله إرادة علوية وحكمة إلهية في وجود عدة مشاهد للحسين عليهالسلام ، ومن دفن رأسه في عدة مواضع ، وذلك ليشيع ذكره في الآفاق ، ويزوره كل المسلمين في كافة الأقطار.
أما إذا ثبتت رواية ردّ الإمام زين العابدين عليهالسلام للرأس الشريف مباشرة إلى كربلاء ، فإن كل الروايات الأخرى تكون وهما. وإن كان الأغلب أن ذلك الردّ ـ إن حصل ـ لم يكن في نفس سنة المقتل ٦١ ه ، بل في الأربعين من السنة التالية أو ما بعدها.
٦٥٤ ـ دفن الرؤوس الشريفة : (مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٦٩)
جاء النصّ على مجيء الإمام زين العابدين عليهالسلام بالرؤوس معه إلى كربلاء في (حبيب السير) ؛ كما في (نفس المهموم) ص ٢٥٣ ؛ وفي (رياض الأحزان) ص ١٥٥.
قال في (حبيب السير) : إن يزيد سلّم رؤوس الشهداء إلى علي بن الحسين عليهالسلام فألحقها بالأبدان الطاهرة ، يوم العشرين من صفر سنة ٦١ ه ، ثم توجّه إلى المدينة الطيبة.
بينما قال أبو اسحق الإسفريني في (نور العين في مشهد الحسين) ص ٩٩ : وروي أن يزيد بعد أن أرسل علي بن الحسين عليهالسلام ومن معه ، أمر بدفن الرؤوس إلا رأس الحسين عليهالسلام فإنه أرسله خارج دمشق ومعه خمسون فارسا يحرسونه ليلا ونهارا ، وذلك من كثرة خوفه وفزعه. فلما مات أتى به الحراس ووضعوه.
ـ روايات مستفيضة عند الإمامية بردّ رأس الحسين عليهالسلام إلى كربلاء :
ثم قال السيد المقرّم : أما عن رأس الحسين عليهالسلام فقد نصت روايات مستفيضة على مجيء الإمام زين العابدين عليهالسلام بالرأس الشريف إلى كربلاء ودفنه مع الجسد الشريف. وعن هذا الدفن في كربلاء نذكر النصوص التالية :
١ ـ إنه المعوّل عليه عند الإمامية (روضة الواعظين لابن الفتال النيسابوري ، ص ١٦٥ ؛ ومثير الأحزان لابن نما ، ص ٥٨).
٢ ـ عليه عمل الإمامية (اللهوف لابن طاووس ، ص ١١٢).
٣ ـ إنه المشهور بين العلماء (إعلام الورى للطبرسي ، ص ١٥١ ؛ ومقتل العوالم ، ص ١٥٤ ؛ ورياض المصائب ؛ وبحار الأنوار).
٤ ـ إن رأس الحسين عليهالسلام أعيد إلى بدنه بكربلاء (ذكره المرتضى في بعض مسائله).
٥ ـ ومنه زيارة الأربعين (إضافة الشيخ الطوسي).
٦ ـ في العشرين من صفر ردّ رأس الحسين عليهالسلام إلى جثته (البحار ، عن العدد القوية لأخي العلامة الحلي ؛ وعجائب المخلوقات للقزويني ، ص ٦٧).
٧ ـ قيل : أعيد الرأس إلى جثته بعد أربعين يوما (الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ١٢).
٨ ـ أعيد رأس الحسين عليهالسلام بعد أربعين يوما من قتله (شرح همزية البوصيري لابن حجر).
٩ ـ الأشهر أنه ردّ إلى كربلاء ، فدفن مع الجسد (تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ١٥٠)
١٠ ـ نقل اتفاق الإمامية على أن الرأس أعيد إلى كربلاء (المناوي في الكواكب الدريّة ، ج ١ ص ٥٧).
يقول السيد عبد الرزاق المقرّم : وعلى هذا فلا نعبأ بكل ما ورد بخلافه. ورحم الله الحاج مهدي الفلوجي الحلي حيث قال :
لا تطلبوا رأس الحسين فإنه |
|
لا في حمى ثاو ولا في واد |
لكنما صفو الولاء يدلّكم |
|
في أنه المقبور وسط فؤادي |
الفصل الثلاثون
تسيير السبايا إلى المدينة
يتضمن الفصل المواضيع التالية :
١ ـ مسير السبايا إلى المدينة المنورة.
٢ ـ ردّ الرؤوس إلى كربلاء.
٣ ـ زيارة الأربعين :
ـ زيارة جابر بن عبد الله الأنصاري
ـ أول من زار قبر الحسين عليهالسلام
ـ استبعاد أن يكون ورود السبايا إلى كربلاء يوم الأربعين سنة ٦١
ـ حديث علامات المؤمن الخمسة وشرحها
ـ خبر الرباب زوجة الحسين عليهالسلام
٤ ـ وصول السبايا إلى المدينة المنورة :
ـ خطبة زين العابدين عليهالسلام خارج المدينة
ـ دخول المدينة
ـ ندب الحسين عليهالسلام في المدينة
الفصل الثلاثون
تسيير السبايا إلى المدينة
مقدمة الفصل :
نتيجة الضغوط المختلفة على يزيد ، من داخل البيت الأموي وخارجه ، ومن أعيان المسلمين وغير المسلمين ، ونتيجة لمقت عامة المسلمين له ؛ اضطر إلى تغيير سياسته ، فأظهر أمام الناس أنه يكرّم السبايا ، فأنزلهم منزلا حسنا بعد أن مكثوا وقتا في الخربة ، ثم أسبغ عليهم الجواهر والحلل ، كي يوهم الناس أنه بريء من الجرائم الفاشيّة التي ارتكبها ، ظنا منه أن ذلك ينطلي على المسلمين ، فتخفّ نقمتهم عليه ، ويقلّ مقتهم له.
