السيد علي الحسيني الصدر
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 964-978-002-7
الصفحات: ٤٧٢
قوله تعالى : (مَن أوفى بعهدِه واتّقى فانّ اللّهَ يحبُّ المتقين) (١).
قوله تعالى : (وأَوفُوا بالعهد إنّ العهدَ كانَ مسئولا) (٢).
قوله تعالى : (ألَم أعهَد إليكُم يا بني آدَمَ أن لا تعبدوا الشيطان) (٣).
والمستفاد من المذكور من تفسيرها ، أن الوفاء بالعهد هي الأمور العشرة الآتية :
١ ـ الإقرار للّه تعالى بالربوبيّة ، ولمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم بالنبوة ، ولعليّ عليهالسلام بالامامة ولشيعتهم بالجنة والكرامة.
٢ ـ عدم إخفاء شرافة أهل البيت عليهمالسلام ، وعدم وضع اسمائهم الشريفة على من لا يستحقها من المقصّرين والمسرفين والضالّين والمضلّين.
٣ ـ الوفاء بالعهد الذي أخذه رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم على الناس في مودة أهل البيت وطاعتهم ، وأن لا يخالفوا أمير المؤمنين عليهالسلام ، ولا يتقدموا عليه ، ولا يقطعوا رَحِمَه.
٤ ـ الوفاء بالميثاق المأخوذ في الدين يوم الغدير بولاية علي بن أبي طالب والأئمة من بعده عليهمالسلام.
٥ ـ الوفاء بأهل البيت عليهمالسلام والبقاء عليه وعدم نقضه وخفره.
٦ ـ التفكر في مصنوعات اللّه تعالى التي هي من دلائل توحيده.
٧ ـ أداء الأمانات وعدم الخيانة فيها.
٨ ـ ملازمة العدل وتأدية أحكام الشرع وعدم ارتكاب الظلم.
__________________
(١) سورة آل عمران : الآية ٧٦.
(٢) سورة الإراء : الآية ٣٤.
(٣) سورة يس : الآية ٦٠.
٩ ـ امتثال تكاليف اللّه ، من فعل الواجبات وترك المحرّمات.
١٠ ـ عدم عبادة الشيطان ومتابعته (١).
نسأل اللّه التوفيق للوفاء بعهد اللّه وما يريده ، والمنّ علينا بالتجنّب عما يكرهه ، والتفضّل علينا برؤية محيّاه الأمجد ووجهه الأسعد.
__________________
(١) لاحظ لاستفادة الامور العشرة : مرآة الأنوار : ص ١٥٨ ، عن تفسير الامام العسكري عليهالسلام. كنز الدقائق : ج ١ ص ٣٠٩ ، وج ٣ ص ١٣٣ ، وج ٤ ص ٤٨١ ، وج ٧ ص ٤٠٥.
البحث السادس
نُدبةُ الامام المهدي عليهالسلام
النُّدبة في اللغة هي الدعوة ، يقال : ندبتُه الى الأمر ندباً اي دعوته ، وَندَبه الى الأمر : دعاه وحثّه عليه ، والنُّدبة هي : الدعوة بحُزن مع تعديد المحاسن.
وندبة الامام المهدي عليهالسلام من أحسن انحاء الدعاء والتوجّه الى اللّه في الشدّة والرّخاء ، وفضل الدعاء والتوجّه أمرٌ معلوم (١).
في حين هي ابراز المحبة الى ساحة قدس الامام عليهالسلام ، وإظهار الاشتياق اليه ، ودعاء بتعجيل فرجه ، وسؤال الى اللّه في ظهور دولته ، وهو أمر مرغوب (٢).
وهي أيضاً سؤال الى اللّه تعالى في مثل فقرة : «وهَب لنا رأفته ورحمته ودعاءه» بان يدعو لنا الامام المهدي عليهالسلام ، وهو صاحب الدعاء المستجاب والوسيلة الى اللّه الوهاب.
