الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-35-3
الصفحات: ٥٣١
وجهان (١) ، وكذا العبد ، والمرأة يقبل منهما ، وأما الذمي فإن اتهمه في أمر الدين لم يقبل ، وإن ظن صدقه قبل ، وليس العدد شرطا ، لأن طريقه طريق الخبر.
السبب الثالث : تعذّر الاستعمال
مسألة ٢٩٠ : لو وجد الماء في بئر وشبهها ، وقدر على التوصل إلى الماء إمّا بالنزول من غير ضرر ، أو الاغتراف بدلو أو ثوب يبله ، ثم يعصره إما بنفسه ، أو بغيره وجب عليه ذلك لتمكنه من الاستعمال ، وكذا لو كان في سفينة في البحر ، وإن لم يمكنه إلاّ بمشقة ، أو تغرير بالنفس فهو كالعادم.
ولو تمكن وخاف فوت الوقت بعصر الثوب مثلا تيمم لتعذر استعمال الماء إذ القصد الطهارة لأداء الصلاة.
وقال أحمد : يجب عليه الاشتغال بالتحصيل وإن خاف الفوت ، لأن الاشتغال به كالاشتغال بالوضوء (٢). وليس بمعتمد.
مسألة ٢٩١ : لو كان الماء قريبا منه وأمكنه تحصيله إلا أنه يفوت الوقت بتحصيله ، قال بعض علمائنا : يسعى إليه ، ولا يجوز له التيمم ، وكذا لو كان عنده ويفوته الوقت باستعماله ، لأنه واجد للماء فلا يباح له التيمم (٣) لقوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ) (٤) وبه قال الشافعي (٥).
وقال أبو حنيفة : يجوز التيمم لصلاة الجنازة والعيدين إذا خاف الفوت
__________________
(١) المجموع ٢ : ٢٨٦.
(٢) المغني ١ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ١ : ٢٧٥.
(٣) قاله المحقق في المعتبر : ١٠٠.
(٤) المائدة : ٦.
(٥) المجموع ٢ : ٢٤٤ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١١٨ ، الشرح الكبير ١ : ٢٧٥.
لأنهما لا يقضيان (١).
والوجه عندي : وجوب التيمم لتعذر استعماله في هذه الصلاة ، نعم لو تمكن من استعماله وإدراك ركعة من الصلاة لم يجز التيمم ، ولو كان التفريط منه فالأقرب وجوب الصلاة بتيمم والإعادة ، ويحتمل الاشتغال بالطهارة والقضاء.
ولو خاف غير الواجد فوت الوقت بالطلب سقط ، وتيمم ، ولا إعادة.
مسألة ٢٩٢ : لو انتهى المسافرون إلى بئر ، وافتقروا إلى التناوب لضيق موقف النازح ، أو لاتحاد الآلة ، أو لغير ذلك ، فمن توقع انتهاء النوبة إليه قبل خروج الوقت وجب عليه الصبر ، ومن علم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعد الفوات ، أو ظن ذلك وجب عليه التيمم ولا إعادة عليه لعدم تمكنه من الاستعمال.
وقال الشافعي : يصبر ، ويتوضأ بعد الوقت لقدرته على الوضوء (٢).
ولو كان لجماعة ثوب واحد يتناوبونه وبينهم ترتيب إما من المالك ، أو بالقرعة وعلم بعضهم أن النوبة لا تصل إليه في الوقت صلى عاريا.
وقال الشافعي : يجب الصبر وإن فات الوقت (٣). وليس بجيد ، إذ لو وجب على من تعذر عليه بعض فروض الصلاة في وقته وقدر عليه بعده الصبر ، لم يبح للعادم التيمم لوصوله إلى الماء بعد الفوات.
ولو كان قوم في سفينة ، ولا يتمكن من القيام فيها أكثر من واحد ،
__________________
(١) المبسوط للسرخسي ١ : ١١٨ ـ ١١٩ ، اللباب ١ : ٣٤ ، بدائع الصنائع ١ : ٥٥ ، المجموع ٢ : ٢٤٤.
(٢) المجموع ٢ : ٢٤٦ ، الوجيز ١ : ١٩.
(٣) المجموع ٢ : ٢٤٦ ، الوجيز ١ : ١٩.
وعلم أن النوبة لا تنتهي إليه في الوقت صلّى قاعدا ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لأن حكم الستر آكد من حكم القيام.
مسألة ٢٩٣ : لو لم يجد الماء إلا بالثمن وجب عليه شراؤه بشرطين : وجود الثمن ، والاستغناء عنه ، ولا خلاف في اشتراطهما ، فلو تعذر الثمن سقط الشراء وتيمم إجماعا ، ولا يختص بالدراهم والدنانير ، بل الأموال كلها سواء ، كما في ثمن الرقبة.
وكذا لو احتاج إلى الثمن لقوته ، أو لأمر ضروري يتضرر بدفعه إما في الحال ، أو فيما بعد لم يجب عليه الشراء ، لأنا سوغنا ترك استعمال عين الماء لحاجته في الشرب فترك بدله أولى ، وكذا لو وجد بعض الماء وجب شراء الباقي.
