الشيخ عبد الله الحسن
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات ذوي القربى
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٩
إنهم مبشَّرون بالجنَّة ، مستنداً إلى حديث العشرة المبشَّرين بالجنّة كما يزعمون ، وإنه لعمري حديث لا يحتاج منّي إلى كثير عناء لإثبات وهنه ، ومخالفة متنه لواقع الأحداث التاريخيّة ، وهو لا يعدو أن يكون إحدى الأكاذيب التي وضعت كغيرها من الفضائل ، وأورده هنا كنموذج لمأساة الأمّة.
العشرة المبشَّرون بالجنّة هم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وطلحة والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، وأبو عبيدة بن الجرَّاح.
هذا الحديث الضعيف سنداً ـ كما بيَّن فطاحل العلم ـ يكذِّبه متنه كذلك ، ولا ندري لماذا اشتهر هؤلاء العشرة بالتبشير بالجنَّة ، وحصرت فيهم مع أن النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بشَّر غيرهم ، كآل ياسر والحسن والحسين وأبي ذر ، والقرآن أيضاً يبشِّر كل من آمن وعمل صالحاً ثمَّ اهتدى بالجنّة.
إن هؤلاء الذين يرفعون عقيرتهم بمثل هذه الروايات الموضوعة لم يفطنوا إلى وضوح كذب الأحاديث ، إذ أنها لو كانت وردت عن النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حقيقة لسمعنا في التأريخ احتجاج عمر بهاً ـ مثلا ـ في السقيفة كدعاية انتخابيّة لأبي بكر ، يسند بها انتخابه له.
وياليتني أجد من يوضح لي : هل من الممكن أن يكون عبد الرحمن بن عوف أحد رواة هذا الحديث معتقداً بصحّته ، ومع ذلك يسلُّ سيفه على عليٍّ عليهالسلام يوم شورى الستة قائلا : بايع وإلاَّ تقتل (١)؟!
__________________
١ ـ راجع : شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٦/٩٦ ، و١٢/٢٦٥ ، الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : ١٧٦ ، الغدير ، الأميني : ٥/٣٧٥.
ويقول لعلي عليهالسلام ـ بعدما انتقضت البلاد على عثمان ـ : إذا شئت فخذ سيفك ، وآخذ سيفي ، إنّه قد خالف ما أعطاني (١).
وهل أبو بكر وعمر المبشَّران بالجنّة هما اللذان ماتت الصدّيقة بضعة المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم وهي واجدة عليهما (٢)؟
وهل هما اللذان قالت لهما : إني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني ، وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبيَّ لأشكونَّكما إليه (٣)؟
وهل أبو بكر هذا هو الذي أوصت فاطمة عليهاالسلام أن لا يصلِّي عليها ، وأن لا يحضر جنازتها (٤)؟
وهل كان عمر يصدِّق هذه الرواية وله إلمام بها ، وهو يناشد مع ذلك حذيفة بن اليمان العالم بأسماء المنافقين ، ويسأله عن أنه هل هو منهم (٥)؟
وهل كان طلحة والزبير يؤمنان بقول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وهما يؤلِّبان على عثمان ، ويشاركان في قتله؟ وهما اللذان خرجا على إمامهما ، وخليفة
__________________
١ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٣/٢٨ ، الغدير ، الأميني : ٩/٨٦ عن البلاذري.
٢ ـ راجع صحيح البخاري : ٥/٨٢ ، صحيح مسلم : ٥/١٥٤.
٣ ـ الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : ١/٣١ ، مناقب أهل البيت عليهمالسلام الشيرواني : ٤٠٢.
٤ ـ صحيح البخاري : ٥/٨٢ ، صحيح مسلم : ٥/١٥٤ ، تأريخ المدينة ، ابن شبة النميري : ١/١٩٧.
٥ ـ فتح الباري ، ابن حجر : ٨/٤٨٧ ، تفسير القرطبي : ١/٢٠٠ ، قال الشيخ علي بن يونس العاملي في ( الصراط المستقيم : ٣/٧٩ : وفي الإحياء للغزالي : كان عمر لا يحضر جنازة لم يحضرها حذيقة وفي مسند الصحابيات روى أبو وائل عن مسروق عن أم سلمة قالت : قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : من أصحابي من لا أراه ولا يراني ، فناشدها عمر : هل أنا منهم؟ الخبر ، وكيف يسأل الإمام رعيته عن أحوال إيمانه وقد رويتم أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم شهد له بالجنة ورأى له قصراً فيها فلا يعتمد على قول نبيه 6 ويعتمد على غيره؟
المسلمين ، المفروض عليهما طاعته ، بعد أن عقدت له البيعة ، فنكثا بيعته ، وأسعرا عليه نار البغض وقاتلاه وقتلا؟
أو ليس طلحة والزبير هما اللذان ارتكبا من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في هتك حرمته ما لم يرتكبه أحد ، حينما أخرجا زوجته عائشة تسير بين العساكر في البراري والفلوات ، غير مبالين في ذلك ولا متحرِّجين؟!! (١)
وغير ذلك الكثير مما يؤكِّد أن الحديث مكذوب على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من أصله ، ولا تحتاج معرفة ذلك إلى كثير عناء (٢).