والقدوة والأسوة في ندبته عليهالسلام ـ حيث يلزم أن نتأسّى به ـ هو مولانا الامام الصادق عليهالسلام ، حيث نَدَبَه قبل ولادته ، فيما تلاحظه في حديث سدير الصيرفي قال :
فرأيناه جالساً على التراب وعليه مسح خيبري ... ، وهو يبكي الواله الثكلى ذات الكبد الحرّى ... ، وهو يقول :
«سيدي ، غيبتك نفت رقادي ، وضيّقت عليّ مهادي ، وابتزّت منّي راحة
__________________
(١) لاحظ فضل الدعاء والحث عليه في الكتاب الكريم والأحاديث الشريفة : عدة الداعي : ص ١١.
(٢) خصوصاً الدعاء للامام المهدي عليهالسلام وتعجيل فرجه الذي اُمرنا بالإكثار منه : كمال الدين : ص ٤٨٥.
فؤادي» الخ (١).
ونُدبته عليهالسلام مرغوبة ، حتى في زيارته التي اُمِر بتلاوتها؛ اعني زيارة آل يس المعروفة بزيارة الندبة.
قال السيد ابن طاووس :
«زيارة ثانية لمولانا صاحب الزمان صلوات اللّه عليه ، وهي المعروفة بالندبة. خرجت من الناحية المحفوفة بالقدس الى ابي جعفر محمد بن عبداللّه الحميري رحمهالله ، وأمر أن تتلى ...».
ثم ذكر صورة زيارة سلامٌ على آل يس المباركة (٢).
ودعاء الندبة الشريفة الممثِّلة للمحاسن الجليلة للامام الحجة عليهالسلام من الأدعية المعتبرة سنداً ودلالةً ، الوارد قرائتها في الأعياد الاسلامية الأربعة : الغدير ، والفطر والأضحى ، والجمعة.
وقد جاء هذا الدعاء في مصباح الزائر للسيد ابن طاووس (٣) ، وبحار الانوار للعلامة المجلسي (٤).
سند الدعاء الشريف
مصدر دعاء الندبة الشريف هو الكتاب المعتمد «المزار الكبير» محمد بن المشهدي (٥). جاء فيه :
__________________
(١) كمال الدين : ص ٣٥٤ ح ٥٠.
(٢) مصباح الزائر : ص ٤٣٠.
(٣) مصباح الزائر (للسيد ابن طاووس) : ص ٤٤٦.
(٤) بحار الانوار (للعلامة المجلسي) : ج ١٠٢ ص ١٠٤ ب ٧ ، زيارات الامام الحجة عليهالسلام.
(٥) له ثلاث نسخ خطية في مكتبة امير المؤمنين عليهالسلام ، ومكتبة السيد الحكيم ، ومكتبة السيد المرعشي ، كما حكى.
«قال محمد بن علي بن أبي قُرّة : نقلت من كتاب ابي جعفر محمد بن الحسين البزوفري رضياللهعنه دعاء الندبة ، وذكر انه الدعاء لصاحب الزمان صلوات اللّه عليه ، ويستحب أن يُدعى به في الأعياد الأربعة ، وهو : الحمد للّه رب العالمين ...».
وفي بيان تحليل هذا السند المعتبر بجميع رجاله نقول :
كتاب المزار الكبير من المصادر المعتبرة عند اصحابنا الابرار ، حيث ذكره عند توثيق المصادر المولى المجلسي في مقدمة البحار (١) ، وحقق اعتباره الميرزا النوري في خاتمة المستدرك (٢) ، ونقله الشيخ الطهراني في الذريعة (٣).
ومؤلفة الشيخ ابي عبداللّه محمد بن جعفر المشهدي الحائري.
قال فيه الشيخ منتجب الدين في الفهرست :
«ابو البركات محمد بن اسماعيل المشهدي ، فقيه ، محدث ، ثقة» (٤).
وهو من كبار محدّثي الاماميّة مابين القرن السادس والسابع (٥).
وهو الشيخ الجليل السعيد المتبحّر ، عظيم المنزلة والمقدار (٦).
فهو رحمه اللّه تعالى مورد الوثوق والمدح ، وقد وثّق جميع رواته في كتاب مزاره حيث قال في مقدمته :
__________________
(١) مقدمة البحار : ج ١ ص ٣٥.
