الدكتور لبيب بيضون
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٠٠
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وإبادته العترة الطاهرة التي أوجب الله مودتها على عموم المسلمين!.
ترجمة عمر بن سعد [٢٣ ـ ٦٥ ه]
(الأعلام للزركلي) عمر بن سعد بن أبي وقّاص : أمير من القادة الشجعان. سيّره عبيد الله بن زياد على أربعة آلاف لقتال الديلم ، وكتب له عهده على الرّي (وهي المنطقة الجنوبية من طهران اليوم).
ثم لما علم ابن زياد بمسير الحسين عليهالسلام من مكة متوجها إلى الكوفة ، كتب إلى عمر بن سعد أن يعود بمن معه ، فعاد. فولاه قتال الحسين عليهالسلام ، فاستعفاه ، فهدده فأطاع. وتوجّه إلى لقاء الحسين عليهالسلام فكانت الفاجعة بمقتله. وكان عمره يومئذ ٣٨ عاما. وعاش عمر بن سعد إلى أن خرج المختار الثقفي يتتبّع قتلة الحسين عليهالسلام فبعث إليه من قتله بالكوفة .. وقصة ذلك أن المختار أعطى عمر بن سعد أمانا وقرّبه منه ، ثم بعث إليه من يقتله في داره (وهو أبو عمرة كيسان). فبينما ابن سعد قائم إليه إذ عثر في جبّة له فوقع على السرير ، فأسرع أبو عمرة إليه واحتزّ رأسه. فظهر بذلك تصديق دعوة الحسين عليهالسلام على ابن سعد حين قال له : آ وسلّط الله عليك من يذبحك بعدي على فراشك آ. كما صدقت نبوءته عليهالسلام بعدم تولّي عمر بن سعد ولاية الريّ وجرجان ... ثم إن المختار نصب رأس ابن سعد على قصبة بالكوفة ، عبرة لمن يعتبر ، تصديقا لقول الحسين عليهالسلام : «وكأني برأسك على قصبة قد نصب بالكوفة ، يتراماه الصبيان ويتّخذونه غرضا بينهم آ. هذا ويتصل نسب (عمر بن سعد) مع الإمام الحسين عليهالسلام وبني هاشم في كلاب بن مرّة. فهو عمر بن سعد بن مالك (أبي وقّاص) ابن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب. والحسين عليهالسلام هو ابن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب. ولذلك كان عمر بن سعد يقول في شعره : (حسين ابن عمّي والحوادث جمّة ...).
الفصل السابع والعشرون
تسيير الرؤوس والسبايا إلى الكوفة
ويتضمن هذا الفصل :
حوادث عشية اليوم العاشر من المحرم :
ـ حال السبايا مساء اليوم العاشر
ـ اقتسام القبائل لرؤوس الشهداء بعد قطعها
ـ تسيير رؤوس الشهداء إلى الكوفة
اليوم الحادي عشر من المحرم :
ـ عمر بن سعد يدفن قتلاه
ـ كم كان عدد قتلى جيش ابن سعد؟
ـ تسيير سبايا أهل البيت عليهالسلام إلى الكوفة
ـ كيف أركبوا السبايا على المطايا
ـ مرور السبايا على مصارع الشهداء
ـ ندب زينب وسكينة عليهالسلام
ـ انفصال ركب السبايا عن كربلاء
ـ تسيير رأس الحسين عليهالسلام إلى الكوفة
ـ تبييت خولي للرأس الشريف في داره
اليوم الثاني عشر من المحرم :
ـ دخول الرأس الشريف إلى الكوفة
ـ خولي يطلب الجائزة من ابن زياد
اليوم الثالث عشر من المحرم :
ـ دخول موكب الرؤوس والسبايا إلى الكوفة
ـ خبر مسلم الجصّاص
ـ خطبة زينب عليهالسلام في أهل الكوفة
ـ خطبة فاطمة الصغرى بنت الحسين عليهالسلام
ـ خطبة أم كلثوم بنت علي عليهالسلام
ـ خطبة الإمام زين العابدين عليهالسلام
ـ وصف بشير بن حذيم للناس وهم حيارى
ـ في قصر الإمارة :
ـ إدخال رأس الحسين عليهالسلام على ابن زياد
ـ إدخال العترة الطاهرة عليهالسلام
ـ مجادلة زيد بن أرقم مع عبيد الله بن زياد
ـ محاورة زينب عليهالسلام مع ابن زياد
ـ ملاسنة الإمام زين العابدين عليهالسلام لابن زياد
ـ محاولة ابن زياد قتل الإمام زين العابدين عليهالسلام
ـ وضع السبايا في السجن
ـ دفن جسد الحسين عليهالسلام وأجساد الشهداء (رض)
اليوم الرابع عشر وما بعده :
ـ إحضار المختار الثقفي ليرى الرأس الشريف
ـ نهاية عمر بن سعد
ـ محاولة ابن زياد التنصّل من مسؤولية قتل الحسين عليهالسلام
ـ خبر عبد الله بن عفيف الأزدي
ـ تطويف الرأس الشريف في سكك الكوفة ، ثم صلبه
ـ صلب الرؤوس بالكوفة على الخشب
ـ كلام الرأس المقدس
ـ قصة الغلامين إبراهيم ومحمد ولدي مسلم بن عقيل عليهالسلام
ـ نعي الحسين عليهالسلام في المدينة المنوّرة.