ولما استشار يزيد حاشيته وأهل الشام ماذا يفعل بالسبايا؟ أشاروا عليه جميعا بتسييرهم إلى بلدهم في المدينة المنورة ؛ منهم من أشار عليه بذلك حبا وشفقة على أهل البيت عليهالسلام ، مثل النعمان بن بشير الأنصاري ، ومنهم من أشار عليه بذلك تشفّيا وحنقا ، مثل مروان بن الحكم .. فقرر يزيد ترحيلهم إلى المدينة ، مظهرا المحبة والوداعة لهم ، والإكرام والتفضل عليهم. حتى قالت سكينة عليهالسلام : " ما رأيت كافرا بالله خيرا من يزيد! ".
فهو كان يمارس شخصيتين متناقضتين : إحداهما حقيقية ، تنفّذ خطة رهيبة شيطانية لمحو الدين وأهله ؛ والأخرى ظاهرية ، تجعل منه حملا وديعا وقديسا طاهرا ، بعد أن وصل إلى حلمه الكبير ، وحصل على أمله الوحيد ، وهو قتل ممثل الإسلام ، والتفرد بالسلطة والأحكام.
وسنرى في الإتجاه الأول ، كيف أنه تابع تسيير الرأس الشريف إلى مصر ، وفي قول إلى المدينة أيضا ، ثم أرجعه إلى دمشق ، مؤكدا بذلك حقيقته الممعنة في الضلال ، بعد أن شكر عبيد الله بن زياد وقرّبه إليه ، عوضا عن عزله ومحاكمته ومعاقبته على ما اقترفت يداه. ولم يتمّ المرحلة الأولى من مخططه الخبيث ، وهي
قتل عترة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حتى جهّز جيوشه لسبي المدينة المنورة واستحلالها ، ثم هدم الكعبة وإحراقها على من فيها.
وسوف نرى في هذا الفصل كيف كلّف يزيد النعمان بن بشير الأنصاري بنقل السبايا إلى المدينة ، وإرجاعهم إلى مدينة جدهم صلىاللهعليهوآلهوسلم. وكيف أنهم عرّجوا في مسيرهم على كربلاء ليجددوا الأحزان والعزاء ، فتوافوا في يوم واحد مع الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري ، الّذي رغم كبره وفقد بصره جاء لزيارة الحسين عليهالسلام يوم الأربعين. وفي أغلب الظن أن ذلك التلاقي إن حدث ، فإنه لم يحصل في ٢٠ صفر من العام نفسه ، بل من العام الّذي يليه أي عام ٦٢ ه أو ما بعده.
٦٥٥ ـ ضغوط شديدة على يزيد : (مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٦٦)
يقول السيد عبد الرزاق المقرم رحمهالله :
لقد سرّ يزيد قتل الحسين عليهالسلام ومن معه ، وسبي حريم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وظهر عليه السرور في مجلسه ، فلم يبال بإلحاده وكفره حين تمثّل بشعر ابن الزّبعرى ، وحتى أنكر نزول الوحي على رسول الله محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ولكنه لما كثرت اللائمة عليه ووضح له الفشل والخطأ من فعلته التي لم يرتكبها حتى من لم ينتحل دين الإسلام ... وعاب عليه خاصته وأهل بيته ونساؤه ، وكان بمرأى منه ومسمع كلام الرأس الأطهر ، لما أمر بقتل رسول ملك الروم ، يقول : (لا حول ولا قوة إلا بالله) ؛ لم يجد مناصا من إلقاء التبعة على عاتق ابن زياد ، تبعيدا للتهمة عنه ؛ ولكن الثابت لا يزول.
ولما خشي الفتنة وانقلاب الأمر عليه ، عجّل بإخراج السجّاد عليهالسلام والعيال من الشام إلى وطنهم ومقرهم ، ومكّنهم مما يريدون. وأمر النعمان بن بشير وجماعة معه أن يسيروا معهم إلى المدينة ، مع الرفق.
الرحيل من دمشق إلى المدينة المنوّرة
٦٥٦ ـ تسيير السبايا إلى المدينة : (معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٢)
ولما أراد يزيد أن يجهّزهم ، قال للنعمان بن بشير صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : جهّز هؤلاء النسوة بما يصلحهم ، وابعث معهم رجلا من أهل الشام أمينا صالحا ، وابعث معهم خيلا وأعوانا.
وفي (أخبار الدول) للقرماني : أن الرسول هو النعمان بن بشير مع ثلاثين رجلا.
وفي (الإرشاد) للشيخ المفيد ، ص ٢٥ : وكان النعمان بن بشير والي الكوفة ، له ميل لأهل البيت عليهالسلام وهو من الأنصار.