__________________
١ ـ جاء في كتاب البداية والنهاية لابن كثير : ٧/٢٤٠ ، في معركة الجمل : قال علي عليهالسلام لطلحة : أجئت بعرس رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تقاتل بها ، وخبأت عرسك في البيت؟!
وجاء في تاريخ اليعقوبي : ٢/١٨٣ في معركة الجمل لما اجتاز الزبير بالأحنف بن قيس قال : ما رأيت مثل هذا! أتى بحرمة رسول الله 6 يسوقها فهتك عنها حجاب رسول الله 6 وستر حرمته في بيته ثم أسلمها وانصرف! ألا رجل يأخذ لله منه؟!
وجاء في مروج الذهب للمسعودي : ٢/٣٦٧ في وقوف أميرالمؤمنين عليهالسلام على هودج عائشة بعدما هزمت وسقط جملها ، قال : فجاء علي عليهالسلام فضرب الهودج بقضيب وقال : يا حُميراء! أرسول الله 6 أمركِ بهذا؟ ألم يأمرك أن تقري في بيتك؟ والله ما أنصفك الذين أخرجوكِ إذ صانوا عقائلهم وأبرزوكِ؟!
٢ ـ بنور فاطمة 3 اهتديت ، عبدالمنعم حسن : ١٦٣ ـ ١٦٥.
المناظرة الحادية والثلاثون
مناظرة
المحامي محمّد علي المتوكِّل السوداني
مع الدكتور الحبر يوسف نور الدائم
في الإقتتال الذي جرى بين الصحابة
يذكر المحامي محمّد علي المتوكِّل السوداني (١) أنه أجرى مع الدكتور الحبر يوسف نور الدائم (٢) حواراً في منزله في أحد الأحياء الشعبيَّة في أم درمان ، باقتراح من أحد أصدقائه في معرفة رأي الدكتور في التشيُّع ، وموقفه من تناقضات التأريخ.
ومن هذا الحوار مايلي :
الدكتور الحبر : على كل حال هم شيعة ، ويكفي أنهم لا يتورَّعون عن القدح في الصحابة والتطاول عليهم.
قال : فقلت : وماذا في ذلك إذا كان الصحابة أنفسهم كان ما بينهم السباب وتبادل الاتّهام ، بل أكثر من ذلك : الاقتتال وإراقة الدماء ، كالذي حدث مباشرة
__________________
١ ـ مؤلِّف كتاب : ودخلنا التشيُّع سجَّداً.
٢ ـ أستاذ اللغة العربيّة بجامعة الخرطوم ، وأحد أبرز مؤسِّسي حركة الإخوان في السودان.
بعد وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ ويكفي أنهم اقتتلوا في واقعة الجمل ، فكان القتلى من الصحابة والتابعين بالألوف ، فكيف جاز لهم أن يقتتلوا ويتسابّوا ، ولا يجوز لنا أن نعيِّن المخطئ منهم والمصيب؟ (١)
__________________
١ ـ والمشكلة عند القوم تكمن في تزكيتهم جميع الصحابة بلا استثناء ، يقول ابن الأثير في مقدِّمة كتابه أسد الغابة في معرفة الصحابة : ١/٣ : والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلاَّ الجرح والتعديل ، فإنّهم كلّهم عدول ، لا يتطرَّق الجرح إليهم ؛ لأن الله عزَّوجلَّ ورسوله 6 زكَّياهم وعدَّلاهم ، وذلك مشهور لا نحتاج لذكره.