الفصل السابع والعشرون
تسيير الرؤوس والسبايا إلى الكوفة
مقدمة الفصل :
يختص هذا الفصل بالحوادث التي حصلت على الرؤوس والسبايا خلال تسعة أيام ، ابتداء من عشية يوم عاشوراء ، إلى تسييرهم من كربلاء إلى الكوفة ، وحتى نهاية إقامة السبايا في الكوفة في اليوم التاسع عشر من المحرم. يبدأ الفصل بتوضيح كيف بات السبايا في الليلة الأولى بعد مقتل الحسين عليهالسلام ، وهي التي تدعى ليلة اليتيمة الأولى. وذلك أن زينب العقيلةعليهالسلام بعد أن أحرقوا كل خيام أهل البيت عليهالسلام طلبت من عمر بن سعد خيمة ليبيت فيها النساء والأطفال. فباتوا فيها أسرى الذل والانكسار ، والخوف والهلع. وفي نفس الوقت كان قادة جيش عمر بن سعد يقطعون رؤوس الشهداء ويتقاسمونهم على ضوء المشاعل ، وذلك بعد أن صلّوا صلاة العشاء الباطلة. ثم سيّروا الرؤوس إلى ابن زياد. ثم ينتقل الفصل إلى حوادث اليوم الحادي عشر من المحرم ، حيث ارتحل عمر بن سعد بالسبايا عند الزوال ، وأركبهم على جمال بغير وطاء ، فمرّوا بهم على جسد الحسين عليهالسلام وعلى القتلى من الشهداء (رض). وعندها أبّنت زينب عليهالسلام أخاها الحسين عليهالسلام بندب تسيخ منه الجبال الصماء ، ثم ودّعنه متوجهين إلى الكوفة التي تبعد عن كربلاء جنوبا نحو ٧٠ كم. وفي اليوم الثاني عشر ، كان خولي يحمل رأس الحسين عليهالسلام إلى عبيد الله بن زياد ، طالبا منه الجائزة. وفي اليوم الثالث عشر ، كانت السبايا تدخل الكوفة في موكب حاشد مهيب مع الرؤوس ، وقد خرجت الكوفة بأهلها عن بكرة أبيها. فخطبت في تلك الجموع كلّ من زينب العقيلةعليهالسلام وفاطمة الصغرى بنت الحسين عليهالسلام ، ثم أم كلثوم بنت علي عليهالسلام ، ثم الإمام زين العابدين عليهالسلام الذي كانت العلة قد أنهكته. ثم أدخل الرؤوس والسبايا إلى قصر الإمارة ، وعرضوا على عبيد الله بن زياد ، الّذي بدأ يتشفّى من الحسين عليهالسلام بضرب رأسه بالقضيب،
ويشمت به ويقول : يوم بيوم بدر! .. وفي هذا الجو الموبوء بالترّهات والأضاليل ، وقفت زينب عليهالسلام تفرغ على لسان أبيها علي أمير المؤمنين عليهالسلام كلمات الحق التي تفضح يزيد وأعمال ابن زياد ، بشجاعة وإقدام ، يوازي شجاعة أخيها الحسين عليهالسلام وإقدامه في كربلاء. فأتمّت بذلك أهداف نهضته المباركة ، في ذلك الموقف الّذي لا يجرؤ أحد فيه على التفوّه بكلمة واحدة. ولما تلاسن الإمام زين العابدين عليهالسلام مع ابن زياد ، همّ بقتله ، فتمسكت به زينب عليهالسلام وقالت : إذا أردتم قتله فاقتلوني معه ، فبهتوا وتركوه. ثم حملوه مع السبايا إلى السجن. ومنذ أن أتمّ الإمام زين العابدين عليهالسلام رسالته في مجلس ابن زياد ، كان على موعد بعد مقتل أبيه بثلاثة أيام ، على العود إلى كربلاء بعيدا عن الأنظار ، ليقوم بدفن جسد أبيه الحسين عليهالسلام وأجساد البدور التمّ من بني هاشم ، والأقمار من أصحابهم. فوجد عليهالسلام بني أسد هناك ، وقد تنادوا لدفن القتلى ، فأمرهم أن يحفروا حفرتين كبيرتين ؛ إحداهما لدفن الآل ، والأخرى لدفن الأصحاب. أما جسد الحسين عليهالسلام فقد كان ممزّقا أشلاء ، فوضعه الإمام زين العابدين عليهالسلام عليحصير ، وحمله إلى لحده الّذي هيأه له ، حيث أقره فيه ، وأهال التراب عليه ، والملائكة أعوانه. ثم أمر عليهالسلام بدفن سيدنا العباس عليهالسلام في مكان استشهاده بالقرب من نهر العلقمي ، بعيدا عن الحائر الحسيني. ولما شفى ابن زياد حقده من الرأس الشريف ، ورؤوس الشهداء من أهله وأصحابه ، أمر بها فطوّفت في سكك الكوفة وقبائلها. وكان الرأس الشريف وهو على السنان ، يقرأ آيات القرآن ، بأعذب لسان وأفصح بيان. ثم أمر ابن زياد بالرؤوس كلها فنصبت على الخشب ، وهي أول رؤوس تصلب في الإسلام. وبعد أن قضى الإمام زين العابدين عليهالسلام والسبايا عدة أيام في السجن ، جاء الأمر من يزيد بتسيير السبايا والرؤوس إلى دمشق ، من أطول طريق مأهول بالناس ، للتشهير بهم وتخويف الناس من أن يخرجوا عليه. وفي تلك الفترة كان نعي الحسين عليهالسلام قد وصل إلى المدينة المنورة ، حيث كان الوالي عمرو بن سعيد الأشدق ، الّذي شمت واغتبط لمقتل الحسينعليهالسلام. بينما خرجت المدينة بقضّها وقضيضها تندب الحسين عليهالسلام وتلطم الخدود عليه ، ناهيك عن عبد الله بن جعفر والحسن البصري وأم سلمة (رض) وأم لقمان بنت عقيلعليهالسلام.
