نهاية الأفكار - ج ٤ - ٢

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي

نهاية الأفكار - ج ٤ - ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٥٥

تقرير ابحاث آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي قدس سره

مع عدم كونه من الجامع القريب ، مبني على مقدمة ممنوعة ، وهي صدق الشيء عرفا على حيثية الربط التي هي من الإضافات ( والا فبناء ) على انصرافه إلى ما يكون له وجود مستقل بنظر العرف ، فلا يشملهما عموم الشيء أو اطلاقه ( ولذا ) ترى بناء الشيخ وغيره على انصرافه عما هو أعظم من ذلك كالترتيب والموالاة المعتبرة بين الاجزاء والكلمات ، بل واجزاء الكلام الواحد كالباء من البسملة والميم منها ونحو ذلك ( ومن هنا ) استشكل الشيخ قدس‌سره في جريان قاعدة الشك في الوجود في فرض كون الشك في وجود الكل والمركب من جهة الشك في فقد الموالاة والترتيب كما أشرنا إليه آنفا ( ثم انه ) بما ذكرنا يندفع الاشكال الآخر على الشيخ قدس‌سره من جهة التجاوز ( بتقريب ) ان التجاوز في قاعدة التجاوز انما يكون بالتجاوز عن محل الجزء المشكوك فيه ، وفي قاعدة الفراغ يكون بالتجاوز عن نفس الكل والمركب لا عن محله ، فيلزم على القول باتحاد القاعدتين استعمال التجاوز في المعنيين وهو باطل ( إذ فيه ) انه يمكن ان يكون التجاوز استعمل في معنى واحد وهو التجاوز عن نفس الشيء المشكوك فيه ، وان التجاوز عن محل المشكوك فيه عناية وادعاء تجاوز عن نفس الشيء ( غير أنه ) أريد في مقام التطبيق بدالين مصداقه الحقيقي والادعائي كل بدال خاص ، وهو غير استعماله في المعنى الحقيقي والادعائي ( كما أنه ) يندفع عنه اشكال ثالث وهو ان متعلق الشك في قاعدة التجاوز هو نفس الجزء ، واما في قاعدة الفراغ فمتعلق الشك فيها ليس وجود الكل ، بل هو ظرف للشك فلا يمكن ان يجمعهما كبرى واحدة ( إذ فيه ) ان مجرد كون المركب في الحقيقة ظرفا للشك لا يمنع عن صدق الشك فيه ( وبعد ) تسليم كون الجامع بين المفادين الشك في وجود الشيء بمفاد كان التامة ، فلا قصور في عموم الشيء لكل من الشك في وجود الجزء كالركوع والشك في الكل بما هو كل ( فالعمدة ) حينئذ في الاشكال ما ذكرناه من تغاير القاعدتين على نحو لا يجمعهما كبرى واحدة ، لتغاير متعلق الشك فيهما من كونه في قاعدة التجاوز أصل وجود الشيء بمفاد كان التامة ، وفي قاعدة الفراغ صحة الموجود بمفاد كان الناقصة ( فان ) هذين المفادين من جهة تغايرهما لا يجمعهما جامع وحداني قريب ( نعم ) بين الشك في أصل الشيء أو

٤١

في وجوده التام يتصور جامع قريب وهو الشك في وجود الشيء بمفاد كان التامة ، ولكنه غير مرتبط بالشك في صحة الشيء الذي هو مفاد قاعدة الفراغ كما هو ظاهر واضح.

( المورد الثاني ) في أن المستفاد من الأخبار الواردة في المقام هل هو قاعدة واحدة ، وهي حكم الشك في الوجود بمفاد كان التامة ( أو ان المستفاد ) منها قاعدتان ( إحديهما ) حكم الشك في الوجود ( والأخرى ) حكم الشك في صحة الموجود بنحو مفاد كان الناقصة المعبر عنها بقاعدة الفراغ ( فنقول ) وبه نستعين ، اعلم أن العمومات الواردة في المقام على طائفتين ( إحديهما ) ما يكون بلسان انه إذا شككت في الشيء بعد الدخول في غيره فشكك ليس بشيء ( والأخرى ) بلسان ان كل شيء شك فيه مما قد مضى فامضه كما هو ( اما الطائفة الأولى ) فمنها ما رواه زرارة في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) وفيه يا زرارة إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكك ليس بشيء ( ومنها ) رواية إسماعيل بن جابر قال قال أبو عبد الله (ع) : ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض وان شك في السجود بعد ما قام فليمض ، كل شيء شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه ( ومنها ) قوله (ع) في موثقة ابن أبي يعفور : إذا شككت في شيء من الوضوء ودخلت في غيره فشكك ليس بشيء انما الشك في شيء لم تجزه ( ومنها ) رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) رجل شك بعدما سجد انه لم يركع قال (ع) يمضي في صلاته حتى يستيقن ( ولا يخفى ) ان هذه الطائفة في غاية الظهور في كونها في مقام ضرب القاعدة الكلية للشك المتعلق بأصل وجود الشيء بمفاد كان التامة ، لظهور الشك فيها في الشك المتعلق بأصل وجود الشيء خصوصا بملاحظة تصدرها بالأسئلة المزبورة ( ومع ) قوة ظهورها في ذلك لا يبقى مجال معارضة هذه الجهة بظهور قد جاوزه في التجاوز عن نفس الشيء لا عن محله ( إذ لا بأس ) بارتكاب العناية في المضي عن الشيء والتجاوز عنه بمضي محله بعد مساعدة العرف على اعتبار التجاوز عن الشيء بلحاظ التجاوز عن محله خصوصا بقرينة الفقرات المذكورة في الأسئلة في صدرها ( نعم لولا ) الروايتان المصدرتان بالأسئلة المزبورة ، لا مكن حمل الشك فيهما على الشك في وجود المركب التام بلحاظ الشك في بعض ما يعتبر

٤٢

فيه شطر أو شرطا ( لان ) الشك في الشيء يشمل مثل الشك في وجود المركب التام ، بضميمه ابقاء التجاوز عن الشيء على معناه الحقيقي ( ولكن ) مع وجود هذا الصدر ، لا يبقى مجال لهذا المعنى ( لان ) مقتضى الصدر هو كون إضافة التجاوز إليه مسامحيا ، بخلاف هذا المعنى ، فإنه مستتبع لكون الإضافة المزبورة حقيقيا ( وبذلك ) يمكن دعوى عدم امكان استفادة الجامع بين الشك في أصل وجود الشيء ، والشك فيه بلحاظ بعض ما اعتبر فيه المعبر عنه بالشك في وجود الصحيح أو التام ، نظرا إلى أوله إلى اجتماع اللحاظين في إضافة التجاوز إليه ( فلا بد ) حينئذ من حمل الروايتين على خصوص الشك في أصل وجود الشيء بمفاد كان التامة.