أقول : ليس هناك أيُّ دليل على أن الله تعالى ورسوله 6 زكَّيا جميع الصحابة ، وحاشاهما ، والقرآن الكريم والسنّة فيهما الأدلّة التي تنافي هذه الدعوى ، وذلك من خلال بعض الآيات والأحاديث الشريفة ، وكيف يكونون كلُّهم عدولا ، وفيهم من هو معلوم الحال ، وفيهم المنافقون الذين يتستَّرون تحت شعار الإسلام ، ونزلت آيات من القرآن فيهم ، بل نزلت سورة كاملة باسمهم وهي سورة المنافقون ، وإذا حكمنا بأن جميع الصحابة عدول فقد حكمنا في الضمن أيضاً بعدالة جميع المنافقين ، المندسّين في صفوف الصحابة ، والمتستِّرين باسم الإسلام وباسم صحابة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكانت لهم بعض العلامات التي يعرفون بها ، فقد روى الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين : ٣/١٢٩ وصحَّحه ، عن أبي ذر رضي الله عنه قال : ما كنّا نعرف المنافقين إلاَّ بتكذيبهم الله ورسوله 6 ، والتخلُّف عن الصلوات ، والبغض لعليِّ بن أبي طالب عليهالسلام ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
وقد أخبر القرآن عن بعضهم وسمَّاه فاسقاً ، وهو الوليد ، وذلك في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَة فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) سورة الحجرات ، الآية : ٦. فانظر قصة الوليد بن عقبة ونزول الآية فيه في الدرّ المنثور للسيوطي : ٦/٨٨.
وقد روى البخاري في صحيحه : ٧/٢٠٧ عن أنس ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : ليردن عليَّ ناس من أصحابي الحوض ، حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني ، فأقول : أصحابي فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك.
وروى في ص ٢٠٩ عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت : قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إني على الحوض حتى أنظر من يرد عليَّ منكم ، وسيؤخذ ناس من دوني ، فأقول : يا ربّ! منّي ومن أمتي ، فيقال : هل شعرت ما عملوا
قال : إن اقتتال الصحابة فيما بينهم لا يخرجهم من دائرة الإيمان ؛ لقوله تعالى : ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) (١).
قلت : ولكنه تعالى يقول بعد ذلك : ( فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الاُْخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) أليس لنا أن نحدِّد الفئة الباغية ، وإذا ما كانت قد فاءت إلى أمر الله أم لا؟
قال : يا بنيَّ! نحن نقول كما قال أبو زرعة : تلك فتنة وقى الله منها سيوفنا ، أفلا نقي منها ألسنتنا؟
عند هذا الحدّ كان صاحبي قد بلغ به الغضب مبلغاً خشيت معه أن يأتي بتصرُّف لا يليق بالمقام ، وفي ذات الوقت بدأ الدكتور غير راغب في المضيِّ في هذا الاتجاه المزعج ، عندئذ أدركت أنه لا جدوى من الإصرار على توجيه الحوار عقائديّاً ، فعدنا إلى الحوار في ساحة العمل الإسلاميّ.
حركة التشيع في السودان
ويقول المحامي محمّد علي : إن الدكتور الحبر ... لم يرضه أن يعلو ذكر أهل البيت عليهمالسلام في السودان ، وأن يسارع الشباب إلى الدخول في حصون
__________________
بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم.
فكيف يكونون كلهم عدولا وفيهم من قد علمت؟ وبعد هذه الروايات وأمثالها ، هل يمكن القول بعدالة جميع الصحابة ، وفيهم سمرة بن جندب ومعاوية بن أبي سفيان وأمثالهما؟ والخلاصة أن الصحابة كغيرهم ، فيهم المؤمن التقيُّ والصفيُّ النقيُّ ، وفيهم غير ذلك ، وكلٌّ يعرف بعمله ، وما ظهر على سلوكه ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشرٌّ.
١ ـ سورة الحجرات ، الآية : ٩.
ولايتهم ، فأخذ يدقُّ نواقيس الخطر ، ويؤلِّب ذوي الشأن ليتصدَّوا لحركة التشيُّع التي عمَّت أرجاء السودان ، وأن على المسؤولين أن يقفوا في وجه هذا المدّ ، وأنه بهذا البيان يكون قد أدَّى ما عليه ؛ إذ لا يملك أن يفعل بهذا الصدد أكثر من التحذير.
لقد فات على الدكتور أن التشيُّع بما هو جوهر الدين قد صمد عبر التأريخ في وجه أعنف حملات الطمس والتشويه ، واستعصى على كل المؤامرات التي استهدفته منذ وفاة الرسولصلىاللهعليهوآلهوسلموإلى الآن ، وهو المذهب الوحيد الذي ظلَّ أمره في ازدياد ؛ لما يستبطن من حقّ ، ولتمسُّك أهله به ، ولقدرته على مواكبة العصر ، والوفاء بمتطلَّبات الزمن ، بينما اندثرغيره من المذاهب ، أوكاد ، حتى المذاهب الأربعة لم يعد التمسُّك بها إلاَّ تقليديّاً وشكليّاً ، ولم تعد قادرة على الوقوف أمام دعاوى التجديد الفقهيّ ، وفتح أبواب الاجتهاد التي تنطلق من هنا وهناك ..