حوادث عشية اليوم العاشر من المحرم
٢٥٧ ـ ليلة بائسة حالكة يلفّها الحزن ويعتصرها الأسى :
يقول السيد عبد الرزاق المقرّم في مقتله ، ص ٣٦٥ : يا لها من ليلة بائسة مرت على بنات رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد ذلك العزّ الشامخ الّذي لم يفارقهن منذ أوجد الله كيانهن. فلقد كنّ بالأمس في سرادق العظمة وأخبية الجلالة ، يشعّ نهارها بشمس النبوة ، ويضيء ليلها بكواكب الإمامة ومصابيح أنوار القداسة. وبقين في هذه الليلة في حلك دامس ، من فقد تلك الأنوار الساطعة ؛ بين رحل منتهب وخباء محترق وفرق سائد وحماة صرعى ، ولا محامي لهن ولا كفيل ، لا يدرين من يدفع عنهن إذا دهمهنّ داهم ، ومن الّذي يردّ عادية المرجفين ، ومن يسكّن فورة الفاقدات ، ويخفض من وجدهن. نعم كان بينهن صراخ الصبية وأنين الفتيات ونشيج الولهى. فأم طفل فطمته السهام ، وشقيقة مستشهد ، وفاقدة ولد ، وباكية على حميم. وإلى جنبهن أشلاء مبضّعة وأعضاء مقطّعة ونحور دامية ، وهنّ في فلاة من الأرض جرداء. ويقول السيد أسد حيدر في كتابه (مع الحسين في نهضته) ص ٢٨٥ : وأكبّت زينب عليهالسلام على جسد الحسين الطاهر ، وهي تحاول أن تجد موضعا يسمح لها بتقبيله فلم تجد ، لكثرة النبال التي زرعت فيه. وفي هذا المعنى قال السيد جعفر الحلي :
قد رام يلثمه فلم ير موضعا |
|
لم يدمه عضّ السلاح فيلثم |
٢٥٨ ـ حال السبايا مساء يوم عاشوراء :
(العيون العبرى للميانجي ، ص ٢٠٥)
قال السيد ابن طاووس في (الإقبال) : اعلم أن أواخر النهار من يوم عاشورا ، كان اجتماع حرم الحسين عليهالسلام وبناته وأطفاله في أسر الأعداء ، ومشغولين بالحزن والهموم والبكاء. وانقضى عليهم آخر ذلك النهار ، وهم فيما لا يحيط به قلمي من الذل والانكسار. وباتوا تلك الليلة فاقدين لحماتهم ورجالهم ، وغرباء في إقامتهم وترحالهم ، والأعداء يبالغون في البراءة منهم ، والإعراض عنهم وإذلالهم ، ليتقربوا بذلك إلى المارق عمر بن سعد ، مؤتم أطفال محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ومقرّح الأكباد ، وإلى الزنديق عبيد الله بن زياد ، وإلى الكافر يزيد بن معاوية ، رأس الإلحاد والعناد.
٢٥٩ ـ نساء من؟ هؤلاء الذين يساقون سبايا :
(الحسين إمام الشاهدين ، ص ٨٨)
يقول الدكتور علي شلق : حرائر من تسبى؟. أطفال من تسبى؟. أولاد من تسبى؟ .. أولاد محمّد بن عبد الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مجري أنهار الخير إلى مكة والمدينة ، ومفيض البركة على ذلك العصر ، ودنيا كل قطر ومصر. أبناؤه يساقون نساء وأطفالا سبايا ، بعد أن خلّفوا وراءهم فلذات أكبادهم ، وقد صبغت دماؤهم التراب. ويدفعون أذلة معولين منهوكين إلى ... عبيد الله بن زياد ، النجل المختار لزياد ابن أبيه. ابن من؟ ابن سميّة. وسمية من؟ واحدة من البغايا التي ضاجعها أبو سفيان جدّ يزيد سرا ، وستر عاره. فجاء ولده معاوية البار يفاخر بأبيه الزاني ، ويعلن أنه أخ لزياد. من نسل هذا الفاجر زياد ، جاء من سفك دم حفيد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فيالغرابة الأقدار ، ويا عجبا غاية العجب من إنسانية الإنسان!.
٢٦٠ ـ النساء يتجمعن حول جسد أبي عبد الله الحسين عليهالسلام :
لما أحرقوا خيم الحسين عليهالسلام جاءت زينب عليهالسلام إلى زين العابدين عليهالسلام وقالت له : ماذا نصنع؟. قال : هيموا على وجوهكم في البيداء!. فأقبلن إلى مصرع أبي عبد الله الحسين عليهالسلام وأحطن بجثمانه الطاهر ؛ واحدة تمسح عنه التراب ، وأخرى تظلله عن حرارة الشمس ، والثالثة تصبغ شعرها بدمه. كأن الشاعر قد أطلّ عليهن في ذلك اليوم فوصف حالهن فقال :
فواحدة تحنو عليه تشمّه |
|
وأخرى عليه بالرداء تظلّل |
وأخرى بفيض النحر تصبغ شعرها |
|
وأخرى تفدّيه وأخرى تقبّل |
وأخرى على خوف تلوذ بجنبه |
|
وأخرى لما قد نالها ليس تعقل |
٢٦١ ـ زينب عليهاالسلام تطلب من عمر بن سعد خيمة لإيواء النساء والأطفال :
قال بعض المؤرخين :
بعثت الحوراء زينب عليهالسلام طفلين من أطفال أبي عبد الله الحسين الصغار ، قالت لهما : امضيا إلى معسكر ابن سعد ، وقولا له : إن عمتنا زينب تقول : إن أصحابك أحرقوا خيامنا كلها ، وهذا الليل قد غشينا ، فامر أصحابك أن ينصبوا لنا خيمة حتينجمع بها الأطفال والعيال سواد هذه الليلة. ذهب الطفلان ، والحزن والانكسار باد عليهما ، حتى وصلا إلى عمر بن سعد ، وأبلغاه مقالة عمتهما
زينب عليهالسلام. فأمر عمر بن سعد أصحابه ، فضربوا خيمة. فجمعت زينب عليهاالسلام الأطفال والعيال في تلك الخيمة ، ووقفت هي على يمينها ، وأم كلثوم على شمالها ، وجعلت تتفقّد النسوة والأطفال ، إذ افتقدت الرباب زوجة الحسين عليهالسلام. فخرجت في طلبها تنادي : رباب كلّميني ، في أي واد أنت؟
٢٦٢ ـ الرباب تبحث عن طفلها الرضيع :
إلى أن وصلت إلى مصرع الحسين عليهالسلام فرأتها جالسة هناك. قالت لها : ما الذي أخرجك في هذا الليل؟. قالت : سيدتي لا تلوميني. لما جنّ عليّ الليل درّت عليّ محالبي ، وأوجعني صدري ، فجئت إلى رضيعي لعلي أجد فيه رمق الحياة ، فوجدته مذبوحا من الوريد إلى الوريد. يقول الشيخ محمّد تقي الجواهري مصوّرا مناجاة الرباب لابنها الذبيح عبد الله :
بنيّ أفق من سكرة الموت وارتضع |
|
بثدييك علّ القلب يهدأ هائمه |
بنيّ لقد درّا وقد كظّك الظما |
|
لعلك يطفى من غليلك ضارمه |
بنيّ لقد كنت الأنيس لوحدتي |
|
وسلواي إذ يسطو من الهم غاشمه |
٢٦٣ ـ منظر يفطّر الفؤاد ويفتّ في الأكباد :
(بطلة كربلاء زينب بنت الزهراء لبنت الشاطئ ، ص ١٢٧)
مع غروب شمس العاشر من المحرم ، كانت الدماء تلطخ ثرى كربلاء ، وتنعكس الأنوار المنبلجة منها على الأفق ، فتكسبه حمرة وردية لم تر فيه من قبل. تلك الدماء الزكية التي تجري من الأشلاء المتناثرة على الربى والسهوب ، وقد جرّدت منها الرؤوس ، تسطع منها أنوار العزة والشهادة ، وتفوح منها رائحة الجنة والخلود. قالت بنت الشاطئ : ولاح القمر من وراء الغيوم خابي الضوء شاحبه ، وعلى ذلك الضوء الشاحب بدت (زينب) في نفر من الصبية ، وجمع من الأرامل والثواكل ، عاكفات على تلك الأشلاء ، يلتمسن فيها ذراع ولد حبيب ، أو كتف زوج عزيز ، أو قدم أخ غال. وغير بعيد منهن كان عسكر (ابن زياد) يسمرون ويشربون ، ويحصون على ضوء المشاعل ما قطعوا من رؤوس ، وما انتهبوا من أسلاب. وما أن خيّم الظلام حتى كانت رؤوس الشهداء الأبرار والمؤمنين الأحرار تحمل على رؤوس الرماح ، إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة.
