الدكتور لبيب بيضون
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٠٠
واشتدّ العطش بالحسين فمنعوه (١). فحصل له شربة ماء ، فلما أهوى ليشرب رماه حصين بن نمير بسهم في حنكه ، فصار الماء دما. ثم رفع يده إلى السماء وهو يقول : الله م أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تذر على الأرض منهم أحدا.
ويقول الدينوري في (الأخبار الطوال) ص ٢٥٨ :
وعطش الحسين عليهالسلام فدعا بقدح من ماء ، فلما وضعه في فيه ، رماه الحصين بن نمير بسهم فدخل فمه ، وحال بينه وبين شرب الماء ، فوضع القدح من يده.
١٤١ ـ إصابة الحسين عليهالسلام في شفتيه :
ويقول سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) ص ٢٦٢ :
ورماه حصين بن تميم بسهم فوقع في شفتيه ، وهو يبكي ويقول : الله م إني أشكو إليك ما يفعل بي وبإخوتي وولدي وأهلي.
ثم اشتد به العطش ، فهمّ أن يلقي نفسه بين القوم ، ثم شرفت نفسه عن ذلك.
ويقول الذهبي في (سير أعلام النبلاء) ص ٣٠٢ :
وعطش الحسين عليهالسلام ، فجاءه رجل بماء فتناوله ، فرماه حصين بن تميم بسهم ، فوقع في فيه ، فجعل يتلقى الدم بيده ويحمد الله.
١٤٢ ـ قصة الّذي شكّ الحسين عليهالسلام بسهم في شدقه ، فدعا عليه الحسين عليهالسلام فكان يشرب ولا يرتوي حتى مات :
(مناقب ابن شهر اشوب ، ج ٣ ص ٢١٤ ط نجف)
قال ابن عيينة : أدركت من قتلة الحسين عليهالسلام رجلا كان يستقبل الراوية
[أي ظرف الماء] ولا يروى. وذلك أنه نظر إلى الحسين عليهالسلام وقد أهوى إلى فيه بماء وهو يشرب ، فرماه بسهم. فقال الحسين عليهالسلام : لا أرواك الله من الماء في دنياك ولا آخرتك.
(وفي رواية) : إن رجلا من كلب رماه بسهم فشكّ شدقه ، فقال الحسين عليهالسلام : لا أرواك الله. فعطش الرجل حتى ألقى نفسه في الفرات ، وشرب حتى مات.
__________________
(١) على ذكر عطش الحسين عليهالسلام يحضرني قول الأستاذ برهان بخاري :
إن أجمل بيت شعر قرأته عن الظمأ وعطش الحسين ، هو قول شوقي :
ظمئت ومثلي بريّ أحقّ |
|
كأني حسين ودهري يزيد |
١٤٣ ـ دعاء الحسين عليهالسلام على من رماه بسهم ، واستجابة دعائه :
(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين عليهالسلام ص ٢٣٧)
قال ابن عساكر : كان رجل من بني أبان بن دارم يقال له زرعة ، شهد قتل الحسينعليهالسلام ، فرمى الحسين عليهالسلام بسهم فأصاب حنكه ، فجعل يلتقي [كذا في الأصل ، والصحيح : يتلقّى] الدم ، ثم يقول : هكذا إلى السماء فيرمي به.
وكان الحسين عليهالسلام قد دعا بماء ليشرب ، فلما رماه حال بينه وبين الماء ، فقالعليهالسلام : الله م ظمّه ، الله م ظمّه.
قال الراوي : فحدّثني من شهده وهو يموت ، وهو يصيح من الحر في بطنه ، والبرد في ظهره ، وبين يديه المراوح والثلج ، وخلفه الكافور [وفي مناقب ابن شهر اشوب : الكانون والنار] ، وهو يقول : اسقوني أهلكني العطش ، فيؤتى بالعسّ العظيم فيه السويق أو الماء أو اللبن ، لو شربه خمسة لكفاهم. قال : فيشربه ، ثم يعود فيقول : اسقوني أهلكني العطش. قال : فانقدّ بطنه كانقداد البعير.
معركة في طريق الفرات
١٤٤ ـ ما قاله الحسين عليهالسلام لما أصيب بسهم في حنكه الشريف :
(اللهوف على قتلى الطفوف ، ص ٦٦)
واشتد العطش بالحسين عليهالسلام فركب المسناة يريد الفرات ، فاعترضته خيل ابن سعد ، فرمى رجل من بني دارم الحسين عليهالسلام بسهم ، فأثبته في حنكه الشريف ، فانتزع السهم وبسط يديه تحت حنكه حتى امتلأت راحتاه من الدم ،
ثم رمى به وقال : الله م إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك.
١٤٥ ـ إصابة الحسين عليهالسلام بسهم في حنكه ، وهو يحاول الوصول إلى الفرات
(مقدمة مرآة العقول للسيد مرتضى العسكري ، ج ٢ ص ٢٧٩)
روى الطبري عمن شهد الحسين عليهالسلام في عسكره ، أن حسينا حين غلب على عسكره ، ركب المسنّاة يريد الفرات. فقال رجل من بني أبان بن دارم : ويلكم حولوا بينه وبين الماء لا تتامّ إليه شيعته. قال : وضرب فرسه واتّبعه الناس حتى حالوا بينه وبين الفرات. فقال الحسين عليهالسلام : الله م أظمّه.
قال : وينتزع الأبانيّ بسهم ، فأثبته في حنك الحسين عليهالسلام.
(وفي رواية) : فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فمه (وفي رواية) : في حنكه. (قال) : فانتزع الحسين عليهالسلام السهم ، ثم بسط كفيه فامتلأتا دما ، فرمى به إلى السماء. ثم حمد الله وأثنى عليه ، ثم جمع يديه فقال : الله مّ إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيّك. الله م أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تذر على الأرض منهم أحدا. ودعا عليهم دعاء بليغا.
١٤٦ ـ استجابة دعاء الحسين عليهالسلام : (البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٠٣)
قال أبو مخنف : فو الله إن مكث الرجل الرامي له إلا يسيرا ، حتى صبّ الله عليه الظمأ ، فجعل لا يروى ، ويسقى الماء مبرّدا ، وتارة يبرّد له اللبن والماء جميعا ، ويسقى فلا يروى ، بل يقول : اسقوني قتلني الظمأ. (قال) : فو الله ما لبث إلا يسيرا حتى انقدّ بطنه انقداد بطن البعير.
