تفسير الصّافي - ج ٣

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]

تفسير الصّافي - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن المرتضى [ الفيض الكاشاني ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: منشورات مكتبة الصدر
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٣
ISBN الدورة:
964-6847-51-X

الصفحات: ٤٥٢

١
٢

٣

سورة يوسف (ع)

مكيّةٌ وقال المعدل عن ابن عبّاس غير أربع آيات نزلن بالمدينة ثلاث من أوّلها والرابعة لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ عدد آيها مائة وإحدى عشرة آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(١) الر قد سَبَق معناه تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ تلك الآيات آيات الكتاب الظاهر أمره في الاعجاز الواضح معانيه لمن يتدبّره ..

(٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا بلغتكم لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ارادة أن تفقهوه وتحيطوا بمعانيه ولو جعلناه أعجميّاً لالتبس عليكم في الخصال عن الصادق عليه السلام : تعلّموا العربيّة فانّها كلام الله الذي تكلّم به خلقه.

(٣) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ أحسن الاقتصاص لأنّه اقتصّ على أبدع الأساليب أو أحسنَ ما يقصّ لاشتماله على العجائب والحكم والعبر بِما أَوْحَيْنا بإيحائنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ عن هذه القصة لم يخطر ببالك ولم يقرع سمعك قطّ.

(٤) إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يعقوب بن اسحق بن إبراهيم.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : وكان يعقوب إسرائيل الله أي خالص الله ابن

٤

اسحق نبيّ اللهِ ابن إبراهيم خليل الله.

وفي الحديث النّبويّ : الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف ابن يعقوب بن اسحق بن إبراهيم يا أَبَتِ أصله يا أبي وقرء بفتح التّاءِ وبالوقف على الهاءِ إِنِّي رَأَيْتُ من الرّؤيا لا من الرّؤية أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ.

في الخصال عن جابر بن عبد الله قال : أتى النّبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم رجل من اليهود يقال له بشأن اليهودي فقال يا محمّد أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف انّها ساجدة فما أسماؤهنّ فلم يجبه نبيّ الله يومئِذ في شيء قال فنزل جبرئيل فأخبر النّبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم بأسمائها قال فبعث رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم إلى بشأن فلما أن جاء قال النبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم هل أنت مسلم ان أخبرتك بأسمائها قال نعم فقال له النّبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم حوبان والطارق والذّبال وذو الكتفين وقابس ووثاب وعمودان والفيلق والمصبح والصّدوح وذو الفروغ والضّياء والنّور رآها في أفق السماء ساجدة له فلّما قصّها يوسف على يعقوب قال يعقوب هذا أمر متشتّت يجمعه الله من بعد فقال بشأن والله انّ هذه لأسماؤها ثمّ أسلم.

والقمّيّ والعيّاشيّ عن جابر في تسمية النّجوم : وهي الطارق وحوبان وذكر مثله إلى قوله : والضّياء والنّور قال يعني الشمس والقمر قال وكلّ هذه الكواكب محيطة بالسماءِ.

والقمّيّ عن الباقر عليه السلام : تأويل هذه الرّؤيا أنّه سيملك مصر ويدخل عليه أبواه واخوته أمّا الشمس فامّ يوسف راحيل والقمر يعقوب وأمّا الأحد عشر كوكباً فإخوته فلّما دخلوا عليه سجدُوا شكراً لله وحده حين نظروا إليه وكان ذلك السّجُود لله تعالى.

أقول : ويأتي رواية أخرى : بأنّ التي سجدت له مع أبيه خالته لا أمّه.

(٥) قالَ يا بُنَيَ تصغير ابن صغّره للشّفقة وصغر السِّنّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ

٥

الرّؤيا كالرّؤية غير أنّها مختصة بما يكون في النّوم عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً فيحتالوا لاهلاكك حيلة ضمّن يكيدوا معنى يحتالوا فعدّاه باللّام ليفيد معنى الفعلين إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة خاف عليه حسد إخوانه له وبغيهم عليه لما عرف من دلالة رؤياه على أن يبلغه من شرف الدارين أمراً عظيماً.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : كان له أحد عشر أخاً وكان له من امِّه أخ واحد يسمّى بنيامين فرأى يوسف هذه الرّؤيا وله تسع سنين فقصّها على أبيه فقال يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ الآية.

أقول : ما دلّ عليه هذا الحديث من كون يوسف وبنيامين من أم واحد هو المشهور المستفيض رواه العيّاشيّ وغيره إلّا أنّ العيّاشيّ روى رواية أخرى : بأنّه ابن خالته.

وفي بعض ما يرويه اطلاق : «ابن ياميل» عليه باللّام.

