السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-278-4
الصفحات: ٦١١
أعطى المجلود السوط فجلده (١) نكالاً ينكل بهما » (٢).
وفي رابع : شكا رجل إلى أمير المؤمنين عليهالسلام مَن قال له : احتلمت بأُمّك ، فقال عليهالسلام : « سنوجعه ضرباً وجيعاً حتى لا يؤذي المسلمين ، فضربه » الخبر (٣). ويستفاد منه الحكم عموماً أيضاً.
وفي خبرين : أنّه عليهالسلام كان يعزّر في الهجاء (٤).
فلا إشكال في الحكم مطلقاً ( ما لم يكن ) المؤذي ( متظاهراً ) بمعصية الله تعالى ، ولو تظاهر فلا تعزير ؛ لاستحقاقه الاستخفاف ، بل كان المؤذي مثاباً بذلك مأجوراً ، بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في الغنية (٥) ؛ لأنّه من النهي عن المنكر.
وقد ورد أنّ من تمام العبادة الوقوع في أهل الريب (٦).
وعن مولانا الصادق عليهالسلام : « إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة » (٧).
وعنه عليهالسلام قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا رأيتم أهل الريب والبدع
__________________
(١) في « ب » والفقيه زيادة : عشرين.
(٢) الكافي ٧ : ٢٤٢ / ١١ ، الفقيه ٤ : ٣٥ / ١٠٨ ، التهذيب ١٠ : ٨١ / ٣١٩ ، الوسائل ٢٨ : ٢٠٣ أبواب حدّ القذف ب ١٩ ح ٣.
(٣) التهذيب ١٠ : ٨٠ / ٣١٣ ، الوسائل ٢٨ : ٢١٠ أبواب حدّ القذف ب ٢٤ ح ١.
(٤) أحدهما في : الكافي ٧ : ٢٤٣ / ١٩ ، التهذيب ١٠ : ٨٢ / ٣٢٠ ، الوسائل ٢٨ : ٢٠٤ أبواب حدّ القذف ب ١٩ ح ٥.
والآخر في : التهذيب ١٠ : ٨٨ / ٣٤٠ ، الوسائل ٢٨ : ٢٠٤ أبواب حدّ القذف ب ١٩ ح ٦.
(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٤.
(٦) السرائر ٣ ( المستطرفات ) : ٦٤٤.
(٧) أمالي الصدوق : ٤٢ / ٧ ، الوسائل ١٢ : ٢٨٩ أبواب أحكام العشرة ب ١٥٤ ح ٤.
من بعدي فأظهروا البراءة منهم ، وأكثروا من سبّهم ، والقول فيهم ، وباهتوهم لئلاّ يطمعوا في الفساد في الإسلام ، ويحذرهم الناس ، ولا تعلّموا من بدعهم ، يكتب الله تعالى لكم بذلك الحسنات ، ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة » (١) إلى غير ذلك (٢).
ولا تصحّ مواجهته بما يكون نسبته إليه كذباً ؛ لحرمته ، وإمكان الوقيعة فيه من دونه.
وهل يشترط مع ذلك جعله على طريق النهي عن المنكر فيشترط بشروطه ، أم يجوز الاستخفاف به مطلقاً؟
ظاهر إطلاق النصّ والفتوى : الثاني ، والأول أحوط.
( ويثبت القذف ) وكلّ ما فيه التعزير ( بالإقرار مرّتين من المكلّف الحرّ المختار ، وبشهادة عدلين ) بلا خلاف ولا إشكال ؛ للعموم.
وإنّما الإشكال في عدم ثبوته بالمرّة من الإقرار كما هو ظاهر العبارة ، مع أنّ عموم « إقرار العقلاء » يقتضي الثبوت بها ، ولكن ظاهر الأصحاب خلافه ، وكأنّه إجماعيٌّ وإن أشعر عبارة الماتن في الشرائع (٣) بنوع تردّد له فيه ، بل بوجود مخالف أيضاً ، ولكن لم نقف عليه.
( ويشترط في القاذف ) الذي يحدّ كاملاً ( البلوغ ، والعقل ) والاختيار ، والقصد ، بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في التحرير (٤) وغيره (٥) ؛
__________________
(١) الكافي ٢ : ٣٧٥ / ٤ ، الوسائل ١٦ : ٢٦٧ أبواب الأمر والنهي ب ٣٩ ح ١ ؛ بتفاوت.
(٢) انظر الوسائل ١٦ : ٢٦٧ أبواب الأمر والنهي ب ٣٩.
(٣) الشرائع ٤ : ١٦٧.
(٤) التحرير ٢ : ٢٣٨.
(٥) كشف اللثام ٢ : ٤١٢.
وهو الحجّة ، مضافاً إلى الأصل ، والخبر في الأول : عن الغلام لم يحتلم يقذف الرجل ، هل يجلد؟ قال : « لا ؛ وذلك لو أنّ رجلاً قذف الغلام لم يحدّ » (١).
والصحيح الآتي وغيره (٢) في الثاني.
( فالصبيّ لا يحدّ بالقذف و ) لو كان المقذوف كاملاً ، بل ( يعزّر ).
( وكذا المجنون ) لا يُحَدّ بقذفه أحداً ولو كان كاملاً ، بل يعزّر .. وينبغي تقييد التعزير فيه بكونه ممّن يرجى منه الكفّ به ؛ لئلاّ يلغو.
ومنه يظهر وجه أنّه ينبغي تقييده في الصبي بكونه مميّزاً ، وإلاّ فتعزيره قبيح عقلاً ، فكذا شرعاً.
ووجه التعزير فيهما مع القيد حسم مادّة الفساد ، وهو الأصل في شرعيّة الحدود والتعزيرات ، وإلاّ فلم أجد نصّاً بتعزيرهما هنا.
ووجه اشتراط القصد والاختيار هنا واضح ، كما في سائر المواضع.
( الثاني : في ) بيان ( المقذوف ) الذي يُحَدّ قاذفه كاملاً.