وفي (معالي السبطين) عن كتب المقاتل : لما أرادوا [أي السبايا] الرجوع إلى المدينة ، أحضر يزيد لهم المحامل وزيّنها.
٦٥٧ ـ استرضاء السبايا وإكرامهم : (المصدر السابق)
قال أبو مخنف : فأعطاهم مالا كثيرا ، وأخلف على كل واحد ما أخذ منه ، وأزاد عليه من الحلي والحلل. ثم دعا بالجمال فأبركوها ، ووطّؤوها لهم بأحسن وطاء وأجمله. ودعا بقائد من قواده ، وضم إليه خمسمائة فارس ، وأمره بالمسير إلى المدينة.
وفي (نور الأبصار) للشبلنجي ، ص ١٣٢ :
وبعد أن أنعم يزيد على السبايا بالألبسة والحلي ، قالت سكينة عليهالسلام :
ما رأيت كافرا بالله خيرا من يزيد!.
٦٥٨ ـ يزيد ينتدب النعمان بن بشير لإرجاع السبايا إلى المدينة :
(إعلام الورى ، ص ٢٤٩ ط بيروت)
ثم ندب يزيد النعمان بن بشير ، وقال له : تجهّز لتخرج هؤلاء النساء إلى المدينة.
ولما أراد أن يجهّزهم دعا علي بن الحسين عليهالسلام فاستخلاه [أي خلا به] ، وقال له : لعن الله ابن مرجانة (حيث قتل أباك). أما والله لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة إلا أعطيته إياها ، ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت (ولو بهلاك بعض ولدي) ، ولكن الله قضى بما رأيت. كاتبني من المدينة (وارفع إليّ حوائجك) ، وانه إليّ كل حاجة تكون لك.
وتقدّم بكسوته وكسوة أهله ، وأمر بالأنطاع من الأبريسم ، وصبّ عليها الأموال. وقال : يا أم كلثوم ، خذوا هذه الأموال عوض ما أصابكم!.
فقالت أم كلثوم : يا يزيد ، ما أقلّ حياءك وأصلب وجهك ، تقتل أخي وأهل بيتي ، وتعطيني عوضهم مالا!. والله لا كان ذلك أبدا.
وأنفذ معهم جماعة عليهم النعمان بن بشير ، وتقدم إليهم أن يسير بهم في الليل ، ويكونوا أمامه ، حيث لا يفوتون طرفة عين. فإذا نزلوا تنحّى عنهم بالظرف ، وتفرّق هو وأصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم ، وينزل منهم بحيث لو أراد إنسان من جماعتهم وضوءا أو قضاء حاجة لم يحتشم.
فسار معهم ، فلم يزل يرفق بهم في الطريق ، حتى وصلوا إلى المدينة.
٦٥٩ ـ رفض النعمان بن بشير لهدية زينب وفاطمة بنتي علي عليهالسلام :
(أخبار الدول للقرماني ، ص ١٠٩)
وكان النعمان يسأل عن حوائجهم ويتلطف بهم. فقالت فاطمة لأختها زينب بنت علي عليهالسلام : لقد أحسن هذا الرجل إلينا ، فهل لك أن تصليه بشيء؟. فقالت : والله ما معنا ما نصله به إلا حليّنا ، فأخرجت إسوارين ودملجين لهما ، فبعثتا بها إليه ، واعتذرنا. فردّ الجميع ، وقال : ما فعلته إلا لله ولقرابتكم من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وفي (مقتل الحسين) للخوارزمي ، ج ٢ ص ٧٥ :
وروي عن الحرث بن كعب ، قال : قالت لي فاطمة بنت علي عليهالسلام : قلت لأختي زينب عليهالسلام : قد وجب علينا حق هذا الرسول ، لحسن صحبته لنا ، فهل لنا أن نصله بشيء؟. قالت : والله مالنا ما نصله به إلا أن نعطيه حليّنا. فأخذت سواري ودملجي [أي الحلق] وسوار أختي ودملجها ، فبعثنا بها إليه واعتذرنا من قلّتها ، وقلنا : هذا بعض جزائك لحسن صحبتك إيانا. فقال : لو كان الّذي صنعت للدنيا ففي دون هذا رضاي ، ولكن والله ما فعلته إلا لله ، ولقرابتكم من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ردّ الرؤوس إلى كربلاء
٦٦٠ ـ مصير الرؤوس الشريفة :
(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٣)
في تاريخ (حبيب السير) أن يزيد بن معاوية سلّم رؤوس الشهداء إلى علي بن الحسين عليهالسلام فألحقها بالأبدان الطاهرة يوم العشرين من صفر. ثم توجّه إلى المدينة الطيبة.
وقال : هذا أصح الروايات الواردة في مدفن الرأس المكرم.
٦٦١ ـ أخذ زين العابدين عليهالسلام الرؤوس معه :
(مدينة الحسين ، ج ٢ ص ٦٩)
قال الإمام الصادق عليهالسلام : عند ما خرج الإمام علي بن الحسين عليهالسلام من الشام ومعه أهل بيته وجملة من الخدم الذين بعثهم يزيد مع أهل البيت عليهالسلام ، وعلى رأسهم النعمان بن بشير الأنصاري ، كانوا قد جاؤوا برأس الحسين عليهالسلام ورؤوس البقية من أصحابه ليردّوهم إلى أجسادهم. فلما بلغ السجّاد العراق قال للدليل : مرّ بنا إلى كربلاء. فلما وصلوا كربلاء ألحقوا الرؤوس بأجسادها ، ووجد جابر عند قبر الحسين عليهالسلام.