وفي بعضه : أنّ ياميل اسم خالة يوسف وانّها هي التي سارت مع أبيه الى مصر وأكثر هذه الرّوايات يأتي في مواضعها إن شاء الله.

وربّما يوجد في بعض أخبار العيّاشيّ ابن يامين منفصلاً وصاحب القاموس ضبط بنيامين قال ولا تقل ابن يامين وأمّا أسماء ساير اخوته فلم أجدها في رواية معصوميّة بتمامها معدودة وقد قيل هو يهودا وروبيل وشمعون ولاوى وزبالون ويشجر والسّتّة من بنت خالته ليا تزوّجها يعقوب أوّلاً ثمّ تزوج أختها راحيل فولدت له بنيامين ويوسف وأربعة آخرون دان ونفتالي وحاد واشر من سريّتين زلفة وبلهة.

(٦) وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ يصطفيك رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ من تعبير الرّؤيا لأنّها أحاديث المَلَك ان كانت صادقة وأحاديث النّفس أو الشيطان ان كانت كاذبةً وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ أهله ونسله بأن يصل نعمة الدّنيا بنعمة الآخرة بأن يجعلهم أنبياء وملوكاً ثمّ ينقلهم إلى نعيم الآخرة والدّرجات العلى من الجنّة كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ بمن يستحقّ

٦

الاجتباءَ حَكِيمٌ يفعل الأشياء على ما ينبغي.

(٧) لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ أي في قصّتهم آياتٌ دلائل قدرة الله وحكمتِهِ وعلامات نبوتك وقرئ آية لِلسَّائِلِينَ لمن سأل عن قصّتهم.

في الجوامع روى : أنّ اليهود قالوا لكبراءِ المشركين سلوا محمّداً لِمَ انتقل آل يعقوب من الشام الى مصر وقصّة يوسف قال فأخبرهم بالقصّة من غير سماع ولا قراءة كتاب.

(٨) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ بنيامين خصّ بأخوَّة لأنّ أمّهما كانت واحدة أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ والحال انّا جماعة أقوياء أحق بالمحبة من صغيرين لا كفاية فيهما إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ لتفضيله المفضول وتركه التعديل في المحبّة.

(٩) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً مجهولة بعيدة من العمران كما يستفاد من تنكيرها واخلائها عن الوصف يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ يصفُ (١) لكم وجهه فيقبل عليكم بكليّة ولا يلتفت عنكم إلى غيركم ولا ينازعكم في محبّة أحد وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ من بعد يوسف أو بعد قتله قَوْماً صالِحِينَ تائبين إلى الله ممّا جنيتم.

في العلل عن السّجّاد عليه السلام : أي تتوبون.

(١٠) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ قيل هو يهودا وكان أحسنهم رأياً.

والقمّيّ : هو لاوي عن الهادي عليه السلام كما يأتي لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ فانّ القتل عظيم وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ في قعر البئر وقرئ غابات يَلْتَقِطْهُ أي يأخذه بَعْضُ السَّيَّارَةِ بعض الذين يسيرون في الأرض إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ ما يفرّق بينه وبين أبيه.

(١١) قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ لم تخافنا عليه وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ ونحن نشفق عليه ونريد له الخير.

__________________

(١) و «صفا الماء صفواً» من باب قعد و «صفاءً» ممدوداً إذا خلص من الكدر.

٧

(١٢) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً إلى الصحراءِ يَرْتَعْ يتّسع في أكل الفواكه وغيرها من الرتعة وهي الخصب وَيَلْعَبْ بالاستباق بالأقدام والرَّمي وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ.

(١٣) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ لشدّة مفارقته عليّ وقلّة صبري عنه وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ قيل لأنّ الأرض كانت مذأبة وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ.

(١٤) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ جماعة أقوياء إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ.

في المجمع عن النّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلم : لا تلقّنُوا الكذبَ فتكذبوا فانّ بني يعقوب لم يعلمُوا أنّ الذئب يأكل الإنسان حتّى لقّنهم أبوهم.

وفي العلل عن الصادق عليه السلام : قرب يعقوب لهم العلّة فاعتلّوا بها في يوسف ، العيّاشيّ عنه عليه السلام : إنّما ابتلى يعقوب بيوسف إذ ذبح كبشاً سميناً ورجل من أصحابه محتاج لم يجد ما يفطر عليه فأغفله ولم يطعمُه فابتلى بيوسف وكان بعد ذلك كلّ صباح مناديه ينادي من لم يكن صائماً فليشهد غداء يعقوب فإذا كان المساء نادى من كان صائماً فليشهد عشاء يعقوب ، وفي المجمع والعلل والعيّاشيّ عن السجّاد عليه السلام : مثله ببَسط وتفصيل.

(١٥) فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ وعزمُوا على القائه فيها ، جوابه محذوف أي فعلوا به ما فعلوا.