( واما الطائفة الثانية ) من العمومات ( فمنها ) قوله (ع) في موثقة ابن مسلم : كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو ( ومنها ) قوله (ع) في موثقة أخرى له : كلما مضى من صلاتك وطهورك ، فامضه كما هو وبهذا المضمون ما ورد في الموارد الخاصة من نحو قوله (ع) : في من شك في الوضوء بعد ما فرغ هو حين يتوضأ أذكر ( وهاتان ) الموثقتان بصدرهما وان يلائم مع الشك في الوجود بمفاد كان التامة اما رأسا أو بلحاظ بعض ما يعتبر فيه ( ولكن ) بملاحظة التوصيف الوارد في ذيلهما بكونه مما قد مضى فامضه كما هو ، في غاية الظهور بل الصراحة في أن المشكوك فيه هو صحة الشيء بمفاد كان الناقصة الذي هو مفاد قاعدة الفراغ ( خصوصا ) قوله فامضه كما هو ، فإنه كالصريح في إرادة المضي عليه كما ينبغي ان يقع عليه من الصحة والتمامية ( ومن الواضح ) ان ذلك لا يكون الا إذا كان الشك في اتصاف الشيء بالصحة بمفاد كان الناقصة ( بل إن ) لوحظ ظهور المضي والتجاوز فيهما في التجاوز عن نفس المشكوك فيه لا عن محله ، ترى كونه قرينة أخرى على صرف ظهور الصدر عن الشك في وجود الشيء إلى الشك في صحة الموجود ، لملازمة التجاوز عن الشيء لمفروغية أصل وجوده ( وحينئذ ) أقول انه بعد تباين كل طائفة من حيث المفاد والمدلول مع الطائفة الأخرى ( لا مجال ) لاتعاب النفس في مفاد هذه الأخبار بارجاع الجميع إلى مفاد واحد وهو بيان حكم الشك في الشيء بمفاد كان التامة بارجاع الطائفة الثانية إلى بيان

٤٣

حكم الشك في وجود الصحيح ( كما افاده الشيخ قدس‌سره ) مع اعترافه بظهور هذه الطائفة من جهتين في بيان حكم الشك في صحة الشيء بمفاد كان الناقصة ، خصوصا مع اباء كل من الطائفتين عن الحمل على بيان حكم الشك في الوجود التام بلحاظ الشك في وجود بعض ما اعتبر فيه شطرا أو شرطا ( إذ لا داعي ) لارتكاب هذا التعويل في مفاد تلك الأخبار بعد ظهور كل طائفة في معنى غير ما يظهر من الأخرى ( بل يؤخذ ) بظهور كل طائفة فيما يقتضيه من المدلول ، ويستفاد منهما قاعدتان مستقلتان ( إحديهما ) متكفلة لبيان حكم الشك في الشيء بمفاد كان التامة المعبر عنها بقاعدة التجاوز ( والأخرى ) لبيان حكم الشك في صحة الشيء وتماميته بمفاد كان الناقصة المعبر عنها بقاعدة الفراغ ( مع المصير ) إلى اعتبار الدخول في الغير في الأولى ، دون الثانية ( بلا وقوع ) معارضة بين الاخبار من هذه الجهة ، كي ينتهى الامر إلى اعمال قاعدة الاطلاق والتقييد بحمل المطلق منها على المقيد ( إذ لمعارضة ) انما تكون في فرض اتحاد القاعدتين واستفادة كبرى واحدة من مفاد تلك العمومات وهي حكم الشك في الشيء بمفاد كان التامة ( والا ) فبناء على تعدد القاعدة وتعدد الكبرى المستفادة منها ( فلا تعارض ) بين الاخبار من هذه الجهة ( لان ) ما كان منها متكفلا لاعتبار الدخول في الغير في الحكم بالمضي انما هو صحيحة زرارة ، وموثقة ابن أبي يعفور ، ورواية إسماعيل بن جابر ( وهذه ) الطائفة متمحضة في الاختصاص بكبرى قاعدة التجاوز ( وما كان ) منها غير متكفل لاعتبار هذا القيد انما هو موثقتا محمد ابن مسلم وموردهما انما هو الشك في صحة الشيء وتماميته الذي هو مفاد قاعدة الفراغ ، لا الشك في أصل وجود الشيء ، أو في وجود الصحيح بمفاد كان التامة ( ومع ) تغاير المفاد في هذه الأخبار من حيث تمحض بعضها في قاعدة التجاوز ، وتمحض بعضها بقاعدة الفراغ ، أين يبقى مجال توهم المعارضة بينها من جهة اعتبار هذا القيد ، كي يحتاج إلى اعمال قاعدة الاطلاق والتقييد بحمل المطلق منها على المقيد ( ولعمري ) ان المنشأ كله لهذه التكلفات انما هو لا جل مصير مثل الشيخ قدس‌سره إلى اتحاد القاعدتين ووحدة الكبرى المجعولة فيهما بارجاعه المختلفات من الاخبار إلى مفاد واحد وبيان

٤٤

كبرى واحدة وهي حكم الشك في الشيء بمفاد كان التامة الذي هو الجامع بين الشك في أصل الوجود والشك في الوجود التام ( والا ) فبناء على الاخذ بما يقتضيه ظواهر تلك الأخبار من تعدد القاعدة وتمحض بعضها في قاعدة التجاوز ، وبعضها ، بقاعدة الفراغ ، لا يبقى مجال لهذه التكلفات ، ولا لالقاء المعارضة بين مفاد الاخبار كما هو ظاهر واضح ( واما توهم ) ان وحدة السياق في تلك الأخبار يقتضى حمل الجميع على معنى واحد وبيان كبرى واحدة وهي حكم الشك في الشيء بمفاد كان التامة الجامع بين الشك في أصل وجود الشيء ، والشك في الوجود التام ( فكلام ظاهري ) بالنسبة إلى الاخبار المستقلة المنفصلة بعضها عن بعض المختلفة مفادا من كونه في كل واحد معنى غير ما يظهر من الآخر ( إذ في مثله ) لا مجال لتوهم وحدة السياق بينها كي تقتضي ارجاع تلك المختلقات مضمونا إلى معنى واحد ( فالتحقيق ) في المقام هو ان المستفاد من اخبار الباب قاعدتان ( إحديهما ) قاعدة الشك في الشيء بمفاد كان التامة بعد خروج وقته وتجاوز محله المعبر عنها بقاعدة التجاوز ( والثانية ) قاعدة الشك في صحة الشيء بمفاد كان الناقصة المعبر عنها بقاعدة الفراغ ( واما ) قاعدة الشك في وجود العمل الصحيح بمفاد كان التامة ، فلا يستفاد من اخبار الباب ، ولا يكون له في شيء منها عين ولا أثر ( ثم إن هاتين ) القاعدتين متصادقتان بعد الفراغ عن مركب شك في صحته من جهة الشك في وجود بعض اجزائه مما تجاوز محله فيما عدى الجزء الأخير ، فإنه بالنسبة إلى الجزء المشكوك وجوده ، يكون مورد للقاعدة الأولى ، وبالنسبة إلى نفس العمل المركب الذي شك في صحته ، يكون مورد للقاعدة الثانية ( وتفترق ) الأولى عن الثانية ، فيما لو شك في وجود جزء من اجزاء العمل المركب بعد تجاوز محله وقبل الفراغ عن العمل ، كالشك في الركوع بعد ما سجد ( كما أنه ) تفترق الثانية عن الأولى فيما لو شك بعد الفراغ عن العمل في صحته من جهة الشك في بعض ما اعتبر في صحته كالترتيب والموالاة ونحوهما مما ليس له وجود مستقل يصدق عليه الشئ.