والذي لا يعرفه الدكتور أو يتجاهله هو أن الولاء لأهل البيت عليهمالسلام أسبق في دخوله إلى السودان من جميع الحركات السلفيَّة بما فيها حركة الإخوان ، وأن السودانيين قد عرفوا لأهل البيت عليهمالسلام حقَّهم في ذات الوقت الذي عرفوا فيه الإسلام ، وأن البنية الاجتماعيَّة في السودان لا يهدِّدها انخراط الشباب في سلك التشيُّع لأهل البيت عليهمالسلام ، الذين هم قوام الدين ، ونظام الأمّة ، ولكن ما يهدِّد المجتمع في دينه وحضارته هو انتماؤهم إلى تلك الجماعات الموتورة ، التي ورثت الحقد عن الخوارج وأهل الفتن وبني أمية وأئمَّة القشريين من لدن ابن تيمية إلى محمّد بن عبد الوهاب وأتباعه (١).
__________________
١ ـ المتحوِّلون ، الشيخ هشام آل قطيط : ٦٦٣ ـ ٦٦٦.
المناظرة الثانية والثلاثون
مناظرة
الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني قبل تشيُّعه
مع ابن عمِّه المتشيِّع في الإمامة ووجوب البحث عن الحقيقة
قال الأستاذ عبد المنعم حسن تحت عنوان ( حوار في بداية الطريق ) : كنت قلقاً جدّاً وأنا أحاول تجنُّب أيِّ حوار مع ابن عمِّي حول هذا المذهب الجديد الذي تجسَّد في سلوكه أدباً وأخلاقاً ومنطقاً ، مما جعلني أفكِّر في أنه لا غضاضة في النقاش معه حول أصل الفكرة ، رغم قناعتي بأنَّ ما يؤمن به لا يتجاوز أطر الخرافة ، أو ربَّما نزوة عابرة جعلته يتبنَّى هذه الأفكار الغريبه.
قلقي كان نابعاً من تخوُّفي لأن أتأثَّر بفكرته ، أو ربَّما أجد أنها تجبرني على الاعتراف بها ، وبالتالي أخالف ما عليه الناس ، وما وجدت عليه آبائي ، وسأكون شاذّاً في المجتمع ، وربَّما اتُّهمت بأني مارق من الدين كما اتّهم ، ولكني تجاوزت كل ذلك ، وقرَّرت أن أخوض معه حواراً ، لعلّني أجد منفذاً أزعزع من خلاله ثقة هذا الرجل بما يعتنقه ، خصوصاً وأني قرأت كتباً لا بأس بها ضدَّ الشيعة والتشيُّع ، ومنها كان المخزون الذي من خلاله أنطلق لجداله ، فبدأت معه الحوار.
قلت له : الآن أنت تركت ما كان عليه الناس وأصبحت شيعيّاً ، فما هي
الضمانات التي تمنعك من أن تغيِّر مذهبك غداً؟
قال : الآية الكريمة تقول : ( قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (١) ، وأنا من أنصار الدليل أينما مال أميل ، وقد أفرغت وسعي ، وتوصَّلت إلى أن الطريق المستقيم هو مذهب أهل البيت عليهمالسلام ، والدليل على صحّته أن الأدلّة التي يسوقها أصحابه مما اتّفق عليه جميع المسلمين.
قلت : لكن لماذا لم يكتشف غيرك هذه الحقيقة؟
قال : أوّلا : من قال لك إنه لا يوجد غيري؟!
وثانياً : وصول غيرك للحقيقة أو عدمه ليس دليلا على صحّة أو خطأ ما توصَّلت إليه ، إن المسألة تكمن في نفس وجدان الحقيقة والحقّ ، ومن ثَمَّ اتّباعه ، ولا شأن لي بغيري ، لأن الله يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) (٢).
قلت له : لو افترضنا صحّة مذهب الشيعة ذلك يعني أن ٩٠% من المسلمين على خطأ ؛ لأن كل المسلمين يؤمنون بمذهب أهل السنّة والجماعة ، فأين هذا التشيُّع من عامة الناس؟
الكثرة ليست معياراً للحق
قال : الشيعة ليست بهذه القلّة التي تتصوَّرها ، فهم يمثِّلون غالبيَّة في كثير من الدول ، ثمَّ إن الكثرة والقلّة ليست معياراً للحقّ ، بل القرآن كثيراً ما يذمُّ
__________________
١ ـ سورة البقرة ، الآية : ١١١.
٢ ـ سورة المائدة ، الآية : ٥.
الكثرة ، يقول تعالى : ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) (١) ، ويقول : ( وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ) (٢) ، ( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) (٣) ، وبذلك لا تكون الكثرة دليلا على أنهم على حقٍّ.