فروع :
أ ـ اختلف علماؤنا في اشتراط عدم زيادة على ثمن المثل ، فالمشهور : العدم ، فيجب الشراء بأي ثمن كان ما لم يجحف به ـ وبه قال مالك (٢) ـ لأنه متمكن لانتفاء الضرر.
ولأن صفوان سأل أبا الحسن عليهالسلام عن رجل احتاج إلى وضوء الصلاة وهو لا يقدر على الماء ، فوجد قدر ما يتوضأ به بمائة درهم ، أو بألف درهم ، وهو واجد لها ، يشتري به ويتوضأ ، أو يتيمم؟ قال : « بل يشتري ، قد أصابني مثل هذا فاشتريت وتوضأت ، وما يشترى (٣) بذلك مال كثير » (٤).
__________________
(١) المجموع ٢ : ٢٤٦ ، الوجيز ١ : ١٩ ، مغني المحتاج ١ : ٨٩.
(٢) بلغة السالك ١ : ٧١ ، المدونة الكبرى ١ : ٤٦.
(٣) في نسخ الكافي والتهذيب اختلاف شديد في هذه اللفظة ، ففي بعض نسخ الكافي : يسوؤني ، وفي بعضها كما في نسخة « م » : يسرّني ، وفي بعضها : يشترى ، كما في المتن ، وكذا في التهذيب ، وفي الفقيه : يسوؤني. ومعنى « ما يشترى مبنيّا للمفعول ـ بذلك مال كثير » كما في الوافي ١ : ٨٥ ( باب أحكام التيمم ) : أنّ الماء المشتري للوضوء بتلك الدراهم مال كثير لما يترتب عليه من الثواب العظيم.
(٤) الكافي ٣ : ٧٤ ـ ١٧ ، الفقيه ١ : ٢٣ ـ ٧١ ، التهذيب ١ : ٤٠٦ ـ ١٢٧٦.
وقال أصحاب الرأي : إن كانت الزيادة يتغابن الناس بمثلها وجب شراؤه كالوكيل بالشراء له أن يشتري بزيادة يسيرة (١).
وقال ابن الجنيد منّا (٢) ، والشافعي : لا يجب الشراء وإن زاد يسيرا ، لأنه يجوز له التيمم لحفظ المال فلا يناسب وجوب الشراء بأكثر من ثمن المثل لأنه تضييع له (٣).
والقليل والكثير واحد ، ولهذا يكفر مستحله ، ويفسق غاصبه ، ويجوز الدفع عنه. ونمنع التساوي بين الأصل والفرع لتفويت الثواب الكثير في الفرع والعوض المساوي في الأصل.
ب ـ إن اعتبرنا ثمن المثل ، احتمل التقويم في ذلك الوقت والمكان لاختلاف القيمة باختلافهما ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والآخر : اعتبار اجرة الاستقاء والنقل إلى ذلك المكان إذ لا ثمن للماء (٤).
ج ـ لو بذل له بثمن غير مجحف إلى أجل وكان قادرا عليه وجب الشراء لتمكنه ، وبه قال الشافعي (٥).
وقال بعض الجمهور : لا يجب لأن عليه ضررا في بقاء الدين في ذمته وربما تلف ماله قبل أدائه (٦).
ونمنع التضرر ، ولو لم يكن قادرا لم يجب الشراء قطعا.
__________________
(١) المبسوط للسرخسي ١ : ١١٥ ، بدائع الصنائع ١ : ٤٨ ، المجموع ٢ : ٢٥٥.
(٢) حكاه المحقق في المعتبر : ١٠١.
(٣) المجموع ٢ : ٢٥٤ ، الوجيز ١ : ١٩ ، مغني المحتاج ١ : ٩٠ ، المغني ١ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ١ : ٢٧٦.
(٤) المجموع ٢ : ٢٥٤ ، الوجيز ١ : ١٩ ، مغني المحتاج ١ : ٩٠.
(٥) الام ١ : ٤٦ ، المجموع ٢ : ٢٥٣.
(٦) المغني ١ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ١ : ٢٧٧.
د ـ لو امتنع صاحبه من بذله مطلقا لم تجز مكابرته عليه لانتفاء الضرورة فإن بدله يقوم مقامه بخلاف الطعام في المجاعة.
هـ ـ لو كان عادما للثمن وبذل له بيعه في ذمته لم يلزمه شراؤه لما فيه من الضرر باشتغال الذمة.
و ـ لو بذل له الماء بغير عوض لزمه القبول لأنه لا منة له في ذلك ، ولو وهب له الثمن لم يجب القبول لما فيه من المنة ـ وبه قال الشافعي (١) ـ خلافا للشيخ (٢).
ز ـ لو عرف أن مع قوم ماء فعليه أن يطلبه منهم ، لأنهم إذا بذلوه وجب قبوله ، وقد يبذلوه عند طلبه فيجب ، وهو أظهر وجهي الشافعية ، والآخر : لا يجب (٣).