( ويشترط فيه ) لذلك : الإحصان ، بلا خلاف ، كما في الآية الكريمة ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ) (٣).
ولمّا كان له معانٍ متعدّدة قالوا : المراد به هنا : ( البلوغ ، وكمال العقل ، والحرّية ، والإسلام ، والستر ) أي العفّة عن الزناء واللواط وعدم
__________________
(١) الكافي ٧ : ٢٠٥ / ٥ ، التهذيب ١٠ : ٦٨ / ٢٥١ ، علل الشرائع : ٥٣٤ / ١ ، الوسائل ٢٨ : ١٨٥ أبواب حدّ القذف ب ٥ ح ١.
(٢) في ص ٤٢.
(٣) النور : ٤.
التظاهر بهما.
( فمن قذف صبيّاً أو مجنوناً أو مملوكاً أو كافراً أو متظاهراً بالزناء ) واللواط ( لم يُحَدّ ويعزَّر ) إجماعاً كما في كلام جماعة (١) ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة :
منها زيادةً على ما مرّ إليه الإشارة الصحيح (٢) وغيره (٣) : « لا حدّ لمن لا حدّ عليه » يعني : لو أنّ مجنوناً قذف رجلاً لم أر عليه شيئاً ، ولو قذفه رجل فقال له : يا زان ، لم يكن عليه حدّ.
والصحيح : في الرجل يقذف الصبية يجلد؟ قال : « لا ، حتى تبلغ » (٤).
ومنها : « من افترى على مملوك عزّر لحرمة الإسلام » (٥).
ومنها : « لو أُتيت برجل قد قذف عبداً مسلماً بالزناء لا نعلم منه إلاّ خيراً لضربته الحدّ حدّ الحرّ إلاّ سوطاً » (٦).
ومنها : عن الافتراء على أهل الذمّة وأهل الكتاب هل يجلد المسلم الحدّ في الافتراء عليهم؟ قال : « لا ، ولكن يعزّر » (٧).
__________________
(١) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٤١٢ ، والمقدّس الأردبيلي في زبدة البيان : ٦٦١.
(٢) الكافي ٧ : ٢٥٣ / ٢ ، الوسائل ٢٨ : ٤٢ أبواب مقدمات الحدود ب ١٩ ح ١.
(٣) دعائم الإسلام ٢ : ٤٦٢ / ١٦٣٤ ، مستدرك الوسائل ١٨ : ٩٥ أبواب حدّ القذف ب ٥ ح ١.
(٤) الكافي ٧ : ٢٠٩ / ٢٣ ، الوسائل ٢٨ : ١٨٦ أبواب حدّ القذف ب ٥ ح ٤.
(٥) التهذيب ١٠ : ٧١ / ٢٦٩ ، علل الشرائع : ٥٣٨ / ٢ ، الوسائل ٢٨ : ١٨١ أبواب حدّ القذف ب ٤ ح ١٢.
(٦) الكافي ٧ : ٢٠٨ / ١٧ ، الفقيه ٤ : ٣٧ / ١١٩ ، التهذيب ١٠ : ٧١ / ٢٦٦ ، الوسائل ٢٨ : ١٧٨ أبواب حدّ القذف ب ٤ ح ٢.
(٧) الكافي ٧ : ٢٤٣ / ١٨ ، التهذيب ١٠ : ٧٥ / ٢٨٩ ، الوسائل ٢٨ : ٢٠٠ أبواب حدّ القذف ب ١٧ ح ٤.
وقد مرّ ما يدلّ على اعتبار الستر (١).
وأمّا الخبر : « كلّ بالغ من ذكر أو أُنثى افترى على صغير أو كبير ، أو ذكر أو أُنثى ، أو مسلم أو كافر ، أو حرّ أو مملوك ، فعليه حدّ الفرية » (٢) فمع إرساله ، شاذّ لا عامل به ، وحمله الشيخ على الافتراء على أحد أبوي الصغير أو المملوك أو الكافر مع إسلامه وحرّيته وغيره ؛ على أنّ المراد بالحدّ فيه ما يعمّ التعزير. ولا بأس به وإن بَعُدَ جمعاً.
وظاهر العبارة وجماعة تعزير قاذف المتظاهر بالزناء (٣).
وهو خلاف ما دلّ على نفي تعزيره (٤) ؛ معلّلاً بعدم حرمته. ولذا مال الشهيدان إلى العدم (٥) ، ووجّه ثانيهما ما هنا بعموم الأدلّة (٦) (٧) وقبح القذف مطلقاً ، بخلاف مواجهة المتظاهر بالزناء بغيره من أنواع الأذى. وهو كما ترى.
نعم ، ربما يؤيّده فحوى ما دلّ على تعزير قاذف الكافر ، فتأمّل.
( وكذا ) يشترط فيه انتفاء البنوّة فـ ( الأب لو قذف ولده ) المحصن لم يحدّ ، بل يعزّر.
وكذا لو قذف زوجته الميّتة ولا وارث لها إلاّ ولده ، نعم ، لو كان لها
__________________
(١) في ص : ١٩.
(٢) الفقيه ٤ : ٣٦ / ١١٤ ، التهذيب ١٠ : ٨٩ / ٣٤٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٣٤ / ٨٨١ ، الوسائل ٢٨ : ١٨٦ أبواب حدّ القذف ب ٥ ح ٥.
(٣) منهم العلاّمة في التحرير ٢ : ٢٣٨ ، والقواعد ٢ : ٢٦١ ، والشهيد في اللمعة ( الروضة البهية ٩ ) : ١٨٠ ، والفاضل المقداد في كنز العرفان ٢ : ٣٤٦.
(٤) المتقدّم في ص ٤٠.
(٥) اللمعة والروضة ٩ : ١٨١.
(٦) الوسائل ٢٨ : ١٧٣ أبواب حدّ القذف ب ١.
(٧) كذا في « س » والمصدر ، وفي « ن » : أو ، وفي « ح » : في.
ولد من غيره كان لهم الحدّ تامّاً.