٢٦٤ ـ تسريح رأس الحسين عليهالسلام إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة :
(لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٧٢)
وسرّح عمر بن سعد من يومه ذاك ـ وهو يوم عاشوراء ـ برأس الحسين عليهالسلام مع خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم الأزدي ، إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة. (أقول) : الظاهر أن تسيير رأس الحسين عليهالسلام كان منفردا ومتقدما على تسيير بقية الرؤوس. وكذلك فإن تسيير الرؤوس الباقين كان سابقا على تسيير السبايا. إلا أن دخول الكوفة كان مشتركا في موكب واحد.
قطع الرؤوس وعدّها
٢٦٥ ـ قطع الرؤوس وإرسالها إلى الكوفة :
(لواعج الأشجان ، ص ١٧٣)
وأمر ابن سعد برؤوس الباقين من أصحاب الحسين عليهالسلام وأهل بيته فقطعت (ونظّفت) وكانت اثنين وسبعين رأسا ، وسرّحت مع شمر بن ذي الجوشن ، وقيس بن الأشعث بن قيس ، وعمرو بن الحجاج ، فأقبلوا بها على ابن زياد. وروي أن الرؤوس كانت ثمانية وسبعين رأسا ، اقتسمتها القبائل لتتقرب بها إلى ابن زياد وإلى يزيد. وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦٧ : وحمل مع رأس الحسين عليهالسلام اثنان وتسعون رأسا.
٢٦٦ ـ تحقيق حول عدد الرؤوس التي قطعت وسيّرت إلى الكوفة :
(أنصار الحسين للشيخ محمّد مهدي شمس الدين ، ص ٥٧ و ٦٣ ط ٢)
تجمع الروايات على عدد الرؤوس التي قطعت بعد نهاية المعركة ، وأرسلت إلى الكوفة ، وهذا العدد بين ٧٠ رأسا و ٧٥ رأسا. ومن الذين ذكروا أن عدد الرؤوس كان ٧٢ رأسا كل من أبي مخنف والدينوري والشيخ المفيد. وبما أن المسلّم به أن كل من حضر مع الحسين عليهالسلام من الأنصار قد استشهد معه (إلا الثلاثة المذكورين وهم : الضحاك بن عبد الله المشرقي ، وعقبة بن سمعان ، والمرقّع بن ثمامة الأسدي) فيكون عدد القتلى أكثر من هذا العدد.
لكن يمكن دفع هذا الإشكال بأن نقول : إن تقديرات الرواة كانت تستبعد دائما من الحساب القتلى من الموالي ، لأسباب عنصرية كانت تلعب دورها في ذلك الوقت ، مع أن عدد الموالي الخاصين بأهل البيت عليهالسلام وغيرهم كان كبيرا
لا يستهان به. فيجوز أن رؤوس الشهداء لم تقطع كلها ، وإذا كان العدد الكلي للشهداء ١٢٠ شهيدا فلا تعارض بينه وبين ما ذكرته بعض الروايات من أن عدد الرؤوس التي سيّرت ٧٨ رأسا.
٢٦٧ ـ اقتسام القبائل لرؤوس الشهداء :
(الأخبار الطوال للدينوري ، ص ٢٥٩)
قال الدينوري : وحملت الرؤوس على أطراف الرماح ، وكانت اثنين وسبعين رأسا. جاءت هوازن منها باثنين وعشرين رأسا (مع شمر بن ذي الجوشن). وجاءت تميم بسبعة عشر رأسا ، مع الحصين بن نمير. وجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا ، مع قيس بن الأشعث. وجاءت بنو أسد بستة رؤوس ، مع هلال الأعور. وجاءت الأزد بخمسة رؤوس ، مع عيهمة بن زهير. وجاءت ثقيف باثني عشر رأسا ، مع الوليد بن عمرو. ووفق هذا الاحصاء يكون العدد ٧٥ وليس ٧٢ كما ذكر.
ـ رواية أخرى : (اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ٦٠)
وروي أن أصحاب الحسين عليهالسلام كانوا ثمانية وسبعين ٧٨ رأسا. فاقتسمتها القبائل لتتقرب بذلك إلى عبيد الله بن زياد وإلى يزيد بن معاوية. فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا ، وصاحبهم قيس بن الأشعث. وجاءت هوازن باثني عشر رأسا ، وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن. وجاءت تميم بسبعة عشر رأسا. وجاءت بنو أسد بستة عشر رأسا. وجاءت مذحج بسبعة رؤوس. وجاء باقي الناس بثلاثة عشر رأسا.
٢٦٨ ـ قطع الرؤوس سمة وحشية اتخذها بنو أمية ، ولا تجوز في الإسلام :
(أنصار الحسين ، ص ٢٢٥ ط ٢)
قال الشيخ شمس الدين بتصرف : إن قطع رأس الميت ، قتيلا كان أو ميّتا حتف أنفه ، هو من المثلة ، التي نهى عنها الإسلام وأكد على حرمتها. يقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا تمثّلوا ولو بالكلب العقور».
ولم يحدث أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في كل حروبه مع الكفار ، أنه قطع رأس أحد منهم بعد موته ، وعلى ذلك سار الخلفاء الأربعة من بعده.
يظهر من هذا أن الاسلام لا يشجّع على قطع رأس العدو الكافر المحارب ، فكيف بقطع رأس المسلم ، ونقله من بلد إلى بلد.