تعليق :
ذكرنا سابقا أن إلحاق رأس الحسين عليهالسلام بجسده المقدس ، مما أجمعت عليه الروايات ، وإذا كان رحيل السبايا في صفر عام ٦٢ ه ، أي بعد سنة من ورودهم إلى الشام ، فيحتمل أن يكون يزيد قد أعطى زين العابدين عليهالسلام رأس أبيه ، فردّه إلى كربلاء. أو إن أحد موالي أهل البيت عليهالسلام قد سرق الرأس الشريف من الشام بعد مدة وألحقه بالجسد المقدس ، كما في إحدى الروايات عن الإمام الصادق عليهالسلام.
أما إلحاق بقية الرؤوس بأجسادها ، فهذا غير متيقن ، لأن هناك أدلة حسّية عن وجود بعض هذه الرؤوس أو كلها وعددها ١٦ رأسا ، في مشهد رؤوس الشهداء في مقبرة باب الصغير (الستّات) بدمشق ، كما نصّ على ذلك السيد الأمين وغيره. وسنبين ذلك فيما بعد.
٦٦٢ ـ هل ردّ رأس الحسين عليهالسلام إلى كربلاء يوم الأربعين؟ :
(بغية النبلاء في تاريخ كربلاء لعبد الحسين الكليدار ، ص ١٦)
ولم يتعرض الشيخ المفيد إلى ذكر ورودهم كربلاء بعد إطلاق سراحهم. إلا أن السيد ابن طاووس قال : " أمر يزيد بردّ الأسرى وسبايا الحسين عليهالسلام إلى أوطانهم بمدينة الرسولصلىاللهعليهوآلهوسلم. وأما الرأس الشريف ، روي أنه أعيد فدفن بكربلا مع جسده الشريف".
ومن الغريب أن ابن طاووس قد ذكر العبارة السابقة ، بعد أن ذكر امتناع يزيد عن تلبية طلب السجّاد عليهالسلام برؤية وجه أبيه ، فكيف يعطيه الرأس الشريف!.
زيارة الحسين عليهالسلام في الأربعين
٦٦٣ ـ رجوع السبايا إلى المدينة المنورة مع الإمام زين العابدين عليهالسلام ومرورهم على كربلاء :
ثم إن يزيد أمر بردّ السبايا والأسارى إلى المدينة المنورة ، فسار بهم الإمام زين العابدينعليهالسلام إلى المدينة من طريق العراق الصحراوي ، فلما وصلوا إلى موضع المصرع الشريف في كربلاء ، وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم ، قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليهالسلام في يوم الأربعين ، فأقاموا هناك المآتم والعزاء. وأغلب الظن أنهم وصلوا كربلاء يوم الأربعين من العام التالي لمقتل الحسين عليهالسلام وليس في العام نفسه.
ثم تابع ركب السبايا مسيره من كربلاء إلى المدينة ، فاستقبلهم أهل المدينة بالبكاء والعويل.
ـ مرور السبايا على كربلاء يوم الأربعين :
(اللهوف للسيد ابن طاووس ، ص ٨٢)
ولما رجع علي بن الحسين عليهالسلام وعياله من الشام وبلغوا العراق ، قالوا للدليل : مرّ بنا على طريق كربلاء. فوصلوا إلى موضع المصرع ، فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري [وكان أعمى] وجماعة من بني هاشم ورجالا من آل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليهالسلام. فوافوا في وقت واحد ، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم المقرّحة للأكباد ، واجتمع إليهم نساء ذلك السواد ؛ فأقاموا على ذلك أياما.
وفي (رياض الأحزان) ص ١٥٧ : وأقاموا في كربلاء ينوحون على الحسينعليهالسلام ثلاثة أيام.
٦٦٤ ـ زيارة جابر للقبر الشريف :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ٢١٠)
عن كتاب (بشارة المصطفى) لأبي جعفر الطبري ، ص ٨٩ وغيره ، بسنده عن الأعمش ، عن عطيّة العوفي ، قال :
خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه زائرا قبر الحسين عليهالسلام. فلما
وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات ، فاغتسل ثم ائتزر بإزار ، وارتدى بآخر. ثم فتح صرة فيها صعد [نوع من الطيب] فنثرها على بدنه ، ثم لم يخط خطوة إلا ذكر الله تعالى. حتى إذا دنا من القبر قال : ألمسنيه ، فألمسته إياه. فخرّ على القبر مغشيا عليه ، فرششت عليه شيئا من الماء. فلما أفاق قال : يا حسين [ثلاثا]. ثم قال : حبيب لا يجيب حبيبه ، وأنى لك بالجواب ، وقد شخبت أوداجك من أثباجك [جمع ثبج : وهو وسط شيء تجمّع وبرز] ، وفرّق بين بدنك ورأسك. أشهد أنك ابن خاتم النبيين ، وابن سيد المؤمنين ، وابن حليف التقوى ، وسليل الهدى ، وخامس أصحاب الكسا ، وابن سيد النقبا ، وابن فاطمة سيدة النساء. وما لك لا تكون هكذا ، وقد غذّتك كفّ سيد المرسلين ، وربّيت في حجر المتقين ، ورضعت من ثدي الإيمان ، وفطمت بالإسلام ؛ فطبت حيا وطبت ميتا. غير أن قلوب المؤمنين غير طيّبة بفراقك ، ولا شاكّة في حياتك. فعليك سلام الله ورضوانه. وأشهد أنك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا.