كلّ ذلك للصحيح : عن رجل قذف ابنه [ بالزناء ] فقال : « لو قتله ما قتل به ، وإن قذفه لم يجلد له » قال : « وإن كان قال لابنه : يا ابن الزانية ، وأُمّه ميّتة ، ولم يكن لها من يأخذ بحقّها منه إلاّ ولدها [ منه ] ، فإنّه لا يقام عليه الحدّ ؛ لأنّ حقّ الحدّ قد صار لولده منها ؛ وإن كان لها ولد من غيره فهو وليّها [ يجلد له ] ؛ وإن لم يكن لها ولد من غيره ، وكان لها قرابة يقومون بحقّ الحدّ ، جلد لهم » (١).
ولا خلاف في شيء من ذلك ( و ) لا في أنّه ( يحدّ الولد لو قذفه ) أي قذف الأب ـ ( وكذا ) يحدّ لو قذف الأُمّ أو ( الأقارب ) مطلقاً ، ويحدّون لو قذفوه ؛ للعموم.
( الثالث : في ) بيان ( الأحكام ).
( فلو قذف ) شخصٌ ( جماعة ) واحداً بعد واحد ، فلكلّ واحد حدّ ، ولو قذفهم ( بلفظ واحد ) ك : يا زناة ـ ( فعليه ) للجميع ( حدّ ) واحد ( إن طالبوا مجتمعين ، وإن افترقوا ) في المطالبة ( فلكلّ واحد حدّ ) على الأظهر الأشهر ، وفي الغنية والسرائر الإجماع عليه (٢) ؛ وهو الحجّة.
مضافاً إلى الصحيح : في رجل افترى على قوم جماعة ، فقال : « إن أتوا به مجتمعين ضرب حدّا واحداً ، وإن أتوا به متفرّقين ضرب لكلّ واحد حدّا » (٣) ونحوه أخبار أُخر (٤) ، قصور أسانيدها أو ضعفها بالشهرة العظيمة
__________________
(١) الكافي ٧ : ٢١٢ / ١٣ ، التهذيب ١٠ : ٧٧ / ٢٩٨ ، الوسائل ٢٨ : ١٩٦ أبواب حدّ القذف ب ١٤ ح ١ ؛ وما بين المعقوفين من المصدر.
(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٣ ، السرائر ٣ : ٥١٩.
(٣) الكافي ٧ : ٢٠٩ / ١ ، التهذيب ١٠ : ٦٨ / ٢٥٤ ، الإستبصار ٤ : ٢٢٧ / ٨٤٨ ، الوسائل ٢٨ : ١٩٢ أبواب حدّ القذف ب ١١ ح ١.
(٤) انظر الوسائل ٢٨ : ١٩٢ أبواب حد القذف ب ١١.
منجبر.
وإنّما حملت على ما لو كان القذف بلفظ واحد مع كونه أعمّ ، جمعاً بينه وبين الحسن : في رجل قذف قوماً جميعاً ، قال : « بكلمة واحدة؟ » قلت : نعم ، قال : « يضرب حدّا واحداً ، وإن فرّق بينهم في القذف ضرب لكلّ واحد منهم حداً » (١) بحمل الأولة على ما لو كان القذف بلفظ واحد ، والأخير على ما لو جاءُوا به مجتمعين.
وعكس الإسكافي ، فجعل القذف بلفظ واحد موجباً لاتّحاد الحدّ مطلقاً ، وبلفظ متعدّد موجباً للاتّحاد إن جاءُوا مجتمعين ، وللتعدّد إن جاءُوا متفرّقين (٢).
ونفى عنه البأس في المختلف ؛ محتجّاً بدلالة الخبر الأول عليه ، وهو أوضح طريقاً (٣).
وفيه نظر ؛ لأنّ تفصيل الأول شامل للقذف المتّحد والمتعدّد ، فالعمل به يوجب التفصيل فيهما. والظاهر أنّ قوله فيه : جماعة ، صفة للقوم ؛ لأنّه أقرب وأنسب بالجماعة ، لا للقذف ، وإنّما يتّجه قوله لو جعل صفة للقذف المدلول عليه بالفعل ، وأُريد بالجماعة القذف المتعدّد. وهو بعيد جدّاً ، بل الظاهر ما ذكرناه ، أو ما قيل (٤) من أنّ المراد بقوله : جماعة ، اجتماعهم في الفرية ، بمعنى : قذفهم بكلمة واحدة ، وعليه فلا يكون القذف في الخبر
__________________
(١) الكافي ٧ : ٢٠٩ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ٦٩ / ٢٥٦ ، الإستبصار ٤ : ٢٢٧ / ٨٥١ ، الوسائل ٢٨ : ١٩٢ أبواب حدّ القذف ب ١١ ح ٢.
(٢) حكاه عنه في المختلف : ٧٨١.
(٣) المختلف : ٧٨١.
(٤) انظر مرآة العقول ٢٣ : ٣٢١.
أعمّ من المتّحد والمتعدّد ، بل ظاهر في الأول ، ويكون التعارض بينه وبين الخبر الأخير تعارض المطلق والمقيّد من وجه واحد ؛ ولا كذلك على تقدير الأعمّية ، فإنّ كلاًّ منهما مطلق من وجه ومقيّد من آخر ؛ وعلى التقديرين يجب حمل المطلق على المقيّد من طرف واحد ، أو من الطرفين.
وهنا قولان آخران للصدوق ، أحدهما في الفقيه والمقنع (١) ، وثانيهما في الهداية (٢). وهما شاذّان غير واضحي المستند ، أو ضعيفة.
( وحدّ القذف يُورَث ) لو مات المقذوف قبل استيفائه والعفو عنه ( كما يُوَرث المال ، و ) لكن ( لا يرث الزوج ولا الزوجة ) بل ولا غيرهما من ذوي الأسباب ، عدا الإمام ، فيرثه ، ولكن ليس له العفو ، كما في الغنية ، مدّعياً عليه وعلى أصل الحكم إجماع الإماميّة (٣) ، كما عن الخلاف (٤) وفي غيره (٥) أيضاً لكن على الثاني خاصّة ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى النصوص المستفيضة فيه :
منها زيادةً على ما يأتي إليه الإشارة الصحيح المتقدّم (٦) فيمن قذف زوجته وهي ميتة ولها قرابة يقومون بحقّ الحدّ ، قال : « جلد لهم ».