وفي (الإتحاف بحبّ الأشراف) للشيخ عبد الله الشبراوي الشافعي ، ص ٥٢ : قال العلامة الاجهوري عن ذلك الرجل : فابتلي بالحر في بطنه ، والبرد في ظهره ... إلى أن قدّ بطنه ، ومات بعد موت الحسين عليهالسلام بأيام.
١٤٧ ـ قتل الحسين عليهالسلام وهو ظمآن عطشان :
(الإتحاف بحبّ الأشراف للشبراوي ، ص ٧٣)
يقول الشيخ الشبراوي : ومنعوا الحسين عليهالسلام من الماء في يوم شديد الحر ، وصاروا يتراءون إليه بكيزان من البلور مملوءة ماء باردا ، فيقول : أقسم عليكم بجدّي إلا سقيتموني شربة أبرّد بها كبدي ، فلم يجيبوه.
١٤٨ ـ أثر العطش في الحسين عليهالسلام (الفاجعة العظمى ، ص ١٠٥)
في (الخصائص) : ولقد أثّر العطش في الحسين عليهالسلام في أربعة مواضع من أعضائه الشريفة : الكبد والشفّة واللسان والعين. الشفة ذابلة من الأوام ، والكبد مفتّت من حرّ الظمأ ، واللسان مجروح من كثرة اللوك في الفم ، والعين من شدة العطش مظلمة.
١٤٩ ـ ما قاله عليهالسلام لما حال القوم بينه وبين رحله :
(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٣)
ثم إنه عليهالسلام دعا الناس إلى البراز ، فلم يزل يقتل كلّ من دنا إليه من عيون
الرجال ، حتى قتل منهم مقتلة عظيمة ، فحالوا بينه وبين رحله ، فصاح بهم : ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحرارا في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون!. فناداه شمر : ما تقول يا حسين؟ فقال عليهالسلام : أقول أنا الّذي أقاتلكم وتقاتلوني ، والنساء ليس عليهن جناح ، فامنعوا عتاتكم وطغاتكم وجهّالكم عن التعرّض لحرمي ما دمت حيّا. فقال له شمر : لك ذلك يابن فاطمة (١). ثم صاح شمر بأصحابه : إليكم عن حرم الرجل واقصدوه بنفسه ، فلعمري لهو كفو كريم.
١٥٠ ـ وصول الحسين عليهالسلام إلى الفرات ليشرب ، وخدعة القوم له :
(مثير الأحزان للجواهري ، ص ٨٦)
فقصده القوم ، وهو مع ذلك يطلب شربة من الماء. وكلما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم فحلّؤوه عنه.
ثم حمل على الأعور السلمي وعمرو بن الحجاج وكانا في أربعة آلاف رجل ، على الشريعة ففرّقهم ، وأقحم الفرس في الفرات. فلما ولغ الفرس برأسه ليشرب ، قال عليهالسلام : أنت عطشان وأنا عطشان ، والله لا ذقت حتى تشرب!. فرفع الفرس رأسه كأنه فهم الكلام. فقال الحسين عليهالسلام : اشرب. ولما مدّ الحسين عليهالسلام يده فغرف من الماء غرفة ليشرب ، ناداه رجل من القوم :
يا أبا عبد الله ، أتلتذّ بشرب الماء وقد هتك حرمك؟!. فنفض الماء من يده ، وحمل على القوم فكشفهم ، فإذا الخيمة سالمة ، فعلم أنها حيلة.
الوداع الأخير
١٥١ ـ ما قاله الحسين عليهالسلام لما ودّع عياله الوداع الثاني :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٤٨)
ثم إنه عليهالسلام ودّع عياله ثانيا ، وأمرهم بالصبر ولبس الأزر ، وقال : استعدوا للبلاء ، واعلموا أن الله تعالى حاميكم وحافظكم وسينجيكم من شرّ الأعداء ، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير ، ويعذّب عدوكم بأنواع العذاب ، ويعوّضكم عن هذه
__________________
(١) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٤٦ نقلا عن الله وف ، ص ٦٧.
البلية بأنواع النعم والكرامة ، فلا تشكوا ، ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص من قدركم (١). فقال ابن سعد : ويحكم اهجموا عليه مادام مشغولا بنفسه وحرمه ، والله إن فرغ لكم لا تمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم.
فحملوا عليه يرمونه بالسهام ، حتى تخالفت السهام بين أطناب الخيم. وشكّ سهم بعض أزر [جمع إزار] النساء ، فدهشن وأرعبن وصحن ، ودخلن الخيمة ينظرن إلى الحسينعليهالسلام كيف يصنع؟.
١٥٢ ـ ما قاله عليهالسلام لما أصيب بسهم في جبهته الشريفة :
(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٤)
فقصده القوم بالحرب من كل جانب ، فجعل يحمل عليهم ويحملون عليه ، وهو في ذلك يطلب الماء ليشرب منه شربة ، فكلما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه حتى أجلوه عنه.
ثم رماه رجل يقال له أبو الحتوف الجعفي بسهم فوقع السهم في جبهته
(وفي مقتل أبي مخنف : أن الّذي رماه هو خولي ، وقيل إنه قدامة العامري). فنزع الحسين عليهالسلام السهم ورمى به ، فسال الدم على وجهه ولحيته. فقال : الله م قد ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة العتاة ، الله م فأحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحدا ، ولا تغفر لهم أبدا.
ثم حمل عليهم كالليث المغضب ، فجعل لا يلحق أحدا إلا بعجه بسيفه وألحقه بالحضيض ، والسهام تأخذه من كل ناحية ، وهو يتلقاها بنحره وصدره (٢) ويقول : يا أمة السوء ، بئسما خلّفتم محمدا في عترته. أما إنكم لن تقتلوا بعدي عبدا من عباد الله الصالحين فتهابوا قتله ، بل يهون عليكم عند قتلكم إياي. وايم الله إني لأرجو أن يكرمني ربي بهوانكم ، ثم ينتقم منكم من حيث لا تشعرون. فصاح به الحصين بن مالك السكوني : يابن فاطمة ، بماذا ينتقم لك منا؟. فقال عليهالسلام : يلقي بأسكم بينكم ، ويسفك دماءكم ، ثم يصبّ عليكم العذاب الأليم (٣).
__________________
(١) جلاء العيون للمجلسي باللغة الفارسية.
(٢) مقتل الحسين للمقرّم ، نقلا عن مثير الأحزان للشيخ شريف الجواهري.
(٣) مقتل الحسين للمقرّم ، نقلا عن مقتل العوالم ص ٩٨ ؛ ونفس المهموم ص ١٨٩.