أمَّا التشيُّع كمنهج سماويٍّ فهو موجود ، بدليل أني شيعيٌّ ، وإذا وجِّه الإشكال إلى عدم انتشار التشيُّع فهذا يتوجَّه أيضاً لرسول الله صلىاللهعليهوآله في أوَّل دعوته وحتى وفاته ؛ إذ أن الإسلام لم يكن منتشراً ، ومع ذلك فهو الحقُّ المنزل من قبل الله تعالى.
قلت متعجِّباً : وهل تريدني أن أسلِّم بأن آباءنا وأجدادنا الذين عرفناهم متديِّنين طريقهم غير الذي أمر به الله؟!
ابتسم قائلا : أنا لست في مقام بيان وتقييم أحوال الماضين ، فالله أعلم بهم ، ولكن أذكِّرك بأن القرآن يرفض أن يكون الأساس في الاعتقاد تقليد الآباء والأجداد ، يقول تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ ) (٤).
أخذ الدين عن طريق أئمّة أهل البيت عليهمالسلام
شعرت بأن الحوار قد أخذ منحىً عاماً ، وأن حجّته بدت في هذا المجال قويَّة ومدعَّمة بآيات قرآنية ، فقرَّرت أن أناقش معه مفردات معتقده التي قرأت
__________________
١ ـ سورة الزخرف ، الآية : ٧٨.
٢ ـ سورة الأعراف ، الآية : ١٧.
٣ ـ سورة سبأ ، الآية : ١٣.
٤ ـ سورة البقرة ، الآية : ١٧٠.
نقدها من الكتب ، وتركتها كورقة أخيرة في النهاية ؛ لأني على ثقة من أنه لا يستطيع الإجابة عليها ، ولقد أضفت إليها رأيي الخاص ، ولأغيِّر مجرى الحديث إلى حيث أريد قلت له : حسناً ، ماذا تقول الشيعة؟!
هنا اعتدل في جلسته وقال : الشيعة يقولون : إن هذا الدين الخاتم لا يجوز لنا أخذه إلاَّ عن طريق أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ، ويعتبرون أن هذا هو عين التمسُّك بسنَّته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو المطلوب من كل إنسان.
قلت ساخراً : كلُّنا نتّبع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولا أحد يرى أنه خلاف ما جاء به عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام.
قال : الأمر ليس مجرَّد ادّعاء ، إنّما يجب إثبات ذلك بالدليل ، ونحن كشيعة نرى أن المسألة الأساسيّة التي ابتليت بها الأمّة هي مسألة الإمامة والقيادة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والتي اختصَّ بها عليٌّ عليهالسلام كوصيٍّ وخليفة ، ومن بعده أئمَّة أهل البيت عليهمالسلام ، وواحدة من مستلزمات هذه الوصاية والإمامة الخلافة السياسيّة ، ومن أهل البيت فقط يصح أخذ الدين ، أمَّا ما أخذ من غيرهم فلا نقول إنه باطل مطلقاً ، ولكنّه حقٌّ مخلوط بباطل ، ونحن مأمورون بأخذ الحقِّ فقط دون غيره.
قلت : وما جدوائيَّة البحث حول قضيَّة مرَّت عليها قرون؟ وهل يفيدنا إذا ما كان عليٌّ عليهالسلام هو الخليفة أم أبو بكر؟!
ابتداء افتراق الأمة لما غصبت الخلافة من علي 7
سكت قليلاثمَّ قال: عندما ننظر ـ يا أخي ـ لكل مشكلة ، يجب البحث عن جذور تلك المشكلة حتى نحلِّلها ، وما عليه المسلمون اليوم من فرقة وشتات وضياع إنما هو ناتج عن ذلك اليوم الذي حجبت فيه الخلافة عن علي بن أبي
طالب عليهالسلام ، وأعطيت لغيره بلا حقٍّ ، ومن هناك ابتدأ افتراق الأمّة ، والآن أنا أمامك أقول لك : إن الشيعة على حقٍّ ، وأنت ترى خلاف ذلك ، من هنا جاءت ضرورة البحث في الماضي لنعرف أين الأصل ، ومن الذي خالف.
هنا أخذتني العزّة ، وقرَّرت الهجوم عليه من كل جانب ، فانهلت عليه بالأسئلة مقاطعاً : إذن أنتم تشكِّكون في الصحابة؟!
أجاب بهدوء : نحن لسنا في مقام التشكيك في أحد ، ما نقوله أن كل من اتّبع الحق من الصحابة أو غيرهم على رؤوسنا ، نقدِّسهم ، نحترمهم ، وكل من خالف النهج السماويّ القويم فلن نسمح لأنفسنا أخذ معالم ديننا منه.