( ثم انه ) مما يترتب على اتحاد القاعدتين وتعددهما ، انه لو علم بفوت سجدة واحدة

٤٥

أو التشهد وقد شك في صحة صلاته من جهة احتمال الاخلال بالترتيب. أو الموالاة المعتبرة فيها ( فإنه ) على ما ذكرنا من تعدد القاعدة وتعدد الكبرى المجعولة فيهما ، تجرى في الصلاة قاعدة الفراغ الحاكمة بصحتها ، ويترتب على صحتها وجوب قضاء السجدة أو التشهد وسجدتي السهو ( واما ) على القول بوحدة القاعدتين ووحدة الكبرى المجعولة فيهما ، كما هو مختار الشيخ قدس‌سره ومن تبعه ، فيشكل اثبات وجوب قضاء السجدة أو التشهد في الفرض المزبور ( فإنه ) بالنسبة إلى المشكوك فيه وهو الموالاة أو الترتيب لا يصدق عليه الشيء حتى يجري فيه قاعدة الشك في الشيء بعد تجاوز محله ( واما بالنسبة ) إلى المركب الذي شك في وجوده التام ، فكذلك ( لأنه ) بلحاظ ما يكون منه مشكوكا أعني الترتيب والموالاة لا يكون شيئا حتى تجرى فيه القاعدة ، وبلحاظ ما يكون منه شيئا وهو الاجزاء لا يكون مشكوكا ( وعلى فرض ) جريان القاعدة فيه واقتضائها لاثبات وجود العمل الصحيح ، لا يترتب عليه وجوب قضاء السجدة أو التشهد لأنهما من آثار صحة الصلاة بمفاد كان الناقضة فلا يمكن ترتيب مثل هذا الأثر عليه الا على القول بالمثبت.

( وينبغي التنبيه على أمور )

( الامر الأول ) قد عرفت دلالة اخبار الباب في قاعدة التجاوز على البناء على وجود ما شك فيه من اجزاء العمل بعد خروج وقته وتجاوز محله وعدم الاعتناء بالشك فيه ، بل مقتضى عموم الشيء في قوله (ع) كل شيء شك فيه وقد جاوزه في رواية إسماعيل بن جابر ، وموثقة ابن أبي يعفور صدرا وذيلا هو عموم القاعدة لجميع المركبات وعدم اختصاصها بباب الصلاة وما يتعلق بها من الأذان والإقامة ( الا ) انه خرج عن هذه الكلية الشك في أبعاض الوضوء قبل اتمام الوضوء ، وكذا ابعاض الغسل والتيمم على قول قوى ، فإنهم اجمعوا على أن الشاك في فعل من أفعال الوضوء قبل اتمام الوضوء يجب عليه العود لاتيان المشكوك فيه وان دخل في فعل آخر منه

٤٦

( وقد نص جماعة على ذلك في الغسل والتيمم أيضا على نحو يظهر منهم كونه من المسلمات ( والعمدة ) في مستند خروج الوضوء من الكلية المزبورة بعد الاجماع هي صحيحة زرارة ، إذا كنت قاعدا في وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فاعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه انك لم تغسله أو تمسحه مما سمى الله تعالى ما دمت في حال الوضوء ، فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وصرت في حالة أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمى الله تعالى مما أوجب الله عليك لا شيء عليك ( ولا اشكال ) في تخصيص عمومات قاعدة التجاوز بمقتضى الاجماع والصحيحة المذكورة بالنسبة إلى الوضوء ، بل الغسل والتيمم أيضا ( وانما الكلام ) في التوفيق بين الصحيحة ، وبين موثقة ابن أبي يعفور المتقدمة ، إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكك ليس بشيء انما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه ( حيث ) ان الظاهر منها هو ان حكم الوضوء من باب القاعدة لا خارج منها ، لظهورها في عود ضمير غيره إلى الجزء المشكوك فيه ، كظهور قوله من الوضوء في كون المشكوك بنفسه صغرى للكبرى المشتملة على الحصر في ذيلها ، لا انه توطئة لبيان ما هو الصغرى وهو الوضوء الذي شك فيه بلحاظ احتمال الاخلال ببعض ما اعتبر فيه شطرا أو شرطا ( ولا جل ) ذلك ، وقع الاشكال بأنه كيف التوفيق بين الصحيحة وبين الموثقة ( فان ) اخراج مورد الموثقة بمقتضى الاجماع والنص المتقدم عن عموم الذيل المضروب لبيان قاعدة كلية غير ممكن ( لان ) عموم الذيل بالنسبة إلى المورد المذكور في الصدر كالنص غير القابل للتخصيص ( وقد تفضوا عن الاشكال المزبور بوجوه.

( منها ) حمل الموثقة على بيان حكم الشك في صحة الشيء بمفاد كان الناقصة ( بتقريب ) ظهورها في أن المراد من الشيء في ذيلها هو العمل الذي وقع الشك فيه لا جل احتمال الاخلال بشيء من أجزائه وشرائطه ( لا الشيء ) الذي شك في وجوده لتكون دليلا على قاعدة التجاوز ( فإنه ) خلاف ما يقتضيه ظهور التجاوز عن العمل المشكوك فيه ، لا عن محله ( فظهور ) الذيل في القاعدة يكون رافعا لا جمال مرجع الضمير في الصدر ( لكون ) القاعدة المذكورة في الذيل بمنزلة البرهان لاثبات

٤٧

الحكم المذكور في الصدر ، فيجب ان يكون الحكم المذكور في الصدر من جزئيات ما هو الموضوع في تلك القاعدة ، حتى يستقيم البرهان المزبور ( فالمستفاد ) من الموثقة حينئذ أمران ( أحدهما ) انه لو تعلق الشك بصحة عمل مركب بعد الفراغ عنه لا يعتد بالشك ( الثاني ) ان عدم الاعتداد بالشك بعد الفراغ من الوضوء انما هو لكونه من جزيئات هذه القاعدة ( كما أن ) المستفاد منها هو ان مفهوم الصدر من مصاديق منطوق الذيل ، انتهى ملخص ما أفيد بطوله ( وحاصله ) تخصيص عموم قاعدة التجاوز بباب الصلاة أو بغير باب الوضوء بل جميع الطهارات ، وان حكم الإمام (ع) بعدم الاعتداد بالشك في الموثقة انما هو لقاعدة الفراغ الحاكمة بصحة العمل المأتى به ، لا لقاعدة التجاوز ، فالموثقة من أدلة قاعدة الفراغ لكونها متحدة السياق مع موثقة ابن مسلم ، لا من أدلة قاعدة التجاوز ( فلا تهافت ) حينئذ بين الموثقة وبين الصحيحة.