ح ـ لو امتنع من قبول الهبة لم تصح صلاته ما دام الماء والبذل ، لتمكنه من الوضوء ، وهو أحد وجهي الشافعية (٤).
ط ـ لو عدم الثمن ، وتمكن من تحصيله بالكسب ، فالوجه : وجوبه لتمكنه من الماء ، خلافا للشافعي (٥).
ي ـ لو افتقر إلى الآلة وتمكن من شرائها وجب وإن زاد على ثمن المثل ـ خلافا للشافعي (٦) ـ ولو وهبت منه لم يجب القبول ، بخلاف الماء ، وكذا لو وهب ثمنها ، ولو أعاره المالك وجب القبول ، لانتفاء المنة لقضاء العادة
__________________
(١) المجموع ٢ : ٢٥٣ ، الوجيز ١ : ١٩ ، مغني المحتاج ١ : ٩١.
(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٣١.
(٣) المجموع ٢ : ٢٥١ ، فتح العزيز ١ : ١٩٨.
(٤) انظر المجموع ٢ : ٢٥٦.
(٥) فتح العزيز ٢ : ٢٣٢.
(٦) المجموع ٢ : ٢٥٦.
بالاستعارة ، ولو افتقر إلى دلو ، وحبل فوجد أحدهما لم يجب شراؤه ، ولا استعارته إلا أن يظن تحصيل الآخر.
يا ـ لا فرق بين راكب البر والبحر ، في جواز التيمّم عند تعذر الآلة.
يب ـ لو تمكن من استئجار الآلة بعوض موجود ، أو في الذمة وله قدرة وجب.
يج ـ لو تمكن من إنزال ثوب واستخراج الماء بعصره وجب وإن نقصت قيمته نقصانا قليلا أو كثيرا ما لم يتضرر به في الحال أو فيما بعد ، خلافا للشافعي فيما لو زاد النقص عن ثمن الدلو والحبل (١) ، وكذا لو كانت العمامة تصل لو شقها بنصفين.
مسألة ٢٩٤ : لو أراق الماء قبل الوقت ، أو نجّسه لغرض أو لغيره ، تيمم وصلى ولا إعادة عليه ـ وبه قال الشافعي ، وأحمد (٢) ـ لأنه فعل المأمور به فيخرج عن العهدة.
وقال الأوزاعي : إن ظن أنه يدرك الماء في الوقت فكقولنا وإلاّ تيمم وأعاد ، لأنه مفرط (٣). ولو فعل ذلك بعد الوقت لغرض فكذلك ، وإن كان لغير غرض وجب أن يتيمم ويصلي لأنه فاقد ، وهل يعيد؟ الوجه : المنع لأنه غير واجد ، فصار كما لو قتل العبد ، أو أعتقه فإنه يجزيه الصوم.
ويحتمل الإعادة لأنه مفرط بإراقة الماء ، وتمكن من الصلاة بالوضوء ، وللشافعي وجهان (٤) ، فحينئذ يعيد واحدة لا ما بعدها ، كما لو أراق قبل
__________________
(١) المجموع ٢ : ٢٤٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٤.
(٢) المجموع ٢ : ٣٠٧ ، مغني المحتاج ١ : ٩١ ، المغني ١ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ١ : ٢٨٣ ، كشاف القناع ١ : ١٦٨.
(٣) المغني ١ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ١ : ٢٨٣.
(٤) المجموع ٢ : ٣٠٧ ، المغني ١ : ٢٧٤.
الوقت ، ويحتمل قضاء كل صلاة يؤديها بوضوء واحد في عادته.
ولا تصح الإعادة في الوقت لأنه لو صح القضاء فيه لصح الأداء ، بل يؤخر إلى أن يجد الماء ، أو ينتهي إلى حالة تصح صلاته بالتيمم ، وكلاهما للشافعي ، وآخر : قضاء كل ما صلى بتيممه (١).
فروع :
أ ـ لو مر بنهر في الوقت ولم يتوضأ ، وبعد عنه ، وتيمم وصلى ، فالأقرب : عدم القضاء ، وهو أقرب وجهي الشافعية (٢) لأنه لم يضيع شيئا وإنما امتنع من التحصيل ، والتقصير في التضييع أشد ، ومنهم من طرد الوجهين (٣).
ب ـ لو كان هناك من يحتاج إلى الماء فوهبه المالك منه ، فإن كان للشرب صح وتيمم ، وإن كان للطهارة لم يصح في الوقت ، لأنه تعلق به حق العبادة ، وحاجته أهم من حاجة غيره ، وقبله يجوز.
ج ـ لو سلم ما منع من هبته لم يجز ، ولم يزل ملكه عنه ، ولا تصح صلاة الواهب بالتيمم ما دام الماء في يد الموهوب له ، وإذا استعمله كان حكمه حكم ما لو أراق الماء عمدا. والأقرب : صحة صلاة المتهب به.
مسألة ٢٩٥ : لو كان معه من الماء ما لا يكفيه لطهارته من الجنابة تيمم ، وهو قول أكثر العلماء (٤) ، لأنه غير واجد للماء.