وأمّا الخبر : « الحدّ لا يورث » (٧) فمع قصور سنده بالسكوني
__________________
(١) الفقيه ٤ : ٣٨ ، المقنع : ١٤٩.
(٢) الهداية : ٧٦.
(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٣.
(٤) الخلاف ٥ : ٤٠٦.
(٥) السرائر ٣ : ٥٢١.
(٦) في ص ٤٤.
(٧) الكافي ٧ : ٢٥٥ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ٨٣ / ٣٢٨ ، الإستبصار ٤ : ٢٣٤ / ٨٨٢ ، الوسائل ٢٨ : ٤٦ أبواب مقدّمات الحدود ب ٢٣ ح ٢.
وصاحبه ، محمول على ما ذكره الشيخ وغيره (١) من أنّ المراد أنّه لا يورث في أنّ كلّ واحد منهم يأخذ نصيبه وإن كان لكلّ واحد من الورثة المطالبة به على الكمال ، كما في صريح الموثّق : « إنّ الحدّ لا يورث كما يورث التركة والمال والعقار ، ولكن من قام به من الورثة يطلبه فهو وليّه ، ومن تركه فلم يطلبه فلا حقّ له ، وذلك مثل رجل قذف رجلاً وللمقذوف أخَوان ، فإن عفا أحدهما كان [ للآخر ] أن يطالبه بحقّه ؛ لأنّها أُمّهما جميعاً ، والعفو إليهما جميعاً » (٢).
ويحتمل الحمل على التقيّة ؛ لما ذكره بعض الأجلّة من أنّه قول للعامّة ، قال : ولهم قول آخر بأنّه يرثه العصبات (٣). ويعضده كون الراوي هو السكوني الذي هو من قضاتهم.
( ولو قال : ابنك زان ) أو : لائط ( أو : بنتك زانية ، فالحدّ لهما ) مع بلوغهما وعقلهما ، لا للمواجه ؛ لما مرّ من أنّه لم ينسب إليه فعلاً قبيحاً (٤) ، ولازم ذلك أنّ حقّ المطالبة والعفو فيه للمقذوف خاصّة كما في غيره من الحقوق ، وإلى هذا ذهب الحلّي (٥) وعامّة المتأخّرين.
( وقال ) الشيخ ( في النهاية ) والمفيد والقاضي : إنّ ( له ) أي
__________________
(١) الشيخ في الاستبصار ٤ : ٢٣٤ ؛ وانظر المسالك ٢ : ٤٣٧ ، وكشف اللثام ٢ : ٤١٤.
(٢) الكافي ٧ : ٢٥٥ / ١ ، التهذيب ١٠ : ٨٣ / ٣٢٧ ، الإستبصار ٤ : ٢٣٥ / ٨٨٣ ، الوسائل ٢٨ : ٤٥ أبواب مقدّمات الحدود ب ٢٣ ح ١ ؛ بدل ما بين المعقوفين في النسخ : للرجل ، وما أثبتناه من المصدر.
(٣) انظر كشف اللثام ٢ : ٤١٤.
(٤) في ص ٣٣.
(٥) السرائر ٣ : ٥١٩.
للأب المواجه ـ ( المطالبة ) للحدّ ( والعفو ) عنه (١) ؛ والحجّة عليه غير واضحة ، عدا ما في المختلف من أنّ العار لاحق به ، فله المطالبة بالحدّ والعفو (٢). والكبرى ممنوعة.
هذا ، إن لم يسبقه الولدان إلى أحد الأمرين ، ولو سبقاه إليه لم يكن له ذلك بلا خلاف فيه ، ولا في أنّ للأب الاستيفاء إذا قُذِفا وولايته ثابتة عليهما ؛ قيل (٣) : لأنّهما غير صالحين للاستيفاء أو العفو ، والتأخير معرّض للسقوط. وكذا لو ورث الولد الصغير ومن في معناه حدّا كان للأب الاستيفاء أيضاً. وفي جواز العفو له في الصورتين إشكال (٤).
( ولو ورث الحدّ جماعة ، فعفا ) عنه ( أحدهم ، كان لمن بقي ) ولو واحداً ( الاستيفاء ) له ( على التمام ) بلا خلاف أجده ، بل عليه الإجماع في الغنية (٥) ، وبه صرّحت الموثّقة المتقدّمة.
( ويقتل القاذف في ) المرّة ( الرابعة إذا حدّ ثلاثاً ) على الأشهر الأقوى ، وفي الغنية عليه إجماعنا (٦).
( وقيل ) كما عن الحلّي (٧) ـ : إنّه يقتل ( في الثالثة ) للصحيح العامّ في كلّ كبيرة (٨) ؛ وفيه ما عرفته غير مرّة.
__________________
(١) النهاية : ٧٢٤ ، المفيد في المقنعة : ٧٩٤ ، القاضي في المهذّب ٢ : ٥٤٧.
(٢) المختلف : ٧٨٠.
(٣) ليست في « ب ».
(٤) كشف اللثام ٢ : ٤١٤.
(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٣.
(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٣.
(٧) السرائر ٣ : ٥١٩.
(٨) الكافي ٧ : ١٩١ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٥١ / ١٨٢ ، التهذيب ١٠ : ٩٥ / ٣٦٩ ، الإستبصار ٤ : ٢١٢ / ٧٩١ ، الوسائل ٢٨ : ١٩ أبواب مقدّمات الحدود ب ٥ ح ١.
( والحدّ ثمانون جلدة ) بنصّ الكتاب (١) ، والإجماع ، والسنّة المستفيضة (٢) ( حرّا كان القاذف أو عبداً ) على الأشهر الأقوى ، بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا ، وفي صريح الغنية وظاهر النكت والروضة وعن الخلاف وغيره أنّ عليه إجماع الإماميّة (٣) ؛ لعموم الأدلّة ، وصريح المعتبرة المستفيضة :
منها الصحيح : « إذا قذف العبد الحرّ جُلِد ثمانين ، هذا من حقوق الناس » (٤).