( وفيه ) منع ظهور الموثقة في القاعدة المذكورة ( بل هي ) صدر أو ذيلا ظاهرة في بيان حكم الشك في الشيء بمفاد كان التامة ( فان ) ظهور الشك في شيء في عموم الذيل كظهور الصدر في الشك في أصل وجود الشيء بمثابة لا يكون قابلا للانكار ، خصوصا إذا لوحظ ظهور قوله من الوضوء في كون المشكوك فيه بنفسه صغرى للكبرى المذكورة في الذيل ، لا انه توطئة لما هو الصغرى وهو الوضوء ( وبالجملة ) جعل المراد من الشيء في الرواية صدرا وذيلا هو العمل المركب الذي شك فيه لأجل احتمال الاخلال ببعض ما اعتبر فيه جزء أو شرطا ، خلاف الظاهر من الشك في الشيء ، ولا يستقيم الا بجعل من في قوله من وضوئه بيانية لا تبعيضية المستتبع لعود ضمير غيره إلى الوضوء الذي شك في صحته ، وهو خلاف ظاهر آخر في تبعيضية من ( مع أنه ) على ذلك يتوجه اشكال المعارضة بين منطوق هذه الموثقة مع مفهومها في صورة الشك في صحة فعل من أفعال الوضوء وما يلحق به الغسل والتيمم بعد الدخول في غيره كالشك في صحة غسل اليد باعتبار جزء من اجزائه ( فإنه ) يتصور له في عمل واحد مصداقان يكون الشك بعد الفراغ في أحدهما وقبله في الآخر ، بل الاشكال يعم غير باب الطهارات ، كالشك في صحة القراءة باعتبار جزء من اجزائها بعد الدخول في غيرها

٤٨

( الا ان يدعى ) انصراف الشيء في الرواية عن مثلها إلى ما كان له نحو استقلال بنظر العرف وان كان في اعتبار الشارع جزء لعمل مركب ، كالطواف والسعي ونحوهما.

( ومنها ) تنزيل الموثقة على بيان حكم الشك في وجود الصحيح بعد الفراغ منه أو تنزيلها على ضرب القاعدة في الشك المتعلق بجزء العمل المركب بعد الفراغ عن العمل ، فيرتفع التهافت بينها وبين الصحيحة المصرحة بوجوب الالتفات إلي الشك في جزء من الوضوء ما دام الاشتغال به ، حيث لا منافاة حينئذ بين ظهور الموثقة في كون حكم الوضوء من باب القاعدة مع وجوب الالتفات إلى الشك ما دام الاشتغال بالوضوء ( وفيه ) ما لا يخفى فان دعوى استفادة قاعدة الشك في الوجود الصحيح أو الشك المتعلق بجزء من العمل بعد الفراغ عن العمل من الموثقة خارجة عن السداد ، لوضوح ظهورها في بيان حكم الشك المتعلق باجزاء العمل بعد تجاوز محله بالدخول في غير المشكوك فيه ، كظهور التجاوز في كبرى الذيل في مطلق التجاوز عن الشيء ، لا التجاوز الخاص الملازم للفراغ عن أصل العمل المركب ، خصوصا بملاحظة ظاهر من في التبعيضية ( فالموثقة ) بحسب المدلول مساوق سائر عمومات الباب ، بلا اختصاصها بجهة زائدة عنها ( بل يمكن ) دعوى عدم استفادة شيء من المعنيين من شيء من عمومات الباب وخصوصاته ( لان اخبار الباب ) بأجمعها بين ما يستفاد منه حكم الشك المتعلق بأصل وجود الشيء بمفاد كان التامة بعد خروج محله ، مثل قوله كل شيء شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه ، وهذه الموثقة ( وبين ) ما يستفاد منه حكم الشك في صحة الموجود بمفاد كان الناقصة ، مثل قوله كل شيء شك فيه مما قد مضى فامضه كما هو ، فلا يكون لشئ من المعنيين عين ولا اثر في شيء من اخبار الباب من عموماته وخصوصاته.

( ومنها ) ما افاده الشيخ قدس‌سره من أن الوضوء بتمامه باعتبار اثره ومسببه وهو الطهارة فعل واحد في نظر الشارع لا جزء له مؤيدا بما في بعض اخبار الوضوء من أن الوضوء لا يتبعض ، ومع عدم ملاحظة الشارع أجزائه أفعالا مستقلة ، فلا يلاحظ كل فعل منه بحياله شيئا يشك فيه بعد تجاوز محله ليكون موردا للقاعدة ،

٤٩

فيتوجه عليه اشكال التهافت ، إذ الشك في فعل من أفعال الوضوء حينئذ كغسل اليد قبل الفراغ عن الوضوء لا يكون الا شكا في الشيء قبل التجاوز عنه ( وفيه ) مضافا إلى أن ما ذكر من الوحدة خلاف ظاهر تبعيضية من في صدر الرواية ( ان مجرد ) بساطة اثر الوضوء لا يقتضي هذا الاعتبار في مؤثره الذي هو نفس الوضوء ( والا ) لا اقتضى جريان المناط المزبور في سائر العبادات أيضا كالصلاة بالنسبة إلى آثارها المترتبة عليها من نحو الانتهاء عن الفحشاء والمقربية ، فيلزم ان يكون الشك في كل جزء منها قبل الفراغ عنها شكا فيه قبل التجاوز عن ذلك الجزء باعتبار وحدة السبب الناشئ عن وحدة الأثر وبساطته ( واما ) ما أيدنا به من الرواية بان الوضوء لا يتبعض ، فغير مرتبط بالدعوى المذكورة ( فان المراد ) من التبعيض الممنوع فيه ، عبارة عن انفراد بعض اجزائه عن بعض خارجا ( لا ان المراد ) ان الوضوء باعتبار بساطة اثره اعتبر أمرا واحدا بسيطا لا يلاحظ حكم الشك بالنسبة إلى اجزائه.

( فالتحقيق ) في التفصي عن الاشكالات هو الالتزام برجوع الغير في صدر الموثقة إلى الوضوء ولو بملاحظة قرب المرجع الراجع إلى تقييد التجاوز عن المشكوك فيه في خصوص اجزاء الوضوء وما يلحق به من الغسل والتيمم بمقتضى الاجماع والصحيح المتقدم بالتجاوز الخاص المساوق للتجاوز عن الوضوء ، مع ابقاء التجاوز في كبرى الحصر في الذيل على اطلاقه في مطلق التجاوز عن الشيء ( ومرجع ) ذلك إلى كشف التوسعة بمقتضى الاجماع والنص في خصوص المورد في محل ابعاض الوضوء وما يلحق به من الغسل والتيمم إلى ما بعد الفراغ عن الوضوء ، مع ابقاء ظهور كبرى الذيل في مطلق التجاوز عن محل الشيء الذي شك فيه على حالها بلا تخصيصه بالتجاوز الخاص ( ولا محذور ) في الالتزام بهذا المقدار ، فان تقييد المورد مع اطلاق الكبرى غير عزيز ( نظير ) تقييد مورد مفهوم آية النباء المفروض كونه في الموضوعات الخارجية بصورة انضمام خبر عدل آخر ، مع ابقاء اشتراط كبرى قبول الخبر الواحد بكون المخبر عادلا على اطلاقه لصورة عدم ضم خبر عدل آخر إليه.