ثم جال ببصره حول القبر [مع أنه أعمى فقد جال ببصره كأنه يرى ، إذ فتح الله على بصيرته] وقال : السلام عليكم أيتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسين عليهالسلام وأناخت برحله. أشهد أنكم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة ، وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر ، وجاهدتم الملحدين ، وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين.
والذي بعث محمدا بالحق نبيا ، لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه. فقال له عطيّة العوفي : وكيف ولم نهبط واديا ، ولم نعل جبلا ، ولم نضرب بسيف؟!. والقوم قد فرّق بين رؤوسهم وأبدانهم ، وأيتمت أولادهم ، وأرملت الأزواج؟!.
فقال له : يا عطية ، إني سمعت حبيبي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : من أحبّ قوما حشر معهم ، ومن أحبّ عمل قوم أشرك في عملهم. والذي بعث محمدا بالحق إنّ نيّتي ونية أصحابي على ما مضى عليه الحسين عليهالسلام وأصحابه.
قال عطية : فبينما نحن كذلك ، وإذ بسواد قد طلع من ناحية الشام. فقلت : يا جابر ، هذا سواد طلع من ناحية الشام. فقال جابر لعبده : انطلق إلى هذا السواد ، وائتنا بخبره ، فإن كانوا من أصحاب عمر بن سعد فارجع إلينا ، لعلنا نلجأ إلى ملجأ ، وإن كان زين العابدين عليهالسلام فأنت حرّ لوجه الله تعالى.
قال : فمضى العبد ، فما كان بأسرع من أن رجع وهو يقول : يا جابر ، قم
واستقبل حرم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. هذا زين العابدين عليهالسلام قد جاء بعماته وأخواته. فقام جابر يمشي حافي الأقدام مكشوف الرأس ، إلى أن دنا من زين العابدين عليهالسلام. فقال الإمام عليهالسلام : أنت جابر؟. فقال : نعم يابن رسول الله. فقال : يا جابر ، ههنا والله قتلت رجالنا ، وذبحت أطفالنا ، وسبيت نساؤنا ، وحرّقت خيامنا.
ثم انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة.
٦٦٥ ـ أول من زار قبر الحسين عليهالسلام :
(مدينة الحسين ، ج ٢ ص ٦٥ ؛ وتذكرة الخواص ، ص ٢٨٠)
يؤخذ من رواية أبي مخنف التي ذكرها الطبري ، أن أول من زار قبر الحسين عليهالسلام بعد دفن الأجساد ، كان عبيد الله بن الحر الجعفي. وهناك أنشد أشعارا رائقة ، تشعر عن ندامته على عدم نصرة الحسين عليهالسلام.
يقول : ويظهر من (مقتل الخوارزمي) أنه أنشدها على قبر الحسين عليهالسلام
[ولكن لم نجد ذلك في مقتل الخوارزمي] ، فضجّ من معه بالبكاء والعويل والنحيب ، وأقاموا عند القبر يومهم ذلك وليلتهم ، يصلّون ويبكون ويتضرعون ، والأبيات هي :
يقول أمير غادر أي غادر |
|
ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمه |
ونفسي على خذلانه واعتزاله |
|
وبيعة هذا الناكث العهد لائمه |
فيا ندمي أن لا أكون نصرته |
|
ألا كل نفس لا تسدّد نادمه |
وإني على أن لم أكن من حماته |
|
لذو حسرة ما أن تفارق لازمه |
سقى الله أرواح الذين تآزروا |
|
على نصره سقيا من الغيث دائمه |
وقفت على أطلالهم ومحالهم |
|
فكاد الحشا ينقضّ والعين ساجمه |
لعمري لقد كانوا سراعا إلى الوغى |
|
مصاليت في الهيجا حماة خضارمه |
تأسّوا على نصر ابن بنت نبيهم |
|
بأسيافهم آساد غيل ضراغمه |
فإن يقتلوا في كل نفس بقية |
|
عليالأرض قد أضحت لذلك واجمه |
وما إن رأى الراؤون أفضل منهم |
|
لدى الموت سادات وزهرا قماقمه |
أتقتلهم ظلما وترجو ودادنا |
|
فدع خطّة ليست لنا بملائمه |
لعمري لقد أرغمتمونا بقتلهم |
|
فكم ناقم منا عليكم وناقمه |
أهمّ مرارا أن أسير بجحفل |
|
إلى فئة زاغت عن الحق ظالمه |
فكفّوا وإلا زرتكم في كتائب |
|
أشدّ عليكم من زحوف الديالمه |
ولما بلغ ابن زياد هذه الأبيات طلبه ، فقعد على فرسه ونجا منه.