وقد انتهك ملوك بني أمية هذا الحكم الشرعي الواضح ، ولا نعرف من أين اقتبس الأمويون هذا الأسلوب في معاملة قتلاهم ؛ هل من عقليتهم الجاهلية التي لم تزايلهم في يوم من الأيام ، أو لعلهم اقتبسوه من الكفرة الروم الذين كانوا يقلدونهم في طريقة حياتهم؟!.
وأول انتهاك نعرفه لهذا التشريع الاسلامي ، هو ما فعله عامل معاوية على الموصل ، حين أمره معاوية بقتل عمرو بن الحمق الخزاعي (الصحابي العابد الزاهد) ، فقطع رأسه وبعث به إلى معاوية. ولم يكتف معاوية بذلك ، بل إنه استدعى زوجة عمرو بن الحمق ، وقذف برأس زوجها في حجرها وهي في سجنه بدمشق ، وهي لا تعلم أنه قد قتل. إنها وحشية ما بعدها وحشية.
لكن هذا التصرف المحدود ، لم يصل نبؤه إلى المسلمين في الأقطار المترامية. ولذلك كان قتل الحسين عليهالسلام وحمل رأسه ورؤوس أصحابه وتجوالهم في الأقطار ، حدثا جديدا ومستهجنا بالنسبة لعامة المسلمين. لذلك قال الطبري في (تاريخه ، ج ٥ ص ٣٩٤) عن زرّ بن حبيش : «أول رأس رفع على خشبة ، رأس الحسين رضي الله عنه ، وصلى الله على روحه».
وهنا نتساءل : لماذا قطعت الرؤوس بهذه الطريقة الوحشية ، ثم رضّ جسد الحسينعليهالسلام؟. هل كان هذا بدافع انتقامي ، أم بدافع سياسي إعلامي؟. الحق أنه كان بدافع انتقامي بعث عليه الحقد الدفين ، لكنه بعد ذلك استغلّ للغرض الإعلامي السياسي ، للتشهير بالحسين عليهالسلام ومحو أي أمل يراود أي مسلم في الخروج على السلطة الجائرة. انتهى كلامه.
حوادث اليوم الحادي عشر
٢٦٩ ـ دفن ابن سعد لقتلاه :
(لواعج الأشجان ، ص ١٧٣ ؛ ومقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٩٣) ثم إن ابن سعد جمع القتلى من أصحابه ، وصلى عليهم ودفنهم. وترك سيد شباب أهل الجنة وريحانة الرسول الأكرم ومن معه من أهل بيته وصحبه بلا غسل ولا كفن ولا دفن ، تسفي عليهم الصّبا (١) ويزورهم وحش الفلا .. يقول العلامة الشيخ محمّد تقي آل صاحب الجواهر :
__________________
(١) سفت الريح التراب : أذرته. والصّبا : ريح تهب من المشرق.
فإن يمس فوق التّرب عريان لم تقم |
|
له مأتما تبكيه فيه محارمه |
فأيّ حشى لم يمس قبرا لجسمه |
|
وفي أي قلب ما أقيمت مآتمه |
وأقام بقية اليوم العاشر ، واليوم الثاني إلى زوال الشمس.
٢٧٠ ـ عدد الذين قتلوا من جيش عمر بن سعد :
ذكر ابن عساكر في تاريخه ، ص ٢٢٨ ؛ والمسعودي في (مروج الذهب) ج ٣ ص ٧٢ : أن عدد من قتل من أصحاب عمر بن سعد في حرب الحسين عليهالسلام كان ٨٨ رجلا. (أقول) بناء على هذا الكلام ، فإن عدد من قتل من أصحاب عمر بن سعد يساوي تقريبا من قتل من أنصار الحسين عليهالسلام. وهذا أمر لا يمكن تصديقه ، إذ كيف يقتل من باعوا حياتهم لله ، مثلما يقتل من باعوا حياتهم للدنيا!. وهذه كتب المقاتل تدحض ذلك. إن كتب السير والمقاتل تذكر كم قتل كل شهيد من أنصار الحسين عليهالسلام حتى استشهد ، فبعضهم قتل عشرة أو أكثر ، فكيف يكون عدد الجميع ٨٨ رجلا؟. عدا عما قتله الإمام الحسين عليهالسلام وأخوه العباس عليهالسلام اللذان يعادل كل واحد منهما ببطولته جيشا كاملا!. والذي أراه أن هذه الروايات هي من دسائس الأمويين ليموّهوا على الناس ويوهموهم أن عدد القتلى منهم كان قليلا ، حتى لا يثور الناس عليهم ، ولا تظهر بطولة الهاشميين وشجاعتهم الباهرة. ففي اعتقادي أن العدد المذكور مقسوم على عشرة على أقل تقدير ، فعدد المقتولين من حزب ابن سعد هو ألف أو يزيد.
٢٧١ ـ كم كان عدد القتلى من الجانبين :
(مع الحسين في نهضته لأسد حيدر ، ص ١٧٩)
يقول السيد أسد حيدر : وهلمّ لنرى تكافؤ القوى في القتلى ، إذ يقول أكثرهم أنه قتل من جيش ابن سعد ٨٤ ، ويقابله من أصحاب الحسين (ع) ٨٤ ، فلم يزد بعضهم على الآخر!. وما أدري من أين جاء هذا التقابل والمساواة ، وكيف يصح!. لقد كان أنصار الحسين عليهالسلام مستميتين ، وكانت معنوياتهم عالية ، وكان الواحد منهم يقتل العشرة والمئة قبل أن يستشهد ، فكيف يكون عدد الشهداء منهم كعدد القتلى من الأعداء؟!. إن هذا لا يمكن تصديقه. بل إن سلطة ابن زياد أرادت إخفاء الحقائق وتوهيم الناس بقلة عدد القتلى من جنوده ، حتى لا يثور عليه الناس. وإليك دليلا على كذب دعاية السلطة ، وأن قتلى ابن سعد أكثر من أن يحصوا.
٢٧٢ ـ ما قالته زينب الصغرى عليهالسلام :
(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ، ص ٣٤٥)
قال ابن عصفور البحراني في مقتله : لما قال أحدهم في مجلس يزيد : إن الحسين جاء في نفر من أصحابه وعترته ، فهجمنا عليهم ، وكان يلوذ بعضهم بالبعض ، فلم تمض ساعة إلا قتلناهم عن آخرهم. قالت الصدّيقة الصغرى زينب عليهالسلام : ثكلتك الثواكل أيها الكذّاب ، إن سيف أخي الحسين عليهالسلام لم يترك في الكوفة بيتا إلا وفيه باك وباكية ونائح ونائحة. يشير هذا إلى كثرة القتلى في صفوف ابن زياد.