( وعلى هذا ) البيان يندفع الاشكالات الواردة على الرواية ( تارة ) من جهة

٥٠

لزوم تخصيص مورد الرواية عن العموم المضروب في ذليلها لبيان القاعدة الكلية ( وأخرى ) من جهة معارضه منطوق هذه الرواية مع مفهومه في صورة الشك في صحة جزء من الوضوء مع الدخول في جزء آخر قبل الفراغ عن الوضوء ( وثالثة ) من جهة المعارضة مع العمومات الدالة على عدم الاعتداد بالشك في الشيء بعد التجاوز عن محله ( توضيح الاندفاع ) هو ان الاشكال الأول فرع ارجاع ضمير غيره إلى الشيء المشكوك فيه ( والا ) فعلى فرض ارجاعه إلى الوضوء بقرينة الاجماع والنص المتقدم وقرب المرجع ولو بتقييد التجاوز في المورد بمرتبة خاصة من التجاوز المنطبق على اتمام الوضوء فلا يرد هذا الاشكال ( واما الاشكال ) الثاني فإنما يرد لو كان المراد من الشيء في كبرى الذيل هو المركب المشكوك فيه باعتبار بعض ما اعتبر فيه جزء أو شرطا ، أو كان المراد من التجاوز في الكبرى هو التجاوز عن الشيء باعتبار الخروج عن مركب اعتبر جزئيته له ( إذ حينئذ ) يمكن ان يتصور له مصداقان في عمل واحد يكون الشك بعد الفراغ في أحدهما ، وقبل الفراغ في الآخر فيجئ فيه اشكال المعارضة المذكورة ( والا ) فعلى ما ذكرنا من ارجاع القيد في الرواية إلى خصوص الصغرى ، بجعله توطئة لتقييد خصوص التجاوز في المورد بالتجاوز الخاص المنطبق على الفراغ من تمام الوضوء ، مع ابقاء التجاوز في كبرى الذيل على اطلاقه ، لا مجال لهذا الاشكال ( إذ لا يحتمل ) حينئذ انطباق التجاوز الخاص في باب الوضوء على سائر الأفعال كي يتوجه الاشكال الثاني.

( وبذلك ) اتضح حال الاشكال الثالث ( إذ هو ) أيضا فرع كون المراد من الشيء في كبرى الذيل هو المركب الذي شك فيه باعتبار اجزائه ، أو كون المراد من التجاوز فيها هو التجاوز الخاص ، بارجاع القيد في الرواية إلى كونه توطئة لبيان التجاوز في الكبرى لا شرحا للتجاوز في خصوص الصغرى بكونه هو التجاوز الخاص ، فإنه على أحد المعنيين يرد اشكال المعارضة بين مفاد هذا العام ، ومفاد عموم قوله كل شيء شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه في صورة التجاوز عن محل الجزء مع عدم الفراغ عن العمل المركب ( ولقد عرفت ) ان استظهار هذين المعنيين من

٥١

الرواية خارج عن السداد ( وان التحقيق ) هو ابقاء الكبرى في الرواية على ظاهرها من الشك في وجود الشيء بمفاد كان التامة ، مع ابقاء التجاوز فيها أيضا على اطلاقه ، بارجاع القيد في الرواية إلى كونه توطئة لبيان خصوص التجاوز في المورد ، دون غيره ( وعليه ) تندفع شبهة المعارضة من رأسها ( إذ حينئذ ) يكون الجميع على مفاد واحد ، غاية الامر يقيد خصوص مورد هذه الرواية في الوضوء وما يلحق به من الغسل والتيمم كما هو المشهور بمقتضى النص والاجماع بمرتبة خاصة من التجاوز ( ومن المعلوم ) ان هذا التقييد في الوضوء الذي هو مورد الرواية وما يلحق به من سائر الطهارات كما يوجب رفع اليد عن عموم كبرى ذيل الرواية ، كذلك يوجب رفع اليد عن الكبرى المضروبة في ذيل أفعال الصلاة ( وعلى هذا البيان ) تبقى القاعدة أيضا على عمومها الشامل لافعال الصلاة وغيرها من سائر المركبات ، بلا احتياج إلى تخصيصها بأفعال الصلاة ( إذ التخصيص ) المزبور مع كونه خلاف ظاهر كل شيء في الدلالة على العموم والاستيعاب لجميع ما يصلح انطباق المدخول عليه بحسب الوضع كما حققناه في محله ، وقيامه بذلك مقام مقدمات الحكمة الجارية في المدخول ( انما يثمر ) في فرض ورود شبهة المعارضة ، كما على المبنيين المتقدمين ( والا ) فعلى ما ذكرنا من المبنى لا موقع لشبهة المعارضة حتى يحتاج إلى منع التعميم في مثل عموم كل شيء وعموم قوله (ع) انما الشك في شيء لم تجزه ( مع أنه ) على فرض ورود شبهة المعارضة حتى على المبنى المختار ، لا يجدى مجرد منع التعميم في قوله كل شيء في دفع الاشكال ، فإنه مع عموم قوله انما الشك وشموله لباب الصلاة يتوجه اشكال المعارضة المزبورة في أفعال الصلاة كما هو ظاهر.

( الامر الثاني ) قد عرفت انه يعتبر في قاعدة التجاوز أمران ( أحدهما ) ان يكون الشك متعلقا بوجود الشيء بمفاد كان التامة ، وبذلك يختص جريانها بما لو كان الأثر المهم على وجود المشكوك فيه ، لا على حيث اتصافه بكذا ، ومن هنا لا تجرى القاعدة في الشك في ركعات الصلاة ( لان ) الأثر المهم على ما يستفاد من الأدلة من نحو قوله (ع) تشهد وسلم في الرابعة انما هو على حيث اتصاف الركعة بالرابعة بمفاد كان الناقصة لا على وجود الرابعة بمفاد كان التامة ( ولا جل ) ذلك قلنا أيضا ان عدم

٥٢

جريان الاستصحاب في ركعات الصلاة ولو في غير الموارد المنصوصة انما يكون على القواعد بلحاظ عدم اقتضاء التعبد بعدم الاتيان بالمشكوك لاثبات كون ما في اليد ثالثة أو رابعة ، لا انه لقصور فيه عن الجريان فيها ، بخلاف أدلة الشكوك الآمرة بالبناء على الأكثر ، فإنها ناظرة إلى اثبات كون الموجود ثالثة أو رابعة ، فيترتب عليه وجوب التشهد والتسليم المترتبين على رابعية الركعة.

( وثانيهما ) كونه بعد التجاوز عن محله والدخول في غيره وهذا مما لا اشكال فيه ( وانما الكلام ) في أن اعتبار الدخول في الغير هل هو من جهة كونه محققا للتجاوز عن محل المشكوك فيه أو انه لخصوصية فيه في الحكم بالمضي على المشكوك فيه ( فيه وجهان ) أقواهما الأول ، فان الظاهر المستفاد من عمومات الباب وخصوصاته هو كفاية مجرد المضي عن محل المشكوك فيه في الحكم بالمضي ، وان التقييد بالدخول في الغير في بعض تلك الأخبار انما هو لكونه محققا للتجاوز عن محل المشكوك باعتبار عدم صدق التجاوز عنه الا بالدخول فيما رتب على المشكوك شرعا بحسب الجعل الأولى ، لأنه بدونه يكون المحل باقيا ، فلا يصدق التجاوز المزبور ( وعليه ) فذكر هذا القيد في بعض نصوص الباب لا يقتضي أزيد مما يقتضيه اطلاق بعض الآخر ، كموثقة ابن أبي يعفور من كونه مقوما لصدق التجاوز المزبور ( فلا يتوهم ) المعارضة حينئذ بين الأخبار المطلقة ، والاخبار المقيدة بالدخول في الغير ( هذا ) في قاعدة التجاوز ( واما قاعدة الفراغ ) المستفادة من نحو قوله (ع) : كل ما مضى من صلاتك وطهورك فامضه كما هو ( فلا يعتبر ) فيها في الحكم بالمضي كما هو الا مجرد صدق المضي على المشكوك ، ويكفي في الصدق المزبور مجرد الفراغ عن العمل بلا احتياج إلى الدخول في عمل آخر ( ولذلك ) أطلق في الروايات المتكفلة لهذه القاعدة ولم يقيد شيء منها بالدخول في غير المشكوك في مقام الحكم بالمضي على المشكوك فيه ( إذ التقييد ) طرا انما يكون في اخبار التجاوز غير المرتبط باخبار قاعدة الفراغ ، فلا يتوهم حينئذ المعارضة بين المقيدات ، وبين هذه المطلقات كما هو ظاهر.