ولقول الصادق عليهالسلام وقد سئل عن الرجل يجنب ومعه من الماء
__________________
(١) المجموع ٢ : ٣٠٩.
(٢) المجموع ٢ : ٣٠٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٤٠.
(٣) المجموع ٢ : ٣٠٧.
(٤) المجموع ٢ : ٢٦٨ ، المغني ١ : ٢٧٠ ، بدائع الصنائع ١ : ٥٠.
ما يكفيه لوضوئه للصلاة ، أيتوضأ بالماء أو يتيمم؟ قال : « يتيمم ألا ترى أنه جعل عليه نصف الطهور » (١).
وقال الحسن البصري : إذا كان معه من الماء ما يغسل به وجهه ويديه غسلهما ولا يتيمم ، وبه قال عطاء ، وزاد عليه فقال : لو وجد من الماء ما يغسل به وجهه غسله ومسح كفيه بالتراب لأن الماء هو الأصل وهو أولى من التراب ، فإذا أجزأه التراب في الوجه واليدين فالماء أولى (٢).
وهو غلط لأن التيمم طهارة كاملة ، ولهذا لا يلزمه مسح سواهما بالتراب مع قدرته عليه ، بخلاف غسل الوجه واليدين فإنه بعضها فلا ينوب مناب جميعها.
فروع :
أ ـ قال أصحابنا : لا يجب استعمال الماء ـ وبه قال أبو حنيفة ، ومالك ، والأوزاعي ، وداود ، والمزني ، وأحمد ، والشافعي في أحد القولين (٣) ـ لأن هذا الماء لا يطهره فلا يلزمه استعماله كالنجس ، وللخبر عن الصادق عليهالسلام (٤). والآخر : يجب ـ وبه قال عطاء ، والحسن بن صالح ، وأحمد (٥) ـ لأنه قدر على البعض فيجب ، إذ الأمر بالجميع يستلزم البعض كالسترة وإزالة النجاسة ، ولأنه تعالى شرط عدم ما يسمى ماء (٦) ،
__________________
(١) التهذيب ١ : ٤٠٤ ـ ١٢٦٦.
(٢) حلية العلماء ١ : ١٩٧.
(٣) المجموع ٢ : ٢٦٨ ، فتح العزيز ٢ : ٢٢٣ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١١٣ ، احكام القرآن للجصاص ٢ : ٣٧٤ ، بدائع الصنائع ١ : ٥٠ ، تفسير القرطبي ٥ : ٢٣٠ ، المنتقى للباجي ١ : ١١٥ ، المغني ١ : ٢٧٠ ، الشرح الكبير ١ : ٢٨١.
(٤) التهذيب ١ : ٤٠٤ ـ ١٢٦٦.
(٥) المغني ١ : ٢٧٠ ، المجموع ٢ : ٢٦٨.
(٦) المائدة : ٦.
والقليل يسمى به ، وليس هذا القول عندي بعيدا من الصواب لإمكان حصول ما يكمل الطهارة ، مع أن الموالاة غير واجبة.
ب ـ المحدث إذا وجد من الماء ما يكفيه لبعض الأعضاء لم يجب استعماله فيه عندنا قطعا ـ وبه قال أبو حنيفة ، ومالك ، والأوزاعي ، وداود ، والمزني وأحمد (١) ـ بل يجب التيمم لانتفاء الغرض وهو الطهارة باستعماله ، وقوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) (٢) يريد المطهر.
وقال عطاء ، والحسن بن صالح : يجب استعمال الماء والتيمم معا (٣) ، وللشافعي قولان ، أصحهما : الثاني (٤) ، لما تقدم في الجنب.
والموجبون في البابين ، أوجبوا تقديم الماء ليصير فاقدا ، وراعوا الترتيب في الوضوء إلى أن ينفد ، وفي الغسل يغسل ما شاء من بدنه لعدم الترتيب عندهم فيه.
ج ـ لو وجدت الحائض من الماء ما يكفي الوضوء خاصة وجب استعماله فيه ، والتيمم للغسل لتعددهما ، وتتخير في التقديم لاستقلالهما.
د ـ لو وجد ما يصلح لبعض الأعضاء ، وفقد التراب فحكمه حكم فاقد المطهر ، وللشافعي قولان ، أحدهما : وجوب استعماله إذ لا بدل للغسل يعدل إليه (٥).
__________________
(١) المبسوط للسرخسي ١ : ١١٣ ، المنتقى للباجي ١ : ١١٠ ، المغني ١ : ٢٧١ ، الشرح الكبير ١ : ٢٨١.
(٢) المائدة : ٦.
(٣) المجموع ١ : ٢٦٨ ، المغني ١ : ٢٧٠.
(٤) فتح العزيز ٢ : ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٩ ، مغني المحتاج ١ : ٨٩ ، المغني ١ : ٢٧٠.
(٥) الام ١ : ٤٩ ، المجموع ٢ : ٢٦٨ ، مغني المحتاج ١ : ٨٩ ، المغني ١ : ٢٧٠ ، الشرح الكبير ١ : ٢٨١.