الصحابة ومسألة الخلافة
فقلت له : لا أريدك أن تناقشني في عموميَّات! من غير المعقول أن كل الصحابة الذين بايعوا أبا بكر خالفوا قول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم! أتدري ماذا يعني ذلك؟يعني أن نشكِّك في كل ديننا ، فكيف تجوِّزون لأنفسكم ذلك؟ وأرجو ألا تستعمل معي التقيَّة المعروفة عندكم.
أجاب : أولا : التقيَّة شرعيَّة من الكتاب والسنة ، ولها مجالها ، وهي ليست واجبة في كل الأحوال ، إنما لها ظروفها الخاصة ، وأنا لا أمثِّل كل الشيعة ، بإمكانك أن تطّلع على كتب الشيعة ، فلن تجد غير كلامي هذا.
أما بالنسبة للصحابة فالأمر لا يصل إلى مستوى التشكيك في الدين إلاَّ إذا كان الدين عندك ملخَّصاً في الصحابة.
قاطعته : إنهم هم الذين نقلوا لنا الدين.
قال : بحثنا الآن حول نقلهم ، وهذا أوَّل الكلام وبيت القصيد ، أنتم
تجرحون الرجال في علم الجرح والتعديل ، وتبدأون عمليَّة معرفة أحوال الرجال من القرون المتأخِّرة بعد عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ونحن الشيعة نبدأ ممن كان حول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ لأن منهم من كان منافقاً ، وآخر كان لا يفقه شيئاً. وهكذا.
أضف إلى ذلك : من الذي قال : إن الجميع قد بايع أبا بكر؟ ارجع لكتب التاريخ ستجد أن أوَّل المعترضين كان علياً عليهالسلام ، ومعه مجموعة من الصحابة.
قلت : لو كان الأمر كما تدّعون لنصر الله عليّاً وخذل أبا بكر ، وهذا دليل على أن الله اختار للأمّة أبا بكر.
قال : بقولك هذا تلغي فلسفة الابتلاء التي يمتحن الله بها العباد ، إن الله يبيِّن الطريق للناس فقط ، ثمَّ يدعهم ، فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر ، والله لا يجبر الناس ، وإلاَّ نكون من الذين يقولون بالجبر فنسقط الثواب والعقاب ، ونتيجة كلامك هذا أن أيَّ شخص يتحكَّم في رقابنا يجب أن نهتف له ، ونعتبره تأييداً من الله ، وهذا ما لا يعقل.
ضرورة البحث في مسألة الإمامة أولا ثم الأصول الاُخرى
ورميت آخر سهم في جعبتي قائلا : إنكم تغالون في أهل البيت عليهمالسلام ، وتقولون إنهم معصومون ، كما أنكم تبيحون زواج المتعة ، وتجمعون في الصلاة ، وتصلّون للحجر ، والأخير رأيته بعيني ، يعني لم أقرأه في كتاب فقط.
قال : أخي! هذه فروع بإمكاني أن أناقشها معك ، ولكن من المنهجيَّة أن تبحث أولا حول الأصل الذي يتبعه الفرع أوتوماتيكياً ، فأنت عندما تريد أن تدعو شخصاً غير مؤمن بالله إلى الإسلام لن تبدأ معه بكيفيَّة الوضوء والصلاة ، بل لابدَّ من إقناعه بوجود الله تعالى ، ثمَّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمَّ تفرِّع على ذلك.
فأطلب منك ـ أخي ـ أن تبحث بتجرُّد ، وسترى نور الحقيقة.
انتهينا من جلسة الحوار هذه وأنا متعجِّب من هذه الثقة التي يملكها ، وفكَّرت في البحث ، ولكن ليس لكي أقتنع ، وإنما لأملك أدلّة أقوى أدحض بها حججه ، وبعد فترة قرَّرت ألا أدخل معه في نقاش حتى أكون بعيداً عن المشاكل ، وحتى لا أتأثَّر بهذه الأفكار الغريبة ، والتي أرى شخصاً عن قرب يتبنَّاها.
ثمَّ كانت البداية التي جعلتني أنطلق في البحث ... (١).
__________________
١ ـ بنور فاطمة اهتديت ، عبد المنعم حسن : ٥٥ ـ ٥٩.
المناظرة الثالثة والثلاثون
مناظرة
الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني
مع بعض أصدقائه حول العصمة في حديث الثقلين
قال الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني : جرى حوار بيني وبين أحد الأصدقاء حول عصمة الإمام ، قال لي : أنتم مغالون تبالغون في حبِّ أهل البيت عليهمالسلام حتى ادّعيتم أنهم معصومون ، ومفوَّضون بالتشريع ، ونحن لا نرى سوى عصمة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قلت : أولا : أهل السنة والجماعة لا يقولون بأن النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم معصوم في كل شيء ، بل في أمر التبليغ فقط ، ولا ندري كيف يحدِّدون ويصنّفون الأمور الواردة عن النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أيٌّ منها من الدين ، وأيٌّ من غيره ، وذلك بخلاف قول الشيعة الذين يقولون بعصمة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم المطلقة ، ولا فرق في ذلك بين أمور التشريع وغيرها.