( الامر الثالث ) ظاهر المستفاد من اخبار الباب ، ان المراد من الغير الذي

٥٣

اعتبر الدخول فيه في الحكم بالمضي ، هو خصوص ما اعتبر الترتيب بينه وبين المشكوك فيه شرعا من الاجزاء والافعال دون غيره مما لم يكن كذلك ، بل كان ترتبه عليه بحكم العقل أو العادة ( وحينئذ ) فلا بد في جريان القاعدة من ملاحظة ان الشارع اعتبر الترتيب بين المشكوك فيه وأي فعل ( فكل فعل ) اعتبر الشارع الترتيب بينه وبين المشكوك فيه ، يصدق التجاوز عن المحل بالدخول فيما رتب عليه ، فتجري فيه القاعدة ( وكل فعل ) لم يرتب شرعا على المشكوك فيه ، لا يجدى الدخول فيه في الحكم بالمضي ، لعدم صدق التجاوز عن المحل بالدخول في مثله ، وان كان من مقدمات ما ترتب على المشكوك فيه ( ويترتب ) عليه وجوب العود لتدارك المشكوك فيما إذا شك في السجدة في حال النهوض إلى القيام ، أو في الركوع في حال الهوى إلى السجود ( لان ) مثل النهوض والهوى من مقدمات ما رتب على المشكوك فيه ، لا من الأمور المترتبة عليه بنفسه بالجعل الشرعي ( وتوهم ) كفاية الدخول في مطلق الغير ولو كان الترتب بينه وبين المشكوك فيه عقليا أو عاديا ( مدفوع ) أولا بما ذكرنا من أن اعتبار الدخول في الغير في الحكم بالمضي على المشكوك فيه انما هو لكونه محددا للمحل الذي اعتبر التجاوز عنه ، لا انه لخصوصية فيه ، فمع عدم كونه مما رتب عليه شرعا لا يصدق التجاوز عن محل المشكوك فيه ، فلا تجري فيه القاعدة ( وثانيا ) يمنع الاطلاق في اخبار الباب من هذه الجهة ( بل الظاهر ) منها بقرينة الأمثلة المذكورة فيها ، هو اختصاص الغير الذي اعتبر الدخول فيه في الحكم بالمضي بخصوص ما رتب على المشكوك فيه شرعا ( ولقد ) أجاد المحقق الأنصاري قدس‌سره في جعل الأمثلة المذكورة في الاخبار تحديدا للغير الذي اعتبر الدخول فيه ( وحينئذ ) فلا اشكال في خروج مثل الهوى والنهوض ووجوب الاعتداد بالشك في الركوع والسجود إذا كان في حال الاشتغال بهما ( نعم ) يظهر من خبر عبد الرحمن بن عبد الله عدم الاعتداد بالشك في الركوع في حال الهوى إلى السجود قال قلت : رجل أهوى إلى السجود فلم يدر اركع أم لم يركع قال (ع) : قد ركع ( ولكن ) بعد ضعف الخبر في نفسه يمكن حمله على آخر مراتب الهوى الذي يتحقق به السجود ( وعلى فرض ) القول به لا بد من الاقتصار على

٥٤

مورده وعدم التعدي منه إلى غيره من المقدمات.

( ثم لا فرق ) في الغير المترتب على المشكوك فيه بين كونه جزء للمركب ، وبين غيره ( واحتمال ) اختصاصه بما يكون جزء ( يدفعه ) ظهور هذه النصوص في عدم الاعتناء بالشك في السجود بعد الدخول في القيام الشامل باطلاقه لحال عدم الاشتغال بالقراءة أو التسبيحات ، مع وضوح ان وجوبه انما كان في حال القراءة أو التسبيحات ، ( ولذا ) لو قرء جالسا نسيانا ثم تذكر بعدها أو في أثنائها صحت قرائته ولا يجب عليه القيام لفوات محله ، وان وجب عليه ذلك لأجل الركوع ، للزوم كونه عن قيام ( وكذا ) لا فرق بين كونه جزء مستقلا ، وبين كونه جزء الجزء كابعاض القراءة ، فلو شك المصلى في آية بعد الدخول في آية أخرى من الحمد أو السورة ، لا يجب العود إلى تدارك المشكوك فيه ، فضلا عما لو شك في أول السورة وهو في آخرها ( ومجرد ) عدم ذكر مثله في أمثلة اخبار الباب لا يقتضى المنع عن شمول القاعدة لاجزاء الاجزاء بعد صدق الشك في الشيء بعد تجاوز محله بالدخول في غيره عليه ، واندراجه في الكبرى الكلية التي أفادها الإمام (ع) بقوله ، كل شيء شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه ( والا ) لاقتضى المنع عن جريان القاعدة فيما لو شك في قرائة الفاتحة بعد الدخول في السورة ، بل وبعد الدخول في القنوت ( إذ المذكور ) في الرواية رجل شك في القراءة بعد ما ركع ، مع أنه ليس كذلك ( نعم ) قد يشك في شمول الاخبار للشك في ابعاض آية بعد الدخول في البعض الآخر منها ( وأولى ) بالتشكيك ما لو شك المصلى في جزء من الكلمة بعد الدخول في الجزء الآخر منها ، لامكان دعوى انصراف الشيء وكذا الغير في الاخبار ولو بقرينة الأمثلة المذكورة فيها إلى ما يكون له وجود مستقل عرفا ، وان كان في اعتبار الشارع جزء للجزء ، لا جزء مستقلا ( ومن التأمل ) فيما ذكرنا ظهر انه لا فرق أيضا في الغير المترتب على المشكوك بين ان يكون من الاجزاء الواجبة ، أو المستحبة كالقنوت على أقوى الوجهين ، بل وجلسة الاستراحة ( ولا ) بين كونه جزء مستحبا ، وبين كونه مستحبا نفسيا في حال الصلاة ، كالفنون على الوجه الآخر ( ولا ) بين كونه من المستحبات الداخلية ،

٥٥

والمستحبات الخارجية كالتعقيب ونحوه ، فلو شك المصلى في الجزء الأخير وهو في حال التعقيب ، تجري فيه القاعدة ، كل ذلك لاستفادة عموم الحكم بالمضي من الاخبار بالدخول فيما رتب على المشكوك بالجعل الشرعي كان جزء للصلاة ، أو مستحبا نفسيا في حالها ، أو في خارجها مما هو من تبعاتها كالتعقيب ( لا انه ) للتعدي عما هو جزء الصلاة إلى غير سنخه مما هو مستحب نفسي في حالها أو في خارجها.