٢٧٣ ـ العدد المذكور لا يكافئ ما قتله شخص واحد :
(أقول) : إن ما ذكره بعض الرواة من أن عدد قتلى جيش عمر بن سعد ٨٨ رجلا يكافئ ما قتله شخص واحد من أنصار الإمام الحسين عليهالسلام. فمثلا إن أبا الشعثاء الكندي لوحده قتل أكثر من هذا العدد ، فلقد أثر عنه أنه رمى مئة سهم بين يدي الحسين عليهالسلام ، وكانت رميته لا تخطئ. فإذا كان واحد قد قتل مئة ، فكيف يكون عدد القتلى ٨٨ فقط. وكذلك فإن علي الأكبر عليهالسلام لما هجم على جموع القوم قتل بسببه ١٢٠ شخصا ، ثم أثناء رجوعه تمام المئتين. وهذا ليس بمستغرب ، إذ ليس كل القتلى كانوا يقتلون مباشرة ، بل ربما كانوا يقتلون بعضهم بعضا من الذعر والرعب.
٢٧٤ ـ كم قتل العباس عليهالسلام قبل أن يقتل؟ :
(أسرار الشهادة ، ص ٣٤٥)
قال الفاضل الدربندي : إن الذين قتلهم العباس عليهالسلام من الأعداء لا بدّ أن يكون عددهم أكثر من عدد جميع من قتلهم سائر الشهداء ، وذلك لأن شجاعة العباس عليهالسلام توازي شجاعة الكل ، عدا علي الأكبر عليهالسلام.
٢٧٥ ـ عدد الذين قتلهم الحسين عليهالسلام :
(المصدر السابق)
وقال الفاضل الدربندي : القدر المتيقّن وما عليه اتفاق الكل ، هو أن عدد الأشرار الذين قتلهم سيد الشهداء عليهالسلام لوحده هو ما يقرب من ألفين ، سوى المجروحين. وأما ما ذكره ابن عصفور في مقتله ففيه مبالغة.
٢٧٦ ـ الحسين عليهالسلام وأصحابه قتلوا الآلاف من عسكر ابن سعد :
(نهاية الأرب للقلقشندي ، ص ٤٢٣)
يقول القلقشندي [ت ٨٢١ ه] في كتابه (نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب) عن الحسين عليهالسلام وصحبه : فقتل فيه الإمام عليهالسلام وأهله وسبعون من أصحابه الصّفوة ، بعد أن قتل الآلاف من أهل الكوفة. وهذا اعتراف صريح بجسامة العدد وأنه بحدود الآلاف وليس المئات.
الرحيل من كربلاء
٢٧٧ ـ تسيير سبايا أهل البيت عليهالسلام إلى الكوفة :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٩٣)
قال السيد المقرم : وبعد الزوال ارتحل [ابن سعد] إلى الكوفة ، ومعه نساء الحسين عليهالسلام وصبيته وجواريه وعيالات الأصحاب ، وكنّ عشرين امرأة. وسيّروهنّ على أقتاب الجمال بغير وطاء ، كما يساق سبي الترك والروم ، وهن ودائع خير الأنبياء. ومعهن السجّاد علي بن الحسين عليهالسلام وعمره ثلاث وعشرون سنة ، وهو على بعير ظالع [أي يعرج في مشيته] بغير وطاء ، وقد أنهكته العلة ، ومعه ولده محمد الباقر عليهالسلام وله سنتان وشهور. ومن أولاد الإمام الحسن المجتبى : زيد وعمرو والحسن المثنّى ... وكان معهم عقبة بن سمعان مولى الرباب زوجة الحسين عليهالسلام.
٢٧٨ ـ النداء بالرحيل :
(العيون العبرى للميانجي ، ص ٢٠٩)
ثم إن عمر بن سعد أقام بقية يومه [العاشر] واليوم الثاني إلى زوال الشمس. فجمع قتلاه ، فصلى عليهم ودفنهم. وترك الحسين عليهالسلام وأصحابه منبوذين بالعراء. ثم أمر حميد بن بكير الأحمري ، فأذّن بالناس بالرحيل إلى الكوفة. قيل : إن عدد نساء الحسين عليهالسلام وعياله دون الأطفال عشرون امرأة. وعن (كامل البهائي) : أن النساء كنّ جميعهن عشرين نسوة. وعن (المناقب) : وجاؤوا بالحرم أسارى ، إلا شهربانويه ، فإنها أتلفت نفسها في الفرات. وفي (سير أعلام النبلاء) للذهبي : فقدم بهم وبزينب وفاطمة بنتي علي عليهالسلام وفاطمة وسكينة بنتي الحسين عليهالسلام وزوجته
الرباب الكلبية والدة سكينة ، وأم محمّد بنت الحسن بن علي عليهالسلام ، وعبيد وإماء لهم. (أقول) : قوله فاطمة بنت علي عليهالسلام توهّم ، والصحيح : أم كلثوم بنت علي عليهالسلام وهي زينب الصغرى.
٢٧٩ ـ إركاب النسوة على المطايا :
(الفاجعة العظمى ، ص ١٩١)
قال الدربندي في (أسرار الشهادة) : ثم أمر ابن سعد بأن تحمل النساء على الأقتاب بلا وطاء ، فقدّمت النياق إلى حرم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقيل لهن : تعالين واركبن ، فقد أمر ابن سعد بالرحيل. فلما سمعت زينب عليهالسلام ذلك ، جعلت تنادي : يابن سعد سوّد الله وجهك ، أتأمر هؤلاء القوم بأن يركبونا ، ونحن ودائع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. قل لهم يتباعدون عنا ، دعنا حتى يركب بعضنا بعضا. فأمر اللعين فقال : تنحّوا عنهن. فأقبلت زينب عليهالسلام ومعها أم كلثوم ، فجعلت تركب العيال والأطفال ، وتنادي كل واحدة من النساء والأطفال باسمها ، وتركبها على المحمل. ٢٨٠ ـ أركبوهم على جمال بدون وطاء! : (المصدر السابق).