(وفي مقتل المقرم ، ص ٣٥٠) قال : ورجع إلى مركزه يكثر من قول
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (١). وطلب في هذا الحال ماء ، فقال الشمر : لا تذوقه حتى ترد النار. وناداه رجل : يا حسين ألا ترى الفرات كأنه بطون الحيات؟ فلا تشرب منه حتى تموت عطشا!. فقال الحسين عليهالسلام : اللهم أمته عطشا. فكان ذلك الرجل يطلب الماء ، فيؤتى به فيشرب حتى يخرج من فيه (٢) ، وما زال كذلك إلى أن مات عطشا(٣).
١٥٣ ـ توزّع الأعداء على الحسين عليهالسلام ثلاث فرق :
(مقتل أبي مخنف ، ص ٨٩)
قال أبو مخنف : إن الشمر أقبل إلى ابن سعد وقال له : أيها الأمير إن هذا الرجل يفنينا عن آخرنا مبارزة. قال : كيف نصنع به؟. قال : نتفرّق عليه ثلاث فرق : فرقة بالنبال والسهام ، وفرقة بالسيوف والرماح ، وفرقة بالنار والحجارة ، نعجل عليه. فجعلوا يرشقونه بالسهام ، ويطعنونه بالرماح ، ويضربونه بالسيوف ، حتى أثخنوه بالجراح.
وكما قال الشاعر :
فوجّهوا نحوه في الحرب أربعة : |
|
السيف والنبل والخطيّ والحجرا |
مصرع سيّد الشهداء الامام الحسين عليهالسلام واستشهاده
__________________
(١) مقتل الحسين للمقرّم ، نقلا عن الله وف على قتلى الطفوف ، ص ٦٧.
(٢) مقتل الحسين للمقرّم ، نقلا عن مقاتل الطالبيين لأبي الفرج ، ص ٤٧ ط إيران.
(٣) أي ما زال يشرب حتى يمتلئ بطنه بالماء إلى فمه ، ولا يرتوي.
١٥٤ ـ خبر الّذي عزم على قتل الحسين عليهالسلام بالرمح ، ثم امتنع :
(مقدمة مرآة العقول للسيد مرتضى العسكري ، ج ٢ ص ٢٨٢)
روى الطبري عن أبي مخنف عن الحجاج بن عبد الله بن عمار بن عبد يغوث البارقي ، أنه عتب على عبد الله بن عمار مشهده قتل الحسين عليهالسلام. فقال عبد الله بن عمار : إن لي عند بني هاشم ليدا [أي معروفا]. قلنا له : وما يدك عندهم؟. قال : حملت على حسين بالرمح ، فانتهيت إليه ، فو الله لو شئت لطعنته. ثم انصرفت عنه غير بعيد ، وقلت : ما أصنع بأن أتولى قتله ، يقتله غيري!.
١٥٥ ـ شجاعة الحسين عليهالسلام وإقدامه (المصدر السابق)
قال : فشدّ عليه رجّالة ممن عن يمينه وشماله ، فحمل على من عن يمينه حتى ابذعرّوا ، وعلى من عن شماله حتى ابذعرّوا ، وعليه قميص له من خز ، وهو معتمّ.
١٥٦ ـ ما قاله (ابن يغوث) يصف حال الحسين عليهالسلام أثناء المعركة :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٤٦)
قال عبد الله بن عمار بن يغوث : [فو الله] ما رأيت مكثورا قط ، قد قتل ولده وأهل بيته وصحبه ، أربط جأشا منه ، ولا أمضى جنانا ، ولا أجرأ مقدما. ولقد كانت الرجال تنكشف بين يديه إذا شدّ فيها ، ولم يثبت له أحد (١).
(وفي رواية الله وف ، ص ٦٧) : وإن كانت الرجال لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه ، فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب. ولقد كان يحمل فيهم وقد تكمّلوا ثلاثين ألفا ، فينهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ، ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله.
(وفي مثير الأحزان للجواهري ، ص ٨٥) : ولم يزل يقاتل حتى قتل ألف رجل وتسعمائة وخمسين رجلا ، سوى المجروحين.
فقال عمر بن سعد لقومه : الويل لكم ، أتدرون لمن تقاتلون؟. هذا ابن الأنزع البطين ، هذا ابن قتّال العرب ، احملوا عليه (حملة رجل واحد) من كل جانب. فأتته أربعة آلاف نبلة (٢).
__________________
(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٩.
(٢) مناقب ابن شهراشوب ، ج ٢ ص ٢٢٣ ط إيران.
حجر وسهم مسموم
١٥٧ ـ ما قاله الحسين عليهالسلام لما أتاه حجر فوقع على جبهته الشريفة ، ثم أتاه سهم مسموم فوقع في قلبه
(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٤)
ثم جعل عليهالسلام يقاتل حتى أصابته اثنتان وسبعون جراحة ، فوقف يستريح وقد ضعف عن القتال. فبينا هو واقف إذ أتاه حجر فوقع على جبهته ، فسالت الدماء من جبهته. فأخذ الثوب ليمسح [الدم] عن جبهته ، فأتاه سهم محدّد مسموم له ثلاث شعب ، فوقع في قلبه [وقيل في صدره (١)]. فقال الحسين عليهالسلام : بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله. ورفع رأسه إلى السماء ، وقال : إلهي إنك تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن نبي غيره. ثم أخذ السهم وأخرجه من وراء ظهره ، فانبعث الدم كالميزاب ، فوضع يده على الجرح ، فلما امتلأت دما رمى به إلى السماء ، فما رجع من ذلك قطرة. وما عرفت الحمرة في السماء حتى رمى الحسين عليهالسلام بدمه إلى السماء. ثم وضع يده على الجرح ثانيا ، فلما امتلأت لطّخ بها رأسه ولحيته ، وقال : هكذا والله أكون حتى ألقى جدي محمدا وأنا مخضوب بدمي ، وأقول : يا رسول الله قتلني فلان وفلان (٢).
(وفي العيون العبرى للميانجي ، ص ١٨٣) ولنعم من قال :
سهم أصاب حشاك يابن محمّد |
|
ظلما أصاب حشا البطين الأنزع |
وأصاب قلب المصطفيو البضعة ال |
|
زهراء والحسن الزكيّ الأورع |
١٥٨ ـ مالك بن النسر يضرب الحسين عليهالسلام على رأسه فيقطع البرنس :
(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٥)
ثم ضعف عليهالسلام عن القتال فوقف مكانه ، فكلما أتاه رجل من الناس وانتهى إليه ، انصرف عنه وكره أن يلقى الله بدمه. حتى جاءه رجل من كندة يقال له (مالك بن نسر) فضربه بالسيف على رأسه ، وكان عليه برنس
[أي قلنسوة طويلة] فقطع البرنس وامتلأ دما ، فقال له الحسين عليهالسلام : لا أكلت
__________________
(١) مثير الأحزان للجواهري ، ص ٨٧.