(٢) خاتمة المستدرك : ج ٣ ص ٣٦٨.
(٣) الذريعة : ج ٢٠ ص ٣٢٤.
(٤) المستدرك : ج ٣ ص ٣٦٨.
(٥) ريحانة الادب : ج ٨ ص ٢٠٨.
(٦) الكنى والألقاب : ج ١ ص ٣٩٦.
«فاني قد جمعت في كتابي هذا من فنون الزيارات للمشاهد ، وماورد في الترغيب في المساجد المباركات ، والأدعية المختارات ، وما يُدعى به عقيب الصلوات ، وما يُناجى به القديم تعالى من لذيذ الدعوات في الخلوات ، وما يُلجأ اليه من الأدعية عند المهمات ، ممّا اتّصَلَت من ثُقات الرواة الى السادات».
وعليه فكتاب المزار معتمد ، وصاحبه موثوق ، ورواته موثقون بتوثيقه العام.
وأما ابن ابي قرة ، فهو الشيخ الثقة الجليل ابو الفرج محمد بن علي بن يعقوب بن اسحاق بن أبي قرة القناني الكاتب.
ويكفي فيه ـ مضافاً الى التوثيق العام من ابن المشهدي ـ توثيق النجاشي له بقوله :
«كان ثقة وسمع كثيراً وكتب كثيراً ، وكان يورّق لأصحابنا ومعنا في المجالس ، له كتب منها كتاب عمل يوم الجمعة ، كتاب عمل الشهور ، كتاب معجم رجال ابي المفضل ، كتاب التهجد. أخبرني وأجازني جميع كتبه» (١).
وأما البزوفري ، فهو الشيخ الأجل ابو جعفر محمد بن الحسين بن سفيان البزوفري ، وهو من مشايخ الشيخ المفيد الذي روى مكرراً عنه مع الترحّم عليه (٢). فيستفاد الوثوق به والاعتماد عليه ، مضافاً الى التوثيق العام من ابن المشهدي فيما تقدم عن كلامه.
فالسند تام في جميع رواته الى قوله في المزار :
«وذكر (يعني البزوفري) أنه الدعاء لصاحب الزمان صلوات اللّه عليه».
__________________
(١) رجال النجاشي : ص ٢٨٣.
(٢) خاتمة المستدرك : ج ٣ ص ٥٢١.
مما يستفاد انه يروي هذا الدعاء عن صاحب الأمر أرواحنا فداه ومن جانبه ، كما ترى هكذا تعبير في نسبة الأدعية والخطب للمعصومين عليهمالسلام حين يقال : ومن دعاء له او من خطبة له ، لا أنه دعاء يُدعى به لوجود صاحب الأمر عليهالسلام.
وذلك لقرينتين تفيدان كون هذا الدعاء من المعصوم عليهالسلام :
الاولى : قوله : «يُستحب أن يُدعى به» ، فان الاستحباب من الاحكام التكليفية التوقيفية التي لا يقول بها علماؤنا الّا اذا ثبتت عن المعصوم عليهالسلام.
الثانية : قوله : «يدعى به في الاعياد الأربعة» ، فان تعيين الزمان الخاص لدعاءٍ لا يكون الّا في المأثور ، والّا فغير المأثور لا يمكن تعيين زمانٍ خاصٍ له ولا يختص بزمان.
فيستفاد من هاتين القرينتين وبالسند المعتمد في البين ، انه دعاء مأثور عن المعصوم عليهالسلام.
متن الدعاء الشريف
دراسة خاطفة في متن دعاء الندبة الشريفة ، تعطينا نور المعرفة بأنه أجلّ الأدعية المباركة ، التي يشهد متنها بعلو قدرها والاستغناء عن سندها.
فان فقراتها الفصيحة مبتنية على أصول الدين القويم ، ومنسجمة مع آيات الذكر الحكيم ، وأحاديث الوحي الكريم مما توسمها بقوّة المتن مضافاً الى اعتبار السند.
فنرى أنها تبتدي ببيان الربوبية الالهية المحمودة ، وإظهار كمال المحمود في أول فقرةٍ من متنها يعني :
«الحمد للّه ربّ العالمين».