ـ متى كانت زيارة جابر؟ : (مدينة الحسين ، ج ٢ ص ٦٧)
يقول السيد محمّد حسن مصطفى آل كليدار :
وفي عام ٦٢ ه توجّه إلى كربلاء جابر بن عبد الله الأنصاري ، زائرا قبر الحسين عليهالسلام ، ومعه جماعة من بني هاشم ، فكانوا عنده في ٢٠ صفر.
٦٦٦ ـ استبعاد أن يكون ورود السبايا في ٢٠ صفر من نفس العام :
(مدينة الحسين ، ج ٢ ص ٦٧)
يقول السيد عبد العزيز الحسني : إن الحقيقة التي يمكن القول بها كما هو الرأي السائد في أكثر الأوساط العلمية عند رجال الإمامية ، هو ما قاله
[صاحب (القمقام) فرهاد ميرزا] ص ٤٩٥ :
منذ رحل عمر بن سعد عن كربلاء إلى الكوفة ومعه سبايا الحسين عليهالسلام والرؤوس ، كان قد قطع مسافة ثمانية فراسخ ما بين كربلاء والكوفة [نحو ٤٤ كم] ، فلا بدّ أن قطع هذه المسافة في ثلاثة أيام. وهناك لا بدّ أن عبيد الله بن زياد قد عطّل السبايا مدة من الزمن ، حيث مرّ بهم في جميع أسواق الكوفة ، لكي يوجد رعبا في قلوب القبائل العربية ، وأن ينتظر ورود أوامر يزيد ثانيا. ولما ورد طلب يزيد بجلب السبايا إلى الشام ، كانت المسافة التي يقطعها الراحل على خط مستقيم ما بين الكوفة والشام مائة وخمسة وسبعين فرسخا [حوالي ألف كم] ، إلا أن ابن زياد اتخذ طريقا غير هذا الطريق ، كما يؤخذ من رواية صاحب (المنتخب) قال : أخذوا الرؤوس مع السبايا من أهل الحسين عليهالسلام من الكوفة إلى تكريت ، ومنه إلى دير عمر ، فوادي نخلة ، ونزلوا بها ليلتهم ، ثم ساروا إلى لينا ، ثم وادي الكحيلة ثم الجهينة ، ثم نصيبين فعين الوردة ، ومن هناك عرّجوا إلى حرّان فحلب. ثم إلى معارة نعمان ، ومنه إلى شيزر. ثم إلى حمص ، ومنه إلى بعلبك ، ومنه إلى دير النصارى ، ثم إلى دمشق. فلا بدّ وأن المسافة كانت شاسعة ، وقد طال أمد السير.
كما وإن هناك رواية أن أهل البيت عليهالسلام قد مكثوا مدة ستة أشهر عند يزيد ، حتى انطفأت ثائرته. ثم دعا الإمام علي بن الحسين عليهالسلام وخيّره بين البقاء عنده أو المسير إلى المدينة.
ولعمري كيف يمكن في مدة أربعين يوما ، أن تستغرق هذه السفرة في الذهاب والإياب؟!. فمن الأمور المحققة التي تميل إليها الأوساط العلمية عند مؤرخي الإمامية ، أن أهل البيت عليهالسلام قد وردوا كربلاء في ٢٠ صفر عام ٦٢ ه ، ووجدوا جابرا عند القبر.
ويقول الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٥٢٦ بعد أن أورد روايات أبي مخنف ، واللهوف ... الخ : إن هذه الروايات لم يظهر معها أن ورود آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى كربلاء كان يوم الأربعين ، أي العشرين من صفر.
ولا يخفى أن دعوى ورودهم كربلاء يوم العشرين من صفر ، دعوى غير معقولة ؛ لأن آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم كانوا في الكوفة مدة في سجن ابن زياد ، ثم كانوا مدة مديدة في دمشق في سجن يزيد. ثم إنهم أقاموا مأتم سيد الشهداء عليهالسلام في دمشق مدة سبعة أيام ، وكان ذلك بعد خلاصهم من سجن يزيد.
المخرج :
إذا صحّ أن جابر ورد كربلاء يوم ٢٠ صفر من عام ٦١ ه ، فيمكن افتراض أن جابر وجماعة من بني هاشم أدركوا زيارة الأربعين ، ثم مكثوا عند قبر الحسين عليهالسلام حتى ورد عليهم زين العابدين عليهالسلام فتلاقوا هناك. وهذا فحوى بعض الروايات : " فتوافوا في وقت واحد".
هذا هو المخرج الأول. أما المخرج الثاني فهو أن جابر والسبايا قد توافوا عند القبر الشريف في يوم واحد ، هو يوم الأربعين ؛ ولكن من العام التالي ٦٢ ه.
٦٦٧ ـ تحقيق يوم الأربعين : (تظلم الزهراء للقزويني ، ص ٢٨٧ ط قم)
روى السيد ابن طاووس في (الإقبال) قال : وجدت في (المصباح) أن حرم الحسين عليهالسلام وصلوا المدينة مع مولانا علي بن الحسين عليهالسلام يوم العشرين من صفر ، وكلاهما مستبعد ، لأن عبيد الله بن زياد كتب إلى يزيد يعرّفه ما جرى ، ويستأذنه في حملهم ، ولم يحملهم حتى عاد الجواب إليه ، وهذا يحتاج إلى نحو عشرين يوما أو أكثر منها. ولأنه لما حملهم إلى الشام ، روي أنهم أقاموا فيها شهرا
في موضع لا يكنّهم من حرّ ولا برد. وصورة الحال تقتضي أنهم تأخروا أكثر من أربعين يوما ، من يوم قتله عليهالسلام إلى أن وصلوا كربلاء أو المدينة.