(٢) مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٥١ نقلا عن الله وف ، ص ٧٠.
بيمينك ولا شربت بها ، وحشرك الله مع الظالمين. ثم ألقى البرنس ولبس قلنسوة واعتمّ عليها ، وقد أعيى وتبلّد ...
(وفي بعض الأخبار) : أنه ألقى البرنس من رأسه ، ثم جاء إلى الخيمة وطلب خرقة. فلما أتوه بها شدّها على جراحته ، ولبس فوقها قلنسوة أخرى واعتمّ عليها». ورجع عنه شمر بن ذي الجوشن ومن كان معه إلى مواضعهم ، فمكث هنيهة ثم عاد وعادوا إليه وأحاطوا به.
١٥٩ ـ نداء شمر (الأول) وتحريضه القوم : (المصدر السابق)
ثم نادى شمر : ما تنتظرون بالرجل فقد أثخنته السهام؟. فأحدقت به الرماح والسيوف. فضربه رجل يقال له (زرعة بن شريك التميمي) ضربة منكرة ، ورماه (سنان بن أنس) بسهم في نحره ، وطعنه (صالح بن وهب المرّي) على خاصرته طعنة منكرة ، فسقط الحسين عليهالسلام عن فرسه إلى الأرض ، على خده الأيمن. ثم استوى جالسا ، ونزع السهم من نحره.
سقوط الحسين عليهالسلام عن فرسه
مدخل :
اختلفت الروايات في كيفية سقوط الحسين عليهالسلام عن فرسه. فمنهم أنه بعد أن أصبح جسمه كالقنفذ من كثرة السهام التي أصابته ، طعنه صالح بن وهب المري على خاصرته فسقط عن فرسه. ومنهم أنه رمي بسهم فوقع في نحره ، فخرّ عن فرسه. ومنهم أن خولي بن يزيد الأصبحي اعترضه بسهم فوقع في لبّته ، فأرداه عن ظهر جواده إلى الأرض ، صريعا يخور بدمه.
وكل هؤلاء يعتبرون أن الحسين عليهالسلام صرع بعد سقوطه مباشرة ولم يستطع الوقوف لمتابعة القتال. بينما البعض الآخر ، فيذكر أنه لما ضعف نزل عن جواده ، وقاتل على رجليه قتالا مشهودا ، ومنهم السيد ابن طاووس في (اللهوف).
١٦٠ ـ لم يسقط الحسين عليهالسلام عن جواده حتى صار جسمه من السهام كالقنفذ
(الفاجعة العظمى ، ص ١٦٧)
في (مثير الأحزان) : جعلوه شلوا [أي جعلوا أعضاءه مقطّعة] من كثرة الطعن والضرب.
وفي (القمقام) : لقد أصابته السهام حتى كأنه الطائر وعليه الريش. وكما قال الشاعر المتنبي :
فصرت إذا أصابتني سهام |
|
تكسّرت النصال على النصال |
وفي (البحار) : كانت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ ، وكانت كلها في مقدّمه.
أما أبو مخنف فقال في مقتله (كما في أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٢٤) : واعترضه خولي بن يزيد الأصبحي بسهم فوقع في لبّته ، فأرداه عن ظهر جواده إلى الأرض صريعا يخور بدم (وروي : أن السهم رماه أبو قدامة العامري) ، فجعل عليهالسلام ينزع السهم بيده ، ويتلقّى الدم بكفيه ويخضب به لحيته ورأسه الشريف ، ويقول : هكذا ألقى ربي الله ، وألقى جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأشكو إليه ما نزل بي. وخرّ صريعا مغشيا عليه. فلما أفاق من غشيته وثب ليقوم للقتال فلم يقدر. فبكى بكاء عاليا ، ونادى : وا جدّاه ، وا محمداه ، وا أبا القاسماه ، وا أبتاه ، وا علياه ، وا حسناه ، وا جعفراه ، وا حمزتاه ، وا عقيلاه ، وا عباساه ، وا عطشاه ، وا غوثاه ، وا قلة ناصراه. أقتل مظلوما وجدي محمّد المصطفى ، وأذبح عطشانا وأبي علي المرتضى ، وأترك مهتوكا وأمي فاطمة الزهراء عليهاالسلام!.
وفي (الأنوار النعمانية) للسيد نعمة الله الجزائري :
ثم قال : ونظر الحسين عليهالسلام يمينا وشمالا فلم ير أحدا ، فرفع رأسه إلى السماء ، وقال : اللهم إنك ترى ما صنع بولد نبيك. وحال بنو كلاب بينه وبين الماء.
ورمي بسهم فوقع في نحره ، وخرّ عن فرسه ، فأخذ السهم ورمى به ، وجعل يتلقى الدم بكفه ، فلما امتلأت لطّخ بها رأسه ولحيته ، وهو يقول :
(هكذا) ألقى الله عزوجل ، وأنا مظلوم متلطخ بدمي. ثم خرّ على خده الأيسر صريعا.
وفي (اللهوف) لابن طاووس قال : ولما أثخن الحسين عليهالسلام بالجراح وبقي كالقنفذ [على فرسه] طعنه صالح بن وهب المري على خاصرته طعنة ، فسقط الحسين عليهالسلام عن فرسه إلى الأرض على خده الأيمن ، وهو يقول : بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم. ثم قام صلوات الله عليه.
الحسين عليهالسلام يقاتل على رجليه
قال العلامة المجلسي في (البحار) : لما ضعف الحسين عليهالسلام عن القتال ، نزل عن ظهر جواده إلى الأرض ، فكلما أتاه رجل وانتهى إليه ، انصرف عنه كراهية أن يلقى الله بدمه. فبينما هو واقف إذ أتاه حجر فوقع في جبهته الشريفة .. ثم أتاه سهم محدد مسموم له ثلاث شعب ، فوقع في صدره (وفي بعض الروايات : فوقع على قلبه). فقال الحسينعليهالسلام : بسم الله وبالله ...