ثم تبيّن عدالة اللّه تعالى في خلقه بارسال رُسله في فقرة :
«إقامة لدينك وحجة على عبادك ، ولئلا يزول الحق عن مقرّه ، ولا يغلب الباطل على أهله».
ثم تهدي الى النبوّة المقدسة ورسالة خاتم الانبياء صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله :
«الى أن انتهيت بالأمر الى حبيبك ونجيبك محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فكان كما انتجبته سيد من خلقته ، وصفوة من اصطفيته ، وأفضل من اجتبيته ، واكرم من اعتمدته. قدّمته على انبيائك ، وبعثته الى الثقلين من عبادك».
ثم تصرّح بالامامة الحقّة والخلافة الصادقة ببيانها :
«فلما انقضت أيّامُه أقام وليَّه علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليهما وآلهما هادياً ، إذ كان هو المنذر ولكلّ قوم هاد. فقال والملأُ أمامه : من كنتُ مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ مَن عاداه ، وانصر من نصره اخذل من خذله ...».
ثم تختم الدعاء بالمعاد والقيامة الكبرى ومشاهدها العظمى :
«واسقنا من حوض جدّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بكأسه وبيده ريّاً رويّاً سائغاً لا ظمأ بعده يا أرحم الراحمين».
كل ذلك مشحوناً بالآيات القرآنية والكلمات الالهيّة في مثل :
«ووعدته أن تُظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون ... ، وجعلت له ولهم أوّلَ بيت وضع للناس ، للذي ببكّة مباركاً وهدى للعالمين ، فيه آيات بيّنات ، مقام ابراهيم ومن دخله كان آمناً ، وقلت انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً .... فقلت قل لا أسألكم عليه أجراً الّا المودة في القربى».
بالاضافة الى أنها مسندة في طيّها ضمناً بالاحاديث النبوية المتفق عليها
بين الفريقين : مثل حديث الغدير : «من كنت مولاه فعليّ مولاه».
وحديث المنزلة : «انت منّي بمنزلة هارون من موسى».
وحديث مدينة العلم : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها».
هذا مع اشتمال فصل الامامة فيها على أبرز معاني الحقيقة الصادعة والفضيلة الصادقة مثل :
١ ـ مناقب أمير المؤمنين عليهالسلام : «وكان بعده هدىً من الضلال ، ونوراً من العمى ، وحبل اللّه المتين ، وصراطه المستقيم. لا يُسبق بقرابة في رَحِم ، ولا بسابقةٍ في دين ، ولا يُلحق في منقبةٍ من مناقبه».
٢ ـ التفجّع على أهل البيت عليهمالسلام :
«لم يمتثل أمر رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في الهادين بعد الهادين ... فقتل من قُتل ، وسُبي من سبي ، وأقصى من اُقصى» الخ.
٣ ـ ندبة الامام المهدي عليهالسلام :
«أين بقية اللّه التي لا تخلو من العترة الهادية. أين المُعدّ لقطع دابر الظلمة. أين المنتظر لاقامة الأمت والعوج. اين المرتجى لازالة الجور والعدوان. اين المدّخر لتجديد الفرائض والسنن» الخ.
٤ ـ الاستغاثة بالامام المهدي عليهالسلام : «يابن السادة المقربين ، يابن النجباء الأكرمين ، يابن الهداة المهديّين ، يابن الخيرة المهذّبين» الخ.
٥ ـ التحبب واظهار الحب للامام المهدي عليهالسلام :
«بنفسي أنت من مغيّب لم يخلُ منّا. بنفسي أنت من نازحٍ ما نَزَح عنّا. بنفسي أنت اُمنيّة شائقٍ يتمنّى» الخ.
٦ ـ الدعاء الى اللّه تعالى :
«اللهم أنت كشّاف الكرب والبلوى ، واليك أستعدي فعندك العدوى ،
وأنت ربّ الآخرة والدنيا. فاغث يا غياث المستغيثين. عبيدك المبتلى» الخ.