وأما جوازهم في عودهم على كربلاء ، فيمكن ذلك ولكنه ما يكون وصولهم إليها يوم العشرين من صفر ، لأنهم اجتمعوا على ما روي مع جابر بن عبد الله الأنصاري ، فإن كان جابر وصل زائرا من الحجاز ، فيحتاج وصول الخبر إليه ومجيئه [إلى كربلاء] إلى أكثر من أربعين يوما ، أو على أن يكون وصل جابر من غير الحجاز ، من الكوفة أو غيرها.
يقول السيد رضي بن نبي القزويني : غاية ما قال رحمهالله بعد تسليمه ، محض استبعاد ، ولا ينبغي بمحضه إنكار الروايات. فإنا سمعنا من الموثقين قرب الكوفة من دمشق ، بما قد تيسر للبريد أن يسير بثلاثة أيام ... ومدة مقامهم في دمشق على ما في (المنتخب) لا يعلم كونها زائدة على ثمانية أيام تقريبا.
ولم نظفر على رواية دلّت على مقامهم فيها مدة شهر ، والله يعلم. وأيضا قد يذهب الحمام [أي الزاجل] بالمكاتب بأسرع من ذلك.
واستبعاد مجيء جابر من أرض الحجاز أبعد من هذا ، لما روي أن أبا حنيفة رأى هلال ذي الحجة بالكوفة أو بغداد ، وورد مكة وحجّ في تلك السنة. ولأن أخبار نواعي الحسين عليهالسلام من الجن والطير وانقلاب التربة دما وغير ذلك ، أكثر من أن يخفى على أمثال جابر كما مضى بعضه ، والله أعلم بحقيقة الحال ، والتسليم لنا خير للمآل.
٦٦٨ ـ هل أعيد الرأس يوم الأربعين؟ :
(تظلم الزهراء للسيد رضي القزويني ، ص ٢٨٥ ط قم)
قال السيد رضي بن نبي القزويني :
وأما تعيين الإعادة يوم الأربعين من قتله ، والوقت الّذي قتل فيه الحسين عليهالسلام ونقله الله جلّ جلاله إلى شرف فضله ، كان (فيه) الإسلام مقلوبا والحق مغلوبا ، وما تكون الإعادة بأمور دنيوية ، والظاهر أنها بقدرة الإله.
لكن وجدت نحو عشر روايات مختلفات في حديث الرأس الشريف ، كلها منقولات. ولم أذكر إلى الآن أنني وقفت ولا رويت تسمية أحد ممن كان من الشام ، حتى أعادوه إلى جسده الشريف بالحائر ، ولا كيفية لحمله من الشام إلى الحائر على
صاحبه أكمل التحية والإكرام ، ولا كيفية لدخول حرمه المعظم ، ولا من حفر ضريحه المقدس المكرم حتى عاد إليه ، وهل وضعه موضعه من الجسد ، أو في الضريح مضموما إليه؟.
فليقصر الإنسان على ما يجب عليه من تصديق القرآن [يقصد قوله تعالى عن الشهداء (... عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)] ، من أن الجسد المقدس تكمّل عقيب الشهادة ، وأنه يرزق في دار السعادة. ففي بيان الكتاب العزيز ما يغني عن زيادة دليل وبرهان.
زيارة الأربعين
٦٦٩ ـ فضل زيارة الأربعين : (مزار البحار ، ج ٩٨ ص ٣٣٤ ط ٢)
يقول العلامة المجلسي في (مزار البحار) : اعلم أنه ليس في الأخبار ، ما العلة في استحباب زيارة الحسين عليهالسلام في يوم الأربعين. والمشهور بين الأصحاب أن العلة في ذلك رجوع حرم الحسين عليهالسلام في مثل ذلك اليوم إلى كربلاء عند رجوعهم من الشام ، وإلحاق الإمام زين العابدين عليهالسلام الرؤوس بالأجساد.
وقيل : في مثل ذلك اليوم رجع السبايا إلى المدينة.
وكلاهما مستبعد جدا ، لأن الزمان لا يسع ذلك ، كما يظهر من الأخبار والآثار ، وكون ذلك في السنة الأخرى [أي التالية] أيضا مستبعد.
ولعل العلة في استحباب الزيارة في هذا اليوم هو أن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه في مثل هذا اليوم وصل من المدينة إلى القبر الشريف ، وزاره بالزيارة المعروفة ، فكان أول من زاره من الإنس ظاهرا. فلذلك يستحب التأسي به.
أو العلة هي إطلاق أهل البيت عليهالسلام في الشام من الحبس والقيد في مثل هذا اليوم ، أو علة أخرى لا نعرفها.
وتوافق زيارة الأربعين يوم العشرين من صفر ، وذلك لأربعين يوما مضت على مقتل الحسين عليهالسلام.
وقال السيد ابن طاووس في كتاب (الإقبال) ص ٦٠ : ووجدت في (المصباح) للشيخ الطوسي : أن حرم الحسين عليهالسلام وصلوا المدينة مع مولانا علي بن الحسين عليهالسلام يوم العشرين من صفر. وفي غير (المصباح) أنهم وصلوا كربلاء أيضا في عودهم من الشام يوم العشرين من صفر.