١٦١ ـ ما قاله الحسين عليهالسلام لما أصبح يقاتل على رجليه :
(مقدمة مرآة العقول ج ٢ ص ٢٨٣ ؛ وتاريخ الطبري ص ٣٦٠ ط أولى مصر)
قال أبو مخنف : حدثني الصّقعب بن زهير عن حميد بن مسلم ، قال : كانت عليه جبّة من خز ، وكان معتمّا ، وكان مخضوبا بالوسمة.
قال : سمعته يقول قبل أن يقتل ، وهو يقاتل على رجليه قتال الفارس الشجاع : أعلى قتلي تحاثّون؟!. أما والله لا تقتلون بعدي عبدا من عباد الله ، الله أسخط عليكم لقتله مني. وايم الله إني لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم ، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون. أما والله إن قتلتموني لقد ألقى الله بأسكم بينكم وسفك دماءكم ، ثم لا يرضى لكم حتى يضاعف لكم العذاب الأليم.
مصرع محمّد ابن أبي سعيد ابن عقيل عليهالسلام
١٦٢ ـ شهادة محمّد بن أبي سعيد بن عقيل عليهالسلام :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٥٣)
قال هاني بن ثبيت الحضرمي : إني لواقف عاشر عشرة لما صرع الحسين عليهالسلام ، إذ نظرت إلى غلام من آل الحسين عليهالسلام ، عليه إزار وقميص ، وفي أذنيه درّتان ، وبيده عمود من تلك الأبنية ، وهو مذعور يتلفّت يمينا وشمالا.
فأقبل رجل يركض ، حتى إذا دنا منه مال عن فرسه ، وعلاه بالسيف وقطعه. فلما عيب عليه كنّى عن نفسه (١).
وذلك الغلام هو محمّد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب عليهالسلام وكانت أمه تنظر إليه وهي مدهوشة (٢).
وفي (مثير الأحزان) للجواهري ، ص ٨٤ :
وخرج غلام من تلك الأبنية ، وفي أذنيه درّتان ، وهو مذعور ؛ فجعل يلتفت يمينا وشمالا ، وقرطاه يتذبذبان. فحمل عليه هاني بن ثبيت فقتله. فصارت (شهربانوا) تنظر إليه ولا تتكلم كالمدهوشة. وأورد ذلك بعد شهادة العباس عليهالسلام مباشرة.
مصرع الغلام عبد الله الأصغر ابن الحسن عليهماالسلام
١٦٣ ـ شهادة الغلام عبد الله (الأصغر) ابن الحسن عليهالسلام :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٥٤ ؛ والإرشاد للمفيد ، ص ٢٤١)
قال : ثم إنهم لبثوا هينئة وعادوا إلى الحسين عليهالسلام وأحاطوا به ، وهو جالس على الأرض لا يستطيع النهوض. فخرج الغلام عبد الله بن الحسن السبط عليهالسلام وله إحدى عشرة سنة [أمه بنت السليل بن عبد الله البجلي ، وقيل أم ولد (٣)] ، ونظر إلى عمه وقد أحدق به القوم ، فأقبل من عند النساء يشتدّ نحو عمه الحسين عليهالسلام ، فلحقته زينب عليهاالسلام لتحبسه (فأفلت منها) ، فقال لها الحسين عليهالسلام : احبسيه يا أختي. فأبى وامتنع عليها امتناعا شديدا ، وقال : والله لا أفارق عمي. وأهوى أبجر ابن كعب إلى الحسين عليهالسلام بالسيف ، فقال له الغلام : ويلك يابن الخبيثة ، أتقتل
__________________
(١) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٨ ؛ والبداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ١٨٦.
(٢) الخصائص الحسينية للشيخ جعفر التستري ، ص ١٢٩.
(٣) مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الاصفهاني ، ص ٥٨ ط ٢.
عمي؟. فضربه أبجر بالسيف ، فاتّقاها الغلام بيده ، فأطنّها (١) إلى الجلد ، فإذا هي معلّقة. فصاح الغلام : يا عمّاه (وفي رواية : يا أمّاه). فأخذه الحسين عليهالسلام فضمّه إليه ، وقال : يابن أخي اصبر على ما نزل بك ، واحتسب في ذلك الخير ، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين.
ورفع الحسين عليهالسلام يديه قائلا : اللهم إن متّعتهم إلى حين ، ففرّقهم تفريقا ، واجعلهم طرائق قددا [أي مذاهب متفرقة] ، ولا ترض الولاة عنهم أبدا ، فإنهم دعونا لينصرونا ، ثم عدوا علينا يقاتلوننا (٢).
ورمى حرملة بن كاهل الغلام بسهم فذبحه وهو في حجر عمّه (٣). وحملت الرجّالة يمينا وشمالا على من كان بقي مع الحسين عليهالسلام فقتلوهم ، حتى لم يبق معه إلا ثلاثة نفر أو أربعة.
١٦٤ ـ مخاطبة زينب عليهاالسلام لعمر بن سعد :
(مقتل الخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٥ ؛ ومقتل المقرّم ، ص ٣٥٩)
ثم دنا عمر بن سعد من الحسين عليهالسلام ليراه.
قال حميد بن مسلم : وخرجت زينب بنت علي عليهماالسلام وقرطاها يجولان في أذنيها ، وهي تقول : ليت السماء أطبقت على الأرض (وليت الجبال تدكدكت على السهل). وانتهت نحو الحسين عليهالسلام وقد دنا منه عمر بن سعد في جماعة من أصحابه ، والحسين عليهالسلام يجود بنفسه. فصاحت : أي عمر ، أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟!. فصرف بوجهه عنها ودموعه تسيل على خديه ولحيته. والحسين عليهالسلام جالس وعليه جبة خز ، وقد تحاماه الناس.
وفي (الإرشاد) للشيخ المفيد ، ص ٢٤٢ : وخرجت أخته زينب عليهاالسلام إلى باب الفسطاط ، فنادت عمر بن سعد بن أبي وقاص : ويلك يا عمر ، أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه!. فلم يجبها عمر بشيء. فنادت : ويحكم أما فيكم مسلم؟!. فلم يجبها أحد بشيء.
__________________
(١) أطنّها : أي قطعها حتى سمع لها طنين ، وهو الصوت.
(٢) تاريخ الطبري ، ج ٦ ص ٢٥٩ ؛ ومثير الأحزان ، ص ٣٨ ؛ واللهوف ، ص ٦٨.
(٣) مثير الأحزان ، ص ٣٩ ؛ واللهوف ، ص ٦٨.
وفي (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٦٣ ط ٢ نجف : فخفق الحسين عليهالسلام برأسه خفقة ، ثم انتبه وهو يقول : رأيت الساعة جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يقول : يا بني اصبر ، الساعة تأتي إلينا.