ونحوه الموثّق (٥) والحسن (٦) بزيادة في آخرهما ، وهي قوله : « فأمّا ما كان من حقوق الله تعالى فإنّه يضرب نصف الحدّ » قلت : الذي يضرب نصف الحدّ فيه ما هو؟ قال : « إذا زنى أو شرب خمراً فهذا من حقوق الله تعالى التي يضرب فيها نصف الحدّ ».
خلافاً للصدوق والمبسوط ، فعلى المملوك أربعون (٧) ؛ لقوله تعالى ( فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ) (٨)
__________________
(١) النور : ٤.
(٢) انظر الوسائل ٢٨ : ١٧٥ أبواب حدّ القذف ب ٢.
(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٢ ، غاية المراد ٤ : ٢٣٠ ، الروضة ٩ : ١٨٨ ، الخلاف ٥ : ٤٠٣ ، وانظر : فقه القرآن ٢ : ٣٨٩ ، والمسالك ٢ : ٤٣٦.
(٤) الكافي ٧ : ٢٣٤ / ١ ، التهذيب ١٠ : ٧٢ / ٢٧٠ ، الإستبصار ٤ : ٢٢٨ / ٨٥٣ ، الوسائل ٢٨ : ١٧٩ أبواب حدّ القذف ب ٤ ح ٤.
(٥) التهذيب ١٠ : ٧٣ / ٢٧٧ ، الإستبصار ٤ : ٢٢٩ / ٨٦٠ ، الوسائل ٢٨ : ١٨٢ أبواب حدّ القذف ب ٤ ح ١٤.
(٦) الكافي ٧ : ٢٣٧ / ١٩ ، التهذيب ١٠ : ٧٢ / ٢٧٥ ، الإستبصار ٤ : ٢٢٨ / ٨٥٨ ، الوسائل ٢٨ : ١٨١ أبواب حدّ القذف ب ٤ ح ١٠.
(٧) الصدوق في المقنع : ١٤٨ ، المبسوط ٨ : ١٦.
(٨) النساء : ٢٥.
وللخبر : عن العبد يفتري على الحرّ كم يجلد؟ قال : « أربعين » وقال : « إذا أتى بفاحشة فعليه نصف » (١).
ولفحوى ما دلّ على تنصيف حدّه في الزناء (٢) ؛ بناءً على أشدّيته من القذف جدّاً.
ويضعّف الجميع بأنّ المراد من الفاحشة هو الزناء خاصّة كما نقله عن المفسّرين جماعة (٣) ، ويظهر من اقترانهنّ بالمحصنات.
والرواية مع ضعف سندها وشذوذها كما صرّح به جماعة (٤) لا تعارض المعتبرة المستفيضة المتقدّمة ، المعتضدة بعموم الآية ، والشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً ، بل إجماع في الحقيقة كما حكاه جماعة حدّ الاستفاضة ، فيجب طرحها ، أو حملها على التقية ؛ لموافقتها لمذهب أكثر العامّة كالشافعي وأبي حنيفة كما صرّح به بعض الأجلّة (٥).
والأولويّة ممنوعة ؛ لوجود الفارق بين الزناء والقذف ، بكونه حقّ الناس ، وحدّ الزناء حقّ الله سبحانه ، كما نطقت به الأخبار السابقة ، وهو أسهل منه ، كما يستفاد منها ومن غيرها من المعتبرة (٦). ولو سلّمت
__________________
(١) التهذيب ١٠ : ٧٣ / ٢٧٨ ، الإستبصار ٤ : ٢٢٩ / ٨٦١ ، الوسائل ٢٨ : ١٨٣ أبواب حدّ القذف ب ٤ ح ١٥ ، وفي الجميع : نصف العذاب.
(٢) الوسائل ٢٨ : ١٣٣ أبواب حد الزنا ب ٣١.
(٣) انظر المسالك ٢ : ٤٣٦ ، الروضة ٩ : ١٧٧ ، التنقيح الرائع ٤ : ٣٦٤ ، كشف اللثام ٢ : ٤١٢ ، المفاتيح ٢ : ٨٦.
(٤) منهم الشيخ في التهذيب ١٠ : ٧٣ ، فخر المحقّقين في الإيضاح ٤ : ٥٠٧ ، الفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٣٦٤ ، الشهيد الثاني في الروضة ٩ : ١٧٧.
(٥) مجمع الفائدة ١٣ : ١٤٠ ، ملاذ الأخيار ١٦ : ١٤٥.
(٦) الكافي ٧ : ٢٣٥ / ٩ ، التهذيب ١٠ : ٧٢ / ٢٧٣ ، الوسائل ٢٨ : ١٨٠ أبواب حدّ القذف ب ٤ ح ٨.
فلا تعارض صريح الأدلّة ، فينبغي الخروج عنها بها بلا شبهة.
وفي الصحيح : العبد يفتري على الحرّ ، فقال : « يجلد حدّا إلاّ سوطاً أو سوطين » (١).
وفي الموثّق : « عليه خمسون جلدة » (٢).
وحملهما الشيخ على الافتراء بما ليس قذفاً.
وفي الصحيح : قال في رجل دعي لغير أبيه : « أقم بيّنتك أُمكّنك منه » فلمّا أتى بالبيّنة قال : إنّ امّه كانت أمة ، قال : « ليس عليك حدّ ، سبّه كما سبّك ، أو اعف عنه » (٣).
ويمكن أن يكون السؤال عن رجل ادّعى على آخر أنّه دعاه لغير أبيه ، فطلب عليهالسلام منه البيّنة ، فلمّا أتى بها شهدت بأنّه قال له : إنّ امّه كانت أمة لا أنّه دعاه لغير أبيه ، فقال عليهالسلام : « سبّه كما سبّك أو اعف عنه » ويمكن أن يكون الأمر كذلك في مثل هذا الكلام إذا وجّه به أحد.