( الامر الرابع ) هل يعتبر في قاعدة التجاوز ان يكون الغير الذي اعتبر الدخول فيه متصلا بالمشكوك فيه ، أو لا يعتبر ذلك بل يكفي في جريانها الدخول في مطلق الغير ولو كان غير ملاصق بالمشكوك فيه ، فيه وجهان ( أقواهما الثاني ) لما تقدم من أن المعتبر في القاعدة هو مجرد الشك في الشيء بعد تجاوز محله وان اعتبار الدخول في الغير في الاخبار انما هو لكونه محققا لعنوان التجاوز عن محل المشكوك فيه الموجب لصدق الشك في الشيء بعد تجاوز محله ، لا انه لخصوصية فيه تقتضي الحكم بالمضي على المشكوك فيه ( وحينئذ ) فبعد صدق الشك في الشيء بعد تجاوز محله بالدخول في غير الملاصق بالمشكوك ، تجرى فيه القاعدة ( وعلى فرض ) الخصوصية لعنوان الدخول في الغير ( نقول ) : انه يكفيه اطلاق الغير في الاخبار الشامل لغير المتصل بالمشكوك ( فان دعوى ) انصرافه إلى خصوص المتصل بالمشكوك فيه مما لا شاهد له.

( وتظهر الثمرة ) بين الوجهين فيما لو شك في الجزئين المترتبين ، كما لو شك المصلى في الركوع والسجود وهو في التشهد ( اما ) بان يكون كل واحد منهما متعلقا لشك مستقل بحيث يحتمل التفكيك بينهما في الوجود والتحقق ( واما ) بان يكون المجموع متعلقا لشك واحد بنحو لا يحتمل التفكيك بينهما في الوجود ( فإنه ) على المبنى المختار لا غبار في جريان القاعدة في الركوع والسجود في الصورتين ( واما على المبنى الآخر ) فيشكل جريان القاعدة فيهما ، فإنه مع الشك في السجود يشك في الدخول في الغير المتصل بالنسبة إلى الركوع ، فلا تجرى فيه القاعدة ( ومع ) عدم جريانها فيه لا تجرى في السجود أيضا ، لعدم ترتب اثر شرعي عليه حينئذ ، لبطلان الصلاة التي لم يحرز فيها الركوع ( وبذلك ) يندفع ما قد يتوهم ، من

٥٦

امكان جريان القاعدة فيهما ، باجرائها في السجود أو لا ، لمكان تحقق شرطها الذي هو الدخول في الغير المتصل به ( ثم ) اجرائها بالنسبة إلى الركوع ثانيا ( لان ) القاعدة بجريانها في السجود محقق لعنوان الدخول في الغير المتصل بالركوع ولو تعبدا لا وجدانا ، وبتحقق هذا العنوان تجرى في الركوع أيضا ( وجه الاندفاع ) مضافا إلى عدم اقتضاء التعبد بوجود السجود لاثبات عنوان الدخول في الغير المتصل بالنسبة إلى الركوع الا على فرض القول بالمثبت ( ان جريان ) القاعدة في السجود فرع ترتب اثر شرعي عملي عليه لأنه مما لا بد منه في جريان القاعدة ( وهو متوقف ) على جريانها في الركوع ، إذ لولا جريانها فيه لا يترتب اثر شرعي على وجود السجدة لبطلان الصلاة التي لم يحرز الركوع فيها ، فإذا توقف جريانها في الركوع على جريانها في السجود يلزم الدور ، وهو باطل ( هذا ) في الصورة الأولى ( واما ) في الصورة الثانية ، فالامر أشكل ( فإنه ) مع اليقين بملازمة الاتيان بالسجود مع الاتيان بالركوع وعدم احتمال انفكاك أحدهما عن الآخر في التحقق ، يقطع بعدم الاتيان بالسجود في فرض عدم اتيانه بالركوع ، ومع هذا القطع لا تجرى القاعدة في الركوع للقطع بعدم الدخول في الغير المتصل به ( وبالجملة ) القاعدة انما تجري في مورد يجامع عدم الاتيان بالمشكوك مع الدخول في الغير المتصل به ، وفي هذا الفرض لا يحتمل ذلك كي تجري فيه القاعدة ( ولكن الذي ) يسهل الخطب هو فساد أصل المبنى ، لما عرفت من أن المعتبر في جريان القاعدة هو الشك في الشيء بعد تجاوز محله ، وهذا مما لا شك في صدقه بالدخول في مطلق الغير.

( الامر الخامس ) ان الجزء المشكوك فيه ( تارة ) يكون هو الجزء الأخير من العمل ، كالتسليم في الصلاة ، وغسل جانب الأيسر في الغسل ، ومسح الرجل اليسرى في الوضوء ( وأخرى ) يكون ما عدى الجزء الأخير ، ( فان كان ) المشكوك فيه ما عدى الجزء الأخير ، فلا اشكال في أنه قبل الدخول فيما رتب عليه شرعا يجب العود إليه ، وبعد الدخول فيه يحكم عليه بالمضي وعدم الاعتداد بالشك ( وان كان ) المشكوك فيه هو الجزء الأخير ، كالتسليم في باب الصلاة ، فقد يقال : بوجوب الاعتداد بالشك ،

٥٧

لعدم جريان قاعدة التجاوز فيه ، لاشتراطها بالدخول في الغير المترتب عليه من الاجزاء ، وليس للصلاة وراء التسليم شيء يتصور الدخول فيه ( ولا قاعدة ) الفراغ عن العمل أيضا ، للشك في تحقق الفراغ بدونه ( وتحقيق الكلام ) فيه هو ان الشك في التسليم ( تارة ) يكون في حال الاشتغال بالتعقيب ( وأخرى ) بعد فعل ما ينافي الصلاة عمدا وسهوا ، كالحدث والاستدبار ، أو عمدا لا سهوا ، كالتكلم ( وثالثة ) في حال السكوت الطويل الماحي لصورة الصلاة عرفا ( ورابعة ) في حال السكوت غير الماحي لصورة الصلاة ( فان كان ) الشك في التسليم في حال الاشتغال بالتعقيب ، فلا ينبغي الاشكال في عدم الاعتداد بالشك لجريان قاعدة التجاوز في المشكوك ( فان التعقيب ) ، وان كان من توابع الصلاة الخارجة عن حقيقتها كالاذان والإقامة لا من اجزائها ( ولكن ) الشارع لما اعتبر له محلا خاصا بكونه عقيب التسليم ، فلا جرم عند الشك في التسليم تجري فيه قاعدة التجاوز ، لصدق الشك في الشيء بعد تجاوز محله على مثله ( كما أنه ) لو كان الشك في التسليم في حال السكوت القصير غير الماحي لصورة الصلاة لا اشكال في الاعتداد بالشك ووجوب التسليم لبقاء محله ( واما لو كان ) الشك فيه بعد فعل ما ينافي الصلاة عمدا وسهوا ( فقد يقال ) : انه تجرى فيه أيضا قاعدة التجاوز ( بتقريب ) ان الشارع وان لم يجعل لما ينافي الصلاة محلا خاصا ، بل جعله من المبطلات ، الا انه لما كان تحليلها التسليم كان محل التسليم قبل فعل المنافى ، وبهذا الاعتبار يجرى عليه حكم المحل الشرعي ، فتجري فيه قاعدة التجاوز ( وفيه ) ان مجرد كون التسليم تحليلا لفعل المنافى لا يقتضى ترتبا شرعيا بينهما ، بل غاية اقتضائه هو جواز فعل تلك المنافيات بعد أن كانت محرمة على المكلف في أثناء الصلاة ( فما هو المترتب ) على التسليم حينئذ انما هو جواز فعل المنافيات ، لا نفسها ( والغير ) الذي اعتبر الدخول فيه للتجاوز عن محل المشكوك ، هو الغير المترتب عليه بنفسه ، لا ما يكون بحكمه مترتبا عليه ، وبينهما بون بعيد ، فلا مجال حينئذ لتوهم جريان قاعدة التجاوز في التسليم وهكذا الكلام فيما لو شك في التسليم في حال السكوت الطويل الماحي لصورة الصلاة ، فلا تجري فيه أيضا قاعدة التجاوز ( واما قاعدة ) الفراغ الحاكمة بصحة الصلاة ، فجريانها مبنية على