١٦٥ ـ الذين اشتركوا في قتل الحسين عليهالسلام بعد ضعفه :
(اللهوف لابن طاووس ، ص ٥٢)
ونادى شمر بن ذي الجوشن الفرسان والرجالة ، فقال : ويحكم ما تنتظرون بالرجل (اقتلوه) ثكلتكم أمهاتكم؟. فحملوا عليه من كل جانب. فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى ، وضرب الحسين عليهالسلام زرعة فصرعه. وضربه آخر على عاتقه المقدس بالسيف ضربة كبا بها لوجهه ، وكان قد أعيى ، وجعل ينوء ويكبّ. فطعنه سنان بن أنس بن عمرو النخعي في ترقوته. ثم انتزع الرمح ، فطعنه في بواني صدره. ثم رماه سنان أيضا بسهم فوقع السهم في نحره ، فسقط عليهالسلام وجلس قاعدا. فنزع السهم من نحره ، وقرن كفيه جميعا ، فكلما امتلأتا من دمائه خضّب بها رأسه ولحيته ، وهو يقول : هكذا ألقى الله مخضّبا بدمي ، مغصوبا عليّ حقي.
١٦٦ ـ نداء شمر (الثاني) للإجهاز على الحسين عليهالسلام :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٥٤)
وبقي الحسين عليهالسلام مطروحا مليّا ، ولو شاؤوا أن يقتلوه لفعلوا ، إلا أن كل قبيلة تتّكل على غيرها وتكره الإقدام (١) ... فصاح الشمر : ما وقوفكم وما تنتظرون بالرجل ، وقد أثخنته السهام والرماح ، احملوا عليه (٢).
وضربه زرعة بن شريك على كتفه الأيسر ، ورماه الحصين في حلقه (٣) وضربه آخر على عاتقه ، وطعنه سنان بن أنس في ترقوته ، ثم في بواني صدره ، ثم رماه بسهم في نحره (٤) وطعنه صالح بن وهب في جنبه (٥).
__________________
(١) مقتل المقرّم نقلا عن الأخبار الطوال ، ص ٢٥٥ ، والخطط المقريزية ج ٢ ص ٢٨٨.
(٢) مقتل المقرم نقلا عن مناقب ابن شهر اشوب ، ج ٢ ص ٢٢٢ ط إيران.
(٣) مقتل المقرم نقلا عن الإتحاف بحب الأشراف ، ص ١٦.
(٤) مقتل المقرم نقلا عن الله وف ، ص ٧٠. والبواني : أضلاع الزور ، مفردها بانية.
(٥) مقتل المقرم نقلا عن مقتل العوالم ، ص ١١٠.
١٦٧ ـ وصف هلال بن نافع للحسين عليهالسلام وهو يجود بنفسه :
(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٥٧)
قال هلال بن نافع : إني لواقف في عسكر عمر بن سعد ، إذ صرخ صارخ : أبشر أيها الأمير ، فهذا (شمر) قد قتل الحسين.
قال : فخرجت بين الصفين فوقفت عليه ، وإنه ليجود بنفسه. فو الله ما رأيت قتيلا مضمّخا بدمه أحسن منه ولا أنور وجها ، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيئته عن الفكرة في قتله (١).
١٦٨ ـ الحسين عليهالسلام يطلب شربة ماء في آخر رمق من حياته :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٥٦)
فاستسقى عليهالسلام في تلك الحال ماء ، فأبوا أن يسقوه. وقال له رجل : لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها. فقال عليهالسلام : أنا أرد الحامية فأشرب من حميمها! بل أرد على جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأسكن معه في داره ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وأشرب من ماء غير آسن [أي غير متغيّر الطعم والرائحة] ، وأشكو إليه ما ارتكبتم مني وفعلتم بي. (قال) : فغضبوا بأجمعهم ، حتى كأن الله لم يجعل في قلب أحدهم من الرحمة شيئا (٢).
فاحتزّوا رأسه وإنه ليكلمهم. فتعجبت من قلة رحمهم ، وقلت : والله لا أجامعكم على أمر أبدا.
وفي (الأنوار النعمانية) للسيد نعمة الله الجزائري ، ج ٢ ص ٢٤٤ :
قال : فأقبل عدوّ الله سنان بن أنس وشمر بن ذي الجوشن العامري في رجال من أهل الشام ، حتى وقفوا على رأس الحسين عليهالسلام ، فقال بعضهم لبعض : أريحوا الرجل. فنزل سنان بن أنس وأخذ بلحية الحسين عليهالسلام وجعل يضرب السيف في حلقه ، وهو يقول : والله إني لأجتزّ رأسك ، وأنا أعلم أنك ابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خير الناس أما وأبا.
وفي (مقدمة مرآة العقول) ج ٢ ص ٢٨٤ :
__________________
(١) لواعج الأشجان للسيد الأمين ، ص ١٨٨.
(٢) مقتل المقرم نقلا عن مثير الأحزان لابن نما ، ص ٤٩.
قال : وجعل سنان بن أنس لا يدنو أحد من الحسين عليهالسلام إلا شدّ عليه مخافة أن يغلب على رأسه ، حتى أخذ رأس الحسين عليهالسلام فدفعه إلى خوليّ.
١٦٩ ـ دعاؤه عليهالسلام قبيل استشهاده :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٥٦)
ولما اشتدّ به الحال عليهالسلام رفع طرفه إلى السماء وقال : الله م متعال المكان ، عظيم الجبروت ، شديد المحال ، غني عن الخلائق ، عريض الكبرياء ، قادر على ما يشاء. قريب الرحمة ، صادق الوعد ، سابغ النعمة ، حسن البلاء. قريب إذا دعيت ، محيط بما خلقت. قابل التوبة لمن تاب إليك. قادر على ما أردت ، تدرك ما طلبت. شكور إذا شكرت ، ذكور إذا ذكرت. أدعوك محتاجا ، وأرغب إليك فقيرا ، وأفزع إليك خائفا. وأبكي مكروبا ، وأستعين بك ضعيفا ، وأتوكل عليك كافيا. الله م احكم بيننا وبين قومنا ، فإنهم غرّونا وخذلونا وغدروا بنا وقتلونا ، ونحن عترة نبيك وولد حبيبك محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم الّذي اصطفيته بالرسالة ، وائتمنته على الوحي ، فاجعل لنا من أمرنا فرجا ومخرجا ، يا أرحم الراحمين (١). صبرا على قضائك يا رب ، لا إله سواك ، يا غياث المستغيثين (٢). مالي ربّ سواك ، ولا معبود غيرك. صبرا على حكمك. يا غياث من لا غياث له ، يا دائما لا نفاد له. يا محيي الموتى ، يا قائما على كل نفس بما كسبت ، احكم بيني وبينهم وأنت خير الحاكمين (٣).