أمَّا عصمة أهل البيت عليهمالسلام فالآية واضحة في دلالتها ، يقول تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) (١) الآية (٢).
__________________
١ ـ سورة الأحزاب ، الآية : ٣٣.
٢ ـ روى الحاكم النيسابوري ، عن أم سلمة قالت : في بيتي نزلت : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ
أضف إلى ذلك مجموعة الأحاديث التي نستشفُّ منها بوضوح دلائل العصمة ، وحسبك في ذلك حديث الثقلين (١) ، بعد أن ثبتت صحّته لدى جمهور المسلمين سنَّةً وشيعةً.
قال : هذا الحديث لا يدلُّ على العصمة ، فهو فقط يخبرنا بالرجوع لأهل البيت عليهمالسلام.
قلت : بل الحديث أوضح من أن يبحث فيه عن العصمة ؛ إذ أن صحّة الحديث يؤكِّد عصمتهم ، وإليك البيان ، وسألته : ما قولك في القرآن؟
قال : ماذا تقصد؟!
قلت : هل يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه؟
قال : لا.
قلت : إن اقتران أهل البيت عليهمالسلام بالكتاب ، والتصريح بعدم الافتراق عنه يدلُّ على عصمتهم ؛ إذ أن صدور أيِّ مخالفة للشريعة منهم سواء كان عمداً أم سهواً أم غفلة يعتبر افتراقاً عن القرآن ، لو قلنا بأنهم يفترقون عنه ولو للحظة فهذا تكذيب للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، الذي أخبر عن الله عزَّوجلَّ بعدم وقوع الافتراق ، وتجويز الكذب على النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم متعمِّداً مناف لعصمته حتى في مجال التبليغ ، وقد أكَّد على الحديث في أكثر من موضع.
__________________
أَهْلَ الْبَيْتِ ) قالت : فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين ، فقال : هؤلاء أهل بيتي.
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ٣/١٤٦.
١ ـ تقدَّم مع تخريجاته.
أضف إلى ذلك أن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم اعتبر التمسُّك بهم عاصماً من الضلالة دائماً وأبداً ، كما هو مقتضى ما تفيده كلمة لن التأبيديَّة ، فإذا كان هنالك مجال لضلالتهم ولو للحظة فكيف يكون التمسُّك بهم عاصماً؟!
هذا عن العصمة ، أمَّا ما قلته عن التفويض فلا أحد من الشيعة يقول به ، إنما هو قول أعداء الدين الذين حاولوا تشويه الصورة النقيَّة للتشيُّع ، وأنت إذا أردت أن تتعرَّف على معتقدات الشيعة فيجب عليك الاطّلاع عليها من كتبهم وأقوال علمائهم ، لا من كتب وأقوال المناوئين لهم ، الذين لا يتورَّعون عن الكذب والافتراء ، ومعروف عند الشيعة أن الأئمة يقولون بما قاله الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وها هو الإمام أميرالمؤمنين علي عليهالسلام يقول : علَّمني رسول الله ألف باب من العلم ، يفتح لي من كل باب ألف باب (١).
فهم لا يقولون بالتفويض ، بل أهل السنة والجماعة هم الذين فوَّضوا الصحابة في التشريع ، حتى أمضوا اجتهادات الصحابة الواضحة مقابل النصوص المؤكَّدة.
بعد هذا الحوار أخذ صاحبي يبحث له عن مخرج ، وبدأ يقفز بالحديث هنا وهناك ، ويحاول أن يجد ثغرة يصطادني بها ، وعندما لم يجد قال لي : يا أخي! أنا مفوِّض أمري إلى الله ، نحن أهل تسليم.
قلت : التسليم لايكون إلاَّ للحقِّ ، أمَّا التفويض لله فلا يلغي إرادتك ويجمِّد عقلك ، إذا كنت تصبو إلى الحقيقة واصل بحثك عنها ، ثمَّ فوِّض الأمر إلى الله
__________________
١ ـ تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٤٢/٣٨٥ ، ينابيع المودة ، القندوزي : ١/٢٣١ ح ٧١ ، نظم درر السمطين ، الزرندي : ١١٣.
يهديك إلى الصراط المستقيم ، أمَّا أن تكون لا تدري أعلى حقٍّ أنت أم على غيره ، ثمَّ تفوِّض الأمر ، هذا تبرير لا يقبل شرعاً ولا عقلا ... وتركته وذهبت (١).