في العلل والعيّاشيّ عن السجّاد عليه السلام : لمّا خرجوا من منزلهم لحقهم أبوهم مسرِعاً فانتزعه من أيديهم فضمّه إليه واعتنقه وبكى ودفعه إليهم فانطلقوا به مسرعين مخافة أن يأخذه منهم ولا يدفعه إليهم فلّما أيقنوا به أتوا به غيضة (١) أشجار فقالوا نذبحه ونلقيه تحت هذه الشجرة فيأكله الذّئب الليلة فقال كبيرهم لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ فانطلقوا به إلى الجبّ وألقوه فيه وهم يظنون أنّه يغرق فيه فلما صار في قعر الجبّ ناداهم يا ولدَ رومين اقرؤا يعقوب

__________________

(١) الغيضة بالفتح الأجمة ومجتمع الشجر في مغيض ماء أو خاصّ بالغرب لا كلّ شجر جمعه غياض واغياض.

٨

السلام منّي فلّما سمعُوا كلامه قال بعضهم لبعض لا تزالوا من هاهنا حتّى تعلموا أنّه قد مات فلم يزالوا بحضرته حتّى أيسوا ورجعوا.

والقمّيّ : فأدنوه من رأس الجبّ وقالوا له انزع قميصك فبكى وقال يا اخوتي تجرّدوني فسلّ واحد منهم عليه السِّكّين وقال لئن لم تنزعه لأقتلنّكَ فنزعه فَدَلَوْه في اليّم وتنحوا عنه فقال يوسف في الجبّ يا إله إبراهيم واسحق ويعقوب ارحم ضعفي وقلّة حيلتي وصغري.

ثم قال القمّيّ ونَسَب ابن طاوس قوله هذا إلى الصادق عليه السلام : ورجع إخوته فقالوا نعمد إلى قميصه فنلطخه بالدّم ونقول لأبينا انّ الذئب أكله فقال لهم أخوهم لاوي يا قوم ألسنا بني يعقوب إسرائيل الله ابن اسحق نبيّ الله ابن إبراهيم خليل الله أفتظنّون أنّ الله يكتم هذا الخبر عن أنبيائه فقالوا ومَا الحلية قالوا نقوم ونغتسل ونصليّ جماعة ونتضرّع إلى الله أن يكتم ذلك عن أنبيائه فانّه جواد كريم فقاموا واغتسلوا وكانت في سنّة إبراهيم واسحق ويعقوب أنّهم لا يصلّون جماعة حتّى يبلغوا أحد عشر رجلاً فيكون واحداً منهم إماماً وعشرة يصلّون خلفه قالوا وكيف نصنع وليس لنا إمام فقال لاوي نجعل الله إمامنا فصلّوا وتضرعوا وبكوا وقالوا يا ربّ اكتم علينا هذا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أوحى الله تعالى إليه في صغره كما أوحى إلى يحيى وعيسى لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا لتحدثنهم بما فعلوا بك وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أنّك يوسف لعلّو شأنك وطول العهد المغيّر للهيئات إشارة إلى ما قال لهم بمصر حين دخلوا عليه ممتارين فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ، بشّره بما يؤول إليه أمره ايناساً له وتطييباً لقلبه.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : يقول لا يشعرون أنّك أنت يوسف أتاه جبرئيل فأخبره بذلك.

في العلل والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : وكان ابن سبع سنين.

(١٦) وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً آخر النّهار يَبْكُونَ متباكين قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ نتسابق في العَدْو وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا

٩

بمصدّق لنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ بسوء ظنّك بنا وفرط محبّتك ليوسف.

(١٧) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ مكذوب فيه وصف بالمصدر للمبالغة.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : ذبحوا جدياً على قميصه والعيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : لما أوتي بقميص يوسف على يعقوب قال اللهمّ لقد كان ذئباً رفيقاً حين لم يشق القميصَ قال وكان به [نضح فضح (١) خ ل] من دم والقمّيّ قال : ما كان أشدّ غضب ذلك الذئب على يوسف عليه السلام واشفقه على قميصه حيث أكل يوسف ولم يمزّق قميصَه قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً أي سهّلت لكم وهوّنت في أعينكم أمراً عظيماً من السّول وهو الاسترخاءِ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ فأمري صبر جميل وفي الحديث النّبوي صلَّى الله عليه وآله وسلم : الصبر الجميل الذي لا شكوى فيه إلى الخلق ورواه ابن عقدة عن الصادق عليه السلام والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ على احتمال ما تصفونه من هلاك يوسف.