١٧٠ ـ ذهول القوم عن حزّ رأس الحسين الشريف وهربهم منه :
(مقتل الحسين لأبي مخنف ، ص ٨٩)
قال أبو مخنف : ثم غشي عليه ، وبقي ثلاث ساعات من النهار ، والقوم في حيرة لا يدرون أهو حيّ أم ميّت!.
قال : وبقي الحسين عليهالسلام مكبوبا على الأرض ملطّخا بدمه ثلاث ساعات ، وهو يقول : صبرا على قضائك ، لا إله سواك ، يا غياث المستغيثين. فابتدر إليه أربعون رجلا كل منهم يريد حزّ نحره الشريف. وعمر بن سعد يقول : ويلكم عجّلوا عليه.
__________________
(١) مصباح المتهجد والإقبال ، وعنهما في مزار البحار ، ص ١٠٧ ، باب زيارته عليهالسلام يوم ولادته.
(٢) أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٤٢٣.
(٣) رياض المصائب ، ص ٣٣.
وكان أول من ابتدر إليه (شبث بن ربعي) وبيده السيف ، فدنا منه ليحتزّ رأسه ، فرمق الحسين عليهالسلام بطرفه ، فرمى السيف من يده وولى هاربا ، وهو يقول : ويحك يابن سعد ، تريد أن تكون بريئا من قتل الحسين وإهراق دمه ، وأكون أنا مطالب به!. معاذ الله أن ألقى الله بدمك
يا حسين. فأقبل (سنان بن أنس) وقال : ثكلتك أمك وعدموك قومك
لو رجعت عن قتله. فقال شبث : يا ويلك إنه فتح عينيه في وجهي فأشبهتا عيني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فاستحييت أن أقتل شبيها لرسول الله. فقال له : يا ويلك أعطني السيف فأنا أحقّ منك بقتله. فأخذ السيف وهمّ أن يعلو رأسه ، فنظر إليه الحسين عليهالسلام فارتعد سنان ، وسقط السيف من يده وولى هاربا ، وهو يقول : معاذ الله أن ألقى الله بدمك يا حسين. فأقبل إليه (شمر) وقال : ثكلتك أمك ما أرجعك عن قتله؟. فقال : يا ويلك ، إنه فتح في وجهي عينيه ، فذكرت شجاعة أبيه ، فذهلت عن قتله.
١٧١ ـ لا أحد يجرؤ على ذبح الحسين عليهالسلام :
(المنتخب للطريحي ، ص ١٧١ ط ٢)
قال الطريحي : وطعنه سنان بن أنس النخعي برمح. وبادر إليه خولي بن يزيد ليحتزّ رأسه ، فرمقه بعينيه ، فارتعدت فرائصه منه ، فلم يجسر عليه ، وولى عنه.
ثم ابتدر إليه أربعون فارسا ، كلّ يريد قطع رأسه ، وعمر بن سعد يقول : عجّلوا عليه ، عجّلوا عليه. فدنا إليه شبث بن ربعي وبيده سيف ليحتزّ رأسه ، فرمقه عليهالسلام بطرفه ، فرمى شبث السيف من يده وولى هاربا ، وهو يقول : معاذ الله أن ألقى أباك بدمك.
قال الراوي : فأقبل إليه رجل قبيح الخلقة ، كوسج اللحية ، أبرص اللون ، يقال له سنان ، فنظر إليه عليهالسلام فلم يجسر عليه وولى هاربا ، وهو يقول : ما لك يا عمر بن سعد ، غضب الله عليك ، أردت أن يكون محمّد خصمي؟!.
١٧٢ ـ الإجهاز على الحسين عليهالسلام :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ٢ ص ٣٦)
وقال سنان لخولي بن يزيد الأصبحي : احتزّ رأسه ، فضعف وارتعدت يداه.
فقال له سنان : فتّ الله عضدك وأبان يدك. فنزل إليه (شمر بن ذي الجوشن) وكان
أبرص ، فضربه برجله وألقاه على قفاه ثم أخذ بلحيته. فقال له الحسين عليهالسلام : أنت الكلب الأبقع الّذي رأيته في منامي. فقال شمر : أتشبّهني بالكلاب يابن فاطمة؟. ثم جعل يضرب بسيفه مذبح الحسين عليهالسلام.
وروي أنه جاء إليه شمر بن ذي الجوشن وسنان بن أنس ، والحسين عليهالسلام بآخر رمق ، يلوك بلسانه من العطش. فرفسه شمر برجله ، وقال : يابن أبي تراب ، ألست تزعم أن أباك على حوض النبي يسقي من أحبه؟. فاصبر حتى تأخذ الماء من يده. ثم قال الشمر لسنان بن أنس : احتزّ رأسه من قفاه. فقال : والله لا أفعل ذلك ، فيكون جده محمّد خصمي. فغضب شمر منه ، وجلس على صدر الحسين عليهالسلام وقبض على لحيته ، وهمّ بقتله. فضحك الحسين عليهالسلام وقال له : أتقتلني!. أو لا تعلم من أنا؟. قال : أعرفك حق المعرفة ؛ أمك فاطمة الزهراء ، وأبوك علي المرتضى ، وجدك محمّد المصطفى ، وخصمك الله العليّ الأعلى ، وأقتلك ولا أبالي .. وضربه الشمر بسيفه اثنتي عشرة ضربة ، ثم حزّ رأسه الشريف.