هـ ـ لو تيمم الفاقد ، ثم وجد من الماء ما لا يكفيه لم ينتقض تيممه مطلقا عند أصحابنا ، وفي الوضوء عندنا ، وأما في الغسل ، فيحتمل ذلك إن لم نوجب استعمال القاصر ، وإلا انتقض فيستعمله ، ثم يتيمم ، والوجهان للشافعي مطلقا (١).
و ـ لو تيمم من الجنابة وصلى فريضة واحدة ثم أحدث لم يجز له أن يصلي فريضة ولا نافلة لوجود الحدث ، فإن وجد من الماء ما يكفيه لوضوئه خاصة احتمل وجوب استعماله في غسل الرأس ، وتيمم لما يستقبل من الصلوات.
وبعض الشافعية قال : إن توضأ به ارتفع حدثه ، وصلّى به النافلة خاصة ، لأن التيمم الذي ناب عن غسل الجنابة أباح له فريضة واحدة وما شاء من النوافل ، فإذا توضأ ارتفع تحريم النوافل ولم يستبح فريضة لأنه وضوء لا ينوب عن الجنابة (٢) ، وهو نادر لأنه وضوء يبيح النافلة دون الفريضة.
ز ـ لو تضرر بعض أعضائه بالماء لمرض تيمّم ولم يغسل الصحيح ، وقال في الخلاف ، والمبسوط : لو غسله وتيمم كان أحوط (٣) ، وكذا لو كان بعض أعضائه نجسا ولا يقدر على طهارته بالماء تيمم وصلى ، ولا إعادة في شيء من ذلك لأنه فعل المأمور به فيخرج عن العهدة.
ح ـ لو وجد من التراب ما يكفيه لوجهه خاصة كان كفاقد المطهر ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : يجب استعماله فيه لأن التراب ليس له بدل ، فصار كما لو قدر على ستر بعض العورة (٤).
__________________
(١) المجموع ٢ : ٢٧٠.
(٢) المجموع ٢ : ٢٧١.
(٣) الخلاف ١ : ١٥٤ مسألة ١٠٥ ، المبسوط للطوسي ١ : ٣٥.
(٤) المجموع ٢ : ٢٧٠.
ط ـ لو قصر الماء عن إزالة النجاسة عن بدنه والوضوء ، وكفى أحدهما ، صرف في إزالة النجاسة إجماعا ، إذ لا بدل لها ، وتيمم ، وكذا الغسل ، وكذا لو كانت النجاسة على الثوب وليس غيره.
وعن أحمد : لا يغسل الثوب لأن رفع الحدث آكد (١) وهو باطل لوجود البدل هنا ، بخلاف نجاسة الثوب.
ي ـ لو صرف الماء في الوضوء ، وعليه أو على ثوبه نجاسة ، ففي الإجزاء إشكال ، أقربه : ذلك إن جوّز وجود المزيل في الوقت وإلاّ فلا.
__________________
(١) المغني ١ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ١ : ٢٨٦.
الفصل الثاني : فيما يتيمم به.
مسألة ٢٩٦ : لا يجوز التيمم إلاّ بما يقع عليه اسم الأرض بالإطلاق ، سواء كان ترابا ، أو حجرا ، أو حصى عند أكثر علمائنا (١).
وجوّز مالك ، وأبو حنيفة التيمم بالحجر وإن لم يكن عليه غبار (٢) كما ذهبنا إليه ، لقوله عليهالسلام : ( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ) (٣).
ولقول الباقر عليهالسلام في التيمم : « تضرب بكفّيك على الأرض » (٤).
ولأنه أرض اكتسب حرارة فتحجر ، والتغاير في الأوصاف لا تخرج الماهية عن حقيقتها.
ومنع الشافعي ، وأحمد ، وداود ، وأبو يوسف من التيمم
__________________
(١) منهم السيد المرتضى وابن الجنيد كما في المعتبر : ١٠٢ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٣١ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٦.
(٢) بلغة السالك ١ : ٧٤ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٠٩ ، شرح فتح القدير ١ : ١١٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٥٣ ، المجموع ٢ : ٢١٣ ، المغني ١ : ٢٨١ ، الميزان ١ : ١٢٢.
(٣) الفقيه ١ : ١٥٥ ـ ٧٢٤ وانظر سنن النسائي ١ : ٢١٠ ، مسند أحمد ٥ : ١٤٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٨٨ ـ ٥٦٧.
(٤) التهذيب ١ : ٢١٢ ـ ٦١٥ ، الاستبصار ١ : ١٧١ ـ ٥٩٥.
بالحجر (١) لقوله تعالى ( صَعِيداً طَيِّباً ) (٢) قال ابن عباس : الصعيد : التراب (٣).
وقال عليهالسلام : ( جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا ) (٤) ولو لا اختصاص التراب لقال : وطهورا.
والصعيد : وجه الأرض نقله الخليل (٥) ، وثعلب عن ابن الأعرابي لقوله تعالى ( فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً ) (٦) أي أرضا ملساء مزلقة (٧) ، ونمنع الاختصاص ، وروي الحذف.