٥٨

كفاية الاتيان بمعظم الاجزاء في صدق الفراغ عن العمل ( فان قلنا ) به يحكم بصحة الصلاة للقاعدة ، والا فيشكل تصحيح هذه الصلاة ، لأنه مع الشك في التسليم يشك في الفراغ الذي هو موضوع القاعدة ( ولكن ) الالتزام بكفاية صرف الاتيان بمعظم الاجزاء مع الشك في التسليم في تحقق الفراغ الذي هو موضوع القاعدة ، لا يخلو عن اشكال ( فان ) ما يمكن الالتزام به بعد الاخذ بمعظم الاجزاء هو اعتبار امر آخر من كونه عند الشك في حال يرى نفسه فارغا من الصلاة ، أو بكون فعل المنافي من الأول صادرا من المكلف باختياره باعتقاد فراغه ، وبعد فعل المنافي أو في أثنائه يشك في الجزء الأخير الذي هو التسليم ، والا فمجرد كون الشك في التسليم في حال الاتيان بالمنافي لا يكفي في جريان القاعدة ( وبما ذكرنا ) يتضح الحال في الفرع المعروف ، وهو ما لو انتبه عن نومه في حال السجدة ، وشك في أنه سجدة شكر أو سجدة صلاة ( فإنه ) على ما ذكرنا لا تجري قاعدة التجاوز في السجدة والتشهد لعدم احراز عنوان التجاوز عن المحل ( ولا قاعدة ) الفراغ ، لعدم احراز موضوعها مع الشك المزبور ، فلا مصحح لتلك الصلاة ، الا في فرض علمه بان نومه من الأول كان عن اختيار منه لزعم فراغه من الصلاة ، هذا كله في الشك في الجزء الأخير في باب الصلاة.

( واما الشك ) في الجزء الأخير في غير باب الصلاة ، كالشك في مسح الرجل اليسرى في الوضوء ، وغسل الجانب الأيسر في الغسل فحكمه حكم الشك في التسليم ، فلا تجرى فيه قاعدة التجاوز ، وان كان الشك فيه بعد جفاف تمام الأعضاء السابقة ، لعدم صدق التجاوز عن المحل بالنسبة إلى الجزء الأخير منهما ( الا بتوهم ) ان المحل الشرعي المعتبر في مسح الرجل اليسرى في الوضوء بمقتضى أدلة اعتبار عدم جفاف الأعضاء السابقة ، هو كونه قبل جفاف الرطوبة من تمام الأعضاء السابقة ( وفي غسل الجانب الأيسر في الغسل الترتيبي لمن اعتاد الاتيان بغسل الأعضاء متواليا ، قبل فصل طويل ينافي عادته ( فإذا ) كان الشك في الجزء الأخير من الوضوء بعد جفاف الأعضاء السابقة ، وفي الجزء الأخير من الغسل الترتيبي بعد فصل طويل ينافي عادته ، تجري فيهما قاعدة التجاوز ( ولكنه ) توهم فاسد ( اما ) في الغسل فيما ذكرنا من أن العبرة

٥٩

في صدق التجاوز عن الشيء ، انما هو التجاوز عن محله الشرعي المقرر له حسب الترتيب المعتبر شرعا بينه وبين غيره ، ولا عبرة بالمحل العادي أو العقلي ( واما ) في الوضوء ، فبان مجرد اعتبار الشارع عدم جفاف العضو السابق أو تمام الأعضاء السابقة في صحة غسل العضو اللاحق أو مسحة لو قلنا به ولم نقل برجوع هذه التحديدات إلى عدم فوات الموالاة العرفية ، لا يقتضى اعتبار المحل الشرعي لغسل العضو اللاحق أو مسحه بكونه قبل جفاف الرطوبة من العضو السابق ، كي بالجفاف المزبور يصدق عنوان التجاوز عن محل الشيء ( خصوصا ) في مسح الرأس والرجلين ، لقوة دعوى كون الامر بإعادة الوضوء في الخبر مع عدم بقاء البلة ، لأجل تعذر المسح ببلة الوضوء مع جفاف الأعضاء ، لا انه من جهة اشتراطه بعدم جفاف الأعضاء السابقة ، فضلا عن اقتضائه لاعتبار المحل الشرعي لمسح الرأس والرجلين بكونه قبل جفاف الأعضاء السابقة ، كما يشهد له ظهور قوله (ع) في مرسلة الصدوق ، وان نسيت مسح رأسك ، فامسح عليه وعلى رجليك من بلة وضوئك إلى قوله (ع) وان لم يبق من بلة وضوئك شيء أعدت الوضوء ( وحينئذ ) فلا يبقى مجال لاجراء قاعدة التجاوز في مسح الرجل اليسرى عند الشك فيه بصرف كون الشك المزبور في حال جفاف تمام الأعضاء السابقة ( نعم ) لا بأس بجريان قاعدة الفراغ في الوضوء ، وكذا في الغسل عند الشك في الجزء الأخير منهما بعد صدق عنوان الفراغ عن العمل عرفا ولو بمضي زمان طويل أو الدخول في عمل آخر من صلاة ونحوها.

( الامر السادس ) يعتبر في جريان قاعدة التجاوز ان يكون المشكوك فيه على تقدير وجوده مما يجزم بكونه مأتيا على وفق امره ، بحيث وقع امتثالا لامره ( لان ) المجعول في قاعدة التجاوز انما هو البناء على وقوع الجزء المشكوك فيه بلحاظ ما يترتب عليه من تحقق الامتثال الموجب لسقوط امره ( فلو لم يكن ) المشكوك فيه كذلك ، بل كان مما يجزم بكونه على تقدير وجوده غير موافق لامره ، فلا تجرى فيه القاعدة ، لعدم ترتب اثر عملي حينئذ على التعبد بالمضي عليه ( فلو علم ) اجمالا في حال القيام انه ، اما ترك الركوع ، أو التشهد ، لا تجرى القاعدة في التشهد ( لان ) وجوده ملازم

٦٠