حديث الثقلين وآية التطهير يدلان على عصمة أهل البيت عليهمالسلام
وقال الأستاذ عبد المنعم قبل هذه المناظرة في كتابه : وحديث العترة يثبت فيما يثبت عصمة أهل البيت عليهمالسلام ؛ لأن الذي لا يفارق القرآن ولا يفترق عنه يعني لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه مثل القرآن تماماً ، ولو كان هنالك ثمَّة احتمال ـ ولو ضئيل جدّاً ـ بافتراق أهل البيت عليهمالسلام عن القرآن لما أكَّد لنا الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في كلامه أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، وبهذا المعنى نفهم آية التطهير التي نزلت في أهل البيت : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢).
ولقد أجمعت مصادر التفسير والحديث على نزول هذه الآية في خمسة : النبيُّ عليهمالسلام ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، كما جاء في صحيح مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل أهل البيت : (٣).
والآية ناطقة بعصمة أهل البيتعليهمالسلام، ممّا يؤهِّلهم دون غيرهم للقيام بدور
__________________
١ ـ بنور فاطمة 3 اهتديت ، عبد المنعم حسن : ١٤٢ ـ ١٤٤.
٢ ـ سورة الأحزاب ، الآية : ٣٣.
٣ ـ راجع : صحيح مسلم : ٧/١٣٠ ، سنن الترمذي : ٥٠/٣١ ح ٣٢٥٩ ، مسند أحمد بن حنبل : ١/٣٣١ ، السنن الكبرى ، البيهقي : ٢/١٤٩ ، المصنّف ، ابن أبي شيبة : ٧/٥٠١ ، ح ٣٩ ـ ٤١ ، صحيح ابن حبان : ١٥/٤٣٢ ـ ٤٣٣ ، المستدرك ، الحاكم : ٣/١٣٣ و١٤٧ و١٤٨ ، المعجم الكبير ، الطبراني : ٣/٥٤ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٧/٩١.
الإمامة ، لحفظ الشريعة الإسلاميَّة ، وممارسة دور الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم القياديّ في الأمّة ، والذي لا يتأتَّى إلاَّ لمعصوم مصطفى من السماء ، وهذا ما لخَّصته آية التطهير ، والتي صدِّرت بأداة الحصر ( إنَّما ) وهي من أقوى أدوات الحصر ، وفيها إذهاب الرجس عن أهل البيت عليهمالسلام ، والرجس يعني مطلق الذنوب والآثام والأدناس ، والقيام بالتطهير بإرادة الله تعالى .. كل ذلك مؤدّاه عصمة أهل البيتعليهمالسلام.
ومن أوضح الواضحات التي لا تقبل الجدل عندنا في السودان أن أصحاب الكساء ـ أو أصحاب العباء ـ هم الخمسة الذين نزلت فيهم آية التطهير كما تواتر في الأحاديث (١).
__________________
١ ـ بنور فاطمة عليهاالسلام اهتديت ، عبد المنعم حسن : ١٤١ ـ ١٤٢.
المناظرة الرابعة والثلاثون
مناظرة
الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني مع بعض السلفيَّة
في التوحيد والتوسُّل وصفات الله تعالى
قال الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني في حواره مع البعض ، وسبب تأليفه كتابه القيِّم ( بنور فاطمة عليهاالسلام اهتديت ) تحت عنوان ( لماذا هذا الكتاب ) : ذهبت في يوم من الأيام إلى أحد أصدقائي لزيارته ، فأخذنا الحديث إلى حيث الشيعة والتشيُّع ، فتجاذبنا أطراف الحديث حول هذا الموضوع ... وفي أثناء تداولنا للموضوع دخل علينا شابٌّ في مقتبل العمر ... ألقى علينا تحيَّة الإسلام ، ثمَّ جلس وبدأ يستمع ، ونحن نواصل الحوار ، انتبهت إليه وقد بدت عليه علامات الحيرة ، ثمَّ تدخَّل في النقاش بقوله : يبدو أن بعض الفرق الضالّة أثَّرت عليك يا أخي! وأخذ يتفنَّن في المهنة التي يجيدها وأمثاله من توزيع أصناف الكفر والضلال والزندقة على كل الطوائف الإسلاميَّة عدا الوهابيّة ، كنت منذ دخوله قد علمت أنه وهابيٌّ ، وذلك من ثوبه الذي كاد أن يصل إلى ركبتيه من القصر ... قبل أن يتمَّ كلامه ارتفع أذان المغرب ، توقّفنا عن النقاش حتى نصلِّي ثمَّ نعود بعد الصلاة.
بعد الصلاة بادرني قائلا : من أيِّ الفرق أنت؟! يبدو أنك من جماعة