في العِلل والعيّاشيّ عن السّجّاد عليه السلام : إنّه لمّا سمع مقالتهم استرجع واستعبر وذكر ما أوحى الله إليه من الاستعداد للبلاءِ وأذعن للبلوى يعني بسبب غفلته عن إطعامه الجار الجائع فقال لهم بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً وما كان الله ليطعِم لحم يوسف للذئب من قبل أن أرى تأويل رؤياه الصادقة.

(١٨) وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ رفقة يسيرون فنزلوا قريباً من الجُبّ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ الذي يرد الماءَ ويستسقي لهم فَأَدْلى دَلْوَهُ فأرسلها في الجبّ ليملأها فتدلّى بها يوسف فلّما رآه قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ بشر نفسه أو قومه وقرئ يا بشراي بالإضافة وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً أخفوه متاعاً لِلتّجارة أي الوارد وأصحابه من ساير الرفقة أو أخوة يوسف من الرّفقة جميعاً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ لم يخف عليه أسرارهم.

(١٩) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ مبخوسٍ ناقصٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ قليلة كانوا

__________________

(١) الفضح محرّكة ما تعلوه حمرة.

١٠

يزنون الكثير ويعدّوُن القليل وَكانُوا فِيهِ في يوسف مِنَ الزَّاهِدِينَ الراغبين عنه.

العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : كانت عشرين درهماً والقمّيّ والعيّاشيّ عن الرضا عليه السلام مثله ، وزاد : البخس النقص وهي قيمة كلب الصّيد إذا قتل.

وفي المجمع عن الصادق عليه السلام : كانت ثمانية عشر درهماً والقمّيّ : مثله.

وفي العِلل والعيّاشيّ عن السّجّاد عليه السلام : أنّهم لمّا أصبحُوا قالوا انطلقوا بنا حتّى ننظر ما حال يوسف أمات أم هو حيّ فلما انتهوا إلى الجبّ وجدوا بحضرة الجبّ سيّارة وقد فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ فلما جذب دلوه فإذا هو بغلام متعلّق بدلوه فقال لأصحابه يا بُشْرى هذا غُلامٌ فلّما أخرجوه أقبل إليهم اخوة يوسف فقالوا هذا عبدنا سقط منّا أمس في هذا الجبّ وجئنَا اليوم لنخرجه فانتزعوه من أيديهم وتنحّوا به ناحية فقالوا إمّا أن تقرّ لنا أنّك عبدنا فنبيعك بعض هذه السيّارة أو نقتلك فقال لهم يوسف لا تقتلوني واصنعوا ما شئتم فأقبلوا به إلى السيارة فقالوا منكم من يشتري منّا هذا الغلام فاشتراه رجل منهم بعشرين درهماً وكان اخوته فيه من الزاهِدين.

في الكافي والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : لمّا طرح إخوة يوسف يوسف في الجبّ أتاه جبرئيل فدخل عليه فقال يا غلام ما تصنع ها هنا فقال إنّ اخوتي ألقوني في الجبّ قال أفتحبّ أن تخرج منه قال ذاك إلى الله عزّ وجلّ إن شاء أخرجني قال فقال له إنّ الله يقول لك ادعني بهذا الدّعاءِ حتّى أخرجك من الجبّ فقال له وما الدعاءُ قال قل اللهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلّا أنت المنّان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام أن تصلِّي على محمّد وآل محمّد وان تجعل لي ممّا أنا فيه فرجاً ومخرجاً. وزاد القمّيّ : وارزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب فدعا ربّه فجعل له من الجب فرجاً ومن كيد المرأة مخرجاً وآتاه مُلك مصر من حيث لا يحتسب.

وفي المجمع والعيّاشيّ : ما في معناه.

وفي المجالس عنه عليه السلام : أنّه سئل ما كان دعاء يوسف في الجبّ فانا قد

١١

اختلفنا فيه فقال إنّ يوسف لمّا صار في الجبّ وأيس من الحياة قال اللهمّ إن كانت الخطايا والذنوب قد أخلقت وجهي عندك فلن ترفع لي إليك صوتاً ولن تستجيب لي دعوةً فانّي أسألك بحقّ الشيخ يعقوب عليه السلام فارحم ضعفه اجمع بيني وبينه فقد علمت رأفته علي وشوقي إليه.

القمّيّ : فحملوا يوسف إلى مصر وباعوه من عزيز مصر.

وفي العلل عن السّجّاد عليه السلام : أنّه سئل كم كان بين منزل يعقوب يومئذ وبين مصر فقال مسيرة اثني عشر يوماً.

وفي الكافي والإكمال عن الصادق عليه السلام في حديث يذكر فيه يوسف : وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوماً قال : ولقد سار يعقوب وولده عند البشارة مسيرة تسعة أيّام من بدوهم إلى مصر.