وفي (اللهوف) : ثم رحل [عمر بن سعد] بمن تخلّف من عيال الحسين عليهالسلام ، وحمل نساءه على أحلاس أقتاب الجمال [الحلس : كل ما ستر ظهر الدابة ، ويوضع عليه الرحل والقتب والسرج ، جمعها أحلاس. والقتب : الرحل الصغير على قدر سنام البعير ، جمعها أقتاب] بغير غطاء ولا وطاء ، وهنّ ودائع الأنبياء. وساقوهن كما يساق سبي الترك والروم ، في أشدّ المصائب والهموم.
٢٨١ ـ كيف أركبوا الإمام زين العابدين عليهالسلام : (المصدر السابق)
وفي (نفس المهموم) عن كتاب (المصابيح) بإسناده إلى الإمام جعفر الصادق عليهالسلام قال : قال لي أبي محمّد الباقر عليهالسلام : سألت أبي علي بن الحسين عليهالسلام عن حمل يزيد له؟. فقال : حملني على بعير يظلع [أي يعرج] بغير وطاء ، ورأس الحسين عليهالسلام على علم ، ونسوتنا خلفي على جمال ، والفارطة خلفنا ، وحولنا الرماح ، إن دمعت من أحدنا عين قرع رأسه بالرمح. وفي (معالي السبطين) ج ٢ ص ٥٤ : ثم أركبوا الإمام زين العابدين عليهالسلام على بعير أعجف ، فلم يتمالك الركوب من شدة الضعف. فأخبروا ابن سعد ، فقال : قيّدوا رجليه من تحت بطن الناقة ، ففعلوا ذلك. وساروا بهم على تلك الحالة.
المرور على مصارع الشهداء عليهالسلام
٢٨٢ ـ المرور على مصرع الحسين عليهالسلام : (مثير الأحزان لابن نما ، ص ٦٤)
قال السيد الحميري في رثاء الحسين عليهالسلام :
امرر على جدث الحسين |
|
وقل لأعظمه الزكيّه |
يا أعظما لا زلت من |
|
وطفاء ساكبة رويّه |
وإذا مررت بقبره |
|
فأطل به وقف المطيّه |
وابك المطهّر للمطهّر |
|
والمطهّرة التقيّه |
كبكاء معولة أتت |
|
يوما لواحدها المنيّه |
٢٨٣ ـ مرور السبايا على مصارع الشهداء عليهالسلام : (مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٩٦)
[لما أمر ابن سعد بحمل السبايا] فقال النسوة : بالله عليكم إلا ما مررتم بنا على القتلى. فمرّوا بهم على الحسين عليهالسلام وأصحابه وهم صرعى. فلما نظر النسوة إلى القتلى مقطعي الأوصال ، قد طعنتهم سمر الرماح ، ونهلت من دمائهم بيض الصفاح ، وطحنتهم الخيل بسنابكها ؛ صحن ولطمن الوجوه.
٢٨٤ ـ زينب العقيلة تؤبّن الحسين عليهالسلام :
في (لواعج الأشجان) ص ١٩٨ ط ٤ :
قال الراوي : فو الله لا أنسى زينب بنت علي عليهالسلام وهي تندب الحسين عليهالسلام وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب : يا محمداه ، صلى عليك مليك السماء. هذا حسين مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء ، وبناتك سبايا. إلى الله المشتكى ، وإلى محمّد المصطفى ، وإلى علي المرتضى ، وإلى فاطمة الزهراء ، وإلى حمزة سيّد الشهداء. يا محمداه ، هذا حسين بالعراء ، تسفي عليه ريح الصّبا ، قتيل أولاد البغايا. وا حزناه وا كرباه عليك يا أبا عبد الله ، اليوم مات جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. يا أصحاب محمّد هؤلاء ذرية المصطفى ، يساقون سوق السبايا. (وفي بعض الروايات) أنها قالت : يا محمداه ، بناتك سبايا ، وذرّيتك مقتّلة ، تسفي عليهم ريح الصّبا. وهذا حسين محزوز الرأس من القفاء ، مسلوب العمامة والرداء. بأبي من أضحيعسكره يوم الاثنين نهبا. بأبي من فسطاطه مقطّع العرى. بأبي من لا هو غائب
فيرتجى ، ولا جريح فيداوى. بأبي من نفسي له الفدا. بأبي المهموم حتى قضى. بأبي العطشان حتى مضى. بأبي من شيبته تقطر بالدما. بأبي من جده رسول إله السما. بأبي من هو سبط نبي الهدى. بأبي محمّد المصطفى ، بأبي خديجة الكبرى ، بأبي علي المرتضى ، بأبي فاطمة الزهراء. بأبي من ردّت له الشمس حتى صلّى. قال الراوي : فأبكت والله كل عدوّ وصديق. وفي (مقتل الخوارزمي) ج ٢ ص ٣٩ : حتى رأينا دموع الخيل تنحدر على حوافرها.
وفي (العيون العبرى للميانجي) ص ١٩٨ ، عن التستري ما معناه : ثم إن الحوراء عليهالسلام وضعت فمها على نحر أخيها المنحور ، وقبّلت موضعا لم يقبّله نبي ولا وصي ولا أمها الزهراء عليهالسلام ، وهي تقول : بأبي من نفسي له الفداء. بأبي المهموم حتى قضى. بأبي العطشان حتى مضى. بأبي من شيبته تقطر بالدماء .. وفي (الفاجعة العظمى) ص ١٨٧ : ثم قالت للحسين عليهالسلام : أخي يابن أمي ، والله لقد كللت من المدافعة عن هؤلاء الأطفال والنساء ، وهذا متني قد اسودّ من الضرب. أخي أبا عبد الله ، لقد أتونا بالنياق مهزولة ، لا موطّأة ولا مرحولة ، وناقتي مع هزلها صعبة الانقياد. أخي ودّعتك الله السميع العليم. أخي لو خيّروني بين الرحيل والمقام عندك لاخترت المقام عندك ، ولو أن السباع تأكل من لحمي. يا خليفة أبي وأخي ، فإن فراقي هذا لا عن ضجر ولا عن ملالة ، ولكن يابن أمي الأمر كما ترى. فاقرأ جدي وأبي وأخي عنا السلام.