٧ ـ الصلاة على أهل البيت عليهمالسلام :
«اللهم صل على محمد وآل محمد وصلّ على محمد جده ورسولك السيد الاكبر ، وعلى عليّ أبيه السيد الأصغر ، وجدّته الصديقة الكبرى فاطمة بنت محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعلى من اصطفيت من آبائه البررة ، وعليه ...».
٨ ـ التوسل الى اللّه تعالى وطلب الدولة الحقة : «اللهم وأقم به الحق ، وأدحض به الباطل ، وأدل به أوليائك ، وأذلل به أعدائك ، وصِلِ اللهم بيننا وبينه وُصلةً تؤدّى الى مرافقة سلفه ، واجعلنا ممن يأخذ بحُجزتهم ويمكث في ظلّهم».
فتلاحظ أن كلّ ذلك في مضامين هذا الدعاء الشريف في أكمل درجات جلالة القدر وعظمة الشأن ، وقوّة المتن ، وجميعها مطابقة للحق الحقيق ، رزقنا اللّه تعالى لتلاوته أتم التوفيق.
البحث السابع
ظهورُ الامام المهدي عليهالسلام
عرفت في البحث الثاني أن الظهور مقابلٌ للغيبة التي هي بمعنى الخفاء لا عدم الحضور.
وظهر الشيء ظهوراً أي برز بعد الخفاء (١).
وظهور الامام المهدي عليهالسلام هي تلك الأمنية الكبرى والأنشودة العظمى ، التي انتظرتها الأجيال ، وعقدت عليها الآمال.
وهي تلك البشرى السارّة التي تؤذن بنهاية دور الغيبة ، وبداية الدولة الحقة التي بشّرت بها الانبياء ، ووعدتها كتب السماء.
(ولَقد كتبنا في الزبورِ من بعدِ الذِّكر أنَّ الأرضَ يرثُها عبادِيَ الصالحُون) سورة الانبياء : الآية ١٠٦.
ولا يخفى في المقام وجود الفرق بين ظهور الامام المهدي عليهالسلام وبين قيامه.
فالظهور هو الخروج عن الاستتار ، والقيام هي النهضة والابتداء بالعمل ، ويكون الظهور أولاً ، ثم القيام بعد الخطبة والبيعة ثانياً.
ويكون مبدأ ظهوره عليهالسلام في المدينة ، ثم يتوجّه الى مكة ليظهر فيها كاملاً ، ويكون القيام من مكة بعدما يجتمع الأصحاب والأنصار (٢).
فلنفصل بحث هذا الفصل في مرحلتين :
١ ـ ظهوره سلام اللّه عليه.
٢ ـ قيامه أرواحنا فداه.
__________________
(١) مجمع البحرين : ص ٢٨٠.
(٢) الامام المهدي من المهد الى الظهور : ص ٤٦٣.
المرحلة الأولى : الظهور
إقتضت الحكمة الالهية البارعة أن يكون وقت ظهور الامام المهدي عليهالسلام مجهولاً عند الناس.
لكن الى جنب ذلك جُعلَت له علامات يتم بها موعد البشارات.
لذلك وردت أحاديث عديدة في عدم توقيت أو تحديد ظهوره عليهالسلام مثل :
١ ـ حديث الفضيل (قال) : سألت أبا جعفر عليهالسلام هل لهذا الأمر وقت؟
فقال : «كذب الوقاتون ، كذب الوقاتون ، كذب الوقاتون».
٢ ـ حديث منذر الجواز ، عن أبي عبداللّه عليهالسلام (قال) :
«كذب الموقتون؛ ما وقّتنا فيما مضى ، ولا نوقت فيما يستقبل».
٣ ـ حديث محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه عليهالسلام (قال) :
«من وقّت لك من الناس شيئاً ، فلا تهابن أن تكذبه ، فلسنا نوقت لأحد وقتاً» (١).
فمن الحكمة أن يكون وقت الظهور مكتوماً مخفياً كخفاء الأمور الأخرى ، مثل ليلة القدر ، أو وقت الموت.
ولعل من حِكَم خفاء وقت ظهوره عليهالسلام :
أولاً : درك فضيلة انتظار الفرج (٢) ، الذي هو من أفضل الأعمال وأهم الخصال.