١٧٣ ـ أشقى الأشقياء شمر بن ذي الجوشن يحزّ الرأس الشريف :
(مقتل الحسين لأبي مخنف ، ص ٩١)
فقال الشمر لسنان : يا ويلك إنك لجبان في الحرب ، هلمّ إليّ بالسيف فو الله ما أحد أحقّ مني بدم الحسين. إني لأقتله سواء أشبه المصطفى أو علي المرتضى. فأخذ السيف من يد سنان وركب صدر الحسين عليهالسلام فلم يرهب منه ، وقال : لا تظنّ أني كمن أتاك ، فلست أردّ عن قتلك يا حسين!. فقال له الحسين عليهالسلام : من أنت ويلك ، فلقد ارتقيت مرتقى صعبا طالما قبّله النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. فقال له : أنا الشمر الضبابي. فقال الحسين عليهالسلام : أما تعرفني؟!. فقال ولد الزنا : بلى ، أنت الحسين ، وأبوك المرتضى ، وأمك الزهرا ، وجدك المصطفى ، وجدتك خديجة الكبرى. فقال له : ويحك إذا عرفتني فلم تقتلني؟. فقال له : أطلب بقتلك الجائزة من يزيد. فقال له الحسين عليهالسلام : أيّما أحبّ إليك ؛ شفاعة جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أم جائزة يزيد؟. فقال : دانق من جائزة يزيد أحب إليّ منك ومن شفاعة جدك وأبيك. فقال له الحسين عليهالسلام : إذا كان لا بدّ من قتلي فاسقني شربة من الماء. فقال : هيهات هيهات ، والله ما تذوق الماء أو تذوق الموت غصّة بعد غصة وجرعة بعد جرعة. ثم قال شمر : يابن أبي تراب ، ألست تزعم أن أباك على الحوض يسقي من أحبّ ، اصبر قليلا حتى يسقيك أبوك.
فقال له عليهالسلام : سألتك بالله إلا ما كشفت لي عن لثامك لأنظر إليك. (قال) فكشف له عن لثامه ، فإذا هو أبرص أعور ، له بوز كبوز الكلب ، وشعر كشعر الخنزير. فقال له الإمام عليهالسلام : صدق جدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فقال له الشمر : وما قال جدك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟. قال : سمعته يقول لأبي عليهالسلام :
يا علي يقتل ولدك هذا أبرص أعور ، له بوز كبوز الكلب ، وشعر كشعر الخنزير. فقال له شمر : يشبّهني جدك رسول الله بالكلاب ، والله لأذبحنّك من القفا ، جزاء لما شبّهني جدك.
ثم أكبّه على وجهه ، وجعل يحزّ أوداجه بالسيف ، وهو يقول :
أقتلك اليوم ونفسي تعلم |
|
علما يقينا ليس فيه مزعم |
أن أباك خير من يكلّم |
|
بعد النبي المصطفى المعظّم |
أقتلك اليوم وسوف أندم |
|
وإن مثواي غدا جهنّم |
قال الراوي : وكلما قطع منه عضوا نادى الحسين عليهالسلام : وا محمداه وا علياه وا حسناه وا جعفراه وا حمزتاه وا عقيلاه وا عباساه وا قتيلاه وا قلة ناصراه وا غربتاه.
فاحتزّ الشمر رأسه الشريف ، وعلاه على قناة طويلة .. فكبّر العسكر ثلاث تكبيرات.
١٧٤ ـ عدد الجراحات التي أصابت جسم الحسين عليهالسلام :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٥٣ ط طهران)
ثم عدّوا ما في جسد الحسين عليهالسلام ، فوجدوه ثلاثا وثلاثين طعنة برمح ، وأربعا وثلاثين ضربة بالسيف. ووجدوا في ثيابه مائة وعشرين رمية بسهم. وهذا مطابق لما أورده الطبري في تاريخه.
وفي (لواعج الأشجان) للسيد الأمين ، ص ١٦٩ ط نجف : وجد في قميص الحسين عليهالسلام الّذي سلب ، مائة وبضع عشرة ؛ ما بين رمية وطعنة وضربة.
وعن الصادق عليهالسلام : أنه وجد بالحسين عليهالسلام ثلاث وثلاثون طعنة ، وأربع وثلاثون ضربة.
وعن الباقر عليهالسلام : أنه وجد به ثلاثمائة وبضع وعشرون جراحة.
وفي مخطوطة مصرع الحسين [الموجودة في مكتبة الأسد بدمشق] قال
أبو مخنف : وكان عليه جبّة خزّ دكناء ، فوقع فيها مائة وثمانون ضربة ، فوصل إلى بدنه الشريف اثنان وستون ضربة وطعنة.
فرس الحسين عليهالسلام
١٧٥ ـ ما فعله الفرس عند مصرع الحسين عليهالسلام :
(العيون العبرى في مقتل سيد الشهداء لابراهيم الميانجي ، ص ١٩٣)
ولما صرع الحسين عليهالسلام جعل فرسه يحامي عنه ، ويثب على الفارس [أي من الأعداء] فيخبطه عن سرجه ويدوسه ، حتى قتل الفرس أربعين رجلا ، كما في (مدينة المعاجز) عن الجلودي.
ثم تمرّغ الفرس في دم الحسين عليهالسلام وأقبل يركض نحو خيمة النساء وهو يصهل. فسمعت بنات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم صهيله فخرجن ، فإذا الفرس بلا راكب ، فعرفن أن حسيناعليهالسلام قد قتل.
١٧٦ ـ رجوع فرس الحسين إلى المخيّم ، ورؤية زينب له :
(الفاجعة العظمى ، ص ١٧١)
في كتاب (تظلّم الزهراء) : لما سقط الحسين عليهالسلام عن فرسه عفيرا بدمه ، رامقا بطرفه إلى السماء ، وأمّ جواده إلى الخيام ، وسمعت زينب عليهاالسلام صهيله ، خرجت لاستقباله ، لأنها كانت كلما أقبل أخوها الحسين عليهالسلام من الحرب تتلقاه وتقع على صدره ، وتقبّله وهو يقبّل رأسها. فلما رأت الفرس خالية من راكبها ، وعنانها [أي حبل الفرس] يسحب على وجه الأرض ، خرّت مغشيّا عليها.
فلما أفاقت من غشوتها ركضت إلى نحو المعركة ، تنظر يمينا وشمالا ، وهي تعثر بأذيالها ، وتسقط على وجهها من عظم دهشتها. فرأت أخاها الحسين عليهالسلام ملقى على وجه الأرض ، يقبض يمينا وشمالا ، والدم يسيل من جراحاته كالميزاب ، وكان فيه ثلاثمائة وثمانون جرحا ، ما بين ضربة وطعنة ؛ فطرحت نفسها على جسده الشريف ، وجعلت تنادي وتقول : وا أخاه ، وا سيداه ، وا أهل بيتاه. ليت السماء أطبقت على الأرض ، وليت الجبال تدكدكت على السهل. ويحك يا عمر بن سعد ، أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟. فلم يجبها أحد بشيء.
فبينما هي تخاطبه وإذا بالشمر يضربها بالسوط على كتفيها ، وقال لها : تنحّي عنه وإلا ألحقتك به!. فجذبها عنه قهرا ، وضربها ضربا عنيفا ، فرجعت إلى المخيم.