٢٨٥ ـ زينب عليهالسلام تشاطر أخاها الحسين عليهالسلام مسؤوليات النهضة :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٩٦)
وقبل أن تودّع زينب عليهالسلام أرض الشهادة ، وقفت على جسد أخيها الحسين عليهالسلام المرمّل بالدماء ، ثم بسطت يديها تحت بدنه المقدس ، ورفعته نحو السماء ، وقالت : [إلهي تقبّل منا هذا القربان (١)]. أجل إنه القربان الّذي قدّمه أهل البيت عليهالسلام فداء للدين الإسلامي المجيد. وهذا القول يدلنا على أن زينب عليهالسلام كانت قد أخذت على نفسها أن تقوم بتلك النهضة المقدسة مع أخيها الحسين عليهالسلام. فقامت بعد استشهاده لتتابع تلك النهضة وتكمل أهدافها ، وتحقق مراميها البعيدة. ولنعم ما قال العلامة ميرزا محمد علي الأوردبادي :
__________________
(١) الكبريت الأحمر ، ج ٣ ص ١٣ عن (الطراز المذهب).
وتشاطرت هي والحسين بدعوة |
|
حتم القضاء عليهما أن يندبا |
هذا بمشتبك النصول ، وهذه |
|
في حيث معترك المكاره والسّبا |
٢٨٦ ـ ندب سكينة بنت الحسين عليهالسلام لأبيها : (العيون العبرى ص ١٩٩)
ثم إن سكينة عليهالسلام اعتنقت جسد أبيها ، وهي تقول : يا أبتاه ، ألبسني بنو أمية ثوب اليتم. يا أبتاه إذا أظلم عليّ الليل من يحمي حماي؟. يا أبتاه إذا عطشت فمن يروي ظماي؟. يا أبتاه انظر إلى رؤوسنا المكشوفة ، وإلى أكبادنا الملهوفة ، وإلى عمتي المضروبة ، وإلى أمي المسحوبة!.
فاجتمعت عدة من الأعراب حتى جرّوها عنه عليهالسلام.
وفي (نفس المهموم) قالت سكينة عليهالسلام : لما قتل الحسين عليهالسلام اعتنقته ، فأغمي عليّ ، فسمعته يقول :
شيعتي ما إن شربتم |
|
عذب ماء فاذكروني |
أو سمعتم بغريب |
|
أو شهيد فاندبوني |
فأنا السبط الذي |
|
من غير جرم قتلوني |
وبجرد الخيل عمدا |
|
بعد قتلي سحقوني |
٢٨٧ ـ مرور السبايا على مصارع الشهداء عليهالسلام وما قالته أم كلثوم عليهالسلام :
(العيون العبرى للميانجي ، ص ٢١٠)
وعن (تظلم الزهراء) و (المعدن) : أن بني أمية جاؤوا بالنساء قصدا وعنادا ، وعبّروهن على مصارع آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم. فلما رأت أم كلثوم أخاها الحسين عليهالسلام وهو مطروح على الأرض ، تسفو عليه الرياح ، وهو مكبوب مسلوب ، وقعت من أعلى البعير إلى الأرض ، وحضنت أخاها عليهالسلام وهي تقول ببكاء وعويل : يا رسول الله ، انظر إلى جسد ولدك ملقى على الأرض بغير غسل ، وكفّنه الرمل السافي عليه ، وغسّله الدم الجاري من وريديه. وهؤلاء أهل بيته يساقون سبايا في سبي الذل ، ليس لهم محام يمانع عنهم.
توضيح : تذكر بعض الروايات أن القوم مروا بالأسارى على القتلى مرتين : ـ مرة في اليوم العاشر ، بعدما قتلوا الحسين عليهالسلام وهجموا على الخيام وأحرقوها. ـ ومرة في اليوم الحادي عشر ، وهن على أقتاب الجمال راكبات ، وبعد العزّ مذلّلات. ولكننا اقتصرنا آنفا على ذكر المرور الأخير ، ودمجنا معه ما قيل في المرور الأول ، تماشيا مع ما أورده السيد الأمين في لواعجه ، والسيد المقرم في مقتله.
٢٨٨ ـ زينب عليهالسلام تطمئن زين العابدين عليهالسلام بأن الله سيرسل من يدفن جثث الشهداء : (مثير الأحزان للجواهري ، ص ٩٣)
(في كامل ابن الأثير) عن قدامة بن زائدة (قال) قال لي علي بن الحسين عليهالسلام بعد كلام : إنه لما أصابنا بالطف ما أصابنا ، وقتل أبي وقتل من كان معه من ولده وإخوته وسائر أهله ، وحمل نساؤه على الأقتاب ، يراد بنا الكوفة ، فجعلت أنظر إليهم صرعى ولم يواروا ، فعظم ذلك في صدري ، واشتدّ لما أرى منهم قلقي ، وكادت تخرج نفسي ، وتبيّنت ذلك مني عمتي زينب بنت علي الكبرى ، فقالت لي : مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي؟. فقلت : وكيف لا أجزع وأهلع ، وقد أرى سيدي وإخوتي وعمومتي وبني عمي وأهلي مصرّعين بدمائهم ، مرمّلين بالعراء مسلّبين ، لا يكفّنون ولا يوارون ، ولا يعرّج عليهم أحد ، ولا يقربهم بشر؟ كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر؟!.
فقالت : لا يجز عنّك ما ترى ، فو الله إن ذلك لعهد من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى جدك وعمك وأبيك ، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة ، لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض ، وهم معروفون في أهل السموات والأرض ، أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها ، وهذه الجسوم المضرّجة فيدفنونها ، وينصبون في هذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء ، لا يدرس أثره ، ولا يعفو رسمه ، على كرور الليالي والأيام. وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه ، فلا يزداد أثره إلا ظهورا ، وأمره إلا علوّا.
٢٨٩ ـ انفصال ركب السبايا من كربلاء :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٩٩)
وأتاهن زجر بن قيس ، وصاح بهن فلم يقمن ، فأخذ يضربهن بالسوط ، واجتمع عليهن الناس حتى أركبوهن على الجمال (١).
وركبت العقيلة زينب عليهالسلام ناقتها ، فتذكرت ذلك العزّ الشامخ والحرم المنيع ، الّذي تحوطه الليوث الضواري ، والأباة من آل عبد المطلب ، وتحفّه السيوف المرهفة ، والرماح المثقّفة ، والأملاك تخدمها فيه ، فلا يدخلون إلا مستأذنين.
يقول سليمان القندوزي في (ينابيع المودة) ج ٢ ص ١٧٦ ط ١ : ثم إن عمر بن
__________________
(١) تظلم الزهراء ، ص ١٧٧.