فلو كان وقت ظهوره المبارك موقتاً ومحدداً معلوماً ، لكان الانتظار مبدّلاً
__________________
(١) الغيبة : ص ٢٦٢.
(٢) «الفَرَج» هو في اللغة بمعنى إنكشاف الغم والهم. يقال : فرّج الله عنك غمّك أو همّك ، يعني : كشفه ، كما في : مجمع البحرين : ص ١٦٨ ، وإنكشاف الغم والهمّ في هذه الأمة يكون بظهور وليّها الإمام المنتظر عليهالسلام.
الى اليأس عند الملايين من المؤمنين الماضين والحاضرين ، ممن لم يكونوا قريبي العصر مع وقت الظهور. فلم تحصل لهم ولم ينالوا حالة الانتظار مع تلك الأهمية الفائقة لها التي بيّنتها الأحاديث المتظافرة مثل :
١ ـ حديث ابي بصير عن الامام الصادق عليهالسلام أنّه قال ذات يوم :
«ألا اُخبركم بما لا يقبل اللّه عزَّ وجلَّ من العباد عملاً إلّا به؟
فقلت : بلى.
فقال : شهادة أن لا إله إلّا اللّه ، وأنَّ محمّداً عبده [ورسوله] ، والاقرار بما أمر اللّه ، والولاية لنا (يعني الأئمّة خاصّة) ، والبراءة من أعدائنا والتسليم لهم ، والورع والاجتهاد والطمأنينة ، والانتظار للقائم عليهالسلام.
ثمَّ قال : إنَّ لنا دولةً يجيء اللّه بها إذا شاء.
ثمَّ قال : من سرَّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق ، وهو منتظر. فان مات وقام القائم بعده ، كان له من الأجر مثل أجر من أدركه. فجدّوا وانتظروا (١) هنيئاً لكم أيّتها العصابة المرحومة» (٢).
٢ ـ حديث ابي الجارود ، عن الامام الباقر عليهالسلام. قال : قلت لأبي جعفر عليهالسلام : يا ابن رسول اللّه ، هَل تعرف مودتي لكم وانقطاعي إليكم وموالاتي إيّاكم؟
قال : فقال :
«نعم. قال : فقلت : فإني أسألك مسألة تجيبني فيها ، فإنِّي مكفوف البصر ، قليل المشي ، ولا أستطيع زيارتكم كلَّ حين.
قال : هات حاجتك.
__________________
(١) في بعض النسخ «فجدوا تعطوا ، هنيئاً هنيئاً».
(٢) الغيبة (للشيخ النعماني) : ص ٢٠٠ ب ١١ ح ١٦.
قلت : أخبرني بدينك الذي تدين اللّه عزّ وجلّ به أنت وأهل بيتك ، لأدينَ اللّه عزَّ وجلَّ به.
قال : إن كنت أقصرت الخطبة (١) فقد أعظمت المسألة. واللّه لاُعطينك ديني ودين آبائي الذي ندين اللّه عزَّ وجلّ به.
شهادة أن لا إله إلّا اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والإقرار بما جاء به من عند اللّه ، والولاية لوليّنا ، والبراءة مِن عذوِّنا ، والتسليم لأمرنا ، وانتظار قائمنا والاجتهاد والورع» (٢).
٣ ـ حديث البزنطي ، عن الامام الرضا عليهالسلام أنه قال :
«ما أحسن الصبر وانتظار الفرج. أما سمعت قول اللّه عزَّ وجلَّ : (وارتقبوا إنّي معكم رقيب) (٣) ، (فانتظروا إنّي معكم من المنتظرين)؟
فعليكم بالصبر ، فإنّه إنّما يجيء الفرج على اليأس ، فقد كان الّذين من قبلكم أصبر منكم» (٤).
٤ ـ حديث الاربعمائة الشريف جاء فيه :
قال أمير المؤمنين عليهالسلام :
«انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح اللّه ، فانَّ أحبَّ الأعمال إلى اللّه عزَّ وجلَّ انتظار الفرج».