مسألة ٢٩٧ : ولا يجوز التيمم بما خرج بالاستحالة عن اسم الأرض كالزرنيخ ، والكحل ، وسائر المعادن عند أكثر علمائنا (٨) لقوله تعالى : ( صَعِيداً ) (٩) وهو إما التراب ، أو الأرض ، ولقوله عليهالسلام : ( عليكم بالأرض ) (١٠).
ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليهالسلام وقد سئل عن الوضوء باللبن : « لا إنما هو الماء والصعيد » (١١).
__________________
(١) المجموع ٢ : ٢١٢ ، المغني ١ : ٢٨١ ، الشرح الكبير ١ : ٢٨٧ ، بدائع الصنائع ١ : ٥٣ ، الميزان ١ : ١٢٢.
(٢) المائدة : ٦.
(٣) التفسير الكبير ١١ : ١٧٢ ، تنوير المقباس : ٧١.
(٤) سنن البيهقي ١ : ٢١٣ ، سنن الدار قطني ١ : ١٧٥ ـ ١٧٦ ـ ١ ، دعائم الإسلام ١ : ١٢٠ ـ ١٢١.
(٥) العين للخليل ١ : ٢٩٠.
(٦) الكهف : ٤٠.
(٧) لسان العرب ٣ : ٢٥٤ ، تاج العروس ٢ : ٣٩٨ « صعد » ، تفسير القرطبي ٥ : ٢٣٦.
(٨) منهم المفيد في المقنعة : ٨ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٣٢ ، وأبو الصلاح في الكافي : ١٣٦ ، والسيد المرتضى والمحقق كما في المعتبر : ١٠٢.
(٩) النساء : ٤٣.
(١٠) سنن البيهقي ١ : ٢١٧.
(١١) التهذيب ١ : ١٨٨ ـ ٥٤٠ ، الاستبصار ١ : ١٥٥ ـ ٥٣٤.
وقال ابن أبي عقيل منّا : يجوز التيمم بما كان من جنس الأرض كالكحل والزرنيخ (١) ـ وبه قال أبو حنيفة ، ومالك (٢) ـ لقوله عليهالسلام : ( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ) (٣) ونقول بالموجب ، والمتنازع ليس أرضا.
وقال مالك : يجوز التيمم بما يكون متصلا بالأرض كالشجر ، والزرع (٤). وليس بجيد ، لأن الطهارة عبادة شرعية فتتوقف على مورد النص.
مسألة ٢٩٨ : وكل ما يطلق عليه اسم التراب ، يصح التيمم به سواء الأعفر ـ وهو الذي لا يخلص بياضه ـ والأسود ، والأصفر ، والأحمر ، ومنه الأرمني الذي يتداوى به ، والأبيض الذي يؤكل سفها ، والمدر وهو الذي ينبت ، والسبخ وهو الذي لا ينبت ، على كراهية ، والبطحاء وهو التراب اللين في مسيل الماء بإجماع العلماء لصدق المسمى عليه.
وحكي عن بعضهم : المنع من التيمم بالسبخ (٥) ـ وبه قال ابن الجنيد (٦) ـ لقوله تعالى ( صَعِيداً طَيِّباً ) (٧) وليس بجيد لأن المدينة مالحة وتيمم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم منها ، والمراد بالطيب الطاهر كالماء.
__________________
(١) حكاه المحقق في المعتبر : ١٠٢.
(٢) المبسوط للسرخسي ١ : ١٠٨ ـ ١٠٩ ، بدائع الصنائع ١ : ٥٣ ، بلغة السالك ١ : ٧٤ ، بداية المجتهد ١ : ٧١ ، أقرب المسالك : ١٠.
(٣) الفقيه ١ : ١٥٥ ـ ٧٢٤ ، وانظر سنن النسائي ١ : ٢١٠ ، مسند احمد ٥ : ١٤٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٨٨ ـ ٥٦٧.
(٤) حلية العلماء ١ : ١٨٣ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٥.
(٥) حكاه النووي في المجموع ٢ : ٢١٨ عن إسحاق بن راهويه.
(٦) حكاه المحقق في المعتبر : ١٠٣.
(٧) النساء : ٤٣.
وأما الرمل فيجوز التيمم به على كراهة عندنا ـ وبه قال أبو حنيفة ، والأوزاعي ، والشافعي في أحد القولين ـ لصدق اسم الأرض عليه (١).
ولما رواه أبو هريرة أن رجلا أتى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله إنا نكون بأرض الرمل ، فتصيبنا الجنابة والحيض والنفاس ، فلا نجد الماء أربعة أشهر ، وخمسة أشهر ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( عليكم بالأرض ) (٢).
وفي الآخر : لا يجوز لعدم صدق التراب عليه (٣) وهو ممنوع.
فروع :
أ ـ قال الشيخان : يجوز التيمم بأرض الجص ، والنورة (٤). وقال المرتضى : يجوز التيمم بالجص ، والنورة (٥). ولا بأس به لصدق اسم الأرض عليه ، ولا يخرج باللون والخاصية عن اسم الأرض كما لا يخرج باللون.