( ويجلد ) القاذف ( بثيابه ) المعتادة ( ولا يجرّد ) عنها كما يجرّد الزاني ( و ) لا يضرب ضرباً شديداً ، بل ( يضرب ) ضرباً ( متوسّطاً ) اتّفاقاً على الظاهر ، المصرّح به في بعض العبائر (٤) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى النصوص المستفيضة :
منها الموثّق : « المفتري يضرب بين الضربين ، يضرب جسده كلّه
__________________
(١) التهذيب ١٠ : ٧٤ / ٢٧٩ ، الإستبصار ٤ : ٢٣٠ / ٨٦٢ ، الوسائل ٢٨ : ١٨٤ أبواب حدّ القذف ب ٤ ح ١٩.
(٢) التهذيب ١٠ : ٧٤ / ٢٨١ ، الإستبصار ٤ : ٢٣٠ / ٨٦٤ ، الوسائل ٢٨ : ١٨٤ أبواب حدّ القذف ب ٤ ح ٢٠.
(٣) التهذيب ١٠ : ٨٨ / ٣٤٢ ، الإستبصار ٤ : ٢٣٠ / ٨٦٧ ، الوسائل ٢٨ : ١٨٣ أبواب حدّ القذف ب ٤ ح ١٧.
(٤) كشف اللثام ٢ : ٤١٤.
فوق ثيابه » (١).
( ولا يعزّر الكفّار مع التنابز ) بالألقاب ، أي تداعيهم بها إذا اشتملت على ذمّ ؛ وكذا تعييرهم بالأمراض ، إلاّ أن يخشى حدوث فتنة فيحسمها الإمام بما يرى. كذا قالوه ، ولعلّه لا خلاف فيه ، ولكن نسبه الماتن في الشرائع إلى القيل (٢) ، المشعر بالتمريض.
وكأنّ وجهه : أنّ ذلك فعل محرّم يستحقّ فاعله التعزير ، والأصل عدم سقوطه بمقابلة الآخر بمثله ، بل يجب على كلّ منهما ما اقتضاه فعله ، فسقوطه يحتاج إلى دليل.
وله وجه لولا الشهرة القريبة من الإجماع ، المؤيّدة بفحوى جواز الإعراض عنهم في الحدود والأحكام فهنا أولى ، وما دلّ على سقوط الحدّ بالتقاذف ، كالصحيحين : في أحدهما : عن رجلين افترى كلّ واحد منهما على صاحبه ، فقال : « يدرأ عنهما الحدّ ويعزّران » (٣) فالتعزير أولى.
وفي التأييد الثاني نظر ، بل ربما كان في تأييد الخلاف أظهر ، فتدبّر.
( الرابع : في اللواحق )
( وهي ) خمس ( مسائل ) :
( الأُولى : يقتل من سبّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكذا من سبّ أحد
__________________
(١) الكافي ٧ : ٢١٣ / ٤ ، التهذيب ١٠ : ٧٠ / ٢٦٤ ، الوسائل ٢٨ : ١٩٧ أبواب حدّ القذف ب ١٥ ح ٣.
(٢) الشرائع ٤ : ١٦٦.
(٣) الكافي ٧ : ٢٤٠ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ٨١ / ٣١٦ ، الوسائل ٢٨ : ٢٠١ أبواب حدّ القذف ب ١٨ ح ١.
وأورد الآخر في : الكافي ٧ : ٢٤٢ / ١٤ ، الفقيه ٤ : ٣٩ / ١٢٨ ، التهذيب ١٠ : ٧٩ / ٣٠٧ ، الوسائل ٢٨ : ٢٠٢ أبواب حدّ القذف ب ١٨ ح ٢.
الأئمّة عليهمالسلام ) بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في كلام جماعة (١) ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى النصوص المستفيضة :
منها النبويّ الخاصّي : « من سمع أحداً يذكرني فالواجب عليه أن يقتل من شتمني ولا يرفع إلى السلطان ، والواجب على السلطان إذا رفع إليه أن يقتل من نال منّي » (٢).
ومنها : عمّن سُمِع يشتم علّياً عليهالسلام ، فقال : « هو والله حلال الدم ، وما ألف رجل منهم برجل منكم ، دعه » (٣).
( و ) يستفاد من الرواية الاولى : أنّه ( يحلّ دمه لكلّ سامع ) من غير توقّف على إذن الإمام ، كما هو المشهور ، بل عليه في الغنية الإجماع (٤).
خلافاً للمحكيّ عن المفيد والمختلف ، فلم يجوِّزا قتله بغير إذنه (٥) ؛ للخبر : إنّ أبا بحير عبد الله بن النجاشي سأل الصادق عليهالسلام فقال : إنّي قتلت ثلاثة عشر رجلاً من الخوارج كلّهم سمعتهم يبرأ من عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، فقال عليهالسلام : « لو كنت قتلتهم بأمر الإمام لم يكن عليك في قتلهم شيء ، ولكنّك سبقت الإمام ، فعليك ثلاث عشرة شاة تذبحها بمنى
__________________
(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٤٣٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٤١٥ ، والكاشاني في المفاتيح ٢ : ١٠٥.
(٢) الكافي ٧ : ٢٦٦ / ٣٢ ، التهذيب ١٠ : ٨٤ / ٣٣١ ، الوسائل ٢٨ : ٢١٢ أبواب حدّ القذف ب ٢٥ ح ٢.
(٣) الكافي ٧ : ٢٦٩ / ٤٣ ، التهذيب ١٠ : ٨٦ / ٣٣٥ ، الوسائل ٢٨ : ٢١٥ أبواب حدّ القذف ب ٢٧ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.
(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٣.
(٥) حكاه عنهما في كشف اللثام ٢ : ٤١٦ ، وهو في المقنعة : ٧٤٣ ، وفي المختلف : ٨٢١.
وتتصدّق بلحمها لسبقك الإمام ، وليس عليك غير ذلك » (١) ونحوه المرفوع (٢).