وقال عليهالسلام : «مزاولة قلع الجبال أيسر من مزاولة ملك مؤجَّل ، واستعينوا
__________________
(١) الظاهر أن الخطبة بضم الخاء بمعني ما يتقدم من الكلام المناسب قبل اظهار المطلوب ، كما في مرآة العقول.
(٢) اصول الكافي : ج ٢ ص ٢١ ح ١٠.
(٣) تمام الآية في : سورة هود : الآية ٩٣ : (يا قوم اعملوا على مكانتكم اني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا اني معكم رقيب).
(٤) كمال الدين : ص ٦٤٥ ب ٥٥ ح ٥.
باللّه واصبروا.
إنَّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين. لا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا ، ولا يطولنَّ عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم».
وقال عليهالسلام : «الآخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس ، والمنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه» (١).
فنلاحظ وتعرف من خلال هذه الاحاديث الشريفة أن انتظار الفرج الالهي من الأسس الدينية التي جعلها رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أفضل أعمال اُمته.
إذ به فاز الاسلام منذ بدءه ، حينما لم يكن الا هو صلىاللهعليهوآلهوسلم وابن عمه عليهالسلام وناصراه سيدنا أبو طالب والسيدة خديجة.
وبه دام الاسلام ببركة جهاد وجهود اوصياءه وعترته.
وبه يظهر الاسلام على الدين كله والكون جميعه بظهور مُصلحه وصاحبه.
فانتظار الفرج الحقيقي هي العُدّة والعَدد والحفاظ في قبال الصدمات والكوارث والمخططات ، التي يريد بها الاعداء أن يطفئوا نور اللّه : (ويأبى اللّه الا أن يتم نوره ولو كره المشركون).
لذلك يحق أن يكون إنتظار الفرج وعدم اليأس هو الأصل الاصيل لبقاء العقيدة الاسلامية الخالصة ، المتجسدة في ظهور الامام المهدي عليهالسلام ودولته الحقّة.
ثانياً : ما في انتظاره عليهالسلام من التهيؤ لمقدمه الشريف واصلاح النفس لقدومه المبارك (٢).
__________________
(١) البحار : ج ٥٢ ص ١٢٢ ب ٢٢ ح ٧.
(٢) ظهور حضرت مهدي عليهالسلام. : ص ٢٠٣.
وهذا الانتظار الشريف يوجب إصلاح النفس وقابلية الشخص ، بل درجات الفضل والكمال.
كما نلاحظه وجداناً فيمن اتصف به حقيقةً من المؤمنين المنتظرين الذين حازوا الكرامات ونالوا المكرمات.
ثالثاً : حكمة الامتحان واختبار الخلق.
كيف يكون تصديق الناس وتسليمهم لظهور الامام المهدي عليهالسلام الذي لم يعرفوا وقته ، ولم يعلموا زمانه.
وكيف يكون ثُباتهم وصبرهم على أمرٍ لم يطّلعوا على حين تحققه.
فيُمتحنون به (أحسبَ الناسُ أن يُتركوا أن يقولوا آمنّا وهُم لا يُفتَنون ولقد فتنّا الذين من قبلِهم فَلَيعلمَنَّ اللّه الذين صدقوا ولَيَعلمَنَّ الكاذبين) (١).
وعند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان ، وبه يتبيّن الحال وحقائق الرجال.
فالحكمة البالغة إذن تقتضي خفاء زمان الظهور وعدم توقيته.
لكن قلنا : أن للظهور علائمه التي تُعلن عن بشارة تحققه ، وقد ورد ذكرها في الأحاديث المباركة.
وقد قُسّمت هذه العلائم الى أقسام ثلاثة :
القسم الأول : العلائم العامة التي تحدث في زمان غيبة الامام المهدي عليهالسلام.
القسم الثاني : العلائم التي تحدث قبل ظهور الامام المهدي عليهالسلام بسنوات
غير كثيرة.
القسم الثالث : العلائم التي هي قريبة من الظهور ، في سنتها أو قبلها.
والقسم الثالث هذا على نوعين : المحتومة وغير المحتومة.
__________________
(١) سورة العنكبوت : الآية ٣.