ولقول علي عليهالسلام وقد سئل عن التيمم بالجص : « نعم » فقيل : بالنورة ، فقال : « نعم » (٦) ، وهو أحد قولي الشافعي (٧).
ب ـ الحجر الصلد كالرخام إذا لم يكن عليه غبار ، يجوز التيمم به
__________________
(١) المجموع ٢ : ٢١٣ و ٢١٥ ، الميزان ١ : ١٢٢ ، اللباب ١ : ٣١ ، بدائع الصنائع ١ : ٥٣ ، المغني ١ : ٢٨١ ، نيل الأوطار ١ : ٣٢٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٣٩.
(٢) سنن البيهقي ١ : ٢١٧ ، كنز العمال ٩ : ٥٩٥ ـ ٢٧٥٧٢.
(٣) المجموع ٢ : ٢١٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٣٩.
(٤) المقنعة : ٨ ، المبسوط للطوسي ١ : ٣٢.
(٥) حكاه المحقق في المعتبر : ١٠٣.
(٦) التهذيب ١ : ١٨٧ ـ ٥٣٩.
(٧) المجموع ٢ : ٢١٣ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٤.
عندنا ـ وبه قال الشيخ ، والمرتضى (١) ـ لقوله تعالى ( صَعِيداً ) (٢) وقال المفيد : يجوز مع عدم التراب (٣) ومنع الشافعي مطلقا (٤).
ج ـ منع ابن الجنيد من التيمم بالخزف (٥) ـ وبه قال الشافعي (٦) ـ لأنه خرج بالطبخ عن اسم الأرض ، وهو ممنوع ، ولهذا جاز السجود عليه ، ولو دق حتى صار ترابا فكذلك.
د ـ لو احترق التراب حتى صار رمادا ، فإن خرج عن اسم الأرض لم يصح التيمم به ، ولو احترق الشجر حتى صار رمادا لم يتيمم به.
مسألة ٢٩٩ : ويشترط في التراب أمران : الطهارة ، والملك ، فلا يجوز التيمم بالتراب النجس ، ولا المغصوب ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وهو قول الجمهور (٧) لقوله تعالى ( طَيِّباً ) (٨) وهو الطاهر.
ولا فرق بين أن تغير النجاسة رائحة التراب أو لا.
وقال داود : إن غيرت رائحته لم يجز التيمم به وإلاّ جاز (٩) اعتبارا بالماء ، وهو خطأ لأن الجامد لا يعتبر فيه التغير كالثوب يصيبه الماء النجس ، ولأن في الماء قوة بخلاف التراب.
__________________
(١) المبسوط للطوسي ١ : ٣٢ ، وحكى قول السيد المرتضى المحقق في المعتبر : ١٠٣.
(٢) النساء : ٤٣.
(٣) المقنعة : ٨.
(٤) المجموع ٢ : ٢١٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ٣٩.
(٥) حكاه المحقق في المعتبر : ١٠٣.
(٦) المجموع ٢ : ٢١٦ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٥ ، الوجيز ١ : ٢١.
(٧) المجموع ٢ : ٢١٦ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٤ ، الوجيز ١ : ٢١ ، المغني ١ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ١ : ٢٨٩ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١١٩ ، شرح فتح القدير ١ : ١٢٠ ، اللباب ١ : ٣٢ ، بلغة السالك ١ : ٧٣.
(٨) النساء : ٤٣.
(٩) حلية العلماء ١ : ١٨٣.
فروع :
أ ـ الممتزج بالنجس كالنجس لإمكان كون الواصل نجسا ، سواء كان المزج بالنجس أو بالنجاسة ، وسواء قلّت النجاسة أو كثرت.
ب ـ لو أصاب الأرض بول ، أو ماء نجس ، ثم جرى الماء الكثير عليها ، أو المطر طهرت ، وإن جفت بالشمس فكذلك ، وجاز التيمم منها ، وللشافعي قولان (١). ولو جفت بغيرها لم تطهر ولم يجز التيمم منها ، وللشافعي قولان (٢).
ج ـ يجوز التيمم بتراب القبر ما لم يعلم حصول نجاسة فيه ، سواء تكرر نبشه أو لا لأنه طاهر.
وقال الشافعي : لا يجوز إذا تكرر نبشه لاختلاطه بصديد الموتى ولحومهم ، وإن لم يتكرر جاز لعدم المزج ، وإن جهل فوجهان لأصالة الطهارة ، وظهور النبش (٣).
د ـ لو امتزج بالطاهر كالدقيق ، والأشنان ، قال الشيخ : لم يجز التيمم به إلا أن يستهلكه التراب (٤) ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والآخر : المنع مطلقا لجواز أن يصل المخالط إلى العضو فيمنع وصول التراب إليه (٥).
والأولى عندي اعتبار الاسم.
هـ ـ لو لم يجد التراب إلاّ بالثمن وجب الشراء وإن كثر كالماء.