ومن (٣) الثانية وغيرها (٤) مع عموم نفي الضرر : اشتراط القتل بما ( إذا أمن ) القاتل ولم يخف على نفسه أو ماله أو على مؤمن نفساً أو مالاً ، وانتفاء الجواز مع الخوف على شيء من ذلك ، ولا خلاف فيه في الظاهر.
وفي إلحاق باقي الأنبياء بهم عليهمالسلام وجه قوي ؛ لأنّ تعظيمهم وكمالهم قد علم من دين الإسلام ضرورةً ، فسبّهم ارتداد ، فتأمّل ؛ مع أنّ في الغنية ادّعى عليه إجماع الإماميّة (٥).
لكن عن المبسوط : أنّه روي عن عليّ عليهالسلام أنّه قال : « لا أُوتى برجل يذكر أنّ داود عليهالسلام صادف المرأة إلاّ جلدته مائة وستّين ، فإنّ جلد الناس ثمانون ، وجلد الأنبياء مائة وستّون » (٦) فتأمّل. وهو ضعيف.
وألحق في التحرير (٧) وغيره (٨) بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : امّه وبنته ، من غير تخصيص بفاطمة ( سلام الله عليها ).
__________________
(١) رجال الكشّي ٢ : ٦٣٢ / ٦٣٤ ، الوسائل ٢٩ : ٢٣٠ أبواب ديات النفس ب ٢٢ ح ٢.
(٢) الكافي ٧ : ٣٧٦ / ١٧ ، الوسائل ٢٩ : ٢٣٠ أبواب ديات النفس ب ٢٢ ذيل ح ٢.
(٣) أي : ويستفاد من الرواية الثانية وغيرها.
(٤) الكافي ٧ : ٢٦٩ / ٤٤ ، التهذيب ١٠ : ٨٦ / ٣٣٦ ، الوسائل ٢٨ : ٢١٥ أبواب حد القذف ب ٢٧ ح ١.
(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٣.
(٦) المبسوط ٨ : ١٥.
(٧) التحرير ٢ : ٢٣٩.
(٨) هو المحقق الكركي في بعض حواشيه على ما حكاه عند صاحب الجواهر ٤١ : ٤٣٨.
قيل (١) : ويمكن اختصاص الحكم بها ( سلام الله عليها ) ؛ للإجماع على طهارتها بآية التطهير (٢). وهو حسن.
ثم إنّ إطلاق النصّ والفتوى يقتضي عدم الفرق في القاذف بين الرجل والمرأة ، والمسلم والكافر ، وبعدم الفرق بين الأخيرين صرّح في المسالك (٣) ، قال : وقد روي عن عليّ عليهالسلام : « إنّ يهوديّة تشتم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وتقع فيه ، فخنقها رجل حتى ماتت ، فأبطل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دمها » (٤).
( الثانية : يقتل مدّعي النبوّة ) بعد نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بلا خلاف ظاهر ولا محكيّ ؛ للنصوص :
منها : إنّ بزيعاً يزعم أنّه نبيّ! فقال : « إن سمعته يقول ذلك فاقتله » (٥).
( وكذا ) يقتل ( من قال : لا أدري أنّ محمّداً صلىاللهعليهوآلهوسلم صادق أم لا ، إذا كان على ظاهر الإسلام ) بلا خلاف.
وفي الخبر : أرأيت لو أنّ رجلاً أتى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : ما أدري أنبيّ أنت أم لا ، كان يقبل منه؟ قال : « لا ، ولكن يقتله ، إنّه لو قبل ذلك منه ما أسلم منافق » (٦).
وربما استدلّ للحكم في المقامين وما مضى بالارتداد الموجب
__________________
(١) الروضة ٩ : ١٩٤.
(٢) الأحزاب : ٣٣.
(٣) المسالك ٢ : ٤٣٨.
(٤) سنن أبي داود ٤ : ١٢٩ / ٤٣٦٢ ، سنن البيهقي ٧ : ٦٠ ، و ٩ : ٢٠٠.
(٥) الكافي ٧ : ٢٥٨ / ١٣ ، التهذيب ١٠ : ١٤١ / ٥٥٩ ، الوسائل ٢٨ : ٣٣٧ أبواب حدّ المرتد ب ٧ ح ٢.
(٦) الكافي ٧ : ٢٥٨ / ١٤ ، التهذيب ١٠ : ١٤١ / ٥٦١ ، الوسائل ٢٨ : ٣٣٣ أبواب حدّ المرتد ب ٥ ح ٤.
للقتل (١).
وهو حسن ، إلاّ أنّه لا يدلّ على القتل مطلقاً ولو كان المرتدّ ملّياً ، بل مقتضاه قتل الفطريّ مطلقاً ، والملّي على بعض الوجوه ، وهو خلاف ظاهر إطلاق النصّ والفتوى ، إلاّ أن ينزّل على مقتضاه.
واحترز بالقيد عن إنكار الكفّار لصدقه ، كاليهود والنصارى ، فإنّهم لا يُقتلَون بذلك ، وكذا غيرهم من فرَق الكفّار ، وإن جاز قتلهم بأمر آخر.
( الثالثة : يقتل الساحر إذا كان مسلماً ، ويعزّر إذا كان كافراً ) بلا خلاف ، فتوًى ونصّاً.
ففي القويّ : « ساحر المسلمين يقتل وساحر الكفّار لا يقتل ، قيل : يا رسول الله ، ولِمَ لا يقتل ساحر الكفّار؟ فقال : لأنّ الكفر أعظم من السحر ، ولأنّ السحر والشرك مقرونان » (٢).
وعليه يحمل إطلاق باقي النصوص ، منها : عن الساحر ، فقال : « إذا جاء رجلان عدلان فشهدا بذلك فقد حلّ دمه » (٣).
ومنها : « من تعلّم شيئاً من السحر كان آخر عهده بربّه ، وحدّه القتل إلاّ أن يتوب » (٤).
ومنها : « الساحر يضرب بالسيف ضربة واحدة على رأسه » (٥).