(٢٠) وَقالَ (١) الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ قيل هو العزيز الذي كانَ على خزائن مصر وكان اسمه قطفير أو اظفير وكان الملك يومئذ ريّان بن الوليد العمليقي وقد آمن بيوسف ومات في حياته لِامْرَأَتِهِ وكان اسمها زليخا كما يأتي عن الهادي عليه السلام أَكْرِمِي مَثْواهُ اجعلي مقامه عندنا كريماً أي حسناً والمعنى أحسني تعهّده عَسى أَنْ يَنْفَعَنا في ضياعنا وأموالنا ونستظهر به في مصالحنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً نتبنّاه وذلك لما تفرّس منه الرّشد.

القمّيّ : ولم يكن له ولد فأكرموه وربّوه فلمّا بلغ أشدّه هَوَته امرأة العزيز وكانت لا تنظر إلى يوسف امرأة إلّا هوته ولا رجل إلّا أحبّه وكان وجهه مثل القمر ليلة البدر.

(٢١) وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ لا يمنع ممّا يشاءُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ لطائف صنعه وانّ الأمر كلّه بيده.

__________________

(١) وتقدير الآية فحملوه الى مصر وباعوه وحذف ذلك للدلالة عليه.

١٢

(٢٢) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ منتهى اشتداد جسمه وقوّتِه آتَيْناهُ حُكْماً حكمة وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ تنبيه على أنّه تعالى إنّما أتاه ذلك جزاءً على احسانِه في عمله واتقائه في عنفوان أمره.

(٢٣) وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ طلبت منه وتمحّلت أن يواقعها من راد يرود إذا جاء وذهب لطلب شيء وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ أي أقبل وبادر وقرئ «بالضّمّ» و «بالفتح وكسر الهاء».

وفي المجمع عن عليّ عليه السلام : بالهمزة وضمّ التّاء بمعنى تهيّأت لك قالَ مَعاذَ اللهِ أعوذ بالله معاذاً إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ سيدي قطفير أحسن تعهدي فليس جزاؤه أن أخونه في أهله وانّ الله خالقي وأحسَنَ منزلتي بأن عطف عليّ قلبه فلا أعصيه إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ.

(٢٤) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ قصدت مخالطته وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ معناه لو لا أن رأى برهان ربّه لهّمَّ بها فحذف جواب لو لا لدلالة المذكور سابقاً عليه هذا عند من لم يجوّز تقدم الجزاء على الشّرط ومن جوّزه فلا حاجة له إلى هذا التقدير.

في المجمع عن الصادق عليه السلام : البرهان النّبوّة المانعة من ارتكاب الفواحِش والحِكمة الصارفة عن القبائح كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ الذين أخلصهم الله لطاعته وقرئ بكسر اللّام أي الذين أخلصُوا دينهم لله.

في العيون عن الرضا عليه السلام : وقد سأله المأمون عن عصمة الأنبياء لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ولَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ لَهمَّ بِها كما همّت به لكنه كان معصوماً والمعصوم لا يهمّ بذنب ولا يأتيه؟

قال ولقد حدّثني أبي عن الصادق عليه السلام أنّه قال همّت بأن تفعل وهمّ بأن لا يفعل وفي رواية : أنّها همّت بالمعصية وهمّ يوسف بقتلها ان أجبرته لعظم ما تداخله

١٣

فصرف الله عنه قتلها والفاحشة وهو قوله تعالى كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ يعني القتل والزّنا.

وعن السّجّاد عليه السلام : قامت امرأة العزيز الى الصّنم فألقت عليه ثوباً فقال لها يوسف أتستحيين ممّن لا يسمع ولا يبصر ولا يفقه ولا يأكل ولا يشرب ولا أستحي أنا ممّن خلق الإنسان وعلمه فذاك قوله تعالى لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ.

والعيّاشيّ مثله عن الباقر عليه السلام بعد ما : كذب قول الناس أنّه رأى يعقوب عاضّاً على إصبعه.

والقمّيّ أيضاً روى : قيامها إلى الصّنم عن الصادق عليه السلام.

وفي المجالس عنه عليه السلام : أنّ رضا الناس لا يملك وألسنتهم لا تضبط وكيف تسلمون ممّن لم يسلم منه أنبياء الله ورسله وحجج الله ألم ينسبوا يوسف إلى أنّه همّ بالزّنا.