__________________
(١) المجموع ٢ : ٢١٧.
(٢) المجموع ٢ : ٢١٧.
(٣) المجموع ٢ : ٢١٦.
(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٣٢.
(٥) الام ١ : ٥٠ ، المجموع ٢ : ٢١٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ٤٠.
مسألة ٣٠٠ : يجوز التيمم بالتراب المستعمل عند علمائنا أجمع ـ وبه قال أصحاب أبي حنيفة (١) ـ لبقاء اسم الصعيد الطيب عليه ، ولأن الماء المستعمل عندنا طاهر يرفع به الحدث وإن رفع الحدث به أولا فالتراب الذي لا يرفع حدثا أولى.
وللشافعي قولان ، أصحهما : المنع كالماء المستعمل لاشتراكهما في أداء فرض الصلاة بهما ، والجواز لأنه لم يرفع حدثا فلم يتأثر بالاستعمال (٢).
إذا عرفت هذا فنقول : ليس المستعمل الموضع الذي تضرب اليد عليه إجماعا لأنه بمنزلة الإناء الذي يغترف منه ، فيجوز أن يتيمم جماعة من موضع واحد بأن يضرب واحد يده بعد آخر.
وأما التراب الملتصق بأعضاء التيمم فإنه مستعمل إجماعا ، وأما المتساقط من الأعضاء فوجهان ، أصحهما عنده : أنه مستعمل كالمتقاطر من الماء (٣).
مسألة ٣٠١ : ويستحب التيمم من ربى الأرض ، ويكره من المهابط عند علمائنا أجمع ـ ولم يفرّق الجمهور (٤) ـ لبعد العوالي عن النجاسات وزوالها بالسيول لو حصلت ، ولقول أمير المؤمنين عليهالسلام : « لا وضوء من موطإ » (٥).
مسألة ٣٠٢ : إذا فقد الصعيد فله أحوال :
__________________
(١) المبسوط للسرخسي ١ : ١٢١ ، اللباب ١ : ٣٢.
(٢) المجموع ٢ : ٢١٨ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٥ ، فتح الوهاب ١ : ٢٣.
(٣) المجموع ٢ : ٢١٨ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٤.
(٤) المجموع ٢ : ٢١٨ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٥ ، المغني ١ : ٢٨١ ، شرح فتح القدير ١ : ١١٢ ، بداية المجتهد ١ : ٧١.
(٥) الكافي ٣ : ٦٢ ـ ٥ ، التهذيب ١ : ١٨٧ ـ ٥٣٧.
الأول : أن يجد ثوبا ، أو لبد سرج ، أو عرف دابة ، أو غير ذلك فإنه يتيمم بغبار ذلك عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي ، وأحمد ، ومالك (١) ـ لأن الغبار من الصعيد وقد استعمله فأجزأه.
ولقول الباقر عليهالسلام وقد سئل كيف أصنع وعليّ وضوء ولا أقدر على النزول؟ : « تيمم من لبده أو سرجه ، أو عرف دابته فإن فيهما غبارا » (٢) وقول الصادق عليهالسلام : « لينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره ، أو شيء مغبر » (٣).
ومنعه أبو يوسف لأنه ليس بأرض (٤) ، وهو ممنوع. والظاهر من كلام الشافعي ، وأحمد ، وأبي حنيفة الجواز مع وجود التراب (٥) ، وعلماؤنا جعلوه مرتبة بعده.
الثاني : أن يجد الوحل ويفقد الغبار فإنه يتيمم به عند علمائنا ـ وبه قال ابن عباس (٦) لأنه لا يخرج بممازجة الماء عن حقيقة الأرض.
ولما رواه زرارة عن أحدهما عليهماالسلام قلت : رجل في الأجمة ليس فيها ماء وفيها طين ما يصنع؟ قال : « يتيمم به فإنه الصعيد » (٧).
وقال الصادق عليهالسلام : « إن كنت في حال لا تجد إلاّ الطين فلا
__________________
(١) المجموع ٢ : ٢١٩ ، بدائع الصنائع ١ : ٥٤ ، بداية المجتهد ١ : ٧١ ، المغني ١ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ١ : ٢٨٨.
(٢) التهذيب ١ : ١٨٩ ـ ٥٤٤ ، الاستبصار ١ : ١٥٧ ـ ٥٤١.
(٣) التهذيب ١ : ١٨٩ ـ ١٩٠ ـ ٥٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٥٦ ـ ٥٣٩.
(٤) شرح فتح القدير ١ : ١١٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٥٤ ، المجموع ٢ : ٢١٩.
(٥) المجموع ٢ : ٢١٩ ، المغني ١ : ٢٨٣ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٠٩ ، شرح فتح القدير ١ : ١١٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٥٤.
(٦) المغني ١ : ٢٨٤ ، تفسير القرطبي ٥ : ٢٣٨ ، الشرح الكبير ١ : ٢٩٠.
(٧) التهذيب ١ : ١٩٠ ـ ٥٤٧ ، الإستبصار ١ : ١٥٦ ـ ٥٤٠.