__________________
(١) المسالك ٢ : ٤٣٨.
(٢) الكافي ٧ : ٢٦٠ / ١ ، الفقيه ٣ : ٣٧١ / ١٧٥٢ ، التهذيب ١٠ : ١٤٧ / ٥٨٣ ، علل الشرائع : ٥٤٦ / ١ ، الوسائل ٢٨ : ٣٦٥ أبواب بقية الحدود ب ١ ح ١.
(٣) التهذيب ١٠ : ١٤٧ / ٥٨٥ ، الوسائل ٢٨ : ٣٦٧ أبواب بقية الحدود ب ٣ ح ١.
(٤) التهذيب ١٠ : ١٤٧ / ٥٨٦ ، الوسائل ٢٨ : ٣٦٧ أبواب بقية الحدود ب ٣ ح ٢.
(٥) الكافي ٧ : ٢٦٠ / ٢ ، التهذيب ١٠ : ١٤٧ / ٥٨٤ ، الوسائل ٢٨ : ٣٦٦ أبواب بقية الحدود ب ١ ح ٣.
وفي الأوّل منها دلالة على ردّ من قال بانحصار طريق ثبوته في الإقرار ؛ لأنّ الشاهد لا يعرف قصده ولا يشاهد التأثير.
وفي الثاني منها دلالة على عموم القتل للعامل بالسحر والمتعلّم له ، كما هو ظاهر إطلاق العبارة وغيرها من النصّ والفتوى.
خلافاً لجماعة ، فخصّوه بالأوّل (١) ؛ ولعلّ وجهه الأصل ، واختصاص ما دلّ على قتله بقولٍ مطلق بحكم التبادر بالعامل به ، والصريح في العموم ضعيف السند ، مع احتمال اختصاصه أيضاً بما مرّ ؛ بناءً على أنّ الغالب في المتعلّم له أن يعمل به. ولا يخلو عن وجه.
ثم إنّ مقتضى إطلاق النصّ والفتوى بقتله عدم الفرق فيه بين كونه مستحلا له أم لا ، وبه صرّح بعض الأصحاب (٢). وحكى آخر من متأخّري المتأخّرين قولاً بتقييده بالأول (٣) ؛ ووجهه غير واضح بعد إطلاق النصّ ، المنجبر ضعفه بعد الاستفاضة بفتوى الجماعة ، وعدم خلاف فيه بينهم أجده ، ولم أرَ حاكياً له غيره.
( الرابعة : يكره أن يزاد في تأديب الصبي ) وتعزيره حيث يحتاج إليه ( عن عشرة أسواط ، وكذا العبد ) كما هنا وفي الشرائع والتحرير والقواعد (٤) ، والسرائر لكن في العبد (٥) ؛ للنبويّ المرويّ في الفقيه : « لا يحلّ لوالٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجلد أكثر من عشرة أسواط إلاّ في
__________________
(١) منهم العلاّمة في التحرير ٢ : ٢٣٧ ، والقواعد ٢ : ٢٦٢ ، الشهيد الثاني في الروضة ٩ : ١٩٥ ، والمسالك ٢ : ٤٣٨ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٤١٦.
(٢) الروضة ٩ : ١٩٥.
(٣) مفاتيح الشرائع ٢ : ١٠٢.
(٤) الشرائع ٤ : ١٦٧ ، التحرير ٢ : ٢٣٧ ، القواعد ٢ : ٢٦١.
(٥) السرائر ٣ : ٥٣٤.
حدّ » وأذن في المملوك من ثلاثة إلى خمسة (١).
وفي آخر : في أدب الصبيّ والمملوك ، فقال : « خمسة أو ستّة ، وأرفق » (٢).
قيل : وبمضمونه أفتى الشيخ في النهاية ويحيى بن سعيد (٣).
وفي ثالث : « إنّ أمير المؤمنين عليهالسلام قال لصبيان : بلّغوا معلّمكم إن ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب أنّي أقتصّ منه » (٤).
وفي رابع : الرخصة في ضرب الصبيّ للتأديب إلى خمسة (٥).
ولم أر عاملاً بهما ، مع قصور سندهما ومخالفتهما لما مضى ، والجمع بينهما يقتضي ترتّب الأعداد المذكورة في الكراهة ضعفاً وشدّة.
وإنّما حملها الأصحاب عليها مع أنّ ظاهر جملة منها وصريح بعضها التحريم للأصل ، وقصور الأسانيد ، ومعارضتها بأقوى منها ممّا دلّ على أنّ التعزير إلى الوالي ، يجريه بحسب ما يراه ما لم يزد الحدّ.
ففي الخبر المرويّ في الكافي ضعيفاً وعن العلل صحيحاً : كم التعزير؟ قال : « دون الحدّ » قلت : دون ثمانين؟ قال : « لا ، ولكن دون أربعين ، فإنّها حدّ المملوك » قلت : وكم ذاك؟ قال : « على قدر ما يراه الوالي
__________________
(١) الفقيه ٤ : ٥٢ / ١٨٧ ، الوسائل ٢٨ : ٣٧٥ أبواب بقية الحدود ب ١٠ ح ٢.
(٢) الكافي ٧ : ٢٦٨ / ٣٥ ، التهذيب ١٠ : ١٤٩ / ٥٩٧ ، الوسائل ٢٨ : ٣٧٢ أبواب بقية الحدود ب ٨ ح ١.
(٣) قال به في كشف اللثام ٢ : ٤١٥ ، وهو في النهاية : ٧٣٢ ، وفي الجامع للشرائع لم نجد التصريح به.
(٤) الكافي ٧ : ٢٦٨ / ٣٨ ، التهذيب ١٠ : ١٤٩ / ٥٩٩ ، الوسائل ٢٨ : ٣٧٢ أبواب بقية الحدود ب ٨ ح ٢ ؛ بتفاوت يسير.
(٥) المحاسن : ٦٢٥ / ٨٥ ، الوسائل ٢٨ : ٣٧٣ أبواب بقية الحدود ب ٨ ح ٣.