أقول : وقد نسبت العامّة خذلهم الله إلى يوسف في هذا المقام أموراً ورووا بها روايات مختلفة لا يليق للمؤمن نقلها فكيف باعتقادها ونعم ما قيل انّ الذين لهم تعلق بهذه الواقعة هم يوسف والمرأة وزوجها والنسوة والشهود وربّ العالمين وإبليس وكلّهم قالوا ببراءة يوسف عن الذنب فلم يبق لمسلم توقف في هذا الباب امّا يوسف فقوله هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وقوله رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وأمّا المرأة فلقولها وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وقالت الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وامّا زوجها فلقوله إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ وأمّا النّسوة فلقولهنّ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وقولهنّ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ وأمّا الشهود قوله تعالى شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها الآية وامّا شهادة الله بذلك فقوله عزّ من قائل كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ وامّا إقرار إبليس بذلك فلقوله فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ فأقّر بأنّه لا يمكنه إغواء العباد المخلصين وقد قال الله تعالى إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ فقد أقرّ إبليسُ

١٤

بأنّه لم يغوه وعند هذا نقول إنّ هؤلاء الجهّال الذين نسبُوا إلى يوسف الفضيحة ان كانوا من اتباع دين الله فليقبلوا شهادة الله بطهارته وان كانوا من أتباع إبليس وجنوده فليقبلوا إقرارَ إبليس بطهارته.

(٢٥) وَاسْتَبَقَا الْبابَ أي تسابقا إليه وذلك أنّ يوسف فرّ منها ليخرُج وأسرعت وراءه لتمنعه الخروج وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ اجتذبته من ورائه فانقدّ قميصه والقدّ الشّقّ طولاً والقطّ الشَّقّ عرضاً وَأَلْفَيا سَيِّدَها وصادفها زوجها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ بادرت إلى هذا القول إيهاماً بأنّها فرّت منه تبرئة لساحتها عند زوجها وما نافية أو استفهاميّة.

(٢٦) قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي طالبتني بالمواتاة وانّما قال ذلك دفعاً لما عرضته له من السّجن والعذاب ولو لم تكذب عليه لما قاله وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها وهو صبيّ (١) من أهلها زائر لها كما يأتي عن السّجّاد عليه السلام.

والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : ألهم الله عزّ وجلّ يوسف أن قال للملك سل هذا الصّبيّ في المهد فانه سيشهد انّها راودتني عن نفسي فقال العزيز لِلصبيّ فأنطق الله الصبيّ في المهد ليوسف فقال إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ لأنّه يدلّ على أنّها قدّت قميصه من قدّامه بالدّفع عن نفسها أو أنّه أسرع خلفها فتعثر بذيله فانقدّ جيبه.

(٢٧) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ لأنّه يدلّ على أنّها تبعته فاجتذبت ثوبه فقدّته.

(٢٨) فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَ من حيلتكنّ والخطاب لها وَلأمثالها من النّساءِ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ لأنّه يعلق بالقلب ويؤثّر في النّفس لمواجهتهنّ به بخلاف كيد الشيطان فانّه يوسوس به مسارقة.

__________________

(١) قيل كان الصّبيّ ابن أخت زليخا وهو ابن ثلاثة أشهر م ن.

١٥

(٢٩) يُوسُفُ يا يوسف أَعْرِضْ عَنْ هذا اكتمه ولا تذكرهُ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ يا زليخا إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ من القوم المذنبين من خطئ إذا أذنب متعمّداً والتذكير للتغليب.

(٣٠) وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ تطلب مواقعة غلامها إيّاها قَدْ شَغَفَها حُبًّا شق شغاف قلبها وهو حجابه حتّى وَصَل إلى فؤادها حبّاً.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام يقول : قد حجبَها حبّه عن الناسِ فلا يعقل غيره والشغافُ هو حجاب القلب وقرئ شعفها بالمهملة أي أحرقها كما يحرق البعير بالقطران إذا هنيء به ونسبها في المجمع والجوامع إلى أهل البيت عليهم السلام إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ عن الرشد وَبُعْد عن الصواب مُبِينٍ ظاهِر.

القمّيّ : وشاع الخبر بمصر وجعلن النساء يتحدثن بحديثها ويعذلنها ويذكرنها.

(٣١) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَ باغتيابهنّ وتعييرهنّ وانما سماه مكراً لأنّهنَّ أخفينه كما يخفي الماكر مكره أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَ تدعوهنّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً طعاماً ومجلس طعام كما يأتي عن السجّاد عليه السلام فانّهم كانوا يتّكئون للطعام والشرّاب تترفاً ولذلك نهى عنه والقمّيّ مُتَّكَأً أي أترجة كأنّه قرء بإسكان التاءِ وحذف الهمزة وَآتَتْ أعطت كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً.

القمّيّ : بعثت إلى كل امرأة رئيسة فجمعنَ في منزلها وهيَأت لهنّ مجلساً ودفعت إلى كلّ امرأة أترجة وسكّيناً فقالت اقطعنَ وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ.

القمّيّ وكانَ في بيت فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ عظمّنه وهِبن حسنه الفائق.

في المجمع عن النبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلم : رأيت في السماءِ الثانية رجلاً صورته صورة القمر ليلة البدر فقلت لجبرئيل من هذا قال هذا أخوك يوسف يعني حين أسرى به.