ـ تعليق حول زيارة الأربعين :
(أقول) : إذا صحّت الرواية بأن الإمام زين العابدين عليهالسلام وافى جابر بن عبد الله الأنصاري في كربلاء يوم الأربعين [٢٠ صفر] فيبعد أن يكون ذلك في السنة نفسها التي قتل فيها الحسين عليهالسلام ، وذلك لأمور :
١ ـ إن الفترة التي قضاها السبايا في كربلاء ثم الكوفة (السجن) حتى جاء الأمر من دمشق بتسييرهم في أطول طريق إلى الشام ، ثم إقامتهم في دمشق حتى رخّص لهم يزيد بمغادرتها ، ثم حتى وصولهم كربلاء ... هذه الفترة تزيد عن أربعين يوما بلا شك.
٢ ـ كان جابر في المدينة حين قتل الحسين عليهالسلام ، ويحتاج خبر مقتل الحسين عليهالسلام ليصل من الكوفة إليها نحو ٢٤ يوما ، فلو أن جابر قرر الذهاب إلى كربلاء من حين وصول الخبر ، لاحتاج إلى ٢٤ يوما أخرى ليصل إليها ، لا سيما أنه كان ضريرا وكبير السن. فيمتنع أن يصل إلى كربلاء يوم الأربعين.
٣ ـ تنصّ إحدى الروايات على أن الإمام زين العابدين عليهالسلام صحب معه رأس أبيه الحسين عليهالسلام ودفنه يوم الأربعين مع الجسد الشريف في كربلاء ، أثناء رجوعه إلى المدينة. وهذا بعيد الظن لأن يزيد كان قد وعد الإمام زين العابدين عليهالسلام بأن يقضي له ثلاث حاجات مما يريد ، فطلب في إحداها أن يريه وجه أبيه الحسين عليهالسلام فقد اشتاق إليه. فكان جواب يزيد قوله : أما رؤية الرأس فليس إلى ذلك من سبيل. فإذا كان رفض أن يريه الرأس الشريف فكيف يسمح له بأخذه معه وإرجاعه.
٤ ـ إن يزيد بعد أن روّى حقده برؤية رأس الحسين عليهالسلام على طبق من ذهب مزمّلا بدمائه ، لم يشفه ذلك حتى أعطى أوامره بتسيير الرأس الشريف إلى كل أرجاء الدولة الإسلامية ، حتى يرى كل المسلمين الرأس ممثّلا به ، فيزيلوا من مخيلتهم أية فكرة في الخروج عليه.
من هذا المنطلق بعث يزيد الرأس الشريف إلى مصر ، عن طريق عمّان والقدس ، فعسقلان فرفح ، حتى وصل إلى الفسطاط [وهي القاهرة اليوم]. وهناك أقام أعوان يزيد الأفراح والأعراس ابتهاجا ومشاركة ليزيد في بهجة انتصاره على الحسين عليهالسلام .. وعرضت أمام الناس الخيول التي داست جسد الحسين عليهالسلام
في مسيرة حاشدة ، فاشتراها التجار بآلاف الدنانير ، وخلعت حدواتها وعلّقوها على أبواب بيوتهم تبركا بها. ثم أرجع يزيد الرأس الشريف إلى دمشق ، حيث سيّره إلى المدينة المنورة ، وكان عامله عليها عمرو بن سعيد الأشدق وهو من بني أمية ، فبعد أن ابتهج بمقتل الحسين عليهالسلام وشمت به ، أدخل الرأس إلى مسجد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ووضعه بجانب قبر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وخاطب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قائلا : قد أخذنا ثأرنا منك يا محمّد ، بقتلى بدر!.
ولهذا التسيير للرأس الشريف توهم بعض المؤرخين أنه دفن في القاهرة أو المدينة أو الكوفة.
وهذا التسيير قد استغرق وقتا كبيرا ، وهذا يتعارض كليا مع رواية إرجاع زين العابدين عليهالسلام الرأس الشريف يوم الأربعين من عام ٦١ ه. فلو صحّ ذلك فهو في السنة التالية أو ما بعدها. وهذا ما ذهب إليه كثير من المحققين ، وقد أشار إليه السيد عبد الرزاق المقرم في مقتله ، وهو ما كان يرجّحه الخطيب المنبري في دمشق المرحوم الحاج حسني صندوق ، وهو ما نراه ونؤيده.
حديث علامات المؤمن
٦٧٠ ـ زيارة الأربعين من علامات المؤمن الخمسة :
(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٤)
في تفسير الإمام الحسن العسكري عليهالسلام قال :
" علامات المؤمن خمس : التختّم باليمين ، وصلاة إحدى وخمسين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، والتعفير للجبين ، وزيارة الأربعين".
[شرح الحديث] :
٦٧١ ـ التختّم باليمين :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٧٧)
مما تعرّض له الحديث السابق (التختّم باليمين) ، وهو ما التزم به الإمامية ، تديّنا بروايات أئمتهم عليهمالسلام ، وخالفهم في ذلك جماعة من السنّة.
وقال الشيخ إسماعيل البروسوي : ذكر في (عقد الدرر) أن السّنة في الأصل