١٦

والقمّيّ عن الصادق عليه السلام : ما يقرب منه وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ جرحنها بالسّكاكين من فرط الدهشة وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ تنزيهاً لله من صفات العجز وتعجّباً من قدرته على خلق مِثله ما هذا بَشَراً لأنّ هذا الجمال غير معهود للبشر إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ لأنّ جماله فوق جَمال البشر ولأنّ الجمعَ بين الجمال الرايق والكمال الفائق والعصمة البالغة من خواصّ الملائكة.

(٣٢) قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ أي فهو ذلك العبد الكنعاني الذي لمتنّني في الافتتان به قبل أن تتصوّرنه حقّ تصوّره ولو تصوّرتنّ بما عاينتنّ لعذرتنّني وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ فامتنع طالباً للعصمة أقرت لهنّ حين عرفت أنّهنّ يعذرنها كي يعاونّها على إِلآنة عريكتِه (١) وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ الأذلّاء.

(٣٣) قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ أي آثر عندي من مواتاتها (٢) نظراً إلى العاقبة واسناد الدعوة إليهنّ جميعاً لأنّهنَّ خوّفنه عن مخالفتها وزيّن له مطاوعتها.

والقمّيّ : فما أمسى يوسف في ذلك البيت حتّى بعثت إليه كل امرأة تدعوه إلى نفسها فضجر يوسف في ذلك البيت قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ الآية وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي وان لم تصرف عنّي كَيْدَهُنَ في تحبيب ذلك إليّ وتحسينه عندي بالتثبيت على العصمة أَصْبُ إِلَيْهِنَ أمل الى اجابتهنّ أو إلى أنفسهنّ بطبعي ومقتضى شهوتي والصبوّ الميل إلى الهوى وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ من السفهاء بارتكاب ما يدعونني إليه.

(٣٤) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فأجاب (٣) الله دعائه الذي تضمّنه قوله وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي

__________________

(١) في الحديث : المؤمن لينّ العريكة الطبيعة يقال فلان ليّن العريكة إذا كان سلساً مطواعاً منقاداً قليل الخلاف والنفور ولانت عريكته إذا انكسرت نخوته م.

(٢) المواتاة حسن المطاوعة والموافقة وأصله الهمزة وخفّفت وكثر حتّى صار يقال بالواو الخالصة م.

(٣) فان قيل ما معنى سؤال يوسف اللّطف من الله وهو عالم بأنّ الله يفعله لا محالة فالجواب انه يجوز ان يتعلّق المصلحة بالألطاف عند الدعاء المجدّد ومتى قيل كيف علم انّه لو لا اللّطف لركب الفاحشة وإذا وجد اللّطف امتنع قلنا لمّا

١٧

فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَ فثبّته بالعصمة حتّى وطنّ نفسه على مشقة السجن وآثرها على اللّذة المتضمّنة للعصيان إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لدعاء الملتجئين إليه الْعَلِيمُ بأحوالهم وما يصلحهم.

في العلل عن السجّاد عليه السلام : وكان يوسف عليه السلام من أجمل أهل زمانه فلمَّا راهق يوسف عليه السلام راوَدَتْهُ امرأة الملك عَنْ نَفْسِهِ* فقال لها مَعاذَ اللهِ أنَا من أهل بيت لا يزنون وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ عليها وقالت لا تخف وألقت نفسها عليه فأفلت (١) منها هارباً إلى الباب ففتحه فلحقته فجذبَت قميصه من خلفه فأخرجته منه فأفلت منها يوسف عليه السلام في ثيابه وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ قال فهمّ الملك بيوسف ليعذبه فقال له يوسف وإله يعقوب ما أردت بأهلك سوءً بل هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي فسَل هذا الصّبيّ أيّنا راود صاحبه عن نفسه قال وكان عندها صبّي من أهلها زائر لها فانطق الله الصّبيّ لفصل القضاء فقال أيّها الملك أنظر إلى قميص يوسف فان كان مقدوداً من قدّامه فهو الذي راودها وإن كان مقدوداً من خلفه فهي الّتي راودته فلما سمع الملك كلام الصّبيّ وما اقتص أفزعه ذلك فزعاً شديداً فجيء بالقميص فنظر إليه فلمَّا رآه مقدوداً من خلفه قال لها إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ وقال ل يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا ولا يسمعه منك أحد واكتمه قال فلم يكتمه يوسف وأذاعه في المدينة حتّى قلن نسوة منهنّ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ فبلغها ذلك ف أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَ وهيأت لهنّ طعاماً ومجلساً ثمّ أتتهنّ بأترج وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً ثم قالَتِ ليوسف اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ ما قلن فقالت لهنّ هذا الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ تعني في حبّه وخرجن النسوة من عندها فأرسلت كلّ واحدة منهنّ إلى يوسف سرّاً من صواحبها تسأله الزيارة فأبى

__________________

وجد في نفسه من الشّهوة وعلم انه لو لا لطف الله لارتكب القبيح وعلم انّ الله سبحانه يعصم أنبيائه بالألطاف وانّ من لا يكون له لطف لا يبعثه الله نبيّاً م ن.

(١) التفلّت والإفلات التخلّص يقال أفلت الطائر وغيره افلاتاً إذا تخلّص وفلت الطّائر فلتاً من باب ضرب لغة م.

١٨

عليهن وقال إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ فصرف الله عَنْهُ كَيْدَهُنَ.

(٣٥) ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ من بعد ما رأوا الشواهِدَ الدالة على براءة يوسف لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (١) وذلك لأنّها خدعت زوجها وحملته على سجنه زماناً حتى تبصر ما يكون منه أو يحسب الناس أنّه المجرم.

القمّيّ عن الباقر عليه السلام : الْآياتِ شهادة الصّبيّ والقميص المخرق من دبر واستباقهما الباب حتّى سمع مجاذبتها إيّاه على الباب فلمَّا عصاها لم تزل مولعة بزوجها حتّى حبسه.

وعن الرضا عليه السلام : قال السجان ليوسف إنّي لأحبّك فقال يوسف ما أصَابني ما أصابني إلّا من الحبّ ان كانت خالتي أحبّتني سرَّقتني (٢) وإن كان أبي أحبّني حَسدني إخوتي وان كانت امرأة العزيز أحبّتني حَبسَتني والعيّاشيّ مثله : إلّا أنّه ذكر العمة مكان الخالة.

وزاد القمّيّ : وشكا في السجن إلى الله فقال يا ربّ بما استحققت السِّجن فأوحى الله إليه أنت اخترته حين قلت رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ هلا قلت العافية أحبّ إليّ ممّا يدعونني إليه.

في الخصال عن الصادق عليه السلام : البكاءون خمسة إلى أن قال : وأمّا يوسف فبكى على يعقوب حتّى تأذّى به أهل السجن فقالوا له إمّا أن تبكي الليل وتسكت بالنّهار وأمّا أن تبكي النهار وتسكت بالليل فصالحهم على واحد منهما.

والعيّاشيّ عنه عليه السلام : ما بكى أحد بكاء ثلاثة إلى قوله : وأمّا يوسف فانه كان يبكي على أبيه يعقوب وهو في السجن فصالحهم على أن يبكي يوماً ويسكت يوماً.

__________________

(١) قيل الى سبع سنين وقيل إلى وقت يتسع حديث المرأة معه وينقطع فيه عن النّاس خبره م ن.

(٢) سرّقه اي نسبه الى السّرقة ص.

١٩

وفي الكافي عنه عليه السلام : جاء جبرئيل إلى يوسف عليه السلام وهو في السجن فقال له يا يوسف قل في دبر كلّ صلوة اللهمّ اجعل لي فرجاً ومخرجاً وارزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب وفي المجمع عنه عليه السلام ما في معنى الرّوايتين.

(٣٦) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ.

القمّيّ : عبدان للملك أحدهما خبّازه والآخر صاحب الشراب قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أي أرى في المنام وهي حكاية حال ماضية أَعْصِرُ خَمْراً أي عنباً سماه بما يؤل إليه وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام قال : أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي جفنة فيها خبز تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ العيّاشيّ عن الصادق عليه السلام : لمّا أمر الملك بحبس يوسف في السّجن ألهمه الله تعالى علم تأويل الرّؤيا فكان يعبّر لأهل السّجن رؤياهم وان فتبيّن أدخلا معه السّجن يوم حبسه لمّا باتا أصبحا فقالا له إنّا رأينا رؤيا فعبرها لنا فقال وما رأيتما قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي الآية إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.

في الكافي عن الصادق عليه السلام : كان يوسّع المجلس ويستقرض للمُحتاج ويعين الضعيف.

والقمّيّ عنه عليه السلام : كان يقوم على المريض ويلتمس للمحتاج ويوسع على المحبُوس وقيل ممّن يحُسن تأويل الرّؤيا أي يعلمه.

(٣٧) قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما أراد أن يدعوهما إلى التوحيد ويرشدهما الطريق القويم قبل أن يسعف إلى ما سألا منه كما هو طريقة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام في الهداية والإرشاد فقدم ما يكون معجزة له من الاخبار بالغيب ليدلّهما على صدقه في الدعوة والتعبير ذلِكُما أي ذلك التأويل مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي بالإلهام والوحي وليس من قبيل التكهّن والتنجمّ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ.

٢٠